القانون الذي يحكم سير إجراءات التحكيم
وهذه الإجراءات تشدنا للتحدث عن القانون الذي يحكم سير إجراءات التحكيم ، وكذا القانون الذي يحكم موضوع النزاع وهما على الترتيب التالي :
(1) القانون الذي يحكم سير إجراءات التحكيم :
القاعدة إعفاء المحكم من التقيد بالقواعد الإجرائية التي يتقيد بها قاضي الدولة أثناء تصديه للمنازعات المعروضة أمامه ، ولما كان التحكيم اتفاقي النشأة فإن إرادة الأطراف هى التي تحدد قدر المرونة التي تتمتع بها هيئة التحكيم ، فقد يقيدونها بقانون إجرائي معين ، قد يكون قانون الدولة التي يجري التحكيم على أرضها ، أو التي سيجري التنفيذ فيها ، أو وفقا للقواعد الإجرائية التي تنظمها إحدى لوائح هيئات ومراكز التحكيم الدائمة خاصة إذا كان التحكيم دوليا أو مؤسسيا ، ولا تتوقف تلك المرونة عند هذا المدى ، فقد يفوض الأطراف هيئة التحكيم في اختيار أو تكملة القواعد الإجرائية التي تحكم سير المنازعة محل التحكيم .
تلك المرونة الإجرائية ليست بمطلقة ، بل هى محاطة بحد أدنى من الضمانات يكفل للقرار الصادر في خصومة التحكيم كلا من الاحترام والتقدير الذين يحظى بهما الحكم القضائي متمثلا في القواعد التي تتعلق بضمانات وحقوق الدفاع والقواعد المتعلقة بالنظام العام لدولة التنفيذ أو لدولة مكان التحكيم . (عصام الدين القصبي ، مرجع سابق ص167 وما بعدها) .
وإذا كانت القواعد التي تحكم إجراءات سير المنازعة المطروحة على التحكيم سوف تختلف تبعا لكون التحكيم داخليا أو دوليا ، لكونه طليقا أم تتولاه إحدى هيئات مراكز التحكيم الدائمة ، وتبعا لنهج السياسة التشريعية التي تتبعها الدولة أو الدول التي تنتمي أطراف التحكيم إليها . (المرجع السابق)
ولقد كان المشرع مرتبطا الى حد كبير باتباع إجراءات المرافعات ، حيث كان وفقا للمادتين 834 ، 835 من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 لا يعفي المحكم من اتباع إجراءات المرافعات إلا إذا حصل الإعفاء منها صراحة أو كان المحكم صالحا . تطور الأمر بعد ذلك خطوة الى الأمام ، حيث كانت المادة 506 من قانون المرافعات الحالي رقم 13 لسنة 1968 - والملغاة بقانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 - تنص على أن المحكمين يصدرون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات عدا ما نص عليه في باب التحكيم ، وبمقتضى النص المذكور ، كان المحكم معفيا من التقيد بإجراءات المرافعات ما عدا الإجراءات والأوضاع والمواعيد المقررة في باب التحكيم (م501 - 513 مرافعات) حيث كانت تقرر ضمانات أساسية للخصوم في هذا الصدد وهم ما قبلوا الاتفاق على طرح النزاع على غير المحكمة المختصة إلا على أساس احترام الأحكام التي تقررها تلك المواد . (أبو الوفا ، مرجع سابق ، نقض 16/2/1971 السنة 22 ص139) .
أيضا فمحكمة التحكيم كانت تتقيد في ظل المادة المذكورة باحترام الإجراءات والأوضاع المتعلقة بالنظام العام خاصة تلك التي تتعلق بحقوق الدفاع وضماناته ، كما كانت تلتزم أخيرا باحترام الإجراءات والأوضاع والمواعيد التي قد يتفق عليها الخصوم في عقد التحكيم أو في عقد لاحق ليسير على هديها المحكمون . (أبو الوفا ، مرجع سابق ص216 وما بعدها) .
وإذا كان هذا هو حال التشريع المصري السابق ، فإن المشرع الحالي قد خطى خطوات جريئة في عالم التحكيم بجمعه لكافة أحكامه أيا كان نوعه في قانون واحد ، حيث تتصدى منه للقواعد التي تحكم إجراءات سير المنازعة المادة 25 التي تقضي بأن لطرفى التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أى منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها ، فإذا لم يوجد مثل هذا القانون أن تختار إجراءات التحكم التي تراها مناسبة ، فالنص المذكور وإن كان يقرر أن هيئة التحكيم تصدر أحكامها غير مقيدة بإجراءات المرافعات ، إلا إذا أراد طرفى التحكيم أو هيئة التحكيم تطبيق إجراءات المرافعات في قانون معين ، إلا أنه يميز بين الفرضين التاليين :
الفرض الأول : وهو مطلق ، حيث يقرر لطرفة التحكيم الحرية المطلقة في الاتفاق على الإجراءات المتعلقة بالمرافعات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما الكامل في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أى منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها .
أما الفرض الثاني : فهو فرض احتياطي ومقيد ، لأنه يقرر أنه في حال غياب اتفاق طرفى التحكيم على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم على النحو السابق فإن لهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 ، أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة ، سواء أكانت إجراءات مرافعات أو غيرها .
والواقع أن مقارنة الفرضين تجرنا الى القول بأن مرحلة تحضير القانون المذكور لم تعالج هذا الموضوع معالجة كافية لأنها كانت منصبة على التحكيم التجاري الدولي ، بينما كانت تترك التحكيم الداخلي لأحكام المواد 501 - 315 مرافعات ، ثم فاجأنا التشريع الحالي بصورته الموحدة ، وبالتالي فإنه مازال يفتح الباب للتساؤلات الآتية : هل نصوص قانون التحكيم الحالي آمرة وأساسية ولا غنى عنها ، وبالتالي لا يجوز مخالفتها أو الاتفاق على ما يخالفها على فرار القواعد التي كان يقررها باب التحكيم في قانون المرافعات الحالي ، حيث كانت هيئة التحكيم تلتزم بها باعتبارها تقرر ضمانات أساسية للخصوم في هذا الصدد ، أم أنها نصوص احتياطية أو مكملة لما يحدده طرفا التحكيم ؟
بخصوص الفرض الأول : نقول إن نص المادة صريح وواضح في أنه يقرر لطرفى التحكيم الحرية المطلقة في تحديد الإجراءات التي تحكم سير المنازعة ، وبالتالي فلهم تجاهل كافة القواعد التي يقررها قانون التحكيم الحالي ، ما عدا تلك التي تتعلق بأصول التقاضي وبعبارة أدق بالنظام العام ، ووجه الاختلاف بين الأحكام السابقة التي كان يقررها باب التحكيم في قانون المرافعات وقانون التحكيم الحالي ، أن الأولى كانت قليلة ومحدودة وتمثل الحد الأدنى من الضمانات اللازمة لسير خصومة التحكيم . (فتحى والي ، الوسيط - عزمي عبد الفتاح ، التحكيم الكويتي ص241) .
بينما تعالج نصوص قانون التحكيم الحالي كافة موضوعاته معالجة شبه كاملة ، وبالتالي فهى تتضمن نصوصا احتياطية واسترشادية ، بل واختيارية لمن يرغب في إعمالها ، يؤيد قولنا هذا ما تقرره المذكرة الإيضاحية لقانون التحكيم حيث تقول " وتأتي بعد ذلك إجراءات التحكيم شريطة مراعاة أصول التقاضي ، وفي مقدمتها المساواة بين الطرفين وتهيئة فرصة كاملة ومتكافئة لكل منهما لعرض قضيته ، ثم ترد قواعد التنظيم الاحتياطي الذي وضعه المشروع لمواجهة الفرض الذي لا يتفق فيه الطرفان على قواعد الإجراءات ، وهكذا فليست كلها أساسية وملزمة ، بل بعضها فقط هو الملزم ، وأما غالبيتها فهى احتياطية ، وهذا ما أكده الفقه بصدد الإجابة عن التساؤل عما إذا كان الأطراف يتمتعون بحرية مطلقة ، بحيث يتسنى لهم الاتفاق على مخالفة نصوص القانون الآمرة ، حيث تصدى لذلك بعض الفقهاء مقررا أن القيمة العملية لها السؤال ضئيلة للغاية لأن معظم نصوص القانون المصري المتعلقة بالإجراءات نصوص مقررة . (محمود مختار بربري ، التحكيم التجاري الدولي بد 41) .
أما بالنسبة للفرض الثاني : وهو الذي يعالج عدم اتفاق الخصوم على قواعد الإجراءات التي تحكم سير خصومة التحكيم حيث يكون بهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام هذا القانون أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة ، ورغم نص الفرض الثاني على مراعاة أحكام قانون التحكيم الحالي إلا أنه يثير التساؤل التالي : هل هذه المراعاة عامة ومطلقة أم أنها خاصة ومقيدة بالنصوص التي تعالج قواعد أساسية لا غنى عنها على غرار ما انتهينا إليه ، وبالنسبة للفرض الأول : نقول إذا كان الأصل والقاعدة أن العام يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه ، وبالتالي فإن المراعاة تشمل كافة القواعد التي تقرر الإجراءات فإن العقل والمنطق يقتضيان تخصيص تلك المراعاة بالقواعد التي تقرر الضمانات الأساسية التي لا غنى عنها وخاصة أن القانون الحالي يعالج التحكيم بكافة أنواعه مقررا أن بإمكان أطراف التحكيم جعله دوليا بسهولة ويسر ، وبالتالي يحدث انفراجا كبيرا في إجراءاته ، فالفقرة الثانية من المادة الثالثة تقرر بأن التحكيم يكون دوليا في هذا القانون إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء الى منظمة تحكيم دائمة ، أو مركز للتحكيم يوجد مقره داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها ، فمن المسلم به أن التحكيم الدولي تتعارض طبيعته والتقيد بكافة الضمانات الإجرائية التي يخضع لها التحكيم الداخلي .
فمن هذا العرض نستخلص بوضوح أن المشرع المصري قد أتاح لأطراف التحكيم الخروج جملة وتفصيلا من القواعد الإجرائية التي تضمنها قانون التحكيم الحالي ، بالرغم من أنه هو القانون المفترض إعماله باعتبار أننا بصدد تحكيم يجري على أرض مصر أيا كان نوعه ، إلا أن تلك الحرية يحد منها أمران: أولهما : أن هيئة التحكيم تكون ملزمة في كافة الأحوال بمراعاة المبادئ الأساسية التي تحكم سير الخصومة على النحو الذي عرض له الفقه ، وهى قواعد تتعلق بالنظام العام وتهدف الى ضمان سير عملية التحكيم مع كفالة المساواة وإعماله حق الدفاع على الوجه المنشود ، وهى أمور يلزم مراعاتها دون حاجة الى نص حيث أنها معطى عالمي تتفق بشأنه كافة الهيئات والمؤسسات التحكيمية ، عالمية كانت أم محلية . (بديوي مبروك ، المرجع المشار إليه) .
وهذا ما حرصت على تأكيده المواد 26 ، 31 ، 33 ، 38 من قانون التحكيم الحالي .
وثانيهما : أنه بالنسبة لحالة تحديد الإجراءات بواسطة هيئة التحكيم ، نظرا لغياب اتفاق بشأنها ، فإن هيئة التحكيم تكون ملزمة - في حال كون التحكيم داخليا - بمراعاة القواعد الآمرة والمتعلقة بالنظام العام الداخلي ، الذي يحمي مصلحة عامة ، أما إن كان التحكيم دوليا فسوف تكون ملزمة بمراعاة قواعد النظام العام الدولي لا الداخلي . (محمود مختار بربري ، مرجع سابق ص96 وما بعدها) .
لا يجوز الخروج عليها بالنسبة للتحكيم الداخلي وبذلك يكون المشرع الفرنسي قد حسم موطنا من مواطن الخلاف والشك في قانون التحكيم المصري الحالي . (المرجع السابق - بربري - أبو زيد رضوان) .
أما بالنسبة للنظام الفرنسي فلقد سار المشرع على نفس النهج مميزا بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي ، حيث أفرد لكل منهما نصا خاصا به ، فالفقرة الأولى من المادة 1460 من قانون المرافعات الجديد تقرر بان هيئة التحكيم تحدد الإجراءات الواجبة الاتباع دون تقيد بقواعد وإجراءات التقاضي أمام المحاكم ، إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم ، كما تضيف إليها الفقرة الثانية بأن هيئة التحكيم تكون ملزمة دوما باحترام المبادئ الأساسية الموجهة لسير الخصومة أمام المحاكم . (المرجع السابق)
أما بالنسبة للتحكيم الدولي فتنظمه المادة 1494/1 من قانون المرافعات الجديد التي تقرر حرية الأطراف في تنظيم إجراءات التحكيم بطريق مباشر ، أو بالإحالة الى لائحة تحكيم ، أو لقانون مرافعات معين ، كما تضيف إليها الفقرة الثانية من المادة المذكورة بأنه في حال غياب اتفاق ، فإن هيئة التحكيم هى التي تتولى تنظيم تلك الإجراءات بطريق مباشر أم بالإحالة الى قانون أو لائحة معينة.
ومن مظاهر التمييز بين كل من التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي ، أن المادة 1495 مرافعات تقرر بأن نصوص التحكيم الداخلي الواردة في الأبواب الثلاثة الأولى من الكتاب الرابع لا تسري على التحكيم الدولي الخاضع للقانون الفرنسي ، رغم متا تتسم به بعض نصوص هذه الأبواب الثلاثة من صيغة آمرة
وهذه الإجراءات تشدنا للتحدث عن القانون الذي يحكم سير إجراءات التحكيم ، وكذا القانون الذي يحكم موضوع النزاع وهما على الترتيب التالي :
(1) القانون الذي يحكم سير إجراءات التحكيم :
القاعدة إعفاء المحكم من التقيد بالقواعد الإجرائية التي يتقيد بها قاضي الدولة أثناء تصديه للمنازعات المعروضة أمامه ، ولما كان التحكيم اتفاقي النشأة فإن إرادة الأطراف هى التي تحدد قدر المرونة التي تتمتع بها هيئة التحكيم ، فقد يقيدونها بقانون إجرائي معين ، قد يكون قانون الدولة التي يجري التحكيم على أرضها ، أو التي سيجري التنفيذ فيها ، أو وفقا للقواعد الإجرائية التي تنظمها إحدى لوائح هيئات ومراكز التحكيم الدائمة خاصة إذا كان التحكيم دوليا أو مؤسسيا ، ولا تتوقف تلك المرونة عند هذا المدى ، فقد يفوض الأطراف هيئة التحكيم في اختيار أو تكملة القواعد الإجرائية التي تحكم سير المنازعة محل التحكيم .
تلك المرونة الإجرائية ليست بمطلقة ، بل هى محاطة بحد أدنى من الضمانات يكفل للقرار الصادر في خصومة التحكيم كلا من الاحترام والتقدير الذين يحظى بهما الحكم القضائي متمثلا في القواعد التي تتعلق بضمانات وحقوق الدفاع والقواعد المتعلقة بالنظام العام لدولة التنفيذ أو لدولة مكان التحكيم . (عصام الدين القصبي ، مرجع سابق ص167 وما بعدها) .
وإذا كانت القواعد التي تحكم إجراءات سير المنازعة المطروحة على التحكيم سوف تختلف تبعا لكون التحكيم داخليا أو دوليا ، لكونه طليقا أم تتولاه إحدى هيئات مراكز التحكيم الدائمة ، وتبعا لنهج السياسة التشريعية التي تتبعها الدولة أو الدول التي تنتمي أطراف التحكيم إليها . (المرجع السابق)
ولقد كان المشرع مرتبطا الى حد كبير باتباع إجراءات المرافعات ، حيث كان وفقا للمادتين 834 ، 835 من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 لا يعفي المحكم من اتباع إجراءات المرافعات إلا إذا حصل الإعفاء منها صراحة أو كان المحكم صالحا . تطور الأمر بعد ذلك خطوة الى الأمام ، حيث كانت المادة 506 من قانون المرافعات الحالي رقم 13 لسنة 1968 - والملغاة بقانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 - تنص على أن المحكمين يصدرون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات عدا ما نص عليه في باب التحكيم ، وبمقتضى النص المذكور ، كان المحكم معفيا من التقيد بإجراءات المرافعات ما عدا الإجراءات والأوضاع والمواعيد المقررة في باب التحكيم (م501 - 513 مرافعات) حيث كانت تقرر ضمانات أساسية للخصوم في هذا الصدد وهم ما قبلوا الاتفاق على طرح النزاع على غير المحكمة المختصة إلا على أساس احترام الأحكام التي تقررها تلك المواد . (أبو الوفا ، مرجع سابق ، نقض 16/2/1971 السنة 22 ص139) .
أيضا فمحكمة التحكيم كانت تتقيد في ظل المادة المذكورة باحترام الإجراءات والأوضاع المتعلقة بالنظام العام خاصة تلك التي تتعلق بحقوق الدفاع وضماناته ، كما كانت تلتزم أخيرا باحترام الإجراءات والأوضاع والمواعيد التي قد يتفق عليها الخصوم في عقد التحكيم أو في عقد لاحق ليسير على هديها المحكمون . (أبو الوفا ، مرجع سابق ص216 وما بعدها) .
وإذا كان هذا هو حال التشريع المصري السابق ، فإن المشرع الحالي قد خطى خطوات جريئة في عالم التحكيم بجمعه لكافة أحكامه أيا كان نوعه في قانون واحد ، حيث تتصدى منه للقواعد التي تحكم إجراءات سير المنازعة المادة 25 التي تقضي بأن لطرفى التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أى منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها ، فإذا لم يوجد مثل هذا القانون أن تختار إجراءات التحكم التي تراها مناسبة ، فالنص المذكور وإن كان يقرر أن هيئة التحكيم تصدر أحكامها غير مقيدة بإجراءات المرافعات ، إلا إذا أراد طرفى التحكيم أو هيئة التحكيم تطبيق إجراءات المرافعات في قانون معين ، إلا أنه يميز بين الفرضين التاليين :
الفرض الأول : وهو مطلق ، حيث يقرر لطرفة التحكيم الحرية المطلقة في الاتفاق على الإجراءات المتعلقة بالمرافعات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما الكامل في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أى منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها .
أما الفرض الثاني : فهو فرض احتياطي ومقيد ، لأنه يقرر أنه في حال غياب اتفاق طرفى التحكيم على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم على النحو السابق فإن لهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 ، أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة ، سواء أكانت إجراءات مرافعات أو غيرها .
والواقع أن مقارنة الفرضين تجرنا الى القول بأن مرحلة تحضير القانون المذكور لم تعالج هذا الموضوع معالجة كافية لأنها كانت منصبة على التحكيم التجاري الدولي ، بينما كانت تترك التحكيم الداخلي لأحكام المواد 501 - 315 مرافعات ، ثم فاجأنا التشريع الحالي بصورته الموحدة ، وبالتالي فإنه مازال يفتح الباب للتساؤلات الآتية : هل نصوص قانون التحكيم الحالي آمرة وأساسية ولا غنى عنها ، وبالتالي لا يجوز مخالفتها أو الاتفاق على ما يخالفها على فرار القواعد التي كان يقررها باب التحكيم في قانون المرافعات الحالي ، حيث كانت هيئة التحكيم تلتزم بها باعتبارها تقرر ضمانات أساسية للخصوم في هذا الصدد ، أم أنها نصوص احتياطية أو مكملة لما يحدده طرفا التحكيم ؟
بخصوص الفرض الأول : نقول إن نص المادة صريح وواضح في أنه يقرر لطرفى التحكيم الحرية المطلقة في تحديد الإجراءات التي تحكم سير المنازعة ، وبالتالي فلهم تجاهل كافة القواعد التي يقررها قانون التحكيم الحالي ، ما عدا تلك التي تتعلق بأصول التقاضي وبعبارة أدق بالنظام العام ، ووجه الاختلاف بين الأحكام السابقة التي كان يقررها باب التحكيم في قانون المرافعات وقانون التحكيم الحالي ، أن الأولى كانت قليلة ومحدودة وتمثل الحد الأدنى من الضمانات اللازمة لسير خصومة التحكيم . (فتحى والي ، الوسيط - عزمي عبد الفتاح ، التحكيم الكويتي ص241) .
بينما تعالج نصوص قانون التحكيم الحالي كافة موضوعاته معالجة شبه كاملة ، وبالتالي فهى تتضمن نصوصا احتياطية واسترشادية ، بل واختيارية لمن يرغب في إعمالها ، يؤيد قولنا هذا ما تقرره المذكرة الإيضاحية لقانون التحكيم حيث تقول " وتأتي بعد ذلك إجراءات التحكيم شريطة مراعاة أصول التقاضي ، وفي مقدمتها المساواة بين الطرفين وتهيئة فرصة كاملة ومتكافئة لكل منهما لعرض قضيته ، ثم ترد قواعد التنظيم الاحتياطي الذي وضعه المشروع لمواجهة الفرض الذي لا يتفق فيه الطرفان على قواعد الإجراءات ، وهكذا فليست كلها أساسية وملزمة ، بل بعضها فقط هو الملزم ، وأما غالبيتها فهى احتياطية ، وهذا ما أكده الفقه بصدد الإجابة عن التساؤل عما إذا كان الأطراف يتمتعون بحرية مطلقة ، بحيث يتسنى لهم الاتفاق على مخالفة نصوص القانون الآمرة ، حيث تصدى لذلك بعض الفقهاء مقررا أن القيمة العملية لها السؤال ضئيلة للغاية لأن معظم نصوص القانون المصري المتعلقة بالإجراءات نصوص مقررة . (محمود مختار بربري ، التحكيم التجاري الدولي بد 41) .
أما بالنسبة للفرض الثاني : وهو الذي يعالج عدم اتفاق الخصوم على قواعد الإجراءات التي تحكم سير خصومة التحكيم حيث يكون بهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام هذا القانون أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة ، ورغم نص الفرض الثاني على مراعاة أحكام قانون التحكيم الحالي إلا أنه يثير التساؤل التالي : هل هذه المراعاة عامة ومطلقة أم أنها خاصة ومقيدة بالنصوص التي تعالج قواعد أساسية لا غنى عنها على غرار ما انتهينا إليه ، وبالنسبة للفرض الأول : نقول إذا كان الأصل والقاعدة أن العام يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه ، وبالتالي فإن المراعاة تشمل كافة القواعد التي تقرر الإجراءات فإن العقل والمنطق يقتضيان تخصيص تلك المراعاة بالقواعد التي تقرر الضمانات الأساسية التي لا غنى عنها وخاصة أن القانون الحالي يعالج التحكيم بكافة أنواعه مقررا أن بإمكان أطراف التحكيم جعله دوليا بسهولة ويسر ، وبالتالي يحدث انفراجا كبيرا في إجراءاته ، فالفقرة الثانية من المادة الثالثة تقرر بأن التحكيم يكون دوليا في هذا القانون إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء الى منظمة تحكيم دائمة ، أو مركز للتحكيم يوجد مقره داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها ، فمن المسلم به أن التحكيم الدولي تتعارض طبيعته والتقيد بكافة الضمانات الإجرائية التي يخضع لها التحكيم الداخلي .
فمن هذا العرض نستخلص بوضوح أن المشرع المصري قد أتاح لأطراف التحكيم الخروج جملة وتفصيلا من القواعد الإجرائية التي تضمنها قانون التحكيم الحالي ، بالرغم من أنه هو القانون المفترض إعماله باعتبار أننا بصدد تحكيم يجري على أرض مصر أيا كان نوعه ، إلا أن تلك الحرية يحد منها أمران: أولهما : أن هيئة التحكيم تكون ملزمة في كافة الأحوال بمراعاة المبادئ الأساسية التي تحكم سير الخصومة على النحو الذي عرض له الفقه ، وهى قواعد تتعلق بالنظام العام وتهدف الى ضمان سير عملية التحكيم مع كفالة المساواة وإعماله حق الدفاع على الوجه المنشود ، وهى أمور يلزم مراعاتها دون حاجة الى نص حيث أنها معطى عالمي تتفق بشأنه كافة الهيئات والمؤسسات التحكيمية ، عالمية كانت أم محلية . (بديوي مبروك ، المرجع المشار إليه) .
وهذا ما حرصت على تأكيده المواد 26 ، 31 ، 33 ، 38 من قانون التحكيم الحالي .
وثانيهما : أنه بالنسبة لحالة تحديد الإجراءات بواسطة هيئة التحكيم ، نظرا لغياب اتفاق بشأنها ، فإن هيئة التحكيم تكون ملزمة - في حال كون التحكيم داخليا - بمراعاة القواعد الآمرة والمتعلقة بالنظام العام الداخلي ، الذي يحمي مصلحة عامة ، أما إن كان التحكيم دوليا فسوف تكون ملزمة بمراعاة قواعد النظام العام الدولي لا الداخلي . (محمود مختار بربري ، مرجع سابق ص96 وما بعدها) .
لا يجوز الخروج عليها بالنسبة للتحكيم الداخلي وبذلك يكون المشرع الفرنسي قد حسم موطنا من مواطن الخلاف والشك في قانون التحكيم المصري الحالي . (المرجع السابق - بربري - أبو زيد رضوان) .
أما بالنسبة للنظام الفرنسي فلقد سار المشرع على نفس النهج مميزا بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي ، حيث أفرد لكل منهما نصا خاصا به ، فالفقرة الأولى من المادة 1460 من قانون المرافعات الجديد تقرر بان هيئة التحكيم تحدد الإجراءات الواجبة الاتباع دون تقيد بقواعد وإجراءات التقاضي أمام المحاكم ، إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم ، كما تضيف إليها الفقرة الثانية بأن هيئة التحكيم تكون ملزمة دوما باحترام المبادئ الأساسية الموجهة لسير الخصومة أمام المحاكم . (المرجع السابق)
أما بالنسبة للتحكيم الدولي فتنظمه المادة 1494/1 من قانون المرافعات الجديد التي تقرر حرية الأطراف في تنظيم إجراءات التحكيم بطريق مباشر ، أو بالإحالة الى لائحة تحكيم ، أو لقانون مرافعات معين ، كما تضيف إليها الفقرة الثانية من المادة المذكورة بأنه في حال غياب اتفاق ، فإن هيئة التحكيم هى التي تتولى تنظيم تلك الإجراءات بطريق مباشر أم بالإحالة الى قانون أو لائحة معينة.
ومن مظاهر التمييز بين كل من التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي ، أن المادة 1495 مرافعات تقرر بأن نصوص التحكيم الداخلي الواردة في الأبواب الثلاثة الأولى من الكتاب الرابع لا تسري على التحكيم الدولي الخاضع للقانون الفرنسي ، رغم متا تتسم به بعض نصوص هذه الأبواب الثلاثة من صيغة آمرة