مقدمة
إن لكل مجتمع أهداف سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية معينة يحاول قدر
استطاعته بلوغها و تحقيقيها و هذه الأهداف يتولى المشرع تحديدها في شكل سياسية
عامة و هي تتطلب قدر من الدراسة و الخبرة , فكان لابد من إنشاء أجهزة إدارية
متخصصة و تزويدها بالوسائل اللازمة و هذه الوسائل تتمثل في الوسائل البشرية و
المادية و القانونية لكي تتمكن هذه الأجهزة من أداء دورها علي الوجه المطلوب .
و من هنا جاءت مهمة الإدارة العامة لتنفيذ السياسة العامة للمجتمع و تحقيق أهدافه
و غاياته و الإدارة في سبيل تحقيق هذه السياسة تستخدم الوسيلة القانونية المتمثلة
في الأعمال أو التصرفات القانونية و هذه التصرفات تكون صادرة عن الإدارة نفسها
بإرادتها المنفردة و دون أن يشاركها أحد و يطلق علي هذه التصرفات ( القرارات
الإدارية ) و هذه القرارات تعتبر من أهم مظاهر امتيازات السلطة العامة فعن طريق
هذه القرارات تتمكن الجهات الإدارية من التعبير عن سلطتها الآمرة و إرادتها
المنفردة الملزمة و بحكم مسئولية الإدارة المباشرة عن تنفيذ القواعد القانونية
فإنها هي المرشحة الوحيدة لانتهاك الحقوق و الحريات أكثر من الهيئات الأخرى و لهذه
الاعتبارات جاء المشرع و قيد سلطة الإدارة في إصدار القرارات الإدارية حيث حدد لها
العناصر الواجب توفرها في هذه القرارات و أيضاً شروط نفاذها و كيفية تنفيذها اتجاه
الأفراد و أوجب أيضاً علي الإدارة القيام بسحب قراراتها و إلغائها في حالة عدم
مشروعية هذه القرارات و قد أجاز المشرع أيضاً للأفراد أصحاب المصلحة سلوك طريق
الطعن القضائي سواء بالتنفيذ أو بالإلغاء أو التعويض .
و الإدارة في إصدار قراراتها الإدارية بالصورة المشروعة ملزمة بمبادئ عامة و هي :
مبدأ المشروعية , ومبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية , و مبدأ عدم المساس بالآثار
الفردية للقرارات الإدارية , و هذه المبادئ مفروضة علي الإدارة و ذلك لاستقرار
الأوضاع القانونية , و قد أجمعت علي هذه المبادئ أغلبية الاقضية , و حرصت كل الحرص
علي عدم التهاون في هذه المبادئ و لقد إعتبرت مبدأ الرجعية من أخطر هذه المبادئ ,
و لهذا إهتمت به ووضعت له الأسس التي تقوم عليها و أيضاً فرضت عليه استثناءات تكون
في أضيق الحدود و هذا ما سأحاول التطرق له من خلال هذه الورقة البحثية و ذلك من
خلال التقسيم التالي :
المطلب الأول : الاعتبارات التي يقوم عليها مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية .
المطلب الثاني : الاستثناءات التي ترد علي مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية .
المطلب الثالث : تصحيح القرارات الإدارية الغير مشروعة بأثر رجعي .
المطلب
الأول : الاعتبارات التي يقوم عليها مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية :
إن مبدأ عدم الرجعية هو من المبادئ العامة التي تضمنتها دساتير الدول و هو مبدأ
خطير و مخالف للعدالة و لهذا فأنه يلقى معارضة شديدة و يعتبر استثناء من القواعد
القانونية السليمة التي لا تقر نفاذ القوانين إلا علي الحوادث المستقبلية , و أغلب
الدول تحرص علي تحريم الرجعية في القرارات الإدارة إلا في أضيق الحدود , و قد سلم
مجلس الدولة الفرنسي بهذا المبدأ حيث قال أن القرارات الإدارية سواء كانت تنظيمية
عامة , أم قرارات فردية لا يجوز تضمينها أثراً رجعياً , و هذا ما أخذ به أيضاً
القضاء المصري حيث قال أن الأصل طبقاً للقانون الطبيعي هو عدم جواز الانعطاف بأثر
القوانين إلى الماضي , و أعتبر القضاء الإداري في ليبيا أن مبدأ عدم رجعية القارات
الإدارية من المبادئ العامة للقانون التي تفرض نفسها علي جهة الإدارة و التي لا
تحتاج إلى نص قانوني صريح يقررها , ففي قرارها الصادر بتاريخ 26-6-1957 تؤكد
المحكمة العليا علي ذلك و تقول ( يجب أن يكون القرار الإداري مطابقاً للدستور و
القوانين و اللوائح و مبادئ القانون العام كالمساواة و الحريات العامة و حق الدفاع
وعدم رجعية القرارات الإدارية ) و هذا المبدأ ما فُرض في هذه الدول إلا لعدة
اعتبارات , وتتمثل هذه الاعتبارات في فكرة الحقوق المكتسبة ( المراكز القانونية )
و فكرة استقرار المعاملات و ضمان احترام قواعد الاختصاص الزماني بين السلطات
الإدارية المتعاقبة و لغياب الباعث المشروع لقرار الرجعية في القرارات الإدارية.(1
)
و من المسلم به في الأنظمة القانونية إن الأفراد أو الأشخاص عندما اكتسبوا حقوق في
ظل نظام قانوني معين فإنه يحرم المساس بهذه الحقوق إذ ما تغيرت الأوضاع القانونية
التي أكتسبها الأشخاص في ظل هذه الحقوق , و لذلك فإذا ما تحقق للفرد مركزاً
قانونياً نتيجة قرار إداري أو للاتفاق مع الإدارة فإنه لا يجوز المساس بهذا المركز
القانوني إلا بالوسائل القانونية المشروعة ذي الأثر الرجعي و هذا ما أكدته المحكمة
الإدارية العليا في مصر فيما يتعلق بأمور الموظفين و ذلك ما جاء في حكمها الصادر
في 11 فبراير 1956 حيث تقول ( أن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها
القوانين و اللوائح في هذا الشأن , فمركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني
عام يجوز تغييره في أي وقت , و يتفرع علي ذلك أن كل تنظيم جديد يستحدث يسري علي
الموظف أو العامل الحكومي بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به , و لكنه لا يسري بأثر
رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح
الموظف نتيجة لتطبيق التنظيم القديم عليه قانوناً كان أو لائحة إلا بنص خاص في
القانون و ليس في أداة أدني منه كلائحة مثلا.....) .
و في ديوان التدوين
القانوني العراقي فأنه يقر مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية و يعتبره هو الأصل و
الاستثناء علي ذلك يتطلب إيجازه من المشرع و لكنه لا يقر بفكرة الحقوق المكتسبة أو
( المراكز القانونية ) و علي ضوء ذلك يقول ( إن المركز القانوني للموظف يتحدد
بتاريخ صدور القرار الإداري المنشئ لمركزه الجديد , و لا يمكن أن ينسحب هذا الأثر
إلى تاريخ سابق إلا بنص قانوني .
و لكي تكون هنالك رجعية يجب توافر شرطان و هما :
أولا :أن يكون ثمة مركز قانوني ذاتي و قد تكاملت عناصره في ضل قانون معين , و لكن
لا يكفي أن يكون الفرد قد أستوفى شروط الاستفادة من مركز قانوني عام بل يجب أن
يكون قد صدر من الإدارة قرار فردي بتطبيق أحكام المركز العام عليه و ذلك ما قاله
مجلس الدولة المصري في حكمه الصادر في 8 يناير 1953 ( أن الحق لا يكتسب في ظل
قاعدة تنظيمية عامة إلا بتطبيقها تطبيقاً فردياً فيتولد لصاحب الشأن مركز قانوني
خاص , و هذا المركز هو الذي لا يجوز المساس به إلا بقانون ) و دللت المحكمة علي
ذلك في حكم صادر في 13 مايو 1961 ( أن القرار الصادر من الجهة الإدارية بالترخيص
للطالب بمطحنة متنقلة قد صدر منها بناء علي سلطتها التقديرية و من ثم يكون القرار
المذكور قد صدر صحيحاً من سلطة متخصصة في حدود اختصاصها و يصبح حقاً مكتسب لصاحبه
لا يجوز المساس به إلا في الحالات المحددة أما في غيرها فان المساس به يعتبر
اعتداء غير مشروع علي حق مكتسب).
و لا يكفي لحصول الفرد علي المركز الذاتي أن تكون الإدارة قد بدأت في اتخاذ
الإجراءات اللازمة لتطبيق المركز النظامي علي الشخص الذي استوفي شروط الإفادة منه
, بل يجب أن تكون عناصر المركز الشخصي قد تكاملت تماماً وفقاً للنظام القديم ,
فإذا كان موظفاً قد أستوفى شروط الترقية وفقاً لنظام قانوني معين و شرعت الإدارة
في ترقيته فإنه لا يعتبر قد اكتسب المركز القانوني الذاتي إلا بتمام الترقية , أما
قبل ذلك فان كل تعديل في النظام القانوني للترقية و لو كان بالإنقاص من المزايا
القديمة يسري عليه بأثر رجعي .
ثانياً : أن يكون من شأن الرجعية المساس بتلك المراكز الشخصية التي تكاملت عناصرها
قبل صيرورة القرار نافذاً , و العبرة في ذلك بتاريخ صدور القرار فمتي تم إفصاح
الجهة الإدارية المختصة عن إرادتها يصبح القرار قابلا للتنفيذ و لا يعتد في هذا
الصدد بالخطوات التمهيدية التي تسبق القرار الإداري و لو كانت تلك الخطوات تتخذ
شكل قرارات إدارية . ( 1 )
و بالنسبة في العراق و بعد إلغاء ديوان التدوين و صدور قانون مجلس شورى الدولة,
فان المجلس سار في نفس الاتجاه حيث جاء في قرار صادر عن المجلس يقول فيه ( أن
القرار الإداري لا ينفذ إلا من تاريخ صدوره و ليس بأثر رجعي ) و مثال ذلك إذ ما
أصدرت وزارة التعليم العالي , و البحث العلمي قراراً يقضي بعدم الاعتراف
بالدبلومات الممنوحة من قبل الجمعية الطبية الأمريكية في فينا و أكاديمية فينا
الطبية في النمسا , فأن قرار سحب الاعتراف هذا لا ينصرف إلى الشهادة التي تم
الحصول عليها قبل تاريخ الصادر فيه عدم الاعتراف حتى إذا قدم طلب الاعتراف بها بعد
صدور قرار الوزارة في 10- 3-1976 لأن القاعدة المستقرة هي أن القرار الإداري و منه
قرار اللجنة المركزية لتقييم الشهادات في وزارة التعليم العالي , و البحث العلمي ,
لا ينفذ إلا من تاريخ صدوره و ليس بأثر رجعي . ( 1 )
من الواضح أن ديوان التدوين العراقي و من بعده مجلس الشورى لا يأخذ بعين الاعتبار
فكرة الحقوق المكتسبة بل يعتمد علي فكرة استقرار المعاملات القانونية مثله في ذلك
القضاء الفرنسي , ففي مجلس الدولة الفرنسي, فاللوائح لا يمكن أن تحكم إلا بحالات
المستقبلية,و التي تقع بعد إطلاع الجمهور عليها و أخذهم العلم بذلك , و إضفاء طابع
الرجعية علي هذه القرارات يقع باطلا و يجب إلغاء القرار ذو الأثر الرجعي .
و بذلك تأصلت قاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية في أحكام المجلس الفرنسي الذي
أصبحت حلوله تقليدية في حالة خرق المبدأ , فيلغي القرار لتعيبه بالرجعية طالما وجد
أثراً للقرار الإداري سابقاً علي صدوره , أو لأن القرار تجاهل مبدأ عدم الرجعية
فيعتبر ذلك غير مشروع .
و من المسلم به في الفقه الإداري الفرنسي إن قاعدة
عدم الرجعية في القرارات الإدارية هي قاعدة آمرة و في حالة الشك يجب علي القاضي أن
يرجح عدم الرجعية .
أن القصد من عدم رجعية القرارات الإدارية علي مفهوم الاعتبارات السابقة هو حماية
الأفراد و لهذا فإن الفقه الإيطالي ذهب إلى التفرقة ما بين القرارات الإدارية
التنظيمية و القرارات الفردية,فبالنسبة للقرارات الإدارية التنظيمية فقد أعملوا
قاعدة عدة الرجعية, و بالنسبة إلى القرارات الفردية فقد جعلوا تحريم الرجعية
منوطاً بمدى ما تسببه الرجعية من فائدة أو إضرار للأفراد و لذلك
فقد ميز أحد الفقهاء الإيطاليين حالات الرجعية
في القرارات الفردية علي النحو التالي :
1- يجوز للإدارة أن تضمن القرار الفردي اثر رجعي إذ كان من شأن الرجعية أن ترتب
حقاً للأفراد.
2- و عكس ذلك يمتنع علي الإدارة أن تضمن قرارها الفردي أثراً رجعياً إذ كان يرتب
علي الأفراد واجبات .
3- القرارات التي تنشأ عنها حقوق و واجبات فإن شرعية رجعيتها تكون منوطة بتوازن ما
تفرضه من واجبات و ما تنشئه من حقوق.
و هذا المذهب الإيطالي ليس مقبولا في فرنسا لأن عدم الرجعية يحكم القرارات
الإدارية بنوعيها دون أن تكون هنالك تفرقة ما بين القرارات التنظيمية و القرارات
الفردية
المطلب الثاني : الاستثناءات التي ترد علي مبدأ عدم
رجعية القرارات الإدارية
إذ كان الأصل في القرارات الإدارية هو عدم جواز سريان
أثارها علي الماضي الا ان هذا الأصل قد ورد عليه إستثنائات و في غير المواد
الجنائية , و هذه الاستثناءات أقرتها الأقضية في تنفيذ قراراتها الإدارية , فسير
العملية الإدارية و طبيعة الأمور تتطلب أعمال رجعية لأن قاعدة عدم رجعية القرارات
الإدارية هي من خلق القضاء و الإعتبارات العملية تتطلب وضع حلول طبقاً للمستجدات ,
و قد إعترف مجلس الدولة الفرنسي بان عدم الرجعية غير مقبول علي المشرع الا في
المسائل الجنائية و علي اعتبار ان لكل قاعدة قانونية استثناء و هذه الإستنثناءات
علي مبدأ عدم الرجعية هي :
أولا :وجود نص تشريعي يقر الرجعية
و هذا يتم بصدور قانون معين يخول المشرع بمقتضاه
صراحة لجهة الإدارة إصدار قرارات إدارية بأثر رجعي علي إعتبار ان هذا القانون يمثل
المصلحة العامة , و هذا التخويل أو التفويض قد يكون صريحاً ففي هذه الحالة ينص
القانون صراحة علي تخويل الجهة الإدارية لإصدار قرارات إدارية يرجع أثرها للماضي و
حتى تاريخ معين يحدده القانون , و خير مثال علي ذلك ما إتخذه مجلس الدولة الفرنسي
و ذلك بإعادة الموظفين الذين منعوا بسبب الحرب عن وظائفهم , مع تصحيح وضعهم منذ
قيام الحرب , أو سحب نوع معين من القرارات الإدارية إبتداءاً من تاريخ معين في
الماضي و قد يكون النص علي الرجعية في القرارات الإدارية ضمني أي تمليه طبيعة
الإختصاص كما لو صدر قانون يخول الإدارة سلطة إعادة النظر في القرارات الصادرة من
سلطة معينة كانت قد صدرت في الماضي و في تاريخ معين , و قد سلم مجلس الدولة
الفرنسي بشرعية الرجعية في هذه الحالات و هو ما أعتمد عليه مجلس الدولة المصري في
احكامه منذ القدم و بإستمرار و من أحكامه في هذا الخصوص حكمه الصادر في 10 أبريل
1948 و الذي جاء فيه { لا تسري أحكام القرارت الإدارية و اللوائح إلا علي ما يقع
من تاريخ صدورها و لا يترتب عليها أثراً فيما وقع قبله الا في حالتين :
الحالة الأولي ان تكون هذه القرارات و اللوائح صادرة تنفيذاً لقوانين ذات أثر رجعي
.
الحالة الثانية أن تكون هذه القرارات و اللوائح ( ذات الأثر الرجعي ) صادرة
تنفيذاً لأحكام صادرة من مجلس الدولة بإلغاء قرارات ادارية وقعت مخالفة للقانون
بما يترتب علي الإلغاء من أثره في الحوادث السابقة }(1 )
و هذا التفويض قد نزعه ( دوجي ) حيث قال ان الرجعية هي رخصة يمارسها المشرع و ليس
له ان يفوض الجهة الإدارية باصدار القرارات بأثر رجعي .
و هذه الملاحظة التي أبداها الفقيه ( دوجي ) لا يعمل بها الا بالنسبة إلى الدساتير
التي لا تبيح التفويض, و بما أنه توجد دساتير تخول للسلطة التشريعية ان تفوض
السلطة التنفيذية في ممارسة بعض إختصاصاتها فان هذه الرجعية التي يقبلها ( دوجي )
تصبح مشروعة و لكن بشرط إحترام الإدارة لحدود القانون الصادر لهذه التخويل و الا
تتعدى هذا التفويض حتى لا يكون هنالك إعتداء علي صلاحيات سلطة علي أخرى .
و نلاحظ من ناحية أخرى أنه إذا أصدرت السلطة التشريعية قانوناً بأثر رجعي و يحتاج
هذا القانون لتنفيذه و تطبيقه علي أرض الواقع قرارات إدارية من السلطة التنفيذية
فان هذه الإدارة بحكم الوظيفة التي تمارسها أن تصدر قرارات لنفاذ هذا التشريع
الرجعي .
و قد أكد ديوان التدوين العراقي علي هذا الاستثناء حيث يقول ( إن المركز القانوني
للموظف يتحدد بتاريخ صدور القرار الإداري المنشئ لمركزه الجديد و لا يمكن أن ينسحب
هذا الأثر إلى تاريخ سابق إلا بنص قانوني و ذلك ما ورد في المادة 29 من قانون
الخدمة الخارجية رقم 31 لسنة 1966 حين ألزمت موظف الخدمة الخارجية بوجوب أخذ
موافقة الوزير التحريرية قبل الزواج , و في حالة عدم الإلتزام بهذا النص فان
الوزير سيصدر قرار بإعتبار الموظف المخالف مستقيل من تاريخ عقد الزواج أي لا بد من
أعمال الرجعية في القرار الوزير الذي لن يصدر الا بعد تحقق زواج الموظف دون أخذ الإيجازة
المسبقة بذلك .
و من ذلك أيضاً ما نص عليه قرار مجلس قيادة الثورة رقم 2675 في 2-10-1978 الذي ينص
علي اعتبار ترقية الموظف يعمل به من تاريخ استحقاقه القانوني, أي من تاريخ بداية
حساب الترقية بغض النظر عن التاريخ الذي صدر فيه القرار , و قد أقر مجلس الإنضباط
العام رجعية اللقرار الإداري بناء علي ما جاء في نص القانون .
فإذا ما صدر قانون بمنح مخصصات بدل عدوي للعاملين في الحقل الصحي و تحدد تاريخ 31-
12 -1974 موعداً لنفاذ هذا القانون , فان الأمر الإداري الصادر بتاريخ 16-11 -1976
بمنح مخصصات بدل عدوي للصيدلانية (م ) يجب أن يكون بأثر رجعي أي من تاريخ نفاذ
القانون اعلاه , لأن المدعي كانت شاغلة للوظيفة عند تاريخ نفاذ القانون . ( 1 )
و أيضاً مجلس الدولة المصري نص علي الاستثناء حيث يقر عدم سريان القرارات الإدارية
و اللوائح إلا علي ما يقع من تاريخ صدورها , إلا إذا كانت هذه القرارات صادرة
تنفيذاً لقوانين ذات اثر رجعي( فلا رجعية إلا بنص ).
ثانياً : في حالة
الحكم بإلغاء القرارات الإدارية
ينتهي القرار الإداري بإظهار إرادة جهة مختصة تشريعة أو قضائية أو إدارية
بمحوه من التنظيم القانوني و إزالته من البناء القانوني , و بعد ذلك يتوقف القرار
عن إنتاج أي أثار الا أن أثاره التي أنتجها قبل لحظة إنهائه تظل قائمة في التنظيم
القانوني مالم يتضمن قرار إنهائه محو كل أثاره من لحظة صدوره أي انهاء القرار و
أثاره بأثر رجعي .
و لذا سنتاول تباعاً إلغاء القرار الإداري عن طريق القضاء و إنهاء القرار الإداري
من الإدارة نفسها (السحب ) .
فإلغاء يكون في حالتين إلغاء يكون صادراً من الإدارة , و إلغاء صادر من القضاء
الإداري و هو ما يعرف بالإلغاء القضائي و هذا ما يهمنا .
إذاً فالإلغاء القضائي هو إنهاء أثار القرار الإداري و إعدامها بالنسبة للماضي و
المستقبل و ذلك عن طريق حكم قضائي صادراً من القضاء الإداري ,و ذلك لعيب مخالفة
المشروعية الذي يجب أن تخضع إليها جميع القرارات الإدارية , و هذه العيوب تكون في
عدم الاختصاص و صوره { عيب الاختصاص البسيط و عيب الإختصاص الجسيم } و عيب الشكل و
عيب المحل و عيب السبب و عيب إساءة إستعمال السلطة ( الإنحراف ) . (1 )
ففي هذه الحالات يستطيع الطاعن أن يستند إلى أي من هذه العيوب للمطالبة بإلغاء
القرار الإداري الذي أضر بمصلحته كما يجوز للقاضي الإداري ان يثير من تلقاء نفسه
عيب عدم الإختصاص وعيب الشكل لتعلقهما بالنظام العام و يحكم بإلغاء القرار نتيجة
لذلك حتى و لو أغفلهما الطاعن .
و يترتب علي الإلغاء القضائي عندما يشوب القرار الإداري عيب من العيوب السابقة
إعدام الأثار المتولدة علي ذلك سواء في المستقبل أو الماضي بحيث يعتبر القرار
الإداري المحكوم بإلغائه كان لم يكن أي كأنه لم يصدر إطلاقاً و أساس هذه القاعدة
هو أن القرارات الإدارية الغير مشروعة و المعيبة لا تنشئ حقوقاً للأفراد و من ثم
يجوز للإدارة إلغائها بأثر رجعي دون الاحتجاج عليها بفكرة الحقوق المكتسبة و
الإلغاء بهذا الشكل يعتبر جزاءاً لعدم مشروعية القرارات المعيبة و هذا ينطبق أيضاً
علي القرارات اللائحية و القرارات الفردية و قد تعرض المشرع الليبي للإلغاء
القضائي للقرار الإداري لعيب من العيوب السابقة في قانون المحكمة العليا في سنة
1953 ثم في قانون ( رقم 88 ) لسنة 1971 بشأن القضاء الإداري لدوائر القضاء الإداري
بمحاكم الاستئناف و بالمحكمة العليا دون غيرها مهمة الفصل في الطعون التي يقدمها
الموظفون العامون و الافراد بإلغاء القرارات الإدارية النهائية الصادرة بشأنهم و
ذلك متي كان مرجع الطعن علي هذه القرارات هو عدم الإختصاص أو وجود عيب في الشكل أو
مخالفة القوانين و اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال
السلطة .
و في العراق فإذا ما طعن أحد بقرار
إداري أمام القضاء المختص و أفضى فحص القرار من قبل المحكمة إلى تقرير عدم
مشروعيته , أي وجود عيب من العيوب , التي تحمل القاضي علي إلغاء القرار فإنها تصدر
قرارها بإلغاء هذا القرار الإداري و الإلغاء من جانب القاضي لا يكون إلا بأثر رجعي
أي هدم القرار من تاريخ إصداره . ( 1 )
إذا فالإلغاء القضائي للقرار الإداري يؤدي إلى إعدام القرار لا بالنسبة للمستقبل
فحسب بل بالنسبة للماضي أيضاً بحيث يصبح القرار و كانه لم يوجد إطلاقاً , و إذا
كانت الظرورات الإدارية قد حالت دون وقف تنفيذ القرار الإداري بمجرد رفع الدعوى
بطلب إلغائه قضائياً , فان ذلك التنفيذ يظل مصيره النهائي معلق علي الحكم في دعوى
الإلغاء لأن الإدارة تقوم بالتنفيذ علي مسئوليتها الخاصة و هي تستطيع ان ترجي
التنفيذ حتى يصدر الحكم في الدعوى.
وقلما تفعل ذلك نظراً للمدد الطويلة التي يستغرقها الحكم في دعوى الإلغاء لما كانت
القاعدة أن المتقاضي لا يمكن أن يضار من جراء بطء التقاضي ، فان حقوق رافع دعوى
الالغاء لايمكن ان تضار مهما طال الوقت بين رفع الطعن،وبين صدور الحكم فيه بل
يتعين اعادة الحال الى ما كانت عليه لو لم يصدر القرار الادارى المحكوم بالغائه .
إن أعمال هذه القاعدة كثيرا ما يرتب للإدارة مضايقات، وذلك اذ ما طالت المدة بين
رفع الدعوى وبين الحكم فيها، فان الادارة ستجد نفسها مطرة لاعادة النظر فى كثير من
قراراتها التى اصدرتها مستندة الى القرار المحكوم بإلغائه.
ولهذا السبب فأن القضاء الفرنسى الزم الإدارة بالقيام بكل ما يقتضيه الحكم الصادر
بالالغاء ، ومن ذلك اعادة النظر في جميع الآثار التي ترتبت في الماضي والتي تستند
الى القرار الملغى وللادارة فى هذا السبيل ان تصدر بطبيعة الحال قرارات ذات أثر
رجعى ، لان هذه الرجعية تغدو ضرورية لتنفيذ الحكم الصادر بالإلغاء .
وقد جاء في حكم صادر عن مجلس الدولة الفرنسى فى 26- ديسمبر-1925 فى قضية ( رودير)
إذا كانت القاعدة هى عدم رجعية اللوائح والقرارات الادارية الفردية إلا اذ كانت
تلك القرارات تنفيذا لقانون رجعى ، فإن هذه القاعدة تتضمن استثناء فى حالة
صدورالقرارات الادارية تنفيذا لحكم صادر من مجلس الدولة ، ذلك ان الاحكام الصادرة
بالإلغاء تتولد عنها بالضرورة بعض الآثار فى الماضي ولما يستتبعه الحكم بالإلغاء
من اعتبار القرارات الملغاة معدومة من يوم صدورها ، فالحكم بإلغاء قرارات بالتعيين
أو بالترقية أو بالإحالة إلى المعاش أو بالفصل يحتم على الإدارة ان تعيد النظر فى
جميع القرارات التي صدرت خلال الفترة التي سبقت الحكم متضمنة ترقية الموظفين الذين
عينوا في وظائف فصل شاغلوها بقرار معيب فتعيد أجراء الترقية وفقا للأقدمية التي
تحددها القوانين واللوائح إذا ما كانت الترقية بالأقدمية وفى حالة الترقية
بالاختيار فوفقا لحجية الشيء المقضي به وسائر الحقوق الأخرى .
وبالمعني فإن الإدارة تملك أن تعيد النظر فى حالة الموظفين الذين مسهم حكم الالغاء
بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وان تصدر وفقا للاجراءات القانونية وتحت رقابة المجلس
القرارات التي تتضمن اعادة وضع الموظف فى مكانه الذى يستحقه لو لم ترتكب المخالفة
القانونية التي كانت سببا للحكم بالإلغاء .
وقد أخذ مجلس الدولة المصرى بهذه المعنى حيث جاء فى حكم صادرا له فى 8-مارس-1955
والذى يقول فيه ( ان مقتضى الحكم الصادر بالإلغاء ء هو ارجاع الحالة إلى ما كانت
عليه قبل صدور القرار الملغى على ان تمتنع الإدارة عن اتخاذ اى أجراء تنفيذى ينبنى
عليه ترتيب اثر لهذا القرار بعد الإلغاء وان تتخذ الاجراءات الكفيلة بتنفيذ مؤدى
الحكم مع تطبيق نتائجه القانونية على اساس افتراض عدم صدور القرار الملغى من بادى
الامر ء وتسوية الحالة على هذا الوضع ء ومن ثم سترد سلطتها فى هذه الحدود فى
الافصاح عن ارادتها لاحداث مراكز قانونية حسب مالا يتعارض مع هذا الحكم ) وفى حكم
آخر يقول مجلس الدولة المصرى ( ان الحكم الصادر بإسناد اقدمية المدعى فى الدرجة
الخامسة إلى تاريخ سابق ء انما ينعطف بجميع اثاره القانونية الحتمية المباشرة إلى
التاريخ على اساس المركز القانونى الذى ترتب للمدعى بمقتضاه وذلك دون حاجة إلى
النص على تلك الآثار ) .( 1 )
من الواضح إن الالغاء الادارى للقرارات الادارية باثر رجعى يترتب عليه اعدام لكل
اثر تولد عن تلك القرارات ، و هو إلغاء لكل قرار وما يربطه من قرارات أخرى و هذا
ما يسمي ( بالرجعية الهادمة ) و لكن هذه الرابطة تختلف من حيث قوتها وضعفها و من
هنا تكمن الصعوبة , فقد يكون القرار التبعى أي الذي يتبع القرار الملغى هو تطبيق
مباشر لهذا القرار الاخير ، وقد يكون الملغى شرط لبقاء التبعي ، وقد يكونان معا
جزءا من عملية قانونية واحدة .
وقد تصدر قرارات ادارية استنادا إلى القرار المحكوم بالغائه أو سببه وقد تكون
عملية مركبة ، ففي : حالة كون القرارات الاصلية قرارات تنظيمية
فإذا كان الطعن فى القرار الفردى المستند إلى القرار التنظيمى الاصلى المطعون فيه
فى وقت واحد ، فيحكم بإلغاء هذا القرار الفردى اسوة بالقرار التنظيمى الاصلى . ولو
اقتصر الطعن على القرار التنظيمى فقط فإن الغائه لا يترتب عليه الغاء الفردى لانه
مستقل عنه وفى حالة كون القرار الاصلى قرار فردى وصدرت عنه قرارات فردية فإن
القضاء سيحكم بالغاءه وذلك فى حالة الطعن فيه مع القرار الفردى الاصلى لصدوره دون
اساس قانونى ، وايضا اذ كان الطعن بالإلغاء لم يوجه إلى القرار الفرعى المستند إلى
القرار الاصلى حيث يسقط الفرعى بسقوط الاصلى . فمثلا القرارات التنفذية الفردية
الصادرة تطبيقا للائحة حكم بالغائها ، وقرارات تعين فصل شاغلوها بقرارات قضى
بالغائها ، وايضا التعيين تأسيساً على مسابقة حكم بالغائها نتيجة لاستبعاد بعض
الافراد من الاشتراك فيها بدون وجه حق ، كل هذه القرارات هى تبعية فى حد ذاتهاوهى
تعتبر ملغية بالتبعية. ( 1 )
ولتحقق هذا الالغاء يجب ان تكون العلاقة قوية لدرجة لا يمكن فصلها على بعضها ،
وهذه العلاقة تكون متحققة فى حالة القرار الذى يصدر تطبيقا للقرار الملغى ، وأيضا
القرار الذي يكون القرار الملغى شرطا لبقائه , ولكن القضاء المصرى لم يعمل بهذه
القاعدة على اطلاقها ، ففى حكم صادر للمحكمة العليا فى 10 ابريل 1955 تقول فيه
(.... إن صدور قرار بإحالة الموظف إلى المعاش ولجوئه إلى المحكمة لرفع دعوى أمامها
فى الميعاد القانونى مطالبا فيها بإلغاء هذا الامر لا يزيل عنه صفة الوظيفة طالما
ان الامر لا يزال معلقا بصدور حكم المحكمة ، ومقتضى هذا ان يبادر ذلك الموظف
بالطعن أو التظلم في المواعيد المقرر قانونا فى كل امر يصدر في خلال تلك الفترة
يرى فيه المساس بمركزه القانونى كموظف ، وبذلك لا يضيع حقه في الطعن فإن هو سكت
ولم يطعن انتظاراً لصدور حكم المحكمة في امر إحالته إلي المعاش وكانت مواعيد الطعن
قد انقضت، فوت علي نفسه الميعاد....) ، وهذا المبدأ الذي قال به الحكم لا يصدق إلا
في حالة القرارات التي لاتقوم بينها وبين قرار الاحالة الي المعاش رابطة تبعية
متينة والتي يمكن أن تصدر حتى في حالة عدم وجود مثل هذا القرار ، كتعيين الإدارة لاحد
الأشخاص من الخارج في وظيفة كان من المحتمل أن يعين فيها الموظف المحال الي المعاش
.
أما في الحالات الأخرى التي يوجد فيها رابطة التبعية ، فإنه لا داعى لاجبار
المتقاضى علي رفع دعاوى لايمكن حصرها ، لان مثل هذه القرارات يكون مصيرها معلقا
على الحكم الخاص بالقرار الاصلى .
ثالثاً
:الرجعية في حالة سحب القرارات الادارية
السحب أو الرجوع كما يعرفه ( الدكتور ارحيم الكبيسى ) هو : وسيلة قانونية
تمارسها السلطة الادارية لازالة القرار من الاساس وكل ما يترتب عليه من اثار متى
كان ذلك ممكنا شرعا ويحقق هدفا أسمى .
والمقصود بالقرارات التي يسمح للادارة بسحبها هي تلك التي لم يترتب عليها حق مكتسب
أو مركز قانونى خاص ، سليمة كانت أو معيبة ، ودون التقيد بمدد الطعن
ومثال ذلك القرار الصادر برفض الترخيص بفتح محل تجارى ، وايضا القرارات التأديبية
إلا إذا ترتب على سحب القرار التأديبى طرد موظف اخر.
إذا فالسحب يخضع لمبدأ قانونى عام قوامه عدم جواز المساس بالاثار القانونية
المترتبة على القرارات الادارية بالنسبة للافراد واساس هذا المبدأ يكمن فى فكرة
ضمان استقرار المعاملات والاوضاع القانونية ، وهو الامر الذى يعنى وجوب احترام
الإدارة لما يترتب من حقوق للافراد علي تلك القرارات ، وهنا يجب التفرقة ما بين
القرارات الادارية السليمة والقرارات المعيبة ، فهذه الاخيرة يقتضى فيها اعمال المرونة
ومن ثم يجوز سحبها ، اما السليمة يكون وارد فيها التشدد وهذا ما احاول توضيحه علي
النحو التالي :
1- سحب
القرارات السليمة أو المشروعة باثر رجعى :
القاعدة هي عدم جواز سحب القرارات المشروعة لان قرار السحب يراد به سريان
اثاره الي الماضى باثر رجعى .
وقد طبق مجلس الدولة الفرنسى هذا المبدا ، فمتى اعتبر القرار سليما امتنع الرجوع
فيه دون ان تكون في حاجة الي التحرى عن ان ميعاد الطعن قد انتهى ام لا حيث ان قرار
الرجوع في القرار السليم هو قرار غير مشروع بحد ذاته ، وهذا المعنى ينطبق علي
القرار الادارى سواء كان فرديا أو تنظيميا ، فالقرار التنظيمي متى صدر سليما امتنع
علي الادارة الرجوع فيه استنادآ لمبدأ عدم الرجعية ، فالتنظيم لا يكون الا
للمستقبل فقط اما بالنسبة للاقرارات التى تولدت من القرار التنظيمي السليم يجب
استقرارها ولا يمكن المساس بها طالما تولدت خلال فترة سريانه ، اما القرارات
الفردية فتبدو استحالة الرجوع اكثر تطبيقاً لا في القرار السليم فحسب بل في القرار
المعيب أيضا وذلك لاستقرار الحالة القانونية للفرد سواء كانت في المستقبل او في
الماضي ونجد ذلك في احكام صادرة بتاريخ 13-1-1911 قضت بأن القرار الصادر بتاريخ 16-12-1908
بتعيين السيد (بوكت) كعضو باللجنة الادارية في مكتب المحافظة كان سليما وبالتالي
يكون الرجوع فيه بتاريخ 16- 1 – 1909 من قبل المحافظ معيباً و حريا بالإلغاء. ( 1
)
و بهذا أيضاً أخذت المحكمة العليا في ليبيا , عندما قالت ( إن تعيين الطاعنين
ومباشرتهم لاعمالهم في وظائفهم قد وقع صحيحاً في وقت لم يكن التعيين في وظائف
الدولة موقوفاً ولا محظوراً... فإذا ما جاء مجلس الوزراء بعد ذلك بما له من سلطة ،
وقرر وقف التعيينات ومنع ملء الوظائف والدرجات الخالية فلا ينسحب هذا القرار علي
الماضي ، ولا يمس الحقوق المكتسبة لمن عينوا قبل ( 2 ) صدوره ويراد بهذا حماية
المراكز القانونية التي يترتب عليها حقوق يكتسبها الافراد ، استنادآ علي قرارات
ادارية سليمة وذلك بمنع المساس بها عن طريق اصدار قرارات ادارية لاحقة تسري علي
الماضى ، ومن ثم فالقرارات الادارية المشروعة التي لا تكسب الافراد حقوقآ يجوز
سحبها ، سواء كانت تنظيمية او فردية .
في العراق فإن اكثر ما يحصن القرار الادارى
ضد امكانية سحبه هو اتحاد مشروعيته والحقوق التي تترتب عليه ، فإذ تحقق في قرار ما
الامران ( المشروعية و توليد الحقوق ) تعذرعلي الادارة كقاعدة عامة سحبه تحت اية
ذريعة او سبب ، بل إن سحبه بحد ذاته يعد عملآ غير مشروع وهذا القول ينطبق علي
القرارات الادارية الفردية و التنظيمية رغم إن هذه الاخيرة لا تولد حقوقآ واذ ما
نجم تطبيقها عن ميلاد حقوق او انتاجها اى حق للافراد اثناء التطبيق فإنها في هذه
الحالة لا يمكن سحبها ، وبالنسبة للقرارات التي لا تولد حقوقآ فيجوز سحبها ولكن
ليس علي الاطلاق ، فلو صدر قرار ادارى باجازة ممارسة نشاط معين فإن المستفيد من
هذه الاجازة اصبح له حق ممارسة نشاطه وليس للادارة الغاء هذا الحق باثر رجعي ( أي
سحب القرار الذي منح الرخصة ) الا ان ذلك لا يعني إن الادارة لا تستطيع الغاء
قرارها وبالتالى ايقاف اثاره بالنسبة للمستقبل .( 1 )
وفي مصر فالقاعدة هي نفسها في فرنسا ، فلا يجوز الرجوع في القرارات السليمة ولكنه
يوجد بعض الغموض في التمييز بين القرارات التنظيمية والقرارات والفردية ،
فالقرارات السليمة لا غبار علي الرجوع فيها وذلك ما اكدته المحكمة الادارية في
حكمها الصادر في 29 – 6 – 1968 ( إن القرار المذكور كان سليمآ ومطابقاً للقانون
ومن الغير الجائز سحبه ) ، وقد اعتبرت المحكمة الرجوع في القرار السليم ينطوي علي
قرار منعدم فتراها تقول (..... إن القرارات الصحيحة و السليمة لا يجوز سحبها فإذ
ما ورد عليها قرار من هذا النوع وقع منعدمآ او باطلا بطلانا ًمطلقاً ) .
فالقرار التنظيمي إذ ما تولد عليه مراكز قانونية عامة او مجردة فإن ذلك يعطي
الادارة الحق في تعديل او تغير مثل هذا القرار الا أن مثل هذا التعديل لا يمكن ان
يكون من اثاره القانونية أن تمحو الاثار السليمة التي ترتبت خلال مدة سريانه وذلك
عملا بمبدأ عدم الرجعية ، وقد عمل القضاء المصرى في القرارات التنظيمية بفكرة
الحقوق المكتسبة كقاعدة عامة في عدم الرجعية ( 2 )، وذلك في حكم للمحكمة العليا
صادراً في 1 – 6 – 1957 بقولها : ( إن قرارات مجلس الوزراء الذي اغفل القانون رقم
371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية ، والنص علي الغائها هي قرارات تنظيمية
عامة تتضمن مزايا مالية وادبية للموظفين وقد تحققت لهم في ظلها مراكز قانونية
ذاتية فلا يمكن اهدارها باثر رجعي من وقت صدور القرارات التنظيمية العامة التي
تحققت في ظلها تلك المراكز القانونية إلا بنص قانوني يقرر ذلك .
وبالنسبة للقرارات الفردية متى صدرت مطابقة للقانون فلا سبيل للرجوع فيها ، وإذ ما
قامت الادارة بالرجوع فإن تصرفها في هذه الحالة سينطوي علي قرار مخالف للقانون
وهذه القاعدة مبنية علي مبدأ عدم رجعية القرارات الادارية .
2- سحب
القرارات الغير مشروعة :
القرارات الغير مشروعة او المعيبة هي تلك القرارات التي يشوبها عيب من العيوب
وهذه العيوب كما اتفقت عليها الاقضية هي :
عيب عدم الاختصاص الجسيم او كما يسمى بعيب اغتصاب السلطة وهو عيب خطير يلحق
بالقرار الادارى ويجعله ليس قراراً قابل للإلغاء بل قرار باطل بطلاناً مطلقاً
ومنعدم ، وهذا العيب يجرد القرار من صفته ويجعله مجرد عمل مادى لا قيمة قانونية له
، وتقول الحكمة العليا في ليبيا ( عيب اغتصاب السلطة هو عيب يؤثر في القرار
الادارى تاثيرآ بليغآ الي حد اعدامه وعدم الاعتداء به ) ويتحقق هذا العيب في حالة
صدور القرار من جهة ادارية اعتداء علي اختصاصات جهة أخرى ، أو صدور القرار من احد
الموظفين اعتداء علي اختصاص اللجان ذات الاختصاص القضائي .... الخ .
ومثال علي ذلك هو ما جاء في حكم دائرة القضاء الاداري بمحكمة استئناف طرابلس في
الدعوى رقم 19 لسنة 74 م
( إن القرار المطعون فيه حين صدر من وزير الاسكان يكون قد صدر من سلطة لا تملك
سلطة اصداره قانونا متخطية بذلك سلطة جهة ادارية اخرى لها شخصيتها المعنوية
المستقلة وهي وزارة الداخلية التي اناط القانون بوزيرها سلطة اصدار القرار ، ومن
ثم فهو مشوب بعيب عدم الاختصاص الجسيم الذي ينحدر به الى درجة الانعدام ). ( 1 )
وفي فرنسا فإن مجلسها وايضا الفقه يجمعان علي وجوب تدخل الادارة لازالة المخالفة
القانونية بل إن الفقيه ( سوتو ) يعتبر التزام الادارة بالرجوع في القرار المعيب
احد خصائص قرار الرجوع ، وقد حدد القضاء الفرنسى القرارات المنعدمة في التصويبات
أو التصحيحات التي تنطوى علي تعديل للنص اللائحي الذي سبق نشره ، والقرارات
المتخذة من قبل سلطة معينة وتنطوي علي اغتصاب حقيقي للسلطة ، وفي ذلك قضي ( إن
القرارات التي صدرت عن السلطة الالمانية خلال الاحتلال لمنطقة الالزاس واللورين ،
تعتبر منعدمة لعدم احقية الالمان بممارسة السلطة التنفيذية ) ، وقرارات التعيين
والترقية الشكلية في نطاق الوظيفة العامة، والقرارات الإدارية المتخذة بتجاهل
الحالة الناتجة عن وصول الموظف لسن معينة , فالقرارات الإدارية الغير مشروعة أو
المعيبة لا تنشئ حقوقاً للأفراد ، ومن ثم يجوز للإدارة سحبها بأثر رجعي دون أن
يحتج علي ذلك بفكرة الحقوق المكتسبة ، ثم أن سحب مثل هذه القرارات يعد من جهة أخرى
جزاء لعدم مشروعيتها ويسمح بالتالي لجهة الإدارة بأن تحقق بنفسها ومباشرة ما
سيتوصل إليه القاضي الإداري فيما لو طعن أمامه بالإلغاء علي مثل هذه القرارات .
وقاعدة وجوب سحب القرارات الإدارية المعيبة تنطبق علي القرارات اللائحية والقرارات
الفردية, ذلك إن التزام الإدارة باحترام مبدأ الشرعية ومن ثم تصحيح الأوضاع
المخالفة له هو التزام عام يشمل كافة تصرفاتها القانونية أياً كان نوعها .
فإذ كان قرار السحب مثله مثل الالغاء ، يودى لاعدام اى اثر للقرار واعتباره كأن لم
يكن اى كأنه لم يصدر ، ولكن فإن هذا السحب مقيد بميعاد الستون يومآ ويترتب علي
فوات هذا الميعاد اكتساب القرار الغير مشروع حصانة ، إلا إن هذا الميعاد ترد عليه
استثناءات وذلك في حالة اغتصاب السلطة ، وأيضاً حالة تغير الاوضاع القانونية كما
لو صدر تشريع جديد يعدل باثر رجعي احكام تشريع سابق .
إذا فطالما إمكانية اختصام القرار المنعدم واردة في كل وقت ، فإن امكانية الرجوع
فيه واردة كذلك وفي كل حين .
وقد أشارت الأحكام في فرنسا الي ان القرار المعيب يسمح بالرجوع فيه حتى بعد انتهاء
الميعاد المقرر لذلك ، وقد حافظ المجلس علي هذا المبداء القاضى بان الرجوع في
القرار المنعدم ، او الطعن فيه لا يخضع لاية قيود زمنية ، وبإمكان اعلان انعدام
القرارفي كل وقت دون النظر فيما اذا كان ميعاد الطعن فيه قد انقضى او لا ، فالعدم
لا يولد الا عدماً وكل الآثار التي تولدت عن هذا القرار المنعدم يجب ان تزال عند
اعلان انعدامه .
وقد طبق القضاء المصري عدم التقيد بالميعاد في القرارات المنعدمة وذلك ما ورد في
حكم محكمة القضاء الاداري في 5 – 1- 1954 ( إن قرار اعادة المدعي الي الخدمة ما هو
الا قرار صادر من الجهه الادارية بسحب قرارها السابق القاضي بفصله من الخدمة ولا
يعترض علي ذلك بان ميعاد السحب قد انقضى لان القرار المسحوب هو قرار معدوم ،
والقرارات المعدومة يجوز الطعن فيها وسحبها دون التقيد بالميعاد ) . ( 1 )
لقد ثار الجدل الفقى في عدم التقيد بالمواعيد في حالة السحب ، حيث انتقد العميد (
ديجى) قضاء مجلس الدولة الفرنسى في حكم صادر للمجلس في 3- 11- 1922 لمخالفته مبدأ
المشروعية الذي يقتضى عدم استمرار المراكز القانونية الشخصية والموضوعية المخالفة
للقانون ، وتبعاً لذلك يكون للإدارة حرية سحب القرارات الغير مشروعة في اى وقت
حماية للافراد انفسهم .
وقد رأى بعض الفقهاء في مصر تاييد هذا الاتجاه علي
أساس إن القرار الباطل لاينتج اثرا ولا يقيد الجهه الادارية التى اصدرته فهي
تستطيع الرجوع فيه في اى وقت تشاء .
ولذلك فإن تحديد السحب بميعاد معناه أن يضحى باحترام القانون في سبيل الاوضاع
المستقرة ، مما يجعل الاصل هو عدم جواز الرجوع في القرارات الباطلة ، وايضا اتجه
جانب من الفقه الي انه لا يجوز تقييد الادارة وهي تريد احترام القانون عندما ينكشف
لها خطاء تصرفها فتتجه الي اعدام القرار و الرجوع فيما صدر عنها ، اما حجة احترام
الاوضاع المستقرة والحقوق المكتسبة فإنه يكفي التعويض عنها جزاء للحقوق المكتسبة
التي ستضيع وعوضآ عن الأوضاع التي ستلغي نتيجة لسحب القرار . ( 1 )
إن لكل مجتمع أهداف سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية معينة يحاول قدر
استطاعته بلوغها و تحقيقيها و هذه الأهداف يتولى المشرع تحديدها في شكل سياسية
عامة و هي تتطلب قدر من الدراسة و الخبرة , فكان لابد من إنشاء أجهزة إدارية
متخصصة و تزويدها بالوسائل اللازمة و هذه الوسائل تتمثل في الوسائل البشرية و
المادية و القانونية لكي تتمكن هذه الأجهزة من أداء دورها علي الوجه المطلوب .
و من هنا جاءت مهمة الإدارة العامة لتنفيذ السياسة العامة للمجتمع و تحقيق أهدافه
و غاياته و الإدارة في سبيل تحقيق هذه السياسة تستخدم الوسيلة القانونية المتمثلة
في الأعمال أو التصرفات القانونية و هذه التصرفات تكون صادرة عن الإدارة نفسها
بإرادتها المنفردة و دون أن يشاركها أحد و يطلق علي هذه التصرفات ( القرارات
الإدارية ) و هذه القرارات تعتبر من أهم مظاهر امتيازات السلطة العامة فعن طريق
هذه القرارات تتمكن الجهات الإدارية من التعبير عن سلطتها الآمرة و إرادتها
المنفردة الملزمة و بحكم مسئولية الإدارة المباشرة عن تنفيذ القواعد القانونية
فإنها هي المرشحة الوحيدة لانتهاك الحقوق و الحريات أكثر من الهيئات الأخرى و لهذه
الاعتبارات جاء المشرع و قيد سلطة الإدارة في إصدار القرارات الإدارية حيث حدد لها
العناصر الواجب توفرها في هذه القرارات و أيضاً شروط نفاذها و كيفية تنفيذها اتجاه
الأفراد و أوجب أيضاً علي الإدارة القيام بسحب قراراتها و إلغائها في حالة عدم
مشروعية هذه القرارات و قد أجاز المشرع أيضاً للأفراد أصحاب المصلحة سلوك طريق
الطعن القضائي سواء بالتنفيذ أو بالإلغاء أو التعويض .
و الإدارة في إصدار قراراتها الإدارية بالصورة المشروعة ملزمة بمبادئ عامة و هي :
مبدأ المشروعية , ومبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية , و مبدأ عدم المساس بالآثار
الفردية للقرارات الإدارية , و هذه المبادئ مفروضة علي الإدارة و ذلك لاستقرار
الأوضاع القانونية , و قد أجمعت علي هذه المبادئ أغلبية الاقضية , و حرصت كل الحرص
علي عدم التهاون في هذه المبادئ و لقد إعتبرت مبدأ الرجعية من أخطر هذه المبادئ ,
و لهذا إهتمت به ووضعت له الأسس التي تقوم عليها و أيضاً فرضت عليه استثناءات تكون
في أضيق الحدود و هذا ما سأحاول التطرق له من خلال هذه الورقة البحثية و ذلك من
خلال التقسيم التالي :
المطلب الأول : الاعتبارات التي يقوم عليها مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية .
المطلب الثاني : الاستثناءات التي ترد علي مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية .
المطلب الثالث : تصحيح القرارات الإدارية الغير مشروعة بأثر رجعي .
المطلب
الأول : الاعتبارات التي يقوم عليها مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية :
إن مبدأ عدم الرجعية هو من المبادئ العامة التي تضمنتها دساتير الدول و هو مبدأ
خطير و مخالف للعدالة و لهذا فأنه يلقى معارضة شديدة و يعتبر استثناء من القواعد
القانونية السليمة التي لا تقر نفاذ القوانين إلا علي الحوادث المستقبلية , و أغلب
الدول تحرص علي تحريم الرجعية في القرارات الإدارة إلا في أضيق الحدود , و قد سلم
مجلس الدولة الفرنسي بهذا المبدأ حيث قال أن القرارات الإدارية سواء كانت تنظيمية
عامة , أم قرارات فردية لا يجوز تضمينها أثراً رجعياً , و هذا ما أخذ به أيضاً
القضاء المصري حيث قال أن الأصل طبقاً للقانون الطبيعي هو عدم جواز الانعطاف بأثر
القوانين إلى الماضي , و أعتبر القضاء الإداري في ليبيا أن مبدأ عدم رجعية القارات
الإدارية من المبادئ العامة للقانون التي تفرض نفسها علي جهة الإدارة و التي لا
تحتاج إلى نص قانوني صريح يقررها , ففي قرارها الصادر بتاريخ 26-6-1957 تؤكد
المحكمة العليا علي ذلك و تقول ( يجب أن يكون القرار الإداري مطابقاً للدستور و
القوانين و اللوائح و مبادئ القانون العام كالمساواة و الحريات العامة و حق الدفاع
وعدم رجعية القرارات الإدارية ) و هذا المبدأ ما فُرض في هذه الدول إلا لعدة
اعتبارات , وتتمثل هذه الاعتبارات في فكرة الحقوق المكتسبة ( المراكز القانونية )
و فكرة استقرار المعاملات و ضمان احترام قواعد الاختصاص الزماني بين السلطات
الإدارية المتعاقبة و لغياب الباعث المشروع لقرار الرجعية في القرارات الإدارية.(1
)
و من المسلم به في الأنظمة القانونية إن الأفراد أو الأشخاص عندما اكتسبوا حقوق في
ظل نظام قانوني معين فإنه يحرم المساس بهذه الحقوق إذ ما تغيرت الأوضاع القانونية
التي أكتسبها الأشخاص في ظل هذه الحقوق , و لذلك فإذا ما تحقق للفرد مركزاً
قانونياً نتيجة قرار إداري أو للاتفاق مع الإدارة فإنه لا يجوز المساس بهذا المركز
القانوني إلا بالوسائل القانونية المشروعة ذي الأثر الرجعي و هذا ما أكدته المحكمة
الإدارية العليا في مصر فيما يتعلق بأمور الموظفين و ذلك ما جاء في حكمها الصادر
في 11 فبراير 1956 حيث تقول ( أن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها
القوانين و اللوائح في هذا الشأن , فمركز الموظف من هذه الناحية هو مركز قانوني
عام يجوز تغييره في أي وقت , و يتفرع علي ذلك أن كل تنظيم جديد يستحدث يسري علي
الموظف أو العامل الحكومي بأثر حال مباشر من تاريخ العمل به , و لكنه لا يسري بأثر
رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت لصالح
الموظف نتيجة لتطبيق التنظيم القديم عليه قانوناً كان أو لائحة إلا بنص خاص في
القانون و ليس في أداة أدني منه كلائحة مثلا.....) .
و في ديوان التدوين
القانوني العراقي فأنه يقر مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية و يعتبره هو الأصل و
الاستثناء علي ذلك يتطلب إيجازه من المشرع و لكنه لا يقر بفكرة الحقوق المكتسبة أو
( المراكز القانونية ) و علي ضوء ذلك يقول ( إن المركز القانوني للموظف يتحدد
بتاريخ صدور القرار الإداري المنشئ لمركزه الجديد , و لا يمكن أن ينسحب هذا الأثر
إلى تاريخ سابق إلا بنص قانوني .
و لكي تكون هنالك رجعية يجب توافر شرطان و هما :
أولا :أن يكون ثمة مركز قانوني ذاتي و قد تكاملت عناصره في ضل قانون معين , و لكن
لا يكفي أن يكون الفرد قد أستوفى شروط الاستفادة من مركز قانوني عام بل يجب أن
يكون قد صدر من الإدارة قرار فردي بتطبيق أحكام المركز العام عليه و ذلك ما قاله
مجلس الدولة المصري في حكمه الصادر في 8 يناير 1953 ( أن الحق لا يكتسب في ظل
قاعدة تنظيمية عامة إلا بتطبيقها تطبيقاً فردياً فيتولد لصاحب الشأن مركز قانوني
خاص , و هذا المركز هو الذي لا يجوز المساس به إلا بقانون ) و دللت المحكمة علي
ذلك في حكم صادر في 13 مايو 1961 ( أن القرار الصادر من الجهة الإدارية بالترخيص
للطالب بمطحنة متنقلة قد صدر منها بناء علي سلطتها التقديرية و من ثم يكون القرار
المذكور قد صدر صحيحاً من سلطة متخصصة في حدود اختصاصها و يصبح حقاً مكتسب لصاحبه
لا يجوز المساس به إلا في الحالات المحددة أما في غيرها فان المساس به يعتبر
اعتداء غير مشروع علي حق مكتسب).
و لا يكفي لحصول الفرد علي المركز الذاتي أن تكون الإدارة قد بدأت في اتخاذ
الإجراءات اللازمة لتطبيق المركز النظامي علي الشخص الذي استوفي شروط الإفادة منه
, بل يجب أن تكون عناصر المركز الشخصي قد تكاملت تماماً وفقاً للنظام القديم ,
فإذا كان موظفاً قد أستوفى شروط الترقية وفقاً لنظام قانوني معين و شرعت الإدارة
في ترقيته فإنه لا يعتبر قد اكتسب المركز القانوني الذاتي إلا بتمام الترقية , أما
قبل ذلك فان كل تعديل في النظام القانوني للترقية و لو كان بالإنقاص من المزايا
القديمة يسري عليه بأثر رجعي .
ثانياً : أن يكون من شأن الرجعية المساس بتلك المراكز الشخصية التي تكاملت عناصرها
قبل صيرورة القرار نافذاً , و العبرة في ذلك بتاريخ صدور القرار فمتي تم إفصاح
الجهة الإدارية المختصة عن إرادتها يصبح القرار قابلا للتنفيذ و لا يعتد في هذا
الصدد بالخطوات التمهيدية التي تسبق القرار الإداري و لو كانت تلك الخطوات تتخذ
شكل قرارات إدارية . ( 1 )
و بالنسبة في العراق و بعد إلغاء ديوان التدوين و صدور قانون مجلس شورى الدولة,
فان المجلس سار في نفس الاتجاه حيث جاء في قرار صادر عن المجلس يقول فيه ( أن
القرار الإداري لا ينفذ إلا من تاريخ صدوره و ليس بأثر رجعي ) و مثال ذلك إذ ما
أصدرت وزارة التعليم العالي , و البحث العلمي قراراً يقضي بعدم الاعتراف
بالدبلومات الممنوحة من قبل الجمعية الطبية الأمريكية في فينا و أكاديمية فينا
الطبية في النمسا , فأن قرار سحب الاعتراف هذا لا ينصرف إلى الشهادة التي تم
الحصول عليها قبل تاريخ الصادر فيه عدم الاعتراف حتى إذا قدم طلب الاعتراف بها بعد
صدور قرار الوزارة في 10- 3-1976 لأن القاعدة المستقرة هي أن القرار الإداري و منه
قرار اللجنة المركزية لتقييم الشهادات في وزارة التعليم العالي , و البحث العلمي ,
لا ينفذ إلا من تاريخ صدوره و ليس بأثر رجعي . ( 1 )
من الواضح أن ديوان التدوين العراقي و من بعده مجلس الشورى لا يأخذ بعين الاعتبار
فكرة الحقوق المكتسبة بل يعتمد علي فكرة استقرار المعاملات القانونية مثله في ذلك
القضاء الفرنسي , ففي مجلس الدولة الفرنسي, فاللوائح لا يمكن أن تحكم إلا بحالات
المستقبلية,و التي تقع بعد إطلاع الجمهور عليها و أخذهم العلم بذلك , و إضفاء طابع
الرجعية علي هذه القرارات يقع باطلا و يجب إلغاء القرار ذو الأثر الرجعي .
و بذلك تأصلت قاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية في أحكام المجلس الفرنسي الذي
أصبحت حلوله تقليدية في حالة خرق المبدأ , فيلغي القرار لتعيبه بالرجعية طالما وجد
أثراً للقرار الإداري سابقاً علي صدوره , أو لأن القرار تجاهل مبدأ عدم الرجعية
فيعتبر ذلك غير مشروع .
و من المسلم به في الفقه الإداري الفرنسي إن قاعدة
عدم الرجعية في القرارات الإدارية هي قاعدة آمرة و في حالة الشك يجب علي القاضي أن
يرجح عدم الرجعية .
أن القصد من عدم رجعية القرارات الإدارية علي مفهوم الاعتبارات السابقة هو حماية
الأفراد و لهذا فإن الفقه الإيطالي ذهب إلى التفرقة ما بين القرارات الإدارية
التنظيمية و القرارات الفردية,فبالنسبة للقرارات الإدارية التنظيمية فقد أعملوا
قاعدة عدة الرجعية, و بالنسبة إلى القرارات الفردية فقد جعلوا تحريم الرجعية
منوطاً بمدى ما تسببه الرجعية من فائدة أو إضرار للأفراد و لذلك
فقد ميز أحد الفقهاء الإيطاليين حالات الرجعية
في القرارات الفردية علي النحو التالي :
1- يجوز للإدارة أن تضمن القرار الفردي اثر رجعي إذ كان من شأن الرجعية أن ترتب
حقاً للأفراد.
2- و عكس ذلك يمتنع علي الإدارة أن تضمن قرارها الفردي أثراً رجعياً إذ كان يرتب
علي الأفراد واجبات .
3- القرارات التي تنشأ عنها حقوق و واجبات فإن شرعية رجعيتها تكون منوطة بتوازن ما
تفرضه من واجبات و ما تنشئه من حقوق.
و هذا المذهب الإيطالي ليس مقبولا في فرنسا لأن عدم الرجعية يحكم القرارات
الإدارية بنوعيها دون أن تكون هنالك تفرقة ما بين القرارات التنظيمية و القرارات
الفردية
المطلب الثاني : الاستثناءات التي ترد علي مبدأ عدم
رجعية القرارات الإدارية
إذ كان الأصل في القرارات الإدارية هو عدم جواز سريان
أثارها علي الماضي الا ان هذا الأصل قد ورد عليه إستثنائات و في غير المواد
الجنائية , و هذه الاستثناءات أقرتها الأقضية في تنفيذ قراراتها الإدارية , فسير
العملية الإدارية و طبيعة الأمور تتطلب أعمال رجعية لأن قاعدة عدم رجعية القرارات
الإدارية هي من خلق القضاء و الإعتبارات العملية تتطلب وضع حلول طبقاً للمستجدات ,
و قد إعترف مجلس الدولة الفرنسي بان عدم الرجعية غير مقبول علي المشرع الا في
المسائل الجنائية و علي اعتبار ان لكل قاعدة قانونية استثناء و هذه الإستنثناءات
علي مبدأ عدم الرجعية هي :
أولا :وجود نص تشريعي يقر الرجعية
و هذا يتم بصدور قانون معين يخول المشرع بمقتضاه
صراحة لجهة الإدارة إصدار قرارات إدارية بأثر رجعي علي إعتبار ان هذا القانون يمثل
المصلحة العامة , و هذا التخويل أو التفويض قد يكون صريحاً ففي هذه الحالة ينص
القانون صراحة علي تخويل الجهة الإدارية لإصدار قرارات إدارية يرجع أثرها للماضي و
حتى تاريخ معين يحدده القانون , و خير مثال علي ذلك ما إتخذه مجلس الدولة الفرنسي
و ذلك بإعادة الموظفين الذين منعوا بسبب الحرب عن وظائفهم , مع تصحيح وضعهم منذ
قيام الحرب , أو سحب نوع معين من القرارات الإدارية إبتداءاً من تاريخ معين في
الماضي و قد يكون النص علي الرجعية في القرارات الإدارية ضمني أي تمليه طبيعة
الإختصاص كما لو صدر قانون يخول الإدارة سلطة إعادة النظر في القرارات الصادرة من
سلطة معينة كانت قد صدرت في الماضي و في تاريخ معين , و قد سلم مجلس الدولة
الفرنسي بشرعية الرجعية في هذه الحالات و هو ما أعتمد عليه مجلس الدولة المصري في
احكامه منذ القدم و بإستمرار و من أحكامه في هذا الخصوص حكمه الصادر في 10 أبريل
1948 و الذي جاء فيه { لا تسري أحكام القرارت الإدارية و اللوائح إلا علي ما يقع
من تاريخ صدورها و لا يترتب عليها أثراً فيما وقع قبله الا في حالتين :
الحالة الأولي ان تكون هذه القرارات و اللوائح صادرة تنفيذاً لقوانين ذات أثر رجعي
.
الحالة الثانية أن تكون هذه القرارات و اللوائح ( ذات الأثر الرجعي ) صادرة
تنفيذاً لأحكام صادرة من مجلس الدولة بإلغاء قرارات ادارية وقعت مخالفة للقانون
بما يترتب علي الإلغاء من أثره في الحوادث السابقة }(1 )
و هذا التفويض قد نزعه ( دوجي ) حيث قال ان الرجعية هي رخصة يمارسها المشرع و ليس
له ان يفوض الجهة الإدارية باصدار القرارات بأثر رجعي .
و هذه الملاحظة التي أبداها الفقيه ( دوجي ) لا يعمل بها الا بالنسبة إلى الدساتير
التي لا تبيح التفويض, و بما أنه توجد دساتير تخول للسلطة التشريعية ان تفوض
السلطة التنفيذية في ممارسة بعض إختصاصاتها فان هذه الرجعية التي يقبلها ( دوجي )
تصبح مشروعة و لكن بشرط إحترام الإدارة لحدود القانون الصادر لهذه التخويل و الا
تتعدى هذا التفويض حتى لا يكون هنالك إعتداء علي صلاحيات سلطة علي أخرى .
و نلاحظ من ناحية أخرى أنه إذا أصدرت السلطة التشريعية قانوناً بأثر رجعي و يحتاج
هذا القانون لتنفيذه و تطبيقه علي أرض الواقع قرارات إدارية من السلطة التنفيذية
فان هذه الإدارة بحكم الوظيفة التي تمارسها أن تصدر قرارات لنفاذ هذا التشريع
الرجعي .
و قد أكد ديوان التدوين العراقي علي هذا الاستثناء حيث يقول ( إن المركز القانوني
للموظف يتحدد بتاريخ صدور القرار الإداري المنشئ لمركزه الجديد و لا يمكن أن ينسحب
هذا الأثر إلى تاريخ سابق إلا بنص قانوني و ذلك ما ورد في المادة 29 من قانون
الخدمة الخارجية رقم 31 لسنة 1966 حين ألزمت موظف الخدمة الخارجية بوجوب أخذ
موافقة الوزير التحريرية قبل الزواج , و في حالة عدم الإلتزام بهذا النص فان
الوزير سيصدر قرار بإعتبار الموظف المخالف مستقيل من تاريخ عقد الزواج أي لا بد من
أعمال الرجعية في القرار الوزير الذي لن يصدر الا بعد تحقق زواج الموظف دون أخذ الإيجازة
المسبقة بذلك .
و من ذلك أيضاً ما نص عليه قرار مجلس قيادة الثورة رقم 2675 في 2-10-1978 الذي ينص
علي اعتبار ترقية الموظف يعمل به من تاريخ استحقاقه القانوني, أي من تاريخ بداية
حساب الترقية بغض النظر عن التاريخ الذي صدر فيه القرار , و قد أقر مجلس الإنضباط
العام رجعية اللقرار الإداري بناء علي ما جاء في نص القانون .
فإذا ما صدر قانون بمنح مخصصات بدل عدوي للعاملين في الحقل الصحي و تحدد تاريخ 31-
12 -1974 موعداً لنفاذ هذا القانون , فان الأمر الإداري الصادر بتاريخ 16-11 -1976
بمنح مخصصات بدل عدوي للصيدلانية (م ) يجب أن يكون بأثر رجعي أي من تاريخ نفاذ
القانون اعلاه , لأن المدعي كانت شاغلة للوظيفة عند تاريخ نفاذ القانون . ( 1 )
و أيضاً مجلس الدولة المصري نص علي الاستثناء حيث يقر عدم سريان القرارات الإدارية
و اللوائح إلا علي ما يقع من تاريخ صدورها , إلا إذا كانت هذه القرارات صادرة
تنفيذاً لقوانين ذات اثر رجعي( فلا رجعية إلا بنص ).
ثانياً : في حالة
الحكم بإلغاء القرارات الإدارية
ينتهي القرار الإداري بإظهار إرادة جهة مختصة تشريعة أو قضائية أو إدارية
بمحوه من التنظيم القانوني و إزالته من البناء القانوني , و بعد ذلك يتوقف القرار
عن إنتاج أي أثار الا أن أثاره التي أنتجها قبل لحظة إنهائه تظل قائمة في التنظيم
القانوني مالم يتضمن قرار إنهائه محو كل أثاره من لحظة صدوره أي انهاء القرار و
أثاره بأثر رجعي .
و لذا سنتاول تباعاً إلغاء القرار الإداري عن طريق القضاء و إنهاء القرار الإداري
من الإدارة نفسها (السحب ) .
فإلغاء يكون في حالتين إلغاء يكون صادراً من الإدارة , و إلغاء صادر من القضاء
الإداري و هو ما يعرف بالإلغاء القضائي و هذا ما يهمنا .
إذاً فالإلغاء القضائي هو إنهاء أثار القرار الإداري و إعدامها بالنسبة للماضي و
المستقبل و ذلك عن طريق حكم قضائي صادراً من القضاء الإداري ,و ذلك لعيب مخالفة
المشروعية الذي يجب أن تخضع إليها جميع القرارات الإدارية , و هذه العيوب تكون في
عدم الاختصاص و صوره { عيب الاختصاص البسيط و عيب الإختصاص الجسيم } و عيب الشكل و
عيب المحل و عيب السبب و عيب إساءة إستعمال السلطة ( الإنحراف ) . (1 )
ففي هذه الحالات يستطيع الطاعن أن يستند إلى أي من هذه العيوب للمطالبة بإلغاء
القرار الإداري الذي أضر بمصلحته كما يجوز للقاضي الإداري ان يثير من تلقاء نفسه
عيب عدم الإختصاص وعيب الشكل لتعلقهما بالنظام العام و يحكم بإلغاء القرار نتيجة
لذلك حتى و لو أغفلهما الطاعن .
و يترتب علي الإلغاء القضائي عندما يشوب القرار الإداري عيب من العيوب السابقة
إعدام الأثار المتولدة علي ذلك سواء في المستقبل أو الماضي بحيث يعتبر القرار
الإداري المحكوم بإلغائه كان لم يكن أي كأنه لم يصدر إطلاقاً و أساس هذه القاعدة
هو أن القرارات الإدارية الغير مشروعة و المعيبة لا تنشئ حقوقاً للأفراد و من ثم
يجوز للإدارة إلغائها بأثر رجعي دون الاحتجاج عليها بفكرة الحقوق المكتسبة و
الإلغاء بهذا الشكل يعتبر جزاءاً لعدم مشروعية القرارات المعيبة و هذا ينطبق أيضاً
علي القرارات اللائحية و القرارات الفردية و قد تعرض المشرع الليبي للإلغاء
القضائي للقرار الإداري لعيب من العيوب السابقة في قانون المحكمة العليا في سنة
1953 ثم في قانون ( رقم 88 ) لسنة 1971 بشأن القضاء الإداري لدوائر القضاء الإداري
بمحاكم الاستئناف و بالمحكمة العليا دون غيرها مهمة الفصل في الطعون التي يقدمها
الموظفون العامون و الافراد بإلغاء القرارات الإدارية النهائية الصادرة بشأنهم و
ذلك متي كان مرجع الطعن علي هذه القرارات هو عدم الإختصاص أو وجود عيب في الشكل أو
مخالفة القوانين و اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال
السلطة .
و في العراق فإذا ما طعن أحد بقرار
إداري أمام القضاء المختص و أفضى فحص القرار من قبل المحكمة إلى تقرير عدم
مشروعيته , أي وجود عيب من العيوب , التي تحمل القاضي علي إلغاء القرار فإنها تصدر
قرارها بإلغاء هذا القرار الإداري و الإلغاء من جانب القاضي لا يكون إلا بأثر رجعي
أي هدم القرار من تاريخ إصداره . ( 1 )
إذا فالإلغاء القضائي للقرار الإداري يؤدي إلى إعدام القرار لا بالنسبة للمستقبل
فحسب بل بالنسبة للماضي أيضاً بحيث يصبح القرار و كانه لم يوجد إطلاقاً , و إذا
كانت الظرورات الإدارية قد حالت دون وقف تنفيذ القرار الإداري بمجرد رفع الدعوى
بطلب إلغائه قضائياً , فان ذلك التنفيذ يظل مصيره النهائي معلق علي الحكم في دعوى
الإلغاء لأن الإدارة تقوم بالتنفيذ علي مسئوليتها الخاصة و هي تستطيع ان ترجي
التنفيذ حتى يصدر الحكم في الدعوى.
وقلما تفعل ذلك نظراً للمدد الطويلة التي يستغرقها الحكم في دعوى الإلغاء لما كانت
القاعدة أن المتقاضي لا يمكن أن يضار من جراء بطء التقاضي ، فان حقوق رافع دعوى
الالغاء لايمكن ان تضار مهما طال الوقت بين رفع الطعن،وبين صدور الحكم فيه بل
يتعين اعادة الحال الى ما كانت عليه لو لم يصدر القرار الادارى المحكوم بالغائه .
إن أعمال هذه القاعدة كثيرا ما يرتب للإدارة مضايقات، وذلك اذ ما طالت المدة بين
رفع الدعوى وبين الحكم فيها، فان الادارة ستجد نفسها مطرة لاعادة النظر فى كثير من
قراراتها التى اصدرتها مستندة الى القرار المحكوم بإلغائه.
ولهذا السبب فأن القضاء الفرنسى الزم الإدارة بالقيام بكل ما يقتضيه الحكم الصادر
بالالغاء ، ومن ذلك اعادة النظر في جميع الآثار التي ترتبت في الماضي والتي تستند
الى القرار الملغى وللادارة فى هذا السبيل ان تصدر بطبيعة الحال قرارات ذات أثر
رجعى ، لان هذه الرجعية تغدو ضرورية لتنفيذ الحكم الصادر بالإلغاء .
وقد جاء في حكم صادر عن مجلس الدولة الفرنسى فى 26- ديسمبر-1925 فى قضية ( رودير)
إذا كانت القاعدة هى عدم رجعية اللوائح والقرارات الادارية الفردية إلا اذ كانت
تلك القرارات تنفيذا لقانون رجعى ، فإن هذه القاعدة تتضمن استثناء فى حالة
صدورالقرارات الادارية تنفيذا لحكم صادر من مجلس الدولة ، ذلك ان الاحكام الصادرة
بالإلغاء تتولد عنها بالضرورة بعض الآثار فى الماضي ولما يستتبعه الحكم بالإلغاء
من اعتبار القرارات الملغاة معدومة من يوم صدورها ، فالحكم بإلغاء قرارات بالتعيين
أو بالترقية أو بالإحالة إلى المعاش أو بالفصل يحتم على الإدارة ان تعيد النظر فى
جميع القرارات التي صدرت خلال الفترة التي سبقت الحكم متضمنة ترقية الموظفين الذين
عينوا في وظائف فصل شاغلوها بقرار معيب فتعيد أجراء الترقية وفقا للأقدمية التي
تحددها القوانين واللوائح إذا ما كانت الترقية بالأقدمية وفى حالة الترقية
بالاختيار فوفقا لحجية الشيء المقضي به وسائر الحقوق الأخرى .
وبالمعني فإن الإدارة تملك أن تعيد النظر فى حالة الموظفين الذين مسهم حكم الالغاء
بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وان تصدر وفقا للاجراءات القانونية وتحت رقابة المجلس
القرارات التي تتضمن اعادة وضع الموظف فى مكانه الذى يستحقه لو لم ترتكب المخالفة
القانونية التي كانت سببا للحكم بالإلغاء .
وقد أخذ مجلس الدولة المصرى بهذه المعنى حيث جاء فى حكم صادرا له فى 8-مارس-1955
والذى يقول فيه ( ان مقتضى الحكم الصادر بالإلغاء ء هو ارجاع الحالة إلى ما كانت
عليه قبل صدور القرار الملغى على ان تمتنع الإدارة عن اتخاذ اى أجراء تنفيذى ينبنى
عليه ترتيب اثر لهذا القرار بعد الإلغاء وان تتخذ الاجراءات الكفيلة بتنفيذ مؤدى
الحكم مع تطبيق نتائجه القانونية على اساس افتراض عدم صدور القرار الملغى من بادى
الامر ء وتسوية الحالة على هذا الوضع ء ومن ثم سترد سلطتها فى هذه الحدود فى
الافصاح عن ارادتها لاحداث مراكز قانونية حسب مالا يتعارض مع هذا الحكم ) وفى حكم
آخر يقول مجلس الدولة المصرى ( ان الحكم الصادر بإسناد اقدمية المدعى فى الدرجة
الخامسة إلى تاريخ سابق ء انما ينعطف بجميع اثاره القانونية الحتمية المباشرة إلى
التاريخ على اساس المركز القانونى الذى ترتب للمدعى بمقتضاه وذلك دون حاجة إلى
النص على تلك الآثار ) .( 1 )
من الواضح إن الالغاء الادارى للقرارات الادارية باثر رجعى يترتب عليه اعدام لكل
اثر تولد عن تلك القرارات ، و هو إلغاء لكل قرار وما يربطه من قرارات أخرى و هذا
ما يسمي ( بالرجعية الهادمة ) و لكن هذه الرابطة تختلف من حيث قوتها وضعفها و من
هنا تكمن الصعوبة , فقد يكون القرار التبعى أي الذي يتبع القرار الملغى هو تطبيق
مباشر لهذا القرار الاخير ، وقد يكون الملغى شرط لبقاء التبعي ، وقد يكونان معا
جزءا من عملية قانونية واحدة .
وقد تصدر قرارات ادارية استنادا إلى القرار المحكوم بالغائه أو سببه وقد تكون
عملية مركبة ، ففي : حالة كون القرارات الاصلية قرارات تنظيمية
فإذا كان الطعن فى القرار الفردى المستند إلى القرار التنظيمى الاصلى المطعون فيه
فى وقت واحد ، فيحكم بإلغاء هذا القرار الفردى اسوة بالقرار التنظيمى الاصلى . ولو
اقتصر الطعن على القرار التنظيمى فقط فإن الغائه لا يترتب عليه الغاء الفردى لانه
مستقل عنه وفى حالة كون القرار الاصلى قرار فردى وصدرت عنه قرارات فردية فإن
القضاء سيحكم بالغاءه وذلك فى حالة الطعن فيه مع القرار الفردى الاصلى لصدوره دون
اساس قانونى ، وايضا اذ كان الطعن بالإلغاء لم يوجه إلى القرار الفرعى المستند إلى
القرار الاصلى حيث يسقط الفرعى بسقوط الاصلى . فمثلا القرارات التنفذية الفردية
الصادرة تطبيقا للائحة حكم بالغائها ، وقرارات تعين فصل شاغلوها بقرارات قضى
بالغائها ، وايضا التعيين تأسيساً على مسابقة حكم بالغائها نتيجة لاستبعاد بعض
الافراد من الاشتراك فيها بدون وجه حق ، كل هذه القرارات هى تبعية فى حد ذاتهاوهى
تعتبر ملغية بالتبعية. ( 1 )
ولتحقق هذا الالغاء يجب ان تكون العلاقة قوية لدرجة لا يمكن فصلها على بعضها ،
وهذه العلاقة تكون متحققة فى حالة القرار الذى يصدر تطبيقا للقرار الملغى ، وأيضا
القرار الذي يكون القرار الملغى شرطا لبقائه , ولكن القضاء المصرى لم يعمل بهذه
القاعدة على اطلاقها ، ففى حكم صادر للمحكمة العليا فى 10 ابريل 1955 تقول فيه
(.... إن صدور قرار بإحالة الموظف إلى المعاش ولجوئه إلى المحكمة لرفع دعوى أمامها
فى الميعاد القانونى مطالبا فيها بإلغاء هذا الامر لا يزيل عنه صفة الوظيفة طالما
ان الامر لا يزال معلقا بصدور حكم المحكمة ، ومقتضى هذا ان يبادر ذلك الموظف
بالطعن أو التظلم في المواعيد المقرر قانونا فى كل امر يصدر في خلال تلك الفترة
يرى فيه المساس بمركزه القانونى كموظف ، وبذلك لا يضيع حقه في الطعن فإن هو سكت
ولم يطعن انتظاراً لصدور حكم المحكمة في امر إحالته إلي المعاش وكانت مواعيد الطعن
قد انقضت، فوت علي نفسه الميعاد....) ، وهذا المبدأ الذي قال به الحكم لا يصدق إلا
في حالة القرارات التي لاتقوم بينها وبين قرار الاحالة الي المعاش رابطة تبعية
متينة والتي يمكن أن تصدر حتى في حالة عدم وجود مثل هذا القرار ، كتعيين الإدارة لاحد
الأشخاص من الخارج في وظيفة كان من المحتمل أن يعين فيها الموظف المحال الي المعاش
.
أما في الحالات الأخرى التي يوجد فيها رابطة التبعية ، فإنه لا داعى لاجبار
المتقاضى علي رفع دعاوى لايمكن حصرها ، لان مثل هذه القرارات يكون مصيرها معلقا
على الحكم الخاص بالقرار الاصلى .
ثالثاً
:الرجعية في حالة سحب القرارات الادارية
السحب أو الرجوع كما يعرفه ( الدكتور ارحيم الكبيسى ) هو : وسيلة قانونية
تمارسها السلطة الادارية لازالة القرار من الاساس وكل ما يترتب عليه من اثار متى
كان ذلك ممكنا شرعا ويحقق هدفا أسمى .
والمقصود بالقرارات التي يسمح للادارة بسحبها هي تلك التي لم يترتب عليها حق مكتسب
أو مركز قانونى خاص ، سليمة كانت أو معيبة ، ودون التقيد بمدد الطعن
ومثال ذلك القرار الصادر برفض الترخيص بفتح محل تجارى ، وايضا القرارات التأديبية
إلا إذا ترتب على سحب القرار التأديبى طرد موظف اخر.
إذا فالسحب يخضع لمبدأ قانونى عام قوامه عدم جواز المساس بالاثار القانونية
المترتبة على القرارات الادارية بالنسبة للافراد واساس هذا المبدأ يكمن فى فكرة
ضمان استقرار المعاملات والاوضاع القانونية ، وهو الامر الذى يعنى وجوب احترام
الإدارة لما يترتب من حقوق للافراد علي تلك القرارات ، وهنا يجب التفرقة ما بين
القرارات الادارية السليمة والقرارات المعيبة ، فهذه الاخيرة يقتضى فيها اعمال المرونة
ومن ثم يجوز سحبها ، اما السليمة يكون وارد فيها التشدد وهذا ما احاول توضيحه علي
النحو التالي :
1- سحب
القرارات السليمة أو المشروعة باثر رجعى :
القاعدة هي عدم جواز سحب القرارات المشروعة لان قرار السحب يراد به سريان
اثاره الي الماضى باثر رجعى .
وقد طبق مجلس الدولة الفرنسى هذا المبدا ، فمتى اعتبر القرار سليما امتنع الرجوع
فيه دون ان تكون في حاجة الي التحرى عن ان ميعاد الطعن قد انتهى ام لا حيث ان قرار
الرجوع في القرار السليم هو قرار غير مشروع بحد ذاته ، وهذا المعنى ينطبق علي
القرار الادارى سواء كان فرديا أو تنظيميا ، فالقرار التنظيمي متى صدر سليما امتنع
علي الادارة الرجوع فيه استنادآ لمبدأ عدم الرجعية ، فالتنظيم لا يكون الا
للمستقبل فقط اما بالنسبة للاقرارات التى تولدت من القرار التنظيمي السليم يجب
استقرارها ولا يمكن المساس بها طالما تولدت خلال فترة سريانه ، اما القرارات
الفردية فتبدو استحالة الرجوع اكثر تطبيقاً لا في القرار السليم فحسب بل في القرار
المعيب أيضا وذلك لاستقرار الحالة القانونية للفرد سواء كانت في المستقبل او في
الماضي ونجد ذلك في احكام صادرة بتاريخ 13-1-1911 قضت بأن القرار الصادر بتاريخ 16-12-1908
بتعيين السيد (بوكت) كعضو باللجنة الادارية في مكتب المحافظة كان سليما وبالتالي
يكون الرجوع فيه بتاريخ 16- 1 – 1909 من قبل المحافظ معيباً و حريا بالإلغاء. ( 1
)
و بهذا أيضاً أخذت المحكمة العليا في ليبيا , عندما قالت ( إن تعيين الطاعنين
ومباشرتهم لاعمالهم في وظائفهم قد وقع صحيحاً في وقت لم يكن التعيين في وظائف
الدولة موقوفاً ولا محظوراً... فإذا ما جاء مجلس الوزراء بعد ذلك بما له من سلطة ،
وقرر وقف التعيينات ومنع ملء الوظائف والدرجات الخالية فلا ينسحب هذا القرار علي
الماضي ، ولا يمس الحقوق المكتسبة لمن عينوا قبل ( 2 ) صدوره ويراد بهذا حماية
المراكز القانونية التي يترتب عليها حقوق يكتسبها الافراد ، استنادآ علي قرارات
ادارية سليمة وذلك بمنع المساس بها عن طريق اصدار قرارات ادارية لاحقة تسري علي
الماضى ، ومن ثم فالقرارات الادارية المشروعة التي لا تكسب الافراد حقوقآ يجوز
سحبها ، سواء كانت تنظيمية او فردية .
في العراق فإن اكثر ما يحصن القرار الادارى
ضد امكانية سحبه هو اتحاد مشروعيته والحقوق التي تترتب عليه ، فإذ تحقق في قرار ما
الامران ( المشروعية و توليد الحقوق ) تعذرعلي الادارة كقاعدة عامة سحبه تحت اية
ذريعة او سبب ، بل إن سحبه بحد ذاته يعد عملآ غير مشروع وهذا القول ينطبق علي
القرارات الادارية الفردية و التنظيمية رغم إن هذه الاخيرة لا تولد حقوقآ واذ ما
نجم تطبيقها عن ميلاد حقوق او انتاجها اى حق للافراد اثناء التطبيق فإنها في هذه
الحالة لا يمكن سحبها ، وبالنسبة للقرارات التي لا تولد حقوقآ فيجوز سحبها ولكن
ليس علي الاطلاق ، فلو صدر قرار ادارى باجازة ممارسة نشاط معين فإن المستفيد من
هذه الاجازة اصبح له حق ممارسة نشاطه وليس للادارة الغاء هذا الحق باثر رجعي ( أي
سحب القرار الذي منح الرخصة ) الا ان ذلك لا يعني إن الادارة لا تستطيع الغاء
قرارها وبالتالى ايقاف اثاره بالنسبة للمستقبل .( 1 )
وفي مصر فالقاعدة هي نفسها في فرنسا ، فلا يجوز الرجوع في القرارات السليمة ولكنه
يوجد بعض الغموض في التمييز بين القرارات التنظيمية والقرارات والفردية ،
فالقرارات السليمة لا غبار علي الرجوع فيها وذلك ما اكدته المحكمة الادارية في
حكمها الصادر في 29 – 6 – 1968 ( إن القرار المذكور كان سليمآ ومطابقاً للقانون
ومن الغير الجائز سحبه ) ، وقد اعتبرت المحكمة الرجوع في القرار السليم ينطوي علي
قرار منعدم فتراها تقول (..... إن القرارات الصحيحة و السليمة لا يجوز سحبها فإذ
ما ورد عليها قرار من هذا النوع وقع منعدمآ او باطلا بطلانا ًمطلقاً ) .
فالقرار التنظيمي إذ ما تولد عليه مراكز قانونية عامة او مجردة فإن ذلك يعطي
الادارة الحق في تعديل او تغير مثل هذا القرار الا أن مثل هذا التعديل لا يمكن ان
يكون من اثاره القانونية أن تمحو الاثار السليمة التي ترتبت خلال مدة سريانه وذلك
عملا بمبدأ عدم الرجعية ، وقد عمل القضاء المصرى في القرارات التنظيمية بفكرة
الحقوق المكتسبة كقاعدة عامة في عدم الرجعية ( 2 )، وذلك في حكم للمحكمة العليا
صادراً في 1 – 6 – 1957 بقولها : ( إن قرارات مجلس الوزراء الذي اغفل القانون رقم
371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية ، والنص علي الغائها هي قرارات تنظيمية
عامة تتضمن مزايا مالية وادبية للموظفين وقد تحققت لهم في ظلها مراكز قانونية
ذاتية فلا يمكن اهدارها باثر رجعي من وقت صدور القرارات التنظيمية العامة التي
تحققت في ظلها تلك المراكز القانونية إلا بنص قانوني يقرر ذلك .
وبالنسبة للقرارات الفردية متى صدرت مطابقة للقانون فلا سبيل للرجوع فيها ، وإذ ما
قامت الادارة بالرجوع فإن تصرفها في هذه الحالة سينطوي علي قرار مخالف للقانون
وهذه القاعدة مبنية علي مبدأ عدم رجعية القرارات الادارية .
2- سحب
القرارات الغير مشروعة :
القرارات الغير مشروعة او المعيبة هي تلك القرارات التي يشوبها عيب من العيوب
وهذه العيوب كما اتفقت عليها الاقضية هي :
عيب عدم الاختصاص الجسيم او كما يسمى بعيب اغتصاب السلطة وهو عيب خطير يلحق
بالقرار الادارى ويجعله ليس قراراً قابل للإلغاء بل قرار باطل بطلاناً مطلقاً
ومنعدم ، وهذا العيب يجرد القرار من صفته ويجعله مجرد عمل مادى لا قيمة قانونية له
، وتقول الحكمة العليا في ليبيا ( عيب اغتصاب السلطة هو عيب يؤثر في القرار
الادارى تاثيرآ بليغآ الي حد اعدامه وعدم الاعتداء به ) ويتحقق هذا العيب في حالة
صدور القرار من جهة ادارية اعتداء علي اختصاصات جهة أخرى ، أو صدور القرار من احد
الموظفين اعتداء علي اختصاص اللجان ذات الاختصاص القضائي .... الخ .
ومثال علي ذلك هو ما جاء في حكم دائرة القضاء الاداري بمحكمة استئناف طرابلس في
الدعوى رقم 19 لسنة 74 م
( إن القرار المطعون فيه حين صدر من وزير الاسكان يكون قد صدر من سلطة لا تملك
سلطة اصداره قانونا متخطية بذلك سلطة جهة ادارية اخرى لها شخصيتها المعنوية
المستقلة وهي وزارة الداخلية التي اناط القانون بوزيرها سلطة اصدار القرار ، ومن
ثم فهو مشوب بعيب عدم الاختصاص الجسيم الذي ينحدر به الى درجة الانعدام ). ( 1 )
وفي فرنسا فإن مجلسها وايضا الفقه يجمعان علي وجوب تدخل الادارة لازالة المخالفة
القانونية بل إن الفقيه ( سوتو ) يعتبر التزام الادارة بالرجوع في القرار المعيب
احد خصائص قرار الرجوع ، وقد حدد القضاء الفرنسى القرارات المنعدمة في التصويبات
أو التصحيحات التي تنطوى علي تعديل للنص اللائحي الذي سبق نشره ، والقرارات
المتخذة من قبل سلطة معينة وتنطوي علي اغتصاب حقيقي للسلطة ، وفي ذلك قضي ( إن
القرارات التي صدرت عن السلطة الالمانية خلال الاحتلال لمنطقة الالزاس واللورين ،
تعتبر منعدمة لعدم احقية الالمان بممارسة السلطة التنفيذية ) ، وقرارات التعيين
والترقية الشكلية في نطاق الوظيفة العامة، والقرارات الإدارية المتخذة بتجاهل
الحالة الناتجة عن وصول الموظف لسن معينة , فالقرارات الإدارية الغير مشروعة أو
المعيبة لا تنشئ حقوقاً للأفراد ، ومن ثم يجوز للإدارة سحبها بأثر رجعي دون أن
يحتج علي ذلك بفكرة الحقوق المكتسبة ، ثم أن سحب مثل هذه القرارات يعد من جهة أخرى
جزاء لعدم مشروعيتها ويسمح بالتالي لجهة الإدارة بأن تحقق بنفسها ومباشرة ما
سيتوصل إليه القاضي الإداري فيما لو طعن أمامه بالإلغاء علي مثل هذه القرارات .
وقاعدة وجوب سحب القرارات الإدارية المعيبة تنطبق علي القرارات اللائحية والقرارات
الفردية, ذلك إن التزام الإدارة باحترام مبدأ الشرعية ومن ثم تصحيح الأوضاع
المخالفة له هو التزام عام يشمل كافة تصرفاتها القانونية أياً كان نوعها .
فإذ كان قرار السحب مثله مثل الالغاء ، يودى لاعدام اى اثر للقرار واعتباره كأن لم
يكن اى كأنه لم يصدر ، ولكن فإن هذا السحب مقيد بميعاد الستون يومآ ويترتب علي
فوات هذا الميعاد اكتساب القرار الغير مشروع حصانة ، إلا إن هذا الميعاد ترد عليه
استثناءات وذلك في حالة اغتصاب السلطة ، وأيضاً حالة تغير الاوضاع القانونية كما
لو صدر تشريع جديد يعدل باثر رجعي احكام تشريع سابق .
إذا فطالما إمكانية اختصام القرار المنعدم واردة في كل وقت ، فإن امكانية الرجوع
فيه واردة كذلك وفي كل حين .
وقد أشارت الأحكام في فرنسا الي ان القرار المعيب يسمح بالرجوع فيه حتى بعد انتهاء
الميعاد المقرر لذلك ، وقد حافظ المجلس علي هذا المبداء القاضى بان الرجوع في
القرار المنعدم ، او الطعن فيه لا يخضع لاية قيود زمنية ، وبإمكان اعلان انعدام
القرارفي كل وقت دون النظر فيما اذا كان ميعاد الطعن فيه قد انقضى او لا ، فالعدم
لا يولد الا عدماً وكل الآثار التي تولدت عن هذا القرار المنعدم يجب ان تزال عند
اعلان انعدامه .
وقد طبق القضاء المصري عدم التقيد بالميعاد في القرارات المنعدمة وذلك ما ورد في
حكم محكمة القضاء الاداري في 5 – 1- 1954 ( إن قرار اعادة المدعي الي الخدمة ما هو
الا قرار صادر من الجهه الادارية بسحب قرارها السابق القاضي بفصله من الخدمة ولا
يعترض علي ذلك بان ميعاد السحب قد انقضى لان القرار المسحوب هو قرار معدوم ،
والقرارات المعدومة يجوز الطعن فيها وسحبها دون التقيد بالميعاد ) . ( 1 )
لقد ثار الجدل الفقى في عدم التقيد بالمواعيد في حالة السحب ، حيث انتقد العميد (
ديجى) قضاء مجلس الدولة الفرنسى في حكم صادر للمجلس في 3- 11- 1922 لمخالفته مبدأ
المشروعية الذي يقتضى عدم استمرار المراكز القانونية الشخصية والموضوعية المخالفة
للقانون ، وتبعاً لذلك يكون للإدارة حرية سحب القرارات الغير مشروعة في اى وقت
حماية للافراد انفسهم .
وقد رأى بعض الفقهاء في مصر تاييد هذا الاتجاه علي
أساس إن القرار الباطل لاينتج اثرا ولا يقيد الجهه الادارية التى اصدرته فهي
تستطيع الرجوع فيه في اى وقت تشاء .
ولذلك فإن تحديد السحب بميعاد معناه أن يضحى باحترام القانون في سبيل الاوضاع
المستقرة ، مما يجعل الاصل هو عدم جواز الرجوع في القرارات الباطلة ، وايضا اتجه
جانب من الفقه الي انه لا يجوز تقييد الادارة وهي تريد احترام القانون عندما ينكشف
لها خطاء تصرفها فتتجه الي اعدام القرار و الرجوع فيما صدر عنها ، اما حجة احترام
الاوضاع المستقرة والحقوق المكتسبة فإنه يكفي التعويض عنها جزاء للحقوق المكتسبة
التي ستضيع وعوضآ عن الأوضاع التي ستلغي نتيجة لسحب القرار . ( 1 )