جنحة عدم الإبلاغ بوقوع جريمة
عدوان على أمن دولة
 
تنص المادة (84) من قانون العقوبات على أنه" يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من علم بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب ولم يسارع إلى إبلاغ السلطات المختصة .
وتضاعف العقوبة إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب .
ويجوز للمحكمة أن تعفى من العقوبة زوج الجاني وأصوله وفروعه" .
والركن المادي لهذه الجنحة سلبي يتخذ صورة الامتناع عن تحقيق حدث نفسي مطلوب يتمثل في إبلاغ مضمون نفسي معين إلى السلطات المختصة وهو أن جريمة قد وقعت من جرائم العدوان على أمن الدولة الخارجي السابق لنا أن نتناولها بالتفصيل . فجريمة عدم الإبلاغ جريمة حدث متخلف  ، حدث لم يقع وكان يجب وقوعه هو حدث الإبلاغ .
ولا يهم الباعث على عدم الإبلاغ أي على التهاون في تحقيق الحدث الواجب . فقد يكون الرغبة في التستر على مرتكبي الجريمة التي كان يلزم الإبلاغ عنها ، وقد يكون الحرص على تفادي ما يجره الإبلاغ من سؤال وتحقيق يضيع معهما وقت المبلغ . والواقع أن الإبلاغ بوقوع جريمة رخصة نصت عليها المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية ولم تقر هذه المادة لعدم استخدام تلك الرخصة عقابا ما . غير أن المادة 84 من قانون العقوبات ، وهي المادة التي نحن بصددها ، اعتبرت عدم الإبلاغ بجريمة من جرائم العدوان على أمن الدولة الخارجي حقيقا بالعقاب بمعنى أنه في هذه الجرائم بالذات وبالنظر إلى جسامتها الخاصة وتهديدها كيان الوطن المعنوي بالانهيار ؛ جعل الالتزام عنها التزاما لا محضر رخصة وتقرر العقاب على الإخلال بهذا الالتزام .
ويلاحظ أن عدم الإبلاغ معاقب عليه أيا كانت الجريمة التي لم يبلغ عنها . فيكفي أن تكون أية واحدة من تلك الجرائم التي تحدثنا عنها فيما تقدم بالتفصيل وهي الجرائم المنصوص عليها في الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات .
ومن بين تلك الجرائم – كما رأينا – محض الاتفاق على جناية من جنايات العدوان على أمن الدولة مما أشارت إليه المادة 82ب .
ومعنى ذلك أن عدم الإبلاغ عن الجريمة ولو اتخذت صورة مجرد اتفاق من ذلك القبيل يكون الجنحة التي نحن بصددها . فالدولة تحرص لا على ضبط الجرائم بعد أن تكون أمرا واقعا فحسب ، وإنما ترمي كذلك إلى ضبط مجرد الاتفاق على ارتكابها ولو لم تكن قد ارتكبت بعد .
وبديهي أنه يلزم لتوافر الجريمة أن يكون الممتنع عن الإبلاغ على علم بوقوع الجريمة ومع ذلك لم ينقل إلى السلطات المختصة خبر وقوعها .
ويكون على النيابة العمومية أن تقيم الدليل على توافر ذلك العلم لدى المتهم . وتستخلصه محكمة الموضوع من كافة الظروف والملابسات الدالة على قيامه . وهو من قبيل العناصر النفسية في الركن المادي المكون للجريمة . بمعنى أنه لا يسوغ بادئ ذي بدء اتهام أي شخص كائنا من كان بعدم الإبلاغ ، بل يتعين أن ينصرف الاتهام إلى الشخص الذي تنهض الأدلة على أن لديه علما بالجريمة ومع ذلك لم يبلغ بها . وبديهي أنه يشترط في ذلك العلم بالجريمة أن يكون منحصرا في المتهم وألا يكون قد تفشى إلى درجة تتيح تهيأه حتى للسلطات ذاتها .
ويغلب أن تتوافر جريمة عدم الإبلاغ من جانب من يشارك الجاني مرتكب العدوان على أمن الدولة الخارجي ، في ذات المسكن مثلا ، أو يكون أخا شقيقا له يلازمه ويتابعه في كل ما يبدو منه . إذ يكون مثل هذا الظرف معززا بظروف أخرى في الواقعة ، دليلا على أنه يقوم لدى المتهم الممتنع عن التبليغ ، علم بوقع الجريمة التي كان يلزم التبليغ عنها .
غير أن القانون قد قرر سبب إعفاء من عقوبة عدم التبليغ ، وهو أن يكون الممتنع عن الإبلاغ زوجا لمرتكب الجريمة أو أصلا أو فرعا له ، تفاديا التصدع الذي يصيب الأسرة لو تقرر العقاب حتى بالنسبة لواحد من هؤلاء يرى نفسه مضطرا إلى التقدم بالبلاغ ضد زوج أو ابن أو أب فيعدم مدى الحياة مودته . ولكن الإعفاء لا يمتد إلى غير هؤلاء ، بمعنى أنه لا يشمل الأخوة أو الحواشي كالعم أو الخال أو ابن العم أو الخال .
ويلاحظ أنه حتى بالنسب للزوج أو الأصل أو الفرع ، يكون الإعفاء من عقاب عدم التبليغ جوازيا للمحكمة وليس وجوبيا . فإذا كانت الجريمة التي لم يبلغ عنها بالغة الجسامة حدا لا يطيقه الضمير ، يكون للمحكمة ألا تعفي الزوج أو الأصل أو الفرع الممتنع عن التبليغ بها من عقوبة هذا الامتناع .
وحين يتحقق الامتناع عن التبليغ في زمن الحرب تضاعف له العقوبة حسبما كانت أم غرامة .