انقضاء المنازعات بالصلح
نصت المادة 549 من القانون المدنى على أن : الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً ، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه.
ونصت المادة 550 من القانون المدنى على أن : يشترط فيمن يعقد صلحاً أن يكون أهلاً لتصرف بعوض فى الحقوق التى يشملها عقد الصلح.
ونصت المادة 551 من القانون المدنى على أن : لا يجوز الصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ، ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التى تترتب على الحالة الشخصية ، أو التى تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم.
ونصت المادة 552 من القانون المدنى على أن : لا يثبت الصلح إلا بالكتابة أو بمحضر رسمى
ونصت المادة 553 من القانون المدنى على أن : تنحسم بالصلح المنازعات التى تناولها.
ويترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التى نزل عنها أى من المتعاقدين نزولاً نهائياً.
ونصت المادة 554 من القانون المدنى على أن : للصلح أثر كاشف بالنسبة إلى ما تناوله من الحقوق ، ويقتصر هذا الأثر على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها.
ونصت المادة 555 من القانون المدنى على أن : يجب أن تفسر عبارات التنازل التى يتضمنها الصلح تفسيراً طبقاً ، وأياً كانت تلك العبارات فإن التنازل لا ينصب إلا على الحقوق التى كانت وحدها بصفة جليلة محلاً للنزاع الذى حسمه لصالح.
ونصت المادة 5560 من القانون المدنى على أن : لا يجوز الطعن فى الصلح بسبب غلط فى القانون.
ونصت المادة 557 من القانون المدنى على أن : الصلح لا يتجزأ ، فبطلان جزء منه يقتضى بطلان العقد كله.
على أن هذا الحكم لا يسرى إذا تبين من عبارات العقد ، أو من الظروف أن المتعاقدين قد اتفقا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن البعض.
المذكرة الإيضاحية
تعرف المادة 737 الصلح وتبين أركانه. فهو عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو محتملاً بنزول كل منهما عن ادعاء له. فإلى جانب أركان العقد العامة ، وهى الرضا والمحل والسب ، توجد أركان خاصة هى (أ) نزاع قائم أو محتمل (ب) ونزول عن اداعاءات متقابلة (ولفظ "ادعاءات" أدق من لفظ "حقوق" الذى ورد فى التقنين الحالى: م 533/653).
فإن لم يكن هناك نزاع قائم ، أو بالأقل نزاع محتمل ، فلا يكون العقد على الباقى ، فهذا إبراء من بعض الديون وليس صلحاً( ).
وخص المشرع بالذكر الأهلية ، فيما يتعلق بالأركان العامة ، فيشترط فيمن يعقد صلحاً أن يكون أهلاً للتصرف بعوض فى الحقوق التى يشملها عقد الصلح (م738 من المشروع وتقابل المادة 655 من التقنين المختلط).
ثم ذكر المحل والسبب ، فنص على أنه لا يجوز لصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية (كالبنوة والزوجية) أو بالنظام العام (كالصلح على الجرائم) ، فإن صلحاً مثل هذا يكون محله غير مشروع وسببه غير مشروع أيضاً ، فهو باطل. ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التى تترتب على الحالة الشخصية كالنفقة ، أو التى تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم كالتعويض (م 739 من المشروع وتوافق المادة 533/654 من التقنين) ( ).
قرر المشروع فى المادة 552 أن الصلح لا يثبت إلا بالكتابة ، وعلى هذا استقر قضاء المحاكم المختلطة (استئناف مختلط 28 أبريل سنة 1938 ب 50 ص 262) والكتابة لازمة للإثبات لا للإنعقاد ، فيجوز الإثبات باليمين والإقرار ، ولكن لا يجوز الإثبات بالبينة أو بالقرائن ولو فى صلح لا تزيد قيمته على عشرة جنيهات إلا إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة أو إذا وجد مانع يحول دون الحصول على الكتابة ، وعلة ذلك مفهومه ، فإن الصلح لحسم النزاع. فلا يجوز أن يخلق هو نزاعاً آخر قد ينشأ عن إباحة إثباته بالبينة ، والمتصالحون يحرصون عادة على إثبات ما اتفقوا عليه لحسم النزاع فى ورقة مكتوبة ، وقد يسلم أحد المتصالحين للآخر بأن له حقاً عينياً على عقار ، فيجب أن يسجل الصلح فى هذه الحالة حتى يسرى فى حق الغير ، أما فيما بين المتصالحين فيسرى دون تسجيل( ).
ويلاحظ أن لأثر الصلح خاصيتين:
(أ) فهو كاشف للحق لا منشئ له.
(ب) وهو نسبى من حيث الموضوع ومن حيث الأشخاص.
أما أنه كاشف للحق لا منشئ ، له ، فمتى ذلك أن الحق الذى اعترف به أحد المتصالحين للآخر يعتبر ثابتاً لما من وقت الصلح بل من وقت وجود السبب الذى أنشأ هذا الحق ، فإذا تنازع شخصان على أرض ومنزل كان يملكها مورث مشترك ، فاصطلحا على أن يختص أحدهما بالأرض والآخر بالمنزل ، اعتبر كل منهما مالكاً لما اختص به ، لا من وقت الصلح بل من وقت موت المورث ، وأنه قد ملك لا بالصلح بل بالميراث. والسبب فى ذلك أن الصلح إنما يتضمن إقرار كل من المتصالحين لصالح الآخر ، والإقرار يكشف الحقوق لا ينشئها ، على أنه يلاحظ أن هذا الأثر الكاشف مقصور على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها ، ففى المثال المتقدم يقتصر الأثر الكاشف على الأرض والمنزل ، فلو فرض أن المنزل قيمته أكبر من الأرض ، واقتضى الأمر أن يدفع من اختص بالمنزل معدلاً لمن اختص بالأرض ، فالصلح أثره منشئ بالنسبة للمعدل ، لأنه لم يدخل فى الحقوق المتنازع فيها ، ويترتب على أن الصلح كاشف للحق لا منشئ له نتائج أهمها اثنتان:
(أ) لا يعتبر الصلح سبباً صحيحاً لنقل الملكية ، فلو وضع فى المثال المتقدم كل من المتصالحين يده على العقار الذى اختص به وهو حسن النية مدة خمس سنوات ، ثم تبين أن المورث لم يكن يملكه ، فلا يكسب الحائز الملكية بالتقادم القصير.
(ب) يجب تسجيل الصلح لينتج أثره بالنسبة للغير ، أما فيما بين المتعاقدين فلا يجب التسجيل ، والصلح فى هذا كالقسمة( ).
وتقدم أن الصلح ينطوى على تنازل من الجانبين ، فأثره هو:
(أ) انقضاء الحقوق والادعاءات التى تنازل عنها كل من المتصالحين.
(ب) تثبيت ما اعترف به كل من المتصالحين للآخر من حقوق وحسم النزاع بينهما فى ذلك( ).
والصلح نسبى فى الموضوع فهو يقصر على الحقوق التى كانت محلاً للنزاع دون غيرها. ويجب أن تفسر عبارات التنازل التى يتضمنها الصلح بمعناها الضيق ، فإذا تضمن الصلح تنازلا عن فوائد الدين مثلاً ، فسر التنازل بأنه مقصور على ما استحق منها لا على ما يستحق( ).
الإكراه والتدليس يجعلان الصلح قابلاً للبطلان ، كما هو الحال فى أى عقد آخر ، ومن أمثلة التدليس أنه إذا تناول الصلح جميع المنازعات القائمة بين الطرفين بوجه عام ، ثم ظهرت بعد ذلك أوراق لم تكن معروفة وقت الصلح ، فلا يكون ذلك سبباً فى بطلان العقد لأن المفروض أن هذا الغلط غير جوهرى مادام الصلح يتناول جميع المنازعات القائمة لا نزاعاً معيناً بالذات. ما لم تكن هذه الأوراق قد أخفيت وكان ذلك بفعل أحد المتعاقدين ، لأن هذا يعد تدليساً مبطلا للصلح ، ويلاحظ أن الأوراق إذا أخفيت بفعل أجنبى ، فإن كان متواطئاً مع أحد المتعاقدين ، جاز أن يعتبر هذا تدليساً صادراً من المتعاقد.
أما الغبن فلا يؤثر فى الصلح ، إلا إذا تبين أن أحد المتصالحين قد استغل حاجة المتصالح الآخر أو طيشه أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه ، فيجوز الطعن فى الصلح وفقاً للمادة 179 من المشروع.
بقى الغلط ، ويجب التمييز ما بين الغلط فى فهم القانون ، وهذا لا يؤثر فى الصلح على خلاف القاعدة العامة ، والغلط فى الوقائع ، وهذا يؤثر فى الصلح ، سواء وقع فى الشخص أو فى صفته أو الشئ محل النزاع أو فى الباعث إلخ ، مادام الغلط جوهرياً.
والسبب فى أن الغلط فى فهم القانون لا يؤثر فى الصلح ، أن المتصالحين كانا وهما فى معرض المناقضة فى حقوقهما ، يستطيعان التثبت من حكم القانون فيما قام بينهما من نزاع على هذه الحقوق ، بل المفروض أنهما تثبتا من هذا الأمر ، فلا يسمع من أحد منهما بعد ذلك أنه غلط فى فهم القانون( ).
وإذا ثبت أن الصلح يشوبه البطلان لسبب من الأسباب المتقدمة ، فإنه لا يتجزأ. وبطلان جزء منه يقتضى بطلان العقد كله ، كما إذا تصالح شخص على أرض ومنزل ، ثم ظهر بعد ذلك أن هناك سندات مزورة تتعلق بالأرض هى التى دفعت المتصالح إلى الصلح عليها ، فيبطل الصلح فى الأرض والمنزل معاً ، إلا إذا تبين من عبارات الصلح أو من الظروف أن المتعاقدين قد توافقا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن بعض ، وأن الصلح قد تم على الأرض وعلى المنزل على أساس استقلال كل منهما عن الآخر( ).
الشرح و التعليق
أول مقومات الصلح هو أن يكون هناك نزاع بين المتصالحين قائم أو محتمل. فإذا كان النزاع مطروحاً على القضاء وحسمه الطرفان بالصلح ، كان هذا الصلح قضائياً ، بشرط ألا يكون قد صدر حكم نهائى فى النزاع وإلا انحسم النزاع بالحكم لا بالصلح ، ويجوز أن يكون تنفيذ الحكم النهائى محلاً للصلح. وقد يكون الصلح لتوقى نزاع محتمل ، ومن ثم يكون فى هذه الحالة صلحاً غير قضائى.
ويجب أن يقصد الطرفان الصلح حسم النزاع بينهما ، بإنهائه إذا كان قائماً ، وإما بتوقيه إذا كان محتملاً.
ولكن ليس من الضرورى أن يحسم الصلح جميع المسائل المتنازع فيها بين الطرفين ، فقد يتناول الصلح بعض هذه المسائل فيحسمها ويترك الباقى للمحكمة تتولى هى البت فيه.
ويجب فى الصلح أن ينزل كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه ، وليس من الضرورى أن تكون التضحية من الجانبين متعادلة ، فقد ينزل أحد الطرفين عن جزء كبير من ادعائه ، ولا ينزل الآخر إلا عن الجزء اليسير. ففى التسليم بحق الخصم وفى ترك الدعوى (الخصومة) ، إذا قبل الطرف الآخر أن يتحمل فى مقابل ذلك بمصروفات الدعوى ، كان هذا صلحاً مهما كانت تضحية الطرف الآخر قليلة بالنسبة إلى تضحية الطرف الأول. بل قد يعمد شخص إلى الصلح مع خصمه حتى يتفادى التقاضى بما بجر من إجراءات معقدة وما يجسم من مصروفات باهظة وما يستغرق من وقت طويل حتى ، أو حتى يتفادى علانية الخصومة والتشهير فى أمر يؤثر كتمانه فينزل عن جزء من ادعائه لهذا الغرض حتى يسلم له الخصم بباقى حقه ، فيحصل عليه فى يقين ويسر أو فى سكون وتستر.
ويتميز الصلح عن التحكيم فى أن الذى يبت فى النزاع هم المحكمون أما فى الصلح فهم أطراف الخصومة أنفسهم ، والتحكيم لا يقتضى تضحية من الجانبين على خلاف الصلح ، إذ المحكمون كالقضاة يحكمون لمن يرون أن له حقاً بحقه كله.
ويختلف الصلح عن التسليم بالحق وعن ترك الادعاء ، فى أن الصلح يقتضى حتماً تضحية من الجانبين. أما التسليم بالحق وترك الادعاء فيتضمنان تضحية من جانب واحد هو الجانب الذى سلم بحق الخصم أو ترك الادعاء.
ويختلف الصلح عن توجيه اليمين الحاسمة فى أن الصلح يتضمن تضحية من الجانبين ، أما توجيه اليمين الحاسمة فلا يتضمن إلا تضحية من جانب واحد هو الجانب الذى وجه اليمين ، إذ يكسب الجانب الآخر الذى يحلف اليمين كل ما يدعيه.
والقاضى هو الذى يكيف الاتفاق بأنه صلح أو بأنه عقد آخر ، وفقاً لعناصر الصلح ، ولا يتقيد فى ذلك بتكييف الخصوم ، فقد يسمى الخصوم الصلح باسم عقد آخر أو يسمون عقداً آخر باسم الصلح. وقاضى الموضوع هو الذى يبت فى وجود عناصر الصلح من حيث الواقع ، فيقرر ما إذا كان هناك نزاع قائم أو محتمل ، وما إذا كانت نية الطرفين حسم النزاع ، وما إذا كانت هناك تضحية من الجانبين فتتوافر بذلك عناصر الصلح ولا معقب عليه فى ذلك من محكمة النقض. أما وجوب توافر هذه العناصر جميعاً ليكون العقد صلحاً فهذه مسألة قانون لا يستقل بها قاضى الموضوع عناصر الصلح أو استظهرها ولكنه أخطأ فى تكييفها القانونى فإن حكمه يكون قابلاً للنقض.
والصلح عقد من عقود التراضى ، فلا يشترط فى تكوينه شكل خاص ، بل يكفى توافق الإيجاب والقبول لقيام الصلح ، وأن الكتابة لإثبات الصلح لا لإنعقاده.
وهو عقد ملزم للجانبين ، وهو عقد معاوضة ، وهو عقد كاشف للحقوق لا منشئ لها ، وأنه غير قابل للتجزئة فبطلان جزء منه يقتضى بطلان العقد كله.
ولابد من وكالة خاصة فى الصلح ، فلا يجوز للمحامى أن يصالح على حقوق موكله ما لم يكن الصلح منصوصاً عليه فى عقد التوكيل (م 702/1 مدنى).
ولا يجوز للمحكمة التصديق على الصلح إلا بحضور الخصمين ، لأن القاضى إنما يقوم بمهمة الموثق ، ولا يجوز للمحكمة التصديق على الصلح إلا بحضور الخصمين ، فإذا غب أحد الطرفين امتنع على القاضى التصديق على الصلح حتى لو كان الطرف الغائب قد قبل التصديق على الصلح فى غيبته ، ولكن ذلك لا يمنع من اعتبار محضر الصلح الموقع عليه من الطرف الغائب سنداً يصح الحكم بمقتضاه. وإذا حضر الطرفان وعدل أحدهما عن الصلح لم يجر للقاضى التصديق عليه ، ويعتبر القاضى الصلح الذى عدل عنه أحد الطرفين ورقة من أوراق الدعوى يقدر قيمتها بحسب الظروف ويعتبر هذا الصلح القضائى ، أو الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح بمثابة ورقة رسمية ، أى بمثابة سند واجب التنفيذ لتصديق القاضى عليه ، ولكنه لا يعتبر حكماً ، فهو لا يخرج عن كونه عقداً تم بين الخصمين ، ويجوز لكل منهما الطعن فيه ، ولكن ذلك لا يكون بالطرق المقررة للطعن فى الأحكام لأنه لا يعتبر حكماً ، وإنما يكون طريق الطعن فيه بدعوى أصلية فيجوز لكل من الطرفين أن يطلب فى دعوى أصلية إبطال الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح لنقص فى الأهلية ، أو لغلط فى الواقع ، أو لتدليس ، أو لغير ذلك من أسباب البطلان. على أنه يجوز أخذ اختصاص بموجب هذا الحكم بنص خاص هو نص المادة 1087 مدنى وليس كنص المادة 1085 مدنى( ).
ويتبين من نص المادة 550 مدنى أن الأهلية الواجب توافرها فى كل من المتصالحين هى أهلية التصرف بعوض فى الحقوق التى تصالحاً عليها ، لأن كلاً منهما ينزل عن جزء من ادعائه فى نظير نزول الآخر عن جزء مقابل ، والنزول بمقابل فى حق مدعى به هو تصرف بعوض.
فإذا بلغ الإنسان الرشد ولم يحجر عليه ، كانت له أهلية كاملة فى الصلح على جميع الحقوق.
إلا أن قانون الولاية على المال رقم 119 لسنة 1952 قد أجاز لمن كان قاصراً أن يطلب إبطال المخالصة أو التعهد الصادرة منه للوصى إذا صدرت منه خلال سنة من تاريخ تقديم الوصى لحساب (م 52 منه) ، ومرجع الإبطال ليس لنقص الأهلية ولكن إلى أن المشرع أقام قرينة قانونية - لا تقبل إثبات العكس على أن التعامل فى هذه الأحوال إنما يتم تحت الضغط والإكراه أى إلى عيب فى الإرادة وهو الإكراه المفترض لا إلى نقص فى الأهلية ، إلا أن دعوى الإبطال هنا تعتبر من الدعاوى المتعلقة بأمور الوصاية فلا تسقط إلا بمضى خمس سنوات (م 53 ق 119 لسنة 1952) بخلاف دعوى الإبطال للإكراه التى تسقط بمضى ثلاث سنوات نم تاريخ انقطاع الإكراه أو خمس عشرة سنة من تاريخ تمام العقد (م 140 مدنى) وهذا الحكم ينطبق على تعهد أو تخالص من كان محجوراً عليه.
أما الصبى المميز والمحجور عليه فالأصل أنه ليست لأيهما أهلية التصرف فى أمواله ، ولا يملك الصلح على الحقوق ، ولكن ذلك جائز للولى على الصبى إذا كان هو الأب بشرط الحصول على إذن المحكمة إذا كان محل الصلح عقاراً أو محلاً تجارياً أو أوراقاً مالية تزيد قيمتها (م 7 ق 119 لسنة 1952) ، أما الولى أو الوصى فيجوز لهما بشرط إذن المحكمة مطلقاً ، إلا فيما قل عن مائة جنيه بالنسبة للوصى وحده فيما يتصل بأعمال الإدارة. والمحجور عليه فى ذلك كالصبى المميز ، وولاية القيم فى الصلح على مال المحجور عليه كولاية الوصى فى مصلح على مال القاصر.
على أنه يجوز للصبى المميز البالغ 18 سنة والمأذون له فى تسلم أمواله أن يعقد صلحاً فى حدود أعمال الإدارة التى هو أهل لها (م 57 ق 119 لسنة 1952) وكذلك فللصبى المميز البالغ 16 عاماً أهلية التصرف فيما يكسب من أجر وغيره فله أن يصالح فيه (م 63 ق 119 لسنة 1952) ، وللصبى المميز أياً كانت سنة أهلية التصرف والتصالح فيما يسلم له أو يوضع تحت تصرفه من مال لأغراض نفقته (م 61 ق 119 لسنة 1952).
أما الصبى غير المميز فلا يملك الصلح ولا التعاقد بتاتاً لانعدام إرداته ، ويملك ذلك عنه وليه أو وصية فى الحدود السابق بيانها بالنسبة للصبى المميز.
ويجب أن يكون رضا المتصالحين خالياً من العيوب ، فيجب ألا يكون رضا منهما مشوباً بغلط أو بتدليس أو بإكراه أو باستغلال ، شأن الصلح فى ذلك شأن سائر العقود ، وإلا جاز إبطال الصلح وفقاً للقواعد العامة ، بالنسبة لهذه العيوب. أما الغلط فله فى الصلح أهمية خاصة نصت على أحكامها المادة 556 مدنى على ما سيجئ( ).
ويجب أن يكون محل الصلح موجوداً ، وممكناً ، ومعيناً أو قابلاً للتعيين وبوجه خاص يجب أن يكون مشروعاً ، فلا يجوز أن يكون مخالفاً للنظام العام.
وتعتبر الحالة الشخصية والأهلية من النظام العام (م 148 مدنى) ، فليس لأحد النزول عنها أو التعديل فى أحكامها ، فلا يجوز أن يتصالح مع آخر على بنوته منه بنفى أو بإثبات ، أو على صحة الزواج أو بطلانه ، أو على الإقرار بالجنسية أو نفيها أو على تعديل أحكام الولاية والوصاية والقوامة أو على حق الحضانة ، كما لا يجوز الصلح على الأهلية.
ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التى تترتب على الحالة الشخصية ، فيجوز للمطلقة النزول عن نفقة العدة وعن مؤخر الصداق ، ويجوز للوارث أن يتخارج مع بقية الورثة على نصيبه فى الميراث ، لا أن يصالح على صفته كوارث.
ويجوز الصلح كذلك على المصالح المالية التى تترتب على الأهلية ، فيجوز للقاصر بعد بلوغه سن الرشد أن يصالح من تعاقد معه وهو قاصر على إجازة العقد بشروط معينة.
ولا يجوز الصلح على الجريمة لا مع النيابة العامة ولا مع المجنى عليه ، لأن الدعوى الجنائية من حق المجتمع وهى من النظام العام فلا يجوز الصلح عليها.
ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التى تنشأ من ارتكاب الجريمة ، فيجوز الصلح على حق التعويض المدنى.
وإذا كاز الصلح بين المسئول والمجنى عليه على التعويض المدنى ، فإنه لا يجوز الصلح فيما بين المسئولين المتعددين على تحديد مسئولية كل منهم فى مواجهة المجنى عليه ، فتحديد هذه المسئولية من النظام العام ولا يجوز الصلح عليه.
ولا يجوز الصلح على الضرائب والرسوم المستحقة ، ولا على الأحكام المتعلقة بإيجار الأماكن المتعلقة بالأجهزة. ولا على المسائل المتعلقة بقانون الإصلاح الزراعى المتعلقة بتحديد الحد الأقصى للآجرة الزراعية ، ولا على أحكام إصابات العمل ، ولا على كثير من المسائل المتعلقة بعقد العمل الفردى. لتعلق هذه المسائل كلها بالنظام العام.
ولا يجوز الصلح على الفوائد الربوية ، وجاز المدين أن يسترد ما دفعه زائداً ولا يجوز الصلح على الأموال العامة للدولة ، فهذه تخرج عن التعامل.
ولا يجوز الصلح على بطلان التصرفات الراجع إلى النظام العام ، فلا يجوز الصلح على دين قمار أو دين سببه أو دين سببه مخالف للآداب أو تعامل فى تركه مستقبلة ، ولكن يجوز الصلح على إجازة عقد قابل للإبطال.
أما بالنسبة للسبب فى عقد الصلح ، فإن أنصار النظرية التقليدية فى السبب يذهبون إلى أن السبب فى عقد الصلح هو الغرض المباشر الذى من أجله التزم المدين ، فيكون سبب التزام كل متصالح هو نزول المتصالح الآخر عن جزء من ادعائه. وعلى هذا الوجه يختلط السبب بالمحل فى عقد الصلح اختلاطاً تاماً.
ومن الفقهاء من يجعل السبب فى عقد الصلح هو حسم نزاع قائم أو محتمل ، فإذا لم يكن هناك نزاع ، أو كان النزاع قد حسمه حكم نهائى ، فالصلح يكون باطلاً لانعدام السبب. ويعتبر هؤلاء الفقهاء وجود النزاع هو السبب الفنى للصلح يميزه عن غيره من العقود. بينما يرى الدكتور عبدالرازق السنهورى أن وجود النزاع بين المتصالحين هو من مقومات الصلح وليس سبباً له ، فالصلح لا يقع إلا على نزاع قائم أو محتمل وإلا لم يكن العقد صلحاً ، ومن ثم يكون النزاع محلاً لعقد الصلح لا سبباً له ، والأدق أن يقال إن محال الصلح هو الحق المتنازع فيه.
والصحيح فى نظر الدكتور السنهورى أن السبب فى عقد الصلح هو السبب الذى تقول به النظرية الحديثة وهو الباعث الدافع للمتصالحين على إبرام الصلح.
فهناك من يدفعه إلى الصلح خشيته أن يخسر دعواه ، أو عزوفه عن التقاضى بما يستبع من إجراءات طويلة ومصروفات كثيرة ، أو خوفه من العلانية والتشهير ، وهناك من يكون الدافع له على الصلح الإبقاء على صلة الرحم ، أو صداقة قديمة ، أو الحرص على استبقاء عميل له مصلحة فى استبقائه. وكل هذه بواعث مشروعة ، فالصلح أن يكون سببه باعثاً من هذه البواعث يكون مشروعاً.
أما الصلح الذى يكون الدافع إليه سبباً غير مشروع ، فإنه يكون باطلاً. ومن ثم إذا صالح شخص امرأة للمحافظة على علاقة بها آثمة أو صالح شخص آخر على نزاع متعلق بإيجار دار حتى يتمكن من إدارتها للعمارة ، أو حتى يتمكن من إدارتها للمقامرة ، فكل هذه البواعث غير مشروعة ، ومتى كان الطرف الآخر على علم بها ، فإن الصلح يكون باطلاً لعدم مشروعية السبب( ).
محل الصلح أو موضوعه حق منازع فيه ، أو حق مشكوك فيه كما يرى الفقه الفرنسى أن يسميه. والقاعدة أن الصلح يرد على أى نزاع سواء تعلق بوجود الحق أو بصحته أو ثار فى أوصافه أو مده ، وسواء أكان هذا الحق عينياً أو شخصياً منقولاً أو عقارياً إنما يجب أن يكون قابلاً للتعامل فيه أى مشروعاً (م 551 مدنى). هذه القاعدة المقررة فى المادة 551 مدنى الخاصة بعقد الصلح إنما هى مجرد تطبيق للقواعد العامة الواردة فى المادة 135 مدنى.
والحالة وهى مجموع الصفات التى تحدد مركز الشخص فى الأسرة والدولة وتميزه عن غيره من الناس ، تخرج بطبيعتها عن دائرة التعامل وبالتالى لا يصح أن تكون محلاً لإنفاق الأفراد ، ولأن القانون يرتب عليها آثاراً هامة لا تقتصر على الفرد وحده ، فقد جعلها بمنأى عن سلطان هذا الأخير ، فلا يجوز الصلح فى المنازعات المتعلقة بالولاية والوصاية أو الحضانة ، كما يقع باطلاً كل صلح يرد على المنازعات الخاصة بالبنوة أو الأبوة أو صفة الوارث أو طلب الحجر على سفيه أو دعوى الطلاق المرفوعة من الزوجة.
وما بطلان الصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة فى الواقع إلا جزء من بطلان الصلح فى المسائل المتصلة بالنظام العام ، والأمثلة على المسائل الأخيرة كثيرة ، فيكون باطلاً الصلح الذى يكون محله فوائد فاحشة إذا استبقى الفوائد الربوية أو جزءاً منها ، أو يكون موضوعه إيجار أرض زراعية إذا أبقاها زائدة عن الحد الأقصى المقرر قانوناً .
ولا يجوز أن يتضمن الصلح التزام أحد المتصالحين بمعاملة الآخر دون غيره على وجه الدوام لمخالفة هذا الالتزام لحرية التجارة.
ولا يجوز الصلح على عقد باطل كدين قمار ، أو هبة لخليلة ، أو بيع منزل يدار للدعارة. فالاتفاق الباطل لا يكون محلاً للصلح كما لا يكون موضوعاً للإجازة وعلى العكس من ذلك يجوز الصلح عن البطلان النسبى بعد زوال سبب العيب الذى يعتور التصرف الذى يلحقه.
ولا يجوز الصلح عن جريمة ، فالدعوى العمومية ليست ملكاً للمجنى عليه بل صاحبتها هى الهيئة الاجتماعية. ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التى تترتب على الحالة الشخصية أو التى تنشأ عن ارتكاب الجرائم ، لأن الحقوق المالية التى تنجم عن الحالة أو التى تنتج من ارتكاب الجريمة لا تتعلق إلا بمصالح خاصة ، فيجوز أن يحدد النفقة صلح بين الدائن والمدين بها ، كما يجوز أن يتراضى الجانى والمجنى عليه على مبلغ تعويض ما أصابه من ضرر بسبب الجريمة ويتنازل بذلك عن دعواه المدنية.
ويختلط السبب فى عقد الصلح بالمحل اختلاطاً تاماً كما هو الشأن فى كل العقود الملزمة للجانين.
والدوافع إلى الصلح كثيرة متنوعة ، فهذا يصالح عزوفاً عن اللجوء إلى القضاء على ما فيه من عناء ومشقة ، وذاك يصالح ضناً بعلاقات عائلية أن تذاع ، وثالث يصالح إبقاء على صلة رحم أو قربى ، ورابع يصالح مراعاة لواجب الاعتراف بالجميل لخصمه ، وغيره يصالح حرصاً على مصلحة له عند عميل. فإذا كان الباعث الدافع أو الباعث المستحث مخالفاً للنظام العام أو الآداب كحفظ علاقة آثمة كان الصلح باطلاً ، ومصدر البطلان هو المادة 136 مدنى حتى لو كان محل الصلح جائزاً قانوناً طبقاً للمادة 551 مدنى( ).
ومؤدى الفصلين 1462 و 1463 من التقنين المدنى التونسى( ) أنه لا يجوز الصلح فى الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية أو بالنظام العام ولا فى غيرها من الحقوق الخاصة بذات الإنسان والخارجة عن التعامل لكنه يجوز فى الحقوق المالية الناشئة عن أمر يتعلق بالأحوال الشخصية أو عن جريمة.
ما لا يجوز أن يكون موضوع عقد تعارض بين المسلمين لا يجوز فيه الصلح
وكان القضاء المختلط - فى مصر - قد استقر على وجوب الكتابة لإثبات الصلح لأسباب ترجع إلى أن الصلح يتضمن عادة شروطاً واتفاقات معقدة ، إذ هى ثمرة المساومات الطويلة والأخذ والرد ، فإذا اعتمدنا فى إثباتها على شهادة الشهود ، فإن ذاكرة الشهود قد لا تعى كل ذلك. هذا ، إلى أن الصلح قد شرع لحسم النزاع فلا يجوز أن يخلق هو نزاعاً آخر قد ينشأ عن إباحة إثباته بالبينة ، وإلى أن المتصالحين يحرصون عادة على إثبات ما اتفقوا عليه لحسم النزاع فى ورقة مكتوبة.
وقد قنن التقنين المدنى الجديد القضاء المختلط فى هذا الصدد ، فأوجب أن يكون إثبات الصلح بالكتابة للاعتبارات المتقدمة حتى لو زادت قيمة أصلح على عشرين جنيهاً.
والكتابة لا تلزم إلا لإثبات الصلح فهى غير ضرورية لانعقاده ، لأن الصلح من عقود التراضى. فإذا لم توجد كتابة لإثبات الصلح ، جاز إثبات إثباته بالإقرار وباليمين ، ويجوز استجواب الخصم لاحتمال أن يقر الصلح.
كذلك يجوز إثبات الصلح ولو زادت قيمته على عشرين جنيهاً مصرياً ، إذا وجد مانع مادى أو أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابى أو إذا فقد السند الكتابى الذى كان معداً من قبل بسبب أجنبى ، أو إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة ، أو إذا تعلق بنزاع تجارى ، ففى المسائل التجارية يجوز الإثبات بجميع الطرق أياً كانت القيمة.
وفى الأحوال التى يجب فيها إثبات الصلح بالكتابة تكفى ورقة عرفية للإثبات ومن باب أولى يكفى لإثبات الصلح المحضر الرسمى الذى تدون فيه المحكمة الصلح الواقع بين الخصوم ، فإن المحضر الرسمى حجة بما جاء فيه إلى أن يطعن فيه بالتزوير( ).
ويخلص من نص المادة 554 مدنى أن الأثر الكاشف للصلح مقصور على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها ،ة فإذا شمل الصلح حقوقاً غير متنازع فيها - وهو ما يسمى بدل الصلح - كان الأثر ناقلاً لا كاشفاً.
ومعنى أن للصلح أثراً كاشفاً بالنسبة إلى الحقوق المتنازع فيها أن الحق الذى يخلص للمتصالح بالصلح يستند إلى مصدره الأول لا إلى الصلح. فإذا اشترى شخصان دارا فى الشيوع ، ثم تنازعاً على نصيب كل منهما فى الدار ، وتصالحاً على أن يكون لكل منهما نصيب معين ، اعتبر كل منهما مالكاً لهذا النصيب لا بعقد الصلح بل بعقد البيع الذى اشتريا به الدار فى الشيوع ، واستند بذلك حق كل منهما إلى مصدرة الأول لا إلى الصلح.
وتذهب النظرية التقليدية فى تعليل هذا الأثر الكاشف إلى أن الصلح هو إقرار من كل من المتصالحين لصاحبه ، والإقرار إخبار لا إنشاء فهو يكشف عن الحق لا ينشئه.
وتذهب النظرية الحديثة فى تفسير الأثر الكاشف إلى أن المتصالح فى الواقع من الأمر لا يقر لصاحبه ، وإنما هو ينزل عن حق الدعوى فى الجزء من الحق الذى سلم به ، فهذا الجزء من الحق قد بقى على وضعه الأول دون أن يتغير ، وإنما الصلح قد حسم النزاع فيه فخلص لصاحبه. ومن ثم يكون للصلح أثران ، فهو قاض على النزاع من حيث خلوص الحق ، وهو كاشف عن الحق من حيث بقاء الحق على وضعه الأول.
النتائج المترتبة على الأثر الكاشف للصلح :
1- لا يعتبر المتصالح متلقياً الحق المتنازع فيه من المتصالح الآخر ، ولا يكون خلفاً له فى هذا الحق ، ومن ثم لا يستطيع فى مواجهة الغير أن يستعين بمستندات الطرف الآخر. فإذا خلصت لأحد المتصالحين ملكية دار ، ثم نازعه أجنبى غير المتصالح معه فى هذا الدار ، لم يستطع وهو يتمسك بالتقادم فى مواجهة هذا الأجنبى أن يضم مدة حيازة المتصالح الآخر إلى مدة حيازته.
2- لا يلتزم المتصالح الآخر بضمان الحق المتنازع فيه الذى خلص للمتصالح الأول ، لأنه لم ينقل إليه هذا الحق ، والالتزام بالضمان لا يكون إلا مكملاً للالتزام بنقل الحق.
3- إذا صالح الدين بعقد المدين على أن ينزل له على جزء من الدين المتنازع فيه فى نظير أن يدفع له المدين الباقى ، فالدائن لا يزال فى الباقى الذى خلص له دائناً بالعقد ، فلم يتجدد الدين بالصلح ، ومن ثم تبقى التأمينات التى كانت للدين المتنازع فيه ضامنة للباقى من الدين الذى خلص للدائن بالصلح.
4- إذا وقع الصلح على حق عينى عقارى ، لم يكن تسجيله واجباً فيما بين المتصالحين ، وإنما يجب التسجيل للاحتجاج به على الغير.
5- إذا وقع الصلح على دين متنازع فيه فى ذمة الغير ، مخلص هذا الدين بالصلح لأحد المتصالحين ، لم يعتبر هذا المتصالح متلقياً للدين من المتصالح الآخر فلا تراعى هنا الإجراءات الواجبة فى حوالة الحق.
6- لما كان الصلح غير ناقل الحق ، فإنه لا يصلح سبباً صحيحاً للتملك بالتقادم القصير. فلو أن عقاراً متنازعاً فيه بين شخصين خلص لأحدهما بالصلح ، فوضع هذا يده على العقار بحسن نية خمس سنوات ، ثم ظهر مستحق للعقار ، لم تستطع واضع اليد أن يتمسك بالتقادم القصير ، لأن الصلح ليس سبباً صحيحاً إذ هو كاشف عن الحق لا ناقل له ، ولكن يجوز لواضع اليد أن يتمسك بالتقادم الطويل إذا وضع يده خمس عشرة سنة.
7- إذا خلص عقار لأحد المتنازعين فيه بالصلح ، فإن الصلح وهو كاشف عن الحق لا يفتح الباب للأخذ بالشفعة ، فلا يجوز لجار أو شريك أو شريك فى الشيوع أن يطلب أخذ العقار بالشفعة. هذا إلى أن الشفعة لا تجوز إلا فى البيع ، فإذا أثبت الشفيع أن الصلح يخفى بيعاً جاز له الأخذ بالشفعة.
وللصلح - كسائر العقود - أثر نسبى ، فهو مقصور على المحل الذى وقع عليه ، وعلى الطرفين اللذين وقع بينهما ، وعلى السبب الذى وقع من أجله. وهو فى هذا يشبه الحكم ، فإن الحكم لا يكون حجة إلا عند اتحاد المحل والخصوم والسبب ، ولكن الأثر النسبى للصلح يرجع إلى أنه عقد ، لا إلى قياسه على الحكم( ).
وتفسير الصلح منوط بقاضى الموضوع الذى عليه أن يستخلص من عبارات العقد ، ومختلف الظروف التى أحاطت بإبرامه إرادة المصالحين التى يؤخذان بها ، وهو فى هذا بمنجاة من محكمة النقض مادام استخلاصه مقبولاً وتحتمله عبارات الصلح وملابساته. على أن تفسير هذا العقد محكوم بمبدأ التضييق فيه ، لأن الصلح يتضمن تنازلاً متبادلاً من طرفيه ، والتنازل لا يفترض وغير جائز التوسع فيه ، وقد نصت المادة 555 مدنى على ذلك ، هذا النص يقرر قاعدتين يتضمنها المبدأ السالف الذكر ، فيجب من ناحية أن تفسر عبارات التنازل التى يتضمنها الصلح بمعناها الضيق ، فإذا تضمن الصلح تنازلاً عن فوائد الدين فسر التنازل بأنه مقصور على ما استحق منها لا على ما سيستحق. ويجب من ناحية أخرى أن يقصر الصلح على المنازعات التى قصد المصالحان أن تكون موضوعاً له دون غيرها ، ويتعين فى تحديد هذه الإرادة الرجوع إلى الحالة التى كانت قائمة بينهما وقت إبرام العقد؛ فإذا نص فيه على أن أحد المصالحين قد تنازل عن كل ما له من حقوق وادعاءات قبل الآخر ، لا يمتد الصلح رغم ذلك إلا إلى الحقوق التى واجهاها وقت التعاقد وجعلا منها موضوعاً له ، ولا يشمل ما لم يكونا قد توقعاه فى ذلك الوقت. فالصلح الذى نص فيه على أن المصالحين قد سويا نهائياً جميع ما بينهما من حساب يجب أن يقتصر على ما قصدا حسمه من نزاع ، ولا يمكن أن يمتد إلى العلاقات الأخرى التى كانت بينهما وظلت خارجة عن موضوع العقد. كما أن استعمال العاقدين عبارة: (البراءة العامة) فى مخالصة بعد أن حصروا موضوع التخالص وحدوده فيما هو مبين بالقائمة المرفقة بها ، إنما يفيد عموم البراءة فى نوع الحقوق التى كانت هى الغرض الوحيد من التعاقد ، ولا يجوز أن تتعدى إلى غيرها ، ما لم تتجه إليه أفكار المتعاقدين ولم يذكروا عنه شيئاً فى اتفاقهم لا تصريحاً ولا تلميحاً.
وفى مصر رأت بعض المحاكم أن الصلح لا يحسم المنازعة القائمة فقط وقت إبرامه ، بل يحسم أيضاً كل نزاع يثار فى المستقبل متى كان هذا النزاع ناشئاً فى الدعوى نفسها التى حصل فيها الصلح ، وذلك تحقيقاً لما قصده المتعاقدان. فإذا تنازلت وارثة فى عقد الصلح عن باقى حقوقها الآيلة لها بالميراث الشرعى عن والدها ، لا يجوز لها المطالبة بريع الأطيان التى استولت عليها مقابل هذا التنازل ، لأن هذا الريع هو من باقى حقوقها الآيلة لها بالميراث الشرعى عن والدها التى تنازلت عنها بمحضر الصلح ، فضلاً عن أن الريع تابع للنزاع فى الملكية الذى حسمه الصلح ، والفرع يتبع الأصل( ).
ونصت المادة 556 مدنى استثناء صريح من القواعد العامة ، ذلك أن القواعد العامة تقضى بأن الغلط فى القانون كالغلط فى الواقع يجعل العقد قابلاً للإبطال ، فقد نصت المادة 122 مدنى على أن: "يكون العقد قابلاً للإبطال لغلط فى القانون ، إذا توارت فيه شروط الغلط فى الواقع طبقاً للمادتين السابقتين ، هذا ما لم يقض القانون بغيره" ، على حين تقضى المادة 556 مدنى بغير ما تقضى به القواعد العامة ، وبأن الغلط فى القانون فى عقد الصلح لا يجعل الصلح قابلاً للإبطال.
وإذا وقع فى الصلح غلط فى الحساب (فى المجموع) ، وكان الغلط مشتركاً بين المتصالحين فلا يبطل الصلح لهذا الخطأ ، بل يجب تصحيحه.
وكالغلط فى الحساب غلطات القلم (اسم أحد المتصالحين) فيجب تصحيح هذا الخطأ ووضع الإسم الصحيح مكان الإسم الخاطئ ، ولا يبطل الصلح لهذا الغلط.
أما الغلط فى الواقع فى عقد الصلح فيخضع للقواعد العامة ، ويكون سبباً لإبطال الصلح إذا كان جوهرياً أى بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام الصلح ولو لم يقع فى هذا الغلط ، وكان المتعاقد الآخر قد وقع مثله فى هذا الغلط أو كان على علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه (م 120 و 121 مدنى) ( ).
أما بالنسبة للغلط فإن الشراع قد أورد استثناء من المبادئ العامة فى المادة 556 مدنى أنه : لا يجوز الطعن فى الصلح بسبب غلط فى القانون" ، خلافاً للقاعدة العامة التى تقضى بأن الغلط فى القانون كالغلط فى الوقائع يفسد الرضاء ويجعل التصرف مشوباً ببطلان نسبى.
فالغلط فى الوقائع وحده هو الذى يؤثر فى عقد الصلح. والأمثلة على ذلك أن يكون الصلح قد أبرم تنفيذاً لسند باطل وكان أحد العاقدين يجعل هذا البطلان بسبب غلط مادى ، ومنها أن يكون الصلح قد بنى على أوراق ثبت بعد إبرامه أنها مزورة ، ومنها أن يكون موضوعه نزاعاً سق أن صدر بشأنه حكم نهائى يجهله الطرفان أو أحدهما ، ومنها أ ، يظهر بعد الصلح أوراق تثبت أن أحد المتصالحين لم يكن له حق فيما يدعيه.
وقد ورد الاستثناء المنصوص عليه فى المادة 556 مدنى فى القانون الفرنسى.
ومهما يكن من أمر هذا النص (م 556 مدنى) فإنه يتضمن حكماً استثنائياً يجب التضييق فى تفسيره. لذلك نرى فى مجال تطبيقه أن يكون الغلط متعلقاً بالقانون وحده ، أما إذا كان مزدوجاً بغلط فى الوقائع ، أو أنه مؤسس على مثل هذا الغلط ، يجب تطبيق القاعدة العامة المقررة فى المادة 120 مدنى( ).
وعدم تجزئة الصلح عند بطلانه ليس مقصوراً على البطلان بسبب الغلط ، بل هو يشمل جميع وجوه البطلان ، فقد يكون الصلح قابلاً للإبطال لنقص الأهلية أو للتدليس أو للإكراه أو للاستغلال ، وقد يكون الصلح باطلاً لعدم مشروعية المحل أو عدم مشروعية السبب. فأيا كان سبب الإبطال أو البطلان ، فإن الصلح إذا أبطل أو قضى ببطلانه ، وكان يشتمل على أكثر من أمر واحد ، فالأصل أن بطلان جزء منه يقتضى بطلان جميع الأجزاء. ولكن هذه القاعدة ليست من النظام العام ، فيجوز أن تتجه نية المتعاقدين صراحة أو ضمناً إلى اعتبار أجزاء الصلح بعضها مستقلاً عن بعض ، فإذا أبطل جزء منه بقيت الأجزاء الأخرى قائمة ، لأنها مستقلة عن الجزء الباطل ، وبذلك يتجزأ الصلح طبقاً لإرادة المتعاقدين.
وإذا تم لصلح بين عدة أطراف بينهم قاصر ، وطلب القاصر إبطال الصلح لنقص الأهلية فأبطل ، فإن الصلح يبطل أيضاً بالنسبة إلى من يلغوا من الرشد ما لم يكن هؤلاء قد قصدوا أن يكون الصلح بالنسبة إليهم مستقلاً عنه بالنسبة إلى القاصر ، فيسقط الصلح بالنسبة إلى القاصر ويبقى قائماً بالنسبة إليهم. فإذا أصيب ثلاثة فى حادثة واحدة وكان أحدهم قاصراً ، وتصالح الثلاثة مع المسئول على مبلغ معين يتقاسمونه بالتساوى ، ثم طلب القاصر إبطال الصلح ، أبطل بالنسبة إليه وحده ، وبقى قائماً بالنسبة إلى الإثنين ليس مرتبطاً بصلح القاصر.
وإاذ تم الصلح بين الجانى والمجنى عليه على مبلغ معين من المال يعطيه الأول للثانى فى مقابل أن ينزل المجنى عليه عن الدعوى الجنائية والدعوى المدنية ، وكان المقصود من الصلح ربط الدعويين إحداهما بالأخرى والنزول عنهما معاً ، كان الصلح باطلاً فيما يتعلق بالدعوى الجنائية لمخالفته للنظام العام ، ويسقط أيضاً فيما يتعلق بالدعوى المدنية لارتباط هذا الجزء بالجزء الأول. أما إذا تبين أن قصد الطرفين لم يكن ربط الدعويين إحداهما بالأخرى ، وأن جزءاً معيناً من المال خصص للنزول عن الدعوى المدنية مستقلة عن الدعوى الجنائية ، بطل الصلح فيما يتعلق بالدعوى الجنائية ، وبقى قائماً فيما يتعلق بالدعوى المدنية ( ).
نصت المادة 549 من القانون المدنى على أن : الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً ، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه.
ونصت المادة 550 من القانون المدنى على أن : يشترط فيمن يعقد صلحاً أن يكون أهلاً لتصرف بعوض فى الحقوق التى يشملها عقد الصلح.
ونصت المادة 551 من القانون المدنى على أن : لا يجوز الصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ، ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التى تترتب على الحالة الشخصية ، أو التى تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم.
ونصت المادة 552 من القانون المدنى على أن : لا يثبت الصلح إلا بالكتابة أو بمحضر رسمى
ونصت المادة 553 من القانون المدنى على أن : تنحسم بالصلح المنازعات التى تناولها.
ويترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التى نزل عنها أى من المتعاقدين نزولاً نهائياً.
ونصت المادة 554 من القانون المدنى على أن : للصلح أثر كاشف بالنسبة إلى ما تناوله من الحقوق ، ويقتصر هذا الأثر على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها.
ونصت المادة 555 من القانون المدنى على أن : يجب أن تفسر عبارات التنازل التى يتضمنها الصلح تفسيراً طبقاً ، وأياً كانت تلك العبارات فإن التنازل لا ينصب إلا على الحقوق التى كانت وحدها بصفة جليلة محلاً للنزاع الذى حسمه لصالح.
ونصت المادة 5560 من القانون المدنى على أن : لا يجوز الطعن فى الصلح بسبب غلط فى القانون.
ونصت المادة 557 من القانون المدنى على أن : الصلح لا يتجزأ ، فبطلان جزء منه يقتضى بطلان العقد كله.
على أن هذا الحكم لا يسرى إذا تبين من عبارات العقد ، أو من الظروف أن المتعاقدين قد اتفقا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن البعض.
المذكرة الإيضاحية
تعرف المادة 737 الصلح وتبين أركانه. فهو عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو محتملاً بنزول كل منهما عن ادعاء له. فإلى جانب أركان العقد العامة ، وهى الرضا والمحل والسب ، توجد أركان خاصة هى (أ) نزاع قائم أو محتمل (ب) ونزول عن اداعاءات متقابلة (ولفظ "ادعاءات" أدق من لفظ "حقوق" الذى ورد فى التقنين الحالى: م 533/653).
فإن لم يكن هناك نزاع قائم ، أو بالأقل نزاع محتمل ، فلا يكون العقد على الباقى ، فهذا إبراء من بعض الديون وليس صلحاً( ).
وخص المشرع بالذكر الأهلية ، فيما يتعلق بالأركان العامة ، فيشترط فيمن يعقد صلحاً أن يكون أهلاً للتصرف بعوض فى الحقوق التى يشملها عقد الصلح (م738 من المشروع وتقابل المادة 655 من التقنين المختلط).
ثم ذكر المحل والسبب ، فنص على أنه لا يجوز لصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية (كالبنوة والزوجية) أو بالنظام العام (كالصلح على الجرائم) ، فإن صلحاً مثل هذا يكون محله غير مشروع وسببه غير مشروع أيضاً ، فهو باطل. ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التى تترتب على الحالة الشخصية كالنفقة ، أو التى تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم كالتعويض (م 739 من المشروع وتوافق المادة 533/654 من التقنين) ( ).
قرر المشروع فى المادة 552 أن الصلح لا يثبت إلا بالكتابة ، وعلى هذا استقر قضاء المحاكم المختلطة (استئناف مختلط 28 أبريل سنة 1938 ب 50 ص 262) والكتابة لازمة للإثبات لا للإنعقاد ، فيجوز الإثبات باليمين والإقرار ، ولكن لا يجوز الإثبات بالبينة أو بالقرائن ولو فى صلح لا تزيد قيمته على عشرة جنيهات إلا إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة أو إذا وجد مانع يحول دون الحصول على الكتابة ، وعلة ذلك مفهومه ، فإن الصلح لحسم النزاع. فلا يجوز أن يخلق هو نزاعاً آخر قد ينشأ عن إباحة إثباته بالبينة ، والمتصالحون يحرصون عادة على إثبات ما اتفقوا عليه لحسم النزاع فى ورقة مكتوبة ، وقد يسلم أحد المتصالحين للآخر بأن له حقاً عينياً على عقار ، فيجب أن يسجل الصلح فى هذه الحالة حتى يسرى فى حق الغير ، أما فيما بين المتصالحين فيسرى دون تسجيل( ).
ويلاحظ أن لأثر الصلح خاصيتين:
(أ) فهو كاشف للحق لا منشئ له.
(ب) وهو نسبى من حيث الموضوع ومن حيث الأشخاص.
أما أنه كاشف للحق لا منشئ ، له ، فمتى ذلك أن الحق الذى اعترف به أحد المتصالحين للآخر يعتبر ثابتاً لما من وقت الصلح بل من وقت وجود السبب الذى أنشأ هذا الحق ، فإذا تنازع شخصان على أرض ومنزل كان يملكها مورث مشترك ، فاصطلحا على أن يختص أحدهما بالأرض والآخر بالمنزل ، اعتبر كل منهما مالكاً لما اختص به ، لا من وقت الصلح بل من وقت موت المورث ، وأنه قد ملك لا بالصلح بل بالميراث. والسبب فى ذلك أن الصلح إنما يتضمن إقرار كل من المتصالحين لصالح الآخر ، والإقرار يكشف الحقوق لا ينشئها ، على أنه يلاحظ أن هذا الأثر الكاشف مقصور على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها ، ففى المثال المتقدم يقتصر الأثر الكاشف على الأرض والمنزل ، فلو فرض أن المنزل قيمته أكبر من الأرض ، واقتضى الأمر أن يدفع من اختص بالمنزل معدلاً لمن اختص بالأرض ، فالصلح أثره منشئ بالنسبة للمعدل ، لأنه لم يدخل فى الحقوق المتنازع فيها ، ويترتب على أن الصلح كاشف للحق لا منشئ له نتائج أهمها اثنتان:
(أ) لا يعتبر الصلح سبباً صحيحاً لنقل الملكية ، فلو وضع فى المثال المتقدم كل من المتصالحين يده على العقار الذى اختص به وهو حسن النية مدة خمس سنوات ، ثم تبين أن المورث لم يكن يملكه ، فلا يكسب الحائز الملكية بالتقادم القصير.
(ب) يجب تسجيل الصلح لينتج أثره بالنسبة للغير ، أما فيما بين المتعاقدين فلا يجب التسجيل ، والصلح فى هذا كالقسمة( ).
وتقدم أن الصلح ينطوى على تنازل من الجانبين ، فأثره هو:
(أ) انقضاء الحقوق والادعاءات التى تنازل عنها كل من المتصالحين.
(ب) تثبيت ما اعترف به كل من المتصالحين للآخر من حقوق وحسم النزاع بينهما فى ذلك( ).
والصلح نسبى فى الموضوع فهو يقصر على الحقوق التى كانت محلاً للنزاع دون غيرها. ويجب أن تفسر عبارات التنازل التى يتضمنها الصلح بمعناها الضيق ، فإذا تضمن الصلح تنازلا عن فوائد الدين مثلاً ، فسر التنازل بأنه مقصور على ما استحق منها لا على ما يستحق( ).
الإكراه والتدليس يجعلان الصلح قابلاً للبطلان ، كما هو الحال فى أى عقد آخر ، ومن أمثلة التدليس أنه إذا تناول الصلح جميع المنازعات القائمة بين الطرفين بوجه عام ، ثم ظهرت بعد ذلك أوراق لم تكن معروفة وقت الصلح ، فلا يكون ذلك سبباً فى بطلان العقد لأن المفروض أن هذا الغلط غير جوهرى مادام الصلح يتناول جميع المنازعات القائمة لا نزاعاً معيناً بالذات. ما لم تكن هذه الأوراق قد أخفيت وكان ذلك بفعل أحد المتعاقدين ، لأن هذا يعد تدليساً مبطلا للصلح ، ويلاحظ أن الأوراق إذا أخفيت بفعل أجنبى ، فإن كان متواطئاً مع أحد المتعاقدين ، جاز أن يعتبر هذا تدليساً صادراً من المتعاقد.
أما الغبن فلا يؤثر فى الصلح ، إلا إذا تبين أن أحد المتصالحين قد استغل حاجة المتصالح الآخر أو طيشه أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه ، فيجوز الطعن فى الصلح وفقاً للمادة 179 من المشروع.
بقى الغلط ، ويجب التمييز ما بين الغلط فى فهم القانون ، وهذا لا يؤثر فى الصلح على خلاف القاعدة العامة ، والغلط فى الوقائع ، وهذا يؤثر فى الصلح ، سواء وقع فى الشخص أو فى صفته أو الشئ محل النزاع أو فى الباعث إلخ ، مادام الغلط جوهرياً.
والسبب فى أن الغلط فى فهم القانون لا يؤثر فى الصلح ، أن المتصالحين كانا وهما فى معرض المناقضة فى حقوقهما ، يستطيعان التثبت من حكم القانون فيما قام بينهما من نزاع على هذه الحقوق ، بل المفروض أنهما تثبتا من هذا الأمر ، فلا يسمع من أحد منهما بعد ذلك أنه غلط فى فهم القانون( ).
وإذا ثبت أن الصلح يشوبه البطلان لسبب من الأسباب المتقدمة ، فإنه لا يتجزأ. وبطلان جزء منه يقتضى بطلان العقد كله ، كما إذا تصالح شخص على أرض ومنزل ، ثم ظهر بعد ذلك أن هناك سندات مزورة تتعلق بالأرض هى التى دفعت المتصالح إلى الصلح عليها ، فيبطل الصلح فى الأرض والمنزل معاً ، إلا إذا تبين من عبارات الصلح أو من الظروف أن المتعاقدين قد توافقا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن بعض ، وأن الصلح قد تم على الأرض وعلى المنزل على أساس استقلال كل منهما عن الآخر( ).
الشرح و التعليق
أول مقومات الصلح هو أن يكون هناك نزاع بين المتصالحين قائم أو محتمل. فإذا كان النزاع مطروحاً على القضاء وحسمه الطرفان بالصلح ، كان هذا الصلح قضائياً ، بشرط ألا يكون قد صدر حكم نهائى فى النزاع وإلا انحسم النزاع بالحكم لا بالصلح ، ويجوز أن يكون تنفيذ الحكم النهائى محلاً للصلح. وقد يكون الصلح لتوقى نزاع محتمل ، ومن ثم يكون فى هذه الحالة صلحاً غير قضائى.
ويجب أن يقصد الطرفان الصلح حسم النزاع بينهما ، بإنهائه إذا كان قائماً ، وإما بتوقيه إذا كان محتملاً.
ولكن ليس من الضرورى أن يحسم الصلح جميع المسائل المتنازع فيها بين الطرفين ، فقد يتناول الصلح بعض هذه المسائل فيحسمها ويترك الباقى للمحكمة تتولى هى البت فيه.
ويجب فى الصلح أن ينزل كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه ، وليس من الضرورى أن تكون التضحية من الجانبين متعادلة ، فقد ينزل أحد الطرفين عن جزء كبير من ادعائه ، ولا ينزل الآخر إلا عن الجزء اليسير. ففى التسليم بحق الخصم وفى ترك الدعوى (الخصومة) ، إذا قبل الطرف الآخر أن يتحمل فى مقابل ذلك بمصروفات الدعوى ، كان هذا صلحاً مهما كانت تضحية الطرف الآخر قليلة بالنسبة إلى تضحية الطرف الأول. بل قد يعمد شخص إلى الصلح مع خصمه حتى يتفادى التقاضى بما بجر من إجراءات معقدة وما يجسم من مصروفات باهظة وما يستغرق من وقت طويل حتى ، أو حتى يتفادى علانية الخصومة والتشهير فى أمر يؤثر كتمانه فينزل عن جزء من ادعائه لهذا الغرض حتى يسلم له الخصم بباقى حقه ، فيحصل عليه فى يقين ويسر أو فى سكون وتستر.
ويتميز الصلح عن التحكيم فى أن الذى يبت فى النزاع هم المحكمون أما فى الصلح فهم أطراف الخصومة أنفسهم ، والتحكيم لا يقتضى تضحية من الجانبين على خلاف الصلح ، إذ المحكمون كالقضاة يحكمون لمن يرون أن له حقاً بحقه كله.
ويختلف الصلح عن التسليم بالحق وعن ترك الادعاء ، فى أن الصلح يقتضى حتماً تضحية من الجانبين. أما التسليم بالحق وترك الادعاء فيتضمنان تضحية من جانب واحد هو الجانب الذى سلم بحق الخصم أو ترك الادعاء.
ويختلف الصلح عن توجيه اليمين الحاسمة فى أن الصلح يتضمن تضحية من الجانبين ، أما توجيه اليمين الحاسمة فلا يتضمن إلا تضحية من جانب واحد هو الجانب الذى وجه اليمين ، إذ يكسب الجانب الآخر الذى يحلف اليمين كل ما يدعيه.
والقاضى هو الذى يكيف الاتفاق بأنه صلح أو بأنه عقد آخر ، وفقاً لعناصر الصلح ، ولا يتقيد فى ذلك بتكييف الخصوم ، فقد يسمى الخصوم الصلح باسم عقد آخر أو يسمون عقداً آخر باسم الصلح. وقاضى الموضوع هو الذى يبت فى وجود عناصر الصلح من حيث الواقع ، فيقرر ما إذا كان هناك نزاع قائم أو محتمل ، وما إذا كانت نية الطرفين حسم النزاع ، وما إذا كانت هناك تضحية من الجانبين فتتوافر بذلك عناصر الصلح ولا معقب عليه فى ذلك من محكمة النقض. أما وجوب توافر هذه العناصر جميعاً ليكون العقد صلحاً فهذه مسألة قانون لا يستقل بها قاضى الموضوع عناصر الصلح أو استظهرها ولكنه أخطأ فى تكييفها القانونى فإن حكمه يكون قابلاً للنقض.
والصلح عقد من عقود التراضى ، فلا يشترط فى تكوينه شكل خاص ، بل يكفى توافق الإيجاب والقبول لقيام الصلح ، وأن الكتابة لإثبات الصلح لا لإنعقاده.
وهو عقد ملزم للجانبين ، وهو عقد معاوضة ، وهو عقد كاشف للحقوق لا منشئ لها ، وأنه غير قابل للتجزئة فبطلان جزء منه يقتضى بطلان العقد كله.
ولابد من وكالة خاصة فى الصلح ، فلا يجوز للمحامى أن يصالح على حقوق موكله ما لم يكن الصلح منصوصاً عليه فى عقد التوكيل (م 702/1 مدنى).
ولا يجوز للمحكمة التصديق على الصلح إلا بحضور الخصمين ، لأن القاضى إنما يقوم بمهمة الموثق ، ولا يجوز للمحكمة التصديق على الصلح إلا بحضور الخصمين ، فإذا غب أحد الطرفين امتنع على القاضى التصديق على الصلح حتى لو كان الطرف الغائب قد قبل التصديق على الصلح فى غيبته ، ولكن ذلك لا يمنع من اعتبار محضر الصلح الموقع عليه من الطرف الغائب سنداً يصح الحكم بمقتضاه. وإذا حضر الطرفان وعدل أحدهما عن الصلح لم يجر للقاضى التصديق عليه ، ويعتبر القاضى الصلح الذى عدل عنه أحد الطرفين ورقة من أوراق الدعوى يقدر قيمتها بحسب الظروف ويعتبر هذا الصلح القضائى ، أو الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح بمثابة ورقة رسمية ، أى بمثابة سند واجب التنفيذ لتصديق القاضى عليه ، ولكنه لا يعتبر حكماً ، فهو لا يخرج عن كونه عقداً تم بين الخصمين ، ويجوز لكل منهما الطعن فيه ، ولكن ذلك لا يكون بالطرق المقررة للطعن فى الأحكام لأنه لا يعتبر حكماً ، وإنما يكون طريق الطعن فيه بدعوى أصلية فيجوز لكل من الطرفين أن يطلب فى دعوى أصلية إبطال الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح لنقص فى الأهلية ، أو لغلط فى الواقع ، أو لتدليس ، أو لغير ذلك من أسباب البطلان. على أنه يجوز أخذ اختصاص بموجب هذا الحكم بنص خاص هو نص المادة 1087 مدنى وليس كنص المادة 1085 مدنى( ).
ويتبين من نص المادة 550 مدنى أن الأهلية الواجب توافرها فى كل من المتصالحين هى أهلية التصرف بعوض فى الحقوق التى تصالحاً عليها ، لأن كلاً منهما ينزل عن جزء من ادعائه فى نظير نزول الآخر عن جزء مقابل ، والنزول بمقابل فى حق مدعى به هو تصرف بعوض.
فإذا بلغ الإنسان الرشد ولم يحجر عليه ، كانت له أهلية كاملة فى الصلح على جميع الحقوق.
إلا أن قانون الولاية على المال رقم 119 لسنة 1952 قد أجاز لمن كان قاصراً أن يطلب إبطال المخالصة أو التعهد الصادرة منه للوصى إذا صدرت منه خلال سنة من تاريخ تقديم الوصى لحساب (م 52 منه) ، ومرجع الإبطال ليس لنقص الأهلية ولكن إلى أن المشرع أقام قرينة قانونية - لا تقبل إثبات العكس على أن التعامل فى هذه الأحوال إنما يتم تحت الضغط والإكراه أى إلى عيب فى الإرادة وهو الإكراه المفترض لا إلى نقص فى الأهلية ، إلا أن دعوى الإبطال هنا تعتبر من الدعاوى المتعلقة بأمور الوصاية فلا تسقط إلا بمضى خمس سنوات (م 53 ق 119 لسنة 1952) بخلاف دعوى الإبطال للإكراه التى تسقط بمضى ثلاث سنوات نم تاريخ انقطاع الإكراه أو خمس عشرة سنة من تاريخ تمام العقد (م 140 مدنى) وهذا الحكم ينطبق على تعهد أو تخالص من كان محجوراً عليه.
أما الصبى المميز والمحجور عليه فالأصل أنه ليست لأيهما أهلية التصرف فى أمواله ، ولا يملك الصلح على الحقوق ، ولكن ذلك جائز للولى على الصبى إذا كان هو الأب بشرط الحصول على إذن المحكمة إذا كان محل الصلح عقاراً أو محلاً تجارياً أو أوراقاً مالية تزيد قيمتها (م 7 ق 119 لسنة 1952) ، أما الولى أو الوصى فيجوز لهما بشرط إذن المحكمة مطلقاً ، إلا فيما قل عن مائة جنيه بالنسبة للوصى وحده فيما يتصل بأعمال الإدارة. والمحجور عليه فى ذلك كالصبى المميز ، وولاية القيم فى الصلح على مال المحجور عليه كولاية الوصى فى مصلح على مال القاصر.
على أنه يجوز للصبى المميز البالغ 18 سنة والمأذون له فى تسلم أمواله أن يعقد صلحاً فى حدود أعمال الإدارة التى هو أهل لها (م 57 ق 119 لسنة 1952) وكذلك فللصبى المميز البالغ 16 عاماً أهلية التصرف فيما يكسب من أجر وغيره فله أن يصالح فيه (م 63 ق 119 لسنة 1952) ، وللصبى المميز أياً كانت سنة أهلية التصرف والتصالح فيما يسلم له أو يوضع تحت تصرفه من مال لأغراض نفقته (م 61 ق 119 لسنة 1952).
أما الصبى غير المميز فلا يملك الصلح ولا التعاقد بتاتاً لانعدام إرداته ، ويملك ذلك عنه وليه أو وصية فى الحدود السابق بيانها بالنسبة للصبى المميز.
ويجب أن يكون رضا المتصالحين خالياً من العيوب ، فيجب ألا يكون رضا منهما مشوباً بغلط أو بتدليس أو بإكراه أو باستغلال ، شأن الصلح فى ذلك شأن سائر العقود ، وإلا جاز إبطال الصلح وفقاً للقواعد العامة ، بالنسبة لهذه العيوب. أما الغلط فله فى الصلح أهمية خاصة نصت على أحكامها المادة 556 مدنى على ما سيجئ( ).
ويجب أن يكون محل الصلح موجوداً ، وممكناً ، ومعيناً أو قابلاً للتعيين وبوجه خاص يجب أن يكون مشروعاً ، فلا يجوز أن يكون مخالفاً للنظام العام.
وتعتبر الحالة الشخصية والأهلية من النظام العام (م 148 مدنى) ، فليس لأحد النزول عنها أو التعديل فى أحكامها ، فلا يجوز أن يتصالح مع آخر على بنوته منه بنفى أو بإثبات ، أو على صحة الزواج أو بطلانه ، أو على الإقرار بالجنسية أو نفيها أو على تعديل أحكام الولاية والوصاية والقوامة أو على حق الحضانة ، كما لا يجوز الصلح على الأهلية.
ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التى تترتب على الحالة الشخصية ، فيجوز للمطلقة النزول عن نفقة العدة وعن مؤخر الصداق ، ويجوز للوارث أن يتخارج مع بقية الورثة على نصيبه فى الميراث ، لا أن يصالح على صفته كوارث.
ويجوز الصلح كذلك على المصالح المالية التى تترتب على الأهلية ، فيجوز للقاصر بعد بلوغه سن الرشد أن يصالح من تعاقد معه وهو قاصر على إجازة العقد بشروط معينة.
ولا يجوز الصلح على الجريمة لا مع النيابة العامة ولا مع المجنى عليه ، لأن الدعوى الجنائية من حق المجتمع وهى من النظام العام فلا يجوز الصلح عليها.
ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التى تنشأ من ارتكاب الجريمة ، فيجوز الصلح على حق التعويض المدنى.
وإذا كاز الصلح بين المسئول والمجنى عليه على التعويض المدنى ، فإنه لا يجوز الصلح فيما بين المسئولين المتعددين على تحديد مسئولية كل منهم فى مواجهة المجنى عليه ، فتحديد هذه المسئولية من النظام العام ولا يجوز الصلح عليه.
ولا يجوز الصلح على الضرائب والرسوم المستحقة ، ولا على الأحكام المتعلقة بإيجار الأماكن المتعلقة بالأجهزة. ولا على المسائل المتعلقة بقانون الإصلاح الزراعى المتعلقة بتحديد الحد الأقصى للآجرة الزراعية ، ولا على أحكام إصابات العمل ، ولا على كثير من المسائل المتعلقة بعقد العمل الفردى. لتعلق هذه المسائل كلها بالنظام العام.
ولا يجوز الصلح على الفوائد الربوية ، وجاز المدين أن يسترد ما دفعه زائداً ولا يجوز الصلح على الأموال العامة للدولة ، فهذه تخرج عن التعامل.
ولا يجوز الصلح على بطلان التصرفات الراجع إلى النظام العام ، فلا يجوز الصلح على دين قمار أو دين سببه أو دين سببه مخالف للآداب أو تعامل فى تركه مستقبلة ، ولكن يجوز الصلح على إجازة عقد قابل للإبطال.
أما بالنسبة للسبب فى عقد الصلح ، فإن أنصار النظرية التقليدية فى السبب يذهبون إلى أن السبب فى عقد الصلح هو الغرض المباشر الذى من أجله التزم المدين ، فيكون سبب التزام كل متصالح هو نزول المتصالح الآخر عن جزء من ادعائه. وعلى هذا الوجه يختلط السبب بالمحل فى عقد الصلح اختلاطاً تاماً.
ومن الفقهاء من يجعل السبب فى عقد الصلح هو حسم نزاع قائم أو محتمل ، فإذا لم يكن هناك نزاع ، أو كان النزاع قد حسمه حكم نهائى ، فالصلح يكون باطلاً لانعدام السبب. ويعتبر هؤلاء الفقهاء وجود النزاع هو السبب الفنى للصلح يميزه عن غيره من العقود. بينما يرى الدكتور عبدالرازق السنهورى أن وجود النزاع بين المتصالحين هو من مقومات الصلح وليس سبباً له ، فالصلح لا يقع إلا على نزاع قائم أو محتمل وإلا لم يكن العقد صلحاً ، ومن ثم يكون النزاع محلاً لعقد الصلح لا سبباً له ، والأدق أن يقال إن محال الصلح هو الحق المتنازع فيه.
والصحيح فى نظر الدكتور السنهورى أن السبب فى عقد الصلح هو السبب الذى تقول به النظرية الحديثة وهو الباعث الدافع للمتصالحين على إبرام الصلح.
فهناك من يدفعه إلى الصلح خشيته أن يخسر دعواه ، أو عزوفه عن التقاضى بما يستبع من إجراءات طويلة ومصروفات كثيرة ، أو خوفه من العلانية والتشهير ، وهناك من يكون الدافع له على الصلح الإبقاء على صلة الرحم ، أو صداقة قديمة ، أو الحرص على استبقاء عميل له مصلحة فى استبقائه. وكل هذه بواعث مشروعة ، فالصلح أن يكون سببه باعثاً من هذه البواعث يكون مشروعاً.
أما الصلح الذى يكون الدافع إليه سبباً غير مشروع ، فإنه يكون باطلاً. ومن ثم إذا صالح شخص امرأة للمحافظة على علاقة بها آثمة أو صالح شخص آخر على نزاع متعلق بإيجار دار حتى يتمكن من إدارتها للعمارة ، أو حتى يتمكن من إدارتها للمقامرة ، فكل هذه البواعث غير مشروعة ، ومتى كان الطرف الآخر على علم بها ، فإن الصلح يكون باطلاً لعدم مشروعية السبب( ).
محل الصلح أو موضوعه حق منازع فيه ، أو حق مشكوك فيه كما يرى الفقه الفرنسى أن يسميه. والقاعدة أن الصلح يرد على أى نزاع سواء تعلق بوجود الحق أو بصحته أو ثار فى أوصافه أو مده ، وسواء أكان هذا الحق عينياً أو شخصياً منقولاً أو عقارياً إنما يجب أن يكون قابلاً للتعامل فيه أى مشروعاً (م 551 مدنى). هذه القاعدة المقررة فى المادة 551 مدنى الخاصة بعقد الصلح إنما هى مجرد تطبيق للقواعد العامة الواردة فى المادة 135 مدنى.
والحالة وهى مجموع الصفات التى تحدد مركز الشخص فى الأسرة والدولة وتميزه عن غيره من الناس ، تخرج بطبيعتها عن دائرة التعامل وبالتالى لا يصح أن تكون محلاً لإنفاق الأفراد ، ولأن القانون يرتب عليها آثاراً هامة لا تقتصر على الفرد وحده ، فقد جعلها بمنأى عن سلطان هذا الأخير ، فلا يجوز الصلح فى المنازعات المتعلقة بالولاية والوصاية أو الحضانة ، كما يقع باطلاً كل صلح يرد على المنازعات الخاصة بالبنوة أو الأبوة أو صفة الوارث أو طلب الحجر على سفيه أو دعوى الطلاق المرفوعة من الزوجة.
وما بطلان الصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة فى الواقع إلا جزء من بطلان الصلح فى المسائل المتصلة بالنظام العام ، والأمثلة على المسائل الأخيرة كثيرة ، فيكون باطلاً الصلح الذى يكون محله فوائد فاحشة إذا استبقى الفوائد الربوية أو جزءاً منها ، أو يكون موضوعه إيجار أرض زراعية إذا أبقاها زائدة عن الحد الأقصى المقرر قانوناً .
ولا يجوز أن يتضمن الصلح التزام أحد المتصالحين بمعاملة الآخر دون غيره على وجه الدوام لمخالفة هذا الالتزام لحرية التجارة.
ولا يجوز الصلح على عقد باطل كدين قمار ، أو هبة لخليلة ، أو بيع منزل يدار للدعارة. فالاتفاق الباطل لا يكون محلاً للصلح كما لا يكون موضوعاً للإجازة وعلى العكس من ذلك يجوز الصلح عن البطلان النسبى بعد زوال سبب العيب الذى يعتور التصرف الذى يلحقه.
ولا يجوز الصلح عن جريمة ، فالدعوى العمومية ليست ملكاً للمجنى عليه بل صاحبتها هى الهيئة الاجتماعية. ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التى تترتب على الحالة الشخصية أو التى تنشأ عن ارتكاب الجرائم ، لأن الحقوق المالية التى تنجم عن الحالة أو التى تنتج من ارتكاب الجريمة لا تتعلق إلا بمصالح خاصة ، فيجوز أن يحدد النفقة صلح بين الدائن والمدين بها ، كما يجوز أن يتراضى الجانى والمجنى عليه على مبلغ تعويض ما أصابه من ضرر بسبب الجريمة ويتنازل بذلك عن دعواه المدنية.
ويختلط السبب فى عقد الصلح بالمحل اختلاطاً تاماً كما هو الشأن فى كل العقود الملزمة للجانين.
والدوافع إلى الصلح كثيرة متنوعة ، فهذا يصالح عزوفاً عن اللجوء إلى القضاء على ما فيه من عناء ومشقة ، وذاك يصالح ضناً بعلاقات عائلية أن تذاع ، وثالث يصالح إبقاء على صلة رحم أو قربى ، ورابع يصالح مراعاة لواجب الاعتراف بالجميل لخصمه ، وغيره يصالح حرصاً على مصلحة له عند عميل. فإذا كان الباعث الدافع أو الباعث المستحث مخالفاً للنظام العام أو الآداب كحفظ علاقة آثمة كان الصلح باطلاً ، ومصدر البطلان هو المادة 136 مدنى حتى لو كان محل الصلح جائزاً قانوناً طبقاً للمادة 551 مدنى( ).
ومؤدى الفصلين 1462 و 1463 من التقنين المدنى التونسى( ) أنه لا يجوز الصلح فى الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية أو بالنظام العام ولا فى غيرها من الحقوق الخاصة بذات الإنسان والخارجة عن التعامل لكنه يجوز فى الحقوق المالية الناشئة عن أمر يتعلق بالأحوال الشخصية أو عن جريمة.
ما لا يجوز أن يكون موضوع عقد تعارض بين المسلمين لا يجوز فيه الصلح
وكان القضاء المختلط - فى مصر - قد استقر على وجوب الكتابة لإثبات الصلح لأسباب ترجع إلى أن الصلح يتضمن عادة شروطاً واتفاقات معقدة ، إذ هى ثمرة المساومات الطويلة والأخذ والرد ، فإذا اعتمدنا فى إثباتها على شهادة الشهود ، فإن ذاكرة الشهود قد لا تعى كل ذلك. هذا ، إلى أن الصلح قد شرع لحسم النزاع فلا يجوز أن يخلق هو نزاعاً آخر قد ينشأ عن إباحة إثباته بالبينة ، وإلى أن المتصالحين يحرصون عادة على إثبات ما اتفقوا عليه لحسم النزاع فى ورقة مكتوبة.
وقد قنن التقنين المدنى الجديد القضاء المختلط فى هذا الصدد ، فأوجب أن يكون إثبات الصلح بالكتابة للاعتبارات المتقدمة حتى لو زادت قيمة أصلح على عشرين جنيهاً.
والكتابة لا تلزم إلا لإثبات الصلح فهى غير ضرورية لانعقاده ، لأن الصلح من عقود التراضى. فإذا لم توجد كتابة لإثبات الصلح ، جاز إثبات إثباته بالإقرار وباليمين ، ويجوز استجواب الخصم لاحتمال أن يقر الصلح.
كذلك يجوز إثبات الصلح ولو زادت قيمته على عشرين جنيهاً مصرياً ، إذا وجد مانع مادى أو أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابى أو إذا فقد السند الكتابى الذى كان معداً من قبل بسبب أجنبى ، أو إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة ، أو إذا تعلق بنزاع تجارى ، ففى المسائل التجارية يجوز الإثبات بجميع الطرق أياً كانت القيمة.
وفى الأحوال التى يجب فيها إثبات الصلح بالكتابة تكفى ورقة عرفية للإثبات ومن باب أولى يكفى لإثبات الصلح المحضر الرسمى الذى تدون فيه المحكمة الصلح الواقع بين الخصوم ، فإن المحضر الرسمى حجة بما جاء فيه إلى أن يطعن فيه بالتزوير( ).
ويخلص من نص المادة 554 مدنى أن الأثر الكاشف للصلح مقصور على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها ،ة فإذا شمل الصلح حقوقاً غير متنازع فيها - وهو ما يسمى بدل الصلح - كان الأثر ناقلاً لا كاشفاً.
ومعنى أن للصلح أثراً كاشفاً بالنسبة إلى الحقوق المتنازع فيها أن الحق الذى يخلص للمتصالح بالصلح يستند إلى مصدره الأول لا إلى الصلح. فإذا اشترى شخصان دارا فى الشيوع ، ثم تنازعاً على نصيب كل منهما فى الدار ، وتصالحاً على أن يكون لكل منهما نصيب معين ، اعتبر كل منهما مالكاً لهذا النصيب لا بعقد الصلح بل بعقد البيع الذى اشتريا به الدار فى الشيوع ، واستند بذلك حق كل منهما إلى مصدرة الأول لا إلى الصلح.
وتذهب النظرية التقليدية فى تعليل هذا الأثر الكاشف إلى أن الصلح هو إقرار من كل من المتصالحين لصاحبه ، والإقرار إخبار لا إنشاء فهو يكشف عن الحق لا ينشئه.
وتذهب النظرية الحديثة فى تفسير الأثر الكاشف إلى أن المتصالح فى الواقع من الأمر لا يقر لصاحبه ، وإنما هو ينزل عن حق الدعوى فى الجزء من الحق الذى سلم به ، فهذا الجزء من الحق قد بقى على وضعه الأول دون أن يتغير ، وإنما الصلح قد حسم النزاع فيه فخلص لصاحبه. ومن ثم يكون للصلح أثران ، فهو قاض على النزاع من حيث خلوص الحق ، وهو كاشف عن الحق من حيث بقاء الحق على وضعه الأول.
النتائج المترتبة على الأثر الكاشف للصلح :
1- لا يعتبر المتصالح متلقياً الحق المتنازع فيه من المتصالح الآخر ، ولا يكون خلفاً له فى هذا الحق ، ومن ثم لا يستطيع فى مواجهة الغير أن يستعين بمستندات الطرف الآخر. فإذا خلصت لأحد المتصالحين ملكية دار ، ثم نازعه أجنبى غير المتصالح معه فى هذا الدار ، لم يستطع وهو يتمسك بالتقادم فى مواجهة هذا الأجنبى أن يضم مدة حيازة المتصالح الآخر إلى مدة حيازته.
2- لا يلتزم المتصالح الآخر بضمان الحق المتنازع فيه الذى خلص للمتصالح الأول ، لأنه لم ينقل إليه هذا الحق ، والالتزام بالضمان لا يكون إلا مكملاً للالتزام بنقل الحق.
3- إذا صالح الدين بعقد المدين على أن ينزل له على جزء من الدين المتنازع فيه فى نظير أن يدفع له المدين الباقى ، فالدائن لا يزال فى الباقى الذى خلص له دائناً بالعقد ، فلم يتجدد الدين بالصلح ، ومن ثم تبقى التأمينات التى كانت للدين المتنازع فيه ضامنة للباقى من الدين الذى خلص للدائن بالصلح.
4- إذا وقع الصلح على حق عينى عقارى ، لم يكن تسجيله واجباً فيما بين المتصالحين ، وإنما يجب التسجيل للاحتجاج به على الغير.
5- إذا وقع الصلح على دين متنازع فيه فى ذمة الغير ، مخلص هذا الدين بالصلح لأحد المتصالحين ، لم يعتبر هذا المتصالح متلقياً للدين من المتصالح الآخر فلا تراعى هنا الإجراءات الواجبة فى حوالة الحق.
6- لما كان الصلح غير ناقل الحق ، فإنه لا يصلح سبباً صحيحاً للتملك بالتقادم القصير. فلو أن عقاراً متنازعاً فيه بين شخصين خلص لأحدهما بالصلح ، فوضع هذا يده على العقار بحسن نية خمس سنوات ، ثم ظهر مستحق للعقار ، لم تستطع واضع اليد أن يتمسك بالتقادم القصير ، لأن الصلح ليس سبباً صحيحاً إذ هو كاشف عن الحق لا ناقل له ، ولكن يجوز لواضع اليد أن يتمسك بالتقادم الطويل إذا وضع يده خمس عشرة سنة.
7- إذا خلص عقار لأحد المتنازعين فيه بالصلح ، فإن الصلح وهو كاشف عن الحق لا يفتح الباب للأخذ بالشفعة ، فلا يجوز لجار أو شريك أو شريك فى الشيوع أن يطلب أخذ العقار بالشفعة. هذا إلى أن الشفعة لا تجوز إلا فى البيع ، فإذا أثبت الشفيع أن الصلح يخفى بيعاً جاز له الأخذ بالشفعة.
وللصلح - كسائر العقود - أثر نسبى ، فهو مقصور على المحل الذى وقع عليه ، وعلى الطرفين اللذين وقع بينهما ، وعلى السبب الذى وقع من أجله. وهو فى هذا يشبه الحكم ، فإن الحكم لا يكون حجة إلا عند اتحاد المحل والخصوم والسبب ، ولكن الأثر النسبى للصلح يرجع إلى أنه عقد ، لا إلى قياسه على الحكم( ).
وتفسير الصلح منوط بقاضى الموضوع الذى عليه أن يستخلص من عبارات العقد ، ومختلف الظروف التى أحاطت بإبرامه إرادة المصالحين التى يؤخذان بها ، وهو فى هذا بمنجاة من محكمة النقض مادام استخلاصه مقبولاً وتحتمله عبارات الصلح وملابساته. على أن تفسير هذا العقد محكوم بمبدأ التضييق فيه ، لأن الصلح يتضمن تنازلاً متبادلاً من طرفيه ، والتنازل لا يفترض وغير جائز التوسع فيه ، وقد نصت المادة 555 مدنى على ذلك ، هذا النص يقرر قاعدتين يتضمنها المبدأ السالف الذكر ، فيجب من ناحية أن تفسر عبارات التنازل التى يتضمنها الصلح بمعناها الضيق ، فإذا تضمن الصلح تنازلاً عن فوائد الدين فسر التنازل بأنه مقصور على ما استحق منها لا على ما سيستحق. ويجب من ناحية أخرى أن يقصر الصلح على المنازعات التى قصد المصالحان أن تكون موضوعاً له دون غيرها ، ويتعين فى تحديد هذه الإرادة الرجوع إلى الحالة التى كانت قائمة بينهما وقت إبرام العقد؛ فإذا نص فيه على أن أحد المصالحين قد تنازل عن كل ما له من حقوق وادعاءات قبل الآخر ، لا يمتد الصلح رغم ذلك إلا إلى الحقوق التى واجهاها وقت التعاقد وجعلا منها موضوعاً له ، ولا يشمل ما لم يكونا قد توقعاه فى ذلك الوقت. فالصلح الذى نص فيه على أن المصالحين قد سويا نهائياً جميع ما بينهما من حساب يجب أن يقتصر على ما قصدا حسمه من نزاع ، ولا يمكن أن يمتد إلى العلاقات الأخرى التى كانت بينهما وظلت خارجة عن موضوع العقد. كما أن استعمال العاقدين عبارة: (البراءة العامة) فى مخالصة بعد أن حصروا موضوع التخالص وحدوده فيما هو مبين بالقائمة المرفقة بها ، إنما يفيد عموم البراءة فى نوع الحقوق التى كانت هى الغرض الوحيد من التعاقد ، ولا يجوز أن تتعدى إلى غيرها ، ما لم تتجه إليه أفكار المتعاقدين ولم يذكروا عنه شيئاً فى اتفاقهم لا تصريحاً ولا تلميحاً.
وفى مصر رأت بعض المحاكم أن الصلح لا يحسم المنازعة القائمة فقط وقت إبرامه ، بل يحسم أيضاً كل نزاع يثار فى المستقبل متى كان هذا النزاع ناشئاً فى الدعوى نفسها التى حصل فيها الصلح ، وذلك تحقيقاً لما قصده المتعاقدان. فإذا تنازلت وارثة فى عقد الصلح عن باقى حقوقها الآيلة لها بالميراث الشرعى عن والدها ، لا يجوز لها المطالبة بريع الأطيان التى استولت عليها مقابل هذا التنازل ، لأن هذا الريع هو من باقى حقوقها الآيلة لها بالميراث الشرعى عن والدها التى تنازلت عنها بمحضر الصلح ، فضلاً عن أن الريع تابع للنزاع فى الملكية الذى حسمه الصلح ، والفرع يتبع الأصل( ).
ونصت المادة 556 مدنى استثناء صريح من القواعد العامة ، ذلك أن القواعد العامة تقضى بأن الغلط فى القانون كالغلط فى الواقع يجعل العقد قابلاً للإبطال ، فقد نصت المادة 122 مدنى على أن: "يكون العقد قابلاً للإبطال لغلط فى القانون ، إذا توارت فيه شروط الغلط فى الواقع طبقاً للمادتين السابقتين ، هذا ما لم يقض القانون بغيره" ، على حين تقضى المادة 556 مدنى بغير ما تقضى به القواعد العامة ، وبأن الغلط فى القانون فى عقد الصلح لا يجعل الصلح قابلاً للإبطال.
وإذا وقع فى الصلح غلط فى الحساب (فى المجموع) ، وكان الغلط مشتركاً بين المتصالحين فلا يبطل الصلح لهذا الخطأ ، بل يجب تصحيحه.
وكالغلط فى الحساب غلطات القلم (اسم أحد المتصالحين) فيجب تصحيح هذا الخطأ ووضع الإسم الصحيح مكان الإسم الخاطئ ، ولا يبطل الصلح لهذا الغلط.
أما الغلط فى الواقع فى عقد الصلح فيخضع للقواعد العامة ، ويكون سبباً لإبطال الصلح إذا كان جوهرياً أى بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام الصلح ولو لم يقع فى هذا الغلط ، وكان المتعاقد الآخر قد وقع مثله فى هذا الغلط أو كان على علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه (م 120 و 121 مدنى) ( ).
أما بالنسبة للغلط فإن الشراع قد أورد استثناء من المبادئ العامة فى المادة 556 مدنى أنه : لا يجوز الطعن فى الصلح بسبب غلط فى القانون" ، خلافاً للقاعدة العامة التى تقضى بأن الغلط فى القانون كالغلط فى الوقائع يفسد الرضاء ويجعل التصرف مشوباً ببطلان نسبى.
فالغلط فى الوقائع وحده هو الذى يؤثر فى عقد الصلح. والأمثلة على ذلك أن يكون الصلح قد أبرم تنفيذاً لسند باطل وكان أحد العاقدين يجعل هذا البطلان بسبب غلط مادى ، ومنها أن يكون الصلح قد بنى على أوراق ثبت بعد إبرامه أنها مزورة ، ومنها أن يكون موضوعه نزاعاً سق أن صدر بشأنه حكم نهائى يجهله الطرفان أو أحدهما ، ومنها أ ، يظهر بعد الصلح أوراق تثبت أن أحد المتصالحين لم يكن له حق فيما يدعيه.
وقد ورد الاستثناء المنصوص عليه فى المادة 556 مدنى فى القانون الفرنسى.
ومهما يكن من أمر هذا النص (م 556 مدنى) فإنه يتضمن حكماً استثنائياً يجب التضييق فى تفسيره. لذلك نرى فى مجال تطبيقه أن يكون الغلط متعلقاً بالقانون وحده ، أما إذا كان مزدوجاً بغلط فى الوقائع ، أو أنه مؤسس على مثل هذا الغلط ، يجب تطبيق القاعدة العامة المقررة فى المادة 120 مدنى( ).
وعدم تجزئة الصلح عند بطلانه ليس مقصوراً على البطلان بسبب الغلط ، بل هو يشمل جميع وجوه البطلان ، فقد يكون الصلح قابلاً للإبطال لنقص الأهلية أو للتدليس أو للإكراه أو للاستغلال ، وقد يكون الصلح باطلاً لعدم مشروعية المحل أو عدم مشروعية السبب. فأيا كان سبب الإبطال أو البطلان ، فإن الصلح إذا أبطل أو قضى ببطلانه ، وكان يشتمل على أكثر من أمر واحد ، فالأصل أن بطلان جزء منه يقتضى بطلان جميع الأجزاء. ولكن هذه القاعدة ليست من النظام العام ، فيجوز أن تتجه نية المتعاقدين صراحة أو ضمناً إلى اعتبار أجزاء الصلح بعضها مستقلاً عن بعض ، فإذا أبطل جزء منه بقيت الأجزاء الأخرى قائمة ، لأنها مستقلة عن الجزء الباطل ، وبذلك يتجزأ الصلح طبقاً لإرادة المتعاقدين.
وإذا تم لصلح بين عدة أطراف بينهم قاصر ، وطلب القاصر إبطال الصلح لنقص الأهلية فأبطل ، فإن الصلح يبطل أيضاً بالنسبة إلى من يلغوا من الرشد ما لم يكن هؤلاء قد قصدوا أن يكون الصلح بالنسبة إليهم مستقلاً عنه بالنسبة إلى القاصر ، فيسقط الصلح بالنسبة إلى القاصر ويبقى قائماً بالنسبة إليهم. فإذا أصيب ثلاثة فى حادثة واحدة وكان أحدهم قاصراً ، وتصالح الثلاثة مع المسئول على مبلغ معين يتقاسمونه بالتساوى ، ثم طلب القاصر إبطال الصلح ، أبطل بالنسبة إليه وحده ، وبقى قائماً بالنسبة إلى الإثنين ليس مرتبطاً بصلح القاصر.
وإاذ تم الصلح بين الجانى والمجنى عليه على مبلغ معين من المال يعطيه الأول للثانى فى مقابل أن ينزل المجنى عليه عن الدعوى الجنائية والدعوى المدنية ، وكان المقصود من الصلح ربط الدعويين إحداهما بالأخرى والنزول عنهما معاً ، كان الصلح باطلاً فيما يتعلق بالدعوى الجنائية لمخالفته للنظام العام ، ويسقط أيضاً فيما يتعلق بالدعوى المدنية لارتباط هذا الجزء بالجزء الأول. أما إذا تبين أن قصد الطرفين لم يكن ربط الدعويين إحداهما بالأخرى ، وأن جزءاً معيناً من المال خصص للنزول عن الدعوى المدنية مستقلة عن الدعوى الجنائية ، بطل الصلح فيما يتعلق بالدعوى الجنائية ، وبقى قائماً فيما يتعلق بالدعوى المدنية ( ).