شرح و تعليق
على
نظام المعهد العالي للقضاء
( الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 35/2010 )
دراسة مقارنة
الجزء الأول
تأليف
الدكتور محمود صالح العادلي
أستاذ القانون الجنائي
بكلية الشريعة والقانون بطنطا - جامعة الأزهر
والمحامي أمام محكمة النقض والإدارية العليا
والدستورية العليا بمصر
وأمام المحكمة العليا بسلطنة عُمان
الطبعة الأولى
1431 هـ / 2010 م
الناشر
دار النهضة العربية
32 ش عبد الخالق ثروت – القاهرة
لاجدال في أن مسيرة العدالة في السلطنة تتقدم يوماً بعد يوم ، إذ صاحب بناء الدولة العصرية – الذي بدأت شرارته الأولى فى الثالث والعشرين من يوليو 1970- انفتاح فكرى وثقافي على حضارات الدول الأخرى ، والاستفادة من تجارب هذه الحضارات فى شتى نواحي المعرفة ، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المجتمع العماني – صاحب الحضارة العريقة – وظروفه البيئية والإنسانية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
فليس كل ما هو صالح للتطبيق في مجتمع ما ، يصلح بالضرورة في بيئة مغايرة في مجتمع آخر .
ويهمنا – هنا – أن نشير إلى أن السلطنة حرصت أن تستقبل القرن الحادي والعشرين بجملة من القوانين التي أخذت بما انتهت إليه تجارب الشعوب والدول الأخرى ، بالقدر الذي جعل هذه القوانين تمثل الطبعة الأخيرة في الفكر القانوني والقضائي في العالم .
• ومن أهم هذه القوانين ، ما يلي :
1- قانون الجزاء العماني – الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7 /74 الصادر في 16 فبراير 1974م .
2- قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 17 /99 – الصادر في 6 مارس 1999م .
3- قانون السلطة القضائية - الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 90 /99 – الصادر في 21 نوفمبر 1999م .
4- قانون محكمة القضاء الإداري الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 91 /99 – الصادر في 21 نوفمبر 1999م .
5- قانون إنشاء الادعاء العام - الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 92 /99 – الصادر في 21 نوفمبر 1999م .
6- قانون الإجراءات الجزائية - الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 97 /99 – في 1 ديسمبر 1999م .
7- قانون تسليم المجرمين - الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 4 /2000 – في 22 يناير 2000م .
وكأن سلطنة عُمان أبت ألا تدخل القرن الحادي والعشرين إلا بمنظومة قانونية قضائية متكاملة ومتحضرة . فهذه المنظومة تجسد نهضة حضارية فكرية في عالم القانون والقضاء ، نقلة حضارية تدخل بها سلطنة عُمان قرناً جديداً ، بفكر جديد متطور يواكب المعطيات الحضارية المعاصرة ، وتوازن بين هذه المعطيات والأصول والجذور الحضارية والتاريخية للمجتمع العماني .
ولا يثور من الشك أدناه أن هذه النهضة الحضارية بحاجة ماسة لمن يكشف عن جوانبها ومعالمها وأبعادها ، وهو أمل يرنو إليه كل المشتغلين بالقانون والقضاء ، ولذا نأمل أن تتجه جهود أساتذة القانون وكل باحث في عالم القانون – داخل السلطنة - إلى الكشف عن أبعاد هذه النهضة الحضارية .
وهذا المُؤلَف هو مجرد مساهمة – بسيطة - في ذلك . وقد سبقه مؤلف آخر هو : شرح وتعليق على قانون الادعاء العام ؛ الذي شرف بأن يتوج بمقدمة لسعادة المدعي العام / حسين بن علي بن زاهر الهلالي ؛ وتكفل بطباعته جهاز الادعاء العام بالسلطنة ؛ وذلك عام 2006 م .
أما موضوع الكتاب الماثل فهو : شرح وتعليق على قانون إنشاء المعهد العالي للقضاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 35 / 2010 .
تصاعد الخط البياني لمسيرة العدالة العُمانية :
وفي واقع الأمر وحقيقته أن مَنْ يتتبع مسيرة العدالة في السلطنة ... يعجب لتصاعد الخط البياني لهذه المسيرة ؛ فهى باستمرار في تصاعد مستمر ؛ بل تصاعد يصل أحيانا إلى حد القفزات المتتالية الراسخة .
صحيح أن الدراسات تشير إلى أن أول تنظيم قضائي في سلطنة عُمان كان في عام 1920م ، حيث تم إنشاء محكمتين تجارية و مدنية عدلية في كل من مسقط و مطرح .
بيد أن التطور الفعلي للقضاء في سلطنة عُمان بدأ في عام 1970 بتولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ( رئيس المجلس الأعلى للقضاء ) مقاليد الحكم ، إذ انطلقت السلطنة في بناء مؤسسات الدولة العُمانية و إصدار التشريعات المنظمة لها و التي من بينها النظام القضائي.
ولقد توج ذلك بصدور المرسوم السلطاني رقم 35/2010 بإنشاء ( المعهد العالي للقضاء ) ؛ الذي يبدو أن نقطة الانطلاق الأولى له ستصاحب احتفال السلطنة بالعيد الوطنى الأربعين .
ومن المتوقع – في نظرنا - أن يكون هذا الإنطلاق مع بداية العام القضائي القادم ( 2010/ 2011م ). وذلك بعد استكمال التكوين الهيكلي للمعهد سواء على مستوى أعضاء هيئة التدريس ؛ أم على مستوى الهيكل الإداري للمعهد .
ولاشك في أن القائمين على إنشاء هذا المعهد سيحرصون على أن تكون بداية نشاطه : بصورة متميزة ؛ من خلال عقد الدورات التأهيلية والتدريبية لبعض المستهدفين بنشاط هذا المعهد . سواء من القضاة المساعدين أم معاوني الإدعاء العام الجدد أم من غيرهم .
وأياً كان الأمر بشأن بداية انطلاق هذا الصرح العلمي من صروح العدالة ؛ إلا أنه من المتوقع أن يكون سقف التطلعات التى يسعى إلي تحقيقيها هذا المعهد بلا حدود .
نعم ؛ بلا حدود سواء فيما يتعلق بالزمان أم المكان أم الإنسان . وسواء فيما يتعلق بالموضوع .
وذلك على التفصيل التالي :
1- عدم محدودية التطلعات الزمنية :
لاشك – حسب رأيي - في أن المعهد العالي للقضاء لن يكون محدوداُ زمنياً بوقت معين لأداء دوراته التأهيلية والتدريبية . فهو غير محدود زمنيا بزمن العام القضائي ؛ ولا بساعات الدوام الرسمي .
فهو على مدار العام سيكون مشغولاً ومنشغلاً بهذه الدورات ؛ إذ أنه سيستغل الفترة من أكتوبر إلى يونيو ( وهى الفترة الزمنية للعام القضائي ) لتدريب وتأهيل المستهدفين بنشاطه مِمَنْ لا يرتبطون بالعام القضائي ؛ وذلك مثل : القضاة المساعدين أو معاوني الإدعاء العام الجدد أو الكتاب بالعدل الجدد أو الموظفون الجدد بالهيئات القضائية المختلفة أوغيرهم مِمَنْ لم يستلموا عملهم بعد ؛ فوجودهم في هذه الدورات لن يتعطل معه عمل ما .
أما خلال الإجازة القضائية ( التي تبدأ في يوليو حتى نهاية سبتمبر من كل عام ) فمن المتوقع – حسبما نرى - أن يركز المعهد على ممارسة نشاطه بالنسبة لقدامي القضاة وأعضاء الإدعاء العام والكتاب بالعدل وغيرهم مِمَنْ هم مستهدفين بنشاط هذا المعهد ؛ وذلك حتى لا تتعطل أعمالهم .
وليست أهداف المعهد ستكون غير محدود زمنياً بحدود العام القضائي ؛ بل أيضاً من المتوقع ألا تكون غير محدودة زمنياً بساعات الدوام الرسمي ؛ أم كيف ذلك ؟
فالرد سهل يسير . إذ أنه من المتوقع أن يستفيد المعهد بالتكنولوجيا الحديثة ؛ ومن صور ذلك - في نظرنا – أن المعهد سينشئ له موقعاً على الإنترنت ؛ وهذا الموقع سيتيح للمستهدفين بخدمات هذا المعهد من الاستفادة بكافة المواد العلمية المتاحة عليه بشأن دورات التدريب والتأهيل المطروحة ؛ ناهيك عن أنه من المأمول أن يكون للمعهد مكتبة ورقية وأخرى إليكترونية ؛ يمكن الاستفادة منها بمعرفة المستهدفين بنشاط هذا المعهد .
2- عدم محدودية التطلعات المكانية :
صحيح أن موقع المعهد سيكون بنزوي ؛ ولكن ليس معنى ذلك أن نشاط المعهد سيكون محدودا بمكان المعهد .
ومن المتصور أن تكون عدم المحدودية المكانية ؛ في حالات خاصة كأن جهة حكومية ما – على سبيل المثال - بحاجة إلى دورة لمدة زمنية محدودة وليكن أسبوعاً ؛ كأن تكون الدورة في التعريف بجرائم غسيل الأموال ؛ فلا غضاضة إذن توفيرا للوقت وللجهد أن ينتقل عضو أو أكثر من أعضاء هيئة التدريس لإعطاء مثل هذه الدورة .
كما أن من المتصور أن يكون عدم محدودية المكان ؛ من خلال إمكانية دخول الدارسين أو غيرهم على موقع الالكتروني للمعهد على شبكة الإنترنت ؛ وذلك سواء لمراجعة بعض المواد العلمية أم لمراجعة أعضاء هيئة التدريس بالمعهد بشأن استفسار أو استيضاح جزئية عليمة ما .
3- عدم محدودية التطلعات المتعلقة بالإنسان :
نعم الإنطلاقة الأولي للمعهد يمكن أن تقتصر على أشخاص بعينهم هم المستهدفون بنشاط المعهد من القضاة وأعضاء الإدعاء العام والمحامين العمانيين .
غير أنه من المأمول ؛ ألا تقتصر خدمات هذا المعهد على هؤلاء فقط ؛ بل قد يمتد – بحسب التطور الزمني – إلى أشخاص آخرين من غير هؤلاء ؛ بل قد يكونوا من غير العمانيين .
وهذا سيتحقق – في نظري - من خلال خدمة التأهيل والتدريب عن بعد ؛ التى يمكن أن يشترك فيها كل مَنْ يرغب في الحصول على شهادة من المعهد على حصوله على دورة تأهيلية أو تدريبية من الدورات التى يعقدها المعهد ؛ وذلك بقطع النظر عن كونه من القضاة أو غيرهم من الموظفين العموميين أم المحامين ؛ بل وبقطع النظر عن جنسيته ؛ فيمكن من خلال هذه الخدمة أن يلتحق بها كل من يرغب : أياً كانت جنسيته ؛ وأيا كان موقعه على خريطة العالم .
كل ما هنالك يشترط لحصوله على شهادة أن يحضر امتحانات شفوية وتحريرية بالمكان الذي يحدده المعهد وبمعرفة أعضاء هيئة التدريس فيه .
4- عدم محدودية التطلعات المتعلقة بالموضوعات التي سيتم تدريسها أو التدريب عليها :
صحيح أن البداية الأولى لانطلاق المعهد العالي للقضاء ستكون محدودة موضوعياً بالمواد العلمية التى تسمح له بالانطلاق وهى محدودة بحدود النظرة الآنية لاحتياجات المستهدفين بنشاط المعهد .
غير أن من سمات القانون الوضعي أنه يتغير بتغير الزمن ، ليستوعب مستجدات الحياة ؛ ولاشك في أن ذلك سيضيف عبئاً إضافيا على القائمين على التدريس في هذا المعهد ؛ حيث عليهم مواكبة كل جديد في المجالين القانوني والقضائي ؛ واستيعابه ليكونوا على استعداد لشرحه وتفسيره للدارسين وإيجاد الحلول العملية لما قد يتوقع من مشاكل قانونية تتعلق بهذا الجديد .
****
هذا ؛ ولاشك في أن المعهد العالي للقضاء هو صرح يضاف إلى صروح العدالة التى يحرص جلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله ورعاه - على تدعيمها باستمرار .
ولا مراء في أن القضاء العماني في حالة خير واطمئنان خلال كافة مراحله ، فهو يمارس دوره في تحقيق العدالة في المجتمع ؛ من خلال ما تحرص عليه وزارة العدل بشأن تسهيل كل السبل أمام القضاء ليقول القاضي كلمة الله في الأرض أو إن شئت كلمة الحق ؛ في جو يسوده الطمأنينة والهدوء
إذ يقوم القضاء بكل جوانبه ومجالاته المختلفة ـ وفق عمل منهجية مرضية ومناسبة ـ بالدور الكبير والمؤثر الذي يبذله معالي الشيخ محمد بن عبد الله بن زاهر الهنائي ـ وزير العدل نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء ، من خلال حرصه على المتابعة الدائمة لسير تحقيق العدالة وتواصله المستمر مع أصحاب الفضيلة القضاة ؛ وتذليل كافة الصعوبات أمامهم لإنجاز القضايا بالكيفية الصحيحة وبالسرعة التي تكفل وصول الحقوق لأصحابها في أقرب وقت ممكن .
****
ولا جدال في أن المعهد العالى للقضاء - يمثل قفزة نوعية جديدة في مسيرة العدالة في السلطنة ؛ فهذا المعهد معقود عليه الكثير من الآمال والطموحات ؛ التى ستعود بالخير على أبناء السلطنة جميعاً سواء منهم القاضي أم المتقاضي .
******
• خُطة الدراسة ومنهجها :
هذا ، ولقد رأينا أنه من المناسب أن تكون خُطة هذه الدراسة ، موزعة على الأبواب التالية :
الباب الأولــ : شرح نصوص المرسوم السلطاني رقم 35/2010 بإنشاء المعهد العالي للقضاء .
الباب الثاني : شرح نظام المعهد العالي للقضاء .
******
على أن يتم عرض النص القانوني أولاً ، ثم بيان تفسيره ، في ضوء ما عساه أن يوجد من نصوص متصلة به في النظام القانوني العُماني ، وآراء الفقهاء وأحكام القضاء .
وغنى عن الإيضاح أن هذه الدراسة ستتخذ من المنهج التحليلي أساساً لها .
******
والأمل معقود على المستقبل – وفى الأمل رجاء – في أن يقدم هذا المُؤلَف للدارس وللباحث وللمشتغلين بالقانون والقضاء : بعض معالم وأبعاد نظام المعهد العالي للقضاء في سلطنة عُمان .
هذا ، والله ولى التوفيق ،،،
مسقط في : 5 من مايو 2010 م الدكتور
محمود العادلي
على
نظام المعهد العالي للقضاء
( الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 35/2010 )
دراسة مقارنة
الجزء الأول
تأليف
الدكتور محمود صالح العادلي
أستاذ القانون الجنائي
بكلية الشريعة والقانون بطنطا - جامعة الأزهر
والمحامي أمام محكمة النقض والإدارية العليا
والدستورية العليا بمصر
وأمام المحكمة العليا بسلطنة عُمان
الطبعة الأولى
1431 هـ / 2010 م
الناشر
دار النهضة العربية
32 ش عبد الخالق ثروت – القاهرة
لاجدال في أن مسيرة العدالة في السلطنة تتقدم يوماً بعد يوم ، إذ صاحب بناء الدولة العصرية – الذي بدأت شرارته الأولى فى الثالث والعشرين من يوليو 1970- انفتاح فكرى وثقافي على حضارات الدول الأخرى ، والاستفادة من تجارب هذه الحضارات فى شتى نواحي المعرفة ، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المجتمع العماني – صاحب الحضارة العريقة – وظروفه البيئية والإنسانية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
فليس كل ما هو صالح للتطبيق في مجتمع ما ، يصلح بالضرورة في بيئة مغايرة في مجتمع آخر .
ويهمنا – هنا – أن نشير إلى أن السلطنة حرصت أن تستقبل القرن الحادي والعشرين بجملة من القوانين التي أخذت بما انتهت إليه تجارب الشعوب والدول الأخرى ، بالقدر الذي جعل هذه القوانين تمثل الطبعة الأخيرة في الفكر القانوني والقضائي في العالم .
• ومن أهم هذه القوانين ، ما يلي :
1- قانون الجزاء العماني – الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7 /74 الصادر في 16 فبراير 1974م .
2- قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 17 /99 – الصادر في 6 مارس 1999م .
3- قانون السلطة القضائية - الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 90 /99 – الصادر في 21 نوفمبر 1999م .
4- قانون محكمة القضاء الإداري الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 91 /99 – الصادر في 21 نوفمبر 1999م .
5- قانون إنشاء الادعاء العام - الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 92 /99 – الصادر في 21 نوفمبر 1999م .
6- قانون الإجراءات الجزائية - الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 97 /99 – في 1 ديسمبر 1999م .
7- قانون تسليم المجرمين - الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 4 /2000 – في 22 يناير 2000م .
وكأن سلطنة عُمان أبت ألا تدخل القرن الحادي والعشرين إلا بمنظومة قانونية قضائية متكاملة ومتحضرة . فهذه المنظومة تجسد نهضة حضارية فكرية في عالم القانون والقضاء ، نقلة حضارية تدخل بها سلطنة عُمان قرناً جديداً ، بفكر جديد متطور يواكب المعطيات الحضارية المعاصرة ، وتوازن بين هذه المعطيات والأصول والجذور الحضارية والتاريخية للمجتمع العماني .
ولا يثور من الشك أدناه أن هذه النهضة الحضارية بحاجة ماسة لمن يكشف عن جوانبها ومعالمها وأبعادها ، وهو أمل يرنو إليه كل المشتغلين بالقانون والقضاء ، ولذا نأمل أن تتجه جهود أساتذة القانون وكل باحث في عالم القانون – داخل السلطنة - إلى الكشف عن أبعاد هذه النهضة الحضارية .
وهذا المُؤلَف هو مجرد مساهمة – بسيطة - في ذلك . وقد سبقه مؤلف آخر هو : شرح وتعليق على قانون الادعاء العام ؛ الذي شرف بأن يتوج بمقدمة لسعادة المدعي العام / حسين بن علي بن زاهر الهلالي ؛ وتكفل بطباعته جهاز الادعاء العام بالسلطنة ؛ وذلك عام 2006 م .
أما موضوع الكتاب الماثل فهو : شرح وتعليق على قانون إنشاء المعهد العالي للقضاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 35 / 2010 .
تصاعد الخط البياني لمسيرة العدالة العُمانية :
وفي واقع الأمر وحقيقته أن مَنْ يتتبع مسيرة العدالة في السلطنة ... يعجب لتصاعد الخط البياني لهذه المسيرة ؛ فهى باستمرار في تصاعد مستمر ؛ بل تصاعد يصل أحيانا إلى حد القفزات المتتالية الراسخة .
صحيح أن الدراسات تشير إلى أن أول تنظيم قضائي في سلطنة عُمان كان في عام 1920م ، حيث تم إنشاء محكمتين تجارية و مدنية عدلية في كل من مسقط و مطرح .
بيد أن التطور الفعلي للقضاء في سلطنة عُمان بدأ في عام 1970 بتولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ( رئيس المجلس الأعلى للقضاء ) مقاليد الحكم ، إذ انطلقت السلطنة في بناء مؤسسات الدولة العُمانية و إصدار التشريعات المنظمة لها و التي من بينها النظام القضائي.
ولقد توج ذلك بصدور المرسوم السلطاني رقم 35/2010 بإنشاء ( المعهد العالي للقضاء ) ؛ الذي يبدو أن نقطة الانطلاق الأولى له ستصاحب احتفال السلطنة بالعيد الوطنى الأربعين .
ومن المتوقع – في نظرنا - أن يكون هذا الإنطلاق مع بداية العام القضائي القادم ( 2010/ 2011م ). وذلك بعد استكمال التكوين الهيكلي للمعهد سواء على مستوى أعضاء هيئة التدريس ؛ أم على مستوى الهيكل الإداري للمعهد .
ولاشك في أن القائمين على إنشاء هذا المعهد سيحرصون على أن تكون بداية نشاطه : بصورة متميزة ؛ من خلال عقد الدورات التأهيلية والتدريبية لبعض المستهدفين بنشاط هذا المعهد . سواء من القضاة المساعدين أم معاوني الإدعاء العام الجدد أم من غيرهم .
وأياً كان الأمر بشأن بداية انطلاق هذا الصرح العلمي من صروح العدالة ؛ إلا أنه من المتوقع أن يكون سقف التطلعات التى يسعى إلي تحقيقيها هذا المعهد بلا حدود .
نعم ؛ بلا حدود سواء فيما يتعلق بالزمان أم المكان أم الإنسان . وسواء فيما يتعلق بالموضوع .
وذلك على التفصيل التالي :
1- عدم محدودية التطلعات الزمنية :
لاشك – حسب رأيي - في أن المعهد العالي للقضاء لن يكون محدوداُ زمنياً بوقت معين لأداء دوراته التأهيلية والتدريبية . فهو غير محدود زمنيا بزمن العام القضائي ؛ ولا بساعات الدوام الرسمي .
فهو على مدار العام سيكون مشغولاً ومنشغلاً بهذه الدورات ؛ إذ أنه سيستغل الفترة من أكتوبر إلى يونيو ( وهى الفترة الزمنية للعام القضائي ) لتدريب وتأهيل المستهدفين بنشاطه مِمَنْ لا يرتبطون بالعام القضائي ؛ وذلك مثل : القضاة المساعدين أو معاوني الإدعاء العام الجدد أو الكتاب بالعدل الجدد أو الموظفون الجدد بالهيئات القضائية المختلفة أوغيرهم مِمَنْ لم يستلموا عملهم بعد ؛ فوجودهم في هذه الدورات لن يتعطل معه عمل ما .
أما خلال الإجازة القضائية ( التي تبدأ في يوليو حتى نهاية سبتمبر من كل عام ) فمن المتوقع – حسبما نرى - أن يركز المعهد على ممارسة نشاطه بالنسبة لقدامي القضاة وأعضاء الإدعاء العام والكتاب بالعدل وغيرهم مِمَنْ هم مستهدفين بنشاط هذا المعهد ؛ وذلك حتى لا تتعطل أعمالهم .
وليست أهداف المعهد ستكون غير محدود زمنياً بحدود العام القضائي ؛ بل أيضاً من المتوقع ألا تكون غير محدودة زمنياً بساعات الدوام الرسمي ؛ أم كيف ذلك ؟
فالرد سهل يسير . إذ أنه من المتوقع أن يستفيد المعهد بالتكنولوجيا الحديثة ؛ ومن صور ذلك - في نظرنا – أن المعهد سينشئ له موقعاً على الإنترنت ؛ وهذا الموقع سيتيح للمستهدفين بخدمات هذا المعهد من الاستفادة بكافة المواد العلمية المتاحة عليه بشأن دورات التدريب والتأهيل المطروحة ؛ ناهيك عن أنه من المأمول أن يكون للمعهد مكتبة ورقية وأخرى إليكترونية ؛ يمكن الاستفادة منها بمعرفة المستهدفين بنشاط هذا المعهد .
2- عدم محدودية التطلعات المكانية :
صحيح أن موقع المعهد سيكون بنزوي ؛ ولكن ليس معنى ذلك أن نشاط المعهد سيكون محدودا بمكان المعهد .
ومن المتصور أن تكون عدم المحدودية المكانية ؛ في حالات خاصة كأن جهة حكومية ما – على سبيل المثال - بحاجة إلى دورة لمدة زمنية محدودة وليكن أسبوعاً ؛ كأن تكون الدورة في التعريف بجرائم غسيل الأموال ؛ فلا غضاضة إذن توفيرا للوقت وللجهد أن ينتقل عضو أو أكثر من أعضاء هيئة التدريس لإعطاء مثل هذه الدورة .
كما أن من المتصور أن يكون عدم محدودية المكان ؛ من خلال إمكانية دخول الدارسين أو غيرهم على موقع الالكتروني للمعهد على شبكة الإنترنت ؛ وذلك سواء لمراجعة بعض المواد العلمية أم لمراجعة أعضاء هيئة التدريس بالمعهد بشأن استفسار أو استيضاح جزئية عليمة ما .
3- عدم محدودية التطلعات المتعلقة بالإنسان :
نعم الإنطلاقة الأولي للمعهد يمكن أن تقتصر على أشخاص بعينهم هم المستهدفون بنشاط المعهد من القضاة وأعضاء الإدعاء العام والمحامين العمانيين .
غير أنه من المأمول ؛ ألا تقتصر خدمات هذا المعهد على هؤلاء فقط ؛ بل قد يمتد – بحسب التطور الزمني – إلى أشخاص آخرين من غير هؤلاء ؛ بل قد يكونوا من غير العمانيين .
وهذا سيتحقق – في نظري - من خلال خدمة التأهيل والتدريب عن بعد ؛ التى يمكن أن يشترك فيها كل مَنْ يرغب في الحصول على شهادة من المعهد على حصوله على دورة تأهيلية أو تدريبية من الدورات التى يعقدها المعهد ؛ وذلك بقطع النظر عن كونه من القضاة أو غيرهم من الموظفين العموميين أم المحامين ؛ بل وبقطع النظر عن جنسيته ؛ فيمكن من خلال هذه الخدمة أن يلتحق بها كل من يرغب : أياً كانت جنسيته ؛ وأيا كان موقعه على خريطة العالم .
كل ما هنالك يشترط لحصوله على شهادة أن يحضر امتحانات شفوية وتحريرية بالمكان الذي يحدده المعهد وبمعرفة أعضاء هيئة التدريس فيه .
4- عدم محدودية التطلعات المتعلقة بالموضوعات التي سيتم تدريسها أو التدريب عليها :
صحيح أن البداية الأولى لانطلاق المعهد العالي للقضاء ستكون محدودة موضوعياً بالمواد العلمية التى تسمح له بالانطلاق وهى محدودة بحدود النظرة الآنية لاحتياجات المستهدفين بنشاط المعهد .
غير أن من سمات القانون الوضعي أنه يتغير بتغير الزمن ، ليستوعب مستجدات الحياة ؛ ولاشك في أن ذلك سيضيف عبئاً إضافيا على القائمين على التدريس في هذا المعهد ؛ حيث عليهم مواكبة كل جديد في المجالين القانوني والقضائي ؛ واستيعابه ليكونوا على استعداد لشرحه وتفسيره للدارسين وإيجاد الحلول العملية لما قد يتوقع من مشاكل قانونية تتعلق بهذا الجديد .
****
هذا ؛ ولاشك في أن المعهد العالي للقضاء هو صرح يضاف إلى صروح العدالة التى يحرص جلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله ورعاه - على تدعيمها باستمرار .
ولا مراء في أن القضاء العماني في حالة خير واطمئنان خلال كافة مراحله ، فهو يمارس دوره في تحقيق العدالة في المجتمع ؛ من خلال ما تحرص عليه وزارة العدل بشأن تسهيل كل السبل أمام القضاء ليقول القاضي كلمة الله في الأرض أو إن شئت كلمة الحق ؛ في جو يسوده الطمأنينة والهدوء
إذ يقوم القضاء بكل جوانبه ومجالاته المختلفة ـ وفق عمل منهجية مرضية ومناسبة ـ بالدور الكبير والمؤثر الذي يبذله معالي الشيخ محمد بن عبد الله بن زاهر الهنائي ـ وزير العدل نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء ، من خلال حرصه على المتابعة الدائمة لسير تحقيق العدالة وتواصله المستمر مع أصحاب الفضيلة القضاة ؛ وتذليل كافة الصعوبات أمامهم لإنجاز القضايا بالكيفية الصحيحة وبالسرعة التي تكفل وصول الحقوق لأصحابها في أقرب وقت ممكن .
****
ولا جدال في أن المعهد العالى للقضاء - يمثل قفزة نوعية جديدة في مسيرة العدالة في السلطنة ؛ فهذا المعهد معقود عليه الكثير من الآمال والطموحات ؛ التى ستعود بالخير على أبناء السلطنة جميعاً سواء منهم القاضي أم المتقاضي .
******
• خُطة الدراسة ومنهجها :
هذا ، ولقد رأينا أنه من المناسب أن تكون خُطة هذه الدراسة ، موزعة على الأبواب التالية :
الباب الأولــ : شرح نصوص المرسوم السلطاني رقم 35/2010 بإنشاء المعهد العالي للقضاء .
الباب الثاني : شرح نظام المعهد العالي للقضاء .
******
على أن يتم عرض النص القانوني أولاً ، ثم بيان تفسيره ، في ضوء ما عساه أن يوجد من نصوص متصلة به في النظام القانوني العُماني ، وآراء الفقهاء وأحكام القضاء .
وغنى عن الإيضاح أن هذه الدراسة ستتخذ من المنهج التحليلي أساساً لها .
******
والأمل معقود على المستقبل – وفى الأمل رجاء – في أن يقدم هذا المُؤلَف للدارس وللباحث وللمشتغلين بالقانون والقضاء : بعض معالم وأبعاد نظام المعهد العالي للقضاء في سلطنة عُمان .
هذا ، والله ولى التوفيق ،،،
مسقط في : 5 من مايو 2010 م الدكتور
محمود العادلي