الطعن رقم 1275 لسنة 39 بتاريخ 13/10/1969
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في خلال المدة من شهر سبتمبر سنة 1962 حتى نهاية عام 1963 بدائرة قسم الميناء محافظة الإسكندرية (أولا) بصفته العضو المنتدب لمجلس إدارة شركة ............... المملوكة للدولة وباعتباره في حكم الموظف العام طلب لنفسه وأخذ على سبيل الرشوة من ............... عدة مبالغ على دفعات بعضها بالدولارات وبعضها بالعملة المصرية وجملتها ما يوازي خمسة آلاف جنيه وذلك بوصف ................ مقاولا متعاقدا مع الشركة على القيام بأعمال شحن وتفريغ المواد التموينية وكان مقابل الرشوة الإخلال ببعض واجبات وظيفيه بأن يسند إلى المقاول المذكور بعض المقاولات دون إتباع الإجراءات القانونية (عملية شحن الفول المعد للتصدير وعملية حفظ الحبوب في صومعة المكس) وبأسعار تتجاوز الأسعار المتعارف عليها وليصرف له مقدما دون خصم الغرامات الموقعة عليه مبالغ تحت حساب عمليات شحن وتفريغ لم تتم مخالفا بذلك نصوص العقد المبرم بينه وبين الشركة وليعمل من جهة أخرى على أن ترفع عن المقاول الغرامات الموقعة عليه من وزارة التموين نتيجة إخلاله بالالتزامات التي يفرضها عليه هذا التعاقد (ثانيا) بصفته سالفة الذكر طلب لنفسه وأخذ مبلغ 200 دولار من المقاول ................ على سبيل الرشوة لأداء عمل من أعمال وظيفته هو تسهيل صرف مستحقات المقاول المذكور عن الأعمال التي تعاقد عليها مع الشركة (ثالثا) بصفته سالفة الذكر طلب لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن اشترط على ................ أن يدفع عمولة مقدارها 10 % من قيمة كل فاتورة تصرف للمقاول المذكور نظير إسناد بعض عمليات الشحن والتفريغ له (رابعا) بصفته المذكورة أيضا أحدث عمدا ضررا بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها بأن دأب على مخالفة نصوص العقد المبرم بين الشركة وبين ................ وأمر بعدم خصم الغرامات وبأن يصرف مقدما مبالغ لـ................ متجاوز استحقاقاته الفعلية الأمر الذي أدى إلى حصوله بغير وجه حق على المبالغ المبينة بتقرير اللجنة الفنية وقدرها 40503 جنيهات وضياع هذا المبلغ على الدولة وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 103 و104 و110 و111 و112 مكررا "أ" فقرة أولى و118 و119 من قانون العقوبات, فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت في الدعوى حضوريا عملا بالمواد 103 و104 و107 و110 و111/6 و116 مكرراً "أ" فقرة أولى و119 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 32 و17 من القانون المذكور بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وتغريمه ألفين من الجنيهات ومصادرة جميع المبالغ موضوع الرشوة. فطعن المحامي الوكيل عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ
 
 المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بتهمة الإضرار العمد بمصالح الجهة التي يعمل بها وتهم الارتشاء, قد انطوى على الفساد في الاستدلال وشابه القصور في التسبيب وبني على الخطأ في تطبيق القانون, ذلك بأنه دفع بعدم جواز التعويل على الأقوال التي أبداها الأشخاص الذين اتخذت شهادتهم من بعد دليلا عليه نظرا لحالة الفزع والإكراه والضغط التي لابست التحقيقات إلا أن الحكم رد على هذا الدفع بما لا ينفيه, كما خالف المادة 307 من قانون الإجراءات الجنائية إذ قبل سماع الدعوى الجنائية عن جريمة الإضرار العمد على الرغم من أن قرار الإحالة الذي طرح الدعوى على محكمة الجنايات وحدد الوقائع المعروضة عليها استبعد الضرر بالنسبة إلى الشريك في الجريمة لعدم ثبوته فلا يجوز للمحكمة أن تدين المتهم بوصفه فاعلا عن ذات الواقعة المادية التي استبعدها, لأنها حينئذ تكون قد تصدت لما لا ولاية لها بنظره, وخالفت حجية الأمر بأن لا وجه, هذا إلى أن الحكم إذ ساءل الطاعن عن جريمة الإضرار المنصوص عليها في المادة 116 مكررا (أ) من قانون العقوبات لم يتفطن إلى أنها جريمة عمدية تتطلب فوق وقوع الضرر بالفعل أن يكون قصد الفاعل في إيقاعه محققا احتماليا, كما عول في إدانته بالرشوة على أقوال الشهود على الرغم من تناقضها, وخلوها من التحديد لما وقر في ذهن المحكمة سلفا من ثبوت واقعة الإضرار العمدي وقضي بمصادرة مبلغ الرشوة المدعى بها مع أنه لم يضبط مما يدل على أن المحكمة ليس لديها فكرة واضحة عن الواقعة ومعالمها, ولهذه الصلة الوثيقة التي لا تنفصم في منطق الحكم بين واقعة الإضرار ووقائع الرشوة, فإن استدلال الحكم كله يكون معيبا بما يوجب نقضه.
 وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد ما جاء في المحضر رقم 1 لسنة 1965 حصر تحقيق نيابة غرب الإسكندرية الذي طلب الدفاع عن الطاعن ضمه لما تضمنه من وقائع التعذيب والإكراه التي تعرض لها الأشخاص الذين سئلوا في ثكنات "مصطفى كامل" بمعرفة المباحث العسكرية قال ما نصه : "وحيث إنه وإن كانت المحكمة قد أمرت بضم المحضر الإداري الخاص بواقعة شروع "..............." في الانتحار وما جاء في ذلك المحضر على لسان المستجوبين بأن التحقيقات أجريت في بادئ الأمر في مقر المباحث العسكرية على أن التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة قد اتضح منها أن محامين حضروا فيها ساعة استجواب موكليهم بل كان منهم من صرح له بمناقشة الشاهد حتى يقول وفي حرية ولهذا تطمئن المحكمة إلى التحقيقات وما ورد فيها معبرا عن الحقيقة والواقع. وقد شهد الشهود بمضمون تلك الشهادات أمام هذه المحكمة بما يطمئن إلى صدق أقوالهم" وهذا الذي ذكره الحكم لا يصلح ردا ... به الطاعن من حصول الإكراه, لأنه لم يبين ما إذا كانت وقائع التعذيب قد حصلت فعلا أم لا, فإذا كانت الأولى, تعين إطراح الأقاويل التي جاءت على ألسنة الشهود والمستجوبين الذين خضعوا له بأي وجه لأنه لا يصلح التعويل على هذه الأقاويل ولو كانت صادقة مطابقة لحقيقة الواقع متى كانت وليدة تعذيب أو إكراه أيا كان قدره من الضؤولة أما إذا كانت الثانية صح الأخذ بها. كما أن حضور محامين في تحقيق تجريه النيابة العامة في الثكنات التي شهدت وقائع التعذيب لا ينفي أنها وقعت ولم يبين الحكم أسماء هؤلاء الشهود الذين عول عليهم وكيف طابقت شهادتهم في التحقيقات ما شهدوا به في جلسة المحاكمة, خصوصا أن أحدهم وهو "...................." شهد في جلسة 3 من مايو سنة 1969 بما قد ينفي جريمة الرشوة عن الطاعن بينما جاءت شهادته في التحقيقات - حسبما سطره الحكم - نصا صريحا في إفادتها. هذا ويبين من نصوص المواد 197 و209 و213 من قانون الإجراءات الجنائية أنه ما دام الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قد صدر من إحدى جهات التحقيق, فلا يجوز مع بقائه قائما لعدم ظهور أدلة جديدة إقامة الدعوى عن ذات الواقعة التي صدر فيها لأن له في نطاق حجيته المؤقتة ما للأحكام من قوة الأمر المقضي وهذا يجعل الدفع بسبق صدوره من أخص خصائص النظام العام جائزا إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض بشرط أن تكون مدونات الحكم شاهدة لصحته أو مرشحة لذلك. ومتى صدر الأمر بعدم وجود وجه بناء على أسباب عينية مثل أن الجريمة لم تقع أصلا أو على أنها في ذاتها ليست من الأفعال التي يعاقب عليها القانون فإنه يكتسب - كأحكام البراءة - حجية بالنسبة إلى جميع المساهمين فيها, ويتعدى نطاقه إليهم بطريق اللزوم وذلك بالنظر إلى وحدة الواقعة وقوة الأثر الآمر, وكذلك قوة الأثر القانوني للارتباط بين المتهمين في الجريمة فضلا عن أن شعور العدالة في الجماعة يتأذى حتما من المغايرة بين مصائر المساهمين في جريمة واحدة ومن التناقض الذي يتصور أن يقع في الأمر الواحد إذا صدر بأن لا وجه بالنسبة لأحد المتهمين, وبالإحالة بالنسبة لغيره مع اتحاد العلة ولا كذلك إذا كان الأمر مبنيا على أحوال خاصة بأحد المساهمين دون الآخرين فإنه لا يحوز الحجية إلا في حق من صدر لصالحه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه على الرغم مما دفع به الطاعن قد قضى بما يخالف النظر المتقدم فإنه يكون معيبا بما يوجب نقضه, وفوق ذلك فإن المادة 116 مكررا "أ" من قانون العقوبات قد نصت على معاقبة كل موظف عمومي أو من في حكمه أحدث عمدا ضررا بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الأفراد أو مصالحهم المعهود بها إليه. ويبين من هذا النص ومن مقارنته بنص المادة 115 من القانون المذكور ومن المذكرة الإيضاحية المصاحبة له أن الجريمة تتطلب لقيامها تحقق الضرر سواء في الواقع أو في قصد الفاعل وأن مجرد الاحتمال على أي وجه ولو كان راجحا لا تتوافر به تلك الجريمة في أي من ركنيها والترجيح بين المصالح المتعارضة - مصلحة الشركة التي يديرها الطاعن - في التمسك بإيقاع الغرامة التهديدية, ومصلحتها في سير عملها وانتظامه, واختيار أخف الأمرين وأهون الضررين لا يتحقق به الضرر المقصود في القانون, أو القصد المعتبر الملابس للفعل العادي المكون للجريمة, ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ خاض في تقريراته دون التفات إلى ما يشهد من مدوناته لحقيقة الواقع المطابق لصحيح القانون وعلى الأخص شهادة الوزير المختص وفحوى المذكرة المقدمة منه يكون معيبا, هذا بالإضافة إلى أن الغرامة التهديدية كما يدل عليه اسمها وتقتضيه طبيعتها هي - كالإكراه البدني - ليس فيها أي معنى من المعاني الملحوظة في العقوبة كما أنه ليس فيها معنى التعويض عن الضرر وإنما الغرض منها هو إجبار المدين على تنفيذ التزامه على الوجه الأكمل وهي لا تدور مع الضرر وجودا وعدما ولا يعتبر التجاوز عنها في ذاته تجاوزا بالضرورة عن ضرر حاصل أو تنازلا عن تعويض الضرر بعد استحقاقه خصوصا إذا اقتضى عدم التمسك بها دواعي العدالة أو دوافع المصلحة كما أن ورودها في القيود الدفترية الحسابية للمنشأة التي يديرها الطاعن لا يغير من طبيعتها التهديدية لا التعويضية هذه وذلك للعلة المتقدمة ولأن من القيود الدفترية ما هو حسابات نظامية بحت لا تمثل ديونا حقيقية ومنها ما هو عن ديون تحت التسوية والمراجعة. ولما كانت الجريمة هي الإضرار بمصالح الجهة صاحبة الحق في التمسك بالغرامة التهديدية, تعين ابتداء أن يثبت الحكم وقوع الضرر بما ينحسم به أمره لأنه لا يستفاد بقوة الأشياء من مجرد عدم التمسك بإيقاع تلك الغرامة ولا يستفاد كذلك بإدراج مبلغها في دفاتر المنشأة وذلك كله بفرض أن الطاعن صاحب الشأن في إيقاعها أو التنازل عن التمسك بها. لما كان ذلك, وكان الحكم لم يلتفت إلى الأنظار المتقدمة على الرغم من ورود أسانيدها في مدوناته حسبما تقدم, وكان قد اتخذ من جريمة الإضرار دليلا على جرائم الارتشاء وركنا فيها بناء على أن مبالغها هي مقابل الإخلال العمدي بمقتضيات الوظيفة الذي يتمثل في الإضرار بمصالح الجهة التي يعمل بها, فإن الخطأ يشمل استدلال الحكم كله بما يعيبه ويوفر المصلحة في التمسك بأوجه الطعن المتعلقة بجريمة الإضرار دون أن يحاج الطاعن بتطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة إلى التهم جميعا وإيقاع عقوبة واحدة مقررة لأيها. لما كان ما تقدم, فإن الحكم يكون معيبا بما يوجب النقض والإحالة. ومن ثم فلا جدوى من تصويب الحكم بإلغاء ما قضي به من المصادرة في جريمة الرشوة مع أنه لم يضبط مبلغها