الالتزام بكتمان اسرار المراسلات
 
 نص قانوني : 
تنص المادة 57 من الدسـتور المصري الصــادر ســنة 2014 علي أنــــه " للمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مُسبَّب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التى يبينها القانون" (4) ، كما تنص المادة 154 من قانون العقوبات المصري علي أن " كل من أخفي من موظفي الحكومة أو البوستة أو مأموريهما أو فتح مكتوباً من المكاتيب المسلمة للبوستة أو سهل ذلك لغيره يعاقب بالحبس أو بغرامة لاتزيد علي عشرين جنيهاً مصرياً وبالعزل في الحالتين .  وكذلك كل من أخفي من موظفي الحكومة أو مصلحة التلغرافات أو مأموريهما تلغرافاً من التلغرافات المسلمة الي المصلحة المذكور أو أفشاه أو سهل ذلك لغيره يعاقب بالعقوبتين المذكورتين " (5). 
وعلي هدي ما نقدم فإننا سوف نتناول فيما يلي صفة الملتزم بكتمان أسرار المراسلات فى المطلب الأول ، ثم نتناول نطاق الإلتزام بالكتمان فى المطلب الثاني .
ــــــــــــــــــــــــــ
(4) نص علي هذا المبدأ الدستور الايطالي (مادة 15) ؛ والدستور الصيني (مادة 90) ؛ والدستور الروسي (مادة 128) ؛ وفى الدساتير العربية الدستور المغربي (الفصل 11) ؛ والدستور الكويتي (المادة 39) ؛ والدستور الاردني (المادة 18) ؛ والدستور السوري (المادة 13) . 
(5) يقابل هذا النص المادة 187 من المدونة العقابية الفرنسية ، والمادة 616 من المدونة العقابية الإيطالية ، والمادة 229 من المدونة العقابية الألمانية . وقد استقر القضاء الفرنسي علي الزام موظفي البريد بعدم فض الرسائل أو إبلاغ محتواها الي الغير وذلك استناد الي المادة 187 عقوبات فرنسي سالفة الذكر وذلك تأسيساً علي أنهم أمناء علي الرسائل التي بحوزتهم سواء كانت مغلقة أم مفتوحة .  
         أنظر
 PELISSIER (Jean) : La protection du secret de la correspondance au regard du droit penal comparee . Paris , 1965 , p . 108
تحديد الملتزمين بكتمان أسرار المراسلات : 
يلزم وفقا للمادة 154 عقوبات أن يكون فاعل هذه الجريمة من موظفي الحكومة أو البوستة أو مأموريهما ، أو مصلحة التلغرافات أو مأموريهما ، وبذلك فإن النص قد حصر صفة الملتزمين به في فئتين هما : موظف الحكومة ، أو موظف البوستة ومصلحة التلغرافات.
\
 (أولاً) صفة الموظف الحكومي :
استقر الفقه (6) ، والقضاء الإداري في مصر (7) ، علي أن الموظف العام هو كل شخص يعهد اليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام يتولي إدارته الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الإقليمية أو المرفقية ، ولذلك فإن الموظف يجب أن ينقطع لخدمة الدولة ، فلا تكون استعانتها به عارضة (Cool ، ولا يشترط أن يكون الشخص مثبتاً (9) ، أو أن يتقاضي مرتباً عن عمله (10). 
وإذا كان المشرع قد جعل مناط الشرط المفترض في صفة الجاني لا في ممارسة وظيفته (11) ، فإنه لا يحول دون توافر هذا الشرط أن يكون الموظف في أجازة أو موقوفاً عن العمل طالما كانت صفته العمومية مازالت قائمة .  وعلي ذلك فإنه يجب أن يكون الشخص مكتسباً لصفة الموظف وقت مباشرة السلوك الاجرامي
ـــــــــــــــــــــــــ
(6)  أنظر الأستاذ محمد حامد الجمل : الموظف العام فقهاً وقضاء . القاهرة ، دار النهضة العربية ، الجزء الاول ، الطبعة الثانية ، 1969، بند 39 ص 106 . 
(7) أنظر مجموعة أحكام المحكمة الادارية العليا - 19 مايو سنة 1969 س 14 ص 813 ؛ 8 فبراير سنة 1973 س 18 ص 141 . 
(Cool أنظر الدكتور محمد أنس قاسم جعفر : الوسيط فى القانون العام " أسس وأصول القانون الإداري" . القاهرة ، مطبعة أخوان مورافتلي ، لم يذكر دار النشر ، 1984 - 1985 ، ص 310 وما بعدها . 
(9) أنظر حكم المحكمة الادارية العليا فى 25 فبراير سنة 1956 مجموعة المبادئ س1 ص526 ؛ 14 أبريل سنة 1956 س1 ص676 ؛ 5 مايو سنة 1956 س 1 ص 745 ؛ 30 نوفمبر سنة 1957 س 2 ص 144 . 
(10) أنظر محكمة القضاء الاداري فى 29 مايو سنة 1952 - مجموعة الأحكام س 6 ص 1039 .
(11) ولذلك فإن دفع المتهم بانحصار صفة الموظف العام عنه وقت ارتكاب الجريمة من الدفوع الجوهرية التي يتعين علي المحكمة ان تتحقق من صحته والا كان حكمها معيباً . أنظر الدكتور حسنين صالح عبيد : " مفترضات الجريمة " . = =
     بحث بمجلة القانون والاقتصاد ، جامعة القاهرة ، السنة التاسعة والأربعون ، سبتمبر - ديسمبر سنة 1979 ، ص 548 ، هامش رقم 22 .
(ثانياً) موظفو هيئة البريد وشركة الإتصالات السلكية واللاسلكية :
ويدخل في حكم هذه الطائفة من الموظفين كافة المستويات الوظيفية ، بدءا من رئيس الهيئة ومروراً بكافة فئاتها من موظفين سواء كانوا إداريين أو فنيين ، وانتهاء بأدني درجات السلم الوظيفي كالسعاة والعمال ومن علي شاكلتهم . ويستوي أن تقع الجريمة أثناء مباشرة الأعمال المصلحية المنوطة بالموظف أم في غير الأوقات التي يباشر فيها هذه الأعمال ، وكل ما يوجبه النص أن يكون الجاني من هذه الطائفة ، وأن تكون الجريمة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعمل.
أنواع المراسلات المشمولة بالحماية الجنائية : 
تضمنت المادة 154 عقوبات نوعين من المراسلات التي يشملها المشرع بالحماية ، وهما المكاتيب ، والتلغرافات .
 
(أولاً) المكاتيب : 
ويقصد بها كافة أنواع الرسائل المكتوبة ، سواء كانت خطابات أو مذكرات أو طرود أو اخطارات أو منشورات أو ماشابه ذلك ، ولا يهم بعد ذلك محتوي هذا الخطاب أو مضمونه ، فيستوي أن يكون ذي طبيعة عاطفية أو سياسية ، بل أن الحماية الجنائية تمتد لتشمل الصور الفوتوغرافية باعتبارها شكلاً من أشكال الرسائل . 
ويلزم لتوافر عناصر الفقرة الأولي من المادة 154 عقوبات أن تكون الرسالة في حرز مغلق ، يستوي في ذلك أن تكون مغلقة بالشمع ، أم باللصق أم بالأربطة أم بغيرها من الوسائل (14)، ذلك أن الرسائل المفتوحة تخرج من نطاق الإلتزام بعد الفض ، بيد أنها تحظي بالحماية الجنائية في مجال عدم إفشاء مضمونها الي الغير برغم أنها مفتوحــة وذلك تطبيقاً لنص المـادة 310 عقوبات . كما ينطبق النص علي حالة إخفاء الرسائل ، سواء عن طريق اختلاسها أو اتلافها أو تسليمها عمداً لغير مستحقها ، أو غير ذلك من وسائل الإخفاء العمدي .
ويشترط لتطبيق نص المادة 154 عقوبات أن تكون المكاتيب مسلمة الي البوستة ، ويعتبر الخطاب معهوداً به لهيئة البريد منذ أن يتخلي صاحبه عن حيازته بوضعه في الصندوق المخصص لذلك أو تسليمه لموظف البريد المختص ، وتظل المراسلة محتفظة بهذه الصفة لحين تسليمها الي المرسل اليه ، فتفقد هذه الصفة وتصبح ملكاً له (15).
ويثور التساؤل عن مدي جواز تقديم المراسلات كدليل إثبات أمام جهات
القضاء ، ففي القضاء المدني لا يجوز تقديم الخطاب الذي يكون ماساً بصاحب السر أو بالغير دون الرجوع لصاحب السر (16) ، أما في القضاء الجنائي فقد ذهبت محكمة النقض الي عدم جواز الإستناد في حالة الإدانة الي أدلة غير مشروعة ، بينما يجوز في البراءة الإستناد الي دليل يتضمن معلومات عن الحياة الخاصة للمرسل أو المرسل اليه أو الغير وذلك استناداً الي عدم اشتراط المشروعية في دليل البراءة (17)، وقد اتجه جانب من الفقه المصرى صوب انتقاد هذا القضاء واشتراط المشروعية سواء في دليل الادانة أو البراءة (18) .
ــــــــــــــــــــــــــــ            
(14) أنظر
 GARCON (Emile) : Op . Cit . , T. 2 , p 294
(15) قضت محكمة النقض الفرنسية ببراءة شخص نسخ صورة خطاب وصل فعلاً الي المرسل اليه وفتح بمعرفته باعتبار أن الخطاب لاينطبق عليه وصف " المراسلة " بعد وصوله الي المرسل اليه . 
 LOUIS DOMINJON : " La protection de Secrét dés correspondances en droin penal ". Paris , 1938 , p . 29 .
(16) أنظر
   Cass. Crim . , 20 Oct 1908 . , Dalloz , 1909 . 1 . 46
(17)  أنظر نقض 25 يناير سنة 1965 مجموعة أحكام محكمة النقض س 16 رقم 21 ص 87 . 
(18) أنظر الدكتور رؤوف عبيد : المرجع السابق ، ص 612 ؛ الدكتور أحمد ضياء الدين محمد خليل : مشروعية الدليل فى المواد الجنائية . القاهرة ، رسالة دكتوراة - كلية الحقوق ، جامعة عين شمس ، 1983 ، ص 999 . 
 
(ثانياً) التلغرافات : 
خص المشرع المصري البرقيات بالفقرة الثانية من المادة 154 عقوبات ، ويرجع ذلك الي تميز أحكامها عن المكاتيب ، فالبرقية عادة ما تملي علي الموظف المختص أو يسلم مضمونها اليه سواء مباشرة أو بالتليفون أو بأية وسيلة أخري ، وفي كافة الأحوال فإن الموظف المختص الذي يتلقي البرقية المرسلة سوف يعلم بمضمونها . 
ولذلك فقد اقتصر التجريم علي فعلي الإخفاء أو الإفشاء دون أن ينسحب النص علي فعل الفتح كما هو الشأن في المراسلات . وعلي هذا فإذا وضعت البرقية في مظروف مغلق وسلمت لعامل التلغراف لتوصيلها الي المرسل إليه ، ثم قام بفضها دون علمه ، فإنه لا يخضع للمسائلة وفقاً لهذا النص اليه ، فإذا ما افشي مضمونها الي آخر وقع تحت طائلة النص .  والرأي لدينا أنه يلزم تعديل النص الحالي ليشمل وسائل المراسلات الحديثة والتي جاءت وليدة التقدم العلمي في النصف الثاني من القرن العشرين ، وذلك كالرسائل المرسلة بجهاز الفاكسميلي والتلكس وغيرها ، وذلك لأن النص يتعلق بالتلغراف ، ومن المستقر وفقاً للقاعدة العامة في التفسير أنه لايجوز القياس في مجال التجريم .