الطعن رقم 1276 لسنة 39 بتاريخ 27/10/1969
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في خلال المدة من يونيو سنة 1962 إلى ديسمبر سنة 1964 بدائرة قسم الميناء محافظة الإسكندرية: (أولا) المتهم الأول. بصفته مندوبا مفوضا على شركة ........... المملوكة للدولة والتابعة لمؤسسة الصوامع والتخزين واعتباره في حكم الموظفين العموميين أحدث عمدا أضراراً بأموال ومصالح الشركة المذكورة بأن أبرم صفقة شراء خمس عشرة سيارة نقل من المتهم الثاني ....... بمبلغ 9000 جنيه وسلم هذا الثمن غافلا ما شرطه المستشار القانوني للمؤسسة من وجوب التحقق من عدم وجود أعباء مالية على السيارات مما أدى إلى انتقال ملكية السيارات إلى الشركة المذكورة وهي محملة بحجوزات إدارية تزيد على 24 ألف جنيه لصالح هيئة التأمينات الاجتماعية (ثانيا) المتهم الأول أيضا: 1- بصفته مندوبا مفوضا على شركة ....... المملوكة للدولة ارتكب تزويرا في محرر للشركة المذكورة هو عقد بيع السيارات موضوع التهمة السابقة حال تحريره المختص بوظيفته بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت بهذا العقد تاريخا سابقا على تاريخ إبرامه الحقيقي ليمكن المتهم الثاني من الإفلات من إجراءات تأميم السيارات. 2- استعمل المحرر المزور سالف الذكر بأن قدمه إلى اللجنة المشكلة للتحفظ على شركات السيارات المزمع تأميمها وذلك مع علمه بتزويرها. 3- بصفته سالفة الذكر وباعتباره في حكم الموظف العام سهل للمتهم الثاني الاستيلاء بغير حق على مبلغ 263 جنيه من أموال شركة فاروس هي رسوم رخص السيارات المبيعة عن شهر أكتوبر سنة 1963 بأن أمر بأن تتحمل الشركة هذه الرسوم في حين أن السيارات كانت في حوزة المتهم الثاني ويقوم بتشغيلها لحسابه الخاص. 4- بصفته سالفة الذكر وباعتباره في حكم الموظف العام سهل للمتهم الثاني الاستيلاء بغير حق على مبلغ 4471ج للشركة المذكورة المملوكة للدولة بأن اتفق معه على أن يحاسب أصحاب السيارات الذين يتعاملون مع الشركة ويقدم فواتير باسم أولاده بأسعار تزيد على الأسعار الفعلية وتمكن المتهم الثاني بذلك من الاستيلاء على المبلغ المذكور 5- بصفته سالفة الذكر أيضا - أحدث عمدا إضرار بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها (شركة ............) بأن اقترح على المؤسسة التابع لها إبرام عقد مع المتهم الثاني لإدارة بعض عمليات النقل محددا عمولة بنسبة 49% من الإيراد بعد خصم المصروفات والاستهلاكات فلما أجازت المؤسسة إبرام هذا العقد اسقط مقابل الاستهلاك عند التعاقد وترتب على ذلك أن تمكن المتهم الثاني من تجاوز حصته المشروعة في الأرباح. 6- أعطى مبلغا قدره 171 جنيها على سبيل الرشوة في صورة مكافأة تشجيعية للمدعو ....... وآخرين من موظفي وزارة التموين وهم أعضاء اللجنة المشكلة من الوزارة لرفع الغرامات على شركة .......... وذلك للإخلال بواجبات وظيفتهم ليعملوا على رفع الغرامات الموقعة على الشركة المذكورة ولمكافأة المدعو .......... 7- بصفته سالفة الذكر اختلس مبلغ 120ج مسلمة إليه بسبب وظيفته من أموال شركة ........... بأن تسلم هذا المبلغ من رئيس حسابات الشركة وأمره باحتسابه خصما على إحدى العمليات التي تقوم بها الشركة ثم اختلسه لنفسه. 8- بصفته عضو مجلس إدارة شركة ........... المصرية المملوكة للدولة وفي حكم الموظف العام اختلس مبلغ 50جنيها من أموال الشركة المذكورة بأن تسلم هذا المبلغ من رئيس حسابات الشركة وأمره باحتسابه خصما على إحدى العمليات التي تقوم بها الشركة ثم اختلسه لنفسه 9- بصفته سالفة الذكر تسبب بخطئه الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بأموال الشركة التي يعمل بها وكان ذلك ناشئا عن إهمال جسيم في أداء وظيفته بأن كلف من قبل المؤسسة التابع لها بنقل الزيت المعبأ الخاص بوزارة التموين فأبرم عقدا مع المقاول ............ كلفه خطأ بمقتضاه بنقل الزيت الخاص بالجمعية التعاونية الاستهلاكية ودفع مبلغ 400ج مقدما كعربون وعندما أراد المقابل تنفيذ العقد تبين أن الزيت المطلوب نقله خاص بوزارة التموين وترتب على ذلك ضياع العربون المدفوع للمقاول واضطرت الوزارة للتعاقد مع مقاول أخر كما رفع المتعاقد مع المتهم دعوى للمطالبة بالتعويض (ثالثا) المتهم الثاني 1- اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في جناية الإضرار العمدي - موضوع التهمة الأولى - وذلك بأن اتفق معه على ارتكابها وساعده في ذلك بأن قدم له السيارات موضوع الصفقة ووثق عقود بيعها قبل تحرير عقد البيع النهائي دون أن يقدم الشهادات الدالة على خلوها من الأعباء المالية وجعل أولاده يوقعون على هذا العقد فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة 2- اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب جناية التزوير سالفة الذكر بأن اتفق معه على ارتكابها وساعده في ذلك بأن طلب إلى أولاده التوقيع على العقد بأن حدد له تاريخا سابقا على تاريخ إبرامه فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة 3- اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب الجناية موضوع التهمة الثانية بأن اتفق معه على أن تتحمل الشركة مبلغ 263ج قيمة رسوم رخص السيارات المبيعة عن شهر أكتوبر سنة 1963 وساعده في ذلك بأن قدم له المستندات التي تم بمقتضاها دفع الرسوم المذكورة من أموال الشركة ووقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة 4- اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب الجناية موضوع التهمة الرابعة بأن اتفق معه على عدم خصم مقابل الاستهلاك عند احتساب نصيبه في عقد المشاركة في الأرباح بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة 5- بصفته مكلفا بخدمة عامة (مشرفا على عمليات نقل المواد التموينية) لشركة .......... المملوكة للدولة استولى بغير حق على مبلغ 4471ج من الشركة المذكورة هو الفرق بين الأسعار الفعلية التي كان يحاسب بها مقاولي النقل المتعاملين من الشركة والفواتير التي كان يقدمها باسم أولاده عن ذات العملية. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 40/2 و3 و41 و111/5 و6 و112/6 و113/1 و116 و116 مكرراً أو 116 مكرراً ب و118 و119 و213 و214 مكرراً 1 و3 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت في الدعوى حضوريا عملا بالمواد 40/2 و3 و41 و111/5 و6 و116 مكرر (أ) و119 و214 مكرر 1 و2 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من ........ بالسجن لمدة خمس سنوات وبتغريم كل منهما خمسمائة جنيه. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ
 
 المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان أولهما بجرائم الإضرار العمدي بأموال ومصالح الشركة التي يعمل بها والتزوير في محرر لها وتسهيله للغير الاستيلاء على أموال تلك الشركة, ودان الطاعن الثاني بجرائم الاشتراك مع الطاعن الأول في ارتكاب تلك الجرائم واستيلائه بغير حق على أموال لإحدى شركات القطاع العام, قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الدفاع طلب عدم التعويل على أقوال الشهود للظروف التي أحاطت بالتحقيق وما صاحبها من وقائع التعذيب والإكراه والتهديد وساق الأدلة التي تؤيد تلك الوقائع إلا أن المحكمة أقامت قضاءها على تلك الأقوال وردت على دفاع الطاعن في هذا الشأن رداً قاصراً ودلل الحكم على توافر قصد الإضرار, وعلى تحقق الضر تدليلاً معيباً قاصراً حين أقام قضاءه في خصوص تهمة الإضرار العمدي على أن الطاعن الأول قد أغفل رأي المستشار القانوني للمؤسسة, وما اشترطه من وجوب التحقق من عدم وجود أعباء مالية على السيارات قبل إبرام عقد شراءها مما أدى إلى انتقال ملكيتها إلى الشركة المشترية محملة بحجوز إدارية لصالح هيئة التأمينات الاجتماعية وعلى أنه أسقط متعمداً مقابل الاستهلاك وقت إبرام عقد المشاركة.
 وما أورده الحكم ينبئ عن أن المحكمة لم تفطن إلى دفاع الطاعن الأول القائم على أن صفته كمفوض لإدارة شركة فاروس والقائم مقام مجلس إدارتها تخول له قانوناً حق إبرام التصرفات التي يرى أنها لازمة لنجاح سياسة الشركة وأن ما يبرمه من عقود إنما يدخل في إطلاقات سلطته, وأنه لم توقع حجوز إدارية على الشركة البائعة وهي شركة الوحدة العربية فيما عدا حجز واحد توقع عليها بعد واقعة شراء السيارات وأن موضوع العقد كان شراء سيارات من شركة الوحدة العربية وليس شراء هذه المنشأة نفسها ومن ثم فهي تبقى ملزمة بديونها قبل هيئة التأمينات الاجتماعية ولا تعد شركة فاروس خلفاً لها في التزاماتها قبل الهيئة. وأن الضرر منتف لثبوت استفادة الشركة من صفقة السيارات وتحقيقها أرباحاً كما أنه لم يقدر أي مبلغ لمواجهة الاستهلاك بل نص في عقد المشاركة على خصم مبلغ 2500 جنيه من الأرباح كحد أدنى لأرباح الشركة ويوزع بعده الباقي على طرفي العقد بالنسبة التي وردت به. وأما عن تهمة تسهيل الاستيلاء على مبالغ للشركة فقد أسند الحكم إلى الطاعن الأول أنه سهل للطاعن الثاني الحصول على مبلغ 263 جنيهاً قيمة رسوم السيارات المبيعة عن شهر أكتوبر سنة 1963 في حين أن شركة فاروس وقد صارت المالكة للسيارات منذ أكتوبر سنة 1963 فقد باتت ملزمة برسوم رخص المرور عن هذا الشهر فضلاً عن أن هذه الرسوم تؤدى كل ثلاثة شهور وأن الحساب لا يزال مفتوحاً بين الشركتين ولم يصف بعد كما نسب الحكم إلى الطاعن الأول أنه سهل للطاعن الثاني الحصول على بملغ 4771 جنيهاً هو الفرق بين الأجور التي اتفق عليها الطاعن الثاني مع شركة فاروس وتلك التي دفعها إلى من كان يتعامل معهم بينما قام دفاع الطاعن الأول على أن فئات الأجور التي كانت تدفعها شركة فاروس هي أقل من الفئات التي تدفعها شركات القطاع العام ولم يكن يعنيه أن يبحث وراء الطاعن الثاني فيما يتفق عليه مع مقاولي القطاع الخاص ولم تفطن المحكمة إلى كل هذا الدفاع ولم تعن بتمحيصه فجاء حكمها مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه.
 وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن سرد وقائع الدعوى وأورد مؤدى أقوال شهود الإثبات فيها رد على دفاع الطاعنين في شأن وقائع التعذيب والإكراه والتهديد بقوله "وحيث إن المحكمة تطمئن إلى أقوال شهود الإثبات وتأخذ بها وتعول عليها, وقد تأيدت بالمستندات والفواتير وتقرير اللجنة على النحو الذي ورد بصدر هذا الحكم ولا غناء عن القول بأن المحكمة تطمئن إلى أقوال الشهود وما ورد بالتحقيقات رغم ما قيل بأن جزءاً منها جرى في ثكنات مصطفى كامل لأن هذا لم يقلل من ثقة المحكمة في تلك التحقيقات وقد ثبت حضور محامين مع المتهمين عند استجوابهم وإفساح المجال لبعضهم بإلقاء الأسئلة من جانبه لبعض الشهود تحقيقاً للعدالة, وقد شهد الشهود بمضمون تلك الشهادات أمام المحكمة بما يطمئن إلى صدق أقوالهم". لما كان ذلك, وكان من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء عليها وإن كان مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه إلا أنه يشترط في أقوال الشاهد التي يعول عليها أن تكون صادرة عنه اختياراً.
 وهي لا تعتبر كذلك إذا صدرت إثر إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدر هذا التهديد أو ذلك الإكراه, وإذ كان الثابت مما أورده الحكم في مدوناته ومن محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين قد أثار أمام المحكمة أن إكراها وتعذيباً وتهديداً وقع على الشهود- وقد كان البعض منهم متهماً أصلاً في الدعوى - وأن وقائع الإكراه والتهديد قد تمثلت في حجز الشهود في ثكنات مصطفى كامل العسكرية التي كان يجرى فيها التحقيق, وفي إطلاق كلب متوحش عليهم ينهش في أجزاء حساسه من أجسامهم وفي تهديد البعض منهم بالفصل من الخدمة وفي طلب المباحث العسكرية فصل خمسة منهم من وظائفهم, وأن قسوة التعذيب دفعت أحدهم إلى الشروع في الانتحار وأن هذه الحادثة كانت موضوع تحقيق أجرته السلطات المختصة وأرفقت أوراقه بملف الدعوى, فإن هذا الذي أثاره الدفاع وأفاض في شرحه إنما يعد دفعاً ببطلان أقوال هؤلاء الشهود لصدورها أثر إكراه, وهو دفع جوهري كان يتعين على المحكمة أن تعرض له بالمناقشة والتفنيد لتتبين مدى صحته. ولا يعصم الحكم قول المحكمة أنها تطمئن إلى أقوال الشهود ما دامت أنها لم تقل كلمتها فيما أثاره الدفاع من أن تلك الأقوال إنما أدلى بها الشهود نتيجة الإكراه الذي وقع عليهم, ذلك بأنه لا يكفي لسلامة الحكم أن يكون الدليل صادقاً متى كان وليد إجراء غير مشروع. كما لا يجدي الحكم استناده إلى أدلة أخرى في الدعوى ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة. وأما استناد الحكم إلى أن محامين حضروا التحقيق وإلى أن بعض الشهود قد شهدوا أمام المحكمة بمضمون ما شهدوا به في التحقيق فهو لا يستقيم به الرد على دفاع الطاعنين في هذا الصدد خاصة إذا كان الثابت أن بعض هؤلاء الشهود لم يمثل أمام المحكمة ولم يدل بشهادته أمامها - لما كان ذلك, وكان القانون رقم 120 لسنة 1962 قد أدخل تعديلاً على قانون العقوبات أضاف به إلى أحكامه نص المادتين 116 مكرر(1) و116مكرر(ب), واستحدث بمقتضاهما - في مجال الأموال العامة - جريمة الإضرار العمد, وجريمة الإهمال الجسيم. فجرى نص المادة 116 مكرر(أ) بأن "كل موظف عمومي أحدث عمداً ضرراً بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الأفراد أو مصالحهم المعهود بها إليه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه. فإذا كان الضرر الذي قد ترتب على فعله غير جسيم جاز الحكم عليه بدلاً من العقوبات السابقة بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تجاوز ألفي جنيه إذا ترتب على الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية" وإعمال حكم هذه المادة يتطلب توافر أركان ثلاثة (الأول) صفة الجاني وهي أن يكون موظفاً عمومياً بالمعنى الوارد في المادة 111 من قانون العقوبات (والثاني) الإضرار بالأموال والمصالح المعهودة إلى الموظف ولو لم يترتب على الجريمة أي نفع شخصي له (والثالث) القصد الجنائي وهو اتجاه إرادة الجاني إلى الإضرار بالمال أو المصلحة فلا تقع الجريمة إذا حصل الضرر بسبب الإهمال.
 والخطأ في جريمة الإهمال - المنصوص عليها في المادة 166 مكرراً(ب) قوامه تصرف إرادي خاطئ يؤدي إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها, ومن صور الخطأ الإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة وينصرف معناه إلى الاستهانة والتفريط بمقتضيات الحرص على المال أو المصلحة وإساءة استعمال السلطة إذ أن المشرع وإن كان قد ترك للموظف بعضاً من الحرية في ممارسة سلطاته يقرره بمحض اختياره في حدود الصالح العام ووفقاً لظروف الحال ما يراه محققاً لهذه الغاية وهو ما يسمى بالسلطة التقديرية إلا أنه إذا انحرف عن غاية المصلحة العامة التي يجب عليه أن يتغياها في تصرفه وسلك سبيلاً يحقق به باعثاً آخر لا يمت لتك المصلحة فإن تصرفه يكون مشوباً بعيب الانحراف في استعمال السلطة وبذلك يتعين عدم الخلط بين الخطأ الجسيم بصوره السابقة وبين الغش إذ أن كلاً منهما يمثل وجهاً للإجرام يختلف عن الآخر اختلافاً تاماً ويناقضه. فالخطأ هو جوهر الإهمال والغش هو محور العمد, وإن جاز اعتبارهما صنوين في مجال المسئولية المدنية أو المهنية إلا أن التفرقة بينهما واجبة في المسئولية الجنائية يؤكد ذلك أن المشرع أدخل بالمادة 116 مكرراً عقوبات جريمة الإضرار العمد في ذات التعديل الذي استحدث به جريمة الإهمال الجسيم فاستلزم الغش ركناً معنوياً في الجريمة الأولى واكتفى بالخطأ الجسيم ركناً في الجريمة الثانية. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر قصد الإضرار لدى الطاعن الأول في قوله: "وحيث إن جناية الإضرار العمدي المسندة إلى المتهم الأول وهي جناية عمدية قد توافرت في حقه من أنه قصد إلى إلحاق الضرر بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها وهي إبرام العقد مع المتهم الثاني قد أهدر متعمداً إشارة المستشار القانوني للمؤسسة وتعمد عدم اتخاذ الاحتياطات والتحفظات التي أشار بها من وجوب التحقق من خلو الصفقة من أعباء مالية, وأثبتت التحقيقات أن موظفي الشركة اعترضوا على إبرام الصفقة وكذلك أعضاء مجلس الإدارة ورفضوا التوقيع بما يفيد موافقتهم وحاولوا السعي إلى المؤسسة لإعلان هذا الرفض ومع ذلك فإن المتهم الأول أقدم عامداً على هذا التصرف رغم ما نبه إليه من جهات لها شأن إلى خطورة ما هو مقدم عليه. ولا يحاج بأن الوزير قد علم بالصفقة ووافق عليها فإن موافقته على المبدأ وليس على التفصيلات ولم يكن في استطاعته أن يتغلغل إلى التفصيلات التي انفرد المتهم الأول بالصفة برمتها" وكان هذا الذي أورده الحكم واتخذ فيه من إهدار الطاعن الأول إشارة المستشار القانوني للمؤسسة على مشروع العقد ومن اعتراض بعض موظفي الشركة على إبرامه دليلاً على قيام القصد الجنائي لدى الطاعن لا يسوغ به التدليل على توافر قصد الإضرار لديه بمعنى انصراف نيته إلى إلحاق الضرر بالشركة التي يعمل بها, ذلك بأن دفاع الطاعن الأول قد بني على أن إبرام مثل هذا العقد إنما يدخل في إطلاقات سلطته التقديرية باعتباره القائم على إدارة الشركة محل مجلس إدارتها والمسئول عن تحقيق سياستها وأنه غير مقيد بآراء مرءوسيه وأنه فضلاً عن ذلك فقد حرص من جانبه على الحصول على موافقة رئيس المؤسسة والوزير المختص على إبرام الصفقة وهو دفاع يعد في خصوص الدعوى المطروحة دفاعاً جوهرياً كان على محكمة الموضوع أن تمحص عناصره وتستظهر مدى جديته وأن ترد عليه بما يدفعه إن رأت الالتفات عنه لاختلاط ما هو مسند إلى الطاعن الأول بعناصر جريمة الإهمال المنصوص عليها في المادة 116 مكرر (ب) بمعناها السابق إيراده, أما وقد أمسكت المحكمة عن ذلك فإن ذلك مما يصم حكمها بالقصور ويعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت توافر الضرر في جريمة الإضرار العمدي في قوله: "وقد تمثل الضرر في هذه الصفقة إذ حملت شركة فاروس بأعباء مالية باهظة لصالح هيئة التأمينات الاجتماعية التي أوقعت حجوزات إدارية على السيارات المبيعة وهذه الأعباء كانت موجودة بالفعل وقت إبرام الصفقة وتمثل خطراً على قيامها دون نظر للمنازعات القضائية التي ما تزال دائرة إلى اليوم حول تصفية تلك المنازعات وكان هو في مركز الكاشف لتلك الأعباء وهذه المخاطر فلم تكن سراً مكتوماً أو أعباء خفية غير ظاهرة بل كانت ملء سمعه ورؤياه وجميع موظفي الشركة ومع ذلك فقد أقدم عامداً على هذا التصرف المحفوف بالمخاطر. وبهذا تحقق الضرر على الشركة من عقد شراء السيارات وعقد المشاركة الذي أسقط مقابل الاستهلاك عند التعاقد". وكان المشرع قد استوجب الضرر ركناً لازماً لقيام جريمة الإضرار العمدي المنصوص عليها في المادة 116 مكرر(أ) ويشترط في الضرر أن يكون محققاً أي حالاً ومؤكداً لأن الجريمة لا تقوم على احتمال تحقق أحد أركانها. والضرر الحال هو الضرر الحقيقي سواء كان حاضراً أو مستقبلاً والضرر المؤكد هو الثابت على وجه اليقين. وإذ كان دفاع الطاعن الأول الشفوي والمكتوب قد تأسس على أن الضرر منتف تماماً ذلك أن الشركة التي يرأسها اشترت من شركة الوحدة العربية خمس عشرة سيارة بالعقد المؤرخ 9 من أكتوبر سنة 1963 بثمن قدرته لجنة من الفنيين في الشركة وقد نص في عقد الشراء على أن الشركة المشترية لا تلتزم بديون هيئة التأمينات الاجتماعية إلا في حدود مبلغ 3500ج, وأنها خصمت هذا المبلغ من ثمن الشراء, وأن شراءها كان منصباً على عدد من السيارات وليس على منشأة الوحدة العربية ذاتها, ومن ثم فهي لا تلزم بديونها ولا تعتبر خلفاً لها في أدائها لهيئة التأمينات الاجتماعية وأن السيارات المشتراة لم تنتقل إلى ذمة الشركة محملة بأي حجوز إدارية إذ الثابت من محاضر هذه الحجوز المرفقة بالملف أنه لم يوقع على الشركة البائعة إلا حجز واحد في 28 ديسمبر سنة 1963 أي بعد تاريخ الشراء وهو 9 من أكتوبر سنة 1963 وأنه لم يقدر أي مبلغ لمواجهة الاستهلاك, وكان الدفاع على هذه الصورة في شأن انتفاء الضرر يعد دفاعاً جوهرياً يتغير به - لو صح- وجه الرأي في الدعوى وإذا لم تفطن المحكمة إلى فحواه ولم تقسطه حقه ولم تعن بتحقيقه وتمحيصه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه بل أمسكت عنه إيراداً ورداً واكتفت بتلك العبارات القاصرة التي أوردتها والتي لا يستقيم بها التدليل على تحقق الضرر على وجه اليقين, فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت جريمة تسهيل الاستيلاء على أموال الشركة بقوله "وحيث إنه قد ثبت أيضاً أن المتهم الأول سهل للمتهم الثاني الاستيلاء على رسوم رخص السيارات عن شهر أكتوبر سنة 1963 بمبلغ 263ج بدليل أن السيارات وجدت في جراج ..... في هذا الشهر, وقال في التحقيقات أنها كانت في التصليح والدهان. وأبلغ دليل على قيام هذه التهمة أن المتهم الثاني قدم فواتير عن تشغيل هذه السيارات لحسابه الخاص في هذا الشهر وتقاضى أتعاباً عنها ولم يبدأ تشغيلها إلا اعتباراً من 1/11/1963 كما ثبت أن المتهم الأول سهل للثاني الحصول على مبلغ 4471ج من أموال الشركة بأن اتفق معه على أن يحاسب أصحاب السيارات من الغير الذين يتعاملون مع الشركة وتقدم بفواتير باسم أولاده بأسعار تزيد عن الأسعار الفعلية التي يتم التحاسب على أساسها مع أصحاب هذه السيارات وتمكن بذلك المتهم الثاني من الاستيلاء على المبلغ المذكور". وكان دفاع الطاعنين قد قام على أن شركة فاروس تحملت رسوم السيارات عن شهر أكتوبر سنة 1963 لأنها أصبحت مالكة لهذه السيارات منذ ذلك الشهر وأن الطاعن الثاني قد تعاقد مع  مقاولين آخرين من الباطن وكان يحاسبهم على أسعار تزيد أو تقل من وقت لآخر حسب ظروف العمل ويتولى صرفها إليهم دون انتظار إذن الشركة بالصرف مما لا يمكن معه أن ينسب إليه أنه قد استولى بغير حق على فرق الأسعار, وكان الأصل في جريمة الاستيلاء بغير حق على مال للدولة أو لإحدى الهيئات أو المؤسسات العامة أو الشركات أو المنشآت التي تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ما أنها لا تقع إلا إذا انصرفت نية الجاني وقت الاستيلاء إلى تملكه وتضييع المال على ربه, وكان الحكم قد قصر في استظهار هذه النية فضلاً عن أنه لم يعرض لدفاع الطاعنين بالرد والمناقشة, فإنه يكون معيباً بالقصور. لما كان ما تقدم, فإنه يتعين نقض الحكم والإحالة بغير حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن