الشرطة[/b]
وضمانات حقوق الإنسان
في مرحلة جمع الاستدلالات ( بحث فى القانون البحرينى )
دكتور/ أحمد إبراهيم مصطفى
مستشار الأكاديمية الملكية للشرطة
تقديم :
تُعد الشرطة
إحدى الآليات، أو الهيئات التي يقع عليها العبء الأكبر في مجال حماية حقوق
الإنسان، فدورها هو خدمة الشعب وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين، وما ييسر قيام
الشرطة بواجباتها هو كفالتها وضمانها تمتع أفراد الشعب بكافة الحقوق والحريات
الأساسية التي كفلها الدستور والقانون لهم.
وبمجرد وقوع
الجريمة تبدأ الشرطة مهمتها في الكشف عن مرتكبيها وجمع التحريات والاستدلالات التي
تلزم للتحقيق في الدعوى، وأثناء قيامها بتلك الإجراءات تتقيد بحدود تتمثل في حماية
الحقوق والحريات الأساسية للإنسان.
ويكون الأطراف
بصفة أساسية في مرحلة جمع الاستدلالات المتهم ومأمور الضبط القضائي، وكلما توافرت
الضمانات لحقوق الإنسان في هذه المرحلة كلما اقترب التشريع الداخلي من معايير
وقواعد الحماية الدولية، فالإنسان يحتاج في هذه المرحلة إلى أكبر قدر من الضمانات
وذلك لأمرين(1):
1.
يبلغ الصراع بين حقوق المتهم وأمن
المجتمع في هذه المرحلة أشده.
2.
يكون المتهم في هذه المرحلة بين أيدي
السلطة المكلفة بحفظ أمن المجتمع، وجمع أدلة الدعوى.
ومرحلة جمع الاستدلالات هي المرحلة السابقة على الدعوى
الجنائية، وهي تُعد بمثابة المرحلة التمهيدية التحضيرية للخصومة الجنائية، لأنها
عبارة عن جمع المعلومات والبيانات الخاصة بالجريمة، عن طريق التحري عنها والبحث عن
فاعليها بشتى الطرق والوسائل القانونية، وبالتالي إعداد العناصر اللازمة للبدء في
التحقيق الابتدائي(2)، وهذه الإجراءات تغاير
بهذا المعنى إجراءات التحقيق الابتدائي، الذي يمثل المرحلة الأولى من مراحل الدعوى
الجنائية، ومؤدى ذلك أن الدعوى الجنائية لا تتحرك إلا بالتحقيق ولا تعتبر أنها قد
بدأت بأي إجراء من إجراءات الاستدلال(3).
فمرحلة جمع الاستدلالات – إذاً – من أهم مراحل العدالة
الجنائية ودور الشرطة فيها محوري وهام وفعال وتأتي أهميته في استهدافه احترام
القيم الإنسانية والشرعية الدستورية والقانونية، ضمانًا لكفالة الحقوق والحريات الفردية،
وإصباغ المشروعية على أعمال السلطة، من ناحية والوصول إلى مرتكبي الجرائم تمهيدًا
للقبض عليهم وتقديمها للمحاكمة، واستيفاء حق الدولة في العقاب وتحقيق الردع العام
من ناحية أخرى وهو ما يتطلب مراعاة العديد من الاعتبارات وثيقة الصلة بحماية حقوق
الإنسان وحرياته الأساسية أثناء قيام رجل الشرطة بعمله في هذه المرحلة وأهمها:
أولاً: تعزيز قدرات وكفاءة
رجل الشرطة في مجال حقوق الإنسان :
تحرص وزارة
الداخلية على وضع استراتيجية لحماية حقوق المواطن في كافة تعاملاته مع الشرطة
والتي يتم من خلالها تفعيل الرقابة على أعمال الاستدلال، ونشر المعرفة في مجال
حقوق الإنسان ضمن المناهج التدريبية بما يضمن الإلمام الكامل بمبادئ الشرعية أثناء
ممارسة العمل الشرطي، ويساهم في تعزيز وتوطيد ومد جسور التعاون بين الشرطة
والجمهور.
كما يتم إعداد
الدراسات والبحوث العلمية بالتنسيق مع المراكز البحثية بالوزارة في موضوعات حقوق
الإنسان، والمشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية والإقليمية والوطنية المرتبطة
بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والاستفادة من نتائجها وتوصياتها في تفعيل آليات
العمل الشرطي لتنمية الوعي والحرص لدى رجال الشرطة.
ثانيًا: شرعية التحري وجمع
الاستدلالات :
نصت المادة 45
من قانون الإجراءات الجنائية البحريني على أن "يكون من مأموري الضبط القضائي
في دوائر اختصاصاتهم :
أ.
أعضاء النيابة العامة.
ب.
ضباط وضباط صف وأفراد قوات الأمن
العام.
ج.
حرس الحدود والموانئ والمطارات.
د.
مفتشو الجمارك.
وللمحافظ
في دائرة اختصاصه أن يؤدي الأعمال التي يقوم بها مأمور الضبط القضائي .....".
ويقوم
مأمورو الضبط القضائي بتقصي الجرائم والبحث عن مرتكبيها وجمع الاستدلالات التي
تلزم للتحقيق والنظر في الدعوى (المادة 43 من قانون الإجراءات الجنائية).
ويُعد أول حق من
حقوق المتهم أن لا تبدأ أية إجراءات لمأموري الضبط القضائي في التحري وجمع
الاستدلالات عن أية جريمة إلا بمسوغ قانوني، وهذا يعطي الشرعية لتحريك الإجراءات
الجنائية ضد المتهم فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، ومن الأهمية أن ينصب
الأمر أولاً على حماية حقوق المتهم في مرحلة التحري قبل محاسبته في مرحلة المحاكمة
لأن مرحلة التحري هي التي يحتاج فيها المتهم لحماية حقوقه، لأن الحماية لو جاءت في
مرحلة المحاكمة فقط تكون متأخرة وقد لا تفيد المتهم كثيرًا بعد أن تكون حقوقه قد
أهدرت في مرحلة التحري(1).
هذا وقد تعول
المحكمة في تكوين عقيدتها على ما جاء بمحاضر جمع الاستدلالات من معلومات باعتبارها
معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث بالجلسة(2).
ودعمًا لقرينة البراءة باعتبارها مبدأ سيادي
يهيمن على كافة مراحل الإجراءات الجنائية يفترض براءة من يخضع للاتهام حال اتخاذ
أية إجراءات ماسة بحريته الشخصية.
وعلى ذلك لا
يجوز لمأمور الضبط القضائي ارتكاب جريمة بقصد الكشف عن جريمة أخرى، مثل استراق
السمع والمشاهدات التي تجري خلسة داخل
المساكن(3)، ولكن أجاز الفقه
لمأمور الضبط القضائي تصوير المتهم من أجل عرض صورته على المجني عليه والشهود فقط،
شريطة أن يتم ذلك في مكان عام كي لا يقع الفعل تحت طائلة القانون(4)، كما أجاز لرجال الضبطية القضائية
الاستعانة بوسائل التكنولوجيا الحديثة، ومنها أساليب الاستعراف بطريق فحص الحامض
النووي DNA، في إتمام
مهام الاستدلال التي يكلفون بها(5).
ثالثًا: تلقي التبليغات
والشكاوى :
ألزمت المادة
46/1 من قانون الإجراءات الجنائية البحريني مأموري الضبط القضائي أن يقبلوا
التبليغات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم، وأن يحصلوا على جميع الإيضاحات
اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع التي تبلغ إليهم أو التي يعلمون بها بأية كيفية
كانت.
وواضح من هذا
النص أن المشرع لم يحدد لمأمور الضبط القضائي كيفية ووسيلة الحصول على الإيضاحات
اللازمة وإنما منحه سلطة ترتيب سبل الحصول على المعلومات، فعبارة (الحصول على
الإيضاحات) عبارة عامة تشير إلى أن الغرض العام للاستدلال دون تحديد سبل أو وسائل
الحصول على الإيضاحات المطلوبة عن الجريمة، ولذلك يصح لمأمور الضبط القضائي أن
يسلك أو يتخذ أية وسيلة تأتي بمعلومات عن الجريمة بشرط أن يلتزم بالقواعد العامة
لصحة مباشرة الإجراء(1).
وإذا قدم البلاغ
والشكوى إلى مأمور الضبط القضائي وجب عليه أن يقبلها، وإلا تعرض للمسئولية
التأديبية، ويجب عليه أن يثبّت جميع الإجراءات في محاضر موقع عليها منه يبين فيها
وقت اتخاذ الإجراء ومكان حصوله، كما يجب أن تشمل تلك المحاضر أيضًا على توقيع
الشهود والخبراء الذين سمعوا، وترسل المحاضر إلى النيابة العامة مع الأوراق
والأشياء المضبوطة (المادة 46/2 من قانون الإجراءات الجنائية البحريني).
ولقد استهدف
المشرع من هذا الإجراء تمكين النيابة العامة من رقابة مأموري الضبط القضائي في
قيامه بأعماله، ومتابعة الإجراءات التي يتخذها حال إخطاره بالبلاغ أو الشكوى
والحفاظ على الأدلة خشية التعرض للإهدار أو الضياع.
رابعًا: إجراء التحريات :
يُقصد بالتحريات
جمع كافة القرائن والأدلة التي تفيد في التوصل إلى الحقيقة إثباتًا أو نفيًا لوقوع
الجريمة ونسبتها إلى فاعلها(2). فهي
تعنى بجمع المعلومات والبيانات لإثبات الحقيقة، وتأكيد الإدانة في حق المتهم أو
تبرئته مما نسب إليه من اتهام.
وللتحريات أهمية كبيرة بالنسبة لبعض إجراءات
التحقيق فقد عولت المادة 69 من قانون الإجراءات البحريني على جدية هذه التحريات في
الإذن بتفتيش المنازل والأشخاص لضبط الأشياء الخاصة بالجريمة التي يجري جمع
الاستدلالات أو التحقيق بشأنها، فإذا كانت هذه التحريات غير جدية، فلا يجوز الإذن
بالتفتيش.
على أنه يلزم كي
تكون التحريات منتجة لآثارها أن تكون متعلقة بجريمة وقعت فعلاً، فلا يجوز لمأمور
الضبط القضائي أن يتدخل بفعله في خلق الجريمة، أو التحريض على مقارفتها(1).
خامسًا: إجراء المعاينات:
أوجبت المادة 50/1 من قانون الإجراءات الجنائية
البحريني على مأموري الضبط القضائي أن يجروا المعاينات اللازمة للحصول على
الإيضاحات المتعلقة بالجريمة، وأن يسمعوا أقوال من يكون لديهم معلومات عن الجرائم
ومرتكبيها، وللمتهم والمجني عليه والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها ولوكلائهم
أن يحضروا هذه الإجراءات كلما أمكن ذلك.
وليس لمأمور الضبط القضائي إكراه أحد على الحضور
أمامه للإدلاء بمعلوماته، ولا يرتكب من امتنع عن الحضور، أو حضر ورفض الإفضاء
بمعلومات عن الجريمة، جريمة ما، ويعلل ذلك بالطبيعة العامة لأعمال الاستدلال
وتجردها من وسائل القهر(2).
ويجوز لمأموري الضبط القضائي أن يستعينوا
بالأطباء وغيرهم من أهل الخبرة ويطلبوا رأيهم شفاهة أو كتابة، ولا يجوز لهم تحليف
الشهود أو الخبراء اليمين، إلا إذا خيف ألا يستطاع فيما بعد سماع الشهادة بيمين.
كما لا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يستجوب
المتهم وإنما يجوز له سؤاله في شأن الجريمة، والفرق بين السؤال والاستجواب يخلص في
أن الأول مجرد استفسار من المتهم عما يحيط به من شبهات وبيان رأيه فيها، بينما
يتضمن الاستجواب مواجهة المتهم بالأدلة ومناقشته فيها بصورة
تفصيلية كي يفندها إن كان منكرًا للتهمة أو يعترف بها إن شاء(3).
ويجدر التنويه إلى أن المعاينات التي تقصدها
المادة 50 إجراءات جنائية هي المعاينات التي يجريها مأمور الضبط القضائي كعمل من
أعمال الاستدلال، ومن ثم وجب إجراءها في الأماكن العامة التي يباح للجمهور الدخول
فيها بغير تمييز، فإذا استطالت للمساكن بطلت، وبطل ما نجم عنها من أدلة، ذلك أنها
تأخذ في تلك الحالة الأخيرة حكم التفتيش المحظور على مأمور الضبط القضائي إجراءه
إلا بإذن صادر من سلطة التحقيق، أو برضا حائز المسكن(1).
سادسًا: اتخاذ الإجراءات التحفظية :
خولت المادة 72 إجراءات لمأموري الضبط القضائي
اتخاذ ما يراه مناسبًا من إجراءات للمحافظة على أدلة مسرح الجريمة حتى تتمكن
النيابة العامة من معاينته والاستعانة بما يحويه لاتخاذ قرارها في الواقعة، ومن
صور الإجراءات التحفظية وضع الأختام على
الأماكن التي بها آثار أو أشياء تفيد في كشف الحقيقة، ولهم أن يقيموا حراسًا
عليها، وأن يحرزوا الأوراق والأسلحة والآلات وكل ما يحتمل أن يكون قد استعمل في
ارتكاب الجريمة.
سابعًا: عدم التعرض للحريات الفردية:
الأصل أن إجراءات الاستدلال يجب ألا تمس حقوق
الأشخاص وحرياتهم الفردية، وسنتعرض لهذه الحقوق ونطاق المشروعية والبطلان أثناء
التعرض لها من قبل رجل الشرطة.
1. الاستيقاف :
ينصرف مفهومه
إلى قيام السلطات باستيقاف كل من تشتبه فيه أو في أمره أو من يضع نفسه طواعية موضع
الشك والريبة.
فالاستيقاف هو
إجراء لا يجد له سند في نصوص قانون الإجراءات الجنائية وإنما هو من صنع القضاء
الذي استخلصه من وظيفة الضبط الإداري ودوره في المحافظة على النظام العام ومنع
وقوع الجرائم والتدخل للاستفسار في كل حالة يضع الشخص نفسه بإرادته في موضع الشك
والريبة للوقوف على حقيقة أمره(2).
وليست هناك مدة
معينة للاستيقاف، لكن استقر الفقه والقضاء على أن هذه المدة محددة بالفترة التي
يتم التأكد فيها من شخصية المشتبه فيه ومعرفة هويته وسكنه ووجهته وهو أمر لا
يستغرق فترة زمنية طويلة.
والاستيقاف ليس
قبضًا، إذا ليس سلبًا لحرية الشخص وإنما مجرد تعطيل حركته من أجل التحري وإزالة
الشكوك، فمجرد استيقاف الدورية الليلية لأشخاص سائرين على الأقدام في منتصف الليل
في مكان غير مطروق للمارة لا يعد قبضًا، بل هو مسموح به، ولا بد أن تكون الغاية من
الاستيقاف هي كشف حقيقة الشخص وتبديد الشكوك حوله وأن لا يتعدى ذلك، مع ضرورة
توافر حسن النية لدى رجل الشرطة، أي أنه كانت لديه شبهة معقولة في تصرفات ذلك
الشخص أو مسلكه، وأن لا يمتد حق رجل الشرطة إلى حجز الشخص أو تعطيله أكثر مما يجب،
كما لا يجوز اقتياد ذلك الشخص عنوة إلى قسم الشرطة إلا إذا امتنع عن الإجابة على
الأسئلة عن هويته أو ثار اتهام حقيقي حوله(1).
ونظراً لكون
الاستيقاف لا يعدو أن يكون محض إجراء وقائي، لا يرقى إلى مصاف الضبط أو القبض، ومن
ثم فهو لا يخول مأمور الضبط القضائي تفتيش الشخص بناءً على ذلك، وذلك استناداً إلى
أنه يواجه شخصاً لا يعد متهماً، وإنما مشتبه فيه(2).
وعلى الرغم من
أن الاستيقاف لا يرقى لمفهوم القبض على نحو ما سبق ذكره، إلا أنه قد يكون وسيلة
للقبض والتفتيش إذا أسفر عن الوصول إلى متهم بارتكاب جناية أو جنحة بناءً على
أمارات وقرائن قوية، وهو ما أكدته المادة 56 من قانون الإجراءات الجنائية البحريني
"...... إذا وجدت دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب جناية أو جنحة سرقة أو
نصب أو اعتداء جسيم أو حيازة أو إحراز مواد مخدرة في غير الأحوال المصرح بها
قانونًا جاز لمأمور الضبط القضائي القبض عليه".
وقد ذهب المشرع
إلى جواز التفتيش في الأحوال التي يجوز فيها القبض وعلى ذلك نصت المادة 66/1
"في الأحوال التي يجوز فيها القبض قانونًا على المتهم يجوز لمأمور الضبط
القضائي أن يفتشه"، وهكذا يصل الأمر في بعض حالات الاستيقاف إلى القبض
والتفتيش.
2. القبض :
أناط القانون
بحسب الأصل مأمور الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجرائم وجمع الاستدلالات التي
تلزم للتحقيق في الدعوى (المادة 43 من قانون الإجراءات البحريني)، دون إجراءات
التحقيق.
وتكمن العلة في
ذلك في أن إجراءات التحقيق لها طابع القهر والجبر وتمس الحرية الفردية وما يتوجب
للحياة الخاصة من حرمة، إلا أن المشرع قد ارتأى تخويل مأمور الضبط القضائي سلطة
القيام ببعض إجراءات التحقيق – القبض – عند توافر إحدى حالات التلبس بالجريمة
المنصوص عليها قانونًا(1)، وذلك
بناءً على فكرة "الملاءمة الإجرائية"، إذ أن سلطة التحقيق قد تكون بعيدة
عن موقع الجريمة، وقد يكون انتقالها إليه مقتضيًا وقتًا، فيخشى إذا تطلب الشارع –
على وجه حتمي – قيام سلطة التحقيق بجميع أعمال التحقيق، أن تضيع المصلحة من اتخاذ
بعض هذه الأعمال في وقتها الملائم(2).
ويعني القبض
اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقييد حرية شخص ووضعه تحت تصر ف الجهة المخولة بإلقاء
القبض عليه لفترة زمنية وجيزة بهدف منعه من الفرار تمهيدًا لاستجوابه.
والتلبس كما
يفهم من ظاهر اللفظ يفيد أن الجريمة واقعة وأدلتها ظاهرة بادية ومظنة احتمال الخطأ
فيها طفيفة والتأخير في مباشرة الإجراءات الجنائية قد يعرقل سبيل الوصول إلى
الحقيقة، ومتى كان هذا هو معنى التلبس فلا محل لخشية من المساس بحريات الأفراد
وضماناتها لو منح مأمور الضبط القضائي عندئذ بعض سلطات التحقيق(3).
وهكذا فإن توافر
إحدى حالات التلبس يتيح لمأمور الضبط القضائي الخروج عن القواعد العامة والقيام
بإجراء القبض على الجاني رغم كونه إجراء من إجراءات التحقيق، وذلك خشية هروبه أو
طمس أدلة الجريمة، فضلاً عن عدم وجود أية شبهة للتعسف أو الكيد بالجاني فالجريمة
واضحة للكافة.
وللتلبس خصائص،
منها أن أحواله إنما وردت على سبيل الحصر بما يقطع الطريق على مكنة القياس، ولا
ترجع علة هذا الحصر إلا لكون التلبس يخول مأمور الضبط القضائي صلاحيات استثنائية
في التحقيق، الأمر الذي يقتضي عدم التوسع في هذه الصلاحيات خوفًا من التعسف وإساءة
استعمالها، وحتى لا تتعرض حريات وحقوق الأفراد للانتهاك دون ضوابط، وتكشف أحكام
محكمة النقض المصرية بجلاء عن تلك الصفة الاستثنائية للتلبس وحصره في أضيق نطاق،
فقد قضى بأنه "إذا كان المتهم قد أخرج ورقة من جيبه عند رؤيته لرجل البوليس
ووضعها بسرعة في فمه ولم يكن ما حوته تلك الورقة ظاهر حتى يستطيع رجال البوليس
رؤيته فإن هذه الحالة لا تعتبر حالة تلبس بإحراز مخدر"(1).
وقد أعطى المشرع
الإجرائي لمأمور الضبط القضائي سلطة القبض على المتهم الحاضر في الجنايات والجنح
المتلبس بها التي تزيد مدة الحبس فيها على ثلاثة أشهر متى وجدت دلائل كافية على اتهامه،
وإذا لم يكن المتهم حاضرًا جاز لمأمور الضبط أن يأمر بضبطه وإحضاره ويثبّت ذلك في
المحضر وينفذ الأمر بواسطة أحد أفراد السلطة العامة (المادة 55 من قانون الإجراءات
الجنائية)(2).
وفي هذا السياق أجازت محكمة التمييز "للشرطي القبض على أي
شخص يشتبه به لأسباب معقولة أنه ارتكب جناية، لما كان الاشتباه في ارتكاب الشخص للجناية
التي تجيز للشرطي القبض على من تتوافر في حقه، فإن ذلك يعتبر حالة ذهنية ساورت
الشرطي يصح معها عقلاً القول بارتكاب ذلك الشخص الجناية، ومتى أقرت محكمة الموضوع
الاعتبارات التي أدت إلى هذا الاشتباه"(3).
وعلى ذلك إذا كانت الجنحة المتلبس بها عقوبتها أقل من ثلاثة
أشهر لا يجوز القبض على المتهم إلا بناءً على أمر من السلطات المختصة بذلك قانونًا،
وكان أجدر بالمشرع أن لا يشترط مدة محددة للعقوبة طالما الجريمة متلبس بها.
ولقد أوردت
المادة 60 إجراءات جنائية استثناءً على حق مأمور الضبط القضائي في القبض على
المتهم إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى الجنائية عنها على
شكوى، فلا يجوز القبض على المتهم إلا إذا صرح بالشكوى من يملك تقديمها ويجوز في
هذه الحالة أن يقدم صاحب الحق الشكوى لمن يكون حاضرًا من قوات الأمن العام(4).
وعن مدة القبض
فهي محدودة حسبما ورد في المادة ( 57 إجراءات جنائية ) بأن يسمع مأمور الضبط
القضائي فورًا أقوال المتهم المقبوض عليه، وإذا لم يأت بما يبرئه يرسله في مدى
ثمانٍ وأربعين ساعة إلى النيابة العامة.
ويجب أن تتم
معاملته خلال هذه الفترة بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاءه بدنيًا أو
معنويًا، كما يجب مواجهته بأسباب القبض عليه، وتمكينه من الاتصال بذويه لإبلاغهم
بما حدث والاستعانة بمحامي (المادة 61 إجراءات جنائية)، والمتهم حر في اختيار
المحامي وله أن يستعين بأكثر من محامي.
التفرقة بين القبض والتعرض المادي :
ويلزم التفرقة بين القبض والتعرض المادي الذي يباشره
الأشخاص العاديون عندما يشاهدون جريمة متلبسًا بها يجوز فيها قانونًا الحبس
الاحتياطي، وذلك لمنع الشخص المتلبس بالجريمة من الفرار وتسليمه إلى أقرب عضو من
قوات الأمن العام دون حاجة إلى أمر ضبط، أو الذي يباشره أفراد السلطة العامة في
الجنح المتلبس بها التي يجوز فيها الحبس، فيُسمح لهم بأن يحضروا المتهم ويسلموه
إلى أقرب مأموري الضبط القضائي (المواد 58، 59 إجراءات جنائية).
ويترتب على
الاختلاف في الطبيعة القانونية للقبض والتعرض المادي اختلاف الآثار المترتبة على
مباشرة أي منها، فبينما يصح تفتيش المتهم متى صح القبض عليه على اعتبار أن التفتيش
من مستلزمات القبض وذلك للبحث عن الأدلة المادية الجريمة فإن التعرض المادي يقتصر
على تجريد المتهم مما يحمله من أسلحة أو أشياء قد يستخدمها في إلحاق الأذى بنفسه
أو بغيره، فإذا عمد الفرد العادي أو رجل السلطة العامة من غير مأموري الضبطية
القضائية إلى الحصول على الدليل المادي في الجريمة وذلك بسعيه للبحث الدقيق في جسم
المتهم وملابسه عد ذلك غير مشروع، ولا يعتد بالنتائج التي يسفر عنها هذا التفتيش(1).
وتأسيسًا على ما تقدم، يقع القبض باطلاً متى قام مأمور
الضبط القضائي بالقبض على المتهم في غير الأحوال المصرح بها قانونًا أو عدم توافر
الدلائل الكافية على اتهامه، وهو ما يرتب بطلان كل الإجراءات التي تترتب عليه، وكل
دليل يستمد منه كضبط الأسلحة أو الأوراق أو الأشياء التي أسفر عنها تفتيش المتهم،
وهو ما يستوجب ضرورة إلمام مأمور الضبط القضائي بكل الضوابط التي تتعلق بإجراء
القبض أو الاستيقاف، ففترة القبض على المتهم تعتبر من المواقف الحرجة وهي تتطلب
إدراكًا عميقًا من الكوادر الأمنية لحرجها، وتستلزم مراعاة المعايير القانونية.
ولذلك فإن إعداد
دليل عمل لرجال الشرطة، يتضمن توضيح حقوقهم وواجباتهم والإجراءات والضوابط
المتعلقة بالاستيقاف والقبض والتفتيش في إطار ما تضمنه الدستور من أحكام وضمانات
لحماية الحقوق والحريات العامة، بما فيها الحرية الشخصية، ومراعاة ثقافة حقوق
الإنسان، وهم يباشرون اختصاصاتهم، يحصنهم ويضفي على كل أعمالهم المشروعية.
(1) د. عبدالعظيم مرسي وزير، الحماية الوطنية والدولية
لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة "دور وزارة
الداخلية في حماية حقوق الإنسان وصون حرياته الأساسية"، مركز بحوث الشرطة،
أكاديمية الشرطة، القاهرة، 2003، ص6.
(2) د. أحمد جاد منصور، حقوق الإنسان في ضوء المواثيق الدولية والإقليمية
والتشريعات الداخلية ودور الشرطة في حمايتها، أكاديمية
الشرطة، القاهرة، 2006، 136.
(3) نقض 3 أكتوبر 1955، مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية، س6، رقم 47، ص1189.
(1) د. عباس أبو شامة، الشرطة وحقوق الإنسان في مرحلة
التحري في الجريمة، ورقة عمل مقدمة ضمن أعمال ندوة الشرطة وحقوق الإنسان، مركز
الدراسات والبحوث، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2001، ص122 وما
بعدها.
(2) نقض 3 مارس 1980،
مجموعة أحكام محكمة النقض، س31، رقم 60، ص313.
(3) نقض 16 يونيو 1941،
مجموعة القواعد القانونية، ج5، رقم 278، ص545.
(4) د.
هشام محمد فريد رستم، الحماية الجنائية لحق الإنسان في صورته، مجلة الدراسات
القانونية، كلية الحقوق، جامعة أسيوط، جمهورية مصر العربية، ع8، يونيو 1986، ص7.
(5) د.
جميل عبدالباقي الصغير، أدلة الإثبات والتكنولوجيا الحديثة، دار النهضة العربية،
القاهرة، 2000، ص56.
(1) د.
أحمد عوض بلال، الإجراءات الجنائية المقارنة والنظام الإجرائي في المملكة العربية
السعودية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990، ص248.
(2) د. قدري الشهاوي، ضوابط حدود تحريات الشرطة أمام القضاء، مجلة المحاماة،
القاهرة، ع 9-10، نوفمبر – ديسمبر، 1991، ص71.
(1) نقض 23 مايو 1976، مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية، س27، رقم 117، ص527.
(2) محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة،
1982، ص521.
(3) د. أحمد عوض بلال، الإجراءات الجنائية المقارنة والنظام الإجرائي في
المملكة العربية السعودية، مرجع سابق، ص250.
(1) د.
محمد عيد الغريب، الاختصاص القضائي لمأمور الضبط في الأحوال العادية والاستثنائية،
النسر الذهبي للطباعة، القاهرة، 2000، ص ص42، 43.
(2) أحمد المهدي، أشرف شافعي، القبض والتفتيش والتلبس، دار العدالة للنشر
والتوزيع، القاهرة، ط1، 2005، ص44.
(1) د. عباس أبو شامة،
الشرطة وحقوق الإنسان في مرحلة التحري عن الجريمة، مرجع سابق، ص124.
(2) د. محمد عيد الغريب، الاختصاص القضائي لمأمور الضبط في
الأحوال العادية والاستثنائية، مرجع سابق، ص44.
(1) نصت المادة 51 من
قانون الإجراءات البحريني على أحوال التلبس بالجريمة بما يلي :
-
تكون الجريمة متلبسًا بها حال ارتكابها أو بعد
ارتكابها ببرهة يسيرة.
-
إذا تبع المجني عليه مرتكبها، أو تبعته العامة مع
الصياح إثر وقوعها.
-
إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً
آلات أو أسلحة أو متاع أو أشياء يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها.
-
إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد
بذلك.
(2) د. محمود نجيب
حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص522.
(3) د. حسن صادق المرصفاوي، أصول الإجراءات الجنائية، منشأة المعارف،
الإسكندرية، 1982، ص270.
(1) نقض 15 ديسمبر
1947، مجموعة القواعد القانونية، ج7، رقم 453، ص419.
(2) يقصد بالدلائل الكافية، أن توجد شبهات أو أمارات أو قرائن
كافية في دلائلها على الاعتقاد لوقوع الجريمة ونسبتها إلى المشتبه فيه، لذلك يجب
أن تنصرف هذه القرائن إلى ثبوت وقوع الجريمة التي تتوافر بالنسبة لها هذه القرائن
أو الأمارات، وأن تنسب هذه الجريمة إلى المشتبه فيه ......... لمزيد من التفصيل
راجع د. عباس أبو شامة عبدالمحمود، الشرطة وحقوق الإنسان في مرحلة التحري في
الجريمة، مرجع سابق، ص125 وما بعدها.
(3) أنظر:
تمييز 4/6/2000، الطعن رقم 7 جزئي لسنة 2000، مجموعة أحكام التمييز، السنة الحادية
عشر، القاعدة رقم (11)، ص737.
(4) الجرائم التي
يستلزم القانون تقديم شكوى من المجني عليه لتحريك الدعوى الجنائية نصت عليها
المادة 9 من قانون الإجراءات الجنائية "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية إلا
بناءً على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو وكيله الخاص إلى النيابة العامة
أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي في الجرائم الآتية :
أ.
الزنا المنصوص عليه في المادة (316) من قانون العقوبات.
ب. الامتناع عن تسليم الصغير
المنصوص عليه في المادة (318) من قانون العقوبات.
ج. الفعل المخل بالحياء مع أنثى
المنصوص عليه في المادة (350) من قانون العقوبات.
د.
القذف والسب المنصوص عليه في المواد (364) و(365) و(366) من قانون
العقوبات.
هـ. الجرائم الأخرى التي ينص عليها القانون.
ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم
المجني عليه بالجريمة وبمرتكبيها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".
(1) د. أحمد المهدي،
أشرف الشافعي، القبض والتفتيش والتلبس، مرجع سابق، ص57.
وضمانات حقوق الإنسان
في مرحلة جمع الاستدلالات ( بحث فى القانون البحرينى )
دكتور/ أحمد إبراهيم مصطفى
مستشار الأكاديمية الملكية للشرطة
تقديم :
تُعد الشرطة
إحدى الآليات، أو الهيئات التي يقع عليها العبء الأكبر في مجال حماية حقوق
الإنسان، فدورها هو خدمة الشعب وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين، وما ييسر قيام
الشرطة بواجباتها هو كفالتها وضمانها تمتع أفراد الشعب بكافة الحقوق والحريات
الأساسية التي كفلها الدستور والقانون لهم.
وبمجرد وقوع
الجريمة تبدأ الشرطة مهمتها في الكشف عن مرتكبيها وجمع التحريات والاستدلالات التي
تلزم للتحقيق في الدعوى، وأثناء قيامها بتلك الإجراءات تتقيد بحدود تتمثل في حماية
الحقوق والحريات الأساسية للإنسان.
ويكون الأطراف
بصفة أساسية في مرحلة جمع الاستدلالات المتهم ومأمور الضبط القضائي، وكلما توافرت
الضمانات لحقوق الإنسان في هذه المرحلة كلما اقترب التشريع الداخلي من معايير
وقواعد الحماية الدولية، فالإنسان يحتاج في هذه المرحلة إلى أكبر قدر من الضمانات
وذلك لأمرين(1):
1.
يبلغ الصراع بين حقوق المتهم وأمن
المجتمع في هذه المرحلة أشده.
2.
يكون المتهم في هذه المرحلة بين أيدي
السلطة المكلفة بحفظ أمن المجتمع، وجمع أدلة الدعوى.
ومرحلة جمع الاستدلالات هي المرحلة السابقة على الدعوى
الجنائية، وهي تُعد بمثابة المرحلة التمهيدية التحضيرية للخصومة الجنائية، لأنها
عبارة عن جمع المعلومات والبيانات الخاصة بالجريمة، عن طريق التحري عنها والبحث عن
فاعليها بشتى الطرق والوسائل القانونية، وبالتالي إعداد العناصر اللازمة للبدء في
التحقيق الابتدائي(2)، وهذه الإجراءات تغاير
بهذا المعنى إجراءات التحقيق الابتدائي، الذي يمثل المرحلة الأولى من مراحل الدعوى
الجنائية، ومؤدى ذلك أن الدعوى الجنائية لا تتحرك إلا بالتحقيق ولا تعتبر أنها قد
بدأت بأي إجراء من إجراءات الاستدلال(3).
فمرحلة جمع الاستدلالات – إذاً – من أهم مراحل العدالة
الجنائية ودور الشرطة فيها محوري وهام وفعال وتأتي أهميته في استهدافه احترام
القيم الإنسانية والشرعية الدستورية والقانونية، ضمانًا لكفالة الحقوق والحريات الفردية،
وإصباغ المشروعية على أعمال السلطة، من ناحية والوصول إلى مرتكبي الجرائم تمهيدًا
للقبض عليهم وتقديمها للمحاكمة، واستيفاء حق الدولة في العقاب وتحقيق الردع العام
من ناحية أخرى وهو ما يتطلب مراعاة العديد من الاعتبارات وثيقة الصلة بحماية حقوق
الإنسان وحرياته الأساسية أثناء قيام رجل الشرطة بعمله في هذه المرحلة وأهمها:
أولاً: تعزيز قدرات وكفاءة
رجل الشرطة في مجال حقوق الإنسان :
تحرص وزارة
الداخلية على وضع استراتيجية لحماية حقوق المواطن في كافة تعاملاته مع الشرطة
والتي يتم من خلالها تفعيل الرقابة على أعمال الاستدلال، ونشر المعرفة في مجال
حقوق الإنسان ضمن المناهج التدريبية بما يضمن الإلمام الكامل بمبادئ الشرعية أثناء
ممارسة العمل الشرطي، ويساهم في تعزيز وتوطيد ومد جسور التعاون بين الشرطة
والجمهور.
كما يتم إعداد
الدراسات والبحوث العلمية بالتنسيق مع المراكز البحثية بالوزارة في موضوعات حقوق
الإنسان، والمشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية والإقليمية والوطنية المرتبطة
بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والاستفادة من نتائجها وتوصياتها في تفعيل آليات
العمل الشرطي لتنمية الوعي والحرص لدى رجال الشرطة.
ثانيًا: شرعية التحري وجمع
الاستدلالات :
نصت المادة 45
من قانون الإجراءات الجنائية البحريني على أن "يكون من مأموري الضبط القضائي
في دوائر اختصاصاتهم :
أ.
أعضاء النيابة العامة.
ب.
ضباط وضباط صف وأفراد قوات الأمن
العام.
ج.
حرس الحدود والموانئ والمطارات.
د.
مفتشو الجمارك.
وللمحافظ
في دائرة اختصاصه أن يؤدي الأعمال التي يقوم بها مأمور الضبط القضائي .....".
ويقوم
مأمورو الضبط القضائي بتقصي الجرائم والبحث عن مرتكبيها وجمع الاستدلالات التي
تلزم للتحقيق والنظر في الدعوى (المادة 43 من قانون الإجراءات الجنائية).
ويُعد أول حق من
حقوق المتهم أن لا تبدأ أية إجراءات لمأموري الضبط القضائي في التحري وجمع
الاستدلالات عن أية جريمة إلا بمسوغ قانوني، وهذا يعطي الشرعية لتحريك الإجراءات
الجنائية ضد المتهم فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، ومن الأهمية أن ينصب
الأمر أولاً على حماية حقوق المتهم في مرحلة التحري قبل محاسبته في مرحلة المحاكمة
لأن مرحلة التحري هي التي يحتاج فيها المتهم لحماية حقوقه، لأن الحماية لو جاءت في
مرحلة المحاكمة فقط تكون متأخرة وقد لا تفيد المتهم كثيرًا بعد أن تكون حقوقه قد
أهدرت في مرحلة التحري(1).
هذا وقد تعول
المحكمة في تكوين عقيدتها على ما جاء بمحاضر جمع الاستدلالات من معلومات باعتبارها
معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث بالجلسة(2).
ودعمًا لقرينة البراءة باعتبارها مبدأ سيادي
يهيمن على كافة مراحل الإجراءات الجنائية يفترض براءة من يخضع للاتهام حال اتخاذ
أية إجراءات ماسة بحريته الشخصية.
وعلى ذلك لا
يجوز لمأمور الضبط القضائي ارتكاب جريمة بقصد الكشف عن جريمة أخرى، مثل استراق
السمع والمشاهدات التي تجري خلسة داخل
المساكن(3)، ولكن أجاز الفقه
لمأمور الضبط القضائي تصوير المتهم من أجل عرض صورته على المجني عليه والشهود فقط،
شريطة أن يتم ذلك في مكان عام كي لا يقع الفعل تحت طائلة القانون(4)، كما أجاز لرجال الضبطية القضائية
الاستعانة بوسائل التكنولوجيا الحديثة، ومنها أساليب الاستعراف بطريق فحص الحامض
النووي DNA، في إتمام
مهام الاستدلال التي يكلفون بها(5).
ثالثًا: تلقي التبليغات
والشكاوى :
ألزمت المادة
46/1 من قانون الإجراءات الجنائية البحريني مأموري الضبط القضائي أن يقبلوا
التبليغات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم، وأن يحصلوا على جميع الإيضاحات
اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع التي تبلغ إليهم أو التي يعلمون بها بأية كيفية
كانت.
وواضح من هذا
النص أن المشرع لم يحدد لمأمور الضبط القضائي كيفية ووسيلة الحصول على الإيضاحات
اللازمة وإنما منحه سلطة ترتيب سبل الحصول على المعلومات، فعبارة (الحصول على
الإيضاحات) عبارة عامة تشير إلى أن الغرض العام للاستدلال دون تحديد سبل أو وسائل
الحصول على الإيضاحات المطلوبة عن الجريمة، ولذلك يصح لمأمور الضبط القضائي أن
يسلك أو يتخذ أية وسيلة تأتي بمعلومات عن الجريمة بشرط أن يلتزم بالقواعد العامة
لصحة مباشرة الإجراء(1).
وإذا قدم البلاغ
والشكوى إلى مأمور الضبط القضائي وجب عليه أن يقبلها، وإلا تعرض للمسئولية
التأديبية، ويجب عليه أن يثبّت جميع الإجراءات في محاضر موقع عليها منه يبين فيها
وقت اتخاذ الإجراء ومكان حصوله، كما يجب أن تشمل تلك المحاضر أيضًا على توقيع
الشهود والخبراء الذين سمعوا، وترسل المحاضر إلى النيابة العامة مع الأوراق
والأشياء المضبوطة (المادة 46/2 من قانون الإجراءات الجنائية البحريني).
ولقد استهدف
المشرع من هذا الإجراء تمكين النيابة العامة من رقابة مأموري الضبط القضائي في
قيامه بأعماله، ومتابعة الإجراءات التي يتخذها حال إخطاره بالبلاغ أو الشكوى
والحفاظ على الأدلة خشية التعرض للإهدار أو الضياع.
رابعًا: إجراء التحريات :
يُقصد بالتحريات
جمع كافة القرائن والأدلة التي تفيد في التوصل إلى الحقيقة إثباتًا أو نفيًا لوقوع
الجريمة ونسبتها إلى فاعلها(2). فهي
تعنى بجمع المعلومات والبيانات لإثبات الحقيقة، وتأكيد الإدانة في حق المتهم أو
تبرئته مما نسب إليه من اتهام.
وللتحريات أهمية كبيرة بالنسبة لبعض إجراءات
التحقيق فقد عولت المادة 69 من قانون الإجراءات البحريني على جدية هذه التحريات في
الإذن بتفتيش المنازل والأشخاص لضبط الأشياء الخاصة بالجريمة التي يجري جمع
الاستدلالات أو التحقيق بشأنها، فإذا كانت هذه التحريات غير جدية، فلا يجوز الإذن
بالتفتيش.
على أنه يلزم كي
تكون التحريات منتجة لآثارها أن تكون متعلقة بجريمة وقعت فعلاً، فلا يجوز لمأمور
الضبط القضائي أن يتدخل بفعله في خلق الجريمة، أو التحريض على مقارفتها(1).
خامسًا: إجراء المعاينات:
أوجبت المادة 50/1 من قانون الإجراءات الجنائية
البحريني على مأموري الضبط القضائي أن يجروا المعاينات اللازمة للحصول على
الإيضاحات المتعلقة بالجريمة، وأن يسمعوا أقوال من يكون لديهم معلومات عن الجرائم
ومرتكبيها، وللمتهم والمجني عليه والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها ولوكلائهم
أن يحضروا هذه الإجراءات كلما أمكن ذلك.
وليس لمأمور الضبط القضائي إكراه أحد على الحضور
أمامه للإدلاء بمعلوماته، ولا يرتكب من امتنع عن الحضور، أو حضر ورفض الإفضاء
بمعلومات عن الجريمة، جريمة ما، ويعلل ذلك بالطبيعة العامة لأعمال الاستدلال
وتجردها من وسائل القهر(2).
ويجوز لمأموري الضبط القضائي أن يستعينوا
بالأطباء وغيرهم من أهل الخبرة ويطلبوا رأيهم شفاهة أو كتابة، ولا يجوز لهم تحليف
الشهود أو الخبراء اليمين، إلا إذا خيف ألا يستطاع فيما بعد سماع الشهادة بيمين.
كما لا يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يستجوب
المتهم وإنما يجوز له سؤاله في شأن الجريمة، والفرق بين السؤال والاستجواب يخلص في
أن الأول مجرد استفسار من المتهم عما يحيط به من شبهات وبيان رأيه فيها، بينما
يتضمن الاستجواب مواجهة المتهم بالأدلة ومناقشته فيها بصورة
تفصيلية كي يفندها إن كان منكرًا للتهمة أو يعترف بها إن شاء(3).
ويجدر التنويه إلى أن المعاينات التي تقصدها
المادة 50 إجراءات جنائية هي المعاينات التي يجريها مأمور الضبط القضائي كعمل من
أعمال الاستدلال، ومن ثم وجب إجراءها في الأماكن العامة التي يباح للجمهور الدخول
فيها بغير تمييز، فإذا استطالت للمساكن بطلت، وبطل ما نجم عنها من أدلة، ذلك أنها
تأخذ في تلك الحالة الأخيرة حكم التفتيش المحظور على مأمور الضبط القضائي إجراءه
إلا بإذن صادر من سلطة التحقيق، أو برضا حائز المسكن(1).
سادسًا: اتخاذ الإجراءات التحفظية :
خولت المادة 72 إجراءات لمأموري الضبط القضائي
اتخاذ ما يراه مناسبًا من إجراءات للمحافظة على أدلة مسرح الجريمة حتى تتمكن
النيابة العامة من معاينته والاستعانة بما يحويه لاتخاذ قرارها في الواقعة، ومن
صور الإجراءات التحفظية وضع الأختام على
الأماكن التي بها آثار أو أشياء تفيد في كشف الحقيقة، ولهم أن يقيموا حراسًا
عليها، وأن يحرزوا الأوراق والأسلحة والآلات وكل ما يحتمل أن يكون قد استعمل في
ارتكاب الجريمة.
سابعًا: عدم التعرض للحريات الفردية:
الأصل أن إجراءات الاستدلال يجب ألا تمس حقوق
الأشخاص وحرياتهم الفردية، وسنتعرض لهذه الحقوق ونطاق المشروعية والبطلان أثناء
التعرض لها من قبل رجل الشرطة.
1. الاستيقاف :
ينصرف مفهومه
إلى قيام السلطات باستيقاف كل من تشتبه فيه أو في أمره أو من يضع نفسه طواعية موضع
الشك والريبة.
فالاستيقاف هو
إجراء لا يجد له سند في نصوص قانون الإجراءات الجنائية وإنما هو من صنع القضاء
الذي استخلصه من وظيفة الضبط الإداري ودوره في المحافظة على النظام العام ومنع
وقوع الجرائم والتدخل للاستفسار في كل حالة يضع الشخص نفسه بإرادته في موضع الشك
والريبة للوقوف على حقيقة أمره(2).
وليست هناك مدة
معينة للاستيقاف، لكن استقر الفقه والقضاء على أن هذه المدة محددة بالفترة التي
يتم التأكد فيها من شخصية المشتبه فيه ومعرفة هويته وسكنه ووجهته وهو أمر لا
يستغرق فترة زمنية طويلة.
والاستيقاف ليس
قبضًا، إذا ليس سلبًا لحرية الشخص وإنما مجرد تعطيل حركته من أجل التحري وإزالة
الشكوك، فمجرد استيقاف الدورية الليلية لأشخاص سائرين على الأقدام في منتصف الليل
في مكان غير مطروق للمارة لا يعد قبضًا، بل هو مسموح به، ولا بد أن تكون الغاية من
الاستيقاف هي كشف حقيقة الشخص وتبديد الشكوك حوله وأن لا يتعدى ذلك، مع ضرورة
توافر حسن النية لدى رجل الشرطة، أي أنه كانت لديه شبهة معقولة في تصرفات ذلك
الشخص أو مسلكه، وأن لا يمتد حق رجل الشرطة إلى حجز الشخص أو تعطيله أكثر مما يجب،
كما لا يجوز اقتياد ذلك الشخص عنوة إلى قسم الشرطة إلا إذا امتنع عن الإجابة على
الأسئلة عن هويته أو ثار اتهام حقيقي حوله(1).
ونظراً لكون
الاستيقاف لا يعدو أن يكون محض إجراء وقائي، لا يرقى إلى مصاف الضبط أو القبض، ومن
ثم فهو لا يخول مأمور الضبط القضائي تفتيش الشخص بناءً على ذلك، وذلك استناداً إلى
أنه يواجه شخصاً لا يعد متهماً، وإنما مشتبه فيه(2).
وعلى الرغم من
أن الاستيقاف لا يرقى لمفهوم القبض على نحو ما سبق ذكره، إلا أنه قد يكون وسيلة
للقبض والتفتيش إذا أسفر عن الوصول إلى متهم بارتكاب جناية أو جنحة بناءً على
أمارات وقرائن قوية، وهو ما أكدته المادة 56 من قانون الإجراءات الجنائية البحريني
"...... إذا وجدت دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب جناية أو جنحة سرقة أو
نصب أو اعتداء جسيم أو حيازة أو إحراز مواد مخدرة في غير الأحوال المصرح بها
قانونًا جاز لمأمور الضبط القضائي القبض عليه".
وقد ذهب المشرع
إلى جواز التفتيش في الأحوال التي يجوز فيها القبض وعلى ذلك نصت المادة 66/1
"في الأحوال التي يجوز فيها القبض قانونًا على المتهم يجوز لمأمور الضبط
القضائي أن يفتشه"، وهكذا يصل الأمر في بعض حالات الاستيقاف إلى القبض
والتفتيش.
2. القبض :
أناط القانون
بحسب الأصل مأمور الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجرائم وجمع الاستدلالات التي
تلزم للتحقيق في الدعوى (المادة 43 من قانون الإجراءات البحريني)، دون إجراءات
التحقيق.
وتكمن العلة في
ذلك في أن إجراءات التحقيق لها طابع القهر والجبر وتمس الحرية الفردية وما يتوجب
للحياة الخاصة من حرمة، إلا أن المشرع قد ارتأى تخويل مأمور الضبط القضائي سلطة
القيام ببعض إجراءات التحقيق – القبض – عند توافر إحدى حالات التلبس بالجريمة
المنصوص عليها قانونًا(1)، وذلك
بناءً على فكرة "الملاءمة الإجرائية"، إذ أن سلطة التحقيق قد تكون بعيدة
عن موقع الجريمة، وقد يكون انتقالها إليه مقتضيًا وقتًا، فيخشى إذا تطلب الشارع –
على وجه حتمي – قيام سلطة التحقيق بجميع أعمال التحقيق، أن تضيع المصلحة من اتخاذ
بعض هذه الأعمال في وقتها الملائم(2).
ويعني القبض
اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقييد حرية شخص ووضعه تحت تصر ف الجهة المخولة بإلقاء
القبض عليه لفترة زمنية وجيزة بهدف منعه من الفرار تمهيدًا لاستجوابه.
والتلبس كما
يفهم من ظاهر اللفظ يفيد أن الجريمة واقعة وأدلتها ظاهرة بادية ومظنة احتمال الخطأ
فيها طفيفة والتأخير في مباشرة الإجراءات الجنائية قد يعرقل سبيل الوصول إلى
الحقيقة، ومتى كان هذا هو معنى التلبس فلا محل لخشية من المساس بحريات الأفراد
وضماناتها لو منح مأمور الضبط القضائي عندئذ بعض سلطات التحقيق(3).
وهكذا فإن توافر
إحدى حالات التلبس يتيح لمأمور الضبط القضائي الخروج عن القواعد العامة والقيام
بإجراء القبض على الجاني رغم كونه إجراء من إجراءات التحقيق، وذلك خشية هروبه أو
طمس أدلة الجريمة، فضلاً عن عدم وجود أية شبهة للتعسف أو الكيد بالجاني فالجريمة
واضحة للكافة.
وللتلبس خصائص،
منها أن أحواله إنما وردت على سبيل الحصر بما يقطع الطريق على مكنة القياس، ولا
ترجع علة هذا الحصر إلا لكون التلبس يخول مأمور الضبط القضائي صلاحيات استثنائية
في التحقيق، الأمر الذي يقتضي عدم التوسع في هذه الصلاحيات خوفًا من التعسف وإساءة
استعمالها، وحتى لا تتعرض حريات وحقوق الأفراد للانتهاك دون ضوابط، وتكشف أحكام
محكمة النقض المصرية بجلاء عن تلك الصفة الاستثنائية للتلبس وحصره في أضيق نطاق،
فقد قضى بأنه "إذا كان المتهم قد أخرج ورقة من جيبه عند رؤيته لرجل البوليس
ووضعها بسرعة في فمه ولم يكن ما حوته تلك الورقة ظاهر حتى يستطيع رجال البوليس
رؤيته فإن هذه الحالة لا تعتبر حالة تلبس بإحراز مخدر"(1).
وقد أعطى المشرع
الإجرائي لمأمور الضبط القضائي سلطة القبض على المتهم الحاضر في الجنايات والجنح
المتلبس بها التي تزيد مدة الحبس فيها على ثلاثة أشهر متى وجدت دلائل كافية على اتهامه،
وإذا لم يكن المتهم حاضرًا جاز لمأمور الضبط أن يأمر بضبطه وإحضاره ويثبّت ذلك في
المحضر وينفذ الأمر بواسطة أحد أفراد السلطة العامة (المادة 55 من قانون الإجراءات
الجنائية)(2).
وفي هذا السياق أجازت محكمة التمييز "للشرطي القبض على أي
شخص يشتبه به لأسباب معقولة أنه ارتكب جناية، لما كان الاشتباه في ارتكاب الشخص للجناية
التي تجيز للشرطي القبض على من تتوافر في حقه، فإن ذلك يعتبر حالة ذهنية ساورت
الشرطي يصح معها عقلاً القول بارتكاب ذلك الشخص الجناية، ومتى أقرت محكمة الموضوع
الاعتبارات التي أدت إلى هذا الاشتباه"(3).
وعلى ذلك إذا كانت الجنحة المتلبس بها عقوبتها أقل من ثلاثة
أشهر لا يجوز القبض على المتهم إلا بناءً على أمر من السلطات المختصة بذلك قانونًا،
وكان أجدر بالمشرع أن لا يشترط مدة محددة للعقوبة طالما الجريمة متلبس بها.
ولقد أوردت
المادة 60 إجراءات جنائية استثناءً على حق مأمور الضبط القضائي في القبض على
المتهم إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى الجنائية عنها على
شكوى، فلا يجوز القبض على المتهم إلا إذا صرح بالشكوى من يملك تقديمها ويجوز في
هذه الحالة أن يقدم صاحب الحق الشكوى لمن يكون حاضرًا من قوات الأمن العام(4).
وعن مدة القبض
فهي محدودة حسبما ورد في المادة ( 57 إجراءات جنائية ) بأن يسمع مأمور الضبط
القضائي فورًا أقوال المتهم المقبوض عليه، وإذا لم يأت بما يبرئه يرسله في مدى
ثمانٍ وأربعين ساعة إلى النيابة العامة.
ويجب أن تتم
معاملته خلال هذه الفترة بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاءه بدنيًا أو
معنويًا، كما يجب مواجهته بأسباب القبض عليه، وتمكينه من الاتصال بذويه لإبلاغهم
بما حدث والاستعانة بمحامي (المادة 61 إجراءات جنائية)، والمتهم حر في اختيار
المحامي وله أن يستعين بأكثر من محامي.
التفرقة بين القبض والتعرض المادي :
ويلزم التفرقة بين القبض والتعرض المادي الذي يباشره
الأشخاص العاديون عندما يشاهدون جريمة متلبسًا بها يجوز فيها قانونًا الحبس
الاحتياطي، وذلك لمنع الشخص المتلبس بالجريمة من الفرار وتسليمه إلى أقرب عضو من
قوات الأمن العام دون حاجة إلى أمر ضبط، أو الذي يباشره أفراد السلطة العامة في
الجنح المتلبس بها التي يجوز فيها الحبس، فيُسمح لهم بأن يحضروا المتهم ويسلموه
إلى أقرب مأموري الضبط القضائي (المواد 58، 59 إجراءات جنائية).
ويترتب على
الاختلاف في الطبيعة القانونية للقبض والتعرض المادي اختلاف الآثار المترتبة على
مباشرة أي منها، فبينما يصح تفتيش المتهم متى صح القبض عليه على اعتبار أن التفتيش
من مستلزمات القبض وذلك للبحث عن الأدلة المادية الجريمة فإن التعرض المادي يقتصر
على تجريد المتهم مما يحمله من أسلحة أو أشياء قد يستخدمها في إلحاق الأذى بنفسه
أو بغيره، فإذا عمد الفرد العادي أو رجل السلطة العامة من غير مأموري الضبطية
القضائية إلى الحصول على الدليل المادي في الجريمة وذلك بسعيه للبحث الدقيق في جسم
المتهم وملابسه عد ذلك غير مشروع، ولا يعتد بالنتائج التي يسفر عنها هذا التفتيش(1).
وتأسيسًا على ما تقدم، يقع القبض باطلاً متى قام مأمور
الضبط القضائي بالقبض على المتهم في غير الأحوال المصرح بها قانونًا أو عدم توافر
الدلائل الكافية على اتهامه، وهو ما يرتب بطلان كل الإجراءات التي تترتب عليه، وكل
دليل يستمد منه كضبط الأسلحة أو الأوراق أو الأشياء التي أسفر عنها تفتيش المتهم،
وهو ما يستوجب ضرورة إلمام مأمور الضبط القضائي بكل الضوابط التي تتعلق بإجراء
القبض أو الاستيقاف، ففترة القبض على المتهم تعتبر من المواقف الحرجة وهي تتطلب
إدراكًا عميقًا من الكوادر الأمنية لحرجها، وتستلزم مراعاة المعايير القانونية.
ولذلك فإن إعداد
دليل عمل لرجال الشرطة، يتضمن توضيح حقوقهم وواجباتهم والإجراءات والضوابط
المتعلقة بالاستيقاف والقبض والتفتيش في إطار ما تضمنه الدستور من أحكام وضمانات
لحماية الحقوق والحريات العامة، بما فيها الحرية الشخصية، ومراعاة ثقافة حقوق
الإنسان، وهم يباشرون اختصاصاتهم، يحصنهم ويضفي على كل أعمالهم المشروعية.
(1) د. عبدالعظيم مرسي وزير، الحماية الوطنية والدولية
لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة "دور وزارة
الداخلية في حماية حقوق الإنسان وصون حرياته الأساسية"، مركز بحوث الشرطة،
أكاديمية الشرطة، القاهرة، 2003، ص6.
(2) د. أحمد جاد منصور، حقوق الإنسان في ضوء المواثيق الدولية والإقليمية
والتشريعات الداخلية ودور الشرطة في حمايتها، أكاديمية
الشرطة، القاهرة، 2006، 136.
(3) نقض 3 أكتوبر 1955، مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية، س6، رقم 47، ص1189.
(1) د. عباس أبو شامة، الشرطة وحقوق الإنسان في مرحلة
التحري في الجريمة، ورقة عمل مقدمة ضمن أعمال ندوة الشرطة وحقوق الإنسان، مركز
الدراسات والبحوث، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2001، ص122 وما
بعدها.
(2) نقض 3 مارس 1980،
مجموعة أحكام محكمة النقض، س31، رقم 60، ص313.
(3) نقض 16 يونيو 1941،
مجموعة القواعد القانونية، ج5، رقم 278، ص545.
(4) د.
هشام محمد فريد رستم، الحماية الجنائية لحق الإنسان في صورته، مجلة الدراسات
القانونية، كلية الحقوق، جامعة أسيوط، جمهورية مصر العربية، ع8، يونيو 1986، ص7.
(5) د.
جميل عبدالباقي الصغير، أدلة الإثبات والتكنولوجيا الحديثة، دار النهضة العربية،
القاهرة، 2000، ص56.
(1) د.
أحمد عوض بلال، الإجراءات الجنائية المقارنة والنظام الإجرائي في المملكة العربية
السعودية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990، ص248.
(2) د. قدري الشهاوي، ضوابط حدود تحريات الشرطة أمام القضاء، مجلة المحاماة،
القاهرة، ع 9-10، نوفمبر – ديسمبر، 1991، ص71.
(1) نقض 23 مايو 1976، مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية، س27، رقم 117، ص527.
(2) محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة،
1982، ص521.
(3) د. أحمد عوض بلال، الإجراءات الجنائية المقارنة والنظام الإجرائي في
المملكة العربية السعودية، مرجع سابق، ص250.
(1) د.
محمد عيد الغريب، الاختصاص القضائي لمأمور الضبط في الأحوال العادية والاستثنائية،
النسر الذهبي للطباعة، القاهرة، 2000، ص ص42، 43.
(2) أحمد المهدي، أشرف شافعي، القبض والتفتيش والتلبس، دار العدالة للنشر
والتوزيع، القاهرة، ط1، 2005، ص44.
(1) د. عباس أبو شامة،
الشرطة وحقوق الإنسان في مرحلة التحري عن الجريمة، مرجع سابق، ص124.
(2) د. محمد عيد الغريب، الاختصاص القضائي لمأمور الضبط في
الأحوال العادية والاستثنائية، مرجع سابق، ص44.
(1) نصت المادة 51 من
قانون الإجراءات البحريني على أحوال التلبس بالجريمة بما يلي :
-
تكون الجريمة متلبسًا بها حال ارتكابها أو بعد
ارتكابها ببرهة يسيرة.
-
إذا تبع المجني عليه مرتكبها، أو تبعته العامة مع
الصياح إثر وقوعها.
-
إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً
آلات أو أسلحة أو متاع أو أشياء يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها.
-
إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد
بذلك.
(2) د. محمود نجيب
حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص522.
(3) د. حسن صادق المرصفاوي، أصول الإجراءات الجنائية، منشأة المعارف،
الإسكندرية، 1982، ص270.
(1) نقض 15 ديسمبر
1947، مجموعة القواعد القانونية، ج7، رقم 453، ص419.
(2) يقصد بالدلائل الكافية، أن توجد شبهات أو أمارات أو قرائن
كافية في دلائلها على الاعتقاد لوقوع الجريمة ونسبتها إلى المشتبه فيه، لذلك يجب
أن تنصرف هذه القرائن إلى ثبوت وقوع الجريمة التي تتوافر بالنسبة لها هذه القرائن
أو الأمارات، وأن تنسب هذه الجريمة إلى المشتبه فيه ......... لمزيد من التفصيل
راجع د. عباس أبو شامة عبدالمحمود، الشرطة وحقوق الإنسان في مرحلة التحري في
الجريمة، مرجع سابق، ص125 وما بعدها.
(3) أنظر:
تمييز 4/6/2000، الطعن رقم 7 جزئي لسنة 2000، مجموعة أحكام التمييز، السنة الحادية
عشر، القاعدة رقم (11)، ص737.
(4) الجرائم التي
يستلزم القانون تقديم شكوى من المجني عليه لتحريك الدعوى الجنائية نصت عليها
المادة 9 من قانون الإجراءات الجنائية "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية إلا
بناءً على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو وكيله الخاص إلى النيابة العامة
أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي في الجرائم الآتية :
أ.
الزنا المنصوص عليه في المادة (316) من قانون العقوبات.
ب. الامتناع عن تسليم الصغير
المنصوص عليه في المادة (318) من قانون العقوبات.
ج. الفعل المخل بالحياء مع أنثى
المنصوص عليه في المادة (350) من قانون العقوبات.
د.
القذف والسب المنصوص عليه في المواد (364) و(365) و(366) من قانون
العقوبات.
هـ. الجرائم الأخرى التي ينص عليها القانون.
ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم
المجني عليه بالجريمة وبمرتكبيها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".
(1) د. أحمد المهدي،
أشرف الشافعي، القبض والتفتيش والتلبس، مرجع سابق، ص57.