مقدمــة:
تشكل
قضية المعاقين إحدى أهم القضايا لدى الدول والمنظمات الدولية المعاصرة، إذ أن
مستوى الرعاية والتأهيل المقدم لهم يمثل أحد المعايير الأساسية التى تقاس عليها
حضارة كل مجتمع من المجتمعات ومدى تطوره، مع أهمية التأكيد على أن الاهتمام بهم
يجب ألا يرتكز على فكرة الإحسان، وإنما على أساس ما يجب أن يتمتعون به من حقوق
تقرها الأديان السماوية وتنص عليها الإعلانات والمواثيق الدولية.
ويأتي
هذا العرض لكي نسلط من خلاله الضوء على الحق فى الاستعمال الحر للمصنفات المحمية،
ومدى أهمية هذا الحق فى رعاية وتأهيل المعاقين من الناحية الثقافية والتعليمية،
فنتعرف على مضمون هذا وصلته بالإعاقة (أولا)، كما نتعرف على موقف الدول من استفادة
المعاقين من هذا الحق (ثانيا).
أولاً: مضمون الحق فى الاستعمال الحر للمصنفات وصلته
بالإعاقة:
تعترف
تشريعات الملكية الفكرية فى العديد من دول العالم بالحق فى الاستعمال المشروع للمصنفات المشمولة بالحماية
باعتباره إستثناء أو تقييداً للحق الاستئثاري الذى يتمتع به صاحب حق المؤلف وخلفه
من بعده على المصنف، وهو ما يتعارف على تسميته بالاستعمال الحر أو العادل للمصنفات
المحمية (Fair use of copyrighted works).
ومؤدى
هذا الحق أن هناك بعض المعايير تضعها التشريعات ويكون من شأنها تحديد الأنشطة التى
يعتبر استعمال المصنف المحمى فى إطارها استعمالاً مشروعاً (1)
بحيث يتم هذا الاستعمال مجاناً وبدون أي تصريح من أصحاب حقوق التأليف، مع مرعاة
الشروط المنصوص عليها قانوناً بشأن كيفية الاستعمال ومداه، فضلاً عن احترام الحقوق
الأدبية للمؤلفين.
واعتراف
الدول ضمن تشريعاتها بالحق فى الاستعمال الحر للمصنفات المحمية إنما يأتى إحترماً للاتفاقيات الدولية
المعنية بحقوق المؤلف(2)،
لاسيما اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية التى أخذت بعين الاعتبار
التوازن الذى يتوجب تحقيقه بين مصالح أصحاب الحقوق على المصنفات والمنتفعين بتلك
المصنفات من الجمهور، حيث أجازت الاتفاقية مجموعة من الاستثناءات على الحقوق
المالية للمؤلف، فى الوقت الذى حافظت فيه على حقوقه الأدبية.
ويعتبر
انتفاع المعاقين سمعياً أو بصرياً بالمصنفات المشمولة بحماية حق المؤلف من أبرز
صور الاستعمال الحر للمصنفات المحمية التى حرصت العديد تشريعات الملكية الفكرية
على تأكيدها، ومفاد هذا الاستثناء هو السماح لمؤسسات رعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات
الخاصة من المكفوفين أو ضعاف البصر بإستنساخ أي مصنف منشور بطريقة برايل (Braille)
او مع تضخيم حروف الكتابة أو تحويلها إلى تسجيلات صوتية تلبية لاحتياجاتهم تحت ما يسمى
بـ (النصوص المنطوقة)، وكذلك السماح لمؤسسات رعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة
من فاقدي أو ضعاف السمع وهيئات الاعلام المرئى من تقديم المصنفات بطريقة التصوير
التمثيلى تلبية لاحتياجات فاقدي أو ضعاف السمع ممن يعانون صعوبات فى النطق.
ولا
شك فى أن تبريراً منطقياً يستند على أساسه هذا الاستثناء، وهو إتاحة الفرصة أمام
المعاقين سمعياً أو بصرياً للانتفاع بالمصنفات المحمية للمشاركة من جانبهم فى
الحياة الثقافية التى تعيشها بلادهم عن طريق إطلاعهم على مختلف صنوف الإبداع
الفكرى، ومراعاة للاعتبارات الإنسانية وحقهم فى التأهيل الثقافى والتعليمى(3). أضف إلى ذلك أن هذا الاستثناء يتفق مع
ما ورد فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى أكد على الحقوق المتساوية للأفراد
فى الاشتراك فى الحياة الثقافية للمجتمع،
بالنص فى المادة (27) على أن: "لكل فرد الحق فى أن يشترك اشتراكاً
حراً فى حياة المجتمع الثقافى وفى الاستمتاع بالفنون والمساهمة فى التقدم العلمى
والاستفادة من نتائجه".
ثانياً:
موقف الدول من استفادة المعاقين من الاستعمال الحر للمصنفات:
وإذا
تتبعنا موقف تشريعات الملكية الفكرية فى مختلف دول العالم، سنلحظ أنها لا تنتهج منهجاً موحداً تسير عليه
فى تناولها لحق المعاق فى الاستعمال العادل، أو الحر للمصنفات المحمية، فقد لوحظ
أن القوانين الوطنية السارية فى العديد من البلدان تسمح بالنسخ والتحويل للمصنفات
المنشورة لمصلحة متحدي الإعاقة السمعية أوالبصرية وبدون تصريح من أصحاب الحقوق،
غير أن مثل هذه الأعمال قد تعد فى بلدان أخرى تعدياً على حق المؤلف، إذا مورست دون
تصريح من أصحاب هذه الحقوق.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من اختلاف
المواقف، إذ لاحظنا أن الدول التى تسمح فى تشريعاتها بنسخ وتحويل المصنفات المحمية
لمصلحة المعاقين قد تباين موقفها بشأن فئات الإعاقة التى يمكنها الاستفادة من هذا
القيد الوارد على الحق الاستئثاري المقرر لاصحاب حقوق التأليف، ففى حين تذهب بعض
التشريعات الى قصر تطبيق حكمها على المعاقين سمعياً أو بصرياً، تتجه تشريعات أخرى إلى
التوسع فى نطاق المستفيدين من هذا الحكم ليشمل فئات أخرى من ذوي الاحتياجات
الخاصة، فى الوقت الذى لم تتطرق فيه بعض تشريعات الملكية الفكرية فى الدول النامية
إلى النص صراحة على استفادة المعاقين من هذا الاستثناء، وبيان ذلك على النحو
التالى:
الاتجاه الأول: قصر تطبيق حق الاستعمال الحر للمصنفات المحمية
على المعاقين سمعياً أو بصرياً:
وقد
تبنت هذا الاتجاه بعض تشريعات الملكية الفكرية فى مناطق مختلفة من العالم، إذ
أتاحت للمكفوفين أو لضعاف البصر الانتفاع بالمصنفات المحمية دون الحصول على إذن من
أصحابها أو دفع أي مقابل مالى لهم، ويتحقق ذلك عن طريق استخدام المكتبات العامة أو
المعاهد التعليمية أو غيرها من المؤسسات التعليمية أو الثقافية القائمة على رعاية
المعاقين طريقة برايل أو تضخيم حروف الكتابة أو تحويل ما هو مكتوب إلى منطوق، كذلك
أتاحت بعض التشريعات لفاقدي السمع الانتفاع بهذه المصنفات المحمية باستخدام هيئات
الإعلام المرئى لطريقه التصوير التمثيلى.
ولقد سار على هذا الاتجاه ـ منذ زمن بعيد ـ
قانون حماية حق المؤلف الاسترالى فى نسخته القديمة الصادرة فى سنة 1969، فضلاً عن
قوانين حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة المعاصرة فى كل من أسبانيا (مادة31/3)
والبرتغال (مادة80)(4)، وكذلك فى الأرجنتين
وبيرو وبعض دول أمريكا اللاتينية، إذ نصت هذه التشريعات صراحة على إقرار الاستثناء
الخاص بالإعاقات السمعية أو البصرية، دون الإفصاح عن التوسع فى نطاق تطبيق
الاستعمال الحر للمصنفات المحمية على فئات أخرى للإعاقة (5)،
وإن كان هذا لم يمنع توجهاً فقهياً فى هذه البلدان يرى أن النصوص المعنية جاءت من
المرونة بما يسمح بإمكانية تطويعها لمد الاستثناء على فئات أخرى للإعاقة.
الاتجاه الثانى: التوسع فى تطبيق حق الاستعمال الحر للمصنفات
المحمية على فئات أخرى من المعاقين:
ولقد
تبنت هذا الاتجاه الموسع العديد من تشريعات الملكية الفكرية التى أكدت على أحقية
ذوي الاحتياجات الخاصة فى الانتفاع بالمصنفات المحمية دون إذن من أصحاب حقوق
التأليف، بحيث نصت صراحة على أن يستفيد من هذا الحكم الأشخاص الذين يعانون من
فقدان أو ضعف سمعي أو بصرى، فضلاً عن أصحاب الإعاقات الحركية الذين لا يستطيعون
الإمساك بالدعامات المادية الخاصة بالمصنفات أو تقليب صفحاتها أو تركيز أعينهم أو
تحريكها، أو الذين يعانون من صعوبات فى القراءة والمطالعة، وكذلك الحال بالنسبة
للمسنين الذين تتأثر حواسهم بسبب التقدم فى العمر.
ومن
أبرز التشريعات التى سارت على هذا الاتجاه ـ وإن اختلفت فى مسألة أداء المقابل
المالى لأصحاب حقوق التأليف نظير هذا الانتفاع ـ قوانين حماية حق المؤلف فى كل من
الولايات المتحدة الأمريكية، والدنمارك، وإنجلترا، واليابان، وأيسلندا، وكندا،
وفنلندا، والسويد، وروسيا الاتحادية.
(1) ومن أمثلة ذلك: الاستشهاد
بفقرات قصيرة من مصنف سبق وضعه فى متناول الجمهور بصوره مشروعه ، واستخدام
المصنفات لغرض الايضاح التعليمى، واستنساخ المقالات المنشورة فى الصحف او الدوريات
او المذاعة عن موضوعات سياسية او اقتصادية او دينية من موضوعات الساعة ، واستنساخ
المصنفات من قبل المكتبات العامة ، او مركز التوثيق غير التجارية او المؤساسات
العلمية او المعاهد التربوية ، فضلا عن الاستنساخ بغرض الاستخدام الشخصى . للمزيد
من التفاصيل، راجع : نواف كنعان : حق المؤلف، النماذج المعاصرة لحق المؤلف ووسائل
حمايتة، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية، سنة 2000 م، ص 268 وما
بعدها .
(2) وفى هذا الصدد ، نصت اتفاقية برن لحماية
المصنفات الادبية والفنية فى الفقرة الثانية من المادة التاسعة على ان : تختص
تشريعات دول الاتحاد بحق السماح بعمل نسخ من المصنفات الادبية والفنية فى بعض
الحالات الخاصة بشرط الا يتعارض عمل هذه النسخ مع الاستغلال العادى للمصنف والا
يسبب ضررا بغير مبرر للمصالح المشروعة للمؤلف، كما اقرت المادة الرابعة(ثانيا) من
اتفاقيه جنيف ، المعروفة بأسم الاتفاقية العالميه لحقوق المؤلف ، هذا الاستثناء
اذا نصت على انه : "يجوز لكل دولة متعاقدة ان تقرر بتشريعها الداخلى استثناء
من الحقوق المشار اليها بالفقرة الاولى من هذه المادة، على ان لا تتعارض تلك
الاستثناءات مع روح هذه الاتفاقية واحكامها " .
(3) اشارت قرارات
الاتحاد الدولى لرابطة امناء المكفوفين الى الاعتبارات الانسانيه التى يستند اليها
تبرير انتفاع المعاقين بصريا من الاستعمال الحر للمصنفات المحمية ، بالقول بأن :
" هناك ملايين الاشخاص من كل انحاء العالم يعجزون عن قراءة المطبوعات بسبب
الاعاقة، ومن ثم يضارون ابلغ الضرر من محاولاتهم ان يعيشوا حياة كاملة ونشطة ومستقلة فى المجتمع . ويعتمد
الاشخاص المعوقون على المواد المتاحة فى وسائل بديلة مثل برايل والاشرطه الصوتية ،
الا ان القواعد الخاصة بحماية حق المؤلف قد تمنع دون مبرر إنتاج وتوزيع مواد
بوسائل بديلة يقتصر استخدامها على غير القادرين عن قراءة النسخ المطبوعة ، وتشكل
انتهاكا لحق الانسان الاساسى فى حرية الانتفاع بالانتاج الفكرى ، الامر الذى يتطلب
تضمين قواعد حق المؤلف اعفاءات قانونية
خاصة بانتاج وتوزيع مواد تحملها وسائل بديلة يقتصر استخدامها على المعوقين
" .
(4) ويرى جانب من الفقهان التشريع
البرتغالى قد اتى بالصياغة المثلى فى
اقراره لهذا الحكم فى شأن اصحاب الاعاقات البصرية ، اذا اجاز الاستنساخ ـــ او اى
استخدام اخر للمصنفات ــ بطريقة برايل او غيرها من الطرق المخصصة للمكفوفين ما
دام المصنف قد نشر
بصورة مشروعة ولم يقصد من عمليات
الاستنساخ تحقيق الربح . انظر : كلود كولومبية : المبادىء الاسا سية لحق المؤلف والحقوق
المجاورة فى العالم ، دراسة فى القانون
المقارن ، اليونسكو ، سنة 1995 م ، ص 73 .
(5) لمزيد من التفصيل ، انظر :
Delia
LIPSZYC : Droit d`auteur et droits voisins, ed UNESCO, 1997, n. 4.4.1,p.225.
تشكل
قضية المعاقين إحدى أهم القضايا لدى الدول والمنظمات الدولية المعاصرة، إذ أن
مستوى الرعاية والتأهيل المقدم لهم يمثل أحد المعايير الأساسية التى تقاس عليها
حضارة كل مجتمع من المجتمعات ومدى تطوره، مع أهمية التأكيد على أن الاهتمام بهم
يجب ألا يرتكز على فكرة الإحسان، وإنما على أساس ما يجب أن يتمتعون به من حقوق
تقرها الأديان السماوية وتنص عليها الإعلانات والمواثيق الدولية.
ويأتي
هذا العرض لكي نسلط من خلاله الضوء على الحق فى الاستعمال الحر للمصنفات المحمية،
ومدى أهمية هذا الحق فى رعاية وتأهيل المعاقين من الناحية الثقافية والتعليمية،
فنتعرف على مضمون هذا وصلته بالإعاقة (أولا)، كما نتعرف على موقف الدول من استفادة
المعاقين من هذا الحق (ثانيا).
أولاً: مضمون الحق فى الاستعمال الحر للمصنفات وصلته
بالإعاقة:
تعترف
تشريعات الملكية الفكرية فى العديد من دول العالم بالحق فى الاستعمال المشروع للمصنفات المشمولة بالحماية
باعتباره إستثناء أو تقييداً للحق الاستئثاري الذى يتمتع به صاحب حق المؤلف وخلفه
من بعده على المصنف، وهو ما يتعارف على تسميته بالاستعمال الحر أو العادل للمصنفات
المحمية (Fair use of copyrighted works).
ومؤدى
هذا الحق أن هناك بعض المعايير تضعها التشريعات ويكون من شأنها تحديد الأنشطة التى
يعتبر استعمال المصنف المحمى فى إطارها استعمالاً مشروعاً (1)
بحيث يتم هذا الاستعمال مجاناً وبدون أي تصريح من أصحاب حقوق التأليف، مع مرعاة
الشروط المنصوص عليها قانوناً بشأن كيفية الاستعمال ومداه، فضلاً عن احترام الحقوق
الأدبية للمؤلفين.
واعتراف
الدول ضمن تشريعاتها بالحق فى الاستعمال الحر للمصنفات المحمية إنما يأتى إحترماً للاتفاقيات الدولية
المعنية بحقوق المؤلف(2)،
لاسيما اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية التى أخذت بعين الاعتبار
التوازن الذى يتوجب تحقيقه بين مصالح أصحاب الحقوق على المصنفات والمنتفعين بتلك
المصنفات من الجمهور، حيث أجازت الاتفاقية مجموعة من الاستثناءات على الحقوق
المالية للمؤلف، فى الوقت الذى حافظت فيه على حقوقه الأدبية.
ويعتبر
انتفاع المعاقين سمعياً أو بصرياً بالمصنفات المشمولة بحماية حق المؤلف من أبرز
صور الاستعمال الحر للمصنفات المحمية التى حرصت العديد تشريعات الملكية الفكرية
على تأكيدها، ومفاد هذا الاستثناء هو السماح لمؤسسات رعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات
الخاصة من المكفوفين أو ضعاف البصر بإستنساخ أي مصنف منشور بطريقة برايل (Braille)
او مع تضخيم حروف الكتابة أو تحويلها إلى تسجيلات صوتية تلبية لاحتياجاتهم تحت ما يسمى
بـ (النصوص المنطوقة)، وكذلك السماح لمؤسسات رعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة
من فاقدي أو ضعاف السمع وهيئات الاعلام المرئى من تقديم المصنفات بطريقة التصوير
التمثيلى تلبية لاحتياجات فاقدي أو ضعاف السمع ممن يعانون صعوبات فى النطق.
ولا
شك فى أن تبريراً منطقياً يستند على أساسه هذا الاستثناء، وهو إتاحة الفرصة أمام
المعاقين سمعياً أو بصرياً للانتفاع بالمصنفات المحمية للمشاركة من جانبهم فى
الحياة الثقافية التى تعيشها بلادهم عن طريق إطلاعهم على مختلف صنوف الإبداع
الفكرى، ومراعاة للاعتبارات الإنسانية وحقهم فى التأهيل الثقافى والتعليمى(3). أضف إلى ذلك أن هذا الاستثناء يتفق مع
ما ورد فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى أكد على الحقوق المتساوية للأفراد
فى الاشتراك فى الحياة الثقافية للمجتمع،
بالنص فى المادة (27) على أن: "لكل فرد الحق فى أن يشترك اشتراكاً
حراً فى حياة المجتمع الثقافى وفى الاستمتاع بالفنون والمساهمة فى التقدم العلمى
والاستفادة من نتائجه".
ثانياً:
موقف الدول من استفادة المعاقين من الاستعمال الحر للمصنفات:
وإذا
تتبعنا موقف تشريعات الملكية الفكرية فى مختلف دول العالم، سنلحظ أنها لا تنتهج منهجاً موحداً تسير عليه
فى تناولها لحق المعاق فى الاستعمال العادل، أو الحر للمصنفات المحمية، فقد لوحظ
أن القوانين الوطنية السارية فى العديد من البلدان تسمح بالنسخ والتحويل للمصنفات
المنشورة لمصلحة متحدي الإعاقة السمعية أوالبصرية وبدون تصريح من أصحاب الحقوق،
غير أن مثل هذه الأعمال قد تعد فى بلدان أخرى تعدياً على حق المؤلف، إذا مورست دون
تصريح من أصحاب هذه الحقوق.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من اختلاف
المواقف، إذ لاحظنا أن الدول التى تسمح فى تشريعاتها بنسخ وتحويل المصنفات المحمية
لمصلحة المعاقين قد تباين موقفها بشأن فئات الإعاقة التى يمكنها الاستفادة من هذا
القيد الوارد على الحق الاستئثاري المقرر لاصحاب حقوق التأليف، ففى حين تذهب بعض
التشريعات الى قصر تطبيق حكمها على المعاقين سمعياً أو بصرياً، تتجه تشريعات أخرى إلى
التوسع فى نطاق المستفيدين من هذا الحكم ليشمل فئات أخرى من ذوي الاحتياجات
الخاصة، فى الوقت الذى لم تتطرق فيه بعض تشريعات الملكية الفكرية فى الدول النامية
إلى النص صراحة على استفادة المعاقين من هذا الاستثناء، وبيان ذلك على النحو
التالى:
الاتجاه الأول: قصر تطبيق حق الاستعمال الحر للمصنفات المحمية
على المعاقين سمعياً أو بصرياً:
وقد
تبنت هذا الاتجاه بعض تشريعات الملكية الفكرية فى مناطق مختلفة من العالم، إذ
أتاحت للمكفوفين أو لضعاف البصر الانتفاع بالمصنفات المحمية دون الحصول على إذن من
أصحابها أو دفع أي مقابل مالى لهم، ويتحقق ذلك عن طريق استخدام المكتبات العامة أو
المعاهد التعليمية أو غيرها من المؤسسات التعليمية أو الثقافية القائمة على رعاية
المعاقين طريقة برايل أو تضخيم حروف الكتابة أو تحويل ما هو مكتوب إلى منطوق، كذلك
أتاحت بعض التشريعات لفاقدي السمع الانتفاع بهذه المصنفات المحمية باستخدام هيئات
الإعلام المرئى لطريقه التصوير التمثيلى.
ولقد سار على هذا الاتجاه ـ منذ زمن بعيد ـ
قانون حماية حق المؤلف الاسترالى فى نسخته القديمة الصادرة فى سنة 1969، فضلاً عن
قوانين حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة المعاصرة فى كل من أسبانيا (مادة31/3)
والبرتغال (مادة80)(4)، وكذلك فى الأرجنتين
وبيرو وبعض دول أمريكا اللاتينية، إذ نصت هذه التشريعات صراحة على إقرار الاستثناء
الخاص بالإعاقات السمعية أو البصرية، دون الإفصاح عن التوسع فى نطاق تطبيق
الاستعمال الحر للمصنفات المحمية على فئات أخرى للإعاقة (5)،
وإن كان هذا لم يمنع توجهاً فقهياً فى هذه البلدان يرى أن النصوص المعنية جاءت من
المرونة بما يسمح بإمكانية تطويعها لمد الاستثناء على فئات أخرى للإعاقة.
الاتجاه الثانى: التوسع فى تطبيق حق الاستعمال الحر للمصنفات
المحمية على فئات أخرى من المعاقين:
ولقد
تبنت هذا الاتجاه الموسع العديد من تشريعات الملكية الفكرية التى أكدت على أحقية
ذوي الاحتياجات الخاصة فى الانتفاع بالمصنفات المحمية دون إذن من أصحاب حقوق
التأليف، بحيث نصت صراحة على أن يستفيد من هذا الحكم الأشخاص الذين يعانون من
فقدان أو ضعف سمعي أو بصرى، فضلاً عن أصحاب الإعاقات الحركية الذين لا يستطيعون
الإمساك بالدعامات المادية الخاصة بالمصنفات أو تقليب صفحاتها أو تركيز أعينهم أو
تحريكها، أو الذين يعانون من صعوبات فى القراءة والمطالعة، وكذلك الحال بالنسبة
للمسنين الذين تتأثر حواسهم بسبب التقدم فى العمر.
ومن
أبرز التشريعات التى سارت على هذا الاتجاه ـ وإن اختلفت فى مسألة أداء المقابل
المالى لأصحاب حقوق التأليف نظير هذا الانتفاع ـ قوانين حماية حق المؤلف فى كل من
الولايات المتحدة الأمريكية، والدنمارك، وإنجلترا، واليابان، وأيسلندا، وكندا،
وفنلندا، والسويد، وروسيا الاتحادية.
(1) ومن أمثلة ذلك: الاستشهاد
بفقرات قصيرة من مصنف سبق وضعه فى متناول الجمهور بصوره مشروعه ، واستخدام
المصنفات لغرض الايضاح التعليمى، واستنساخ المقالات المنشورة فى الصحف او الدوريات
او المذاعة عن موضوعات سياسية او اقتصادية او دينية من موضوعات الساعة ، واستنساخ
المصنفات من قبل المكتبات العامة ، او مركز التوثيق غير التجارية او المؤساسات
العلمية او المعاهد التربوية ، فضلا عن الاستنساخ بغرض الاستخدام الشخصى . للمزيد
من التفاصيل، راجع : نواف كنعان : حق المؤلف، النماذج المعاصرة لحق المؤلف ووسائل
حمايتة، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية، سنة 2000 م، ص 268 وما
بعدها .
(2) وفى هذا الصدد ، نصت اتفاقية برن لحماية
المصنفات الادبية والفنية فى الفقرة الثانية من المادة التاسعة على ان : تختص
تشريعات دول الاتحاد بحق السماح بعمل نسخ من المصنفات الادبية والفنية فى بعض
الحالات الخاصة بشرط الا يتعارض عمل هذه النسخ مع الاستغلال العادى للمصنف والا
يسبب ضررا بغير مبرر للمصالح المشروعة للمؤلف، كما اقرت المادة الرابعة(ثانيا) من
اتفاقيه جنيف ، المعروفة بأسم الاتفاقية العالميه لحقوق المؤلف ، هذا الاستثناء
اذا نصت على انه : "يجوز لكل دولة متعاقدة ان تقرر بتشريعها الداخلى استثناء
من الحقوق المشار اليها بالفقرة الاولى من هذه المادة، على ان لا تتعارض تلك
الاستثناءات مع روح هذه الاتفاقية واحكامها " .
(3) اشارت قرارات
الاتحاد الدولى لرابطة امناء المكفوفين الى الاعتبارات الانسانيه التى يستند اليها
تبرير انتفاع المعاقين بصريا من الاستعمال الحر للمصنفات المحمية ، بالقول بأن :
" هناك ملايين الاشخاص من كل انحاء العالم يعجزون عن قراءة المطبوعات بسبب
الاعاقة، ومن ثم يضارون ابلغ الضرر من محاولاتهم ان يعيشوا حياة كاملة ونشطة ومستقلة فى المجتمع . ويعتمد
الاشخاص المعوقون على المواد المتاحة فى وسائل بديلة مثل برايل والاشرطه الصوتية ،
الا ان القواعد الخاصة بحماية حق المؤلف قد تمنع دون مبرر إنتاج وتوزيع مواد
بوسائل بديلة يقتصر استخدامها على غير القادرين عن قراءة النسخ المطبوعة ، وتشكل
انتهاكا لحق الانسان الاساسى فى حرية الانتفاع بالانتاج الفكرى ، الامر الذى يتطلب
تضمين قواعد حق المؤلف اعفاءات قانونية
خاصة بانتاج وتوزيع مواد تحملها وسائل بديلة يقتصر استخدامها على المعوقين
" .
(4) ويرى جانب من الفقهان التشريع
البرتغالى قد اتى بالصياغة المثلى فى
اقراره لهذا الحكم فى شأن اصحاب الاعاقات البصرية ، اذا اجاز الاستنساخ ـــ او اى
استخدام اخر للمصنفات ــ بطريقة برايل او غيرها من الطرق المخصصة للمكفوفين ما
دام المصنف قد نشر
بصورة مشروعة ولم يقصد من عمليات
الاستنساخ تحقيق الربح . انظر : كلود كولومبية : المبادىء الاسا سية لحق المؤلف والحقوق
المجاورة فى العالم ، دراسة فى القانون
المقارن ، اليونسكو ، سنة 1995 م ، ص 73 .
(5) لمزيد من التفصيل ، انظر :
Delia
LIPSZYC : Droit d`auteur et droits voisins, ed UNESCO, 1997, n. 4.4.1,p.225.