إعداد: د.
الشيخ مروان قباني
من المعلوم في مجال
القضايا المستجدة وفيما يعرف بفقه النوازل في الشريعة الإسلامية أنه لا يمكن
الاستناد إلى نص تشريعي من القرآن الكريم أو من السنة النبوية، ولا يعني هذا عدم
القدرة مطلقاً على استنباط الأحكام حول المسائل المعاصرة، ذلك أن الفقهاء المسلمين
استلهموا من مجموع النصوص التشريعية أن هناك مقاصد عامة للشريعة الإسلامية تقع تحت
عناوين خمسة تضمن مصلحة الإنسان وهي حفظ: الدين– العقل– النفس– العرض– المال.
وتطبيقاً لهذه المقاصد
العامة ودلالات النصوص التشريعية استخرج الفقهاء المسلمون مجموعة كبرى من القواعد
الكلية الفقهية، وهي تعابير فقهية موجزة تعبر عن مبادئ قانونية معتبرة ومفاهيم
مقررة في الفقه الإسلامي، تبنتها المذاهب الاجتهادية في تفريع الأحكام وتنزيل الحوادث
عليها وتخريج الحلول الشرعية للوقائع المستجدة في جمع المسائل التي يغطيها الفقه
الإسلامي، وقد اعتبرت هذه القواعد قيماً ثابتة في ميزان التشريع والقضاء.
وحفظ نفس الإنسان هو من
المقاصد العامة للشريعة، ومن مفاهيم هذا المبدأ تقع العناية بصحة الإنسان، والتي
هي نعمة كبرى من نعم الله على البشر، ينبغي المحافظة عليها، ليتمكن الإنسان من
العيش السوي وتحقيق رسالته في الحياة. أما المرض فهو ضرر أكيد، يؤدي إلى تعطيل دور
الإنسان بل يفضي في كثير من الحالات إلى موته. لذلك حض الإسلام على المداواة، كما
ورد في الحديث النبوي {يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا ووضع له
دواءً، علمه من علمه، وجهله من جهله}، وهذا القول يضع أملاً أمام المرضى بأن لهم
علاجاً ما، ويرتب على المختصين واجب البحث عن علاج الأمراض.
ثم تأتي القواعد الكلية
لتضع المبادئ الأساسية تجاه هذا الأمر وتنص على أن: (الضرر يزال) و(الضرر لا يزال
بمثله) و(الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف) .
وزراعة الأعضاء التي
توصل إليها التقدم الطبي وجرى تطبيقها كوسيلة أساسية وأحياناً وحيدة لبعض الحالات،
مثلت أملاً في الحياة وفي الصحة لأعداد كبيرة من البشر. هذه الوسيلة لا تتم كما هو معلوم إلا باقتطاع
عضو سليم من إنسان حي أم ميت ليغرس في جسم المريض الذي يحتاج إليه... هنا تتحول
المسألة لتصبح موضوعاً حساساً لاتصاله بالإنسان وحرمة جسده، فهل للإنسان الحق في
وهب عضو من أعضائه أو الوصية بانتزاعه منه بعد موته؟
الأصل أن جسد الإنسان
هو ملك لخالقه، وهبة العضو منه تصرّف للإنسان فيما لا يملك، إلا أن هذا المبدأ ليس
على إطلاقه، فمن ناحية يرى الشرع الإسلامي حرية الإنسان في التصرف بجسده في مجال
العفو عمن آذاه جسدياً وذلك لما في ذلك من مصلحة عامة في إيجاد أجواء المسالمة
والمحبة بين الناس، ومن ناحية أخرى فإن التصرف بالعضو ليس تصرفاً مطلقاً فيه بل هو
تصرف في منفعته وهذا ما يقع ضمن مصلحة الإنسان المريض، علاوة على أن العضو هو
أولاً وأخيراً ملك لله سواء ذلك في جسد الواهب أم في جسد المتلقي.
تفهم هذه المواقف في
ضوء القواعد الكلية التالية وهي تطبيق عملي لها:
- الضرورات تبيح
المحظورات.
- إذا تعارضت مفسداتان
روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما.
- مصالح الأحياء مقدمة
على مصالح الأموات.
وانطلاقاً من هذه
المفاهيم شرعت بعض المراجع الدينية في العالم العربي بتحديد الموقف الشرعي الديني
من مسألة زراعة ووهب الأعضاء فصدرت فتاوى من:
- لجنة الإفتاء
الجزائرية بتاريخ 20/4/1972م ولجنة الإفتاء الأردنية بتاريخ 18/5/1977م بجواز أخذ
الأعضاء من الأحياء (في حالد عدم ترتب ضرر منه على الحي).
- فتوى مفتي الديار
المصرية بتاريخ 5/12/1979م بجواز نقل الأعضاء.
- المجمع الفقهي لرابطة
العالم الإسلامي بتاريخ 19/1/1985م الذي أجاز الأخذ والزرع واعتبر ذلك مصلحة كبيرة
وإعانة خيِّرة وعملاً مشروعاً حميداً.
- مجمع الفقه الإسلامي
التابع لمنظمة مؤتمر الدول الإسلامية المنعقد في عام 1986م الذي اعتبر موت الدماغ
مساوياً لموت القلب والتنفس.
- هيئة كبار العلماء
السعودية عام 1987م وأفتت بجواز التبرع.
- مجمع الفقه الإسلامي
المنعقد في جدة بتاريخ 6/2/1988م الذي أجاز النقل والزرع.
من مجموع هذه الفتاوى
ودراسات فقهية عديدة فُتح المجال واسعاً أمام وهب الأعضاء وغرسها لدى المرضى ولكن
ضمن شروط فقهية وطبية منها:
- على المتبرع الواهب
أن يكون ممن لديه أهلية التبرع، فلا يقبل من الصغير ولا من الغير، وأن يجري التبرع
دون إكراه وإلا كان اعتداءً على الإنسان.
- لا يجوز التبرع بعضو
من إنسان حي يضره نزعه منه، تطبيقاً لقاعدة (الضرر يزال بمثله)، كما لا يجوز وهب
الأعضاء التي تحمل الخصائص الوراثية كالخصية لدى الرجل والبويضة لدى المرأة ففي
ذلك اختلاط للأنساب، مما يعارض مقاصد الشريعة.
لا يجوز أخذ العضو من
إنسان حي أو ميت مقابل بدل مادي أو منفعة، وإلا تحول الأمر إلى بيع، والإنسان ليس
محلاً للبيع وهو لا يقوم بمال، مما يسيء إلى كرامة الإنسان ويجعله بضاعة مادية،
وكل محاولة في هذا الصدد يجب مقاومتها بكل السبل.
- بالنسبة للميت فيجب
أن تكون قد صدرت عنه وصية أو موافقة قبل موته بأخذ العضو منه، وأن تكون الموافقة
مكتوبة مشهودة دون إكراه، وأن يوافق أهل المتوفى على انتزاع العضو منه رعاية لحقهم
في احترام ميتهم... ويجوز للسلطة أن تقر بأخذ عضو من ميت لا أهل له باعتبار أن لها
الولاية على من لا ولي له.
- أن يكون المتوفى قد
مات بالموت الدماغي، وهذه حالة دقيقة يقررها المختصون بعد العديد من الإجراءات،
وإن كان هناك خلاف بينهم في تقدير هذه الإجراءات ودقتها.
- ينبغي تقدير كل من
يهب عضواً منه أو يوصي بذلك، فهو بتصرفه يعبر عن وعي إنساني عميق وسمو في الشعور
وإحساس بآلام الآخرين والرغبة الصادقة في مساعدتهم.
- كما ينبغي تقدير كل
من يساهم بتطوير زراعة الأعضاء وتنظيم وهب الأعضاء، لأنه يساهم بعمل إنساني كبير
ويعمل على إحياء النفوس.
لذلك نقول إن وهب
الأعضاء أو الوصية بها ليس مجرد عمل جائز كريم يعبر عن روح الإحسان والبر وحب
الآخرين بل هو مستحب ومطلوب جلباً لمصلحة الإنسان كإنسان ودرءاً للمفسدة والضرر
عنه.
الشيخ مروان قباني
من المعلوم في مجال
القضايا المستجدة وفيما يعرف بفقه النوازل في الشريعة الإسلامية أنه لا يمكن
الاستناد إلى نص تشريعي من القرآن الكريم أو من السنة النبوية، ولا يعني هذا عدم
القدرة مطلقاً على استنباط الأحكام حول المسائل المعاصرة، ذلك أن الفقهاء المسلمين
استلهموا من مجموع النصوص التشريعية أن هناك مقاصد عامة للشريعة الإسلامية تقع تحت
عناوين خمسة تضمن مصلحة الإنسان وهي حفظ: الدين– العقل– النفس– العرض– المال.
وتطبيقاً لهذه المقاصد
العامة ودلالات النصوص التشريعية استخرج الفقهاء المسلمون مجموعة كبرى من القواعد
الكلية الفقهية، وهي تعابير فقهية موجزة تعبر عن مبادئ قانونية معتبرة ومفاهيم
مقررة في الفقه الإسلامي، تبنتها المذاهب الاجتهادية في تفريع الأحكام وتنزيل الحوادث
عليها وتخريج الحلول الشرعية للوقائع المستجدة في جمع المسائل التي يغطيها الفقه
الإسلامي، وقد اعتبرت هذه القواعد قيماً ثابتة في ميزان التشريع والقضاء.
وحفظ نفس الإنسان هو من
المقاصد العامة للشريعة، ومن مفاهيم هذا المبدأ تقع العناية بصحة الإنسان، والتي
هي نعمة كبرى من نعم الله على البشر، ينبغي المحافظة عليها، ليتمكن الإنسان من
العيش السوي وتحقيق رسالته في الحياة. أما المرض فهو ضرر أكيد، يؤدي إلى تعطيل دور
الإنسان بل يفضي في كثير من الحالات إلى موته. لذلك حض الإسلام على المداواة، كما
ورد في الحديث النبوي {يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا ووضع له
دواءً، علمه من علمه، وجهله من جهله}، وهذا القول يضع أملاً أمام المرضى بأن لهم
علاجاً ما، ويرتب على المختصين واجب البحث عن علاج الأمراض.
ثم تأتي القواعد الكلية
لتضع المبادئ الأساسية تجاه هذا الأمر وتنص على أن: (الضرر يزال) و(الضرر لا يزال
بمثله) و(الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف) .
وزراعة الأعضاء التي
توصل إليها التقدم الطبي وجرى تطبيقها كوسيلة أساسية وأحياناً وحيدة لبعض الحالات،
مثلت أملاً في الحياة وفي الصحة لأعداد كبيرة من البشر. هذه الوسيلة لا تتم كما هو معلوم إلا باقتطاع
عضو سليم من إنسان حي أم ميت ليغرس في جسم المريض الذي يحتاج إليه... هنا تتحول
المسألة لتصبح موضوعاً حساساً لاتصاله بالإنسان وحرمة جسده، فهل للإنسان الحق في
وهب عضو من أعضائه أو الوصية بانتزاعه منه بعد موته؟
الأصل أن جسد الإنسان
هو ملك لخالقه، وهبة العضو منه تصرّف للإنسان فيما لا يملك، إلا أن هذا المبدأ ليس
على إطلاقه، فمن ناحية يرى الشرع الإسلامي حرية الإنسان في التصرف بجسده في مجال
العفو عمن آذاه جسدياً وذلك لما في ذلك من مصلحة عامة في إيجاد أجواء المسالمة
والمحبة بين الناس، ومن ناحية أخرى فإن التصرف بالعضو ليس تصرفاً مطلقاً فيه بل هو
تصرف في منفعته وهذا ما يقع ضمن مصلحة الإنسان المريض، علاوة على أن العضو هو
أولاً وأخيراً ملك لله سواء ذلك في جسد الواهب أم في جسد المتلقي.
تفهم هذه المواقف في
ضوء القواعد الكلية التالية وهي تطبيق عملي لها:
- الضرورات تبيح
المحظورات.
- إذا تعارضت مفسداتان
روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما.
- مصالح الأحياء مقدمة
على مصالح الأموات.
وانطلاقاً من هذه
المفاهيم شرعت بعض المراجع الدينية في العالم العربي بتحديد الموقف الشرعي الديني
من مسألة زراعة ووهب الأعضاء فصدرت فتاوى من:
- لجنة الإفتاء
الجزائرية بتاريخ 20/4/1972م ولجنة الإفتاء الأردنية بتاريخ 18/5/1977م بجواز أخذ
الأعضاء من الأحياء (في حالد عدم ترتب ضرر منه على الحي).
- فتوى مفتي الديار
المصرية بتاريخ 5/12/1979م بجواز نقل الأعضاء.
- المجمع الفقهي لرابطة
العالم الإسلامي بتاريخ 19/1/1985م الذي أجاز الأخذ والزرع واعتبر ذلك مصلحة كبيرة
وإعانة خيِّرة وعملاً مشروعاً حميداً.
- مجمع الفقه الإسلامي
التابع لمنظمة مؤتمر الدول الإسلامية المنعقد في عام 1986م الذي اعتبر موت الدماغ
مساوياً لموت القلب والتنفس.
- هيئة كبار العلماء
السعودية عام 1987م وأفتت بجواز التبرع.
- مجمع الفقه الإسلامي
المنعقد في جدة بتاريخ 6/2/1988م الذي أجاز النقل والزرع.
من مجموع هذه الفتاوى
ودراسات فقهية عديدة فُتح المجال واسعاً أمام وهب الأعضاء وغرسها لدى المرضى ولكن
ضمن شروط فقهية وطبية منها:
- على المتبرع الواهب
أن يكون ممن لديه أهلية التبرع، فلا يقبل من الصغير ولا من الغير، وأن يجري التبرع
دون إكراه وإلا كان اعتداءً على الإنسان.
- لا يجوز التبرع بعضو
من إنسان حي يضره نزعه منه، تطبيقاً لقاعدة (الضرر يزال بمثله)، كما لا يجوز وهب
الأعضاء التي تحمل الخصائص الوراثية كالخصية لدى الرجل والبويضة لدى المرأة ففي
ذلك اختلاط للأنساب، مما يعارض مقاصد الشريعة.
لا يجوز أخذ العضو من
إنسان حي أو ميت مقابل بدل مادي أو منفعة، وإلا تحول الأمر إلى بيع، والإنسان ليس
محلاً للبيع وهو لا يقوم بمال، مما يسيء إلى كرامة الإنسان ويجعله بضاعة مادية،
وكل محاولة في هذا الصدد يجب مقاومتها بكل السبل.
- بالنسبة للميت فيجب
أن تكون قد صدرت عنه وصية أو موافقة قبل موته بأخذ العضو منه، وأن تكون الموافقة
مكتوبة مشهودة دون إكراه، وأن يوافق أهل المتوفى على انتزاع العضو منه رعاية لحقهم
في احترام ميتهم... ويجوز للسلطة أن تقر بأخذ عضو من ميت لا أهل له باعتبار أن لها
الولاية على من لا ولي له.
- أن يكون المتوفى قد
مات بالموت الدماغي، وهذه حالة دقيقة يقررها المختصون بعد العديد من الإجراءات،
وإن كان هناك خلاف بينهم في تقدير هذه الإجراءات ودقتها.
- ينبغي تقدير كل من
يهب عضواً منه أو يوصي بذلك، فهو بتصرفه يعبر عن وعي إنساني عميق وسمو في الشعور
وإحساس بآلام الآخرين والرغبة الصادقة في مساعدتهم.
- كما ينبغي تقدير كل
من يساهم بتطوير زراعة الأعضاء وتنظيم وهب الأعضاء، لأنه يساهم بعمل إنساني كبير
ويعمل على إحياء النفوس.
لذلك نقول إن وهب
الأعضاء أو الوصية بها ليس مجرد عمل جائز كريم يعبر عن روح الإحسان والبر وحب
الآخرين بل هو مستحب ومطلوب جلباً لمصلحة الإنسان كإنسان ودرءاً للمفسدة والضرر
عنه.