الاشتراط
لمصلحة الغير
الاشتراط
لمصلحة الغير la stipulation pour
autrui يعني تعاقد شخص باسمه، يسمى المشترط، مع آخر يسمى المتعهد، على تحقيق التزام لمصلحة
شخص ثالث أجنبي عن العقد، يسمّى المستفيد.
والأصل في العقود، أنّ آثارها
تتناول عاقديها وتؤول إليهم، لا تتعداهم أو تجاوزهم إلى الغير، فلا يفيد من العقد ولا يضارّ به أحد سوى العاقدين
اللذين إليهما وحدهما الحقوق
والالتزامات المتولدة عنه، وهذا هو الأثر النسبي للعقد.
ولقد
أخذت التشريعات القديمة بهذا
المبدأ، منذ عهد الرومان. وأخذت به أيضاً التشريعات الإسلامية، واستقرّ الأمر لهذا المبدأ في مختلف النظم
القانونية منذ ذلك الحين. واستمر العمل
به حقبة طويلة من الزمان، حتى بدا لفقهاء رومة ضرورة التخفيف منه والتحلل من بعض آثاره،
فأجازوا منذ القرن الأول للميلاد المشارطة للغير.
وكذلك
كان الشأن في فرنسة، قبل مجموعة نابليون، حتى إذا صدر التقنين المدني فيها عام 1804،
أورد المشرّع فيه استثناء من قاعدة نسبية أثر العقد، وأجاز الاشتراط لمصلحة الغير في المادة 1121 صراحة، متى توافرت
للمشترط مصلحة مادية أو أدبية من
اشتراطه.
ولقد
أجيز الاشتراط لمصلحة الغير بعد ذلك في الشريعة الإسلامية، كما أخذت به حديثاً التشريعات الوضعية العربية في
حالات وشروط محددة وذلك استجابة
لتطور حاجات التعامل بين الأفراد. فلقد نصت المادة 155 من القانون المدني السوري مثلاً على
أنه: «1 ـ يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات
مصلحة شخصية، مادية أو معنوية،
ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قِبَل المتعهد بتنفيذ الاشتراط».
خصائصه
في
الاشتراط لمصلحة الغير أشخاص ثلاثة، اثنان هما:
طرفا
العقد الأصلي، أي العاقدان، أحدهما هو المشترط والثاني هو المتعهد.
أما الشخص الثالث في
المشارطة، فهو المستفيد أو المنتفع، وهو شخص أجنبي عن العقد، ليس طرفاً فيه، ولكنه
المستفيد من محله، وفاقاً لما قرّره المشترط والتزم به المتعهد.
والخاصّة
المميّزة للاشتراط لمصلحة الغير، عن العقود أو الاتفاقات القريبة منه، أو المشابهة له، هي أن العاقد المشترط ليس في
عقده مع المتعهد نائباً عن المستفيد
المنتفع، كما أنّه ليس فضولياً عنه تحكم اتفاقه النصوص المتعلقة بالفضالة[ر] ثمّ إنّ
المشارطة ليست من قبيل حوالة الحق[ر]، وإنّما هي نسيج مستقل تماماً عن ذلك كلّه، ركناها الأساسيان: انصراف إرادة المشترط،
لإنشاء التزام لمصلحة الغير في
ذمّة المتعهد، وبقاء المنتفع أجنبياً عن العقد المبرم بين عاقديه: المشترط والمتعهد.
شروط
انعقاده
يخضع
العقد الأصلي الذي يبرمه العاقدان أي المشترط والمتعهد والمتضمن «الاشتراط لمصلحة الغير»، لجميع
شرائط الصحة والانعقاد التي ينبغي
توافرها في العقود عامّة، في الشكل والموضوع، فيجب أن تتوافر في العقد أركانه من أهلية
العاقدين، ورضاهما، ومشروعية السبب والمحل، فضلاً عن الشكل الواجب في العقود الرسمية.
ويستثنى من ذلك كون المشارطة تبرعاً لا معاوضة، فلا يخضع لشرط الرسمية، على ماسوف
يتبين عند البحث في آثار الاشتراط.
هذا
عن الشروط العامة للعقد
الأصلي. أما المشارطة فيتعين، إضافة إلى ذلك أن تتوافر فيها الشرائط التالية:
مصلحة
المشترط: يجب في الاشتراط لمصلحة الغير، أن يكون للعاقد مصلحة من المشارطة، ويستوي أن تكون هذه المصلحة مادية، أو
أدبية. ويغلب في الاشتراط لمصلحة
الغير، أن يكون الباعث عليه مصلحة أدبية للمشترط كما في عقود التأمين على الحياة، إذ يؤول بدل
التأمين بوفاة المشترط إلى الغير الذي يمكن ألاّ تربطه بالمشترط غير صلة ودّ.
ولكن
يمكن أن تكون للمشترط مصلحة مادية صرفة، كما في التأمين الذي يعقده الناقل لضمان الأضرار التي تصيب المنقول،
أو التأمين الذي يبرمه ربّ العمل
لضمان الإصابات التي تلحق بعمّاله.
تعيين
المنتفع: ويجب في الاشتراط
لمصلحة الغير، توافر شرط آخر، هو تعيين المنتفع.
ويمكن
تعيين المنتفع بشخص
مسمى، كما يمكن أن يكون المنتفع شخصاً غير معيّن بالاسم شريطة إمكان تعيينه بحسب شروط العقد،
كما أجاز القانون أن يكون المنتفع شخصاً مستقبلاً، متى كان وجوده قابلاً للتحقق في المستقبل. ومثال ذلك الناقل في عقود
النقل، إذ يتعاقد بوصفه مشترطاً مع
شركة للتأمين وصفتها متعهدة، تلتزم بتأمين الغير، وهو هنا الشخص المنقول الذي لم يتعاقد مع
المتعهد أصلاً، ولم يكن طرفاً في العقد الأصلي، وإنما يظلّ منتفعاً ـ مع كونه أجنبياً عن ذلك العقد الأصلي ـ استناداً
لمفهوم «الاشتراط لمصلحة الغير».
وفي
ذلك توكيد لما قرّره القانون، من أنّ المشترط يتعاقد باسمه شخصياً لا باسم المنتفع. فلا يدخل الأخير طرفاً في العقد
الأصلي، ولا يكون المشترط فيه نائباً
عن المنتفع ولا فضولياً عنه.
حق
المنتفع المباشر: وينبغي أن تنصرف إرادة
العاقدين أي المشترط والمتعهد إلى إنشاء «حقّ مباشر» في ذمّة المستفيد، فيكتسب الأخير الحقّ
بمجرّد اتفاقهما، من دون أن يمرّ هذا الحق بذمّة أحد منهما، وبذلك لا تنطبق أحكام «الاشتراط لمصلحة الغير» إذا كان
المتعاقد اشترط الحق لنفسه، ثمّ أحاله
للمستفيد، بمعنى أن الحقّ الذي يكسبه المستفيد لا ينشأ من عقد بينه وبين المشترط، ولا من عقد
بينه وبين المتعهد، ولا من حوالة صدرت عن المشترط، ولامن عقد مثل فيه بنائب عنه، أو بفضولي، وإنّما نشأ هذا الحقّ مباشرة
من العقد الذي تمّ بين المشترط وبين
المتعهد، من دون أن يشارك المستفيد أو يمثّل فيه بأية صورة.
آثار
الاشتراط للغير وأحكامه
تتولد
عن الاشتراط لمصلحة الغير، علاقات ثلاث،
ينظمها القانون، أولاها بين العاقدين، والثانية بين العاقد المتعهد والمستفيد المنتفع،
والثالثة الأخيرة بين المستفيد والعاقد المشترط.
العلاقة بين العاقدين: العاقدان
أصلاً، المشترط والمتعهد، هما طرفا العقد، وتحكم علاقتهما نصوص العقد، وإليهما تنصرف آثاره، وفقاً للقواعد العامة، فيما
عدا الحقّ المشروط لمصلحة
الغير، ويترتب على ذلك، أن تخلّفَ أحد العاقدين عن الوفاء بالتزاماته، يخوّل المتعاقد الآخر إلزامه
بالتنفيذ، أو الفسخ مع التعويض.
على
أنّ المشترط لا يُعدُّ
دائناً بالحقّ المشروط، ولذا فهو لا يملك المطالبة به لنفسه، وإنّما يبقى له حق الرقابة على تنفيذ
المتعهد لالتزامه، وله مطالبته بذلك، تحقيقاً لمصلحته الشخصية من الاشتراط، وهذا ما
صرّح به المشرّع في المادة 155/3 من القانون المدني السوري.
وتجري
المطالبة بدعوى مباشرة، يرفعها المشترط باسمه شخصياً لا باسم المستفيد.
العلاقة
بين المنتفع والمتعهد: بمجرّد إبرام العقد، ومن دون حاجة لإشراك المستفيد فيه، أو لقبوله به، ينشأ عن «الاشتراط لمصلحة
الغير» حق ذاتي للمنتفع، وهو
حقّ فوري ومباشر لا يمرّ بذمّة المشترط، وتضحي للمنتفع دعوى مباشرة يحق له بمقتضاها مخاصمة
المتعهد، ومطالبته بالوفاء بالتزامه، ما لم ينصّ العقد على خلاف ذلك.
ويتبع
ذلك، أنّ الحق المشروط للمنتفع، يدخل في ذمّته المالية، ويقع في الضمان العامّ لدائنيه، وينتقل من بعده لورثته.
وينشأ
حقّ المنتفع، بمجرّد
العقد، لنشوء الالتزام منذ ذلك الوقت في ذمّة المتعهد.
وينتج
عن ذلك آثار مهمة،
منها أنه إذا فقد المتعهد أهليته بعد العقد، ولو كان ذلك قبل إعلان المنتفع القبول
بالاشتراط لمصلحته، فإنّ ذلك لا يؤثر في صحة المشارطة، ولا في قيام حقّ المستفيد، ولو لم
يكن الأخير موجوداً، أو معيناً في ذلك الوقت مادام قابلاً للتعيين أو ممكن الوجود في المستقبل.
العلاقة
بين المستفيد والمشترط: في المشارطة
لمصلحة الغير، وإلى أن يعلن بها المستفيد، يبقى للمشترط الحقّ بنقض المشارطة، وتعديلها،
واستبدال شخص المستفيد بغيره، أو رد الانتفاع بها لنفسه.
وينقضي
حق المشترط بذلك، بمجرد إعلان المستفيد بالمشارطة، فإذا رفضها المستفيد ارتدّ حق النقض والتعديل
للمشترط.
وهذا
ما قرّره القانون المدني السوري
صراحة،
حين نصّ في المادة 156/3 منه أنّه: «يجوز للمشترط، دون دائنيه أو ورثته، أن ينقض المشارطة قبل أن
يصرّح المنتفع إلى المتعهد أو المشترط برغبته في الاستفادة منها، مالم يكن ذلك مخالفاً لما يقتضيه العقد».
وحقّ
النقض هذا، بحسب نصّ القانون هو
حقّ شخصي للمشترط، ليس لدائنيه استعماله، وينقضي بوفاة المشترط فلا ينتقل لورثته.
ولا
يترتب على نقض المشارطة، براءة ذمة المتعهد قبل المشترط، إلا إذا اتُّفق على خلاف ذلك. أمّا المستفيد فله ردّ المشارطة
ورفضها، فينزل بذلك عن الحقّ
الذي نشأ له بمقتضى العقد، غير أنّ حق المستفيد بالرفض، ليس حقاً شخصياً خالصاً له، بل يملك
دائنوه الطعن في تصرفه متى كان صدوره إضراراً بمصالحهم، كما يملك ورثة المستفيد ذلك أيضاً بعد وفاته.
والعلاقة
بين المشترط والمستفيد قد تكون تبرّعاً
وقد تكون معاوضة، فإن كانت من قبيل التبرع، فهي تغني عن العقد الرسمي الواجب لانعقاد الهبة.
وإذا كانت معاوضة، فلا يرتّب نقضها من قبل المشترط، أو رفضها من جانب المستفيد انقضاء الحق الذي كان للأخير قبل المشارطة.
التطبيقات العملية للاشتراط لمصلحة
الغير
جاءت
الأحكام المستحدثة، الناظمة «للاشتراط لمصلحة الغير»، تلبية للحاجات العملية التي اقتضاها تطور
المعاملات والعلاقات في المجتمع.
ولعل
الحاجة الأولى الملحة لوضع تلك الأحكام، كانت من خلال عقود التأمين التي لم تكن معروفة في التشريع القديم، ففي عقد
التأمين [رٍ] يؤمن شخص ما حياته،
بمقابل بدل ما، يصرف عند وفاته لشخص ثالث أجنبي عن العقد، ليس طرفاً فيه، وقد لا يكون وارثاً
للمؤمن له.
ثمّ
وجد هذا التنظيم القانوني، طريقه للتطبيق في عقود النقل [ر] حين يؤمن الناقل على الأشخاص أو البضائع
المنقولة لمصلحة الغير، وفي عقود
التبرّع المشروطة التي تتضمن اشتراط منفعة ما أو مرتب دائم للغير ويلتزم المتبرع له بها، وفي
عقود الأشغال إذ يؤمن المتعهد على الأشغال وإصابات العمل، وفي عقود أخرى لا مجال
لحصرها.
لمصلحة الغير
الاشتراط
لمصلحة الغير la stipulation pour
autrui يعني تعاقد شخص باسمه، يسمى المشترط، مع آخر يسمى المتعهد، على تحقيق التزام لمصلحة
شخص ثالث أجنبي عن العقد، يسمّى المستفيد.
والأصل في العقود، أنّ آثارها
تتناول عاقديها وتؤول إليهم، لا تتعداهم أو تجاوزهم إلى الغير، فلا يفيد من العقد ولا يضارّ به أحد سوى العاقدين
اللذين إليهما وحدهما الحقوق
والالتزامات المتولدة عنه، وهذا هو الأثر النسبي للعقد.
ولقد
أخذت التشريعات القديمة بهذا
المبدأ، منذ عهد الرومان. وأخذت به أيضاً التشريعات الإسلامية، واستقرّ الأمر لهذا المبدأ في مختلف النظم
القانونية منذ ذلك الحين. واستمر العمل
به حقبة طويلة من الزمان، حتى بدا لفقهاء رومة ضرورة التخفيف منه والتحلل من بعض آثاره،
فأجازوا منذ القرن الأول للميلاد المشارطة للغير.
وكذلك
كان الشأن في فرنسة، قبل مجموعة نابليون، حتى إذا صدر التقنين المدني فيها عام 1804،
أورد المشرّع فيه استثناء من قاعدة نسبية أثر العقد، وأجاز الاشتراط لمصلحة الغير في المادة 1121 صراحة، متى توافرت
للمشترط مصلحة مادية أو أدبية من
اشتراطه.
ولقد
أجيز الاشتراط لمصلحة الغير بعد ذلك في الشريعة الإسلامية، كما أخذت به حديثاً التشريعات الوضعية العربية في
حالات وشروط محددة وذلك استجابة
لتطور حاجات التعامل بين الأفراد. فلقد نصت المادة 155 من القانون المدني السوري مثلاً على
أنه: «1 ـ يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات
مصلحة شخصية، مادية أو معنوية،
ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقاً مباشراً قِبَل المتعهد بتنفيذ الاشتراط».
خصائصه
في
الاشتراط لمصلحة الغير أشخاص ثلاثة، اثنان هما:
طرفا
العقد الأصلي، أي العاقدان، أحدهما هو المشترط والثاني هو المتعهد.
أما الشخص الثالث في
المشارطة، فهو المستفيد أو المنتفع، وهو شخص أجنبي عن العقد، ليس طرفاً فيه، ولكنه
المستفيد من محله، وفاقاً لما قرّره المشترط والتزم به المتعهد.
والخاصّة
المميّزة للاشتراط لمصلحة الغير، عن العقود أو الاتفاقات القريبة منه، أو المشابهة له، هي أن العاقد المشترط ليس في
عقده مع المتعهد نائباً عن المستفيد
المنتفع، كما أنّه ليس فضولياً عنه تحكم اتفاقه النصوص المتعلقة بالفضالة[ر] ثمّ إنّ
المشارطة ليست من قبيل حوالة الحق[ر]، وإنّما هي نسيج مستقل تماماً عن ذلك كلّه، ركناها الأساسيان: انصراف إرادة المشترط،
لإنشاء التزام لمصلحة الغير في
ذمّة المتعهد، وبقاء المنتفع أجنبياً عن العقد المبرم بين عاقديه: المشترط والمتعهد.
شروط
انعقاده
يخضع
العقد الأصلي الذي يبرمه العاقدان أي المشترط والمتعهد والمتضمن «الاشتراط لمصلحة الغير»، لجميع
شرائط الصحة والانعقاد التي ينبغي
توافرها في العقود عامّة، في الشكل والموضوع، فيجب أن تتوافر في العقد أركانه من أهلية
العاقدين، ورضاهما، ومشروعية السبب والمحل، فضلاً عن الشكل الواجب في العقود الرسمية.
ويستثنى من ذلك كون المشارطة تبرعاً لا معاوضة، فلا يخضع لشرط الرسمية، على ماسوف
يتبين عند البحث في آثار الاشتراط.
هذا
عن الشروط العامة للعقد
الأصلي. أما المشارطة فيتعين، إضافة إلى ذلك أن تتوافر فيها الشرائط التالية:
مصلحة
المشترط: يجب في الاشتراط لمصلحة الغير، أن يكون للعاقد مصلحة من المشارطة، ويستوي أن تكون هذه المصلحة مادية، أو
أدبية. ويغلب في الاشتراط لمصلحة
الغير، أن يكون الباعث عليه مصلحة أدبية للمشترط كما في عقود التأمين على الحياة، إذ يؤول بدل
التأمين بوفاة المشترط إلى الغير الذي يمكن ألاّ تربطه بالمشترط غير صلة ودّ.
ولكن
يمكن أن تكون للمشترط مصلحة مادية صرفة، كما في التأمين الذي يعقده الناقل لضمان الأضرار التي تصيب المنقول،
أو التأمين الذي يبرمه ربّ العمل
لضمان الإصابات التي تلحق بعمّاله.
تعيين
المنتفع: ويجب في الاشتراط
لمصلحة الغير، توافر شرط آخر، هو تعيين المنتفع.
ويمكن
تعيين المنتفع بشخص
مسمى، كما يمكن أن يكون المنتفع شخصاً غير معيّن بالاسم شريطة إمكان تعيينه بحسب شروط العقد،
كما أجاز القانون أن يكون المنتفع شخصاً مستقبلاً، متى كان وجوده قابلاً للتحقق في المستقبل. ومثال ذلك الناقل في عقود
النقل، إذ يتعاقد بوصفه مشترطاً مع
شركة للتأمين وصفتها متعهدة، تلتزم بتأمين الغير، وهو هنا الشخص المنقول الذي لم يتعاقد مع
المتعهد أصلاً، ولم يكن طرفاً في العقد الأصلي، وإنما يظلّ منتفعاً ـ مع كونه أجنبياً عن ذلك العقد الأصلي ـ استناداً
لمفهوم «الاشتراط لمصلحة الغير».
وفي
ذلك توكيد لما قرّره القانون، من أنّ المشترط يتعاقد باسمه شخصياً لا باسم المنتفع. فلا يدخل الأخير طرفاً في العقد
الأصلي، ولا يكون المشترط فيه نائباً
عن المنتفع ولا فضولياً عنه.
حق
المنتفع المباشر: وينبغي أن تنصرف إرادة
العاقدين أي المشترط والمتعهد إلى إنشاء «حقّ مباشر» في ذمّة المستفيد، فيكتسب الأخير الحقّ
بمجرّد اتفاقهما، من دون أن يمرّ هذا الحق بذمّة أحد منهما، وبذلك لا تنطبق أحكام «الاشتراط لمصلحة الغير» إذا كان
المتعاقد اشترط الحق لنفسه، ثمّ أحاله
للمستفيد، بمعنى أن الحقّ الذي يكسبه المستفيد لا ينشأ من عقد بينه وبين المشترط، ولا من عقد
بينه وبين المتعهد، ولا من حوالة صدرت عن المشترط، ولامن عقد مثل فيه بنائب عنه، أو بفضولي، وإنّما نشأ هذا الحقّ مباشرة
من العقد الذي تمّ بين المشترط وبين
المتعهد، من دون أن يشارك المستفيد أو يمثّل فيه بأية صورة.
آثار
الاشتراط للغير وأحكامه
تتولد
عن الاشتراط لمصلحة الغير، علاقات ثلاث،
ينظمها القانون، أولاها بين العاقدين، والثانية بين العاقد المتعهد والمستفيد المنتفع،
والثالثة الأخيرة بين المستفيد والعاقد المشترط.
العلاقة بين العاقدين: العاقدان
أصلاً، المشترط والمتعهد، هما طرفا العقد، وتحكم علاقتهما نصوص العقد، وإليهما تنصرف آثاره، وفقاً للقواعد العامة، فيما
عدا الحقّ المشروط لمصلحة
الغير، ويترتب على ذلك، أن تخلّفَ أحد العاقدين عن الوفاء بالتزاماته، يخوّل المتعاقد الآخر إلزامه
بالتنفيذ، أو الفسخ مع التعويض.
على
أنّ المشترط لا يُعدُّ
دائناً بالحقّ المشروط، ولذا فهو لا يملك المطالبة به لنفسه، وإنّما يبقى له حق الرقابة على تنفيذ
المتعهد لالتزامه، وله مطالبته بذلك، تحقيقاً لمصلحته الشخصية من الاشتراط، وهذا ما
صرّح به المشرّع في المادة 155/3 من القانون المدني السوري.
وتجري
المطالبة بدعوى مباشرة، يرفعها المشترط باسمه شخصياً لا باسم المستفيد.
العلاقة
بين المنتفع والمتعهد: بمجرّد إبرام العقد، ومن دون حاجة لإشراك المستفيد فيه، أو لقبوله به، ينشأ عن «الاشتراط لمصلحة
الغير» حق ذاتي للمنتفع، وهو
حقّ فوري ومباشر لا يمرّ بذمّة المشترط، وتضحي للمنتفع دعوى مباشرة يحق له بمقتضاها مخاصمة
المتعهد، ومطالبته بالوفاء بالتزامه، ما لم ينصّ العقد على خلاف ذلك.
ويتبع
ذلك، أنّ الحق المشروط للمنتفع، يدخل في ذمّته المالية، ويقع في الضمان العامّ لدائنيه، وينتقل من بعده لورثته.
وينشأ
حقّ المنتفع، بمجرّد
العقد، لنشوء الالتزام منذ ذلك الوقت في ذمّة المتعهد.
وينتج
عن ذلك آثار مهمة،
منها أنه إذا فقد المتعهد أهليته بعد العقد، ولو كان ذلك قبل إعلان المنتفع القبول
بالاشتراط لمصلحته، فإنّ ذلك لا يؤثر في صحة المشارطة، ولا في قيام حقّ المستفيد، ولو لم
يكن الأخير موجوداً، أو معيناً في ذلك الوقت مادام قابلاً للتعيين أو ممكن الوجود في المستقبل.
العلاقة
بين المستفيد والمشترط: في المشارطة
لمصلحة الغير، وإلى أن يعلن بها المستفيد، يبقى للمشترط الحقّ بنقض المشارطة، وتعديلها،
واستبدال شخص المستفيد بغيره، أو رد الانتفاع بها لنفسه.
وينقضي
حق المشترط بذلك، بمجرد إعلان المستفيد بالمشارطة، فإذا رفضها المستفيد ارتدّ حق النقض والتعديل
للمشترط.
وهذا
ما قرّره القانون المدني السوري
صراحة،
حين نصّ في المادة 156/3 منه أنّه: «يجوز للمشترط، دون دائنيه أو ورثته، أن ينقض المشارطة قبل أن
يصرّح المنتفع إلى المتعهد أو المشترط برغبته في الاستفادة منها، مالم يكن ذلك مخالفاً لما يقتضيه العقد».
وحقّ
النقض هذا، بحسب نصّ القانون هو
حقّ شخصي للمشترط، ليس لدائنيه استعماله، وينقضي بوفاة المشترط فلا ينتقل لورثته.
ولا
يترتب على نقض المشارطة، براءة ذمة المتعهد قبل المشترط، إلا إذا اتُّفق على خلاف ذلك. أمّا المستفيد فله ردّ المشارطة
ورفضها، فينزل بذلك عن الحقّ
الذي نشأ له بمقتضى العقد، غير أنّ حق المستفيد بالرفض، ليس حقاً شخصياً خالصاً له، بل يملك
دائنوه الطعن في تصرفه متى كان صدوره إضراراً بمصالحهم، كما يملك ورثة المستفيد ذلك أيضاً بعد وفاته.
والعلاقة
بين المشترط والمستفيد قد تكون تبرّعاً
وقد تكون معاوضة، فإن كانت من قبيل التبرع، فهي تغني عن العقد الرسمي الواجب لانعقاد الهبة.
وإذا كانت معاوضة، فلا يرتّب نقضها من قبل المشترط، أو رفضها من جانب المستفيد انقضاء الحق الذي كان للأخير قبل المشارطة.
التطبيقات العملية للاشتراط لمصلحة
الغير
جاءت
الأحكام المستحدثة، الناظمة «للاشتراط لمصلحة الغير»، تلبية للحاجات العملية التي اقتضاها تطور
المعاملات والعلاقات في المجتمع.
ولعل
الحاجة الأولى الملحة لوضع تلك الأحكام، كانت من خلال عقود التأمين التي لم تكن معروفة في التشريع القديم، ففي عقد
التأمين [رٍ] يؤمن شخص ما حياته،
بمقابل بدل ما، يصرف عند وفاته لشخص ثالث أجنبي عن العقد، ليس طرفاً فيه، وقد لا يكون وارثاً
للمؤمن له.
ثمّ
وجد هذا التنظيم القانوني، طريقه للتطبيق في عقود النقل [ر] حين يؤمن الناقل على الأشخاص أو البضائع
المنقولة لمصلحة الغير، وفي عقود
التبرّع المشروطة التي تتضمن اشتراط منفعة ما أو مرتب دائم للغير ويلتزم المتبرع له بها، وفي
عقود الأشغال إذ يؤمن المتعهد على الأشغال وإصابات العمل، وفي عقود أخرى لا مجال
لحصرها.