الطعن رقم 2822 لسنة 57 بتاريخ 17/12/1987
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم أولآً: المتهم الأول: 1- بصفته موظفاً عاما وأمينا على الودائع "كاتب التنفيذ للأحكام الغيابية بنيابة مخدرات القاهرِة" اختلس أوراقا عهد بها إليه بسبب وظيفته هي رول ومحضر جلسة 11/8/1982 المتضمن قرار محكمة جنايات القاهرة الدائرة الأولى بحبس المتهم الثالث على ذمة إعادة إجراءات محاكمته في الجناية رقم 241 لسنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر، ومذكرة نيابة مخدرات القاهرة المتضمنة طلب تحديد جلسة لإعادة إجراءات محاكمته في الجناية المذكورة والمذيلة بتأشيرة رئيس محكمة استئناف القاهرة بتحديد جلسة 12/4/1984 أمام غرفة المشورة للنظر في أمر حبس المتهم. 2- بصفته سالف الذكر ارتكب تزويراً في محرر رسمي هو كتاب كف البحث عن المتهم ...... في الجناية رقم 253 لسنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر حال تحريره المختص بوظيفته - وذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن نسب فيه إلى محكمة جنايات القاهرة زوراً الإفراج عن المتهم آنف الذكر بضمان مالي بجلسة ..... كما أثبت فيه زوراً أن المتهم سدد الضمان المالي. 3- استعمل المحرر المزور المشار إليه بأن أرسله إلى وحدة تنفيذ الأحكام بمديرية أمن القاهرة مع علمه بتزويره. 4- مكن وساعد المتهم الثالث المقبوض عليه قانوناً من الهرب بأن اختلس رول ومحضر جلسة ............ المتضمنين صدور أمر محكمة الجنايات بحبسه في الجناية رقم 241 لسنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر. ثانياً: المتهمان الأول والثاني: بصفتهما موظفين عموميين (موظفين بنيابة مخدرات القاهرة) ارتكبا تزويراً في محرر رسمي هو كتاب كف البحث عن المتهم .... في الجناية رقم 241 لسنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر بجعلهما واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويره بأن حرر أولهما الكتاب وثانيهما صلبه ونسبا فيه زوراً إلى محكمة جنايات القاهرة الإفراج عن المتهم سالف الذكر بضمان مالي بجلسة (...) كما أثبتا زوراً أن المتهم سدد الضمان المالي. 2- استعملا المحرر المزور سالف البيان بأن أرسلاه إلى وحدة تنفيذ الأحكام بمديرية أمن القاهرة قاصدين كف البحث عن المتهم الثالث مع علمهما بتزويره. ثالثاً: المتهم الثالث: اشترك مع المتهمين الأول والثاني بطريق التحريض والاتفاق على اختلاس وتزوير المحررات سالفة البيان فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق. 2- هرب حالة كونه مقبوضا عليه قانوناً في الجناية رقم 241 لسنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر بمقتضى قرار محكمة جنايات القاهرة الدائرة الأولى. وإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40 /1، 2، 112 /1 - 2أ، 118، 119/أ، 119 مكررا أ، 138، 142، 211، 213، 214 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 30، 32 وإعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً. ثانياً: بعزل المتهم الأول من وظيفته. ثالثاً: بمصادرة الأوراق المزورة.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
 المحكمة
عن الطعن المقدم من الطاعن الأول:
وحيث أن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجرائم الاختلاس والتزوير في محررين رسميين واستعمالهما وتمكين مقبوض عليه ومساعدته على الهرب قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك بأنه استند - فيما استند إليه - في إدانته إلى محضر تفتيش مسكنه دون أن يورد مضمونه وعول على إقراره وإقرار الطاعن الثاني في التحقيقات رغم أن أيهما لم يكن نصا في اقتراف الجريمة كما لم يدلل الحكم تدليلاً سائغاً على اشتراك الطاعن الثالث في جريمتي الاختلاس والتزوير.
وحيث أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وساق على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها وأورد مؤدى كل منها في بيان واف يكشف عن إلمامه بتلك الأدلة ومنها محضر تفتيش مسكن الطاعن الذي أسفر عن ضبط مذكرة نيابة مخدرات القاهرة بطلب تحديد جلسة لإعادة إجراءات محاكمة الطاعن الثالث في الجناية رقم 241 لسنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر والمذيلة بتأشيرة رئيس محكمة استئناف القاهرة بتحديد جلسة أمام غرفة المشورة للنظر في أمر حبسه فإن النعي على الحكم بالقصور في بيان مؤدى هذا الدليل يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال الطاعن بالتحقيقات بأنه أقر بأن الجنايتين رقمي 241، 253 سنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر المتهم فيهما الطاعن الثالث كانتا في عهدته إبان ارتكاب الجرائم المنسوبة إليه وأنه الكاتب لبيانات المذكرة المضبوطة بمسكنه كما أنه المحرر لبيانات خطاب كف البحث عن الطاعن الثالث في الجناية رقم 253 سنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر فضلاً عن أنه قد حرر صدر خطاب كف البحث عنه في الجناية رقم 241 سنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر المؤرخ ......... وأن الجناية الأخيرة عرضت على محكمة جنايات القاهرة بجلسة للنظر في أمر حبسه وأنه تأكد من وجود علاقة بين الطاعنين الثاني والثالث وكان الأخير يتردد على نيابة المخدرات وكان الطاعن الثاني مهتماً بقضاياه موضوع التزوير وعزا قيام الطاعن الثاني بتغيير رقم السنة الخاص بالجناية رقم 241 سنة 1970 على الدوسيه الوقائي الخاص بها إلى أنه قصد بذلك صعوبة الاهتداء إلى القضية كما حصل أقوال الطاعن الثاني بأنه أقر بأنه المحرر لصلب خطاب كف البحث عن الطاعن الثالث في الجناية رقم 241 سنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة في أخذها بأقوال المتهم أن تلتزم نصها وظاهرها بل لها أن تستنبط منها ومن غيرها من العناصر الأخرى التي أوردتها الحقيقة التي كشفت عنها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية مادام استنتاجها سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق. ولما كان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم من أقوال له وللطاعن الثاني في التحقيقات والتي حصلها بوصفها إقراراً لا اعترافاً فإنه لا تثريب على الحكم إذ هو استمد من تلك الأقوال ما يدعم الأدلة الأخرى التي أقام عليها قضاءه بالإدانة. كما أنه لا يقدح في سلامة الحكم تسمية هذه الأقوال إقرارا طالما أن المحكمة لم ترتب على هذه الأقوال وحدها الأثر القانوني للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع شهود، وإذ كان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له أصله الصحيح من الأوراق، وكانت الصورة التي استخلصتها المحكمة من أقوال شهود الإثبات ومن أقوال الطاعنين الأول والثاني ومن المحررات التي اطلعت عليها لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي فإن نعي الطاعن على الحكم بشأن أخذه بأقواله وأقوال الطاعن الثاني التي أسماها إقراراً يكون في غير محله إذ هو في حقيقته لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة واستخلاص ما تؤدي إليه مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب طالما كان استخلاصا سائغا - كما هي الحال في واقعة الدعوى فلا يجوز مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، وكان منعى الطاعن على الحكم بالقصور والفساد في الاستدلال في استظهار اشتراك الطاعن الثالث في جريمتي الاختلاس والتزوير لا يتصل بشخصه ولا مصلحة له فيه بل هو يختص بالطاعن الثالث وحده فلا يقبل ما يثيره في هذا الصدد. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن الأول برمته يكون على غير أساس ويتعين رفض الطعن المقدم منه.
عن الطعن المقدم من الطاعن الثاني:
وحيث أن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمتي التزوير في محرر رسمي واستعماله قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه قصور في التسبيب وانطوى على إخلال بحق الطاعن في الدفاع ذلك بأنه صدر من محكمة غير مختصة ولائياً بمحاكمة الطاعن وأخطأ في تطبيقه وشابه قصور في التسبيب وانطوى على إخلال بحق الطاعن لعدم توافر الارتباط بين جريمتين المنسوبتين إليه وجريمة الاختلاس المنسوبة إلى الطاعن الأول إذ أن الارتباط المشار إليه في المادة الثالثة من القانون رقم 105 سنة 1980 لا ينصرف إلى غير المعنى الذي قصده الشارع في المادة 32 من قانون العقوبات الذي يفترض وحدة الجاني وأن يكون الفعل الواحد جرائم متعددة أو تقع عدة جرائم لغرض واحد وتكون مرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة وهو ما لم يتحقق في صورة الدعوى فيكون الاختصاص بمحاكمته معقوداً لمحكمة الجنايات دون محكمة أمن الدولة العليا، هذا إلى أن الحكم استند في إدانة الطاعن إلى خطابي كف البحث المرسلين إلى مديرية أمن القاهرة دون أن يبين مضمونها، كما أسند إليه مساهمته مع الطاعن الأول في تزوير خطاب كف البحث المؤرخ ........ دون أن يفصح عن البيانات التي دونها كل منهما في المحرر، ودان الطاعن وفقاً للمادة 211 من قانون العقوبات وأوقع عليه أقصى العقوبة المقررة بهذه المادة رغم أنه وإن كان موظفاً عاما إلا أنه غير مختص بتحرير المحرر المزور وقد سلم الحكم بذلك في أسبابه مما كان يتعين معه معاملته بالمادة 212 من قانون العقوبات التي لا تتفق مع المادة 211 في الحد الأقصى للعقوبة فهو أشد في الأخيرة منه في الأولى، يضاف إلى ذلك أن الحكم لم يدلل على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن من علمه بتغيير الحقيقة في المحرر بنية استعماله رغم تمسكه بانتفاء هذا العلم في حقه واستدل على استعمال الطاعن المحرر المزور بأنه والطاعن الأول بعثا به إلى الشرطة دون أن يبين ما إذا كان الطاعن هو الذي أرسله وحده أم مع غيره، وأخيراً فإن المحكمة قبلت من الطاعن الأول أوراقا بعد إقفال باب المرافعة دون إطلاع الطاعن عليها ولم تستجب إلى طلبه سماع موظف النيابة المنوط به دفتر قسائم التحصيل الذي اطلعت عليه المحكمة والدفاع بالجلسة واطرحته بما لا يسوغ رفضه.
وحيث أن القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة إذ نص في المادة الثالثة منه على اختصاص محكمة أمن الدولة العليا دون غيرها بنظر الجنايات المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والجرائم المرتبطة بها فقد دل بذلك صراحة على أن الاختصاص بنظر الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب ومنها جريمة الاختلاس المنسوبة إلى الطاعن الأول والجرائم المرتبطة بها ينعقد لمحكمة أمن الدولة العليا وحدها دون غيرها ولا يشاركها فيه أي محكمة سواها وينبسط اختصاصها على الدعوى برمتها في هذه الحالة سواء من حيث الجرائم المرفوعة بها أو من حيث أشخاص مرتكبيها، ومناط الاختصاص بالجرائم المرتبطة المشار إليه هو الارتباط الحتمي بين الجرائم حيث تتماسك الجريمة المرتبطة وتنضم بقوة الارتباط القانوني إلى الجريمة الأصلية وتسير في مجراها وتدور معها في محيط واحد في سائر مراحل الدعوى، في الإحالة والمحاكمة، إلى أن يتم الفصل فيها أو بين الأشخاص حيث تتوحد الجريمة التي ارتكبوها سواء كانوا فاعلين أصليين أو فاعلين وشركاء، وكان الدفع بعدم الاختصاص المبدي من الطاعن وإن كان مما يتصل بولاية المحكمة ويتعلق بالنظام العام ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ولها أن تقضي به من تلقاء نفسها بغير طلب إلا أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة إلى تحقيق موضوعي. ولما كانت مدونات الحكم قد خلت مما ينتفي به موجب اختصاص محكمة أمن الدولة العليا قانوناً بمحاكمة الطاعن وليس فيها ما يظاهر ما يدعيه من انتفاء الارتباط بين جريمة اختلاس الطاعن الأول ورول ومحضر جلسة محكمة الجنايات المتضمنين قرار المحكمة بحبس الطاعن الثالث على ذمة إعادة إجراءات محاكمته في الجناية رقم 241 سنة 1970 مخدرات الدرب الأحمر وكتاب نيابة مخدرات القاهرة المتضمن طلب تحديد جلسة لإعادة إجراءات محاكمته المعهود بها إليه بسبب وظيفته وبين جريمتي تزوير كتاب كف البحث عن الطاعن الثالث في الجناية سالفة الذكر واستعماله اللتين ساهم الطاعن الأول في ارتكابهما، وكان الأصل أن الارتباط بين الجرائم من المسائل الموضوعية التي تدخل في تقدير وقائع الدعوى فلا تسوغ إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، ومتى كان الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاصها ولائياً بمحاكمته لعدم توافر الارتباط بين الجرائم فإنه لا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ولو تعلق بالنظام العام لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعي يخرج عن وظيفتها. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، وكان الحكم قد استند في إدانة الطاعن إلى كتاب كف البحث المؤرخ ........ فإن منعاه على الحكم بالقصور في بيان مضمون كتاب كف البحث الآخر المؤرخ .......... لا يكون مقبولاً لأنه لا يتصل بشخصه ولا مصلحة له فيه بل هو يختص بالطاعن الأول وحده الذي أسند إليه - على سبيل الانفراد تزويره، ومع ذلك فإن الحكم المطعون فيه قد بين عند تحصيله واقعة الدعوى مضمون كتابي كف البحث سالفي الذكر بياناً مفصلاً على نحو يدل على أن المحكمة محصتهما التمحيص الكافي وألمت بهما إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة فلا يعيب الحكم بعد ذلك عدم تكرار سرده لمضمون المحررين المار ذكرهما بما تنحسر عن الحكم دعوى القصور في بيان مؤدى هذا الدليل ويكون النعي عليه بذلك لا محل له. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعنين الأول والثاني أنهما تداخلا في تحرير المحرر المزور المؤرخ ....... بأن حرر الأول بيانات صدره وحرر الثاني بيانات صلبه فليس بلازم أن يحدد الحكم مضمون البيانات التي دونها كل منهما في المحرر مادام قد أثبت اتفاقهما على تزوير المحرر واتحاد نيتهما على تحقيق النتيجة التي وقعت واتجاه نشاطهما الإجرامي إلى ذلك ويكون النعي على الحكم بالقصور في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك وكان المحرر يعتبر رسمياً في حكم المادتين 211، 213 من قانون العقوبات متى صدر أو كان في الإمكان أن يصدر من موظف عام مختص بتحريره بمقتضى وظيفته أو التداخل في هذا التحرير، وكان الحكم المطعون فيه لم يقصر في بيان مقتضى وظيفة الطاعن الأول في تحرير كتاب كف البحث عن الطاعن الثالث المؤرخ .......... الذي دون بيانات صدره وأثبت في حق الطاعن الثاني بإقراره أنه دون بيانات صلبه فإنه يفرض أن الطاعن الأول وحده المختص بكل العمل فإن الطاعن الثاني يعد حتما شريكا في جريمة التزوير التي قارفها الطاعن الأول المختص بتحرير المحرر فلا مصلحة للطاعن من وراء ما أثاره في هذا الشأن من أنه غير مختص بتحرير المحرر المزور لكون العقوبة المقررة للفاعل الأصلي هي هي بذاتها العقوبة المقررة للشريك لأن من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها طبقاً للمادة 41 من قانون العقوبات ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون عديم الجدوى ولا يعتد به. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالا عن كل ركن من أركان جريمة التزوير مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، ويتحقق القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه وليس أمرا لازما التحدث صراحة واستقلالا في الحكم عن توافر هذا الركن مادام قد أورد من الوقائع ما يشهد لقيامه. وكان مؤدى ما أورده الحكم أن الطاعن ساهم في تحرير بيانات كتاب كف البحث عن الطاعن الثالث على خلاف الحقيقة واستعمل المحرر فيما زور من أجله فإنه لا يكون ملزما بالتدليل على استقلال على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن مادام أن إثبات وقوع التزوير من الطاعن يلزم عنه أن يتوفر في حقه ركن العلم بتزوير المحرر الذي أسند إليه تزويره واستعماله ومع ذلك فإن الحكم قد أفاض في الحديث عن توافر القصد الجنائي في حق الطاعن ودلل عليه تدليلاً سائغاً ومقبولاً والمحكمة غير ملزمة من بعد بتعقب الطاعن في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها ويضحى النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان الركن المادي في جريمة استعمال الأوراق المزورة يتحقق باستخدام المحرر المزور فيما زور من أجله ويتم بمجرد تقديم ورقة تكون في ذاتها مزورة تزويراً يعاقب عليه القانون، وإذ كان الطاعن لا يمارى فيما أثبته الحكم في حقه من استعماله المحرر المزور بإرساله إلى وحدة تنفيذ الأحكام بمديرية أمن القاهرة لكف البحث عن الطاعن الثالث وهو ما يتوفر به الركن المادي لجريمة الاستعمال في حقه فلا يغير من الأمر أن يكون الحكم قد أسند إليه استعمال المحرر مع غيره دون أن يبين أنه استقل باستعماله مادام أنه في الحالين عالماً بتزوير الورقة التي استعملها، هذا إلى أنه لا جدوى لما ينعاه الطاعن على الحكم بالقصور في التدليل على جريمة استعمال المحرر المزور مادامت العقوبة التي أنزلها به الحكم مبررة بثبوت ارتكابه جريمة التزوير. لما كان ذلك، ولئن كان من المقرر أن من القواعد الأساسية في القانون أن إجراءات المحاكمة في الجنايات يجب أن تكون في مواجهة المتهم ومحاميه مادام قد مثل أمام المحكمة إلا أنه فضلاً عن أنه لا يبين من محضر جلسة المحاكمة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن الطاعن الأول حين قدم أوراقاً للمحكمة عقب اختتام محامي الطاعن الثاني مرافعته أن تقديم هذه الأوراق قد تم بعد إقفال باب المرافعة وحجز الدعوى للحكم فإن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنها قد خلت من الإشارة إلى تقديم الطاعن الأول هذه الأوراق، وكان الطاعن لا يدعي أن الحكم قد عول على شيء مما جاء بها وكان مؤدى ذلك أن المحكمة قد التفتت عنها ولم يكن لها تأثير في قضائها فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من أن المحكمة قبلت أوراقاً قدمها الطاعن الأول بعد إقفال باب المرافعة دون أن تتاح له فرصة الإطلاع عليها يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لطلب الطاعن مناقشة الموظف المنوط به دفتر قسائم التحصيل وأطرحه في قوله "ولا محل لمسايرته فيما أرتأه من طلب سماع المسئول عن دفتر قسائم التحصيل بصدد قسيمة التحصيل رقم ............ التي قدمها لأنه غير منتج في الدعوى إذ لا يتجه إلى نفي التزوير الذي ثبت حدوثه بإقرار المتهم الثاني (الطاعن) ولا إلى التشكيل في صحة إسناد التهمة إلى ذلك المتهم طالما قد ثبت على وجه القطع واليقين أن محكمة الجنايات لم تنعقد يوم 7/5/1938 ولم تنظر الدعوى ولم تفرج عن المتهم الثالث وبالتالي فإن تحرير خطاب يتضمن هذه البيانات لكف البحث عن المتهم الثالث مع العلم بعدم صحة هذه البيانات وإرساله إلى مديرية أمن القاهرة وحدة تنفيذ الأحكام هو ما تتوافر به جريمتي التزوير والاستعمال وليس من شأن دفع كفالة - لم تتقرر - من هذا المتهم أو ذاك نفي حصول الجريمة وكل ما له من أثر أو دلالة هو التأكيد على محاولة تغطية الجريمة وإخفاء أثارها كما أنه لا محل لسؤاله عن المقصود برقم ......... الموجود بجوار رقم القضية فطالما ثبت أنه لا يتصل برقم القضية أو بسنتها فإن المحكمة قد استخلصت بالنظر إلى ظروف الدعوى وملابساتها أنه قصد به تصعيب الوصول إلى الحقيقة فلا عليها أن هي التفتت عن البحث من كان مسئولاً عن هذا الدفتر وسؤاله لأن ذلك لا ينصب على صحيح الاتهام". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً ويستقيم به إطراح طلب الطاعن مناقشة شاهد لتأييد دفاعه مادام أنه يتعلق بدفاع ظاهر البطلان إذ لا أثر له على قيام المسئولية الجنائية في حق الطاعن فضلاً عن أن هذا الطلب لا يتجه إلى نفي الفعل المكون لجريمة تزوير كتاب كف البحث التي دين الطاعن بها ولا إلى استحالة حصول الواقعة بل الهدف منه إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة ويعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بإجابته فإن دعوى الإخلال بحق الدفاع تكون غير مقبولة ويكون الطعن المقدم من الطاعن الثاني على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً. عن الطعن المقدم من الطاعن الثالث.
وحيث أن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثالث هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجرائم الاشتراك في الاختلاس والتزوير في محررين رسميين والهرب بعد القبض عليه قانونا قد لحقه البطلان وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك بأن الحكم لم يودع ملف الدعوى موقعاً عليه خلال الثلاثين يوماً التالية لصدوره وخلت ديباجته من بيان المحكمة التي أصدرته ومكان انعقادها هذا إلى أنه اعتمد في إدانة الطاعن على قرينة المصلحة في حين أنه لا مصلحة له في اختلاس الأوراق والتزوير.
وحيث أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه يجب على الطاعن لكي يكون له التمسك ببطلان الحكم لعدم توقيعه في خلال الثلاثين يوما التالية لصدوره أن يحصل من قلم الكتاب على شهادة دالة على أن الحكم لم يكن وقت تحريرها قد أودع ملف الدعوى موقعاً عليه على الرغم من انقضاء ذلك الميعاد، وكان الطاعن لم يقدم لهذه المحكمة الشهادة سالفة البيان فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكانت المادة الرابعة من القانون رقم 105 سنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة تنص على أن محكمة أمن الدولة العليا تنعقد في كل مدينة بها محكمة ابتدائية، وكان الثابت من ديباجة الحكم المطعون فيه أنه صدر من محكمة أمن الدولة العليا المشكلة من ثلاثة مستشارين بمحكمة استئناف القاهرة وهو ما يكفي بيانا لاسم المحكمة ومكان انعقادها، وكان الطاعن لا يدعي أن المحكمة انعقدت في جهة أخرى على خلاف ما نصت عليه المادة المذكورة، وكان من المقرر أن الأصل في إجراءات المحاكمة أنها روعيت فإن ما يثيره الطاعن بشأن إغفال اسم المحكمة وبيان مكان انعقادها يكون غير سديد فضلاً عن أن بيان مكان المحكمة ليس من البيانات الجوهرية التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم مادام قد ذكر فيه اسم المحكمة التي أصدرته. لما كان ذلك وكان الاشتراك في الاختلاس والتزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ومن ثم يكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - وكان ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا يثار أمام محكمة النقض فإن الطعن برمته لا يكون له محل ويتعين رفضه موضوعاً