ارتباط القتل بجنحة
قررت المادة 234 فى فقرتها الأولى على أن : عقوبة القتل العمد هى بالسجن المؤبد أو المشدد ، ثم أضافت فى فقرتها الثالثة : وأما إذا كان القصد منها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فيحكم بالإعدام أو السجن المؤبد .
ويتضح من النص أن المشرع لا يتطلب فى الارتباط مجرد مصاحبة زمنية كتلك التى يتطلبها فى اقتران القتل بجناية أخرى ، وإنما يستلزم قيام رابطة أوثق منها وأشد ظهوراً ، وهى أن يكون القتل تأهبا لفعل جنحة أو للتخلص من العقوبة أو لمساعدة الجانى على الفرار ، وذلك كمن يقتل شخصا لسرقة ماله أو للفرار عند ضبطه متلبسا بالسرقة .
أما ارتكاب جنحة تأهبا لاقتراف جناية القتل فلا يتحقق به الارتباط المطلوب ، كمن يدخل منزلا مسكونا ، ثم يتلف عمدا مالا منقولا ، ثم يضرب حارس المنزل ، ثم يتوصل إلى المجنى عليه ويقتله أو يشرع فى قتله ، فإنه يرتكب ثلاث جنح تأهبا لاقتراف جناية القتل ، ومع ذلك لا تتحقق حكمة التشديد ذلك أن الحكمة من التشديد فى حالة وقوع القتل العمد تأهبا لارتكاب جنحة هى فى دناءة الباعث إلى القتل ، وهو اعتبار شخصى ، لا موضوعى كما فى حالة اقتران القتل بجناية أخرى ( 1 ).
ولا أهمية للفترة الزمنية التى تفصل بين وقوع القتل ووقوع الجنحة المنشودة  فما دامت رابطة السببية بينهما قائمة ، فالارتباط الذى يتطلبه القانون يكون قائما ولو وقعت الجريمتان فى مكانين متباعدين وفصلت بينهما مدة كبيرة .
ولأن رابطة السببية بين القتل والجنحة تمثل شرطا لا غنى عنه لتشديد العقاب ، لذا يتعين على المحكمة فى حالة القضاء بارتباط القتل بجنحة سرقة أن تبين غرض الجانى وأن تقيم الدليل على توافر رابطة السببية بين القتل والسرقة فى استخلاص منطقى سائغ ، ويخضع هذا الاستخلاص لرقابة المحكمة العليا فى الحدود العامة التى تراقب فيها هذه جميع المسائل الموضوعية  . (2)
ولا يهم نوع الجنحة التى وقع لأجلها القتل ، فقد تكون السرقة ، وهو الغالب فى العمل ، إنما يجوز أن تكون أيضا جنحة تخريب أو تعيب أو أتلاف ، أو حتى تزوير ( مثلا لجعل المضاهاة ببصمة المجنى عليه متعذرة ، أو لضمان سكوته ) بل قد تقع شخصا أثناء قيادته سيارة ، ثم يقتل عمدا شخصا آخر حضر للقبض عليه .
وقد يقع القتل تأهبا لارتكاب جناية أخرى - لا جنحة - أو للهرب منها أو للتخلص من عقوبتها ، وحينئذ يتحقق الارتباط من باب أولى ( فضلا عن تحقق ظرف اقتران القتل بجناية أخرى فى الغالب من الصور بتوافر المعاصرة الزمنية ) ( 3 ).
هل يجب أن تقع الجنحة بالفعل ؟
طبقا للرأى الشائع يجب أن تقع بالفعل الجنحة التى ارتكبت الجناية لأجلها ، وذلك فى صورة جريمة تامة أو بالأقل شروع معاقب عليه ، لأن الشروع غير المعاقب عليه ( كما هو الأصل فى الجنح ) والأعمال التحضيرية أفعال مبـاحة فليـس لها وجود قانونى يسمح بترتيب أى أثر عليها (1 ).
إلا أن هذا الرأى يبدو لنا محل نظر ، لأن من الأفعال والصفات والمقاصد ما لا يكون جرائم ولا شروعا فيها ، ومع ذلك يعتبرها الشارع ظروفا قانونية مشددة أى أنه يرتب عليها أثرا قانونيا ، والأمثلة متعددة وفى جريمة القتل بالذات ، فسبق الإصرار مجرد حالة ذهنية مباحة فى حد ذاتها ومع جعله القانون ظرفا مشددا فيه  وإحراز السم بل واستعماله فى غرض مشروع فعل لا عقاب عليه استقلالا ، إنما إذا اتصل بالقتل العمد صار له ظرفا مشددا ، وكذلك الشأن فى الكثير من الظروف المشددة فى الجرائم المختلفة شخصية كانت ( كالموظف فى التزوير والخادم فى السرقة ) أم عينية ( كالمنزل المسكون فى السرقة أو تعدد الجناة ) فكلها صفات وحالات مباحة فى حد ذاتها ، وإنما يبدأ وجودها القانونى عند اتصالها بجريمة من الجرائم التى نص عليها القانون ، وبقدر ما يريد أن يعطيها من وجود ومن أثر .
فضلا عما تقدم فإن نص المادة 235/3 عام لم يتطلب إلا أن يكون القصد من الجناية التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل ، مستعملا لفظ القصد هنا بمعنى القصد البعيد أى الباعث ، والتأهب لفظ لا يمكن أن يرقى إلى إتمام الجريمة ولا حتى إلى الشروع فيها ، بل يكفى لتحققه التحضير لها أو الاستعداد لارتكابها ( 2 ).
هذه الاعتبارات مجتمعة تجعلنا نحبذ رأى القائلين بأن ظرف ارتباط جناية القتل بجنحة يتحقق ولو لم تقع الجنحة بالفعل أو الشروع المعاقب عليها فيها ( 3 ).
ويبدو من بعض عبارات حكم نقض ما قد يتمشى مع وجهة النظر هذه فقد قال أنه " إذا كانت المادة 234/3 تستوجب أن يقع القتل لأحد المقاصد المبينة بها وهى التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها ، فينبغى أن يبين الحكم أن جريمة القتل ارتكبت لأحد هذه المقاصد وإلا كان قاصرا متعينا نقضه " ( 1 )
فلو أن عبارة الحكم كانت تستلزم وقوع الجنحة بالفعل أو الشروع المعاقب عليه ، لاستلزمت ذلك من الحكم المطعون فيه ، ولما عبرت عن الأمرين قائلة " المقاصد من القتل " ولم يعض الأمر فى صورة صريحة ، لأن توافـر الإصـرار السابق يغنى عادة عن بحث توافر ارتباط القتل بجنحة ( 2 ) .
طبيعته القانونية :
طبقا للرأى القائل بوجوب وقوع الجنحة أو بالأقل الشروع المعاقب عليه فيها يكون ارتباط القتل بجنحة من نوع الظروف العينية التى ينصرف أثرها فى التشديد إلى جميع المساهمين فى الجريمتين معا سواء بصفتهم فاعلين أصليين أم مجرد شركاء .
أما طبقا للرأى القائل بأن هذا الظرف المشدد من نوع الظروف التى ترجع إلى قصد الفاعل من الجريمة أو كيفية علمه بها ، ويدخل فيها قصده البعيد أى الدافع ، فإن أثره يكون مقصورا على من يتصف به فاعلا كان أم شريكا م 41/3 فلا يتعداه إلى غيره من الفاعلين أو الشركاء حتى ولو كان يعلم به ، فلو توجه اثنان لقتل المجنى عليه ، وكان باعث القتل عند أولهما هو السرقة وعند ثانيهما هو الثأر فإن الارتباط بجنحة يعد متوافرا قبل الأول دون الثانى .
إثبـاتـه : كل ما يؤدى إلى ثبوت مسئولية الجانى عن الجريمتين معا مع توافر رابطة السببية على نحو ما ذكرناه ، أو بالأقل مسئوليته عن القتل العمد مع توافر " قصد التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها " على حد تعبير المادة (234/3) يؤدى إلى ثبوت الظرف المشدد ، وهى أمور موضوعية لا تجوز المناقشة فى ثبوتها أمام محكمة النقض ، إلا إذا وقع خطأ فى تحديد ماهية ارتباط القتل بجنحة كما يتطلبه القانون .
_________________________
( 1 ) د/ روؤف عبيد - المرجع السابق ص 77 .
( 2 ) نقض 20/5/1968 أحكام النقض س 19 رقم 117 صـ589 .
( 3 ) راجع د/ روؤف عبيد - المرجع السابق ص 78 .
( 4 ) أحمد أمين ص 340 ق العقوبات - القسم الخاص .
( 5 ) روؤف عبيد - المرجع السابق
( 6 ) أحمد فتحى سرور ص 262 ق العقوبات
( 7 ) نقض 29/11/1949 أحكام النقض س 1 رقم 41 ص 118 .
( 8 )  روؤف عبيد - المرجع السابق ص 80