ملخص
بحث
العقود
الإلكترونية. دراسة فقهية مقارنة
د. عبد الله
بن إبراهيم بن عبد الله الناصر
الأستاذ
المساعد بقسم الثقافة الإسلامية - كلية التربية –
جامعة الملك
سعود – الرياض – المملكة العربية السعودية
العقود الإلكترونية
هي العقود التي تتم عبر الآلات التي تعمل عن طريق الإلكترونيات وهي كثيرة ومن
أهمها وآخرها الحاسب الآلي .
والتعاقد بطريق الإنترنت في الحاسب الآلي صحيح ومعتبر شرعاً ذلك أن الفقه
الإسلامي جعل الرضا هو الأساس في انعقاد العقود من دون تحديد شكل معين، فالعقد
ينعقد في الشريعة الإسلامية بكل ما يدل عليه من قول أو فعل أو كتابة أو إشارة. والإنترنت
عبارة عن آلة لتوصيل الكتابة وهذه الوسيلة معتبرة شرعاً كما هو الحال في التعاقد بطريق الكتابة بين
الغائبين.
والتعاقد بطريق الإنترنت هو تعاقد بين
حاضرين من حيث الزمان وغائبين من حيث المكان إلا إذا وجد فاصل طويل فإنه يكون بين
غائبين زماناً ومكاناً .
والعقود المالية تصح بطريق الإنترنت ولكن يشترط في عقد الصرف أن يتم التقابض
مباشرة وفي عقد السلم أن يتم تسليم رأس المال في الحال ، أما عقد النكاح فإنه لا
يصح – حسب رأي الباحث – بطريق الإنترنت .
والنظام الذي يحكم العقد هو النظام الذي اتفق عليه المتعاقدان شريطة أن
يكون هذا النظام مستمداً من الشريعة الإسلامية وراجعاً إليها , أما المحكمة
المختصة فهي محكمة المدعِي لأنه الطرف الأضعف في العقد وهذا قول جمهور العلماء ,
ويستثنى من ذلك إذا كانت الدعوى تتعلق بعقار فإن المحكمة المختصة محكمة محل
العقار.
ويعتبر استخدام التوقيع الإلكتروني وخاصة
الرقمي منه لإثبات العقود الإلكترونية متفقاً مع مبادئ الإثبات في الشريعة الإسلامية
التي لم تحصر وسائل الإثبات بعدد معين أو شكل محدد وإنما كل وسيلة يبين فيها الحق
فهي من أدوات الإثبات.
ونظراً
لما يترتب على الاعتداء على التوقيع الإلكتروني من مخاطر فإن وضع العقوبات
المناسبة للجرائم المتعلقة بقصد الحماية الجنائية له يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الأموال والحقوق الخاصة وهذا
داخل ضمن التعازير التي يقدرها ولي الأمر
بحسب الجريمة وحالها وملابساتها.
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء المرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,,, وبعـد
فتختلف النظم
التشريعية والحضارية في نظرتها إلى العقود والحقوق المالية سواءً في كيفية
انعقادها أو في شروطها وأحكامها أو آثارها اختلافاً قد يصل إلى حد التباين.
فمثلاً كانت بعض
القوانين الوضعية تشترط الشكلية في انعقاد العقود , فلا يصح العقد ولا يعتبر إلا
إذا كان بهيئة معينة وشكل محدد , ثم تطورت إلى الرضائية بعد المرور بمراحل مختلفة(1) , أما الشريعة الإسلامية فقد جعلت الرضا
منذ البداية هو الأساس في نشأة العقود بأي شكل
كانت يقول تعالى : ]يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا
أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ[ [النساء آية (29)] "أي بطيبة نفس كل واحد
منكم"(2) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم
:" إنما البيع عن تراض".(3)
إن منهجية الإسلام في تقريره لهذه
القاعدة – الرضا – أساساً لصحة نشأة العقود دلالة إعجاز تشريعي واضح ، يؤكد أنها
شريعة خالدة صالحة لكل زمان ومكان وفي كل بيئة ومجتمع.
وقد مرت العصور
السابقة بأنواع مختلفة من أشكال انعقاد العقود كالبيع عن طريق الراديو والتلفزيون
والهاتف والفاكس والتلكس وغيرها وها نحن نشهد في السنوات الأخيرة تطوراً هائلاً في
وسائل الاتصال المختلفة وخاصة التقنيات الإلكترونية التي دخلت جميع مجالات الحياة بما
فيها المجال التجاري وظهر ما يسمى "بالتسوق الآلي" أو "تجارة
الإنترنت" أو "التجارة الإلكترونية" أو "التعاقد عن بعد".
عبر شبكة الإنترنت التي ربطت العالم بعضه مع بعض وألغت الحدود الجغرافية والوسائط
المالية وأصبح بإمكان تاجر التجزئة أن يشتري مباشرة من المنتج, والمستهلك أن يتسوق
وهو في منزله.
وانتشرت التجارة
الإلكترونية في الأعوام الأخيرة وأُسست الكثير من الشركات العالمية والمحلية مواقع
خاصة بها على شبكة الإنترنت وتقدر بعض الدراسات حجم التجارة الإلكترونية حالياً بـ
20% من مجمل التجارة العالمية ويتوقع أن
ترتفع النسبة إلى أكثر من ذلك خلال هذا العقد .(1)
وعلى أهمية هذا الموضوع
ومسيس الحاجة إليه إلإ أننا نجد قلة الدراسات الفقهية فيه التي تبين أحكامه , وتقترح
البديل المناسب عند عدم صلاحية بعض أعماله لأحكام الشريعة الإسلامية.
ويأتي هذا البحث مشاركة من الباحث في بيان أحكام
التعاقد بواسطة الإنترنت من حيث انعقاد العقد والنظام الذي يجب تطبيقه فيه،
وإثباته عن طريق التوقيع الإلكتروني والحماية الجنائية للتوقيع الإلكتروني.
وقد قسمت البحث إلى
المباحث التالية:
·
المبحث الأول:
انعقاد العقود الإلكترونية.
·
المبحث الثاني:
النظام الواجب تطبيقه والمحكمة المختصة.
·
المبحث الثالث:
إثبات العقود الإلكترونية بالتوقيع الإلكتروني .
وقبل ذلك نبين مفهوم العقود الإلكترونية.
مفهوم
العقود الإلكترونية:
تعريف
العقد:
العقد في اللغة
العربية يطلق على معان ترجع في مجملها إلى معنى الربط الذي هو نقيض الحل يقال :
"عقدت الحبل فهو معقود"(1) فالعقد في أصل اللغة "الشد والربط ثم
نقل إلى الأيمان والعقود كعقد المبايعات ونحوها"(2)
أما في الاصطلاح الفقهي فنجد أن للعقد
معنيان عام وخاص فالمعنى العام يطلق على كل التزام تعهد به الإنسان على نفسه سواء
كان يقابله التزام آخر أم لا، وسواء كان التزاماً دينياً كالنذر أو دنيوياً كالبيع
ونحوه (3).
أما المعنى الخاص
فيطلق العقد على كل اتفاق تم بين إرادتين أو أكثر على إنشاء التزام أو نقله، فهو
لا يتحقق إلا من طرفين أو أكثر، وهذا هو المعنى الغالب عند إطلاق الفقهاء للعقد في
الاصطلاح الفقهي.(4) ومن التعاريف الواردة على هذا المعنى تعريف
العقد بأنه "ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر على وجه
مشروع يثبت أثره في المعقود عليه"(5).
وعلى هذا فإن العقد في الاصطلاح الفقهي
الشرعي يشمل جميع العقود المالية التي
تتضمن طرفين أو أكثر كعقد البيع والإجارة والرهن والحوالة والمسابقة ... الخ كما
يتضمن العقود غير المالية كعقد النكاح ونحوه.
تعريف
الإلكترون:
الإلكترون عبارة عن شحنات كهربائية دقيقة
جداً دائمة الحركة حول جسم هو النواة الذي هو جزء من الذرة(6)،
وقد استخدمت الإلكترونيات في التصنيع ودخلت في كثير من المجالات فظهر الراديو الذي
يستقبل هذه الموجات الإلكترونية ثم ظهر التلفزيون والتلكس والهاتف والفاكس والحاسب
الآلي وغيرها من الأجهزة التي تعمل عن طريق الإلكترونيات(1).
وعلى ذلك فإن العقود الإلكترونية هي العقود التي
تتم عبر هذه الوسائل ونحوها من الآلات التي تعمل عن طريق الإلكترون, وهذا من حيث
الأصل , إلا أنه بعد ظهور الحاسب الآلي وانتشار المراسلة والتعاقد بواسطته , خصص
هذا المصطلح للعقود التي تتم عن طريقه , أما التعاقد عبر الراديو أو الهاتف أو
غيرها من وسائل الاتصال فلا يشملها عرفاً هذا المصطلح في العقدين الأخيرين , وأصبح
مصطلح العقود الالكترونية ينصرف مباشرة إلى: العقود التي تتم عبر شبكة الإنترنت, ولذا
نجد أن مصطلح التجارة الإلكترونية يطلق على: مجموعة العمليات التي تتم عبر الوسائل
الإلكترونية وخاصة عبر شبكة المواقع (web) والبريد الإلكتروني(2).
المبحث
الأول
انعقاد
العقود الإلكترونية
المطلب الأول: الوصف العملي للتعاقد بطريق الإنترنت:
تتعدد طرق التعاقد عبر الإنترنت ومن أهمها وأكثرها
انتشاراً التعاقد عبر شبكة المواقع ويب (web) والتعاقد عبر البريد الإلكتروني (Email) والتعاقد بطريق المحادثة والمشاهدة.
أولاً
:التعاقد عبر شبكة المواقع (web) :
تعمد كثير من الشركات إلى عرض سلعها
وخدماتها على شبكة المواقع web وتقوم بتصوير السلعة بطريقة ثلاثية الأبعاد مع تسجيل سعرها
ومواصفاتها، ويكون ذلك في موقع خاص بالشركة، وفي المقابل يقوم الراغب في التعاقد
بالبحث عن السلعة أو الخدمة التي يريدها عن طريق استخدام الرمز الذي يساعد في
الوصول إلى هذه السلعة أو الخدمة، وعند اقتناعه بها وبالشركة العارضة لها ومعرفة
سعرها ومواصفاتها يقوم بالتعاقد على الشراء بعد التأكد من السعر الفردي والإجمالي
(في حال شراء مجموعة سلع) وذلك بالنقر على مفتاح الموافقة فيظهر العقد المتعلق
بالشراء والمعد من قبل الشركة العارضة الذي يتضمن آلية الدفع وشروط التعاقد ومكانه
وكيفية التسليم والقانون الذي يحكم العقد وغير ذلك من الشروط والمعلومات التي
تختلف كثرة وقلة بحسب كل شركة أو عقد(1).
ثانياً:
التعاقد عبر البريد الإلكتروني (E,mail) :
يقصد بالبريد الإلكتروني: استخدام شبكات الحاسب
الآلي في نقل الرسائل بدلاً من الوسائل التقليدية، حيث يخصص لكل شخص صندوق بريد
إلكتروني خاص به، وهذا الصندوق عبارة عن ملف وحدة الأقراص الممغنطة التي تستخدم في
استقبال الرسائل.
وللتعاقد عبر البريد الإلكتروني أنواع
متعددة منها: أن بعض الشركات تقوم بإرسال رسائل دعائية لنوع معين من السلع أو
الخدمات في البريد الإلكتروني الخاص بالشخص، فإذا نظر صاحب البريد هذه الرسالة ورغب
في السلعة أو الخدمة قام بمراسلة الشركة حول التعاقد معهم على هذه السلعة أو
الخدمة ثم تتم المبايعة كالطريقة السابقة في التعاقد عبر شبكة المواقع.(1)
ثالثاً:
التعاقد بالمحادثة عبر الإنترنت :
توجد برامج تتيح للشخص تبادل الحديث صوتياً
مع الطرف الآخر بشكل مباشر سواءً كان طرفاً أو أكثر, كما يوجد أيضاً برنامج يمكن
من خلاله إرسال صور فيديو للتعبير عن الحركة(2).
سداد
الثمن :
يتم سداد ثمن العقد المبرم عبر الشبكة بعدة طرق
من أسهلها استخدام بطاقات الإئتمان (الفيزا كارد والماستر كارد ونحوها) ويكون إعطاء
معلومات البطاقة عبر الهاتف أو الفاكس وذلك تجنباً لإرسالها عبر الإنترنت مما يؤدي
إلى سرقة المعلومات المتعلقة بالبطاقة.
وقد
يكون الدفع عن طريق النقود الإلكترونية (البينز) حيث يتم تحويل النقود العادية إلى
وحدات نقدية إلكترونية يكون من الممكن التعامل بها بشكل آمن عبر شبكة الإنترنت,
كما يمكن الدفع عبر الشيك المصدق والمصرفي أو الشبكات الإلكترونية وغير ذلك من
الطرق المتعددة.(3)
المطلب
الثاني: الوصف الفقهي للتعاقد بطريق الإنترنت
من خلال العرض السابق
للطريقة التي يتم بها التعاقد عبر الإنترنت يتبين أنها تتم في غالب الحالات بطريقة
الكتابة، وقد تكون بالمحادثة , أو الإشارات والرموز.
والعقد في الشريعة الإسلامية ينعقد – على القول الصحيح - بكل ما يدل عليه
من دون اشتراط صيغة معينة أو شكل محدد , جاء في بدائع الصنائع وكذا إذا قال
البائع: خذ هذا الشيء بكذا أو أعطيتكه بكذا , أو هو لك بكذا , أو بذلتكه بكذا ,
وقال المشتري: قبلت أو أخذت أو رضيت أو هويت ونحو ذلك , فإنه يتم الركن لأن كل
واحد من هذه الألفاظ يؤدي إلى معنى البيع وهو المبادلة , والعبرة للمعنى لا
للصورة)(1).
وجاء في حاشية
الدسوقي على الشرح الكبير (وينعقد العقد بكل ما يدل على الرضا من قول أو كتابة أو
إشارة منهما أو من أحدهما)(2).
وجاء في الكافي لابن قدامة( الثاني(3):
المعاطاة , مثل أن يقول: أعطني بهذا خبزاً , فيعطيه ما يرضيه , أو يقول: خذ هذا
الثوب بدينار , فيأخذه , فيصح , لأن الشرع ورد بالبيع وعلَّق عليه أحكاماً , ولم
يعين له لفظاً , فعلم أنه ردَّهم إلى ما تعارفوه بينهم بيعاً , والناس في أسواقهم
وبياعاتهم على ذلك)(4)
وقد توسع في بيان هذه
القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبين الأدلة والأمثلة عليها وتعقب
القائلين بأن العقد لا يتم إلا بلفظ مخصوص أو شكل محدد، يقول رحمه الله (فأما
التزام لفظ مخصوص فليس له أثر ولا نظر، وهذه القاعدة الجامعة التي ذكرناها من أن
العقود تنعقد بكل ما يدل على مقصودها من قول أو فعل هي التي تدل عليها أصول
الشريعة)(5).
(1)
5/133.
(2)
3/3 , وانظر: المغني لابن قدامه 6/9 , والموافقات للشاطبي 2/87.
(3)
أي من أنواع البيع .
(4)
3/6.
(5)
الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية 29/13.
ويتفق العلماء على صحة التعاقد
بالكتابة إذا كانت بين غائبين لأن ذلك هو الوسيلة المستطاعة لاتمام العقد(1)
ولذا أتت القاعدة الفقهية المشهورة من أن "الكتاب كالخطاب"(2)
أي: أن الكتابة بين الغائبين كالنطق بين الحاضرين.
والإنترنت ما هو إلا وسيلة
لتوصيل الكتابة, وهذه الوسيلة معتبرة شرعاً لعدم تضمنها محذوراً شرعياً، ولأنها
شبيهة في حقيقة الأمر بالتعاقد عن طريق الرسول أو البريد العادي التي أجاز العلماء
التعاقد بواسطتهما(3).
وحيث أن الركن الأساسي في العقد هو صدور الإيجاب
والقبول من طرفي العقد ووصول كل منهما إلى علم الآخر بصورة معتبرة شرعاً، وفهم كلا
الطرفين ما قصده الآخر، وهذا كله متحقق في التعاقد بطريق الإنترنت سواءً عبر شبكة
المواقع (web) أو عبر البريد
الإلكتروني أو المحادثة والمشاهدة, فيكون التعاقد صحيحاً تترتب عليه آثاره
المعتبرة شرعاً .
وقد بحث مجمع الفقه
الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة
في دورته السادسة.(4) وصدر بذلك القرار رقم (52/3/6) ونص على صحة إجراء
العقود بآلات الاتصال الحديثة ومنها الحاسب الآلي وبَّين بعض الأحكام المتعلقة به
. ونظراً لأهمية القرار وتعلقه بموضوع البحث
أذكره بنصه:
(إن مجمع الفقه الإسلامي
في دورته..... وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة
وبالإشارة وبالرسول ، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس-
عدا الوصية والإيصاء والوكالة - وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على
إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والمولاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف.
قرر مايلي:
1- إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد
ولا يرى أحدهما الآخر معاينة ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو
الرسالة أو السفارة "الرسول" وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس
وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى
الموجه إليه وقبوله.
2- إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في
مكانين متباعدين وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي فإن التعاقد بينهما يعتبر
تعاقداً بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء
المشار إليها في الديباجة .
3- إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجاباً محدد
المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة وليس له الرجوع عنه.
4- إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد
فيه ولا الصرف لاشتراط التقابض ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال .
5-
ما يتعلق
باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للاثبات.(1))
طبيعة
التعاقد :
النص الوارد
في قرار مجمع الفقه الإسلامي السابق ذكره اعتبر التعاقد بطريق الحاسب الآلي بين
غائبين وذلك لأن كلا طرفي العقد غائب عن الآخر من حيث المكان، كما أنه يوجد فاصل
زمني بين الإيجاب والقبول فالتعاقد بين غائبين من حيث الزمان أيضاً، وذلك قياساً
على التعاقد بطريق المراسلة أو البريد العادي.
ولعل هذا يكون صحيحاً في فترة صدور القرار من المجمع
(سنة 1400هـ- 1990م) حيث كان التعاقد عبر الحاسب الآلي يختلف عن التعاقد عن طريقه
في هذا الزمن إذ لم توجد الشركات العارضة عبر شبكة المواقع وإنما كان الطرف الراغب
في التعاقد يرسل بطريق البريد الإلكتروني رسالة يبين فيها رغبته في التعاقد ثم
يحصل الرد من الطرف المقابل بالموافقة أو الرد، ولا شك أن ذلك يستغرق شيئاً من
الوقت الذي يجعل التعاقد بينهما أشبه بالتعاقد عن طريق البريد العادي فيكون له حكم
التعاقد بين الغائبين من حيث المكان والزمان.
أما في الوقت الحالي فقد تغيرت طريقة العرض
والتسوق, وأصبحت الشركات تعرض بضاعتها عبر شبكة المواقع (web) وما على العميل إلا أن يبدي رغبته في الموافقة على التعاقد فيتم
فوراً ويبدأ سريان آثار العقد من تسليم الثمن والسلعة ونحو ذلك.
وعلى
ذلك فالذي أراه أن التعاقد بطريق الإنترنت يعتبر في الأصل( تعاقداً بين غائبين من
حيث المكان وحاضرين من حيث الزمان).
وبيان
ذلك : أن مكان المتعاقدين مختلف سواءً كانا في بلدة واحدة أو دولة واحدة أو دول
مختلفة, فهما لا يجتمعان في مكان واحد كما هو الحاصل في التعاقد العادي.
أما زمان التعاقد فهو واحد حيث أن صفحة العقد
تكون معدة سلفاً من قبل العارض وما على المتعاقد سوى القبول أو الرفض، فلا توجد
فترة زمنية تفصل ما بين الإيجاب والقبول, ويستثنى من هذا الأصل بعض الحالات التي
يكون فيها انقطاع بين الإيجاب والقبول ومن ذلك على سبيل المثال :
1) إذا
كان العرض عن طريق البريد الإلكتروني سواءً كان موجهاً إلى موقع أو مجموعة مواقع
وكان هذا العرض بشكل غير متصل مع الطرف المقابل أي لا توجد كتابة مباشرة بين
الطرفين.
2)
إذا كان العارض في شبكة المواقع قد تحفظ
بحقه في قبول التعاقد أو رفضه.
ونخلص
في ذلك إلى أن الأصل في التعاقد عبر الإنترنت أنه بين غائبين من حيث المكان حاضرين
من حيث الزمان, إلا إذا وجدت فترة زمنية طويلة نسبياً تفصل بين الإيجاب والقبول
فإن التعاقد قد يكون بين غائبين مكاناً وزماناً.
المطلب
الثالث : الإيجاب والقبول في التعاقد بطريق الإنترنت
أولاً
: تحديد الإيجاب والقبول في التعاقد بطريق الإنترنت :
نبين في البداية أن العلماء – رحمهم الله-
اختلفوا في تحديد الإيجاب من القبول في التعاقد، فذهب الجمهور منهم (المالكية،
والشافعية ، والحنابلة)(1) إلى
أن الإيجاب هو ما صدر من المملِّك والقبول ما صدر من المتملِّك سواءً صدر أولاً أم
ثانياً.
وذهب
الحنفية(2). إلى أن الإيجاب هو ما صدر أولاً من أحد
المتعاقدين والقبول ما صدر ثانياً من المتعاقد الآخر وذلك لأنه قبول ورضاً بما
أثبته الأول(3). والاتجاه الأخير
(الحنفية) هو الذي أخذت به أكثر الأنظمة في الدول العربية لأنه الأيسر والأسهل في
تحديد الموجب من القابل.
وبناءً
على هذا الاتجاه (الحنفية) كيف نحدد الإيجاب والقبول في التعاقد عن طريق الإنترنت؟
وبعبارة أخرى هل يعتبر عرض السلعة أو الخدمة من قبل الشركة المنتجة أو المسوقة
إيجاباً، وموافقة العميل على التعاقد قبولاً؟ أم أن هذا العرض مجرد دعوة من قبل
الشركة للتعاقد، وأن الإيجاب يكون من قبل العميل لأنه هو المبتدئ والقبول هو في
موافقة الشركة على العقد إما موافقة صريحة أو ضمنية؟
نقول
جواباً عن ذلك: حينما نتأمل الطرق التي يتم بها التعاقد عبر الإنترنت نجد أنها
متعددة، ولذا فإن الإيجاب والقبول يختلف بحسب الطريقة التي تم بها التعاقد، وأبرز
الطرق المستخدمة حالياً في التعاقد هي: التعاقد عبر شبكة المواقع (web)، والتعاقد عبر البريد الإلكتروني، والتعاقد عبر المحادثة
والمشاهدة، ونبين الإيجاب والقبول في هذه الطرق الثلاث:
1)
الإيجاب والقبول عبر شبكة المواقع (web) :
يعتبر الإعلان عن
السلعة أو الخدمة في شبكة المواقع (web)إيجاباً من
العارض وذلك لأنه إيجاب مستمر على مدار الساعة، والغالب أنه موجه إلى الجمهور وليس
إلى فرد بعينه، فهو لا يختلف في حقيقته عن الإيجاب الصادر مباشرة بين طرفي
التعاقد.
وفي حالات مستثناة يكون
العرض مجرد دعوة للتعاقد وليس إيجاباً وذلك في الحالات التي تكون فيها شخصية
المتعاقد الآخر محل اعتبار عند من صدر منه العرض كالإعلان عن وظائف، أو طلب
مستأجرين ونحو ذلك.
وفي حالة حدوث تزاحم بين الراغبين بالشراء
فالاعتبار يكون بأولوية الوصول إلى علم الموجب، حيث ارتبط القبول بالإيجاب على وجه
مشروع فيكون القبول الذي أتى بعد نفاذ الكمية وارداً على محل غير موجود.
2)
الإيجاب والقبول عبر البريد الإلكتروني (E,mail):
إذا كان العرض للسلعة
أو الخدمة قد تم عبر البريد الإلكتروني وكانت حالة الاتصال بالكتابة مباشرة، فإن
الإيجاب هو ما صدر أولاً والذي هو من العارض ، وعلى الراغب في التعاقد القبول أو
الرفض.
أما إذا كانت حالة الاتصال ليست مباشرة بحيث
توجد فترة زمنية تفصل ما بين الإيجاب والقبول، كما إذا كان العرض موجهاً إلى شخص
محدد أو لعدة أشخاص في آن واحد فإن الإيجاب هو ما صدر أولاً , وعلى الموجب
(العارض) أن يبقى على إيجابه إذا كانت المدة محددة وليس له الرجوع عنه (1),
وإذا كانت المدة غير محددة فإنه يمكن استخلاص المدة بحسب طبيعة الإيجاب وموضوعه
والأعراف المتداولة لهذا الإيجاب.
3)
الإيجاب والقبول عبر المحادثة أو
المشاهدة:
إذا كان التعاقد بطريقة
الإنترنت تم عبر المحادثة أو المشاهدة فإن الموجب هو من بدأ أولاً بالعرض وله أن
يستمر في إيجابه خلال مجلس التعاقد وله أن يتراجع عن إيجابه قبل اقترانه بالقبول،
كما أن لكلا الطرفين أن يتراجعا عن العقد مادامت المحادثة أو المشاهدة قائمة،
وسيأتي مزيد تفصيل لهذه المسألة(2).
(1)
انظر: المادة الثالثة من قرار المجمع
السابق عرضه.
(2)
أنظر الشرط الثالث من شروط الإيجاب
والقبول.
(1) انظر في ذلك: ضوابط العقد في الفقه الإسلامي ،
د. عدنان خالد التركماني ص18.
(2) تفسير البغوي 1/331.
(3) رواه ابن ماجه واللفظ له في كتاب التجارات,
باب بيع الخيار برقم 2176 , ورواه أحمد بنحوه في المسند , كتاب باقي مسند المكثرين
برقم10501 , والترمذي في كتاب البيوع برقم 1169 , وأبو داود في كتاب البيوع أيضاً
برقم 2999 .
(1) انظر
التجارة الإلكترونية في الوطن العربي . حسن الحفني ص19.
(1) انظر:
معجم مقاييس اللغة ص654 ولسان العرب لابن منظور 9/309,والقاموس المحيط للفيروز
أبادي ص 383 , والمصباح المنير للفيومي ص421.
(2) أحكام
القرآن للجصاص 3/285.
(3) انظر:
القواعد لابن رجب, القاعدة الثانية والخمسين ,ص78.
(4) انظر في
ذلك: ضوابط العقد في العقد الإسلامي- د. خالد التركماني ص24, وضوابط العقود- د.
عبد الحميد البعلي ص44.
(5) مرشد
الحيران- لمحمد قدري باشا ، المادة 168 بتصرف .
(6) انظر:
الألكترون وأثره في حياتنا – لجين نيدك ص9.
(1) انظر
المرجع السابق وموسوعة الإلكترونيات لمحمد المتنبي (الجزء الأول).
(2)
أنظر: البيع والتجارة على الإنترنت – عبد الحميد بسيوني ص54.
(1) انظر:
التعاقد عن طريق الإنترنت - أحمد العجلوني. ص16، وتطبيقات الإنترنت في التسويق -
د. بشير العلاق ص20، كما تمت المقابلة مع بعض الشركات والمؤسسات التي لها مواقع
تسويقية في الشبكة العنكبوتية.
(1) أنظر المراجع السابقة .
(2) أنظر المراجع
السابقة .
(3) انظر
تفصيل هذه الطرق التجارة الإلكترونية في الوطن العربي. حسن الحفني ص 13-17
والتعاقد بالبيع بواسطة الإنترنت . محمد أبو الهيحاء ص54.
(1) أنظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/3 وروضة الطالبين
3/340.
(2) أنظر هذه القاعدة:
مجلة الأحكام العدلية وشرحها لعلي حيدر, المادة 69 1/61.
(3) انظر ضوابط العقد في الفقه الإسلامي . د.
عدنان التركماني ص74.
(4) المنعقدة بمدينة
جدة من 17-23/8/1410هـ الموافق 14-10/3/1990م.
(1) مجلة
مجمع الفقه الإسلامي - العدد السادس -2/785.
(1) انظر
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/3. والمجموع شرح المهذب 9/165. وكشاف القناع
3/165.
(2) انظر
بدائع الصنائع 3/196.
(3) لمزيد من
التفصيل في هذه المسألة أنظر: ضوابط العقود. د. عبد الحميد اليعلي. ص87., وضوابط
العقد في الفقه الإسلامي د.عدنان التركماني ص41.
بحث
العقود
الإلكترونية. دراسة فقهية مقارنة
د. عبد الله
بن إبراهيم بن عبد الله الناصر
الأستاذ
المساعد بقسم الثقافة الإسلامية - كلية التربية –
جامعة الملك
سعود – الرياض – المملكة العربية السعودية
العقود الإلكترونية
هي العقود التي تتم عبر الآلات التي تعمل عن طريق الإلكترونيات وهي كثيرة ومن
أهمها وآخرها الحاسب الآلي .
والتعاقد بطريق الإنترنت في الحاسب الآلي صحيح ومعتبر شرعاً ذلك أن الفقه
الإسلامي جعل الرضا هو الأساس في انعقاد العقود من دون تحديد شكل معين، فالعقد
ينعقد في الشريعة الإسلامية بكل ما يدل عليه من قول أو فعل أو كتابة أو إشارة. والإنترنت
عبارة عن آلة لتوصيل الكتابة وهذه الوسيلة معتبرة شرعاً كما هو الحال في التعاقد بطريق الكتابة بين
الغائبين.
والتعاقد بطريق الإنترنت هو تعاقد بين
حاضرين من حيث الزمان وغائبين من حيث المكان إلا إذا وجد فاصل طويل فإنه يكون بين
غائبين زماناً ومكاناً .
والعقود المالية تصح بطريق الإنترنت ولكن يشترط في عقد الصرف أن يتم التقابض
مباشرة وفي عقد السلم أن يتم تسليم رأس المال في الحال ، أما عقد النكاح فإنه لا
يصح – حسب رأي الباحث – بطريق الإنترنت .
والنظام الذي يحكم العقد هو النظام الذي اتفق عليه المتعاقدان شريطة أن
يكون هذا النظام مستمداً من الشريعة الإسلامية وراجعاً إليها , أما المحكمة
المختصة فهي محكمة المدعِي لأنه الطرف الأضعف في العقد وهذا قول جمهور العلماء ,
ويستثنى من ذلك إذا كانت الدعوى تتعلق بعقار فإن المحكمة المختصة محكمة محل
العقار.
ويعتبر استخدام التوقيع الإلكتروني وخاصة
الرقمي منه لإثبات العقود الإلكترونية متفقاً مع مبادئ الإثبات في الشريعة الإسلامية
التي لم تحصر وسائل الإثبات بعدد معين أو شكل محدد وإنما كل وسيلة يبين فيها الحق
فهي من أدوات الإثبات.
ونظراً
لما يترتب على الاعتداء على التوقيع الإلكتروني من مخاطر فإن وضع العقوبات
المناسبة للجرائم المتعلقة بقصد الحماية الجنائية له يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الأموال والحقوق الخاصة وهذا
داخل ضمن التعازير التي يقدرها ولي الأمر
بحسب الجريمة وحالها وملابساتها.
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء المرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,,, وبعـد
فتختلف النظم
التشريعية والحضارية في نظرتها إلى العقود والحقوق المالية سواءً في كيفية
انعقادها أو في شروطها وأحكامها أو آثارها اختلافاً قد يصل إلى حد التباين.
فمثلاً كانت بعض
القوانين الوضعية تشترط الشكلية في انعقاد العقود , فلا يصح العقد ولا يعتبر إلا
إذا كان بهيئة معينة وشكل محدد , ثم تطورت إلى الرضائية بعد المرور بمراحل مختلفة(1) , أما الشريعة الإسلامية فقد جعلت الرضا
منذ البداية هو الأساس في نشأة العقود بأي شكل
كانت يقول تعالى : ]يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا
أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ[ [النساء آية (29)] "أي بطيبة نفس كل واحد
منكم"(2) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم
:" إنما البيع عن تراض".(3)
إن منهجية الإسلام في تقريره لهذه
القاعدة – الرضا – أساساً لصحة نشأة العقود دلالة إعجاز تشريعي واضح ، يؤكد أنها
شريعة خالدة صالحة لكل زمان ومكان وفي كل بيئة ومجتمع.
وقد مرت العصور
السابقة بأنواع مختلفة من أشكال انعقاد العقود كالبيع عن طريق الراديو والتلفزيون
والهاتف والفاكس والتلكس وغيرها وها نحن نشهد في السنوات الأخيرة تطوراً هائلاً في
وسائل الاتصال المختلفة وخاصة التقنيات الإلكترونية التي دخلت جميع مجالات الحياة بما
فيها المجال التجاري وظهر ما يسمى "بالتسوق الآلي" أو "تجارة
الإنترنت" أو "التجارة الإلكترونية" أو "التعاقد عن بعد".
عبر شبكة الإنترنت التي ربطت العالم بعضه مع بعض وألغت الحدود الجغرافية والوسائط
المالية وأصبح بإمكان تاجر التجزئة أن يشتري مباشرة من المنتج, والمستهلك أن يتسوق
وهو في منزله.
وانتشرت التجارة
الإلكترونية في الأعوام الأخيرة وأُسست الكثير من الشركات العالمية والمحلية مواقع
خاصة بها على شبكة الإنترنت وتقدر بعض الدراسات حجم التجارة الإلكترونية حالياً بـ
20% من مجمل التجارة العالمية ويتوقع أن
ترتفع النسبة إلى أكثر من ذلك خلال هذا العقد .(1)
وعلى أهمية هذا الموضوع
ومسيس الحاجة إليه إلإ أننا نجد قلة الدراسات الفقهية فيه التي تبين أحكامه , وتقترح
البديل المناسب عند عدم صلاحية بعض أعماله لأحكام الشريعة الإسلامية.
ويأتي هذا البحث مشاركة من الباحث في بيان أحكام
التعاقد بواسطة الإنترنت من حيث انعقاد العقد والنظام الذي يجب تطبيقه فيه،
وإثباته عن طريق التوقيع الإلكتروني والحماية الجنائية للتوقيع الإلكتروني.
وقد قسمت البحث إلى
المباحث التالية:
·
المبحث الأول:
انعقاد العقود الإلكترونية.
·
المبحث الثاني:
النظام الواجب تطبيقه والمحكمة المختصة.
·
المبحث الثالث:
إثبات العقود الإلكترونية بالتوقيع الإلكتروني .
وقبل ذلك نبين مفهوم العقود الإلكترونية.
مفهوم
العقود الإلكترونية:
تعريف
العقد:
العقد في اللغة
العربية يطلق على معان ترجع في مجملها إلى معنى الربط الذي هو نقيض الحل يقال :
"عقدت الحبل فهو معقود"(1) فالعقد في أصل اللغة "الشد والربط ثم
نقل إلى الأيمان والعقود كعقد المبايعات ونحوها"(2)
أما في الاصطلاح الفقهي فنجد أن للعقد
معنيان عام وخاص فالمعنى العام يطلق على كل التزام تعهد به الإنسان على نفسه سواء
كان يقابله التزام آخر أم لا، وسواء كان التزاماً دينياً كالنذر أو دنيوياً كالبيع
ونحوه (3).
أما المعنى الخاص
فيطلق العقد على كل اتفاق تم بين إرادتين أو أكثر على إنشاء التزام أو نقله، فهو
لا يتحقق إلا من طرفين أو أكثر، وهذا هو المعنى الغالب عند إطلاق الفقهاء للعقد في
الاصطلاح الفقهي.(4) ومن التعاريف الواردة على هذا المعنى تعريف
العقد بأنه "ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر على وجه
مشروع يثبت أثره في المعقود عليه"(5).
وعلى هذا فإن العقد في الاصطلاح الفقهي
الشرعي يشمل جميع العقود المالية التي
تتضمن طرفين أو أكثر كعقد البيع والإجارة والرهن والحوالة والمسابقة ... الخ كما
يتضمن العقود غير المالية كعقد النكاح ونحوه.
تعريف
الإلكترون:
الإلكترون عبارة عن شحنات كهربائية دقيقة
جداً دائمة الحركة حول جسم هو النواة الذي هو جزء من الذرة(6)،
وقد استخدمت الإلكترونيات في التصنيع ودخلت في كثير من المجالات فظهر الراديو الذي
يستقبل هذه الموجات الإلكترونية ثم ظهر التلفزيون والتلكس والهاتف والفاكس والحاسب
الآلي وغيرها من الأجهزة التي تعمل عن طريق الإلكترونيات(1).
وعلى ذلك فإن العقود الإلكترونية هي العقود التي
تتم عبر هذه الوسائل ونحوها من الآلات التي تعمل عن طريق الإلكترون, وهذا من حيث
الأصل , إلا أنه بعد ظهور الحاسب الآلي وانتشار المراسلة والتعاقد بواسطته , خصص
هذا المصطلح للعقود التي تتم عن طريقه , أما التعاقد عبر الراديو أو الهاتف أو
غيرها من وسائل الاتصال فلا يشملها عرفاً هذا المصطلح في العقدين الأخيرين , وأصبح
مصطلح العقود الالكترونية ينصرف مباشرة إلى: العقود التي تتم عبر شبكة الإنترنت, ولذا
نجد أن مصطلح التجارة الإلكترونية يطلق على: مجموعة العمليات التي تتم عبر الوسائل
الإلكترونية وخاصة عبر شبكة المواقع (web) والبريد الإلكتروني(2).
المبحث
الأول
انعقاد
العقود الإلكترونية
المطلب الأول: الوصف العملي للتعاقد بطريق الإنترنت:
تتعدد طرق التعاقد عبر الإنترنت ومن أهمها وأكثرها
انتشاراً التعاقد عبر شبكة المواقع ويب (web) والتعاقد عبر البريد الإلكتروني (Email) والتعاقد بطريق المحادثة والمشاهدة.
أولاً
:التعاقد عبر شبكة المواقع (web) :
تعمد كثير من الشركات إلى عرض سلعها
وخدماتها على شبكة المواقع web وتقوم بتصوير السلعة بطريقة ثلاثية الأبعاد مع تسجيل سعرها
ومواصفاتها، ويكون ذلك في موقع خاص بالشركة، وفي المقابل يقوم الراغب في التعاقد
بالبحث عن السلعة أو الخدمة التي يريدها عن طريق استخدام الرمز الذي يساعد في
الوصول إلى هذه السلعة أو الخدمة، وعند اقتناعه بها وبالشركة العارضة لها ومعرفة
سعرها ومواصفاتها يقوم بالتعاقد على الشراء بعد التأكد من السعر الفردي والإجمالي
(في حال شراء مجموعة سلع) وذلك بالنقر على مفتاح الموافقة فيظهر العقد المتعلق
بالشراء والمعد من قبل الشركة العارضة الذي يتضمن آلية الدفع وشروط التعاقد ومكانه
وكيفية التسليم والقانون الذي يحكم العقد وغير ذلك من الشروط والمعلومات التي
تختلف كثرة وقلة بحسب كل شركة أو عقد(1).
ثانياً:
التعاقد عبر البريد الإلكتروني (E,mail) :
يقصد بالبريد الإلكتروني: استخدام شبكات الحاسب
الآلي في نقل الرسائل بدلاً من الوسائل التقليدية، حيث يخصص لكل شخص صندوق بريد
إلكتروني خاص به، وهذا الصندوق عبارة عن ملف وحدة الأقراص الممغنطة التي تستخدم في
استقبال الرسائل.
وللتعاقد عبر البريد الإلكتروني أنواع
متعددة منها: أن بعض الشركات تقوم بإرسال رسائل دعائية لنوع معين من السلع أو
الخدمات في البريد الإلكتروني الخاص بالشخص، فإذا نظر صاحب البريد هذه الرسالة ورغب
في السلعة أو الخدمة قام بمراسلة الشركة حول التعاقد معهم على هذه السلعة أو
الخدمة ثم تتم المبايعة كالطريقة السابقة في التعاقد عبر شبكة المواقع.(1)
ثالثاً:
التعاقد بالمحادثة عبر الإنترنت :
توجد برامج تتيح للشخص تبادل الحديث صوتياً
مع الطرف الآخر بشكل مباشر سواءً كان طرفاً أو أكثر, كما يوجد أيضاً برنامج يمكن
من خلاله إرسال صور فيديو للتعبير عن الحركة(2).
سداد
الثمن :
يتم سداد ثمن العقد المبرم عبر الشبكة بعدة طرق
من أسهلها استخدام بطاقات الإئتمان (الفيزا كارد والماستر كارد ونحوها) ويكون إعطاء
معلومات البطاقة عبر الهاتف أو الفاكس وذلك تجنباً لإرسالها عبر الإنترنت مما يؤدي
إلى سرقة المعلومات المتعلقة بالبطاقة.
وقد
يكون الدفع عن طريق النقود الإلكترونية (البينز) حيث يتم تحويل النقود العادية إلى
وحدات نقدية إلكترونية يكون من الممكن التعامل بها بشكل آمن عبر شبكة الإنترنت,
كما يمكن الدفع عبر الشيك المصدق والمصرفي أو الشبكات الإلكترونية وغير ذلك من
الطرق المتعددة.(3)
المطلب
الثاني: الوصف الفقهي للتعاقد بطريق الإنترنت
من خلال العرض السابق
للطريقة التي يتم بها التعاقد عبر الإنترنت يتبين أنها تتم في غالب الحالات بطريقة
الكتابة، وقد تكون بالمحادثة , أو الإشارات والرموز.
والعقد في الشريعة الإسلامية ينعقد – على القول الصحيح - بكل ما يدل عليه
من دون اشتراط صيغة معينة أو شكل محدد , جاء في بدائع الصنائع وكذا إذا قال
البائع: خذ هذا الشيء بكذا أو أعطيتكه بكذا , أو هو لك بكذا , أو بذلتكه بكذا ,
وقال المشتري: قبلت أو أخذت أو رضيت أو هويت ونحو ذلك , فإنه يتم الركن لأن كل
واحد من هذه الألفاظ يؤدي إلى معنى البيع وهو المبادلة , والعبرة للمعنى لا
للصورة)(1).
وجاء في حاشية
الدسوقي على الشرح الكبير (وينعقد العقد بكل ما يدل على الرضا من قول أو كتابة أو
إشارة منهما أو من أحدهما)(2).
وجاء في الكافي لابن قدامة( الثاني(3):
المعاطاة , مثل أن يقول: أعطني بهذا خبزاً , فيعطيه ما يرضيه , أو يقول: خذ هذا
الثوب بدينار , فيأخذه , فيصح , لأن الشرع ورد بالبيع وعلَّق عليه أحكاماً , ولم
يعين له لفظاً , فعلم أنه ردَّهم إلى ما تعارفوه بينهم بيعاً , والناس في أسواقهم
وبياعاتهم على ذلك)(4)
وقد توسع في بيان هذه
القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبين الأدلة والأمثلة عليها وتعقب
القائلين بأن العقد لا يتم إلا بلفظ مخصوص أو شكل محدد، يقول رحمه الله (فأما
التزام لفظ مخصوص فليس له أثر ولا نظر، وهذه القاعدة الجامعة التي ذكرناها من أن
العقود تنعقد بكل ما يدل على مقصودها من قول أو فعل هي التي تدل عليها أصول
الشريعة)(5).
(1)
5/133.
(2)
3/3 , وانظر: المغني لابن قدامه 6/9 , والموافقات للشاطبي 2/87.
(3)
أي من أنواع البيع .
(4)
3/6.
(5)
الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية 29/13.
ويتفق العلماء على صحة التعاقد
بالكتابة إذا كانت بين غائبين لأن ذلك هو الوسيلة المستطاعة لاتمام العقد(1)
ولذا أتت القاعدة الفقهية المشهورة من أن "الكتاب كالخطاب"(2)
أي: أن الكتابة بين الغائبين كالنطق بين الحاضرين.
والإنترنت ما هو إلا وسيلة
لتوصيل الكتابة, وهذه الوسيلة معتبرة شرعاً لعدم تضمنها محذوراً شرعياً، ولأنها
شبيهة في حقيقة الأمر بالتعاقد عن طريق الرسول أو البريد العادي التي أجاز العلماء
التعاقد بواسطتهما(3).
وحيث أن الركن الأساسي في العقد هو صدور الإيجاب
والقبول من طرفي العقد ووصول كل منهما إلى علم الآخر بصورة معتبرة شرعاً، وفهم كلا
الطرفين ما قصده الآخر، وهذا كله متحقق في التعاقد بطريق الإنترنت سواءً عبر شبكة
المواقع (web) أو عبر البريد
الإلكتروني أو المحادثة والمشاهدة, فيكون التعاقد صحيحاً تترتب عليه آثاره
المعتبرة شرعاً .
وقد بحث مجمع الفقه
الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة
في دورته السادسة.(4) وصدر بذلك القرار رقم (52/3/6) ونص على صحة إجراء
العقود بآلات الاتصال الحديثة ومنها الحاسب الآلي وبَّين بعض الأحكام المتعلقة به
. ونظراً لأهمية القرار وتعلقه بموضوع البحث
أذكره بنصه:
(إن مجمع الفقه الإسلامي
في دورته..... وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة
وبالإشارة وبالرسول ، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس-
عدا الوصية والإيصاء والوكالة - وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على
إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والمولاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف.
قرر مايلي:
1- إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد
ولا يرى أحدهما الآخر معاينة ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو
الرسالة أو السفارة "الرسول" وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس
وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى
الموجه إليه وقبوله.
2- إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في
مكانين متباعدين وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي فإن التعاقد بينهما يعتبر
تعاقداً بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء
المشار إليها في الديباجة .
3- إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجاباً محدد
المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة وليس له الرجوع عنه.
4- إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد
فيه ولا الصرف لاشتراط التقابض ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال .
5-
ما يتعلق
باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للاثبات.(1))
طبيعة
التعاقد :
النص الوارد
في قرار مجمع الفقه الإسلامي السابق ذكره اعتبر التعاقد بطريق الحاسب الآلي بين
غائبين وذلك لأن كلا طرفي العقد غائب عن الآخر من حيث المكان، كما أنه يوجد فاصل
زمني بين الإيجاب والقبول فالتعاقد بين غائبين من حيث الزمان أيضاً، وذلك قياساً
على التعاقد بطريق المراسلة أو البريد العادي.
ولعل هذا يكون صحيحاً في فترة صدور القرار من المجمع
(سنة 1400هـ- 1990م) حيث كان التعاقد عبر الحاسب الآلي يختلف عن التعاقد عن طريقه
في هذا الزمن إذ لم توجد الشركات العارضة عبر شبكة المواقع وإنما كان الطرف الراغب
في التعاقد يرسل بطريق البريد الإلكتروني رسالة يبين فيها رغبته في التعاقد ثم
يحصل الرد من الطرف المقابل بالموافقة أو الرد، ولا شك أن ذلك يستغرق شيئاً من
الوقت الذي يجعل التعاقد بينهما أشبه بالتعاقد عن طريق البريد العادي فيكون له حكم
التعاقد بين الغائبين من حيث المكان والزمان.
أما في الوقت الحالي فقد تغيرت طريقة العرض
والتسوق, وأصبحت الشركات تعرض بضاعتها عبر شبكة المواقع (web) وما على العميل إلا أن يبدي رغبته في الموافقة على التعاقد فيتم
فوراً ويبدأ سريان آثار العقد من تسليم الثمن والسلعة ونحو ذلك.
وعلى
ذلك فالذي أراه أن التعاقد بطريق الإنترنت يعتبر في الأصل( تعاقداً بين غائبين من
حيث المكان وحاضرين من حيث الزمان).
وبيان
ذلك : أن مكان المتعاقدين مختلف سواءً كانا في بلدة واحدة أو دولة واحدة أو دول
مختلفة, فهما لا يجتمعان في مكان واحد كما هو الحاصل في التعاقد العادي.
أما زمان التعاقد فهو واحد حيث أن صفحة العقد
تكون معدة سلفاً من قبل العارض وما على المتعاقد سوى القبول أو الرفض، فلا توجد
فترة زمنية تفصل ما بين الإيجاب والقبول, ويستثنى من هذا الأصل بعض الحالات التي
يكون فيها انقطاع بين الإيجاب والقبول ومن ذلك على سبيل المثال :
1) إذا
كان العرض عن طريق البريد الإلكتروني سواءً كان موجهاً إلى موقع أو مجموعة مواقع
وكان هذا العرض بشكل غير متصل مع الطرف المقابل أي لا توجد كتابة مباشرة بين
الطرفين.
2)
إذا كان العارض في شبكة المواقع قد تحفظ
بحقه في قبول التعاقد أو رفضه.
ونخلص
في ذلك إلى أن الأصل في التعاقد عبر الإنترنت أنه بين غائبين من حيث المكان حاضرين
من حيث الزمان, إلا إذا وجدت فترة زمنية طويلة نسبياً تفصل بين الإيجاب والقبول
فإن التعاقد قد يكون بين غائبين مكاناً وزماناً.
المطلب
الثالث : الإيجاب والقبول في التعاقد بطريق الإنترنت
أولاً
: تحديد الإيجاب والقبول في التعاقد بطريق الإنترنت :
نبين في البداية أن العلماء – رحمهم الله-
اختلفوا في تحديد الإيجاب من القبول في التعاقد، فذهب الجمهور منهم (المالكية،
والشافعية ، والحنابلة)(1) إلى
أن الإيجاب هو ما صدر من المملِّك والقبول ما صدر من المتملِّك سواءً صدر أولاً أم
ثانياً.
وذهب
الحنفية(2). إلى أن الإيجاب هو ما صدر أولاً من أحد
المتعاقدين والقبول ما صدر ثانياً من المتعاقد الآخر وذلك لأنه قبول ورضاً بما
أثبته الأول(3). والاتجاه الأخير
(الحنفية) هو الذي أخذت به أكثر الأنظمة في الدول العربية لأنه الأيسر والأسهل في
تحديد الموجب من القابل.
وبناءً
على هذا الاتجاه (الحنفية) كيف نحدد الإيجاب والقبول في التعاقد عن طريق الإنترنت؟
وبعبارة أخرى هل يعتبر عرض السلعة أو الخدمة من قبل الشركة المنتجة أو المسوقة
إيجاباً، وموافقة العميل على التعاقد قبولاً؟ أم أن هذا العرض مجرد دعوة من قبل
الشركة للتعاقد، وأن الإيجاب يكون من قبل العميل لأنه هو المبتدئ والقبول هو في
موافقة الشركة على العقد إما موافقة صريحة أو ضمنية؟
نقول
جواباً عن ذلك: حينما نتأمل الطرق التي يتم بها التعاقد عبر الإنترنت نجد أنها
متعددة، ولذا فإن الإيجاب والقبول يختلف بحسب الطريقة التي تم بها التعاقد، وأبرز
الطرق المستخدمة حالياً في التعاقد هي: التعاقد عبر شبكة المواقع (web)، والتعاقد عبر البريد الإلكتروني، والتعاقد عبر المحادثة
والمشاهدة، ونبين الإيجاب والقبول في هذه الطرق الثلاث:
1)
الإيجاب والقبول عبر شبكة المواقع (web) :
يعتبر الإعلان عن
السلعة أو الخدمة في شبكة المواقع (web)إيجاباً من
العارض وذلك لأنه إيجاب مستمر على مدار الساعة، والغالب أنه موجه إلى الجمهور وليس
إلى فرد بعينه، فهو لا يختلف في حقيقته عن الإيجاب الصادر مباشرة بين طرفي
التعاقد.
وفي حالات مستثناة يكون
العرض مجرد دعوة للتعاقد وليس إيجاباً وذلك في الحالات التي تكون فيها شخصية
المتعاقد الآخر محل اعتبار عند من صدر منه العرض كالإعلان عن وظائف، أو طلب
مستأجرين ونحو ذلك.
وفي حالة حدوث تزاحم بين الراغبين بالشراء
فالاعتبار يكون بأولوية الوصول إلى علم الموجب، حيث ارتبط القبول بالإيجاب على وجه
مشروع فيكون القبول الذي أتى بعد نفاذ الكمية وارداً على محل غير موجود.
2)
الإيجاب والقبول عبر البريد الإلكتروني (E,mail):
إذا كان العرض للسلعة
أو الخدمة قد تم عبر البريد الإلكتروني وكانت حالة الاتصال بالكتابة مباشرة، فإن
الإيجاب هو ما صدر أولاً والذي هو من العارض ، وعلى الراغب في التعاقد القبول أو
الرفض.
أما إذا كانت حالة الاتصال ليست مباشرة بحيث
توجد فترة زمنية تفصل ما بين الإيجاب والقبول، كما إذا كان العرض موجهاً إلى شخص
محدد أو لعدة أشخاص في آن واحد فإن الإيجاب هو ما صدر أولاً , وعلى الموجب
(العارض) أن يبقى على إيجابه إذا كانت المدة محددة وليس له الرجوع عنه (1),
وإذا كانت المدة غير محددة فإنه يمكن استخلاص المدة بحسب طبيعة الإيجاب وموضوعه
والأعراف المتداولة لهذا الإيجاب.
3)
الإيجاب والقبول عبر المحادثة أو
المشاهدة:
إذا كان التعاقد بطريقة
الإنترنت تم عبر المحادثة أو المشاهدة فإن الموجب هو من بدأ أولاً بالعرض وله أن
يستمر في إيجابه خلال مجلس التعاقد وله أن يتراجع عن إيجابه قبل اقترانه بالقبول،
كما أن لكلا الطرفين أن يتراجعا عن العقد مادامت المحادثة أو المشاهدة قائمة،
وسيأتي مزيد تفصيل لهذه المسألة(2).
(1)
انظر: المادة الثالثة من قرار المجمع
السابق عرضه.
(2)
أنظر الشرط الثالث من شروط الإيجاب
والقبول.
(1) انظر في ذلك: ضوابط العقد في الفقه الإسلامي ،
د. عدنان خالد التركماني ص18.
(2) تفسير البغوي 1/331.
(3) رواه ابن ماجه واللفظ له في كتاب التجارات,
باب بيع الخيار برقم 2176 , ورواه أحمد بنحوه في المسند , كتاب باقي مسند المكثرين
برقم10501 , والترمذي في كتاب البيوع برقم 1169 , وأبو داود في كتاب البيوع أيضاً
برقم 2999 .
(1) انظر
التجارة الإلكترونية في الوطن العربي . حسن الحفني ص19.
(1) انظر:
معجم مقاييس اللغة ص654 ولسان العرب لابن منظور 9/309,والقاموس المحيط للفيروز
أبادي ص 383 , والمصباح المنير للفيومي ص421.
(2) أحكام
القرآن للجصاص 3/285.
(3) انظر:
القواعد لابن رجب, القاعدة الثانية والخمسين ,ص78.
(4) انظر في
ذلك: ضوابط العقد في العقد الإسلامي- د. خالد التركماني ص24, وضوابط العقود- د.
عبد الحميد البعلي ص44.
(5) مرشد
الحيران- لمحمد قدري باشا ، المادة 168 بتصرف .
(6) انظر:
الألكترون وأثره في حياتنا – لجين نيدك ص9.
(1) انظر
المرجع السابق وموسوعة الإلكترونيات لمحمد المتنبي (الجزء الأول).
(2)
أنظر: البيع والتجارة على الإنترنت – عبد الحميد بسيوني ص54.
(1) انظر:
التعاقد عن طريق الإنترنت - أحمد العجلوني. ص16، وتطبيقات الإنترنت في التسويق -
د. بشير العلاق ص20، كما تمت المقابلة مع بعض الشركات والمؤسسات التي لها مواقع
تسويقية في الشبكة العنكبوتية.
(1) أنظر المراجع السابقة .
(2) أنظر المراجع
السابقة .
(3) انظر
تفصيل هذه الطرق التجارة الإلكترونية في الوطن العربي. حسن الحفني ص 13-17
والتعاقد بالبيع بواسطة الإنترنت . محمد أبو الهيحاء ص54.
(1) أنظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/3 وروضة الطالبين
3/340.
(2) أنظر هذه القاعدة:
مجلة الأحكام العدلية وشرحها لعلي حيدر, المادة 69 1/61.
(3) انظر ضوابط العقد في الفقه الإسلامي . د.
عدنان التركماني ص74.
(4) المنعقدة بمدينة
جدة من 17-23/8/1410هـ الموافق 14-10/3/1990م.
(1) مجلة
مجمع الفقه الإسلامي - العدد السادس -2/785.
(1) انظر
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/3. والمجموع شرح المهذب 9/165. وكشاف القناع
3/165.
(2) انظر
بدائع الصنائع 3/196.
(3) لمزيد من
التفصيل في هذه المسألة أنظر: ضوابط العقود. د. عبد الحميد اليعلي. ص87., وضوابط
العقد في الفقه الإسلامي د.عدنان التركماني ص41.