الطعن رقم 29020 لسنة 59 بتاريخ 08/02/1998
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنه :1- بصفته موظفا عموميا كاتب بالمركز الطبي ارتكب تزويرا في محرر رسمي هو استمارة طلب إصدار جواز سفر 19 جوازات وكان ذلك بوضع إمضاءات مزورة بأن وقع عليها بتوقيعات نسبها زورا إلى كل من ..............و............. 2- كفل المتهم المجهول في استحصاله على جواز السفر رقم ................. المزور مع علمه بذلك . وأحالته إلى محكمة جنايات المنيا لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة . والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد 40/2-3 و41 و211 و212 و213 و216 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 17و32 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر باعتبار أن التهمة الأولى اشتراك في تزوير محرر رسمي .
فطعن المحكوم عليه والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ... الخ
المحكمة
أولا: الطعن المقدم من النيابة العامة:
من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضده بجريمتي الاشتراك في تزوير محرر رسمي، وكفالة آخر في الحصول على جواز سفر مزور مع علمه بذلك، قد شابه الخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه لم يقض عليه بعقوبة العزل من الوظيفة بما يستوجب نقضه.
ثانيا: الطعن المقدم من المحكوم عليه (الطاعن):
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الاشتراك في تزوير محرر رسمي، وكفالة آخر في الحصول على جواز سفر مع علمه بتزويره، قد شابه البطلان والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وكذلك الإخلال بحق الدفاع، ذلك أن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير لا يصلح للتدليل على ارتكابه الجريمة التي دين بها لأنه لم يثبت به أن الطاعن حرر التوقيعات المزورة، وأن أقوال شاهدي الإثبات - عماد الحكم في الإدانة - لا تكفي تدليلا على ارتكابه للواقعة وأنه لم يدلل على اشتراكه في التزوير بل تساند في ذلك على اعترافه معتبرا أن مجرد التوقيع على الاستمارة - محل الاتهام - من البيانات الجوهرية - بيد أنها لم تعد بحسب الأصل لهذه التوقيعات والتفتت المحكمة عن دفاعه في هذا الشأن ورغم أن كل بيانات الاستمارة سليمة ومطابقة لبيانات البطاقة العائلية الخاصة بصاحبها ولم يعرض الحكم لوجود خصومة بينه وشاهدي الإثبات بدلالة أقوال شاهدي النفي كما أن المحكمة قضت ببراءة المتهمين بتزوير البطاقة الشخصية والاستمارة الخاصة باستخراجها في حين أنها أدانته على ذات الأدلة، وأخيرا غيرت وصف التهمة من ارتكاب تزوير في محرر رسمي إلى الاشتراك مع آخر مجهول في ارتكاب الواقعة دون لفت نظر الدفاع، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
أولا: ومن حيث إنه بالنسبة لطعن النيابة العامة:
فإنه لما كان نص المادة 216 من قانون العقوبات قد جرى على أن ((كل من تسمى في تذكرة سفر أو تذكرة مرور باسم غير اسمه الحقيقي أو كفل أحدا في استحصاله على الورقة المشتملة على الاسم المذكور وهو يعلم ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين))، والنص في المادة 224 من ذات القانون على أن ((لا تسري أحكام المواد 211، 212، 213، 214، 215 على أحوال التزوير المنصوص عليها في المواد 216، 217، 218، 219، 220، 221، 222 ولا على أحوال التزوير المنصوص عليها في قوانين عقوبات خاصة))، والنص في المادة الأولى من القانون رقم 97 لسنة 1959 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1968 في شأن جوازات السفر على أن ((يعين بقرار من وزير الداخلية بموافقة وزير الخارجية شكل جواز السفر ومدة صلاحيته وطريقة تجديده وشروط وإجراءات منحه ...)) والنص في المادة 38 من قرار وزير الداخلية رقم 63 لسنة 1959* بتنفيذ بعض أحكام القانون رقم 97 لسنة 1959 آنف الذكر على النموذج الخاص بطلب إصدار جواز السفر أو تجديده - تدل في صريح ألفاظها وواضح معناها أن الشارع قد حدد على سبيل الحصر حالات التزوير المشار إليها فيها، وعاقب على ما كان منها يشكل في الأصل جنايات تزوير في أوراق رسمية بعقوبة الجنحة، وعاقب على ما كان منها يشكل جنح تزوير في أوراق عرفية بعقوبة أخف من تلك المقررة بجنح التزوير في الأوراق العرفية، وأن تذكرة السفر لا يتم إصدارها إلا بعد تقديم الطلب، ولئن كان ما تقدم من نصوص مخففة للعقاب في صورتيه - على السياق بادي الذكر - هو في واقع أمره خروجا على الأصل العام المقرر في المواد من 211 - 215 من قانون العقوبات، إلا أنه إذا كان التزوير قد حصل في ورقة لا يتأتى الحصول على تذكرة السفر إلا بها - وهو الحال في الدعوى الماثلة - فإنه يندرج لزوما وحتما في نطاق الحالات التي حددتها، إذ لا يعقل قانونا في صورة الدعوى - أن يكون التسمي باسم مزور في تذكرة سفر أو صنعها معاقبا عليه بعقوبة الجنحة، ويكون التزوير في بيانات الاستمارة أو الطلب التي لا يتأتى الحصول على تذكرة السفر إلا بها، معاقبا عليه بعقوبة أشد الأمر الذي يتفق وما استهدفه الشارع من العقوبات المخففة التي أوردها عقابا على أحوال التزوير الخاصة أنفة الذكر، واعتبارا بأن تلك الاستمارات وما شابهها تمهد وتسلس إلى حالة التزوير الخاصة المبينة أنفا، وإذ كان ذلك، وكانت تذاكر السفر يقصد بها الأوراق الخاصة برفع ما يكون عالقا من القيود بحرية الأشخاص في التنقل من مكان إلى آخر، وكان ما نسب إلى المطعون ضده على السياق المتقدم لا يخرج عن نطاق المواد أنفة الذكر، ذلك بأن الاشتراك مع آخر في تزوير بيانات استمارة جواز السفر التي لا يتأتى الحصول على التذكرة المذكورة إلا بها يندرج في نطاق التأثيم الوارد بالمادتين 216، 224 من قانون العقوبات وهو ما يؤدي في التكييف الصحيح والوصف الحق إلى اعتبار الواقعة المسندة إلى المطعون ضده مكونة للجريمة المنصوص عليها بالمادتين باديتي الذكر المعاقب عليها بعقوبة الجنحة، لما كان ذلك، وكانت المادة (27) من قانون العقوبات قد نصت على أن ((كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضا بالعزل .....))، ومن ثم فإن مفاد هذا النص وفقا لصحيح القانون أنه افترض أن الموظف قد ارتكب إحدى الجنايات التي نص عليها على سبيل الحصر ثم قرر القاضي توافر ظرف مخفف لمصلحته فحكم عليه بالحبس فقط فيتعين عليه أن يحكم بالعزل كذلك، والعزل في هذه الحالة عقوبة تكميلية وجوبية، أما في الجنح - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن القانون يقرر العزل كعقوبة تكميلية في بعض الجنح ويجعله أحيانا وجوبيا وأحيانا جوازيا، وتحديد الجنح التي يقرر فيها القانون العزل ومعرفة ما إذا كان وجوبيا أم جوازيا يقتضي الرجوع إلى نصوص القانون التي تبين عقوبة كل جنحة - كما هو الحال في الجنح المنصوص عليها بالمواد 121، 122، 124/أ، 125 من قانون العقوبات، وليس من بينها الجنحة محل الدعوى الراهنة، ومن ثم فإن منعى الطاعنة - النيابة العامة - على الحكم الخطأ في تطبيق القانون لإغفاله القضاء بعقوبة العزل من الوظيفة العامة يكون غير سديد، لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من النيابة العامة يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
ثانيا: ومن حيث إنه بالنسبة إلى الطعن المقدم من المحكوم عليه (الطاعن):
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي الاشتراك في تزوير محرر رسمي، وكفالة آخر في الحصول على جواز سفر مزور مع علمه بذلك اللتين دان الطاعن بهما، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، وكان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقا خاصا، وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تكون عقيدة المحكمة، ويكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان الاشتراك في جرائم التزوير يتم غالبا دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، فإنه يكفي أن تكون المحكمة اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها، وأن يكون اعتقادها هذا سائغا تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم، كما هو الحال في الدعوى المطروحة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن استناد الحكم في الإدانة على أقوال شاهدي الإثبات وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير رغم عدم كفايتها يتمخض جدلا موضوعيا في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض، ولما كان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اعتقاد المحكمة بحصول اشتراك الطاعن مع مجهول في ارتكاب التزوير لما ساقه من أقوال شاهدي الإثبات ومما استمده من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن المجهول هو الذي وقع على الورقة المزورة - المقدمة إليه من الطاعن - بتوقيع نسبه إلى آخرين مما يقطع بتوافر الاشتراك، فإن رمي الحكم بقالة القصور في التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره في حق الطاعن يكون في غير محله، هذا إلى انتفاء مصلحة الطاعن في النعي على الحكم بأوجه تتعلق بجريمة الاشتراك في التزوير ونعيه بالقصور في التدليل على ارتكابه لها طالما أن العقوبة المقضي بها تدخل في حدود العقوبة المقررة لجريمة كفالة آخر في الحصول على جواز سفر، وذلك بالتطبيق للمادة 32 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكانت العبرة في تقدير شهادة الشهود والاعتداد بها هي بما تقتنع به محكمة الموضوع وبما تطمئن إلى صحته، ومن ثم فلها أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة متى اطمأنت إلى صحتها، لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة اقتنعت بأقوال شاهدي الإثبات، فإن منعى الطاعن بوجود خصومة بينه والشاهدين - بفرض صحته - يكون غير مجد إذ هو لا يعدو أن يكون منازعة موضوعية في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم من شأن محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها تلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها بالنسبة إلى متهم آخر، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه للأدلة التي دان الطاعن على مقتضاها فلا يعيبه من بعد أن يقضي ببراءة المتهمين الآخرين استنادا للأسباب التي أوردها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تتقيد بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل هي مكلفة بتمحيص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقا صحيحا دون حاجة أن تلفت نظر الدفاع إلى ذلك ما دام أن الواقعة المادية المبينة بتقرير الاتهام والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم أساسا للوصف الذي دان الطاعن به دون أن تضيف إليها المحكمة شيئا، وإذ كان الحكم قد انتهى إلى اعتبار الطاعن شريكا بالنسبة لجريمة تزوير محرر رسمي، وهو وصف غير جديد في الدعوى ولا مغايرة فيه للعناصر التي كانت مطروحة على المحكمة ولا يعد ذلك في حكم القانون تغييرا لوصف التهمة المحال بها الطاعن بل هي مجرد تصحيح لبيان كيفية ارتكاب الجريمة مما يصح إجراؤه في الحكم دون تنبيه الدفاع إليه في الجلسة ليترافع على أساسه هذا إلى أنه لا مصلحة له في النعي على الحكم بهذا السبب إذ العقوبة المقضي بها على الطاعن باعتباره شريكا تدخل في عقوبة الفاعل الأصلي، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من تغيير المحكمة صفته من فاعل أصلي في جريمة تزوير محرر رسمي إلى شريك فيها دون أن تلفت نظر الدفاع إلى هذا التغيير وإدانته على هذا الأساس يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنه :1- بصفته موظفا عموميا كاتب بالمركز الطبي ارتكب تزويرا في محرر رسمي هو استمارة طلب إصدار جواز سفر 19 جوازات وكان ذلك بوضع إمضاءات مزورة بأن وقع عليها بتوقيعات نسبها زورا إلى كل من ..............و............. 2- كفل المتهم المجهول في استحصاله على جواز السفر رقم ................. المزور مع علمه بذلك . وأحالته إلى محكمة جنايات المنيا لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة . والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد 40/2-3 و41 و211 و212 و213 و216 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 17و32 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر باعتبار أن التهمة الأولى اشتراك في تزوير محرر رسمي .
فطعن المحكوم عليه والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ... الخ
المحكمة
أولا: الطعن المقدم من النيابة العامة:
من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضده بجريمتي الاشتراك في تزوير محرر رسمي، وكفالة آخر في الحصول على جواز سفر مزور مع علمه بذلك، قد شابه الخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه لم يقض عليه بعقوبة العزل من الوظيفة بما يستوجب نقضه.
ثانيا: الطعن المقدم من المحكوم عليه (الطاعن):
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الاشتراك في تزوير محرر رسمي، وكفالة آخر في الحصول على جواز سفر مع علمه بتزويره، قد شابه البطلان والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وكذلك الإخلال بحق الدفاع، ذلك أن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير لا يصلح للتدليل على ارتكابه الجريمة التي دين بها لأنه لم يثبت به أن الطاعن حرر التوقيعات المزورة، وأن أقوال شاهدي الإثبات - عماد الحكم في الإدانة - لا تكفي تدليلا على ارتكابه للواقعة وأنه لم يدلل على اشتراكه في التزوير بل تساند في ذلك على اعترافه معتبرا أن مجرد التوقيع على الاستمارة - محل الاتهام - من البيانات الجوهرية - بيد أنها لم تعد بحسب الأصل لهذه التوقيعات والتفتت المحكمة عن دفاعه في هذا الشأن ورغم أن كل بيانات الاستمارة سليمة ومطابقة لبيانات البطاقة العائلية الخاصة بصاحبها ولم يعرض الحكم لوجود خصومة بينه وشاهدي الإثبات بدلالة أقوال شاهدي النفي كما أن المحكمة قضت ببراءة المتهمين بتزوير البطاقة الشخصية والاستمارة الخاصة باستخراجها في حين أنها أدانته على ذات الأدلة، وأخيرا غيرت وصف التهمة من ارتكاب تزوير في محرر رسمي إلى الاشتراك مع آخر مجهول في ارتكاب الواقعة دون لفت نظر الدفاع، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
أولا: ومن حيث إنه بالنسبة لطعن النيابة العامة:
فإنه لما كان نص المادة 216 من قانون العقوبات قد جرى على أن ((كل من تسمى في تذكرة سفر أو تذكرة مرور باسم غير اسمه الحقيقي أو كفل أحدا في استحصاله على الورقة المشتملة على الاسم المذكور وهو يعلم ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين))، والنص في المادة 224 من ذات القانون على أن ((لا تسري أحكام المواد 211، 212، 213، 214، 215 على أحوال التزوير المنصوص عليها في المواد 216، 217، 218، 219، 220، 221، 222 ولا على أحوال التزوير المنصوص عليها في قوانين عقوبات خاصة))، والنص في المادة الأولى من القانون رقم 97 لسنة 1959 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1968 في شأن جوازات السفر على أن ((يعين بقرار من وزير الداخلية بموافقة وزير الخارجية شكل جواز السفر ومدة صلاحيته وطريقة تجديده وشروط وإجراءات منحه ...)) والنص في المادة 38 من قرار وزير الداخلية رقم 63 لسنة 1959* بتنفيذ بعض أحكام القانون رقم 97 لسنة 1959 آنف الذكر على النموذج الخاص بطلب إصدار جواز السفر أو تجديده - تدل في صريح ألفاظها وواضح معناها أن الشارع قد حدد على سبيل الحصر حالات التزوير المشار إليها فيها، وعاقب على ما كان منها يشكل في الأصل جنايات تزوير في أوراق رسمية بعقوبة الجنحة، وعاقب على ما كان منها يشكل جنح تزوير في أوراق عرفية بعقوبة أخف من تلك المقررة بجنح التزوير في الأوراق العرفية، وأن تذكرة السفر لا يتم إصدارها إلا بعد تقديم الطلب، ولئن كان ما تقدم من نصوص مخففة للعقاب في صورتيه - على السياق بادي الذكر - هو في واقع أمره خروجا على الأصل العام المقرر في المواد من 211 - 215 من قانون العقوبات، إلا أنه إذا كان التزوير قد حصل في ورقة لا يتأتى الحصول على تذكرة السفر إلا بها - وهو الحال في الدعوى الماثلة - فإنه يندرج لزوما وحتما في نطاق الحالات التي حددتها، إذ لا يعقل قانونا في صورة الدعوى - أن يكون التسمي باسم مزور في تذكرة سفر أو صنعها معاقبا عليه بعقوبة الجنحة، ويكون التزوير في بيانات الاستمارة أو الطلب التي لا يتأتى الحصول على تذكرة السفر إلا بها، معاقبا عليه بعقوبة أشد الأمر الذي يتفق وما استهدفه الشارع من العقوبات المخففة التي أوردها عقابا على أحوال التزوير الخاصة أنفة الذكر، واعتبارا بأن تلك الاستمارات وما شابهها تمهد وتسلس إلى حالة التزوير الخاصة المبينة أنفا، وإذ كان ذلك، وكانت تذاكر السفر يقصد بها الأوراق الخاصة برفع ما يكون عالقا من القيود بحرية الأشخاص في التنقل من مكان إلى آخر، وكان ما نسب إلى المطعون ضده على السياق المتقدم لا يخرج عن نطاق المواد أنفة الذكر، ذلك بأن الاشتراك مع آخر في تزوير بيانات استمارة جواز السفر التي لا يتأتى الحصول على التذكرة المذكورة إلا بها يندرج في نطاق التأثيم الوارد بالمادتين 216، 224 من قانون العقوبات وهو ما يؤدي في التكييف الصحيح والوصف الحق إلى اعتبار الواقعة المسندة إلى المطعون ضده مكونة للجريمة المنصوص عليها بالمادتين باديتي الذكر المعاقب عليها بعقوبة الجنحة، لما كان ذلك، وكانت المادة (27) من قانون العقوبات قد نصت على أن ((كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه في الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثاني من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضا بالعزل .....))، ومن ثم فإن مفاد هذا النص وفقا لصحيح القانون أنه افترض أن الموظف قد ارتكب إحدى الجنايات التي نص عليها على سبيل الحصر ثم قرر القاضي توافر ظرف مخفف لمصلحته فحكم عليه بالحبس فقط فيتعين عليه أن يحكم بالعزل كذلك، والعزل في هذه الحالة عقوبة تكميلية وجوبية، أما في الجنح - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن القانون يقرر العزل كعقوبة تكميلية في بعض الجنح ويجعله أحيانا وجوبيا وأحيانا جوازيا، وتحديد الجنح التي يقرر فيها القانون العزل ومعرفة ما إذا كان وجوبيا أم جوازيا يقتضي الرجوع إلى نصوص القانون التي تبين عقوبة كل جنحة - كما هو الحال في الجنح المنصوص عليها بالمواد 121، 122، 124/أ، 125 من قانون العقوبات، وليس من بينها الجنحة محل الدعوى الراهنة، ومن ثم فإن منعى الطاعنة - النيابة العامة - على الحكم الخطأ في تطبيق القانون لإغفاله القضاء بعقوبة العزل من الوظيفة العامة يكون غير سديد، لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من النيابة العامة يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
ثانيا: ومن حيث إنه بالنسبة إلى الطعن المقدم من المحكوم عليه (الطاعن):
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي الاشتراك في تزوير محرر رسمي، وكفالة آخر في الحصول على جواز سفر مزور مع علمه بذلك اللتين دان الطاعن بهما، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، وكان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقا خاصا، وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تكون عقيدة المحكمة، ويكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان الاشتراك في جرائم التزوير يتم غالبا دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، فإنه يكفي أن تكون المحكمة اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها، وأن يكون اعتقادها هذا سائغا تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم، كما هو الحال في الدعوى المطروحة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن استناد الحكم في الإدانة على أقوال شاهدي الإثبات وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير رغم عدم كفايتها يتمخض جدلا موضوعيا في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض، ولما كان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اعتقاد المحكمة بحصول اشتراك الطاعن مع مجهول في ارتكاب التزوير لما ساقه من أقوال شاهدي الإثبات ومما استمده من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن المجهول هو الذي وقع على الورقة المزورة - المقدمة إليه من الطاعن - بتوقيع نسبه إلى آخرين مما يقطع بتوافر الاشتراك، فإن رمي الحكم بقالة القصور في التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره في حق الطاعن يكون في غير محله، هذا إلى انتفاء مصلحة الطاعن في النعي على الحكم بأوجه تتعلق بجريمة الاشتراك في التزوير ونعيه بالقصور في التدليل على ارتكابه لها طالما أن العقوبة المقضي بها تدخل في حدود العقوبة المقررة لجريمة كفالة آخر في الحصول على جواز سفر، وذلك بالتطبيق للمادة 32 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكانت العبرة في تقدير شهادة الشهود والاعتداد بها هي بما تقتنع به محكمة الموضوع وبما تطمئن إلى صحته، ومن ثم فلها أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة متى اطمأنت إلى صحتها، لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة اقتنعت بأقوال شاهدي الإثبات، فإن منعى الطاعن بوجود خصومة بينه والشاهدين - بفرض صحته - يكون غير مجد إذ هو لا يعدو أن يكون منازعة موضوعية في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم من شأن محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها تلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها بالنسبة إلى متهم آخر، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه للأدلة التي دان الطاعن على مقتضاها فلا يعيبه من بعد أن يقضي ببراءة المتهمين الآخرين استنادا للأسباب التي أوردها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تتقيد بالوصف الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل هي مكلفة بتمحيص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقا صحيحا دون حاجة أن تلفت نظر الدفاع إلى ذلك ما دام أن الواقعة المادية المبينة بتقرير الاتهام والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم أساسا للوصف الذي دان الطاعن به دون أن تضيف إليها المحكمة شيئا، وإذ كان الحكم قد انتهى إلى اعتبار الطاعن شريكا بالنسبة لجريمة تزوير محرر رسمي، وهو وصف غير جديد في الدعوى ولا مغايرة فيه للعناصر التي كانت مطروحة على المحكمة ولا يعد ذلك في حكم القانون تغييرا لوصف التهمة المحال بها الطاعن بل هي مجرد تصحيح لبيان كيفية ارتكاب الجريمة مما يصح إجراؤه في الحكم دون تنبيه الدفاع إليه في الجلسة ليترافع على أساسه هذا إلى أنه لا مصلحة له في النعي على الحكم بهذا السبب إذ العقوبة المقضي بها على الطاعن باعتباره شريكا تدخل في عقوبة الفاعل الأصلي، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من تغيير المحكمة صفته من فاعل أصلي في جريمة تزوير محرر رسمي إلى شريك فيها دون أن تلفت نظر الدفاع إلى هذا التغيير وإدانته على هذا الأساس يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ