تعتبر نظرية الالتزام من أهم النظريات القانونية في الحياة
العملية للفرد فهي قوام تعاملاته وعلاقاته اليومية ومنها و إليها تنتهي تصرفاته المتعددة
وقد قسمت هذه النظرية مصادر الالتزام إلى مصدرين رئيسين :
1 ـ المصادر الإرادية وتشمل :
أ ـ العقد ب ـ الإرادة المنفردة
2 ـ المصادر غير الإرادية وتشمل :
أ ـ العمل الضار ب ـ الإثراء بلا سبب ج ـ القانون
ويعتبر العقد من أكثر المصادر شيوعاً بين الأطراف لذا فقد عنيت به النصوص
القانونية وفندت أركانه وشروط صحته وإنهائه ما بين قواعد عامة تتعلق بالنظام العام
و أمور خاصة تتعلق بإرادة الأطراف لا يترتب عليها الإنهاء إلا وفقاً لرغبتهم أو
مصلحة أحدهما الذي يثبت تضرره ومخالفة الآخر للعقد .
لم يورد أغلب القوانين تعريف مباشر واضح للعقد وهذا ما ذهب إليه القانون المدني
السوري وكذلك المصري فلم يعرفاه حيث اكتفى المشرع المصري بتعريفه في المشروع
التمهيدي في المادة 122 منه بأنه :
هو اتفاق بين شخصين أو أكثر على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها )
لكن هذا التعريف حذف بالنص النهائي
فخلاصته أنه : اتفاق إرادتين على إحداث أثر قانوني .
وهنا أبدي ملاحظة : أنه كثيراً ما يتبادر لذهن الكثيرين من الأفراد أن كلمة العقد
توحي فقط بالعقد المكتوب المدون وهذا الفهم غير دقيق مع المقصود القانوني والتعريف
بالعقد الذي هو اتفاق فنجد أن القانون لم يلزم تدوينه لإطلاق هذا اللفظ عليه بل
العبرة بالاتفاق وشروطه لذا فكثير من التعاملات اليومية تعتبر عقود حتى ولو لم
تدون خطياً ببنود فمثاله : الاتفاق مع طبيب على إجراء عمل جراحي هو عقد يتعهد
بموجبه الطبيب تقديم خدمة طبية وفق المعايير الصحيحة مقابل أجر يدفعه المريض لذا
بعض القوانين اعتبرت المسؤولية عقدية وخالفها اجتهاد المحاكم السورية فاعتبر
مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية حيث ورد الاجتهاد :
إن مسؤولية الطبيب عن عمله غير المشروع وهو تجبير كسر خطأ تتقادم بمرور ثلاث سنوات
على اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه
نقض سوري قرار 697 تاريخ 19 /10 / 1960
ولا تختلف عنه أحدث الاجتهادات في نحو هذا الاتجاه
ومثاله كذلك : الاتفاق مع مهندس من أجل إشادة بناء
الاتفاق مع مدرس لإعطاء الدروس الخصوصية وتقديم الفائدة العلمية للطالب مقابل
الأجر
وهكذا والأمثلة كثيرة من الحياة مما حدا لدراسة العقد دراسة مستفيضة وتحديد أركانه
وعيوبه التي تبطله وإنهائه
أركان العقد وشرائطه :
تبنى العقود على الأركان التالية :
الرضا ـ الأهلية ـ المحل ـ السبب
وسأتناول في بحثي هذا عيوب ركن الرضا وكي أدلف لذلك لا بد من تعريف موجز وعابر
للركن نفسه وتعداد عيوبه التي تعدمه أو تعيبه فقط ولكل حال نتائج تترتب عليها إما
البطلان الكامل أو القابلية للإبطال
توضيح ركن الرضا :
الرضا ركن جوهري في العقد ومن صفاته أنه ثنائي أو أكثر حسب تعداد أطراف العقد
وبذلك فهو يختلف عن الإرادة التي هي أحد مكوناته وجزء منه فالإرادة أحد طرفي الرضا
الذي يشكل إرادة الأطراف ولقيامه لا يكفي توافر الإرادة لكل طرف بل يجب توافقهما
على مآل العقد وهذا ما اشترطه القانون المدني السوري في المادة 92 منه التي نصت
على :
يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما
يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد.
هذا تعريف موجز لركن الرضا ومنه نستشف العيوب التي من الممكن أن تشوبه ألا وهي :
الغلط ـ التدليس ـ الإكراه ـ الاستغلال
وحيث أن كل عيب منهم يحتاج لإفراد بحث خاص له فقد تناولت هنا في هذا الجزء عيبين
منهم معاً وذلك لتشابهما وتقارب الشكل الظاهري على الأقل بينهما ألا وهما الغلط
والتدليس ويجنحان لدرجة المسؤولية الجزائية مع المدنية وعليه أبدأ
أولاً : الغلط
الغلط : هو عيب يشوب الإرادة فيجعل العاقد يقدم على التعاقد تحت تأثير اعتقاد
مخالف للواقع والحقيقة .
وهنا وقبل الخوض في التفصيل نرى أن قواعد الفقه و القانون المدني أكثر قواعد
القانون ثبوتاً وقدماً بحيث أنه رغم التغييرات العلمية وتقدم كثير من وسائل
المعرفة والعلم فلم يراع تطور الشخصية الإنسانية والظروف المتاحة أمامها لحماية
نفسها فما هو ممكن حالياً لم يكن موجود سابقاًَ من حيث زيادة نسبة التعليم وفهم
دور المحامي في الحياة وضرورة استشارة أهل الخبرة قبل الاتفاق فكل ذلك لم يكن
متاحاً فيما قبل لذا بقي تطبيق ذات الأحكام بذات الظروف على أوضاع تغيرت ويجب أن
يسأل عنها الشخص الواقع في الغلط و أعود للموضوع :
هذا الغلط ينقسم لثلاثة أنواع حسب تأثيره على العقد
النوع الأول : فهناك غلط يحجب الرضا بشكل كامل بحيث يمتنع تكوني العقد ويعتبر كأنه
لم يكون مثاله أن يتفق شخص مع آخر على تسليمه لمنزله وصاحب المنزل يظن أنه إيجار
والمستلم يظن أنه عارية فهنا لا يقوم عقد الإيجار ولا عقد العارية والغلط مانع
لتكوين العقد وكذلك أن يتعاقد أب مع سيدة لرعاية أولاده وهي تعتقد أن دورها فقط
مربية من الناحية المادية أي عمل مادي مجرد كالعناية بنظافتهم وطعامهم بينما هو
تعاقد كونها تحمل مؤهل تدريسي أو ظن كذلك فتعاقد لجهة تعليمهم وتقديم الفائدة
العلمية لهم فلا انعقد عقد خدمة المنزل وتربية الأولاد ولا انعقد عقد التدريس
ونعتقد أنه نوع قليل الحدوث نوعاً فلا يعقل غفلة العاقد لهذه الدرجة
النوع الثاني : الغلط المفسد للإرادة ولكن دون درجة انعدامها :
فالإرادة هنا موجودة ولكن معيبة مما يجعل العقد قابلاً للإبطال وذلك ضمن الشروط
التالية التي نصت عليها المادة 121 قانون مدني سوري
إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد إن كان المتعاقد الآخر
قد وقع مثله في هذا الغلط، أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه.
فالشرطين هما :
أ ـ أن يكون الغلط جوهرياً
ب ـ أن يكون العاقد الآخر على علم به أو كان من الممكن له تبينه أو وقع هو الآخر
به
وبخصوص الشرط الأول جوهرية الغلط نورد الآني :
قد حددت المادة 122 من القانون المدني السوري معيار جوهرية الغلط ومتى يصل لدرجة
اعتباره جوهرياً حيث نصت :
1ـ يكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام
العقد لو لم يقع في هذا الغلط.
2ـ ويعتبر الغلط جوهرياً على الأخص :
آ ـ إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين، أو يجب اعتبارها
كذلك، لما يلابس العقد من ظروف، ولما ينبغي في التعامل من حسن النية.
ب ـ إذا وقع في ذات المتعاقد، أو في صفة من صفاته، وكانت تلك الذات أو هذه الصفة
السبب الرئيسي في التعاقد وهنا نرى حالات كثيرة تكون مثار قضايا كبيرة ومعقدة
1 ـالغلط في صفة جوهرية للشيء :
وأن تكون الصفة هي أساس التعاقد كمن يشتري على سبيل المثال خاتم قديم أثري
كونه للعائلة المالكة السابقة و يظن أنه للابن الأكبر للملك ثم تبين أنها فعلاً
للعائلة المالكة ولكن ليست لابن الأكبر فهنا الغلط ليس من الجوهرية بما يوجب
القابلية للبطلان فالصفة الأساسية فيها هي القدم وأنه أثري وللعائلة نفسها فاختلاف
أن يكون للابن الأكبر أو سواه لا تفسد الصفة الجوهرية فيه بينما لو لم يكن أثري
وملكي فهو غلط بصفة جوهرية
2ـ الغلط في ذات المتعاقد :
فالغالب وقوعه في عقود التبرع والشركة والعمل كمن يتعاقد مع شخص على أساس انه
مهندس ذو مهارة فريدة ليبني له بيتاً ثم يتبين أنه ليس بمهندس ولا يحمل شهادة
الهندسة و منذ حوالي السنتين أثيرت قضية على مواقع الشبكة العنكبوتية عاصرنا
السماع عنها تفيد بخصوص طبيب مصري في دولة الإمارات أجرى العديد من العمليات
الجراحية ومنها الناجحة والمفيدة ثم تبين بعد ذلك أنه لا يحمل شهادة الطب وإنما
كان يعمل ممرضاً في أحد المشافي في مصر واكتسب الخبرة من عمله هذا / طبعا هنا غلط
من جهة المريض بالصفة حيث أتى إليه وقبل إجراء العمل الجراحي باعتباره طبيباً
جراحاً ولكنه تدليس واحتيال من قبل المدعي لشهادة الطب وهذا ما نورده لاحقاً بخصوص
الغلط والتدليس / ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو :
إذا كان سبب الالتزام حين لجأ العاقد لهذا الشخص بالذات هو كونه ذا صفة معينة كأن
يحمل مؤهل علمي ما مثال الطبيب الذي أوردناه فإذا حقق المطلوب منه واستفاد المريض
من العلاج ثم اكتشف أن الطبيب غير مؤهل علمياً فهل له الادعاء بالغلط بذات الشخص
أم أنه فقط يحق للحق العام محاسبته بجرائم التزوير واستعمال المزور وممارسة مهنة
بدون ترخيص وانتحال صفة دون حق المريض بملاحقته طالما لم يحدث خطأ فني عن عمله ؟؟؟
وطالما حصل سبب الالتزام وتحققت الغاية فما ضرر المريض هنا ؟
3 ـ الغلط في الباعث على التعاقد :
كمن يتبرع لأمواله لاعتقاده أن ابنه الوحيد قد توفي فيحبط ويصاب باليأس و يقوم
بهبة أمواله والتبرع بها ثم يتبين أن الابن حي أو أن يهب بيته القديم لاعتقاده أنه
ربح بورقة اليانصيب وسيشتري منزلاًَ فخماً ثم يتبين أنه خسر ولم يربح
4 ـ الغلط في القيمة :
الغلط في القيمة ينقسم لشقين غلط ينصب على صفة من صفات الشيء أثر هذا الغلط على
تقدير قيمة الشيء فبيع بثمن بخس وهذا يبيح قابلية الابطال كمن باع سبحة بثمن بخس
ثم تبين أنها من نوع نادر قديم بينما لو لم يقع أي غلط بالصفة وإنما وقع الغبن
بالقيمة نتيجة جهل العاقد بالتعامل التجاري فليس له الادعاء بالغبن وطلب الإبطال
إلا وفق شروط محددة نص عليها القانون لا مجال لبحثها هنا أو يكون نتيجة استغلال
العاقد الرابح عيوب بذات العاقد الثاني فهنا انتقلنا لعيب الاستغلال و ليس الغلط
وله بحث آخر
الشرط الثاني لاعتبار الغلط وهو اتصال الغلط للمتعاقد الآخر :
علم العاقد الآخر به أو وجوب تبينه وقد يكون الوقوع مشترك فيه بين الطرفين أو أن
أحدهما يعلم أن المتعاقد الآخر واقع في غلط ولا يبينه له فهو هنا سيء النية وقد
يكون عدم علمه بوقوع الآخر بالغلط من قبيل التساهل و عدم الدقة وظنه أنه يعلم ذلك
الغلط في الواقع والقانون :
نصت عليه المادة 123 من القانون المدني السوري فأوردت :
يكون العقد قابلاً للإبطال لغلط في القانون، إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع،
طبقاً للمادتين السابقتين، هذا ما لم يقضِ القانون بغيره.
ولكن استثنى من ذلك في مادته 524 الغلط في عقد الصلح حيث نص :
لا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون.
وهذا بالطبع لا يتعارض مع قاعدة عدم جواز التذرع بالجهل بالقوانين التي تنطبق في
الأمور الجزائية أكثر منها في المدنية
الغلط غير المؤثر على العقد :
وهو غلط قد يكون بصفة غير جوهرية للشيء او بالقيمة المالية أو غلط بالحساب
وبخصوص هذا الأخير فقد نصت المادة 124 قانون مدني سوري على :
لا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب، ولا غلطات القلم، ولكن يجب تصحيح
الغلط.
وبهذا استعرضت عيب الغلط الواقع على ركن الرضا ومنه نقارب الركن الثاني وهو
التدليس والذي هو عبارة عن خداع ومراوغة من عاقد نحو الآخر توقعه في وهم يدفعه
للتعاقد
و منعاً للإطالة أكتفي هنا بالإشارة للتشابه والفروق بينه وبينه الغلط وهو الآني :
أن كلاهما سبب الدافع للتعاقد ووهم وقع به العاقد الغلطان ولكن يختلفان بأن الغلط
هو سبب عفوي وقع بع العاقد من تلقاء نفسه لكن التدليس هو غلط مدبر مقصود نتيجة
أساليب احتيالية لجأ إليها العاقد الآخر لإيقاع الطرف الآخر بها وإلجائه لقبول
العقد والموافقة عليه
وعليه فحماية المدلس عليه أولى من الغلطان كونه قد تم الإيقاع به ويكون الإبطال
جزاءاً وفاقاً لسوء نية المدلس
و نتابع لاحقاً التدليس وجوانبه المدنية والجزائية كون البحث حتى هذه النقطة قد
استوفى حجماً لا أريد به الوصول لملل الزملاء المتصفحين وكي ينال الموضوع حقه من
الدراسة
والله الموفق .
-=============
المراجع :
النظرية العامة للالتزام الدكتور محمد وحيد الدين سوار
الوسيط للدكتور السنهوري باشا
أعداد مجلة المحامون السورية
المحامية مجد عابدين
منتدى المحامين العرب
العملية للفرد فهي قوام تعاملاته وعلاقاته اليومية ومنها و إليها تنتهي تصرفاته المتعددة
وقد قسمت هذه النظرية مصادر الالتزام إلى مصدرين رئيسين :
1 ـ المصادر الإرادية وتشمل :
أ ـ العقد ب ـ الإرادة المنفردة
2 ـ المصادر غير الإرادية وتشمل :
أ ـ العمل الضار ب ـ الإثراء بلا سبب ج ـ القانون
ويعتبر العقد من أكثر المصادر شيوعاً بين الأطراف لذا فقد عنيت به النصوص
القانونية وفندت أركانه وشروط صحته وإنهائه ما بين قواعد عامة تتعلق بالنظام العام
و أمور خاصة تتعلق بإرادة الأطراف لا يترتب عليها الإنهاء إلا وفقاً لرغبتهم أو
مصلحة أحدهما الذي يثبت تضرره ومخالفة الآخر للعقد .
لم يورد أغلب القوانين تعريف مباشر واضح للعقد وهذا ما ذهب إليه القانون المدني
السوري وكذلك المصري فلم يعرفاه حيث اكتفى المشرع المصري بتعريفه في المشروع
التمهيدي في المادة 122 منه بأنه :
هو اتفاق بين شخصين أو أكثر على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها )
لكن هذا التعريف حذف بالنص النهائي
فخلاصته أنه : اتفاق إرادتين على إحداث أثر قانوني .
وهنا أبدي ملاحظة : أنه كثيراً ما يتبادر لذهن الكثيرين من الأفراد أن كلمة العقد
توحي فقط بالعقد المكتوب المدون وهذا الفهم غير دقيق مع المقصود القانوني والتعريف
بالعقد الذي هو اتفاق فنجد أن القانون لم يلزم تدوينه لإطلاق هذا اللفظ عليه بل
العبرة بالاتفاق وشروطه لذا فكثير من التعاملات اليومية تعتبر عقود حتى ولو لم
تدون خطياً ببنود فمثاله : الاتفاق مع طبيب على إجراء عمل جراحي هو عقد يتعهد
بموجبه الطبيب تقديم خدمة طبية وفق المعايير الصحيحة مقابل أجر يدفعه المريض لذا
بعض القوانين اعتبرت المسؤولية عقدية وخالفها اجتهاد المحاكم السورية فاعتبر
مسؤولية الطبيب مسؤولية تقصيرية حيث ورد الاجتهاد :
إن مسؤولية الطبيب عن عمله غير المشروع وهو تجبير كسر خطأ تتقادم بمرور ثلاث سنوات
على اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه
نقض سوري قرار 697 تاريخ 19 /10 / 1960
ولا تختلف عنه أحدث الاجتهادات في نحو هذا الاتجاه
ومثاله كذلك : الاتفاق مع مهندس من أجل إشادة بناء
الاتفاق مع مدرس لإعطاء الدروس الخصوصية وتقديم الفائدة العلمية للطالب مقابل
الأجر
وهكذا والأمثلة كثيرة من الحياة مما حدا لدراسة العقد دراسة مستفيضة وتحديد أركانه
وعيوبه التي تبطله وإنهائه
أركان العقد وشرائطه :
تبنى العقود على الأركان التالية :
الرضا ـ الأهلية ـ المحل ـ السبب
وسأتناول في بحثي هذا عيوب ركن الرضا وكي أدلف لذلك لا بد من تعريف موجز وعابر
للركن نفسه وتعداد عيوبه التي تعدمه أو تعيبه فقط ولكل حال نتائج تترتب عليها إما
البطلان الكامل أو القابلية للإبطال
توضيح ركن الرضا :
الرضا ركن جوهري في العقد ومن صفاته أنه ثنائي أو أكثر حسب تعداد أطراف العقد
وبذلك فهو يختلف عن الإرادة التي هي أحد مكوناته وجزء منه فالإرادة أحد طرفي الرضا
الذي يشكل إرادة الأطراف ولقيامه لا يكفي توافر الإرادة لكل طرف بل يجب توافقهما
على مآل العقد وهذا ما اشترطه القانون المدني السوري في المادة 92 منه التي نصت
على :
يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما
يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد.
هذا تعريف موجز لركن الرضا ومنه نستشف العيوب التي من الممكن أن تشوبه ألا وهي :
الغلط ـ التدليس ـ الإكراه ـ الاستغلال
وحيث أن كل عيب منهم يحتاج لإفراد بحث خاص له فقد تناولت هنا في هذا الجزء عيبين
منهم معاً وذلك لتشابهما وتقارب الشكل الظاهري على الأقل بينهما ألا وهما الغلط
والتدليس ويجنحان لدرجة المسؤولية الجزائية مع المدنية وعليه أبدأ
أولاً : الغلط
الغلط : هو عيب يشوب الإرادة فيجعل العاقد يقدم على التعاقد تحت تأثير اعتقاد
مخالف للواقع والحقيقة .
وهنا وقبل الخوض في التفصيل نرى أن قواعد الفقه و القانون المدني أكثر قواعد
القانون ثبوتاً وقدماً بحيث أنه رغم التغييرات العلمية وتقدم كثير من وسائل
المعرفة والعلم فلم يراع تطور الشخصية الإنسانية والظروف المتاحة أمامها لحماية
نفسها فما هو ممكن حالياً لم يكن موجود سابقاًَ من حيث زيادة نسبة التعليم وفهم
دور المحامي في الحياة وضرورة استشارة أهل الخبرة قبل الاتفاق فكل ذلك لم يكن
متاحاً فيما قبل لذا بقي تطبيق ذات الأحكام بذات الظروف على أوضاع تغيرت ويجب أن
يسأل عنها الشخص الواقع في الغلط و أعود للموضوع :
هذا الغلط ينقسم لثلاثة أنواع حسب تأثيره على العقد
النوع الأول : فهناك غلط يحجب الرضا بشكل كامل بحيث يمتنع تكوني العقد ويعتبر كأنه
لم يكون مثاله أن يتفق شخص مع آخر على تسليمه لمنزله وصاحب المنزل يظن أنه إيجار
والمستلم يظن أنه عارية فهنا لا يقوم عقد الإيجار ولا عقد العارية والغلط مانع
لتكوين العقد وكذلك أن يتعاقد أب مع سيدة لرعاية أولاده وهي تعتقد أن دورها فقط
مربية من الناحية المادية أي عمل مادي مجرد كالعناية بنظافتهم وطعامهم بينما هو
تعاقد كونها تحمل مؤهل تدريسي أو ظن كذلك فتعاقد لجهة تعليمهم وتقديم الفائدة
العلمية لهم فلا انعقد عقد خدمة المنزل وتربية الأولاد ولا انعقد عقد التدريس
ونعتقد أنه نوع قليل الحدوث نوعاً فلا يعقل غفلة العاقد لهذه الدرجة
النوع الثاني : الغلط المفسد للإرادة ولكن دون درجة انعدامها :
فالإرادة هنا موجودة ولكن معيبة مما يجعل العقد قابلاً للإبطال وذلك ضمن الشروط
التالية التي نصت عليها المادة 121 قانون مدني سوري
إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد إن كان المتعاقد الآخر
قد وقع مثله في هذا الغلط، أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه.
فالشرطين هما :
أ ـ أن يكون الغلط جوهرياً
ب ـ أن يكون العاقد الآخر على علم به أو كان من الممكن له تبينه أو وقع هو الآخر
به
وبخصوص الشرط الأول جوهرية الغلط نورد الآني :
قد حددت المادة 122 من القانون المدني السوري معيار جوهرية الغلط ومتى يصل لدرجة
اعتباره جوهرياً حيث نصت :
1ـ يكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام
العقد لو لم يقع في هذا الغلط.
2ـ ويعتبر الغلط جوهرياً على الأخص :
آ ـ إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين، أو يجب اعتبارها
كذلك، لما يلابس العقد من ظروف، ولما ينبغي في التعامل من حسن النية.
ب ـ إذا وقع في ذات المتعاقد، أو في صفة من صفاته، وكانت تلك الذات أو هذه الصفة
السبب الرئيسي في التعاقد وهنا نرى حالات كثيرة تكون مثار قضايا كبيرة ومعقدة
1 ـالغلط في صفة جوهرية للشيء :
وأن تكون الصفة هي أساس التعاقد كمن يشتري على سبيل المثال خاتم قديم أثري
كونه للعائلة المالكة السابقة و يظن أنه للابن الأكبر للملك ثم تبين أنها فعلاً
للعائلة المالكة ولكن ليست لابن الأكبر فهنا الغلط ليس من الجوهرية بما يوجب
القابلية للبطلان فالصفة الأساسية فيها هي القدم وأنه أثري وللعائلة نفسها فاختلاف
أن يكون للابن الأكبر أو سواه لا تفسد الصفة الجوهرية فيه بينما لو لم يكن أثري
وملكي فهو غلط بصفة جوهرية
2ـ الغلط في ذات المتعاقد :
فالغالب وقوعه في عقود التبرع والشركة والعمل كمن يتعاقد مع شخص على أساس انه
مهندس ذو مهارة فريدة ليبني له بيتاً ثم يتبين أنه ليس بمهندس ولا يحمل شهادة
الهندسة و منذ حوالي السنتين أثيرت قضية على مواقع الشبكة العنكبوتية عاصرنا
السماع عنها تفيد بخصوص طبيب مصري في دولة الإمارات أجرى العديد من العمليات
الجراحية ومنها الناجحة والمفيدة ثم تبين بعد ذلك أنه لا يحمل شهادة الطب وإنما
كان يعمل ممرضاً في أحد المشافي في مصر واكتسب الخبرة من عمله هذا / طبعا هنا غلط
من جهة المريض بالصفة حيث أتى إليه وقبل إجراء العمل الجراحي باعتباره طبيباً
جراحاً ولكنه تدليس واحتيال من قبل المدعي لشهادة الطب وهذا ما نورده لاحقاً بخصوص
الغلط والتدليس / ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو :
إذا كان سبب الالتزام حين لجأ العاقد لهذا الشخص بالذات هو كونه ذا صفة معينة كأن
يحمل مؤهل علمي ما مثال الطبيب الذي أوردناه فإذا حقق المطلوب منه واستفاد المريض
من العلاج ثم اكتشف أن الطبيب غير مؤهل علمياً فهل له الادعاء بالغلط بذات الشخص
أم أنه فقط يحق للحق العام محاسبته بجرائم التزوير واستعمال المزور وممارسة مهنة
بدون ترخيص وانتحال صفة دون حق المريض بملاحقته طالما لم يحدث خطأ فني عن عمله ؟؟؟
وطالما حصل سبب الالتزام وتحققت الغاية فما ضرر المريض هنا ؟
3 ـ الغلط في الباعث على التعاقد :
كمن يتبرع لأمواله لاعتقاده أن ابنه الوحيد قد توفي فيحبط ويصاب باليأس و يقوم
بهبة أمواله والتبرع بها ثم يتبين أن الابن حي أو أن يهب بيته القديم لاعتقاده أنه
ربح بورقة اليانصيب وسيشتري منزلاًَ فخماً ثم يتبين أنه خسر ولم يربح
4 ـ الغلط في القيمة :
الغلط في القيمة ينقسم لشقين غلط ينصب على صفة من صفات الشيء أثر هذا الغلط على
تقدير قيمة الشيء فبيع بثمن بخس وهذا يبيح قابلية الابطال كمن باع سبحة بثمن بخس
ثم تبين أنها من نوع نادر قديم بينما لو لم يقع أي غلط بالصفة وإنما وقع الغبن
بالقيمة نتيجة جهل العاقد بالتعامل التجاري فليس له الادعاء بالغبن وطلب الإبطال
إلا وفق شروط محددة نص عليها القانون لا مجال لبحثها هنا أو يكون نتيجة استغلال
العاقد الرابح عيوب بذات العاقد الثاني فهنا انتقلنا لعيب الاستغلال و ليس الغلط
وله بحث آخر
الشرط الثاني لاعتبار الغلط وهو اتصال الغلط للمتعاقد الآخر :
علم العاقد الآخر به أو وجوب تبينه وقد يكون الوقوع مشترك فيه بين الطرفين أو أن
أحدهما يعلم أن المتعاقد الآخر واقع في غلط ولا يبينه له فهو هنا سيء النية وقد
يكون عدم علمه بوقوع الآخر بالغلط من قبيل التساهل و عدم الدقة وظنه أنه يعلم ذلك
الغلط في الواقع والقانون :
نصت عليه المادة 123 من القانون المدني السوري فأوردت :
يكون العقد قابلاً للإبطال لغلط في القانون، إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع،
طبقاً للمادتين السابقتين، هذا ما لم يقضِ القانون بغيره.
ولكن استثنى من ذلك في مادته 524 الغلط في عقد الصلح حيث نص :
لا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون.
وهذا بالطبع لا يتعارض مع قاعدة عدم جواز التذرع بالجهل بالقوانين التي تنطبق في
الأمور الجزائية أكثر منها في المدنية
الغلط غير المؤثر على العقد :
وهو غلط قد يكون بصفة غير جوهرية للشيء او بالقيمة المالية أو غلط بالحساب
وبخصوص هذا الأخير فقد نصت المادة 124 قانون مدني سوري على :
لا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب، ولا غلطات القلم، ولكن يجب تصحيح
الغلط.
وبهذا استعرضت عيب الغلط الواقع على ركن الرضا ومنه نقارب الركن الثاني وهو
التدليس والذي هو عبارة عن خداع ومراوغة من عاقد نحو الآخر توقعه في وهم يدفعه
للتعاقد
و منعاً للإطالة أكتفي هنا بالإشارة للتشابه والفروق بينه وبينه الغلط وهو الآني :
أن كلاهما سبب الدافع للتعاقد ووهم وقع به العاقد الغلطان ولكن يختلفان بأن الغلط
هو سبب عفوي وقع بع العاقد من تلقاء نفسه لكن التدليس هو غلط مدبر مقصود نتيجة
أساليب احتيالية لجأ إليها العاقد الآخر لإيقاع الطرف الآخر بها وإلجائه لقبول
العقد والموافقة عليه
وعليه فحماية المدلس عليه أولى من الغلطان كونه قد تم الإيقاع به ويكون الإبطال
جزاءاً وفاقاً لسوء نية المدلس
و نتابع لاحقاً التدليس وجوانبه المدنية والجزائية كون البحث حتى هذه النقطة قد
استوفى حجماً لا أريد به الوصول لملل الزملاء المتصفحين وكي ينال الموضوع حقه من
الدراسة
والله الموفق .
-=============
المراجع :
النظرية العامة للالتزام الدكتور محمد وحيد الدين سوار
الوسيط للدكتور السنهوري باشا
أعداد مجلة المحامون السورية
المحامية مجد عابدين
منتدى المحامين العرب