الطعن رقم 645 لسنة 28 بتاريخ 30/06/1959
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من: 1-.........(المطعون ضده) و2-.......... بأنهما: استعملا القوة والعنف في حق موظف عمومي هو............... بإدارة المباحث الجنائية العسكرية بالبوليس الحربي ليحصلا على قضاء أمر غير حق، هو إفلات المتهم الأول............... المقبوض عليه من بين يديه، بأن اعتديا عليه بالضرب وأحدثا به الإصابات الموصوفة بالكشف الطبي، وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقا للمواد 104و107مكرر و109مكرر من قانون العقوبات، فصدر أمرها بذلك، ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا عمـلا بالمادتين 136/137/1 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الأول ،أولا - باعتبار ما وقع من ............. جنحة منطبقة على المادتين 136و137/1 من قانون العقوبات ومعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر.وثانيا - ببراءة.......... ممـا أسند إليه. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ
المحكمة
وحيث إن النيابة العامة تبني طعنها على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن المحكمة قالت في أسباب حكمها إن المطعون ضده كان يقصد إفلات المتهم الأول ليتمكن من الهرب دون أن يريد التأثير على ذمة المجني عليه حتى يمتنع عن أداء عمل كلف به، وهو القصد الخاص الذي يشترط لتطبيق المادة 109 من قانون العقوبات. ولما كانت المادة المذكورة من بين المواد المندرجة في باب الرشوة، وهي تؤدي لنفس النتائج الخطيرة التي تؤدي إليها الرشوة بمعناها الحقيقي، والقصد الخاص الذي يتطلبه القانون لا يعدو أن يكون نية الحصول من الموظف الواقع عليه التعدي أو العنف على أداء عمل غير حق أو الامتناع عما كلف به. وهذا القصد هو الذي يميز هذه الجريمة عن الأفعال المنصوص عليها في المادتين 136 و137 من قانون العقوبات، والتي لا يلزم لها غير توافر قصد عام مجرد عن الباعث المعين، ومن ثم يكون الحكم إذ اعتبر الواقعة جنحة منطبقة على المادتين 136 و137 من قانون العقوبات، قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فيما قاله من: "إنه في يوم 5 من جمادى الآخرة سنة 1376 الموافق 6 من يناير سنة 1957 كان الصول ........ والجاويش .......... من قسم المباحث الجنائية العسكرية قد كلفا بالانتقال مع العسكري ....... (المتهم الأول) للإرشاد عن البندقية المفقودة منه حيث كان قد قرر في التحقيق الإداري أنه يخفيها في مكان معين، فلما وصلوا ثلاثتهم إلى بلدة المتهم تخلف الصول .......، وذهب الجاويش ....... مع المتهم يرشده إلى المكان الذي زعم أنه يخفي فيه سلاحه، وفي الطريق التقيا بالمتهم الثاني ...... وآخرين، وبعد أن تحدث المتهم مع هؤلاء طلب إلى الجاويش المذكور العودة، وعندئذ فاجأه بالهرب فخف وراءه ليمسك به فاعتدى عليه المتهم الأول وآخرون بالضرب فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي على ما سيأتي تفصيله، وتمكن المتهم الأول من الهرب، ولما استبطأ الصول الجاويش والمتهم ذهب ليبحث عنهما فوجد الجاويش مصابا وعلم منه باعتداء المتهم الأول وآخرين عليه بالضرب حتى يتمكن من الإفلات منه، واعترف المتهم الأول (المطعون ضده) في التحقيق بحصول التماسك بينه وبين المجني عليه وأنكر المتهم الثاني ما أسند إليه". وتحدث الحكم بعد ذلك عن أدلة الدعوى التي استمدها من اعتراف المتهم الأول (المطعون ضده) وأقوال شهود الحادث وما جاء بالتقرير الطبي المتوقع على المجني عليه، ثم انتهى إلى قوله "إنه يخلص مما سلف ذكره ومما تطمئن المحكمة إليه من شهادة الجاويش ....... التي تأيدت بما جاء بالتقرير الطبي، أنه بعد أن كلف هو والصول .......... مرافقة المتهم الأول للإرشاد عن سلاحه الفاقد، توجه هو والمتهم المذكور لإحضار السلاح، وفي الطريق اعتدى عليه المتهم الأول وآخرون بالضرب وتمكن من الهرب" ثم عرض الحكم إلى التكييف القانوني للواقعة التي أثبتها في حق المطعون ضده بقوله "إن الاعتداء الواقع من المتهم الأول ..... إنما كان القصد منه أن يفلت المتهم الأول ليتمكن من الهرب ولم يكن الغرض منه استعمال القوة للتأثير على ذمة المجني عليه ...... حتى يمتنع عن أداء ما كلف به من إبقاء المتهم مقبوضا عليه وإحضار سلاحه الفاقد، ومن ثم يكون الاعتداء قد وقع على موظف عمومي أثناء تأدية وظيفته وبسببها وتكون الواقعة جنحة منطبقة على المادتين 136 و137/1 من قانون العقوبات، إذ أنه يشترط لكي تكون الواقعة منطبقة على المادة 109 مكررا من قانون العقوبات أن تسفر الوقائع والأفعال التي يرتكبها الجاني عن قيام قصد خاص هو انتواؤه الحصول من الموظف على أداء عمل غير حق أو الامتناع عن أداء عمل من الأعمال المكلف بها. وهذا القصد الخاص هو الذي يميز الجريمة المنصوص عليها في المادة 109 من قانون العقوبات، عن الجرائم الواردة في الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وهي جرائم مقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم، والتي لا يشترط فيها إلا القصد العام وهو ارتكاب القوة عمدا مع العلم بصفة المجني عليه دون توقف على باعث معين" وقضت المحكمة بناء على ذلك بمعاقبة المطعون ضده بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر تطبيقا للمادتين 136 و137 من قانون العقوبات.
وحيث إن الشارع إذ نص في المادة 109 من القانون رقم 69 لسنة 1953 على أنه "يعاقب بالعقوبات المقررة للرشوة بحسب الأحوال من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد في حق موظف عمومي أو مستخدم ليحصل على قضاء أمر غير حق أو على اجتنابه أداء عمل من الأعمال المكلف بها". قد أراد أن يجعل من استعمال العنف أو التهديد الذي يقع على الموظف العمومي أو على المستخدم لحمله على أن يقوم بعمل غير حق أو يمنعه عن عمل مكلف بأدائه جريمة خاصة فرض لها عقوبة الرشوة، وهذا النص يقابل نص المادة 95 من قانون سنة 1904 والمادة 109 من قانون سنة 1937، ولما كان الواضح من مقارنة عبارة هذه النصوص أن الشارع أجرى على استعمال العنف أو التهديد في حق موظف عمومي للأغراض الواردة في هذه المواد حكم الرشوة، أو على الأصح ربط لهذه الجريمة العقوبة المفروضة للرشوة كما هو صريح نص المادة 109 في صيغتها الجديدة، وإيراد الشارع لهذه الجريمة في باب الرشوة من قبيل التوسعة في معنى الرشوة لنوع شبه لاحظه الشارع بين الجريمتين من جهة النتيجة التي يفضي إليها التهديد أو الاعتداء لا من جهة الدلالة على حقيقة الرشوة في اصطلاح القانون وهي لا تكون إلا بوعد أو عطية، وقد ترسم الشارع المصري في ذلك مذهب الشارع الفرنسي وهو مذهب انتقده الشراح الفرنسيون لبعد هذه الجريمة عن نطاق الاتجار بالوظيفة. لما كان ذلك، وكانت الجريمة المنصوص عليها في المادة 109 هي جريمة خاصة، يميزها -كما جاء بالحكم المطعون فيه- عن جريمة التعدي على الموظفين العموميين ورجال الضبط ونحوهم من المكلفين بخدمات عامة والمنصوص عليها في المادتين 136 و137 من قانون العقوبات وجوب توافر قصد خاص يتمثل في انتواء الجاني الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة هي أن يؤدي له عملا لا يحل له أن يؤديه، أو أن يستجيب لرغبة المعتدي ليمتنع عن أداء عمل كلف الموظف بأدائه، وهذه النية -التي تنتسب إلى هذا الباعث الخاص- هي قوام القصد الجنائي في الجناية المنصوص عليها في المادة 109 المذكورة، وهي وحدها التي تفرق بين هذه الجريمة وبين جرائم الاعتداء واستعمال القوة ضد الموظفين العموميين والمعتبرة جنحا وفقا لنصوص المواد 133 و136 و137 من قانون العقوبات، وبهذا يصح في القانون تطبيق هذه المواد الأخيرة في غير الأحوال التي تنطبق عليها المادة 109 المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953، كما إذا كان العمل الذي سلك المعتدي سبيل القوة أو العنف أو التهديد لحمل الموظف على أدائه عملا حقا أو لاجتناب عمل غير حق، أو إذا حرك الجاني باعث آخر غير الباعث المخصوص الذي يتطلبه القانون لقيام الجريمة الواردة في باب الرشوة، على خلاف الباعث في جرائم الاعتداء على الموظفين ومقاومتهم الواردة في الباب السابع من قانون العقوبات فلا يعتد به، وإنما يكفي لتوفر الركن الأدبي في تلك الجرائم أن يرتكب الجاني الاعتداء وهو مدرك لما يفعل عالم بشروط الجريمة التي لا يلزم لوجودها غير توافر القصد الجنائي العام، وعلى ذلك تتحد صورتا جريمة الاعتداء على الموظفين في الركن المادي وتفترقان في الركن الأدبي، ولذا كان الأولى أن توضع الجريمة المنصوص عليها في المادة 109 بين جرائم الباب السابع بشأن مقاومة الحكام والتعدي عليهم، ووجه المناسبة اتحادها جميعا في الركن المادي واختلاف طبيعة الرشوة عن طبيعة التعدي أو التهديد. لما كان ذلك، وكانت الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه مما ينطبق عليها نص المادة 109 من قانون العقوبات، وكانت المحكمة قد تحدثت عن القصد الجنائي لدى المطعون ضده -على ما سلف ذكره- بما مفاده أن المتهم إنما قصد من الاعتداء الهرب بعد أن كان مقبوضا عليه ومودعا في حراسة اثنين من أفراد البوليس، والحيلولة بين المجني عليه -وهو من رجال الضبط- وبين أدائه عملا كلف به بمقتضى وظيفته، ومتى تقرر ذلك فإن ما انتهت إليه محكمة الموضوع من اعتبار الواقعة تعديا على أحد رجال الضبط في أثناء تأديته وظيفته وبسببها هو وصف خاطئ لا يلتئم مع التفسير السليم للقانون ويتعين تصحيح هذا الخطأ بوصف الواقعة بأن المتهم ...... في الزمان والمكان المبينين بالأوراق استعمل القوة والعنف في حق موظف عمومي -هو الجاويش .....- بصفته حارسا له ومكلفا بالمحافظة عليه، بأن ضربه هو وآخرون فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي، وذلك ليتمكن من الهرب من حراسته وليمنعه من مرافقته والمحافظة عليه حتى يرشد عن بندقية أميرية ادعى فقدها وهي الجريمة المنطبقة على المواد 103 و104 و109 و111 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953، وترى هذه المحكمة تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة للعقوبة المقيدة للحرية التي ترى توقيعها دون الغرامة لانتفاء الحكمة من توقيع عقوبتها بانتفاء معنى الاتجار بالوظيفة -على ما سبق به قضاء من هذه المحكمة- وتقدير العقوبة المقيدة للحرية بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
وحيث إن الدفاع عن الطاعن أبدى لمحكمة الموضوع في سياق مرافعته أن المطعون ضده سبق أن حوكم أمام مجلس عسكري عن نفس التهمة المسندة إليه وحكم عليه بالسجن سنتين، وفي أثناء نظر الطعن أمام محكمة النقض قدم المطعون ضده عريضة مؤرخة 14 من أكتوبر سنة 1958 يعيد فيها ما قاله الدفاع عنه أمام محكمة الجنايات، ويعترض بعدم جواز محاكمته مرتين عن فعل واحد، وتحقيقا لهذا الدفاع أمرت هذه المحكمة بضم أوراق المحاكمة العسكرية فتبين منها أن من بين الادعاءات على المطعون ضده التي جرت محاكمته عنها أمام المجلس العسكري المركزي تحت رقم 6 "ضربه شخصا خاضعا للأحكام العسكرية حالة كون ذلك الشخص محافظا عليه، واستعمال العنف معه، وذلك أنه بجهة بنوفر بتاريخ 6 من يناير سنة 1957 عندما رافقه مندوب المباحث الجنائية -أمباشي .....- لاستحضار البندقية تعدى عليه بالضرب محاولا الهرب واستعان بآخرين من الأهالي لتمكينه من ذلك حتى تم له الهرب ....."
وقد ثبت ضده هذا الادعاء وسبقه ادعاءات أخرى وحكم عليه من أجلها جميعا بجلده خمسين جلدة وسجنه مع الأشغال الشاقة لمدة سنتين ميلاديتين.
وحيث إن المحاكمة عن جناية أمام مجلس عسكري لا يعفي من المحاكمة عنها أمام المحاكم العادية، غير أنه يجب مراعاة مدة الجزاء التي يكون قد قضاها المحكوم عليه من المجلس العسكري، وهذا الأصل مقرر بالمادة 46 من قانون الأحكام العسكرية، ومن ثم فإن ما يدعيه المطعون ضده من عدم جواز إعادة محاكمته لا يكون سديدا. أما عن مدة الجزاء التي قضاها، فإن هذه المحكمة وهي تقدر العقوبة التي يستحقها المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وهي الحد الأدنى لعقوبة السجن طبقا للمادة 17 من قانون العقوبات، قد أدخلت في الاعتبار عند تحديد نوع العقوبة المذكورة ومدتها ما سبق أن قضاه الطاعن من جزاء تنفيذا للحكم الصادر عليه عسكريا عن التهمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية وسائر الادعاءات التي تبين للمجلس أنه مذنب فيها، ولذلك فهي تجتزئ بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من: 1-.........(المطعون ضده) و2-.......... بأنهما: استعملا القوة والعنف في حق موظف عمومي هو............... بإدارة المباحث الجنائية العسكرية بالبوليس الحربي ليحصلا على قضاء أمر غير حق، هو إفلات المتهم الأول............... المقبوض عليه من بين يديه، بأن اعتديا عليه بالضرب وأحدثا به الإصابات الموصوفة بالكشف الطبي، وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقا للمواد 104و107مكرر و109مكرر من قانون العقوبات، فصدر أمرها بذلك، ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا عمـلا بالمادتين 136/137/1 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الأول ،أولا - باعتبار ما وقع من ............. جنحة منطبقة على المادتين 136و137/1 من قانون العقوبات ومعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر.وثانيا - ببراءة.......... ممـا أسند إليه. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ
المحكمة
وحيث إن النيابة العامة تبني طعنها على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن المحكمة قالت في أسباب حكمها إن المطعون ضده كان يقصد إفلات المتهم الأول ليتمكن من الهرب دون أن يريد التأثير على ذمة المجني عليه حتى يمتنع عن أداء عمل كلف به، وهو القصد الخاص الذي يشترط لتطبيق المادة 109 من قانون العقوبات. ولما كانت المادة المذكورة من بين المواد المندرجة في باب الرشوة، وهي تؤدي لنفس النتائج الخطيرة التي تؤدي إليها الرشوة بمعناها الحقيقي، والقصد الخاص الذي يتطلبه القانون لا يعدو أن يكون نية الحصول من الموظف الواقع عليه التعدي أو العنف على أداء عمل غير حق أو الامتناع عما كلف به. وهذا القصد هو الذي يميز هذه الجريمة عن الأفعال المنصوص عليها في المادتين 136 و137 من قانون العقوبات، والتي لا يلزم لها غير توافر قصد عام مجرد عن الباعث المعين، ومن ثم يكون الحكم إذ اعتبر الواقعة جنحة منطبقة على المادتين 136 و137 من قانون العقوبات، قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فيما قاله من: "إنه في يوم 5 من جمادى الآخرة سنة 1376 الموافق 6 من يناير سنة 1957 كان الصول ........ والجاويش .......... من قسم المباحث الجنائية العسكرية قد كلفا بالانتقال مع العسكري ....... (المتهم الأول) للإرشاد عن البندقية المفقودة منه حيث كان قد قرر في التحقيق الإداري أنه يخفيها في مكان معين، فلما وصلوا ثلاثتهم إلى بلدة المتهم تخلف الصول .......، وذهب الجاويش ....... مع المتهم يرشده إلى المكان الذي زعم أنه يخفي فيه سلاحه، وفي الطريق التقيا بالمتهم الثاني ...... وآخرين، وبعد أن تحدث المتهم مع هؤلاء طلب إلى الجاويش المذكور العودة، وعندئذ فاجأه بالهرب فخف وراءه ليمسك به فاعتدى عليه المتهم الأول وآخرون بالضرب فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي على ما سيأتي تفصيله، وتمكن المتهم الأول من الهرب، ولما استبطأ الصول الجاويش والمتهم ذهب ليبحث عنهما فوجد الجاويش مصابا وعلم منه باعتداء المتهم الأول وآخرين عليه بالضرب حتى يتمكن من الإفلات منه، واعترف المتهم الأول (المطعون ضده) في التحقيق بحصول التماسك بينه وبين المجني عليه وأنكر المتهم الثاني ما أسند إليه". وتحدث الحكم بعد ذلك عن أدلة الدعوى التي استمدها من اعتراف المتهم الأول (المطعون ضده) وأقوال شهود الحادث وما جاء بالتقرير الطبي المتوقع على المجني عليه، ثم انتهى إلى قوله "إنه يخلص مما سلف ذكره ومما تطمئن المحكمة إليه من شهادة الجاويش ....... التي تأيدت بما جاء بالتقرير الطبي، أنه بعد أن كلف هو والصول .......... مرافقة المتهم الأول للإرشاد عن سلاحه الفاقد، توجه هو والمتهم المذكور لإحضار السلاح، وفي الطريق اعتدى عليه المتهم الأول وآخرون بالضرب وتمكن من الهرب" ثم عرض الحكم إلى التكييف القانوني للواقعة التي أثبتها في حق المطعون ضده بقوله "إن الاعتداء الواقع من المتهم الأول ..... إنما كان القصد منه أن يفلت المتهم الأول ليتمكن من الهرب ولم يكن الغرض منه استعمال القوة للتأثير على ذمة المجني عليه ...... حتى يمتنع عن أداء ما كلف به من إبقاء المتهم مقبوضا عليه وإحضار سلاحه الفاقد، ومن ثم يكون الاعتداء قد وقع على موظف عمومي أثناء تأدية وظيفته وبسببها وتكون الواقعة جنحة منطبقة على المادتين 136 و137/1 من قانون العقوبات، إذ أنه يشترط لكي تكون الواقعة منطبقة على المادة 109 مكررا من قانون العقوبات أن تسفر الوقائع والأفعال التي يرتكبها الجاني عن قيام قصد خاص هو انتواؤه الحصول من الموظف على أداء عمل غير حق أو الامتناع عن أداء عمل من الأعمال المكلف بها. وهذا القصد الخاص هو الذي يميز الجريمة المنصوص عليها في المادة 109 من قانون العقوبات، عن الجرائم الواردة في الباب السابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وهي جرائم مقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم، والتي لا يشترط فيها إلا القصد العام وهو ارتكاب القوة عمدا مع العلم بصفة المجني عليه دون توقف على باعث معين" وقضت المحكمة بناء على ذلك بمعاقبة المطعون ضده بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر تطبيقا للمادتين 136 و137 من قانون العقوبات.
وحيث إن الشارع إذ نص في المادة 109 من القانون رقم 69 لسنة 1953 على أنه "يعاقب بالعقوبات المقررة للرشوة بحسب الأحوال من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد في حق موظف عمومي أو مستخدم ليحصل على قضاء أمر غير حق أو على اجتنابه أداء عمل من الأعمال المكلف بها". قد أراد أن يجعل من استعمال العنف أو التهديد الذي يقع على الموظف العمومي أو على المستخدم لحمله على أن يقوم بعمل غير حق أو يمنعه عن عمل مكلف بأدائه جريمة خاصة فرض لها عقوبة الرشوة، وهذا النص يقابل نص المادة 95 من قانون سنة 1904 والمادة 109 من قانون سنة 1937، ولما كان الواضح من مقارنة عبارة هذه النصوص أن الشارع أجرى على استعمال العنف أو التهديد في حق موظف عمومي للأغراض الواردة في هذه المواد حكم الرشوة، أو على الأصح ربط لهذه الجريمة العقوبة المفروضة للرشوة كما هو صريح نص المادة 109 في صيغتها الجديدة، وإيراد الشارع لهذه الجريمة في باب الرشوة من قبيل التوسعة في معنى الرشوة لنوع شبه لاحظه الشارع بين الجريمتين من جهة النتيجة التي يفضي إليها التهديد أو الاعتداء لا من جهة الدلالة على حقيقة الرشوة في اصطلاح القانون وهي لا تكون إلا بوعد أو عطية، وقد ترسم الشارع المصري في ذلك مذهب الشارع الفرنسي وهو مذهب انتقده الشراح الفرنسيون لبعد هذه الجريمة عن نطاق الاتجار بالوظيفة. لما كان ذلك، وكانت الجريمة المنصوص عليها في المادة 109 هي جريمة خاصة، يميزها -كما جاء بالحكم المطعون فيه- عن جريمة التعدي على الموظفين العموميين ورجال الضبط ونحوهم من المكلفين بخدمات عامة والمنصوص عليها في المادتين 136 و137 من قانون العقوبات وجوب توافر قصد خاص يتمثل في انتواء الجاني الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة هي أن يؤدي له عملا لا يحل له أن يؤديه، أو أن يستجيب لرغبة المعتدي ليمتنع عن أداء عمل كلف الموظف بأدائه، وهذه النية -التي تنتسب إلى هذا الباعث الخاص- هي قوام القصد الجنائي في الجناية المنصوص عليها في المادة 109 المذكورة، وهي وحدها التي تفرق بين هذه الجريمة وبين جرائم الاعتداء واستعمال القوة ضد الموظفين العموميين والمعتبرة جنحا وفقا لنصوص المواد 133 و136 و137 من قانون العقوبات، وبهذا يصح في القانون تطبيق هذه المواد الأخيرة في غير الأحوال التي تنطبق عليها المادة 109 المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953، كما إذا كان العمل الذي سلك المعتدي سبيل القوة أو العنف أو التهديد لحمل الموظف على أدائه عملا حقا أو لاجتناب عمل غير حق، أو إذا حرك الجاني باعث آخر غير الباعث المخصوص الذي يتطلبه القانون لقيام الجريمة الواردة في باب الرشوة، على خلاف الباعث في جرائم الاعتداء على الموظفين ومقاومتهم الواردة في الباب السابع من قانون العقوبات فلا يعتد به، وإنما يكفي لتوفر الركن الأدبي في تلك الجرائم أن يرتكب الجاني الاعتداء وهو مدرك لما يفعل عالم بشروط الجريمة التي لا يلزم لوجودها غير توافر القصد الجنائي العام، وعلى ذلك تتحد صورتا جريمة الاعتداء على الموظفين في الركن المادي وتفترقان في الركن الأدبي، ولذا كان الأولى أن توضع الجريمة المنصوص عليها في المادة 109 بين جرائم الباب السابع بشأن مقاومة الحكام والتعدي عليهم، ووجه المناسبة اتحادها جميعا في الركن المادي واختلاف طبيعة الرشوة عن طبيعة التعدي أو التهديد. لما كان ذلك، وكانت الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه مما ينطبق عليها نص المادة 109 من قانون العقوبات، وكانت المحكمة قد تحدثت عن القصد الجنائي لدى المطعون ضده -على ما سلف ذكره- بما مفاده أن المتهم إنما قصد من الاعتداء الهرب بعد أن كان مقبوضا عليه ومودعا في حراسة اثنين من أفراد البوليس، والحيلولة بين المجني عليه -وهو من رجال الضبط- وبين أدائه عملا كلف به بمقتضى وظيفته، ومتى تقرر ذلك فإن ما انتهت إليه محكمة الموضوع من اعتبار الواقعة تعديا على أحد رجال الضبط في أثناء تأديته وظيفته وبسببها هو وصف خاطئ لا يلتئم مع التفسير السليم للقانون ويتعين تصحيح هذا الخطأ بوصف الواقعة بأن المتهم ...... في الزمان والمكان المبينين بالأوراق استعمل القوة والعنف في حق موظف عمومي -هو الجاويش .....- بصفته حارسا له ومكلفا بالمحافظة عليه، بأن ضربه هو وآخرون فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي، وذلك ليتمكن من الهرب من حراسته وليمنعه من مرافقته والمحافظة عليه حتى يرشد عن بندقية أميرية ادعى فقدها وهي الجريمة المنطبقة على المواد 103 و104 و109 و111 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953، وترى هذه المحكمة تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة للعقوبة المقيدة للحرية التي ترى توقيعها دون الغرامة لانتفاء الحكمة من توقيع عقوبتها بانتفاء معنى الاتجار بالوظيفة -على ما سبق به قضاء من هذه المحكمة- وتقدير العقوبة المقيدة للحرية بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
وحيث إن الدفاع عن الطاعن أبدى لمحكمة الموضوع في سياق مرافعته أن المطعون ضده سبق أن حوكم أمام مجلس عسكري عن نفس التهمة المسندة إليه وحكم عليه بالسجن سنتين، وفي أثناء نظر الطعن أمام محكمة النقض قدم المطعون ضده عريضة مؤرخة 14 من أكتوبر سنة 1958 يعيد فيها ما قاله الدفاع عنه أمام محكمة الجنايات، ويعترض بعدم جواز محاكمته مرتين عن فعل واحد، وتحقيقا لهذا الدفاع أمرت هذه المحكمة بضم أوراق المحاكمة العسكرية فتبين منها أن من بين الادعاءات على المطعون ضده التي جرت محاكمته عنها أمام المجلس العسكري المركزي تحت رقم 6 "ضربه شخصا خاضعا للأحكام العسكرية حالة كون ذلك الشخص محافظا عليه، واستعمال العنف معه، وذلك أنه بجهة بنوفر بتاريخ 6 من يناير سنة 1957 عندما رافقه مندوب المباحث الجنائية -أمباشي .....- لاستحضار البندقية تعدى عليه بالضرب محاولا الهرب واستعان بآخرين من الأهالي لتمكينه من ذلك حتى تم له الهرب ....."
وقد ثبت ضده هذا الادعاء وسبقه ادعاءات أخرى وحكم عليه من أجلها جميعا بجلده خمسين جلدة وسجنه مع الأشغال الشاقة لمدة سنتين ميلاديتين.
وحيث إن المحاكمة عن جناية أمام مجلس عسكري لا يعفي من المحاكمة عنها أمام المحاكم العادية، غير أنه يجب مراعاة مدة الجزاء التي يكون قد قضاها المحكوم عليه من المجلس العسكري، وهذا الأصل مقرر بالمادة 46 من قانون الأحكام العسكرية، ومن ثم فإن ما يدعيه المطعون ضده من عدم جواز إعادة محاكمته لا يكون سديدا. أما عن مدة الجزاء التي قضاها، فإن هذه المحكمة وهي تقدر العقوبة التي يستحقها المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وهي الحد الأدنى لعقوبة السجن طبقا للمادة 17 من قانون العقوبات، قد أدخلت في الاعتبار عند تحديد نوع العقوبة المذكورة ومدتها ما سبق أن قضاه الطاعن من جزاء تنفيذا للحكم الصادر عليه عسكريا عن التهمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية وسائر الادعاءات التي تبين للمجلس أنه مذنب فيها، ولذلك فهي تجتزئ بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات