•        وأسباب الموت من الجروح مرتبة ترتيبا زمنيا هى :
1- الصدمة العصبية : ونعنى بها اضطراب دورى ناشئ عن فعل منعكس للاصابة وبذلك تحدث بعد الاصابة مباشرة – وهذه الصدمة على نوعين رئيسيين :
أ‌-       أما ان تكون ناشئة عن النهى الباراشمبثى للقلب  نتيجة تنبيه العصب الحائر وهو ما يسمى الغشى"syncope" وتعرف هذه بسرعة ظهور اعراضها وهى الاغماء وبهاتة الجلد والعرق الغزير والغثيان وهبوط شديد فى ضغط الدم وبطء النبض او توقفه كلية ثم سرعان ما يفقد المصاب وعيه ، وفى معظم الحالات تزول الاعراض بعد بضع ثوان او دقائق على الاكثر – وتنشأ هذه الصدمة عادة من الضغط على المشير ( الجيب) السباتى "carotid sinu"فى الرقبة ( كما فى بعض حالات الشنق او الخنق ) او من الغصة بالماء او الطعام ( دخول ماء او طعام الى الحنجرة ) او عند عمل بزل للصدر او اى عملية بسيطة اخرى وبخاصة اذا كان المريض مضطرب الاعصاب ( ولاتحصل هذه الصدمات مطلقا اذا اعطى المريض اتروبين قبل العملية) او من الامتلاء المفاجئ لبعض الاحشاء كالمعى او الرحم ( كما يحصل عند محاولة الاجهاض بحقن ماء او غيره فى الرحم) او نتيجة ضربات طفيفة وخاصة اذا وقعت على الحنجرة او الصدر او البطن او الاعضاء التناسلية - وفى احوال نادرة قد يحصل الغشى نتيجة صدمة نفسية شديدة مفاجئة (كما يحصل عندما يسمع احدهم بوفاة قريب عزيز على غير انتظار)
    ولا تحمل هذه الصدمة فى حالة الضرب الشديد المؤلم بل العكس تشفى هذه الصدمة بأى شئ مؤلم . وفى معظم الحالات تزول هذه الاعراض بعد بضع ثوان بسبب معاودة بطينات القلب لعملها حتى مع استمرار تنبيه العصب الحائر الا انه فى عدد نادر من الحالات قد يتوقف القلب تماما دون ان يتمكن من الاستمرار فى عمله والخروج من تأثير العصب الحائر عليه كما يحصل عادة وبذلك يموت المصاب فى التو واللحظة  عند حصول الاصابة – اما اذا مضت أى فترة ولو قصيرة على الاصابة فلا يكون الموت ابدا نتيجة النهى الباراشمبثى. وفى هذه الحالات لايجد فى الجثة بعد الوفاة اى احتقان حشوى كالذى يشاهد فى معظم حالات الوفاة وبخاصة الاختناق – بل على العكس يرى الجثة باهتة الجلد باهتة الاحشاء ويكون القلب على العموم وبخاصة الناحية اليمنى خاليا من الدم تمام وكذلك الاوردة الكبيرة جميعها ترى خالية من الدم منطبقة الجدران .
ب-أما إذا كانت الجروح مؤلمة وبخاصة اذا كانت مصحوبة بتهيج عصبى أو نفسى او بمجهود عصبى او نفسى او بمجهود جسمى كما يحدث فى المشاحنات مثلا فإن القلب ينبه عن طريق العصب وافراز الادرينالين ، واقصى ما يحدثه هذا التنبية فى القلب السليم هو ظهورها بعض اضطراب فى ضربات القلب وسرعة فى التنفس واحتقان فى الوجه وعلى الجملة علامات واعراض تشبه اعراض فشل القلب – اما اذا كان القلب به مرض ( كما يحصل فى حالات تصلب شرايين القلب مثلا) فإن مثل هذه الاصابات تؤدى الى انقباض خيطى بعضلة البطين"ventricular fibrillation" وعندئذ تحصل الوفاة من فشل القلب . واعراض هذا النوع من الصدمة العصبية هى نفسها اعراض فشل القلب الاحتقانى الحاد – تبدأ بألم شديد يشبه الذبحة الصدرية مصحوب بضيق فى التنفس مع زراق الوجه واختناقه ، وسعال مع خروج زبد رغوى مدمم من الفم والانف ، وسرعة فى النبض وارتفاع فى ضغط الدم ، واتساع الحدقتين ورجفة عضلية فى الاطراف وتستمر هذه الاعراض لمدة تصل الى ساعة او اكثر وقد تبدأ بعد المشاحنة او الضرب مباشرة بل قد يظهر إلا بعد ذلك ببضع دقائق او اكثر نتيجة التهيج العصبى الذى يلى مثل المشاحنات – والذى يجب ان نؤكده هنا ان الموت نتيجة هذا التنبية الشمبثى للقلب لا يمكن ان يحدث فى شخص سليم القلب أبدا بل لابد له من وجود مرض سابق فى القلب ويجب لذلك توضيح هذا المعنى فى التقارير الطبية الشرعية او شهادات الوفاة المحرره لمثل هذه الحالات .
       وتظهر الصفة التشريحية فى كل هذه الحالات مرضا سابقا بالقلب مثل تصلب الشرايين التاجية او تشحم عضلة القلب او تليفها او ضمورها البنى او غير ذلك من الامراض ثم تظهر على الجثة عامة اعراض احتقان شديد مع اوديمة رئوبة وزبد رغوى مدمم بالمسالك التنفسية ونقط نزفية صغيرة تحت الجنبة ( بلورة ) والبروتيون وغيرهما.
        من كل ذلك يتضح ان الموت يجب ان لايرجع الىالصدمة العصبية الااذا وقع بعد الاصابة مباشرة او بعد فترة وجيزة لا تتعدى بضع دقائق الى ساعة وكانت الجثة خالية من اى سبب للوفاة ثم وجود اعراض وعلامات تشبه اى من نوعى الصدمة العصبية الموصوفة قبل ذلك – وما لم توجد مثل هذه العلامات ، فلا محل لا رجاع الموت الى الصدمة العصبية (أو ما يسميه بعضهم بالوفاة من الفعل المنعكس).
2- الصدمة الدموية او الثانوية : وهى اضطراب دموى يظهر تدريجيا بعد الاصابة ويرجع سببه الى نقص كمية الدم فى الجهاز الدورى -  وهناك تعليلان لنقص الدم هذا احدهما يرجهه الى رشح كمية كثيرة من المصل او الدم فى موضوع الاصابة وثانيهما يقول انه ناشئ عن اتساع الشعيرات الدموية عامة مما يؤدى الى تراكم كمية كبيرة من الدم فيها وبذلك لا يبقى من الدم الا جزء يسير يدور فى القلب والاوعية - والحقيقة ان العاملين يتداخلان دائما اذا ان توسع الشعيرات يؤدى الى رشح البلازمة منها والعكس بالعكس .
     وتظهر اعراض الصدمة الدموية تدريجيا بعدة مدة من الاصابة بشكل قد يكون غير ملحوظ الا بعد مضى وقت طويل ونبدأ بالاحساس بنهوكة الجسم وضعف عضلى وخمول وهبوط عام وهبوط درجة الحرارة وبهاتة لون الجلد مع عرق غزير بارد يغطى الجلد وعطش شديد وسرعة فى النبض والتنفس وهبوط فى ضغط الدم مصحوب بهبوط أشد فى ضغط النبض "pulse pressure" اما العلامات التشريحية فهى احتقان عام فى الاحشاء وانزفة نقطية تحت البلورة والبريتون وفى كل الانسجة والاغشية مع أوديمة الرئتين وعلى الجملة علامات تشبه العلاقات التى توجد فى الموت من الاختناق"asphyxia".
3- النزف او فقد الدم : وقد ينتج عن تمزق فى الاوردة او الشرايين او الشعيرات واشده خطرا النزف الشريائى وبخاصة فى الجروح القطعية او الطعنية  والنزف الوريدى عادة قليل الخطرالا اذا كان من وريد كبير كأوردة الرقبة اما النزيف الشعيرى فعادة محدود جدا الا فى بعض الامراض كالهيموفيليا حيث يأخذ النزف الشعيرى مظهرا خطيرا .
    ويقسم النزف تبعا لوقت حدوثه بعد الاصابة الى نزف اولى وهو الذى يتبع الاصابة مباشرة ونزف تفاعلى ( ويحصل فى نفس موضوع الاصابة ولكن بعدها ببعض ساعات الى اربعة وعشرين ساعة ) ويعتقد انه ناتج عن ارتفاع ضغط الدم بعد زوال حالة الصدمة وعن حركة العضلات حول الاصابة مما يسبب حركة الخثرات الدموية التى تتكون وتقفل الاوعية المقطوعة ، ونزف ثانوى وينتج عن عدوى موضوع الاصابة بالبكتريا القيحية وغيرها مما يسبب تحلل الخثرات الدموية التى تقفل الاوعية المقطوعة فيعاود النزيف بعد توفقه ببضعة ايام قد تصل الى عشرين يوما وقد يتأخر ظهور النزف الثانوى فى احوال نادرة الى ثلاثة اشهر بعد الاصابة .
       ويقسم النزف تبعا لموضعه الى نزف خارجى يخررح فيه الدم من الجسم الى الخارج ونزف داخلى يخرج الدم فيه الى تجويف من تجاويف الجسم كالبطن او الصدر او الرأس - ويعرف النزف الخارجى بالدم الظاهر خارج الجسم والمعروف ان الشخص البالغ قد يفقد نصف لتر من دمه دون اى اعراض اما اذا زادت الكمية المفقودة عن لتر فإن اعراضا عامة تظهر على المصاب وقد يصبح النزف خطرا على الحياة اذا زادت كمية الدم عن لترين ( اى ثلث كمية الدم العادية) ، وسرعة النزف عامل هام فى خطورته فقد ينزف الشخص اكثر من لترين من دمه على مدة طويلة دون اى اعراض - اما النزيف الداخلى فليس خطره ناشئا عن كمية الدم المفقود بل عن ضغط الدم النازف على بعض الاعضاء الهامة فنزف بضعة عشرات من السنتيمترات المكعبة من الدم داخل التامور او البلورة او نزف بضعة نقط من الدم داخل المخ يؤدى الى الوفاة بالضغط على المخ او القلب او الرئتين .
       ونزف الدم يؤدى الى قلة كمية الدم فى الجهاز الدورى وبذلك يق الاكسجين فى الانسجة تماما كما يحصل فى حالات الصدمة الثانوية ، ولذلك فإن الاعراض والعلامات الناشئة عن النزف هى نفسها اعراض وعلامات الصدمة الدموية والعلامات التشريحية فى الجثة هى عدم وضوح التلون الميتى وبهاتة لون الجثة وكذلك بهاتة الاحشاء الداخلية وخلو القلب والأوردة من الدم وصغر حجم الطحال وكثيرا ما توجد نقط نزيفة صغيرة تحت بطانة القلب وبخاصة فى البطين الايسر والايمن – كل ذلك بالاضافة الى وجود الدم المنزوف اما فى الخارج حول الجثة او داخل اى من تجاويفها – والعلامات التشريحية هذه لا توجد بالطبع فى حالة النزف الداخلى فى الرأس او التامور نظرا لان الوفاة هنا ليست بسبب فقدان الدم بل بسبب اخر هو الضغط على المخ او القلب.
4- عدوى الجروح بالبكترية :  وقد تنشأ العدوى من دخول البكترية الى الجرح وقت الاصابة من الجلد او الملابس او الطريق وغير ذلك كما قد تصل العدوى الى الجرح بعد وقت من حصوله نتيجة تلوث الغيارات مثلا ، وهذا النوع الاخير من العدوى يمكن تلافيه دائما بالعناية بالجروح بعد حصولها - وفى حالة الكدمات او كسور العظام البسيطة قد تصل العدوى الى الجرح عن طريق الدم منقولة من اى بؤرة قيحيه فى الجسم كاللوزتين او الزائدة الدودية وغيرها وقد يصعب اثبات علاقة الاصابة بالعدوى فى مثل هذه الحالات وان كان المعروف علميا ان الاصابة تمهد المكان لاستقرار البكترية الدائرة فى الدم .
      والبكتريا التى تعدى الجروح وتضاعفها قد تكون قيحية ( مثل المكور العنقودى او السبحى او البكترية القولونية وغيرها) وتنتج هذه العدوى تقيحات موضعية ( خراجات او التهابات فلغمونية) او تقيحات عامة ( قيحية الدم) كما قد تكون العدوى بالبكترية اللاهوائية وبخاصة فى الجروح المتهتكة فى حوادث الطريق حيث يوجد بكترية الغنغرينا الغازية او الالتهاب الغلغمونى .
      وعدوى الجروح بباسيل التتانوس نادرة الا فى من لم يحصن بالصل الوافى والباسيل لا يدخل عميقا فى الجسم بل يعيش قرب السطح حيث يخرج سما شديد الاثر على الاعصاب يظهر اثره عادة فترة تتراوح بين خمسة ايام وخمسة عشر يوما وقد تطول نادرا الى بضعة اسابيع او شهور وعندئذ قد لا يوجد اى اثر يدل على الجرح سبب العدوى منهم إلا ندبة صغيرة لا يظهر عليها اى علامات خاصة .