بقلم
الكاتب: د·عبدالفتاح محمود إدريس
أحدثت البحوث العلمية في مجال
الاستنساخ، ثورة ملموسة في مجالات عدة، لعل منأبرزها
تلك الحادثة في مجالات الطب والصيدلة والزراعة، وقد حدت هذه البحوثبالعلماء، إلى البحث عن بديل للأعضاء البشرية التالفة،
أو التي في سبيلها إلىالتلف، وخصوصاً بعد أن
أصبح الحصول على بديل طبيعي من البشر، يواجه صعوبات جمة،دينية
وأخلاقية واجتماعية واقتصادية وصحية، ولهذا كان هذا المقال الذي أعرض فيهلوجهة النظر الشرعية في هذا النوع من الاستنساخ·
أشير إلى أن المصطلح البيولوجيللاستنساخ: هو التنسيل، الذي يعني باللغة الإنكليزية (Cloning)، وباللغة
الفرنسية (Collage)،
إلا أنه شاع على الألسن إطلاق لفظة الاستنساخ، على التكاثر غير التلقيحي <اللاجنسي>، بدلاً من التنسيل·
معنىالاستنساخ
أولاً: معنى الاستنساخ في عرف أهلاللغة
الاستنساخ من النسخ، يقال: نسخه ينسخه
نسخاً، والألف والسين والتاءفي الكلمة تفيد الطلب،
والنسخ يطلق على معنيين، فقد يطلق ويُراد به النقل، ومنه نسخالكتاب: أي نقل صورته إلى كتاب آخر، قال تعالى: (إنا
كُنَّا نستنسخ ما كنتم تعلمون) الجاثية: 29، أي ننسخ ما
تكتبه الحفظة، فيثبت عند الله سبحانه، وقد يطلق النسخويراد
به الإزالة، ومنه قولهم: نسخت الريح آثار الأقدام: أي أزالتها(1)، ومنه قولالله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو
مثلها) البقرة:106، والمعنىالأول هو المراد من
الاستنساخ في هذا المقال، وهو طلب الحصول على نسخة أخرى، غيرالمنقول عنها، وقد يطلق على هذه التقنية: النسخ، أو
الاستنساخ الحيوي، أو اللاجنسي،أو
البشري، أو نحو ذلك من إطلاقات تبعاً لنوع الاستنساخ·
ثانياً: معنى الاستنساخفي عرف العلماء·
اختلفت عبارات العلماء في
بيان معنى الاستنساخ، وأذكر بعضاًمنها فيما يلي:
أ ـ عرفه د·هاني رزق بأنه: <تكون كائن حي كنسخة مطابقةتماماً،
من حيث الخصائص الوراثية، والفيزيولوجية، والشكلية، لكائن حي آخر، <كفردي توأم البيضة الواحدة مثلاً>·
فالاستنساخ هو: توالد لا جنسي، لايحدث فيه إخصاب لبيضة الأنثى بنطفة الذكر، فالخلية في
التوالد اللاجنسي تشرع فيتكوين الجنين، ومن ثم
الفرد البالغ، دون مشاركة الذكر، أي أن الفرد المستنسخ لا أبله·(2)
ب ـ وعرفه د·ماهر حتحوت بأنه: <محاولة تقديم كائن، أو خلية، أو جزيء،بحيث تستطيع الخلية من غير نقص ولا إضافة لمحتوياتها
الوراثية، أن تتكاثر عن غيرطريق التكاثر التلقيحي>(3)·
جـ ـ وعرفه د·صالح عبدالعزيز بأنه: <العمليةالبيولوجية التي بمقتضاها،
تتكون مجموعة من الخلايا <ليس شرطاً أن تكونمتجانسة>، وذلك عبر الانقسامات المتوازية المتتابعة لخليةواحدة>(4)·
حقيقة استنساخ الأعضاءالبشرية
استنساخ الأعضاء البشرية، يتصور إمكان
تحققه، عن طريق إكثارخلايا العضو باستخدام
تقنية الاستنساخ الجيني، أو عن طريق تطعيم الخلايا الجينيةللحيوانات وهي في مراحل الانقسام الأولى، بخلايا بشرية،
لتحويرها جينياً، بحيث يمكناستخدام أعضائها كقطع غيار
بشرية، ويعد هذا التحوير من قبيل الاستنساخ الجيني، لأنهيقوم
على إدخال خلية بشرية جسدية في الخلايا الجينية للحيوان، لتنمو وتتكاثر معها،بحيث يتكون الحيوان من هذه الخلايا مجتمعة·
وقد نفى بعض العلماء إمكان استنساخالأعضاء البشرية على هذا النحو في الوقت الحاضر،
وادَّعى بعضهم إمكانه، بل وقوعهكذلك
في بعض الحالات:
ومن الذين نفوا إمكان تحققه:
أ ـ <د·هاري جريفن> الذي قال: <إن نسخ الأعضاء غير ممكن
حالياً، لأن بنية الأعضاء البشرية معقدة،وتحتوي
على نسيج متكامل من الأعصاب والعضلات والألياف>·
ب ـ د·محمد صبور،الذي قال: <لم تنجح حتى الآن مسألة
نسخ الأعضاء البشرية، حتى في الحيوانات، وذلكعلى
الرغم من أن ذلك أمل من الآمال التي ينشدها العلماء>·
جـ ـ د·صديقةالعوضي، قالت: <إن استنساخ الأعضاء أمر
مستبعد، لأن عملية تكوين الأعضاء داخلالجنين،
تخضع لعوامل وراثية ومورثات مسؤولة عن تكوين هذه الأعضاء، مادامت داخلالجنين، ومن ثمَّ فإن نواة الخلية الكبدية لو زرعت في
بويضة مفرَّغة من جيناتها،فإنها ستنتج مستنسخاً
كاملاً، أي جنيناً، وليس كبداً، أما إذا زرعت الخلية معملياً،فإنها تنتج
(Clone)، يتكون من صنف واحد من الخلايا
الكبدية، وليس كبداً كاملاً، بكلأوصافه
وأشكاله ووظائفه>·
ومن الذين ادَّعوا إمكان
تحقق استنساخ الأعضاءووقوعه كذلك:
د·أحمد رجائي الجندي، الذي قال: <إنه بالإمكان استنساخ الجلدالبشري،
باستنبات أنسجته، دون الأعصاب والشرايين التي يحتويها هذا الجلد، وقال: إنأحد الباحثين تحدث عن إمكانية استنبات أجزاء المبايض
والخصى البشرية مخبرياً، بحيثيمكن
الحصول منها على بويضات أنثوية ونطف ذكرية، وهي وإن لم تستنبت بعد، إلا أنمتابعة أبحاث الاستنساخ قد تؤدي إلى إحداث ذلك في الوقت
القريب>(5)·
ومنالعمليات
التي يمكن معها تصور استنساخ الأعضاء البشرية ـ وفقاً لما قاله بعضالعلماء: القيام باستزراع بعض الجينات الخاصة بالأعضاء
البشرية في الأغنام أوالأبقار أو الخنازير، أو
غيرها من سائر الحيوانات، في أثناء تكوينها الجنيني، فتمثلهذه الحيوانات، أعضاء يمكن نقلها إلى الإنسان، وهذا
يحتاج إلى معرفة جينات الأعضاءالمستزرعة،
أواستنساخ
الخلايا الجنينية، الفائضة عن حاجة النقل إلى أرحامالنساء
في التلقيح الصناعي، واستخدامها كخلايا جذعية، قابلة للتطور إلى أي نوع منالخلايا في الجسم، حيث يصعب تميزها، أو مهاجمة الجهاز
المناعي لها، ولهذا فإنه يمكناستخدامها
في علاج دمار المخ والجهاز العصبي، وإطالة عمر الخلايا التي شاخت لدىكبار السن، أو استنبات أنسجة الجلد البشري، أو أجزاء
المبايض والخصى الذكريةالبشرية مختبرياً·(6)
ورغم
هذه التصورات من بعض العلماء، إلا أن بعض العلماء يرىاستبعاد
حدوث مثل هذا النوع من الاستنساخ، لما يكتنفه من صعوبات عدة، لعل من أبرزهاطبيعة الأعضاء البشرية المعقدة، وفي هذا الصدد يقول <د·هاري جريفن>:
<إناستنساخ الأعضاء البشرية غير ممكن حالياً، لأن بنية
الأعضاء معقدة، وتحوي نسيجاًكاملاً من الأعصاب
والعضلات والألياف>، واستبعدت د·صديقة العوضي حدوث هذا النوعمن الاستنساخ، وعللت ذلك بأن تكوين الأعضاء داخل الجنين
تخضع لعوامل وراثية، هيالمسؤولة عن تكوين هذه
الأعضاء مادامت داخل الجنين، وعلى هذا الأساس، فإنه لو زرعتنواة الخلية الكبدية في بويضة فارغة، فإنها ستنتج
جنيناً، ولن تنتج كبداً فقط، أماإذا
زرعت خلية كبدية في المعمل، فإنها ستنتج نسخة مكوّنة من صنف واحد من الخلاياالكبدية، وليس كبداً كاملاً، بكل أوصافه وأشكاله
ووظائفه المختلفة·(7)·
وقد قالكثير من العلماء بجواز هذا
النوع من الاستنساخ من الناحية الشرعية، ومن هؤلاء:
أـ
د·عبدالصبور مرزوق، قال: <إذا وصل الاستنساخ لتصنيع
أعضاء الإنسان، فهذا جيد·· وجيد·· وجيد>·
ب ـ د·نصر واصل، الذي قال: <إذا كانت التجارب العلمية تسعىوراء
مصلحة للإنسان، سواء في العلاج، أو الغذاء، أو الدواء، فأهلاً بها، ولا يمكنأن نرفضها، مثل: نسخ أو استزراع الأعضاء البشرية،
ونقلها لمن يحتاجها منالمرضى>(·
جـ ـ الأعضاء المشاركون في ندوة قضايا
طبية معاصرة في ضوءالشريعة الإسلامية،
المنعقدة في عمَّان ـ الأردن ـ سنة 2000م(9)·
د ـ بعض أعضاءالندوة الفقهية الطبية التاسعة، التي انعقدت بالدار
البيضاء من 14 ـ 17/5/1997م،لمناقشة القضايا المتعلقة
بالطب، ومنها الاستنساخ البشري، حيث رأى بعض المشاركينفيها
إبقاء فرصة لإباحة الاستنساخ إذا ثبت وجود فائدة له، واتسعت لذلك أحكامالشريعة(10)·
وقد وضع المشاركون في ندوة
قضايا طبية معاصرة، مجموعة من الضوابطلإجراء استنساخ الأعضاء البشرية، هي ما يلي:
1 ـ أن يكون استعمال تقنيات الهندسةالوراثية والاستنساخ، لإدخال مادة وراثية بشرية في
بويضة خلية تناسلية حيوانية،لإنتاج أعضاء تستخدم في
زراعة الأعضاء البشرية، وفق أحكام نقل وزراعة الأعضاء التيأقرتها المجامع الفقهية·
2 ـ يمكن استخدام طريقة، لإنتاج الأعضاء
البشرية فيالمختبر، بعيداً عن الرحم،
وذلك عن طريق استعمال خلايا جسدية من كائن حي موجود،لتنمَّى
في المختبر، بهدف زراعة الأعضاء، شرط ألا يسبب ذلك الإجراء الضرر لمن أخذتمن جسمه تلك الخلايا·
3 ـ يجوز الإفادة من أعضاء الأجنة
المجهضة، المحكومبموتها، ومن الأعضاء
البشرية المستأصلة جراحياً، كمصدر للخلايا التي يمكناستعمالها،
لإنتاج أعضاء بشرية بغرض الزرع، إذا روعيت في ذلك قواعد نقل وزراعةالأعضاء·
4 ـ عدم جواز إنتاج أعضاء بشرية بالسير
في طريق التخليق المعروفة، التيجعلها
الله تعالى من بويضة مخصَّبة بحيوان منوي، سواء كان هذا داخل الرحم أو خارجه،ويتبع هذا عدم جواز التدخل في تطور الجنين في مراحله
الأولى، بإبطال مفعول بعضالخلايا أو الجينات، لمنع
تكوُّن الرأس أو الدماغ، بهدف إنتاج جسد بلا رأس أو نحوذلك،
لاستخدامه في زراعة الأعضاء(11)·
ومن العلل التي استند إليها
القائلونبإباحة استنساخ
الأعضاء البشرية، في هذا الحكم ما يلي:
أ ـ إن مثل هذا النوع منالاستنساخ فيه مصلحة الإنسان، حيث تؤدي مثل هذه الأعضاء
المستنسخة إلى الحد من آلامالمرضى ومتاعبهم، والمصلحة
في الشرع معتبرة، وعلى رأس هذه المصالح ما يتعلق بحياةالإنسان
ووجوده، وذلك لأن حفظ النفس من الضرورات الخمس، التي جاءت الشريعة للحفاظعليها·
ب ـ إن استنساخ الأعضاء لا يمس كرامة
الإنسان، إذ إن هذه الأعضاء تؤخذ منحيوانات
مستنسخة مهندسة وراثياً، أو من خلايا إنسانية جسدية، دون أن تنمو هذهالخلايا لتكوِّن أجنة أو بشراً، بل لتكوِّن أعضاء بشرية
عن طريق تكثير هذهالخلايا(12)·
تصنيع الأعضاء بغيراستنساخ
ومما هو جدير ذكره إمكان تصنيع
الأعضاء البشرية، عن طريق الهندسةالوراثية،
دون حاجة إلى عملية استنساخها، التي تكتنفها صعوبات جمة، والتي قال بعضالعلماء بعدم إمكان استنساخها الآن، وتصنيع الأعضاء
معملياً، لا تتبع فيه تقنيةالاستنساخ، وإنما تقنية
الهندسة الوراثية، فيما يسمَّى بهندسة الأنسجة
(Tissue Engineering) التي تقوم على أساسها فكرة التصنيع هذه، وتعتمد هذه الفكرة على
أن بعضالمكوِّنات الحيوية
للأنواع الرقيقة من <البلاستيك أو البوليمرات>، يمكن أنتصبح وسطاً مناسباً لنمو خلايا أنسجة الجسم المختلفة
عليها، مع توافر المناخوالغذاء المناسب لها،
مثلما يحدث في رحم الأم، أو في حال الإخصاب خارج الرحم، أومزارع الأنسجة للفيروسات المختلفة، ففي كل هذه الحالات
تنمو الخلايا وتتكاثر حينتتوافر لها الظروف البيئية
السليمة لتكاثرها ونموها·
ولتصنيع الكبد مثلاً بهذهالطريقة، فإنه يتم صنع إطار من <البوليمرات> أو الألياف <البلاستيكيةالرقيقة> على شكل الكبد، ثم تؤخذ عينة من خلايا الكبد السليمة من الشخص
المرادزراعة الكبد فيه فيما بعد،
بحيث تنمو هذه الخلايا داخل هذا الإطار، حتى تملأه،وحينئذ
يذوب هذا الإطار البلاستيك، وتبقى خلايا الكبد فقط، مكوِّنة عضو الكبد الذييمكن زراعته بعد ذلك في جسم الآدمي، دون أن يطرده جهازه
المناعي، لأنه يحمل البصمةالجينية نفسها لجسمه·
ولقد فتحت هذا الطريق في تصنيع الأعضاء
البشرية آفاقاًجديدة، لتصنيع الكثير
منها، مثل: صمامات القلب، والكبد، والكلى، والشرايين، ونحوها،وقد كانت البداية في العام 1990م حينما أعلن عالمان هما: <جون تومسون، وتوماسماسياج>، أنهما استطاعا
تصنيع عضو بشري خارج الجسم، عن طريق نوع معين من الأليافالرقيقة،
تسمى (Gorc- Tex Fibres)، مادة <كولاجين> (Collagen)،
وبعض الموادالأخرى اللازمة لنمو
الخلايا، مثل: (Heparine Binding Growth
Factor)، وغيرها ممامكنهما أن يصنعا كبداً من تلك المواد، وعن طريق الجراحة
تم زرع هذا الكبد داخلالتجويف البريتوني لنوع من
الفئران، فتولَّدت الأوعية وامتدت عبر تلك الأليافالرقيقة،
لتتصل بالأوعية الدموية الموجودة في الكبد الأصلية·
وإذا كان الكبدالذي هو من أصعب أعضاء الجسم، قد أمكن تصنيع خلاياه على
هذا النحو، فإن مجال تصنيعسائر الأعضاء وفقاً لتقنية
هندسة الأنسجة، سيكون أرحب، ومن الخلايا التي تم تصنيعهاكذلك
وفقاً لهذه التقنية، خارج الجسم البشري، خلايا الجلد، التي تستخدم في عملياتالترقيع الجلدي في حالات الإصابة بالحروق والتشوهات
وغيرها، وذلك بعد أخذ عينة منجلد
المصاب، ووضعها في مزرعة لكي تنمو الخلايا وتتكاثر مكوِّنة شريحة كافية لعمليةالترقيع المطلوب(13)·
وسواء كان استنساخ الأعضاء البشرية
ممكناً، أو غير ممكن،ولو افترضنا إمكان ذلك
الآن أو مستقبلاً، فليس ثمة ما يمنع شرعاً من استخدامالتقنية
التي يتحقق بها ذلك، كما يجوز شرعاً تصنيع الأعضاء البشرية معملياًبالتقنية التي أشار إليها العلماء، إذا اتبعت في
الاستنساخ أو التصنيع الضوابط التيذكرها
العلماء، ولم يترتب عليها الاعتداء على آدمي حي أو تشويه صورته أو الإضراربه، أو الاعتداء على جنين في أي مرحلة من مراحل تخلقه،
ولم يكن فيه اعتداء علىحيوان محترم لغير منفعة
معتبرة شرعاً، أو تشويه أو تعذيب له، للنهي عن إلحاق الضرربالآخرين، فيما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول
الله صلى الله عليه وسلمقال: <لا ضرر ولا ضرار في الإسلام>(14)، والنهي عن الاعتداء على الآخرين، إذقال
الحق سبحانه: (ولا تعتدو إن الله لا يحب المعتدين) المائدة:78، والنهي عن تعذيبالحيوان أو قتله لغير منفعة مشروعة، إذ روي عن ابن عمر
رضي الله عنهما أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: <عُذِّبت امرأة في هرة أوثقتها، فلم تطعمها، ولم تسقها،ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض>(15)، كما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسولالله صلى الله عليه وسلم قال: <ما من إنسان يقتل عصفوراً
فما فوقها بغير حقها،إلا سأله الله عز وجل
عنها، قيل وما حقها؟، قال: يذبحها ويأكلها، ولا يقطع رأسهافيطرحها>، وفي رواية أخرى من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه بلفظ: <من قتلعصفوراً عبثاً، عجَّ إلى
الله يوم القيامة، يقول: إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلنيمنفعة>(16)،
واستنساخ الأعضاء أو تصنيعها معملياً
على النحو الذي سبقت الإشارةإليه، يمكن اعتباره البديل
الشرعي للاعتداء على أجسام الآدميين الأحياء، وأخذمحتواها
لغرض الزرع في المرضى، بتبريرات اجتماعية ودينية لا مستند لها من شرع اللهتعالى، وخصوصاً أن استنساخ الأعضاء في هذه الحال ـ إن
أمكن إحداثه ـ يعد وسيلة منوسائل علاج الجسم البشري،
وقد رغب الشارع في التداوي من الأمراض، حيث ورد الأمر بهفي
أحاديث كثيرة منها: ما روي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: <لكل داء دواء، فإذا أصاب
الدواء الداء برأ بإذن الله تعالى>(17)،وما روي عن أسامة بن شريك
رضي الله عنه قال: <كنت عند النبي صلى الله
عليه وسلم،وجاءت الأعراب، فقالوا: يا
رسول الله أنتداوى؟، فقال: <نعم يا عباد الله تداووا،فإن الله عزَّ وجلَّ لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير
الهرم>(18)·
وإذا كانالتداوي
من الأمراض مطلوباً شرعاً، فإن اتخاذ الوسائل التي يتحقق بها ذلك، ومنها: استنساخ الأعضاء البشرية أو تصنيعها معملياً لغرض الزرع أو
التداوي بها، يكونمطلوباً شرعاً كذلك، لأن
للوسائل حكم غاياتها·
الهوامش
1 ـ ابن منظور: لسان العرب
3/61·
2 ـ
د·هانيرزق: بيولوجيا الاستنساخ،
بحث ضمن كتاب الاستنساخ جدل العلم والدين والأخلاقص20·
3 ـ
أعمال ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص131·
4 ـ
د·صالح عبدالعزيز: الاستنساخ نخبة فوائد
ومخاطر ص3·
5 ـ
بيولوجيا الاستنساخ ص 24 ـ 29، 34، 42، 57،قضايا
طبية معاصرة 2/44، 45، د·عبدالهادي مصباح: الاستنساخ بين العلم والدين ص 27 ـ 29، 34، 48، 56، مجلة المجتمع
ص 25، 28، العدد 4421، مجلة هدى الإسلام ص 101، العدد
10/1998م·
6 ـ
قضايا طبية معاصرة 2/44 ـ 45·
7 ـ
المصدر السابق، د·زيادسلامة: الاستنساخ ص101·
8 ـ
الاستنساخ بين العلم والدين ص 55، 56، 57·
9 ـأعمال ندوة قضايا طبية معاصرة 2/270 ـ 271·
10 ـ
الاستنساخ جدل العلم والدينص230·
11 ـ
أعمال ندوة قضايا طبية معاصرة 2/270 ـ 271·
12ـ
المصدر السابق 2/250 ـ 267·
13 ـ
الاستنساخ بين العلم والدين ص 76 ـ 77·
14 ـ
أخرجه أحمد فيمسنده والبيهقي وابن ماجة
والدارقطني في سننهم، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيحالإسناد
على شرط مسلم ولم يخرجاه <مسند أحمد 1/313، الحاكم:
المستدرك 2/57، سننالبيهقي 6/69، سنن ابن
ماجة 2/784، سنن الدارقطني 3/77)·
15 ـ
أخرجه مسلم فيصحيحه 2/61·
16 ـ
أخرجه الشافعي في مسنده والحاكم في المستدرك، صحح إسناده،وأخرج الرواية الأخرى ابن حبان في صحيحه، والشافعي
وأحمد في مسنديهما، وأبوداودوالنسائي في سننيهما، (ابن
حجر: تلخيص الحبير 4/154)·
الكاتب: د·عبدالفتاح محمود إدريس
أحدثت البحوث العلمية في مجال
الاستنساخ، ثورة ملموسة في مجالات عدة، لعل منأبرزها
تلك الحادثة في مجالات الطب والصيدلة والزراعة، وقد حدت هذه البحوثبالعلماء، إلى البحث عن بديل للأعضاء البشرية التالفة،
أو التي في سبيلها إلىالتلف، وخصوصاً بعد أن
أصبح الحصول على بديل طبيعي من البشر، يواجه صعوبات جمة،دينية
وأخلاقية واجتماعية واقتصادية وصحية، ولهذا كان هذا المقال الذي أعرض فيهلوجهة النظر الشرعية في هذا النوع من الاستنساخ·
أشير إلى أن المصطلح البيولوجيللاستنساخ: هو التنسيل، الذي يعني باللغة الإنكليزية (Cloning)، وباللغة
الفرنسية (Collage)،
إلا أنه شاع على الألسن إطلاق لفظة الاستنساخ، على التكاثر غير التلقيحي <اللاجنسي>، بدلاً من التنسيل·
معنىالاستنساخ
أولاً: معنى الاستنساخ في عرف أهلاللغة
الاستنساخ من النسخ، يقال: نسخه ينسخه
نسخاً، والألف والسين والتاءفي الكلمة تفيد الطلب،
والنسخ يطلق على معنيين، فقد يطلق ويُراد به النقل، ومنه نسخالكتاب: أي نقل صورته إلى كتاب آخر، قال تعالى: (إنا
كُنَّا نستنسخ ما كنتم تعلمون) الجاثية: 29، أي ننسخ ما
تكتبه الحفظة، فيثبت عند الله سبحانه، وقد يطلق النسخويراد
به الإزالة، ومنه قولهم: نسخت الريح آثار الأقدام: أي أزالتها(1)، ومنه قولالله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو
مثلها) البقرة:106، والمعنىالأول هو المراد من
الاستنساخ في هذا المقال، وهو طلب الحصول على نسخة أخرى، غيرالمنقول عنها، وقد يطلق على هذه التقنية: النسخ، أو
الاستنساخ الحيوي، أو اللاجنسي،أو
البشري، أو نحو ذلك من إطلاقات تبعاً لنوع الاستنساخ·
ثانياً: معنى الاستنساخفي عرف العلماء·
اختلفت عبارات العلماء في
بيان معنى الاستنساخ، وأذكر بعضاًمنها فيما يلي:
أ ـ عرفه د·هاني رزق بأنه: <تكون كائن حي كنسخة مطابقةتماماً،
من حيث الخصائص الوراثية، والفيزيولوجية، والشكلية، لكائن حي آخر، <كفردي توأم البيضة الواحدة مثلاً>·
فالاستنساخ هو: توالد لا جنسي، لايحدث فيه إخصاب لبيضة الأنثى بنطفة الذكر، فالخلية في
التوالد اللاجنسي تشرع فيتكوين الجنين، ومن ثم
الفرد البالغ، دون مشاركة الذكر، أي أن الفرد المستنسخ لا أبله·(2)
ب ـ وعرفه د·ماهر حتحوت بأنه: <محاولة تقديم كائن، أو خلية، أو جزيء،بحيث تستطيع الخلية من غير نقص ولا إضافة لمحتوياتها
الوراثية، أن تتكاثر عن غيرطريق التكاثر التلقيحي>(3)·
جـ ـ وعرفه د·صالح عبدالعزيز بأنه: <العمليةالبيولوجية التي بمقتضاها،
تتكون مجموعة من الخلايا <ليس شرطاً أن تكونمتجانسة>، وذلك عبر الانقسامات المتوازية المتتابعة لخليةواحدة>(4)·
حقيقة استنساخ الأعضاءالبشرية
استنساخ الأعضاء البشرية، يتصور إمكان
تحققه، عن طريق إكثارخلايا العضو باستخدام
تقنية الاستنساخ الجيني، أو عن طريق تطعيم الخلايا الجينيةللحيوانات وهي في مراحل الانقسام الأولى، بخلايا بشرية،
لتحويرها جينياً، بحيث يمكناستخدام أعضائها كقطع غيار
بشرية، ويعد هذا التحوير من قبيل الاستنساخ الجيني، لأنهيقوم
على إدخال خلية بشرية جسدية في الخلايا الجينية للحيوان، لتنمو وتتكاثر معها،بحيث يتكون الحيوان من هذه الخلايا مجتمعة·
وقد نفى بعض العلماء إمكان استنساخالأعضاء البشرية على هذا النحو في الوقت الحاضر،
وادَّعى بعضهم إمكانه، بل وقوعهكذلك
في بعض الحالات:
ومن الذين نفوا إمكان تحققه:
أ ـ <د·هاري جريفن> الذي قال: <إن نسخ الأعضاء غير ممكن
حالياً، لأن بنية الأعضاء البشرية معقدة،وتحتوي
على نسيج متكامل من الأعصاب والعضلات والألياف>·
ب ـ د·محمد صبور،الذي قال: <لم تنجح حتى الآن مسألة
نسخ الأعضاء البشرية، حتى في الحيوانات، وذلكعلى
الرغم من أن ذلك أمل من الآمال التي ينشدها العلماء>·
جـ ـ د·صديقةالعوضي، قالت: <إن استنساخ الأعضاء أمر
مستبعد، لأن عملية تكوين الأعضاء داخلالجنين،
تخضع لعوامل وراثية ومورثات مسؤولة عن تكوين هذه الأعضاء، مادامت داخلالجنين، ومن ثمَّ فإن نواة الخلية الكبدية لو زرعت في
بويضة مفرَّغة من جيناتها،فإنها ستنتج مستنسخاً
كاملاً، أي جنيناً، وليس كبداً، أما إذا زرعت الخلية معملياً،فإنها تنتج
(Clone)، يتكون من صنف واحد من الخلايا
الكبدية، وليس كبداً كاملاً، بكلأوصافه
وأشكاله ووظائفه>·
ومن الذين ادَّعوا إمكان
تحقق استنساخ الأعضاءووقوعه كذلك:
د·أحمد رجائي الجندي، الذي قال: <إنه بالإمكان استنساخ الجلدالبشري،
باستنبات أنسجته، دون الأعصاب والشرايين التي يحتويها هذا الجلد، وقال: إنأحد الباحثين تحدث عن إمكانية استنبات أجزاء المبايض
والخصى البشرية مخبرياً، بحيثيمكن
الحصول منها على بويضات أنثوية ونطف ذكرية، وهي وإن لم تستنبت بعد، إلا أنمتابعة أبحاث الاستنساخ قد تؤدي إلى إحداث ذلك في الوقت
القريب>(5)·
ومنالعمليات
التي يمكن معها تصور استنساخ الأعضاء البشرية ـ وفقاً لما قاله بعضالعلماء: القيام باستزراع بعض الجينات الخاصة بالأعضاء
البشرية في الأغنام أوالأبقار أو الخنازير، أو
غيرها من سائر الحيوانات، في أثناء تكوينها الجنيني، فتمثلهذه الحيوانات، أعضاء يمكن نقلها إلى الإنسان، وهذا
يحتاج إلى معرفة جينات الأعضاءالمستزرعة،
أواستنساخ
الخلايا الجنينية، الفائضة عن حاجة النقل إلى أرحامالنساء
في التلقيح الصناعي، واستخدامها كخلايا جذعية، قابلة للتطور إلى أي نوع منالخلايا في الجسم، حيث يصعب تميزها، أو مهاجمة الجهاز
المناعي لها، ولهذا فإنه يمكناستخدامها
في علاج دمار المخ والجهاز العصبي، وإطالة عمر الخلايا التي شاخت لدىكبار السن، أو استنبات أنسجة الجلد البشري، أو أجزاء
المبايض والخصى الذكريةالبشرية مختبرياً·(6)
ورغم
هذه التصورات من بعض العلماء، إلا أن بعض العلماء يرىاستبعاد
حدوث مثل هذا النوع من الاستنساخ، لما يكتنفه من صعوبات عدة، لعل من أبرزهاطبيعة الأعضاء البشرية المعقدة، وفي هذا الصدد يقول <د·هاري جريفن>:
<إناستنساخ الأعضاء البشرية غير ممكن حالياً، لأن بنية
الأعضاء معقدة، وتحوي نسيجاًكاملاً من الأعصاب
والعضلات والألياف>، واستبعدت د·صديقة العوضي حدوث هذا النوعمن الاستنساخ، وعللت ذلك بأن تكوين الأعضاء داخل الجنين
تخضع لعوامل وراثية، هيالمسؤولة عن تكوين هذه
الأعضاء مادامت داخل الجنين، وعلى هذا الأساس، فإنه لو زرعتنواة الخلية الكبدية في بويضة فارغة، فإنها ستنتج
جنيناً، ولن تنتج كبداً فقط، أماإذا
زرعت خلية كبدية في المعمل، فإنها ستنتج نسخة مكوّنة من صنف واحد من الخلاياالكبدية، وليس كبداً كاملاً، بكل أوصافه وأشكاله
ووظائفه المختلفة·(7)·
وقد قالكثير من العلماء بجواز هذا
النوع من الاستنساخ من الناحية الشرعية، ومن هؤلاء:
أـ
د·عبدالصبور مرزوق، قال: <إذا وصل الاستنساخ لتصنيع
أعضاء الإنسان، فهذا جيد·· وجيد·· وجيد>·
ب ـ د·نصر واصل، الذي قال: <إذا كانت التجارب العلمية تسعىوراء
مصلحة للإنسان، سواء في العلاج، أو الغذاء، أو الدواء، فأهلاً بها، ولا يمكنأن نرفضها، مثل: نسخ أو استزراع الأعضاء البشرية،
ونقلها لمن يحتاجها منالمرضى>(·
جـ ـ الأعضاء المشاركون في ندوة قضايا
طبية معاصرة في ضوءالشريعة الإسلامية،
المنعقدة في عمَّان ـ الأردن ـ سنة 2000م(9)·
د ـ بعض أعضاءالندوة الفقهية الطبية التاسعة، التي انعقدت بالدار
البيضاء من 14 ـ 17/5/1997م،لمناقشة القضايا المتعلقة
بالطب، ومنها الاستنساخ البشري، حيث رأى بعض المشاركينفيها
إبقاء فرصة لإباحة الاستنساخ إذا ثبت وجود فائدة له، واتسعت لذلك أحكامالشريعة(10)·
وقد وضع المشاركون في ندوة
قضايا طبية معاصرة، مجموعة من الضوابطلإجراء استنساخ الأعضاء البشرية، هي ما يلي:
1 ـ أن يكون استعمال تقنيات الهندسةالوراثية والاستنساخ، لإدخال مادة وراثية بشرية في
بويضة خلية تناسلية حيوانية،لإنتاج أعضاء تستخدم في
زراعة الأعضاء البشرية، وفق أحكام نقل وزراعة الأعضاء التيأقرتها المجامع الفقهية·
2 ـ يمكن استخدام طريقة، لإنتاج الأعضاء
البشرية فيالمختبر، بعيداً عن الرحم،
وذلك عن طريق استعمال خلايا جسدية من كائن حي موجود،لتنمَّى
في المختبر، بهدف زراعة الأعضاء، شرط ألا يسبب ذلك الإجراء الضرر لمن أخذتمن جسمه تلك الخلايا·
3 ـ يجوز الإفادة من أعضاء الأجنة
المجهضة، المحكومبموتها، ومن الأعضاء
البشرية المستأصلة جراحياً، كمصدر للخلايا التي يمكناستعمالها،
لإنتاج أعضاء بشرية بغرض الزرع، إذا روعيت في ذلك قواعد نقل وزراعةالأعضاء·
4 ـ عدم جواز إنتاج أعضاء بشرية بالسير
في طريق التخليق المعروفة، التيجعلها
الله تعالى من بويضة مخصَّبة بحيوان منوي، سواء كان هذا داخل الرحم أو خارجه،ويتبع هذا عدم جواز التدخل في تطور الجنين في مراحله
الأولى، بإبطال مفعول بعضالخلايا أو الجينات، لمنع
تكوُّن الرأس أو الدماغ، بهدف إنتاج جسد بلا رأس أو نحوذلك،
لاستخدامه في زراعة الأعضاء(11)·
ومن العلل التي استند إليها
القائلونبإباحة استنساخ
الأعضاء البشرية، في هذا الحكم ما يلي:
أ ـ إن مثل هذا النوع منالاستنساخ فيه مصلحة الإنسان، حيث تؤدي مثل هذه الأعضاء
المستنسخة إلى الحد من آلامالمرضى ومتاعبهم، والمصلحة
في الشرع معتبرة، وعلى رأس هذه المصالح ما يتعلق بحياةالإنسان
ووجوده، وذلك لأن حفظ النفس من الضرورات الخمس، التي جاءت الشريعة للحفاظعليها·
ب ـ إن استنساخ الأعضاء لا يمس كرامة
الإنسان، إذ إن هذه الأعضاء تؤخذ منحيوانات
مستنسخة مهندسة وراثياً، أو من خلايا إنسانية جسدية، دون أن تنمو هذهالخلايا لتكوِّن أجنة أو بشراً، بل لتكوِّن أعضاء بشرية
عن طريق تكثير هذهالخلايا(12)·
تصنيع الأعضاء بغيراستنساخ
ومما هو جدير ذكره إمكان تصنيع
الأعضاء البشرية، عن طريق الهندسةالوراثية،
دون حاجة إلى عملية استنساخها، التي تكتنفها صعوبات جمة، والتي قال بعضالعلماء بعدم إمكان استنساخها الآن، وتصنيع الأعضاء
معملياً، لا تتبع فيه تقنيةالاستنساخ، وإنما تقنية
الهندسة الوراثية، فيما يسمَّى بهندسة الأنسجة
(Tissue Engineering) التي تقوم على أساسها فكرة التصنيع هذه، وتعتمد هذه الفكرة على
أن بعضالمكوِّنات الحيوية
للأنواع الرقيقة من <البلاستيك أو البوليمرات>، يمكن أنتصبح وسطاً مناسباً لنمو خلايا أنسجة الجسم المختلفة
عليها، مع توافر المناخوالغذاء المناسب لها،
مثلما يحدث في رحم الأم، أو في حال الإخصاب خارج الرحم، أومزارع الأنسجة للفيروسات المختلفة، ففي كل هذه الحالات
تنمو الخلايا وتتكاثر حينتتوافر لها الظروف البيئية
السليمة لتكاثرها ونموها·
ولتصنيع الكبد مثلاً بهذهالطريقة، فإنه يتم صنع إطار من <البوليمرات> أو الألياف <البلاستيكيةالرقيقة> على شكل الكبد، ثم تؤخذ عينة من خلايا الكبد السليمة من الشخص
المرادزراعة الكبد فيه فيما بعد،
بحيث تنمو هذه الخلايا داخل هذا الإطار، حتى تملأه،وحينئذ
يذوب هذا الإطار البلاستيك، وتبقى خلايا الكبد فقط، مكوِّنة عضو الكبد الذييمكن زراعته بعد ذلك في جسم الآدمي، دون أن يطرده جهازه
المناعي، لأنه يحمل البصمةالجينية نفسها لجسمه·
ولقد فتحت هذا الطريق في تصنيع الأعضاء
البشرية آفاقاًجديدة، لتصنيع الكثير
منها، مثل: صمامات القلب، والكبد، والكلى، والشرايين، ونحوها،وقد كانت البداية في العام 1990م حينما أعلن عالمان هما: <جون تومسون، وتوماسماسياج>، أنهما استطاعا
تصنيع عضو بشري خارج الجسم، عن طريق نوع معين من الأليافالرقيقة،
تسمى (Gorc- Tex Fibres)، مادة <كولاجين> (Collagen)،
وبعض الموادالأخرى اللازمة لنمو
الخلايا، مثل: (Heparine Binding Growth
Factor)، وغيرها ممامكنهما أن يصنعا كبداً من تلك المواد، وعن طريق الجراحة
تم زرع هذا الكبد داخلالتجويف البريتوني لنوع من
الفئران، فتولَّدت الأوعية وامتدت عبر تلك الأليافالرقيقة،
لتتصل بالأوعية الدموية الموجودة في الكبد الأصلية·
وإذا كان الكبدالذي هو من أصعب أعضاء الجسم، قد أمكن تصنيع خلاياه على
هذا النحو، فإن مجال تصنيعسائر الأعضاء وفقاً لتقنية
هندسة الأنسجة، سيكون أرحب، ومن الخلايا التي تم تصنيعهاكذلك
وفقاً لهذه التقنية، خارج الجسم البشري، خلايا الجلد، التي تستخدم في عملياتالترقيع الجلدي في حالات الإصابة بالحروق والتشوهات
وغيرها، وذلك بعد أخذ عينة منجلد
المصاب، ووضعها في مزرعة لكي تنمو الخلايا وتتكاثر مكوِّنة شريحة كافية لعمليةالترقيع المطلوب(13)·
وسواء كان استنساخ الأعضاء البشرية
ممكناً، أو غير ممكن،ولو افترضنا إمكان ذلك
الآن أو مستقبلاً، فليس ثمة ما يمنع شرعاً من استخدامالتقنية
التي يتحقق بها ذلك، كما يجوز شرعاً تصنيع الأعضاء البشرية معملياًبالتقنية التي أشار إليها العلماء، إذا اتبعت في
الاستنساخ أو التصنيع الضوابط التيذكرها
العلماء، ولم يترتب عليها الاعتداء على آدمي حي أو تشويه صورته أو الإضراربه، أو الاعتداء على جنين في أي مرحلة من مراحل تخلقه،
ولم يكن فيه اعتداء علىحيوان محترم لغير منفعة
معتبرة شرعاً، أو تشويه أو تعذيب له، للنهي عن إلحاق الضرربالآخرين، فيما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول
الله صلى الله عليه وسلمقال: <لا ضرر ولا ضرار في الإسلام>(14)، والنهي عن الاعتداء على الآخرين، إذقال
الحق سبحانه: (ولا تعتدو إن الله لا يحب المعتدين) المائدة:78، والنهي عن تعذيبالحيوان أو قتله لغير منفعة مشروعة، إذ روي عن ابن عمر
رضي الله عنهما أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: <عُذِّبت امرأة في هرة أوثقتها، فلم تطعمها، ولم تسقها،ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض>(15)، كما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسولالله صلى الله عليه وسلم قال: <ما من إنسان يقتل عصفوراً
فما فوقها بغير حقها،إلا سأله الله عز وجل
عنها، قيل وما حقها؟، قال: يذبحها ويأكلها، ولا يقطع رأسهافيطرحها>، وفي رواية أخرى من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه بلفظ: <من قتلعصفوراً عبثاً، عجَّ إلى
الله يوم القيامة، يقول: إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلنيمنفعة>(16)،
واستنساخ الأعضاء أو تصنيعها معملياً
على النحو الذي سبقت الإشارةإليه، يمكن اعتباره البديل
الشرعي للاعتداء على أجسام الآدميين الأحياء، وأخذمحتواها
لغرض الزرع في المرضى، بتبريرات اجتماعية ودينية لا مستند لها من شرع اللهتعالى، وخصوصاً أن استنساخ الأعضاء في هذه الحال ـ إن
أمكن إحداثه ـ يعد وسيلة منوسائل علاج الجسم البشري،
وقد رغب الشارع في التداوي من الأمراض، حيث ورد الأمر بهفي
أحاديث كثيرة منها: ما روي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: <لكل داء دواء، فإذا أصاب
الدواء الداء برأ بإذن الله تعالى>(17)،وما روي عن أسامة بن شريك
رضي الله عنه قال: <كنت عند النبي صلى الله
عليه وسلم،وجاءت الأعراب، فقالوا: يا
رسول الله أنتداوى؟، فقال: <نعم يا عباد الله تداووا،فإن الله عزَّ وجلَّ لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير
الهرم>(18)·
وإذا كانالتداوي
من الأمراض مطلوباً شرعاً، فإن اتخاذ الوسائل التي يتحقق بها ذلك، ومنها: استنساخ الأعضاء البشرية أو تصنيعها معملياً لغرض الزرع أو
التداوي بها، يكونمطلوباً شرعاً كذلك، لأن
للوسائل حكم غاياتها·
الهوامش
1 ـ ابن منظور: لسان العرب
3/61·
2 ـ
د·هانيرزق: بيولوجيا الاستنساخ،
بحث ضمن كتاب الاستنساخ جدل العلم والدين والأخلاقص20·
3 ـ
أعمال ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص131·
4 ـ
د·صالح عبدالعزيز: الاستنساخ نخبة فوائد
ومخاطر ص3·
5 ـ
بيولوجيا الاستنساخ ص 24 ـ 29، 34، 42، 57،قضايا
طبية معاصرة 2/44، 45، د·عبدالهادي مصباح: الاستنساخ بين العلم والدين ص 27 ـ 29، 34، 48، 56، مجلة المجتمع
ص 25، 28، العدد 4421، مجلة هدى الإسلام ص 101، العدد
10/1998م·
6 ـ
قضايا طبية معاصرة 2/44 ـ 45·
7 ـ
المصدر السابق، د·زيادسلامة: الاستنساخ ص101·
8 ـ
الاستنساخ بين العلم والدين ص 55، 56، 57·
9 ـأعمال ندوة قضايا طبية معاصرة 2/270 ـ 271·
10 ـ
الاستنساخ جدل العلم والدينص230·
11 ـ
أعمال ندوة قضايا طبية معاصرة 2/270 ـ 271·
12ـ
المصدر السابق 2/250 ـ 267·
13 ـ
الاستنساخ بين العلم والدين ص 76 ـ 77·
14 ـ
أخرجه أحمد فيمسنده والبيهقي وابن ماجة
والدارقطني في سننهم، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيحالإسناد
على شرط مسلم ولم يخرجاه <مسند أحمد 1/313، الحاكم:
المستدرك 2/57، سننالبيهقي 6/69، سنن ابن
ماجة 2/784، سنن الدارقطني 3/77)·
15 ـ
أخرجه مسلم فيصحيحه 2/61·
16 ـ
أخرجه الشافعي في مسنده والحاكم في المستدرك، صحح إسناده،وأخرج الرواية الأخرى ابن حبان في صحيحه، والشافعي
وأحمد في مسنديهما، وأبوداودوالنسائي في سننيهما، (ابن
حجر: تلخيص الحبير 4/154)·