اتفاقية
التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية
-المسار
و الرهانات
من إعداد الطلبة : تحت
إشراف الدكتور :
v
أسامة المنير
v
عز الدين الشارف
السنة الجامعية
2004 -2005
مقدمة عامة.
1- الإطار التاريخي للموضوع.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية عرفت العلاقات التجارية الدولية تطورا
مهما في حجم المبادلات و كذلك في نوعيتها و في صفة الأطراف المشاركة فيها. كما أن
المواد موضوع التبادل أصبحت تتنوع من مواد أولية إلى مصنعة و نصف مصنعة، مع العلم
أن تجارة الخدمات أصبحت تحتل قسطا مهما من المبادلات الدولية[1].
و لم تعد العلاقات التبادلية مقتصرة
على البلدان التجارية التقليدية، بل تجاوزتها إلى الدول النامية كما تميزت هذه
المرحلة بتزايد عدد الإتفاقيات الثنائية و المتعددة الأطراف في الميدان التجاري،
ناهيك عن إنشاء مناطق للتبادل الحر و اتصالات جمركية و تنظيمـــات إقليميــــة و
عالمية.[2]
وأمام سرعة وثيرة تحرير المبادلات التجارية على المستوى العالمي، لم يعد
الإنفتاح الإقتصادي يطرح كاختيار بالنسبة للمغرب، بل كمعطى واقعي يوجب تبني
استراتيجية تمكن من التحكم فيه، للإستفادة من إيجابياته و تفادي سلبياته.
و يعود أصل العلاقات المغربية
الأمريكية إلى السنوات الأولى لحرب الإستقلال الأمريكية. إذ كان المغرب أول دولة
خارج أوربا اعترفت بالجمهورية الناشئة.
و يمكن القول إن قيام علالقات سياسية و
تجارية بين البلدان جاء أولا و قبل كل شيء كنتيجة لرغبة جهود السلطانسيدي محمد بن
عبد الله( 1757-1790) الذي نهج سياسة انفتاح اقتصادي و تجاري. و قام بإصدار منشور
من مكناس في 20 دجنبر 1777 يتعلق بالإذن لعدد من الدول في ممارسة نشاطها مع
المغرب، و كان من ضمنها الولايات المتحدة، و قد اعتبرت المبادرة اعترافا بسيادة
أمريكا و استقلالها.
و منذ ذلك التاريخ تبين أن
العلاقات بين الجانبين اقتصرت على الجانب السياسي وحده، " و من ثم كانت
علاقتنا غير متوازنة، ذلك لأن تعاوننا الإقتصادي ظل هامشيا، و على الخصوص محروما
من الهياكل و الوسائل الكفيلة بإعطاء مبادلاتنا و شركائنا بعدا يكون من
حيث نوعيته و طموحه، في نفس مستوى
التعاون السياسي القائم بيننا"[3] و على هذا الأساس تم توقيع معاهدة بشأن تشجيع و
حماية الإستثمرات على وجه التبادل بين المغرب و الولايات المتحدة في 22 يوليوز
1985. و دخلت حيز التنفيذ في 29 ماي 1991. و تهدف هذه المعاهدة إلى تنمية التعاون
الإقتصادي بين البلدين و إلى تنشيط تدفق رؤوس الأموال الخاصة و التنمية
الإقتصادية، و ذلك من أجل خلق ظروف ملائمة لمستثمري كل واحد من الطرفين.
و تم توقيع اتفاقية أخرى بشأن تشجيع الإستثمرات بين البلدين في 15 مارس
1995، دخلت حيز التنفيذ في 22 شتنبر 1999، رغبة من البلدين في تشجيع الأنشطة
الإقتصادية بالمغرب التي تساعد على تنمية موارده الإقتصادية و قدراته الإنتاجية.
و في 22 مارس 1999 تم إصدار صداقة مغربي
- أمريكي و قعه عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي بمجلس الشيوخ، حيبث أعلن 110
عضو تأسيس هيأة أصدقاء المغرب لأهداف
توسيع التجارة و الإستثمار بين البلدين في ميادين السياحة و الصناعة و المواد
الطبيعية.
و في إطار تحسين المغرب للمناخ الإقتصادي عبر القيام بإصلاحات هيكلية مكنت
من تحرير نظام التجارة، و إصلاح قانون الإستثمــارات و إعــــــادة تنظيـــــم
القطــــاع المالـــي، و خوصصة عدد من المقاولات العمومية، و جعل المغرب وجهة مفضلة للإستثمار، ثم الإعلان عن مشروع
لإقامة منطقة للتبادل الحر في 29 يناير 2002 بمناسبة الزيارة الملكية للولايات
المتحدة، و أثناء زيارة الممثل التجاري الأمريكي "روبرت زوليك"، و قد
أخذت الفكرة دفعة هامة في اجتماع الدورة الثالثة للمجلس الأمريكي المغربي للتجارة
و الإستثمارات الذي انعقد في الدار البيضاء في 10- 11 أبريل 2002 و الذي رأست فيه
الوفد الأمريكي مساعدة الممثل التجاري الأمريكي كاترين نوفللي.
2- أهمية الموضوع و
أهدافه:
لإعتبارات حداثة الموضوع، حيث يشكل مستجدة اقتصادية، و لإنعكاساته
الإيجابية أو السلبية على بعض القطاعات الحساسة. و التي دار حولها نقاش واسع في
أوساط المهتمين من أكاديمين و أفراد المجتمع المدني، فأغلبالكتابات و الدراسات
التي أحاطت بالموضوع كانت مجرد مقالات صحفية لا تعتمد الجانب المنهجي التحليلي و
الأكاديمي الذي يجب توفره في كل دراسة علمية. إضافة للتكتم الإعلامي الرسمي حول الموضوع خصوصا في
المراحل الأولى من الإتفاقية ( المفاوضات)، و قلة مصادر المعلومة و الوثائق التي
تحيط بالموضوع، اللهم بعض المصادر الأمريكية المتوفرة في مواقع إلكترونية متفرقة،
كلها أسباب مجتمعة جعلتنا نطمع في القيام بمحاولة في البحث حول هذا الموضوع.
3- تحديد مجالات البحث:
أصبحت إقامة مناطق للتبادل الحر، و عقد اتفاقيات ثنائية بخصوصها أهم سمات
النظام التجاري الدولي و المتعدد الأطراف، و ذلك بلجوء بعض القوى الإقتصادية
النافذة في المجال التجاري الدولي، في إبرام هذا النوع من الإتفاقيات الثنائية عوض
الإلتزام بالإتفاقيات متعددة الأطراف.
لهذا الغرض فإن مجال البحث سيقتصر على نموذج اتفاقية التبادل الحــر بيــن
المغرب و الولايات المتحدة، و ذلك من خلال مقاربة تعتمد:
-
المجال الجغرافي: رغم عامل
الجغرافي بين البلدين، فإن الولايات المتحدة تنظر في المغرب موقعا استرتيجيا في
شمال إفريقيا باعتباره بوابة الشرق الأوسط بمنصرمه الأمريكي و صلة الوصل بين
إفريقيا و أوربا، و منافسة الأوربيين في إحدى أكثر المناطق حساسية بالنسبة إليهم،
ألا و هي جنوب المتوسط.[4]
-
المجال الزمني : تأتي هذه
الإتفاقية في وقت جد مهم، تعرف فيه الساحة الدولية عدة تفاعلات في المجالات
الإقتصادية السياسية، الثقافية، الحضارية و بعد أحداث قلبت أجندة الأمريكيين في
المنطقة، و إعلان مشروع للشرق الأوسط الكبير. و الذي يعتبر التعاون الإقتصادي و
الإصلاح السياسي أحد ركائزه.
4 – تحديد الإشكالية و
المنهجية.
نظرا لشساعة الموضوع. و تشعب المجالات المرتبطة به، فإن الإشكالية المحورية
للبحث تتحدد بالأساس في التأطير للجانب القانوني للإتفاقية. من خلال تحليل ماهية
منطقة التبادل الحرؤ، و جميع المراحل التي قطعتها الإتفاقية
و كذا أهم القضايا الإشكالية التي طرحت
بعد صياغة النص النهائي لها و انتظار دخولها حيز التنفيذ في يناير 2006.
إضافة إلى محاولتنا تجميع الرهانات و الأهداف المعلنة و غير المعلنة،
التـــي عقــــدها و صبا إليها الجانبان، و قد اخترنا لهذا الغرض مجموعة من مناهج
البحث العلمي التي وجهتنا في مختلف مراحل هذا البحث:
- المنهج القانوني: و ذلك من
خلال التأطير للجانب القانوني للإتفاقية، عبر التحديد المفاهيمي لمنطقة التبادل
الحر كما عرفها القانون الدولي الإقتصادي، و دراسة أهم الأشواط التي قطعتها
الإتفاقية باعتبراها معاهدة دولية ثنائية و كا أطرها قانون المعاهدات. كما اعتمدنا
هذا المنهج في محاولة الإحاطة بالإطار القانوني للإرتباط المغربي بكل من الولايات
المتحدة و الإتحاد الأوربي، و في التعرض لبعض المبادئ القانوينة المنصوص عليها
داخل منظمة التجارة الدولية...
- المنهج التحليلي: عبر تحليل
بعض القضايا الإشكالية، من خــــلال الواقـــع الإقتصـــادي و الإجتماعي الذي
يعرفه المغرب و كذا النمو الإقتصادي للولايات المتحدة. و توضيح الفارق الشاسع بين
البلدين في كافة المجالات. و قد اعتمدنا هذا المنهج بشكل رئيسي و نحن بصدد
الإشتغال على الشق الثاني من البحث و الذي حاولنا من خلاله تلمس الرهانات الكامنة
وراء إبرام هذه الإتفاقية من الجانبين.
- المنهج الإحصائي:
من خلال الرسوم
المبيانية التي تعكس بالأرقام و الدلالات الإحصائية مصداقية و نسبية التحليل.[5]
5- تصميم الموضوع:
و كما يتضح من خلال العنوان المخصص للبحث، سنحاول الإجابة عن الأسئلة
التالية:
ما هو المسار الذي عرفته هذه الإتفاقية
خلال مرتحل المفاوضات و التوقيع و المصادقة؟
و ما هي أهم القضايا المركزية التي ثار
حولها النقاش؟ و ما هي أهم الرهانات التي عقدها الطرفان من وراء إبرام مثل هذه
الإتفاقية؟ هل تتحــدد بالأساس فـــــي
رهانــــات سياسيـــة و اقتصادية؟ م هناك أهداف أخرى غير معلنة؟ و هل سيستفيد
المغرب باعتبار اقتصاده الفتي من الإتفاقية؟ أم ستؤدي إلى هلاكه؟
إن محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، و الإلمام بكافة جوانب الموضوع، سنتبع
التقسيم التالي:
الفصل I : مسار اتفاقية التبادل الحر بين المغرب و أمريكا.
الفصل II : رهانات اتفاقية التبادل الحر بين المغرب و أمريكا.
الفصل
I: مسار اتفاقية التبادل الحر
المغربي الأمريكي.
من طبيعة السياسة الإقتصادية لأي دولة أن
تتأثر بالمتغيـــرات الإقتصاديــة العالميـــة. و النهج الإقتصادي الذي اعتمده
المغرب لم يخرج بدوره عن هذه القاعدة فأمام سرعة وثيرة تحرير المبادلات التجارية
على المستوى الدولي، لم يعد الإنفتاح الإقتصادي يطرح كاختيار، بل كمعطى واقعي يوجب
تبني استراتيجية تمكن التحكم فيه للإستفادة من إيجابياته و تفادي سلبياته.
فالمغرب.
كغيره من دول الجنوب بدأ سيتشعر خطر العولمة، و كان من الدول السباقة إلى الإندماج
في الإقتصاد العالمي مع ما يحمله ذلك من إمكانيات ووسائل.
و محاول منا
للإلمام بمسار اتفاقية التبادل الحر بين المغرب و الولايات المتحدة الأمريكية،
ارتأينا في مبحث أول أنا نتعرض للإطار المفاهيمي من خلال معالجة مفهوم التبادل
الحر باعتباره درجة أولى من درجات التكامل الإقتصادي، لنتعرض في مبحث ثان للإطار
القانوني للإتفاقية و ذلك من خلال نقطتين مهمتين، الأولى هو إطارها الإجرائي و
المسطري و الثانية القضايا الإشكالية التي عرفتها هذه الإتفاقية سواء خلال مسارها
او من خلال النص النهائي لها.
المبحث
1: ماهية منطقة التبادل الحر
أخذ
البعد الجهوي و الإقليمي، يحتل مكانة هامة في النظام الإقتصادي العالمي، ذلك أن
العولمة خلقت شروطا جديدة، فرضت على الدول الدخول في التنافسية، و لم تبق معها
الكيانات القطرية قادرة وحدها على مواجهة هذا الوضع، الشيء الذي أدى إلى ميلاد
التجمعات الجهوية كمناطق للتبادل الحر و التي أصبحت كيانات فاعلة في العلاقات
الإقتصادية الدولية[6]
.
يجب التأكيد على أن اتفاقيات التبادل الحر
لها بعد و مرجعية نظرية، تعتمد على فرضية تدعي أن التجارة تجلب التنمية و ليس
العكس، و هذا مرتبط بتطور النظريات الليبرالية على الصعيد الدولي منذ السبعينات،
حيث وقع نوع من استبدال السياسة التنموية بالتركيز على الدور الرئيسي للتبادل الحر[7].
و عليه سنحاول معالجة هذه النقطة من خلال
ثلاثة زوايا:
المطلب
1 : مفهوم و مزايا الإندماج الإقتصادي.
الفقرة 1:
مفهوم الإندماج الإقتصادي:
يعتبر من المفاهيم الجديدة على القانون
الدولي العام، و قد تسعف الأدبيات الإقتصادية في تحديده، و يقصد بالإندماج
الإقتصادي عادة اتفاق مجموعة من الدول المتقاربة في المصالح الإقتصادية، أو في
الموقع الجغرافي علــى إلغـــاء القيـــود علـــى حــركة السلـــع و الأشخاص و
رؤوس الأموال فيما بينها، مع قيامها بالتنسيق بين سياساتها الإقتصادية لإزالة
التمييز الذي قد يكون راجعا إلى الإختلافات بينها.[8] .
فالإندماج
الإقتصادي يعني تلك العملية التي يتم بمقتضاها إزالة كل العراقيل التي تعترض
التجارة القائمة بين مجموعة من دول الجوار. بالإضافة إلى إزالة كل العقبات التي
تعرقل حركة المواد و الأشخاص و رؤوس الأموال، و كذلك خلق تطابق في السياسات
الإقتصادية و الإجتماعية لتلك البلدان.
و تبعا لذلك يمكن القول بأن مفهوم التكامل و
الإندماج الإقتصادي يرتبط بالعناصر التالية:[9] .
يعتبر التكامل الإندماجي بمثابة عملية تقود
البلدان الأعضاء في المنطقة التكاملية، غلأى البحث عن وسائل تخصيص للموارد
الإقتصادية الوطنية من اجل خلق كيان جديد.
وضع الإجراءات
و التدابير الكفيلة بالتطور التدريجي للإطار الإندماجي، و هي تتمثل في إزالة
العقبات الجمركية و غير الجمركية. و إقامة نظام موحد للضرائب غير المباشرة، و
تنسيق السياسا الإقتصادية الداخلية و الخارجية و توحية المؤسسات الإقتصادية و
النقدية.
الفقرة 2:
مزايا الإندماج الإقتصادي.
من المسلم به أن الإندماج الإقتصادي يحقق
للدول الأعضاء عدة منافع معقولة و مزايا هامة في النطاق الإقتصادي، لكن تحقيق هذا
الإندماج لا يمكن أن يظهر مع استمرار كل من المؤسسات الوطنية للدول الأعضاء في
وضعها الأصلي. فمثل هذه العملية تتطلب إقامة مؤسسات فوق وطنية تفوض لها حكومات
الدول الأعضاء تدريجيا اختصاصاتها الإقتصادية. و اتباع مثل هذا النهج التفويضي لا
يكتمل كذلك بدون دعم شعبي يمكن التعبير عنه عن طريق الإستفتاء، أو من خلال إنشاء
برلمان للمجموعة الإندماجية، يقوم على التمثيل النسبي لكل مواطني الدول الأعضاء أو
يختار أعضاؤه من برلماناتها[10] و تتحدد مزايا الإندماج الإقتصادي على الشكل
التالي:
1- اتساع
حجم السوق: فتوسيع نطاق السوق و ما يترتب عنه من نتائج اقتصادية هامة، يمكن
الدول الأعضاء في التكامل عن طريق إلغاء الرسوم الجمركية فيما بينها من توسيع
الدائرة التي تستطيع فيها الدولة تصريف منتجاتها. كذلك فإن هذا الإتساع يمكن هذه
الدول من التحكم في أسعار شراء المواد التي تحتاجها لأن العدد يمكنها من قوة
تفاوضية، فالسوق الأوربية مثلا تفرض على الدول التي ستبيعها المواد الأثمان التي
تريد.
2- زيادة
التوظيف: إن إلغاء القيود على انتقال الأشخاص بين الدول المندمجة من شأنه أن
يؤدي إلى انتقال اليد العملة من المناطق التي تعرف فائضا إلى تلك التي تعرف عجزا
في هذا المجال، مما يؤدي إلى التخفيض من نسبة البطالة، مع توفير الكفاءات و
تنويـــع المهـــارات و زيادة التخصص.
3- زيادة
معدل النمو: و ذلك بتشجيعه للزيادة في الإستثمار، لأن المستثمر عادة ما يبحث
عن السوق الإستهلاكية، و التي توفرها هذه الإندماجات، هذا فضلا عن تشجيع ظاهرة
التخصص الإقليمي في الإنتاج، و ما يتولد عنه من زيادة الإستخدام الأفقي لرأس المال
على نطاق إقليمي واسع، بحيث يشمل مختلف الصناعات و المناطق و يزيد من تكامـــل
الإستثمــارات و المشاريع الإنتاجية، فإباحة حرية التنقل و الإقامة لرؤوس الأموال
داخل دول الإندماج، فضلا عن الظروف الإقتصادية الجديدة، التي تزيد من توقعات رجال
الأعمال و أصحاب رؤوس الأموال لتحقيق الربح، سيؤدي بلا شك إلى هجرة رؤوس الأموال
من المناطق المتطورة إلى تلك المتخلفة داخل نطاق المنطقة المندمجة حيث يمكن
استغلال موارد جديدة في نطاق المنطقة المندمجة حيث يمكن استغلال موارد جــــديدة
فــي الصنــاعة و الــزراعة و الخدمات... و لهذا يتوقع أن يسفر الإندماج الإقتصادي
عن زيادة معدل النمو.
المطلب
2: أشكال الإندماج الإقتصادي.
بعد الإشارة بلمفهوم الإندماج الإقتصادي، و
تعداد مزاياه يبقــى لنا تحديـــد مختلف أشكالـــه و درجاته و هو ما يهمنا كإطار
نظري لموضوع البحث و قد تعددت الدراسات النظرية بخصوص درجات الإندماج الإقتصادي
فقد أشار الأستاذ balasse [11]
إلى ضرورة التمييز بين عدة درجات من الإندماج الإقتصادي، هي اتفاقية التفضيل
الجمركي، و منطقة التجارة الحرة، و السوق المشتركة و الوحدة الإقتصادية و التكامل
الإقتصادي التام. في حين يرى الدكتور سامي عفيفي[12] أن درجات هذا الإندماج
ينبغي أن تقتصر على أربعة مراحل أساسية و هي: منطقة التجارة الحرة و الإتحاد
الجمركي، و السوق المشتركة، الوحدة الإقتصادية.
1-
منطقة التبادل الحر Zone de libre
échange:
عرفت المادة 24 من الإتفاقية العامة لتعرفة الجمركية و
التجارة منطقة التبادل الحر بأنها " مجموعة مكونة من إقليمين جمركيين أو
أكثر. يتم بينهما إزالة حقوق الجمارك بالنسبة للمبادلات التجارية الأساسية
اللمتعلقة بالمنتجات التي مصدرها الأقاليم التابعة لتلك المنطقة".
فالتبادل الحر كسياسة اقتصادية تتعارض مع الحمائية Le
protectionnisme. التي تؤيد و تحمي الإنتاج الصناعي و الفلاحي الوطني، عن طريق
تحديد الواردات أو بواسطة أي إجراء يشكل عائقا أمام الحركية عبر الوطنية للسلع، و
المبادلات[13].
اما فيما يخص
المبادلات التجارية مع باقي دول العالم، فإن كل دولة عضو في منطقة التبادلا الحر
تحتفظ بسياستها الجمركية المستقلة، و تجدر الإشارة إلى أن منطقة التبادل الحر لا
تتضمن إلغاء القيود على تحرك الأشخاص أو رؤوس الأموال بين الدول الأعضاء، أو تنسيق
السياسات الإقتصادية و الإجتماعية لتلك الدول، كما لا تقيد حق أي دولة عضو في عقد
اتفاقيات تجارية مع الدول الخارجة عن المنطقة.[14]
2 – الإتحاد
الجمركي L’union douanière:
يعتبر الإتحاد الجمركي درجة أكثر تقدما على
مستوى الآلية الإندماجية من منطقة التبادل الحر. و قد عرفته المادة 24 من الكات
بأنه " حلول إقليم جمركي واحد مكان إقليمين أو أكثر، و ذلك عندما يؤدي هذا
الحلول إلى تنحية حقوق الجمارك و القيود التجارية بين الأقاليم المكونة للإتحاد، و
كذا عندما تصبح حقوق الجمارك و باقي التنظيمات المطبقة من طرف أعضاء الإتحاد في
مواجهة الأقاليم الأجنبية عنه موحدة و تطبيقية".
و من تم
فالإتحاد الجمركي يتميز على المستوى الداخلي بإزالة حقوق الجمارك و التنظيمات
التجارية بين الأقاليم المكونة له، بينما يتميز على المستوى الخارجي. بإنشاء تعرفة
جمركية مستركة. و نظام تجاري مشترك اتجاه البلدان الأجنبية و بكيفية أكثر اختصارا
يمكن القول بأن الإتحاد الجمركي يساوي منطقة التبادل الحر إضافة إلى تعرفة جمركية
موحدة في مواجهة العالم الخارجي.
[1] - سوباتشاي
بانيشباعدي". تحرير التجارة لا يجب التنمية و لا يتعارض معها". حوار
اجرته سوسن حسين مع السكرتير العام لمنظمة التجارة العالمية الدولية. السياسة
الدولية، العدد 159.2005. المجلة 40. ( ص 126، ص 132).
[2] - اتلدكتور محمد تاج الدين الحسيني، الوجيز في
القانتون الدولي الإقتصادي، منشورات المؤسسة العربية للنشر و الإبداع. الطبعة
الأولى 2001، ص 133
[3] - من نص رسالة ملكية. 4 يونيو 1996 إلى المشاركين في
حفل افتتاح مكتب واشنطن للمجلس المغربي – الأمريكي للتجارة و الإستثمار.
[4] - Alvaro Devasconcelos ( Directeur de
l’institut de recherche stratégique IEEI à Lisbonne et directeur du réseau
d’institus méditérranéens Euromesco), Lors d’une interventtiondans le colloque
internationalk sur le théme « Le Maroc entre l’accord de partenariat
eurméditerranéen et l’accord de libre- échange avec les états (Unis
d’Amérique : Rivalité ou complémentarité ? 14 – 15 Janvier 2005,
RABAT.
[5] - الموجودة بالملحق المرفوق بالبحث، و بعض الفقرات
داخل الموضوع.
[6] - " المغرب و اتفاقيات مناطق التبادل الحر"،
موضوع من أنجاز طلبة السنة الثانية من دبلوم الدرسات العليا وحدة التكوين و البحث
المالية العامة، شعبة القانون العام، مادة المالية الدولية، كلية الحقوق عين الشق
الدار البيضاء ، السنة الجامعية 1996-1997، ص 40
[7] - "اتفاقية التبادل الحر بين الجدوى التجارية و
الأبعاد السياسية"، ندوة نظمتها أسبوعية الصحيفة، عدد 153 12/18 مارس 2004، (
ص 10- ص – 14).
[8] - الدكتور محمد تاج الدين الحسيني، الوجيز في القانون
الدولي الإقتصادي، م،س. ص 90 و ما يليها.
[9] - نفس المرجع، ص 91.
[10] - الدكتور محمد تاج الدين الحسيني، الوجيز في القانون
الدولي الإقتصادي. م، س ، ص 91.
[11] - B. balasse the theory of
economic integrqtion . qllqn qnd unzin, london, fourth i;pression 1973
[12] - الدكتور سامي عفيفي حاتم، " التجارة الخارجية
بين التنظير و التنظيم" الجزء الثاني، الدار المصرية اللبنانية 1992، ص 286 و
ما بعدها.
[13] - موسوعة يونيفرساليست ( 1993-2003)، Microsoft corporation.
[14] - " المغرب، اتفاقيات مناطق التبادل الحر"،
مرجع سابق، ص 7.
التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية
-المسار
و الرهانات
من إعداد الطلبة : تحت
إشراف الدكتور :
v
|
أسامة المنير
v
عز الدين الشارف
السنة الجامعية
2004 -2005
مقدمة عامة.
1- الإطار التاريخي للموضوع.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية عرفت العلاقات التجارية الدولية تطورا
مهما في حجم المبادلات و كذلك في نوعيتها و في صفة الأطراف المشاركة فيها. كما أن
المواد موضوع التبادل أصبحت تتنوع من مواد أولية إلى مصنعة و نصف مصنعة، مع العلم
أن تجارة الخدمات أصبحت تحتل قسطا مهما من المبادلات الدولية[1].
و لم تعد العلاقات التبادلية مقتصرة
على البلدان التجارية التقليدية، بل تجاوزتها إلى الدول النامية كما تميزت هذه
المرحلة بتزايد عدد الإتفاقيات الثنائية و المتعددة الأطراف في الميدان التجاري،
ناهيك عن إنشاء مناطق للتبادل الحر و اتصالات جمركية و تنظيمـــات إقليميــــة و
عالمية.[2]
وأمام سرعة وثيرة تحرير المبادلات التجارية على المستوى العالمي، لم يعد
الإنفتاح الإقتصادي يطرح كاختيار بالنسبة للمغرب، بل كمعطى واقعي يوجب تبني
استراتيجية تمكن من التحكم فيه، للإستفادة من إيجابياته و تفادي سلبياته.
و يعود أصل العلاقات المغربية
الأمريكية إلى السنوات الأولى لحرب الإستقلال الأمريكية. إذ كان المغرب أول دولة
خارج أوربا اعترفت بالجمهورية الناشئة.
و يمكن القول إن قيام علالقات سياسية و
تجارية بين البلدان جاء أولا و قبل كل شيء كنتيجة لرغبة جهود السلطانسيدي محمد بن
عبد الله( 1757-1790) الذي نهج سياسة انفتاح اقتصادي و تجاري. و قام بإصدار منشور
من مكناس في 20 دجنبر 1777 يتعلق بالإذن لعدد من الدول في ممارسة نشاطها مع
المغرب، و كان من ضمنها الولايات المتحدة، و قد اعتبرت المبادرة اعترافا بسيادة
أمريكا و استقلالها.
و منذ ذلك التاريخ تبين أن
العلاقات بين الجانبين اقتصرت على الجانب السياسي وحده، " و من ثم كانت
علاقتنا غير متوازنة، ذلك لأن تعاوننا الإقتصادي ظل هامشيا، و على الخصوص محروما
من الهياكل و الوسائل الكفيلة بإعطاء مبادلاتنا و شركائنا بعدا يكون من
حيث نوعيته و طموحه، في نفس مستوى
التعاون السياسي القائم بيننا"[3] و على هذا الأساس تم توقيع معاهدة بشأن تشجيع و
حماية الإستثمرات على وجه التبادل بين المغرب و الولايات المتحدة في 22 يوليوز
1985. و دخلت حيز التنفيذ في 29 ماي 1991. و تهدف هذه المعاهدة إلى تنمية التعاون
الإقتصادي بين البلدين و إلى تنشيط تدفق رؤوس الأموال الخاصة و التنمية
الإقتصادية، و ذلك من أجل خلق ظروف ملائمة لمستثمري كل واحد من الطرفين.
و تم توقيع اتفاقية أخرى بشأن تشجيع الإستثمرات بين البلدين في 15 مارس
1995، دخلت حيز التنفيذ في 22 شتنبر 1999، رغبة من البلدين في تشجيع الأنشطة
الإقتصادية بالمغرب التي تساعد على تنمية موارده الإقتصادية و قدراته الإنتاجية.
و في 22 مارس 1999 تم إصدار صداقة مغربي
- أمريكي و قعه عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي بمجلس الشيوخ، حيبث أعلن 110
عضو تأسيس هيأة أصدقاء المغرب لأهداف
توسيع التجارة و الإستثمار بين البلدين في ميادين السياحة و الصناعة و المواد
الطبيعية.
و في إطار تحسين المغرب للمناخ الإقتصادي عبر القيام بإصلاحات هيكلية مكنت
من تحرير نظام التجارة، و إصلاح قانون الإستثمــارات و إعــــــادة تنظيـــــم
القطــــاع المالـــي، و خوصصة عدد من المقاولات العمومية، و جعل المغرب وجهة مفضلة للإستثمار، ثم الإعلان عن مشروع
لإقامة منطقة للتبادل الحر في 29 يناير 2002 بمناسبة الزيارة الملكية للولايات
المتحدة، و أثناء زيارة الممثل التجاري الأمريكي "روبرت زوليك"، و قد
أخذت الفكرة دفعة هامة في اجتماع الدورة الثالثة للمجلس الأمريكي المغربي للتجارة
و الإستثمارات الذي انعقد في الدار البيضاء في 10- 11 أبريل 2002 و الذي رأست فيه
الوفد الأمريكي مساعدة الممثل التجاري الأمريكي كاترين نوفللي.
2- أهمية الموضوع و
أهدافه:
لإعتبارات حداثة الموضوع، حيث يشكل مستجدة اقتصادية، و لإنعكاساته
الإيجابية أو السلبية على بعض القطاعات الحساسة. و التي دار حولها نقاش واسع في
أوساط المهتمين من أكاديمين و أفراد المجتمع المدني، فأغلبالكتابات و الدراسات
التي أحاطت بالموضوع كانت مجرد مقالات صحفية لا تعتمد الجانب المنهجي التحليلي و
الأكاديمي الذي يجب توفره في كل دراسة علمية. إضافة للتكتم الإعلامي الرسمي حول الموضوع خصوصا في
المراحل الأولى من الإتفاقية ( المفاوضات)، و قلة مصادر المعلومة و الوثائق التي
تحيط بالموضوع، اللهم بعض المصادر الأمريكية المتوفرة في مواقع إلكترونية متفرقة،
كلها أسباب مجتمعة جعلتنا نطمع في القيام بمحاولة في البحث حول هذا الموضوع.
3- تحديد مجالات البحث:
أصبحت إقامة مناطق للتبادل الحر، و عقد اتفاقيات ثنائية بخصوصها أهم سمات
النظام التجاري الدولي و المتعدد الأطراف، و ذلك بلجوء بعض القوى الإقتصادية
النافذة في المجال التجاري الدولي، في إبرام هذا النوع من الإتفاقيات الثنائية عوض
الإلتزام بالإتفاقيات متعددة الأطراف.
لهذا الغرض فإن مجال البحث سيقتصر على نموذج اتفاقية التبادل الحــر بيــن
المغرب و الولايات المتحدة، و ذلك من خلال مقاربة تعتمد:
-
المجال الجغرافي: رغم عامل
الجغرافي بين البلدين، فإن الولايات المتحدة تنظر في المغرب موقعا استرتيجيا في
شمال إفريقيا باعتباره بوابة الشرق الأوسط بمنصرمه الأمريكي و صلة الوصل بين
إفريقيا و أوربا، و منافسة الأوربيين في إحدى أكثر المناطق حساسية بالنسبة إليهم،
ألا و هي جنوب المتوسط.[4]
-
المجال الزمني : تأتي هذه
الإتفاقية في وقت جد مهم، تعرف فيه الساحة الدولية عدة تفاعلات في المجالات
الإقتصادية السياسية، الثقافية، الحضارية و بعد أحداث قلبت أجندة الأمريكيين في
المنطقة، و إعلان مشروع للشرق الأوسط الكبير. و الذي يعتبر التعاون الإقتصادي و
الإصلاح السياسي أحد ركائزه.
4 – تحديد الإشكالية و
المنهجية.
نظرا لشساعة الموضوع. و تشعب المجالات المرتبطة به، فإن الإشكالية المحورية
للبحث تتحدد بالأساس في التأطير للجانب القانوني للإتفاقية. من خلال تحليل ماهية
منطقة التبادل الحرؤ، و جميع المراحل التي قطعتها الإتفاقية
و كذا أهم القضايا الإشكالية التي طرحت
بعد صياغة النص النهائي لها و انتظار دخولها حيز التنفيذ في يناير 2006.
إضافة إلى محاولتنا تجميع الرهانات و الأهداف المعلنة و غير المعلنة،
التـــي عقــــدها و صبا إليها الجانبان، و قد اخترنا لهذا الغرض مجموعة من مناهج
البحث العلمي التي وجهتنا في مختلف مراحل هذا البحث:
- المنهج القانوني: و ذلك من
خلال التأطير للجانب القانوني للإتفاقية، عبر التحديد المفاهيمي لمنطقة التبادل
الحر كما عرفها القانون الدولي الإقتصادي، و دراسة أهم الأشواط التي قطعتها
الإتفاقية باعتبراها معاهدة دولية ثنائية و كا أطرها قانون المعاهدات. كما اعتمدنا
هذا المنهج في محاولة الإحاطة بالإطار القانوني للإرتباط المغربي بكل من الولايات
المتحدة و الإتحاد الأوربي، و في التعرض لبعض المبادئ القانوينة المنصوص عليها
داخل منظمة التجارة الدولية...
- المنهج التحليلي: عبر تحليل
بعض القضايا الإشكالية، من خــــلال الواقـــع الإقتصـــادي و الإجتماعي الذي
يعرفه المغرب و كذا النمو الإقتصادي للولايات المتحدة. و توضيح الفارق الشاسع بين
البلدين في كافة المجالات. و قد اعتمدنا هذا المنهج بشكل رئيسي و نحن بصدد
الإشتغال على الشق الثاني من البحث و الذي حاولنا من خلاله تلمس الرهانات الكامنة
وراء إبرام هذه الإتفاقية من الجانبين.
- المنهج الإحصائي:
من خلال الرسوم
المبيانية التي تعكس بالأرقام و الدلالات الإحصائية مصداقية و نسبية التحليل.[5]
5- تصميم الموضوع:
و كما يتضح من خلال العنوان المخصص للبحث، سنحاول الإجابة عن الأسئلة
التالية:
ما هو المسار الذي عرفته هذه الإتفاقية
خلال مرتحل المفاوضات و التوقيع و المصادقة؟
و ما هي أهم القضايا المركزية التي ثار
حولها النقاش؟ و ما هي أهم الرهانات التي عقدها الطرفان من وراء إبرام مثل هذه
الإتفاقية؟ هل تتحــدد بالأساس فـــــي
رهانــــات سياسيـــة و اقتصادية؟ م هناك أهداف أخرى غير معلنة؟ و هل سيستفيد
المغرب باعتبار اقتصاده الفتي من الإتفاقية؟ أم ستؤدي إلى هلاكه؟
إن محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، و الإلمام بكافة جوانب الموضوع، سنتبع
التقسيم التالي:
الفصل I : مسار اتفاقية التبادل الحر بين المغرب و أمريكا.
الفصل II : رهانات اتفاقية التبادل الحر بين المغرب و أمريكا.
الفصل
I: مسار اتفاقية التبادل الحر
المغربي الأمريكي.
من طبيعة السياسة الإقتصادية لأي دولة أن
تتأثر بالمتغيـــرات الإقتصاديــة العالميـــة. و النهج الإقتصادي الذي اعتمده
المغرب لم يخرج بدوره عن هذه القاعدة فأمام سرعة وثيرة تحرير المبادلات التجارية
على المستوى الدولي، لم يعد الإنفتاح الإقتصادي يطرح كاختيار، بل كمعطى واقعي يوجب
تبني استراتيجية تمكن التحكم فيه للإستفادة من إيجابياته و تفادي سلبياته.
فالمغرب.
كغيره من دول الجنوب بدأ سيتشعر خطر العولمة، و كان من الدول السباقة إلى الإندماج
في الإقتصاد العالمي مع ما يحمله ذلك من إمكانيات ووسائل.
و محاول منا
للإلمام بمسار اتفاقية التبادل الحر بين المغرب و الولايات المتحدة الأمريكية،
ارتأينا في مبحث أول أنا نتعرض للإطار المفاهيمي من خلال معالجة مفهوم التبادل
الحر باعتباره درجة أولى من درجات التكامل الإقتصادي، لنتعرض في مبحث ثان للإطار
القانوني للإتفاقية و ذلك من خلال نقطتين مهمتين، الأولى هو إطارها الإجرائي و
المسطري و الثانية القضايا الإشكالية التي عرفتها هذه الإتفاقية سواء خلال مسارها
او من خلال النص النهائي لها.
المبحث
1: ماهية منطقة التبادل الحر
أخذ
البعد الجهوي و الإقليمي، يحتل مكانة هامة في النظام الإقتصادي العالمي، ذلك أن
العولمة خلقت شروطا جديدة، فرضت على الدول الدخول في التنافسية، و لم تبق معها
الكيانات القطرية قادرة وحدها على مواجهة هذا الوضع، الشيء الذي أدى إلى ميلاد
التجمعات الجهوية كمناطق للتبادل الحر و التي أصبحت كيانات فاعلة في العلاقات
الإقتصادية الدولية[6]
.
يجب التأكيد على أن اتفاقيات التبادل الحر
لها بعد و مرجعية نظرية، تعتمد على فرضية تدعي أن التجارة تجلب التنمية و ليس
العكس، و هذا مرتبط بتطور النظريات الليبرالية على الصعيد الدولي منذ السبعينات،
حيث وقع نوع من استبدال السياسة التنموية بالتركيز على الدور الرئيسي للتبادل الحر[7].
و عليه سنحاول معالجة هذه النقطة من خلال
ثلاثة زوايا:
المطلب
1 : مفهوم و مزايا الإندماج الإقتصادي.
الفقرة 1:
مفهوم الإندماج الإقتصادي:
يعتبر من المفاهيم الجديدة على القانون
الدولي العام، و قد تسعف الأدبيات الإقتصادية في تحديده، و يقصد بالإندماج
الإقتصادي عادة اتفاق مجموعة من الدول المتقاربة في المصالح الإقتصادية، أو في
الموقع الجغرافي علــى إلغـــاء القيـــود علـــى حــركة السلـــع و الأشخاص و
رؤوس الأموال فيما بينها، مع قيامها بالتنسيق بين سياساتها الإقتصادية لإزالة
التمييز الذي قد يكون راجعا إلى الإختلافات بينها.[8] .
فالإندماج
الإقتصادي يعني تلك العملية التي يتم بمقتضاها إزالة كل العراقيل التي تعترض
التجارة القائمة بين مجموعة من دول الجوار. بالإضافة إلى إزالة كل العقبات التي
تعرقل حركة المواد و الأشخاص و رؤوس الأموال، و كذلك خلق تطابق في السياسات
الإقتصادية و الإجتماعية لتلك البلدان.
و تبعا لذلك يمكن القول بأن مفهوم التكامل و
الإندماج الإقتصادي يرتبط بالعناصر التالية:[9] .
يعتبر التكامل الإندماجي بمثابة عملية تقود
البلدان الأعضاء في المنطقة التكاملية، غلأى البحث عن وسائل تخصيص للموارد
الإقتصادية الوطنية من اجل خلق كيان جديد.
وضع الإجراءات
و التدابير الكفيلة بالتطور التدريجي للإطار الإندماجي، و هي تتمثل في إزالة
العقبات الجمركية و غير الجمركية. و إقامة نظام موحد للضرائب غير المباشرة، و
تنسيق السياسا الإقتصادية الداخلية و الخارجية و توحية المؤسسات الإقتصادية و
النقدية.
الفقرة 2:
مزايا الإندماج الإقتصادي.
من المسلم به أن الإندماج الإقتصادي يحقق
للدول الأعضاء عدة منافع معقولة و مزايا هامة في النطاق الإقتصادي، لكن تحقيق هذا
الإندماج لا يمكن أن يظهر مع استمرار كل من المؤسسات الوطنية للدول الأعضاء في
وضعها الأصلي. فمثل هذه العملية تتطلب إقامة مؤسسات فوق وطنية تفوض لها حكومات
الدول الأعضاء تدريجيا اختصاصاتها الإقتصادية. و اتباع مثل هذا النهج التفويضي لا
يكتمل كذلك بدون دعم شعبي يمكن التعبير عنه عن طريق الإستفتاء، أو من خلال إنشاء
برلمان للمجموعة الإندماجية، يقوم على التمثيل النسبي لكل مواطني الدول الأعضاء أو
يختار أعضاؤه من برلماناتها[10] و تتحدد مزايا الإندماج الإقتصادي على الشكل
التالي:
1- اتساع
حجم السوق: فتوسيع نطاق السوق و ما يترتب عنه من نتائج اقتصادية هامة، يمكن
الدول الأعضاء في التكامل عن طريق إلغاء الرسوم الجمركية فيما بينها من توسيع
الدائرة التي تستطيع فيها الدولة تصريف منتجاتها. كذلك فإن هذا الإتساع يمكن هذه
الدول من التحكم في أسعار شراء المواد التي تحتاجها لأن العدد يمكنها من قوة
تفاوضية، فالسوق الأوربية مثلا تفرض على الدول التي ستبيعها المواد الأثمان التي
تريد.
2- زيادة
التوظيف: إن إلغاء القيود على انتقال الأشخاص بين الدول المندمجة من شأنه أن
يؤدي إلى انتقال اليد العملة من المناطق التي تعرف فائضا إلى تلك التي تعرف عجزا
في هذا المجال، مما يؤدي إلى التخفيض من نسبة البطالة، مع توفير الكفاءات و
تنويـــع المهـــارات و زيادة التخصص.
3- زيادة
معدل النمو: و ذلك بتشجيعه للزيادة في الإستثمار، لأن المستثمر عادة ما يبحث
عن السوق الإستهلاكية، و التي توفرها هذه الإندماجات، هذا فضلا عن تشجيع ظاهرة
التخصص الإقليمي في الإنتاج، و ما يتولد عنه من زيادة الإستخدام الأفقي لرأس المال
على نطاق إقليمي واسع، بحيث يشمل مختلف الصناعات و المناطق و يزيد من تكامـــل
الإستثمــارات و المشاريع الإنتاجية، فإباحة حرية التنقل و الإقامة لرؤوس الأموال
داخل دول الإندماج، فضلا عن الظروف الإقتصادية الجديدة، التي تزيد من توقعات رجال
الأعمال و أصحاب رؤوس الأموال لتحقيق الربح، سيؤدي بلا شك إلى هجرة رؤوس الأموال
من المناطق المتطورة إلى تلك المتخلفة داخل نطاق المنطقة المندمجة حيث يمكن
استغلال موارد جديدة في نطاق المنطقة المندمجة حيث يمكن استغلال موارد جــــديدة
فــي الصنــاعة و الــزراعة و الخدمات... و لهذا يتوقع أن يسفر الإندماج الإقتصادي
عن زيادة معدل النمو.
المطلب
2: أشكال الإندماج الإقتصادي.
بعد الإشارة بلمفهوم الإندماج الإقتصادي، و
تعداد مزاياه يبقــى لنا تحديـــد مختلف أشكالـــه و درجاته و هو ما يهمنا كإطار
نظري لموضوع البحث و قد تعددت الدراسات النظرية بخصوص درجات الإندماج الإقتصادي
فقد أشار الأستاذ balasse [11]
إلى ضرورة التمييز بين عدة درجات من الإندماج الإقتصادي، هي اتفاقية التفضيل
الجمركي، و منطقة التجارة الحرة، و السوق المشتركة و الوحدة الإقتصادية و التكامل
الإقتصادي التام. في حين يرى الدكتور سامي عفيفي[12] أن درجات هذا الإندماج
ينبغي أن تقتصر على أربعة مراحل أساسية و هي: منطقة التجارة الحرة و الإتحاد
الجمركي، و السوق المشتركة، الوحدة الإقتصادية.
1-
منطقة التبادل الحر Zone de libre
échange:
عرفت المادة 24 من الإتفاقية العامة لتعرفة الجمركية و
التجارة منطقة التبادل الحر بأنها " مجموعة مكونة من إقليمين جمركيين أو
أكثر. يتم بينهما إزالة حقوق الجمارك بالنسبة للمبادلات التجارية الأساسية
اللمتعلقة بالمنتجات التي مصدرها الأقاليم التابعة لتلك المنطقة".
فالتبادل الحر كسياسة اقتصادية تتعارض مع الحمائية Le
protectionnisme. التي تؤيد و تحمي الإنتاج الصناعي و الفلاحي الوطني، عن طريق
تحديد الواردات أو بواسطة أي إجراء يشكل عائقا أمام الحركية عبر الوطنية للسلع، و
المبادلات[13].
اما فيما يخص
المبادلات التجارية مع باقي دول العالم، فإن كل دولة عضو في منطقة التبادلا الحر
تحتفظ بسياستها الجمركية المستقلة، و تجدر الإشارة إلى أن منطقة التبادل الحر لا
تتضمن إلغاء القيود على تحرك الأشخاص أو رؤوس الأموال بين الدول الأعضاء، أو تنسيق
السياسات الإقتصادية و الإجتماعية لتلك الدول، كما لا تقيد حق أي دولة عضو في عقد
اتفاقيات تجارية مع الدول الخارجة عن المنطقة.[14]
2 – الإتحاد
الجمركي L’union douanière:
يعتبر الإتحاد الجمركي درجة أكثر تقدما على
مستوى الآلية الإندماجية من منطقة التبادل الحر. و قد عرفته المادة 24 من الكات
بأنه " حلول إقليم جمركي واحد مكان إقليمين أو أكثر، و ذلك عندما يؤدي هذا
الحلول إلى تنحية حقوق الجمارك و القيود التجارية بين الأقاليم المكونة للإتحاد، و
كذا عندما تصبح حقوق الجمارك و باقي التنظيمات المطبقة من طرف أعضاء الإتحاد في
مواجهة الأقاليم الأجنبية عنه موحدة و تطبيقية".
و من تم
فالإتحاد الجمركي يتميز على المستوى الداخلي بإزالة حقوق الجمارك و التنظيمات
التجارية بين الأقاليم المكونة له، بينما يتميز على المستوى الخارجي. بإنشاء تعرفة
جمركية مستركة. و نظام تجاري مشترك اتجاه البلدان الأجنبية و بكيفية أكثر اختصارا
يمكن القول بأن الإتحاد الجمركي يساوي منطقة التبادل الحر إضافة إلى تعرفة جمركية
موحدة في مواجهة العالم الخارجي.
[1] - سوباتشاي
بانيشباعدي". تحرير التجارة لا يجب التنمية و لا يتعارض معها". حوار
اجرته سوسن حسين مع السكرتير العام لمنظمة التجارة العالمية الدولية. السياسة
الدولية، العدد 159.2005. المجلة 40. ( ص 126، ص 132).
[2] - اتلدكتور محمد تاج الدين الحسيني، الوجيز في
القانتون الدولي الإقتصادي، منشورات المؤسسة العربية للنشر و الإبداع. الطبعة
الأولى 2001، ص 133
[3] - من نص رسالة ملكية. 4 يونيو 1996 إلى المشاركين في
حفل افتتاح مكتب واشنطن للمجلس المغربي – الأمريكي للتجارة و الإستثمار.
[4] - Alvaro Devasconcelos ( Directeur de
l’institut de recherche stratégique IEEI à Lisbonne et directeur du réseau
d’institus méditérranéens Euromesco), Lors d’une interventtiondans le colloque
internationalk sur le théme « Le Maroc entre l’accord de partenariat
eurméditerranéen et l’accord de libre- échange avec les états (Unis
d’Amérique : Rivalité ou complémentarité ? 14 – 15 Janvier 2005,
RABAT.
[5] - الموجودة بالملحق المرفوق بالبحث، و بعض الفقرات
داخل الموضوع.
[6] - " المغرب و اتفاقيات مناطق التبادل الحر"،
موضوع من أنجاز طلبة السنة الثانية من دبلوم الدرسات العليا وحدة التكوين و البحث
المالية العامة، شعبة القانون العام، مادة المالية الدولية، كلية الحقوق عين الشق
الدار البيضاء ، السنة الجامعية 1996-1997، ص 40
[7] - "اتفاقية التبادل الحر بين الجدوى التجارية و
الأبعاد السياسية"، ندوة نظمتها أسبوعية الصحيفة، عدد 153 12/18 مارس 2004، (
ص 10- ص – 14).
[8] - الدكتور محمد تاج الدين الحسيني، الوجيز في القانون
الدولي الإقتصادي، م،س. ص 90 و ما يليها.
[9] - نفس المرجع، ص 91.
[10] - الدكتور محمد تاج الدين الحسيني، الوجيز في القانون
الدولي الإقتصادي. م، س ، ص 91.
[11] - B. balasse the theory of
economic integrqtion . qllqn qnd unzin, london, fourth i;pression 1973
[12] - الدكتور سامي عفيفي حاتم، " التجارة الخارجية
بين التنظير و التنظيم" الجزء الثاني، الدار المصرية اللبنانية 1992، ص 286 و
ما بعدها.
[13] - موسوعة يونيفرساليست ( 1993-2003)، Microsoft corporation.
[14] - " المغرب، اتفاقيات مناطق التبادل الحر"،
مرجع سابق، ص 7.