مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
مرحبا بك معنا و نتمنى أن تكون من أعضاء منتدانا
و تساهم معنا ليستفيد الجميع ، و شكرا لك


مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
مرحبا بك معنا و نتمنى أن تكون من أعضاء منتدانا
و تساهم معنا ليستفيد الجميع ، و شكرا لك

مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماهدخول

القانون المصرى

محمد جمعه موسى للمحاماه *جمهوريه مصر العربيه - محافظه البحيره - رشيد *01005599621- 002-01227080958-002

descriptionالدستور كاداه لتطبيق القانون الدولى لحقوق الانسان Emptyالدستور كاداه لتطبيق القانون الدولى لحقوق الانسان

more_horiz
تدويل حقوق الإنسان كان له دور كبير في دعم مسيرة هذه الحقوق عالميا وتوجيهها إلى غاية الإعمال المرجوة . وبتتبع مراحل تطور مسيرة هذه الحقوق على الصعيد الدولي الذي يمتاز بتطور مفاهيمه وتغيرها بشكل يواكب تطور المجتمع الدولي ، نجد ان مفهوم الإعمال لحقوق الانسان كان قد مر بعدة مراحل وكان له اكثر من معنى خلال فترات التطور المختلفة التي مرت بها هذه الحقوق في الوسط الدولي ، وخاصة فيما يتعلق بتطبيق القانون الدولي الاتفاقي لحقوق الانسان والذي يمثل المفهوم الضيق للقانون الدولي لحقوق الانسان . فقد كان الإعمال يعني في بداية الامر مجرد الانضمام الى الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وبعد ذلك اصبح يعني التصديق على هذه الاتفاقيات ، ومن ثم اصبح يعني التطبيق الفعلي لهذه الاتفاقيات ولو جزئياً وبعد ذلك تطور ليعني التطبيق الكامل .
اما اليوم فان معاني الإعمال يجب ان تتكامل في سبيل ان تجد حقوق الانسان فرصتها في تحقيق مقاصدها ومحتواها ، ويكون ذلك بضرورة انصراف معنى الإعمال الى ايجاد ما يضمن لنا التطبيق سواء فيما يتعلق بايجاد الاداة لذلك او تحقيق الاداة لهدفها( [69]).
من المعلوم ان ايجاد أي قانون لابد وان يكون في سبيل تحقيق اهداف معينة وان تحقيق هذه الاهداف من خلال القانون يكون من خلال تطبيق هذا القانون وان الوصول الى غاية القانون من خلال التطبيق يقوم على اساس ضمان حسن التطبيق أي افضل تطبيق وفقا لما يتفق واهداف القانون وفلسفته.
وبالعودة الى اليات الحماية لحقوق الانسان نجد ان هناك عدة وسائل وجدت في المجتمع الدولي لحماية حقوق الانسان او بتعبير يعنينا في هذه الدراسة ، لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان ، ومن المعروف ان هذه الوسائل تتعدد وتتدرج وصولا الى اهم واقوى وسيلة لحماية هذه الحقوق والتي اثار الاعتراف بها وتطبيقها الكثير من الاشكاليات والخلافات الفقهية والرسمية الا وهي الية التدخل الانساني ( [70]) والتي تتلخص فكرتها بإمكانية اللجوء الى استخدام القوة بانواعها وبضمنها العسكرية ضد أية دولة تنتهك حقوق الانسان وذلك في سبيل وقف هذه الانتهاكات. وبالعودة الى هذه الالية نجد انها الية استثنائية من حيث التطبيق على صعيد العلاقات الدولية وانها تمثل وضعا غير طبيعي حيث انها تتضمن تدخلاً دولياً في شؤون الدول واستخداماً للقوة في سبيل الوصول الى الهدف ، وان هذين الوضعين يمثلان وضعين شاذين ضمن مفهوم العلاقات الدولية الطبيعية والتي ينظمها القانون الدولي المعاصر. ولما كان هذا التدخل وعلى الرغم من غايته النبيلة والمشروعة يمثل وضعاً غير طبيعي وبالتالي فانه يجب ان يتصف بالتاقيت وعدم الديمومة ، وان تاقيته هذا يرتبط بانهاء الوضع الشاذ بالنسبة لحقوق الانسان ووقف الانتهاك لها ، أي انه يجب ان يفعل لمدة محددة ويتوقف بعد ذلك، وهنا نتساءل عن الضمان لعدم العودة الى انتهاك حقوق الانسان مجدداً بعد زوال يد التدخل الانساني ؟ أي ما الذي يضمن عدم معاودة انتهاك الحقوق التي تم التدخل لحمايتها بعد وقف استخدام القوة الدولية لاغراض الحماية ؟
من المعلوم ان وضع ومفهوم التدخل بشكل عام يمثل وضعاً غير طبيعياً في العلاقات الدولية وهو بهذا المعنى وكما علمنا يجب ان يكون لمدة محددة وينتهي ، ولكنه على الرغم من فوائده باعتباره اقوى الية لحماية حقوق الانسان الا انه لا يترك ضمانا او الية دائمة لضمان عدم معاودة الانتهاكات وخاصة اذا كانت الاجواء مهيأة الى ذلك في دولة معينة الامر الذي يعني ان اثره يكون حالا ونسبيا ولا ينفع كضمانة للمستقبل ، الامر الذي قد يعني استمرار الحاجة الى تدخلات من هذا النوع واستمرار الوضع الشاذ الذي تولده فضلاً عن الحساسيات السياسية والمحاذير التي يمكن ان يثيرها التدخل بشكل عام والتدخل الانساني او الذي ينعت نفسه بانه انساني بشكل خاص( [71])، الامر الذي يعني ضرورة البحث عن حلول تضمن استمرار الوضع الذي يتحقق بعد حصول التدخل الانساني ، أي استمرار وقف الانتهاك لحقوق الانسان ومنع ذلك ، أي استمرار تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وضمان ذلك.
أي ان إعمال حقوق الانسان ووفقاً لمفهوم متكامل يتفق مع اهداف القانون الدولي لحقوق الانسان وفلسفته ، يجب ان يعني تطبيق احكام القانون وضمان حسن هذا التطبيق والاستمرار بذلك بشكل عام.
وبالعودة الى الاليات الدولية التي سبق وان تناولناها لضمان تحقيق الإعمال نجدها وان كانت تمثل تطورا كبيرا على الصعيد الدولي وفي مجال مسيرة حقوق الانسان بشكل خاص الا انها مع ذلك قد تكون غير قادرة على تحقيق هدفها بشكل متكامل والدليل على ذلك فيما نجده من ان المشكلات التي سبق وان تناولناها مستمرة في اعاقة تطبيق احكام القانون الدولي لحقوق الانسان ، الامر الذي يتطلب من الباحثين في مجال حقوق الانسان البحث عن وسائل جديدة لتحقيق الإعمال ، وان يكون هذا البحث مبنيا على اساس التدقيق في القانون الدولي لحقوق الانسان وفهم طبيعته وخصوصيته والمشاكل التي تعيق عملية تطبيقه.
وعند البحث في هذا القانون بهدف الوصول الى ما يضمن التطبيق والإعمال نجد اننا امام قانون دولي ذي طبيعة خاصة متميزة عن بقية فروع القانون الدولي العام الامر الذي يدفعنا الى البحث عن اليات جديدة لتطبيق هذا القانون اخذين بنظر الاعتبار وجود خصوصية لهذا القانون ، والتي تقوم على اساس انه قانون دولي يحتاج الى قانون داخلي في سبيل التطبيق ، أي انه قانون يرجع من حيث الوجود الى وسط معين ومن حيث التطبيق النهائي قد يحتاج الى وسط اخر مختلف عن الوسط الاول . ويتمثل الوسط الاول كما هو معروف بالوسط الدولي اما الثاني فيتمثل بالوسط الداخلي للدول ، أي ان خصوصيته تكمن في كونه قانوناً تعنى به القوانين القائمة في وسطين مختلفين.
واذا كانت هذه خصوصيته فان البحث عن اليات للتطبيق يجب ان يكون متكاملا وينطلق من كلا الوسطين او بتعبير قانوني في قوانين كل من الوسطين. واذا كانت الاليات التي سبق تناولها كانت اليات منطلقة من القانون الدولي فان استكمال هذه الاليات يجب ان ينطلق من القانون الداخلي الامر الذي يترجم خصوصية القانون الدولي لحقوق الانسان الى ارض الواقع العملي ، أي يجب ان يكون البحث عن هذه الاليات في القوانين الداخلية للدول التي يطبق عليها القانون وتتاكد اهمية ذلك وصحته من كون ان القانون الداخلي وموقفه من تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان هو الذي يتسبب باغلب العوائق امام تطبيق القانون الاخير الامر الذي يعني ان علاج وازالة هذه العقبات يجب ان يوجه الى ذات المسبب لها ومن ثم ينطلق منها في سبيل ضمان التطبيق. وبذلك يمكن ان نكون امام حل متكامل لعلاج مشاكل التطبيق وايصال حقوق الانسان الى الإعمال على اساس محاصرة مشاكل تطبيق هذا القانون وتكامل ذلك انطلاقا من الوسطين المعنيين بالامر.
واذا كان الحل الجديد منطلقا من الوسط الداخلي ، نتساءل عن كيفية تحديد اليات المعالجة وكيفية توظيفها وتفعيلها ؟
ان تحديد الية المعالجة وايجاد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة تتمثل بمراعاة الجانب الفني التخصصي المتعلق بموضوع التطبيق وكذلك مراعاة المشاكل الرئيسة التي تعترض عملية التطبيق ومحاولة ايجاد الحلول الجديدة بشكل تخصصي متجه الى حل المشاكل بحسب اهميتها وتأثيرها .
وبالرجوع الى الاليات الدولية سابقة الذكر والخاصة بضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان نجد انها تراعي طبيعة القانون وخصوصيته وانها كانت ثمرة لجهود دولية كبيرة وواقعية ومتخصصة في مجال حقوق الانسان ، وانها كانت قائمة على اساس ايجاد ضمانة للتطبيق ولكنها تنطلق من وسط دولي . وبالعودة الى تلك الادوات نجدها تتمثل باداة ايجاد النصوص الملزمة واداة ضمان التطبيق لهذه النصوص. حيث ان تجربة حقوق الانسان قد تقتضي الاستعانة بما تقدم لتكوين ادوات الضمان الجديدة المنطلقة من الوسط الداخلي. ويكون ذلك بالنسبة إلى الادوات الاولى من خلال ايجاد قواعد قانونية ضمن القانون الداخلي تقضي بتطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وحل ومعالجة المشاكل التي تعيق تطبيق هذا القانون. اما بالنسبة إلى الأداة الثانية فيكون ذلك من خلال ايجاد الية رقابة وايجاد جهة او جهات معينة مكلفة بالقيام بها ، وتسهر على ضمان تطبيق القواعد التي جاءت بها الاداة الاولى وتحقيق ذات الغرض الذي سعت اليه.
وبعد ان يتم تحديد ما هية الادوات الجديدة فان السوال الذي يثار هنا هو عن موضع هذه القواعد ، أي اين توضع هذه القواعد في البناء القانوني الداخلي؟
علمنا مما تقدم ان تحديد الية المعالجة وتحديد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة ، وان مراعاة الاعتبار الاول وهو المرتبط بالجانب الفني التخصصي للقضية اوصلنا الى ايجاد ادوات معينة ومحددة للحل ، اما الاعتبار الثاني فهو الاعتبار المرتبط بالمشاكل الرئيسة والتي سبقت الاشارة اليها في المبحث السابق ، حيث ان استكمال عملية تحديد الية المعالجة وكيفية توظيفها ونقطة انطلاقها يحتاج الى العودة الى المشاكل الرئيسة على اساس قاعدة (تحديد الداء في سبيل التوصل الى الدواء) وبذلك فان اختيار العلاج للحالة المرضية التي يمكن ان تعترض عملية تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا يجب ان يتم على اساس نوع المشكلة واختيار الاداة القانونية القادرة على حلها.
وبالرجوع الى المشاكل الرئيسة والتي سبق وان تناولناها في المبحث السابق ، وبالبحث عن حلول جديدة لها ضمن اطار القانون الداخلي نجد انها مشاكل ذات خصوصية وقد يكون من غير السهل معالجتها عن طريق قوانين واجراءات عادية لانها على درجة عالية من التعقيد قد يترتب عليها عجز مثل هذه القوانين او الاجراءات عن معالجتها وان ايجاد الية ذات خصوصية تمثل تدعيما للاليات الدولية الخاصة بتطبيقه قد يكون الحل لذلك ولكن ما هو القانون الداخلي الذي يصلح لاحتواء مثل هذه الالية ويفعلها ؟
لقد تناولنا في صفحات سابقة من هذه الدراسة التعريف بالدستور ، وقد توصلنا في ذلك الجزء منها الى ان للدستور طبيعة خاصة يختلف بها عن غيره من القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة . وان هذه الطبيعة تنبع من طبيعة الموضوعات التي يعالجها والتي تكون على درجة عالية من الاهمية في حياة الدولة والافراد الامر الذي استدعى ان يتصف هذا القانون بمواصفات ومزايا يختلف ويتميز بها عن بقية القوانين ، حيث انه قانون يخاطب طبقة الحكام وينظم شؤون السلطة وعلاقاتها ويحدد حقوق الافراد ويبين ايدولوجية الدولة واتجاهاتها، وهو على هذا الاساس ولتادية هذه الوظائف تميز بطبيعة قانونية منطقية منحته اعلوية على بقية القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة. وعلى اساس هذه المواصفات الموضوعية والشكلية التي يتميز بها الدستور قامت علاقة خاصة بينه وبين موضوع حقوق الانسان، وقد سبق وان تطرقنا الى ذلك في جزء سابق من هذه الدراسة وتوصلنا فيه الى ان خصوصية العلاقة بين القانونين تقوم على اساس وحدة موضوع التنظيم الذي تختص به قواعد كلا القانونين الا وهي بالدرجة الاساس تنظيم عمل السلطة وعلاقتها مع الافراد . اما من حيث الهدف فهو يمكن ان يكون اهم سبيل لحماية هذه الحقوق.
واذا كان للدستور خصوصية بين مجموعة القوانين المكونة للنظام القانوني للدولة، واذا كان هناك تزاوج بين هذه الخصوصية وطبيعة القانون الدولي لحقوق الانسان ، فهل ان ذلك يعني اهلية الدستور من الناحيتين الموضوعية والشكلية كي يكون اداة لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا ، وتفادي المشكلات التي يمكن ان تعيق هذا التطبيق ؟
ان الاجابة عن التساؤل الاخير تعتمد على مدى فاعلية اداة الدستور كي يقدم الحل الذي يتضمن محتوى يفيد بزيادة احتمالية التطبيق لحقوق الانسان وتجاوز العوائق التي تعيق ذلك من جهة ، ومدى فاعليته كي يكون اداة لضمان حسن التطبيق واستمراره من جهة اخرى. ويمكن التوصل الى الفاعلية الاولى من خلال مناقشة الحلول التي يمكن ان يقدمها الدستور للمشاكل الرئيسة المذكورة آنفاً . اما الحل الثاني فيكون من خلال البحث في صلاحيته كي يكون السبيل لضمان حسن التطبيق وهذا ما سوف اتناوله تباعا :
 
 
علمنا مما تقدم ان تدويل حقوق الإنسان كان له دور كبير في دعم مسيرة هذه الحقوق عالميا وتوجيهها إلى غاية الإعمال المرجوة . وبتتبع مراحل تطور مسيرة هذه الحقوق على الصعيد الدولي الذي يمتاز بتطور مفاهيمه وتغيرها بشكل يواكب تطور المجتمع الدولي ، نجد ان مفهوم الإعمال لحقوق الانسان كان قد مر بعدة مراحل وكان له اكثر من معنى خلال فترات التطور المختلفة التي مرت بها هذه الحقوق في الوسط الدولي ، وخاصة فيما يتعلق بتطبيق القانون الدولي الاتفاقي لحقوق الانسان والذي يمثل المفهوم الضيق للقانون الدولي لحقوق الانسان . فقد كان الإعمال يعني في بداية الامر مجرد الانضمام الى الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وبعد ذلك اصبح يعني التصديق على هذه الاتفاقيات ، ومن ثم اصبح يعني التطبيق الفعلي لهذه الاتفاقيات ولو جزئياً وبعد ذلك تطور ليعني التطبيق الكامل .
اما اليوم فان معاني الإعمال يجب ان تتكامل في سبيل ان تجد حقوق الانسان فرصتها في تحقيق مقاصدها ومحتواها ، ويكون ذلك بضرورة انصراف معنى الإعمال الى ايجاد ما يضمن لنا التطبيق سواء فيما يتعلق بايجاد الاداة لذلك او تحقيق الاداة لهدفها( [69]).
من المعلوم ان ايجاد أي قانون لابد وان يكون في سبيل تحقيق اهداف معينة وان تحقيق هذه الاهداف من خلال القانون يكون من خلال تطبيق هذا القانون وان الوصول الى غاية القانون من خلال التطبيق يقوم على اساس ضمان حسن التطبيق أي افضل تطبيق وفقا لما يتفق واهداف القانون وفلسفته.
وبالعودة الى اليات الحماية لحقوق الانسان نجد ان هناك عدة وسائل وجدت في المجتمع الدولي لحماية حقوق الانسان او بتعبير يعنينا في هذه الدراسة ، لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان ، ومن المعروف ان هذه الوسائل تتعدد وتتدرج وصولا الى اهم واقوى وسيلة لحماية هذه الحقوق والتي اثار الاعتراف بها وتطبيقها الكثير من الاشكاليات والخلافات الفقهية والرسمية الا وهي الية التدخل الانساني ( [70]) والتي تتلخص فكرتها بإمكانية اللجوء الى استخدام القوة بانواعها وبضمنها العسكرية ضد أية دولة تنتهك حقوق الانسان وذلك في سبيل وقف هذه الانتهاكات. وبالعودة الى هذه الالية نجد انها الية استثنائية من حيث التطبيق على صعيد العلاقات الدولية وانها تمثل وضعا غير طبيعي حيث انها تتضمن تدخلاً دولياً في شؤون الدول واستخداماً للقوة في سبيل الوصول الى الهدف ، وان هذين الوضعين يمثلان وضعين شاذين ضمن مفهوم العلاقات الدولية الطبيعية والتي ينظمها القانون الدولي المعاصر. ولما كان هذا التدخل وعلى الرغم من غايته النبيلة والمشروعة يمثل وضعاً غير طبيعي وبالتالي فانه يجب ان يتصف بالتاقيت وعدم الديمومة ، وان تاقيته هذا يرتبط بانهاء الوضع الشاذ بالنسبة لحقوق الانسان ووقف الانتهاك لها ، أي انه يجب ان يفعل لمدة محددة ويتوقف بعد ذلك، وهنا نتساءل عن الضمان لعدم العودة الى انتهاك حقوق الانسان مجدداً بعد زوال يد التدخل الانساني ؟ أي ما الذي يضمن عدم معاودة انتهاك الحقوق التي تم التدخل لحمايتها بعد وقف استخدام القوة الدولية لاغراض الحماية ؟
من المعلوم ان وضع ومفهوم التدخل بشكل عام يمثل وضعاً غير طبيعياً في العلاقات الدولية وهو بهذا المعنى وكما علمنا يجب ان يكون لمدة محددة وينتهي ، ولكنه على الرغم من فوائده باعتباره اقوى الية لحماية حقوق الانسان الا انه لا يترك ضمانا او الية دائمة لضمان عدم معاودة الانتهاكات وخاصة اذا كانت الاجواء مهيأة الى ذلك في دولة معينة الامر الذي يعني ان اثره يكون حالا ونسبيا ولا ينفع كضمانة للمستقبل ، الامر الذي قد يعني استمرار الحاجة الى تدخلات من هذا النوع واستمرار الوضع الشاذ الذي تولده فضلاً عن الحساسيات السياسية والمحاذير التي يمكن ان يثيرها التدخل بشكل عام والتدخل الانساني او الذي ينعت نفسه بانه انساني بشكل خاص( [71])، الامر الذي يعني ضرورة البحث عن حلول تضمن استمرار الوضع الذي يتحقق بعد حصول التدخل الانساني ، أي استمرار وقف الانتهاك لحقوق الانسان ومنع ذلك ، أي استمرار تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وضمان ذلك.
أي ان إعمال حقوق الانسان ووفقاً لمفهوم متكامل يتفق مع اهداف القانون الدولي لحقوق الانسان وفلسفته ، يجب ان يعني تطبيق احكام القانون وضمان حسن هذا التطبيق والاستمرار بذلك بشكل عام.
وبالعودة الى الاليات الدولية التي سبق وان تناولناها لضمان تحقيق الإعمال نجدها وان كانت تمثل تطورا كبيرا على الصعيد الدولي وفي مجال مسيرة حقوق الانسان بشكل خاص الا انها مع ذلك قد تكون غير قادرة على تحقيق هدفها بشكل متكامل والدليل على ذلك فيما نجده من ان المشكلات التي سبق وان تناولناها مستمرة في اعاقة تطبيق احكام القانون الدولي لحقوق الانسان ، الامر الذي يتطلب من الباحثين في مجال حقوق الانسان البحث عن وسائل جديدة لتحقيق الإعمال ، وان يكون هذا البحث مبنيا على اساس التدقيق في القانون الدولي لحقوق الانسان وفهم طبيعته وخصوصيته والمشاكل التي تعيق عملية تطبيقه.
وعند البحث في هذا القانون بهدف الوصول الى ما يضمن التطبيق والإعمال نجد اننا امام قانون دولي ذي طبيعة خاصة متميزة عن بقية فروع القانون الدولي العام الامر الذي يدفعنا الى البحث عن اليات جديدة لتطبيق هذا القانون اخذين بنظر الاعتبار وجود خصوصية لهذا القانون ، والتي تقوم على اساس انه قانون دولي يحتاج الى قانون داخلي في سبيل التطبيق ، أي انه قانون يرجع من حيث الوجود الى وسط معين ومن حيث التطبيق النهائي قد يحتاج الى وسط اخر مختلف عن الوسط الاول . ويتمثل الوسط الاول كما هو معروف بالوسط الدولي اما الثاني فيتمثل بالوسط الداخلي للدول ، أي ان خصوصيته تكمن في كونه قانوناً تعنى به القوانين القائمة في وسطين مختلفين.
واذا كانت هذه خصوصيته فان البحث عن اليات للتطبيق يجب ان يكون متكاملا وينطلق من كلا الوسطين او بتعبير قانوني في قوانين كل من الوسطين. واذا كانت الاليات التي سبق تناولها كانت اليات منطلقة من القانون الدولي فان استكمال هذه الاليات يجب ان ينطلق من القانون الداخلي الامر الذي يترجم خصوصية القانون الدولي لحقوق الانسان الى ارض الواقع العملي ، أي يجب ان يكون البحث عن هذه الاليات في القوانين الداخلية للدول التي يطبق عليها القانون وتتاكد اهمية ذلك وصحته من كون ان القانون الداخلي وموقفه من تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان هو الذي يتسبب باغلب العوائق امام تطبيق القانون الاخير الامر الذي يعني ان علاج وازالة هذه العقبات يجب ان يوجه الى ذات المسبب لها ومن ثم ينطلق منها في سبيل ضمان التطبيق. وبذلك يمكن ان نكون امام حل متكامل لعلاج مشاكل التطبيق وايصال حقوق الانسان الى الإعمال على اساس محاصرة مشاكل تطبيق هذا القانون وتكامل ذلك انطلاقا من الوسطين المعنيين بالامر.
واذا كان الحل الجديد منطلقا من الوسط الداخلي ، نتساءل عن كيفية تحديد اليات المعالجة وكيفية توظيفها وتفعيلها ؟
ان تحديد الية المعالجة وايجاد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة تتمثل بمراعاة الجانب الفني التخصصي المتعلق بموضوع التطبيق وكذلك مراعاة المشاكل الرئيسة التي تعترض عملية التطبيق ومحاولة ايجاد الحلول الجديدة بشكل تخصصي متجه الى حل المشاكل بحسب اهميتها وتأثيرها .
وبالرجوع الى الاليات الدولية سابقة الذكر والخاصة بضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان نجد انها تراعي طبيعة القانون وخصوصيته وانها كانت ثمرة لجهود دولية كبيرة وواقعية ومتخصصة في مجال حقوق الانسان ، وانها كانت قائمة على اساس ايجاد ضمانة للتطبيق ولكنها تنطلق من وسط دولي . وبالعودة الى تلك الادوات نجدها تتمثل باداة ايجاد النصوص الملزمة واداة ضمان التطبيق لهذه النصوص. حيث ان تجربة حقوق الانسان قد تقتضي الاستعانة بما تقدم لتكوين ادوات الضمان الجديدة المنطلقة من الوسط الداخلي. ويكون ذلك بالنسبة إلى الادوات الاولى من خلال ايجاد قواعد قانونية ضمن القانون الداخلي تقضي بتطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وحل ومعالجة المشاكل التي تعيق تطبيق هذا القانون. اما بالنسبة إلى الأداة الثانية فيكون ذلك من خلال ايجاد الية رقابة وايجاد جهة او جهات معينة مكلفة بالقيام بها ، وتسهر على ضمان تطبيق القواعد التي جاءت بها الاداة الاولى وتحقيق ذات الغرض الذي سعت اليه.
وبعد ان يتم تحديد ما هية الادوات الجديدة فان السوال الذي يثار هنا هو عن موضع هذه القواعد ، أي اين توضع هذه القواعد في البناء القانوني الداخلي؟
علمنا مما تقدم ان تحديد الية المعالجة وتحديد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة ، وان مراعاة الاعتبار الاول وهو المرتبط بالجانب الفني التخصصي للقضية اوصلنا الى ايجاد ادوات معينة ومحددة للحل ، اما الاعتبار الثاني فهو الاعتبار المرتبط بالمشاكل الرئيسة والتي سبقت الاشارة اليها في المبحث السابق ، حيث ان استكمال عملية تحديد الية المعالجة وكيفية توظيفها ونقطة انطلاقها يحتاج الى العودة الى المشاكل الرئيسة على اساس قاعدة (تحديد الداء في سبيل التوصل الى الدواء) وبذلك فان اختيار العلاج للحالة المرضية التي يمكن ان تعترض عملية تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا يجب ان يتم على اساس نوع المشكلة واختيار الاداة القانونية القادرة على حلها.
وبالرجوع الى المشاكل الرئيسة والتي سبق وان تناولناها في المبحث السابق ، وبالبحث عن حلول جديدة لها ضمن اطار القانون الداخلي نجد انها مشاكل ذات خصوصية وقد يكون من غير السهل معالجتها عن طريق قوانين واجراءات عادية لانها على درجة عالية من التعقيد قد يترتب عليها عجز مثل هذه القوانين او الاجراءات عن معالجتها وان ايجاد الية ذات خصوصية تمثل تدعيما للاليات الدولية الخاصة بتطبيقه قد يكون الحل لذلك ولكن ما هو القانون الداخلي الذي يصلح لاحتواء مثل هذه الالية ويفعلها ؟
لقد تناولنا في صفحات سابقة من هذه الدراسة التعريف بالدستور ، وقد توصلنا في ذلك الجزء منها الى ان للدستور طبيعة خاصة يختلف بها عن غيره من القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة . وان هذه الطبيعة تنبع من طبيعة الموضوعات التي يعالجها والتي تكون على درجة عالية من الاهمية في حياة الدولة والافراد الامر الذي استدعى ان يتصف هذا القانون بمواصفات ومزايا يختلف ويتميز بها عن بقية القوانين ، حيث انه قانون يخاطب طبقة الحكام وينظم شؤون السلطة وعلاقاتها ويحدد حقوق الافراد ويبين ايدولوجية الدولة واتجاهاتها، وهو على هذا الاساس ولتادية هذه الوظائف تميز بطبيعة قانونية منطقية منحته اعلوية على بقية القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة. وعلى اساس هذه المواصفات الموضوعية والشكلية التي يتميز بها الدستور قامت علاقة خاصة بينه وبين موضوع حقوق الانسان، وقد سبق وان تطرقنا الى ذلك في جزء سابق من هذه الدراسة وتوصلنا فيه الى ان خصوصية العلاقة بين القانونين تقوم على اساس وحدة موضوع التنظيم الذي تختص به قواعد كلا القانونين الا وهي بالدرجة الاساس تنظيم عمل السلطة وعلاقتها مع الافراد . اما من حيث الهدف فهو يمكن ان يكون اهم سبيل لحماية هذه الحقوق.
واذا كان للدستور خصوصية بين مجموعة القوانين المكونة للنظام القانوني للدولة، واذا كان هناك تزاوج بين هذه الخصوصية وطبيعة القانون الدولي لحقوق الانسان ، فهل ان ذلك يعني اهلية الدستور من الناحيتين الموضوعية والشكلية كي يكون اداة لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا ، وتفادي المشكلات التي يمكن ان تعيق هذا التطبيق ؟
ان الاجابة عن التساؤل الاخير تعتمد على مدى فاعلية اداة الدستور كي يقدم الحل الذي يتضمن محتوى يفيد بزيادة احتمالية التطبيق لحقوق الانسان وتجاوز العوائق التي تعيق ذلك من جهة ، ومدى فاعليته كي يكون اداة لضمان حسن التطبيق واستمراره من جهة اخرى. ويمكن التوصل الى الفاعلية الاولى من خلال مناقشة الحلول التي يمكن ان يقدمها الدستور للمشاكل الرئيسة المذكورة آنفاً . اما الحل الثاني فيكون من خلال البحث في صلاحيته كي يكون السبيل لضمان حسن التطبيق وهذا ما سوف اتناوله تباعا :

descriptionالدستور كاداه لتطبيق القانون الدولى لحقوق الانسان Emptyرد: الدستور كاداه لتطبيق القانون الدولى لحقوق الانسان

more_horiz
اولاً- الدستور كأداة لحل مشاكل التطبيق :
علمنا من المبحث السابق ان هناك ثمة مشاكل رئيسة قد تعيق تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا . وان هذه المشاكل انقسمت الى نظرية وعملية ، ولكن ولكي يكون الدستور اداة ناجحة لتطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان يجب ان يجد هذا القانون فيه الحل للمشاكل التي تعترض سبيل تطبيقه داخليا . فهل يستطيع الدستور ان يجد الحل لهذه المشاكل المتنوعة ؟
سنحاول الاجابة عن هذا التساؤل من خلال تناول هذه المشاكل والبحث عن امكانية ايجاد حلول لها من خلال دساتير الدول المعنية بتطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان.
- المشاكل المرتبطة بالعلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي:
علمنا من خلال استعراض هذه المشاكل ان القاعدة التي تحدد موقف الدولة من القانون الدولي وعلاقة قانونها به تكون موجودة في قانونها الداخلي ، وبالتالي فان الدولة تقوم بتطبيق هذه القاعدة على اساس ان ذلك يمثل جزءا من ممارستها لسيادتها. وتوضع عادة هذه القاعدة في القانون الدستوري للدولة على اعتبار انه هو القانون المختص بالامور المهمة المتعلقة بالدولة وممارستها لاختصاصاتها الدولية منها او الداخلية ، وهو الذي تتحدد به وبشكل عام سياسة القانون في الدولة او ايدولوجيتها.
وعلى هذا الاساس فان افضل سبيل لاعطاء خصوصية للعلاقة بين القانون الداخلي والقانون الدولي لحقوق الانسان يكون من خلال الدستور ( [72]) ويكون ذلك من خلال النص في الدستور على ذلك وتعديل القاعدة التي تحكم موضوع العلاقة باتجاه يقضي باعطاء خصوصية للعلاقة بين القانون الداخلي وقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان بحيث يؤدي ذلك الى ايجاد مبدا دستوري يقضي بازالة العقبات التي يمكن ان تعترض طريق تطبيق القواعد الدولية لحقوق الانسان والتي يمكن ان تكون قائمة بالنسبة إلى غير ذلك من القواعد الدولية . ولكن كيف يكون السبيل الى الوصول الى ايجاد مثل هذا المبدأ ؟
ان السبيل الى ذلك يكون من خلال ايجاد التزام دولي يقضي بذلك تحديدا بدلا من ان يتضمن مجرد النص على (اتخاذ اجراءات مناسبة) او (التشريعية المناسبة) بحسب ارادة الدولة المكلفة . ويفضل ان يكون نص تقرير الالتزام متضمناً عبارة (اتخاذ اجراءات دستورية مناسبة) . وتبرير فرض مثل الالتزام المحدد يقوم على اساس خصوصية القانون الدولي لحقوق الانسان وتميز قواعده عن بقية القواعد الدولية حيث انه يكون بعيدا عن التطبيق او الاجادة في ذلك ما لم يقرن بمثل هذا الالتزام.
- مشكلة الخصوصية والعالمية :
علمنا مما تقدم فيما يخص موضوع العالمية والخصوصية لحقوق الانسان ان هذه المشكلة تقوم على اساس حقيقة عالمية هذه الحقوق وفي ذات الوقت وجود خصوصيات لها، وان عالمية هذه الحقوق لا تعني التنكر للخصوصيات الثقافية والحضارية لهذه الحقوق على اختلاف الثقافات والحضارات، او وفقا لمفاهيم قانونية دولية بحتة ، نقول على اختلاف (الدول) ، حيث ان المشكلة فيما يتعلق بتطبيق حقوق الانسان ليست عالميتها او خصوصيتها بل ما يمكن ان تؤثره في تطبيق هذه الحقوق داخليا ويكون ذلك من خلال التذرع والتمسك بالخصوصيات الثقافية للتهرب من تطبيق حقوق الانسان، اذ ان مفاهيم هذه الحقوق لا تفيد بامكانية فرض قواعد معينة على شعوب معينة رغماً عنها وخلافاً لثقافتها التي تتجه ارادتها الى التمسك بها ، بل ان اتجاه حقوق الانسان يفيد باحترام ارادات الشعوب واختياراتها . أي ان مفاهيم حقوق الانسان لا تقضي بفرض الحقوق على الافراد ، ولكن كيف يمكن التاكد من ان الحقوق موضوع التطبيق وذات المصدر الدولي يمكن ان تكون مفروضة وبالتالي قد تكون مرفوضة او انها قد تكون مقبولة اصلا من قبل الشعوب ولكن تطبيقها قد لا يلتقي ومصالح الحكومات مما قد يعني احتمال التذرع والتمسك بالخصوصيات في سبيل التهرب من تطبيقها ؟
علمنا مما تقدم عند الحديث عن الدستور ، انه يمثل من حيث موضوعاته وطبيعته معاني عديدة حيث ان تاصيله التاريخي يرجعه الى انه تجسيد لفكرة العقد الاجتماعي المعروفة ، وبما ان مفهوم العقد يعني تنظيم علاقة ، وبما ان العلاقة تتكون باقل حد من طرفين ولما كانت فكرة العقد الاجتماعي تقوم على اساس انه مبرم بين كل من الشعب والسلطة ، فان الدستور يمكن ان يبين لنا موقف الشعب وارادته فيما يتعلق بحقوق الانسان ، باعتبار ان هذا الموضوع يعد من الموضوعات المهمة في الدولة والتي يفترض ان يعالجها اهم قانون في الدولة الا وهو الدستور . ويتأكد ذلك من خلال كون موضوع حقوق الافراد يعد من اهم الموضوعات التي يعالجها الدستور وبالتالي فان الدستور يمكن ان يعد افضل وسيلة للتعرف على ارادة الشعب وتطلعاته وقراءته لحقوقه وحقوق الافراد المكونين له . وبالتالي يمكن الاستناد اليه للتعرف على خصوصيات الشعوب فيما يتعلق بحقوق الانسان. والدستور المقصود هنا هو الدستور (الحقيقي) او المثالي او ما يعرف بـ ( الديمقراطي )( [73]) والذي سبق وان تمت الاشارة اليه في الفصل الاول من هذه الدراسة.
اما من حيث موضوعات الدستور فهو يختص بتنظيم السلطة وبيان علاقاتها المختلفة وتنظيمها حيث ان تنظيم هذه العلاقات لا يكون بالامر البعيد عن حقوق الانسان بل انه شديد الصلة بها سواء فيما يتعلق بتنظيم علاقات السلطات فيما بينها او علاقاتها مع الافراد. وكذلك وبشكل مباشر فيما يتعلق بالتنظيم الخاص للدستور لحقوق الافراد وبشكل عام فيما يتعلق بتحديد فكرة القانون في الدولة وايدولوجيتها ، حيث ان كل هذه الموضوعات تكون ذات صلة بحقوق الانسان.
وامام هذا التخصص للدستور فقد يكون افضل وسيلة قانونية لحل مشكلة العالمية والخصوصية لحقوق الانسان , وبشكل يتصدى لاحتمالات الاستغلال للتهرب من تطبيق حقوق الانسان . ويكون ذلك من خلال الاستعانة بالدستور لمعرفة مدى صدق اثارة المشكلة من قبل السلطة ، ومن جهة اخرى لاعتباره القانون الذي يحتوي القواعد التي تنظم مسالة معالجة مشاكل معينة كمشكلة الخصوصية والعالمية ، على ان يقوم كل ذلك على اساس يتفق ومفاهيم حقوق الانسان واحترام ارادة الشعوب وتطلعاتها . ويكون ذلك من خلال ايجاد التزامات دولية خاصة تقضي بتضمين الدساتير آليات معينة يمكن من خلالها حل مثل هذه المشاكل عن طريق الرجوع الى ارادة الشعب ومراقبة ذلك لضمان عدم التمكن من استغلال مثل هذه المشاكل من قبل الحكومات على حساب الشعوب . أي ان يكون الحسم حقيقا بالاستناد الى ارادة الشعب وموقفه من المشكلة ، حيث يجب ان يضمن استمرار فاعلية كون الدستور يمثل التعبير عن ارادة الشعب( [74]).
حيث انه من المعلوم ان حقوق الانسان هي واحدة من حيث المبدا او التسمية على اختلاف الثقافات وهذا ما تمثله عالمية هذه الحقوق باقل تقدير ، ولكن الخصوصيات تظهر عندما يتعلق الامر بكيفية التعامل مع هذه الحقوق او التسميات على اختلاف الثقافات والدول ، أي كيفية قراءة هذه الحقوق او تفسيرها ، حيث انه ليس هناك خلاف على وجود حقوق للانسان بشكل عام وعلى تقسيماتها الاساسية ايضا او موضوعاتها ولكن الخلاف يثآر فيما يتعلق بتفصيلاتها او معانيها ومضامينها حيث قد تختلف النظرة الى ذلك. ويكون الاجدر ان يجري حسم مثل هذا الخلاف من خلال الدستور . وبالفعل فقد تضمنت دساتير دول معينة حسما لهذه المسالة من خلال النص على ذلك في الدستور ومثال ذلك موقف الدستور الروسي الحالي الذي يذهب الى الاعتراف صراحة بحقوق الانسان وحمايتها وفقا للقواعد والمبادئ العامة للقانون الدولي. أي ان هذا الدستور يقرر ان تكون قراءة هذه الحقوق وفقاً لما يقرره القانون الدولي. وهناك دساتير اخرى تذهب الى ان يكون تطبيقها لحقوق الانسان سواء كانت ذات مصدر دولي او داخلي وفقاً للتفسير الذي تقضي به المعاهدات الدولية لحقوق الانسان ، وبهذا الاتجاه يذهب الدستور الاسباني الحالي في المادة (10) منه الى التزام القضاء بالتقييد بالتفسير المقرر من قبل المعاهدات الدولية لحقوق الانسان عند تطبيق ما تقضي به هذه الحقوق من قبل القضاء وكذلك هو الحال في الفقرة الاولى من المادة ( 39 ) من دستور جنوب افريقيا( [75]).
- مشكلة التحفظ :
تعد مشكلة التحفظ على الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان من اكثر المشاكل المؤدية الى تجميد القانون الدولي لحقوق الانسان والتمكن من عدم الالتزام باحكامه بالاستناد الى سند قانوني معترف به في القانون الدولي العام ، ويرجع ذلك الى دور التحفظ في اعاقة عملية تعديل الاوضاع والمواقف القانونية باتجاه تطبيق احكام القانون الدولي لحقوق الانسان ، وبالتالي امكانية التزام الدولة بكل ما من شانه ان يؤدي الى حل أي مشكلة من مشاكل تطبيق هذا القانون ، حيث انه عندما تكون للدولة امكانية التحفظ تجاه الاحكام الواردة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان فان هذا يعني في الوقت ذاته امكانيتها في التحفظ على ما تتضمنه الاتفاقية من احكام لمعالجة مشكلة التحفظ .
واذا كان للتنظيم القانوني للتحفظ دور في التقليل من الاثار السلبية للتحفظ من خلال حظر تحفظات معينة وتقييد حرية الدولة في التحفظ فان هذا لا يعني تمكنه من سد جميع الثغرات وازالة كافة السلبيات ، حيث ان طبيعة نظام التحفظ بشكل عام وضرورات وجوده كحل وسط وخاصة بالنسبة إلى الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان ، تفترض ضرورة البحث عن حلول جديدة . وقد يكون مفيدا وعمليا في هذا الجزء من هذه الدراسة ان تنطلق هذه الحلول من نظرية الدستور ودوره في حل مشاكل تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان على المستوى الوطني.
وقد يكون من المفيد هنا اعادة التذكير بخصوصية العلاقة بين الدستور وكل من حقوق الانسان بشكل عام والقانون الدولي لحقوق الانسان بشكل خاص ، وبدور وامكانية ان يكون للدستور دور في حل المشاكل سابقة الذكر وفضلاً عن ذلك طبيعيته الخاصة باعتباره قانونا ذي خصوصية واهمية الموضوعات التي يتناولها. وبالنظر إلى أهمية موضوع التحفظ وبشكل خاص ذلك المتعلق بحقوق الانسان فان التنظيم القانوني له لابد ان يجد اسسه في دستور الدولة.
أي ان عدم كفاية او فاعلية الجهد الدولي في ايجاد حلول دولية لمشكلة التحفظ والتي قد تؤثر سلبا في تطبيق القانون والدستور وما يجب ان يكون عليه اذا افترضناها متجهة ايجابا الى إعمال حقوق الانسان ، تقتضي الانطلاق من الدستور لتحقيق حالة التكامل الايجابي المطلوب ، ولكن كيف يمكن ان يفعل هذا الافتراض ؟
امام واقع يفيد بعدم كفاية الجهد الدولي والذي يمثل جزءا من الجهد العالمي لدعم مسيرة حقوق الانسان ، لمعالجة مشكلة التحفظ ، وامام خطورة وسلبية الاثار الناجمة عن سوء استخدامه فان التكامل في هذا الجهد يعد امرا ضروريا ولابد منه لدعم هذه المسيرة ، ويكون ذلك من خلال اختيار افضل السبل لذلك ومن ضمنها الدساتير الوطنية للدول ، ويكون ذلك من خلال تسخير الجهد الوطني داخل الدول والذي يمثل هو أيضا بدوره جزءا من الجهد العالمي الداعم لمسيرة حقوق الانسان ، ودفعه باتجاه العمل على تعديل الأوضاع القانونية الدستورية وتطويرها باتجاه يؤدي الى التقليل من احتمالات استغلال التحفظ في سبيل التهرب من تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان ، ويكون ذلك من خلال ايجاد ما يضمن ان يكون هذا الاستخدام متفقا مع الاهداف التي شرع من اجلها نظام التحفظ حصرا، والتي يفترض بها ان تتفق مع ارادة الشعوب والمصالح الوطنية للدول وليس استخداماً مخالفاً لهذه الارادة ومضرا بهذه المصالح ومؤدياً الى الحيلولة دون تمتع الافراد بحقوقهم، ويكون ذلك عمليا من خلال دسترة قواعد معينة تضمن ذلك ، بحيث يبقى التحفظ استثناءا يجوز اللجوء اليه وتفعيله في سبيل تحقيق اهدافه المشروعة ، وفي ذات الوقت ايجاد الضمانة المنطلقة من قمة القانون الداخلي (الدستور) في سبيل عدم تعدي هذه الاهداف والتعسف باستخدام التحفظ بشكل يؤدي الى اعاقة تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان .
ويمكن ان يتحقق الدعم لذلك من خلال تقوية الوسائل الوطنية لتعزيز حقوق الانسان ومساندتها من خلال الوسائل الدولية المتجهة بهذا الاتجاه من خلال المنظمات الدولية بشكل عام وغير الحكومية منها بشكل خاص( [76]) .
- مشكلة عدم اتخاذ الاجراءات المناسبة :
لقد علمنا مما تقدم ان عبارة ( الاجراءات المناسبة ) او ( اللازمة ) كانت من العبارات التي استخدمت في نطاق القانون الدولي العام للدلالة على كيفية الوفاء بالالتزامات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي لحقوق الانسان وذلك عن طريق تطبيق احكامه من خلال القوانين الداخلية للدول ، ويكون ذلك من خلال تكليف الدولة الملتزمة بان تتخذ الاجراءات المناسبة سواء التشريعية منها او المادية ، ولكن ما المقصود بتعبير ( المناسبة ) او (اللازمة)؟
ان المنطق القانوني في التفسير وفهم طبيعة القانون الدولي لحقوق الانسان والاهداف التي يسعى الى تحقيقها يقودنا الى تفسير هذه العبارة بما يعني ضرورة اتخاذ كل ما من شانه ان يؤدي الى تحقيق الاهداف المرجوة من وجود الالتزام الدولي والارتقاء بذلك الى افضل المستويات الممكنة عن طريق مختلف الاجراءات والتصرفات المؤدية الى تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان ، وعلى راسها الاجراءات التشريعية وبالتالي الوفاء بالالتزام الدولي وتجنب المسؤولية الدولية الناجمة عن عدم الوفاء به. وفضلاً عن هذا الالتزام الخاص والصريح بصدد تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان فان مبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية يحتوي هو الاخر ذات المفهوم سابق الذكر. ولكن كيف يكون اتخاذ الاجراءات المناسبة وبحسن نية لتنفيذ محتوى الالتزام الدولي النابع من قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان ؟
لقد علمنا مما تقدم ان هناك العديد من انماط التطبيق والسبل التي تلجأ اليها الدول في سبيل تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وان العديد منها كان يفضي الى العديد من الاشكاليات القانونية التي تؤدي بالنهاية الى عدم تطبيق القانون كما ينبغي . ويبدو ان افضل سبيل الى تجنب تلك المشاكل وتطبيق مفهوم ( الاجراء المناسب ) هو ان تتحول القاعدة القانونية الدولية لحقوق الانسان والتي تلتزم بها الدولة المعنية الى قاعدة دستورية تكون لها مواصفات بقية القواعد الدستورية في الدولة ، وبذلك تكون لتلك القواعد قدسية وعلو يؤدي الى تجنب كافة الاشكاليات سابقة الذكر فيما يخص تلقائية التطبيق او احتمالية التعديل او الالغاء او التجميد.
ويكون السبيل الى تفعيل مفهوم (الاجراء المناسب) من خلال الاشارة الصريحة من قبل القانون الدولي لحقوق الانسان الى ان دسترة قواعده في ظل دستور حقيقي وفقاً للمفهوم الذي سبق تحديده لمثل هذا الدستور ، هو الاجراء المناسب والواجب اتخاذه لتطبيق الالتزام الدولي الوارد فيه وبالتالي فان عدم اتخاذ مثل هذا الاجراء يعد بحد ذاته اخلالا بالتزام دولي وتنصلاً من العمل بالمبدأ القانوني الدولي الذي يقضي بتنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية.
- مشكلة التقييد :
علمنا مما تقدم عند الحديث عن مشكلة تقييد الحقوق واثرها في تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا ، ان لهذا لتقييد ضرورة افضت الى الاعتراف به وان هناك ايجابيات معينة تترتب على الاخذ به ، ولكن وفي ذات الوقت هناك سلبيات ومخاطر تترتب عليه وتضر بعملية تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان . وامام هذه الايجابيات والسلبيات كان لابد من التوصل الى توفيق بين الاثنين بحيث يمكن من خلاله الاستجابة الى ضرورات وجود التقييد وفي الوقت نفسه محاولة تجنب السلبيات والمخاطر التي يمكن ان تنجم عنه ويكون ذلك على اساس الاعتراف بوجود مثل هذه الضرورات ولكن يجب ان تكون حقيقية وليس هناك سبيل لمعالجتها والاستجابة اليها سوى من خلال تقييد حقوق الانسان . ولكن كيف يمكن التاكد من انها حقيقية ؟
بالعودة الى الضرورات او الاسباب التي تقتضي التقييد كالاعتبارات المتعلقة بالنظام العام او الاخلاق العامة والفضيلة وغير ذلك ، نجد ان كلها ترتبط بفكرة (المصلحة العامة) وهذا هو المصطلح الذي تلجأ اليه الدول غالبا لتبرير العديد من التصرفات التي تقوم بها والتي تمس بها حقوق الانسان. وبالعودة الى مثل هذه التصرفات والتي تكون فعلاً تتجه الى تحقيق المصلحة العامة نجدها لا تتناقض تماماً مع حقوق الانسان ، حيث ان فكرة (المصلحة العامة) تعني مصلحة المجتمع بشكل عام وان فلسفة حقوق الانسان واتجاهاتها لا تختلف او تتناقض مع هذه المصلحة من حيث الهدف ولا يمكن ان تكون متجهة باتجاه مضاد لها. حيث ان هذه الفلسفة تهدف الى بناء المجتمعات الانسانية من خلال حماية حقوق الافراد فيها ولا تتجه من خلال ذلك الى هدم هذه المجتمعات او الاضرار بها . لذلك نجد ان هناك اقراراً من القانون الدولي لحقوق الانسان بضرورة وجود التقييد ولكن في ظروف معينة وضمن ضوابط وشروط معينة تضمن ان يكون هذا التقييد فعلا للمصلحة العامة وبالتالي عدم مخالفة مبادئ حقوق الانسان ، التي وجدت اصلا لمصلحة  المجتمعات الانسانية ، ونقول لمصلحة  هذه المجتمعات بحسب المصالح الحقيقية لمجموع الافراد في كل مجتمع وليس بحسب مصالح السلطات الحالية في هذه المجتمعات فحسب ، حيث قد نجد ان هناك اعتبارات او اسباباً معينة قد ترى السلطة ان هناك ضرورة لحمايتها بحسب وجهة نظرها ومصلحتها ومن ثم تفسرها على انها من المصالح العليا او العامة للدولة ، ومن ثم تذهب الى ضرورة تقييد حقوق الانسان تحقيقاً لهذه المصالح ، في حين ان الحقيقة قد تفيد بان مثل تلك الاعتبارات قد تكون ضرورية ومهمة لمصلحة السلطة فحسب وليس لمصلحة المجتمع ككل او بتعبير قانوني دقيق (لمصلحة الدولة ككل) . ولكن كيف يمكن ان نميز بين ما هو من مصلحة المجتمع او الدولة ككل وبين ما هو من مصلحة السلطة فحسب ، في ظل تنظيم قانوني للتقييد يقوم على اساس اعطاء الدولة (السلطة) امكانية الادعاء بوجود ضرورات تقتضي التقييد ، وبالتالي كيف يمكن ان نميز بين الضرورات الحقيقية النابعة من مصلحة المجتمع  والمتفقة مع حقوق الانسان وتلك المتعلقة بمصالح السلطة فحسب والتي قد تكون على حساب مصلحة المجتمع وبالتالي تكون مخالفة لحقوق الانسان ؟
ان التدقيق في الاحكام والمبادئ التي جاء بها القانون الدولي لحقوق الانسان يقودنا الى التوصل الى الاجابة على ما تقدم، حيث نجد انه يعترف بالضرورات والاعتبارات التي تتمسك بها الدول وتكيفها على انها تمس المصلحة  العام عندما نكون امام مجتمع ديمقراطي ، حيث جاء في نص الفقرة الثانية من المادة (9) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان (لا يخضع الفرد في ممارسته لحقوقه وحرياته الا لتلك القيود التي يقررها القانون فقط لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات المحددة للنظام العام والمصلحة العامة والاخلاق في مجتمع ديمقراطي) . كما قد تمت الاشارة الى ذات الفكرة في الشطر الاخير من المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث جاء فيها (تقرر الدول الاطراف في العهد الحالي بانه يجوز للدولة في مجال التمتع بالحقوق التي تؤمنها تمشيا مع العهد الحالي ، ان تخضع هذه الحقوق للقيود المقررة في القانون فقط والى المدى الذي يتمشى مع طبيعة هذه الحقوق فقط ولغايات تعزيز الرفاء العام في مجتمع ديمقراطي فقط) ، حيث تبين هذه النصوص ان الاجازة الممنوحة للدول للتقييد تكون نافذة عندما يكون مجتمعها ديمقراطياً وبالتالي فان ما تدعيه الدولة من وجود لضرورات التقيد يفترض به ان يكون حقيقيا ومعبرا عن الجماعة ومصالح الدولة ككل ما دام المجتمع الذي ينطلق منه هذا الادعاء مجتمعا ديمقراطيا حيث تكون السلطة معبرة عن ارادة وحاجات المجتمع ككل .
واذا علمنا انه يكون للسلطة ان توجد قيوداً على حقوق الانسان ، ويكون ذلك بعيدا عن المحاذير والمخاطر سابقة الذكر والمتعلقة بإعاقة تطبيق حقوق الانسان ، اذا كان ذلك ضمن الضوابط والشروط القانونية المقررة لذلك وفي ظل مجتمع ديمقراطي تعبر السلطة فيه حقيقيا عن المصالح العامة للدولة ، فالسؤال الذي يثار هنا هو بصدد كيفية ضمان الابتعاد عن المخاطر المتولدة في حالة انحراف تقدير السلطة وخروجها عن مفهوم المصلحة العامة ؟
لقد اوردنا فيما تقدم الوضع الذي تتوافر فيه الضمانة الهيكلية لصحة التقييد والتي تمثلت بوجود مجتمع ديمقراطي ، ولكن ما هو الضمان لوجود مثل هذا المجتمع وديمومته وبالتالي عدم الخشية اصلا من التقييد على الرغم من كونه يمثل استثناءا على تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان ؟
ان ضمان الوضع القانوني والسياسي المحصن ضد احتمالات الانحراف والتعسف من قبل السلطة في استخدام استثناء التقييد يتمثل في ايجاد دستور حقيقي وفقا للمفهوم السابق الذكر لهذا الدستور والذي أطلقنا عليه تسمية الدستور الديمقراطي والذي يتفق مع حقوق الانسان بشكل عام نتيجة للتلازم بين الديمقراطية وهذه الحقوق ( [77]) بحيث يمثل الدستور اولاً الضمانة لصنع الديمقراطية وديموتها بشكل عام وثانيا انه يحتوي الضمانة القانونية الفنية لاستخدام صلاحية التقييد بشكل يتفق مع مفاهيم حقوق الانسان بشكل عام ومحتوى مفهوم الديمقراطية بشكل خاص . أي يكون الحل باختصار من خلال دسترة النظام القانوني للتقييد بشكل يتفق ومفاهيم ومبادئ حقوق الانسان والهدف الحقيقي الذي دفع الى ايجاد استثناء التقييد والذي تناولناه فيما تقدم ، ويكون الوصول الى هذه الضمانات من خلال توجيه مسيرة دعم حقوق الانسان سواء الوطنية او الدولية لتعزيز هذا الاتجاه وايجاد الاحكام الدولية الصريحة التي تتفق معه.
ثانياً - الدستور كاداة لضمان حسن التطبيق واستمراره :
علمنا مما تقدم ان دساتير الدول ووفقا لمواصفات خاصة يمكن ان تكون اداة لحل المشاكل التي تعيق تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وبشكل خاص تطبيقه عن طريق القوانين الداخلية للدول . واذا كان الامر كذلك بالنسبة إلى الدستور نظراً إلى خصوصيته كقانون والتي تكلمنا عنها فيما تقدم ، نتساءل عن صلاحيته لضمان ديمومة الحل للمشاكل السابقة وبالتالي ضمان استمرارية التطبيق للقانون الدولي لحقوق الانسان؟
علمنا في الفصل الاول من هذه الدراسة ان للدستور طبيعة موضوعية وشكلية خاصة تميزه عن بقية القوانين الداخلية ، وانه ووفقاً لهذه الطبيعة الخاصة اضحى قانوناً خاصا يتصف بانه يحمي نفسه بنفسه عن طريق ايجاد مبادئ دستورية معينة هي نتاج لخصوصيته ويؤدي تطبيقها الى تفعيل مفهوم قدسية الدستور والحيلولة دون المساس به والتلاعب باحكامه بذات الاجراءات المتبعة بالنسبة إلى القوانين العادية ، حيث ان كلاً من مبادئ سمو الدستور والرقابة على دستورية القوانين والفصل بين السلطات والرقابة على إعمال الادارة عبارة عن مبادئ دستورية من شانها ان تحقق مفهوم القدسية لدستور الدولة وتضمن التطبيق الامثل لمحتوى الدستور وتعمل على ديمومة ذلك نسبيا. ولما كان الدستور يتكون من مجموعة قواعد تنظم موضوعات معينة من موضوعاته فان خصوصية الدستور تكون بالنسبة إلى جميع القواعد التي يتكون منها ، وعلى هذا الاساس فان دسترة أي قاعدة قانونية وجعلها ضمن محتوى الدستور يعني اضفاء هذه الخصوصية عليها. ويطبق هذا الحكم بالنسبة إلى قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان التي تمت دسترتها حيث ان دسترة هذه القواعد تعني استفادتها من الحماية والضمانات المقررة للقواعد الدستورية والتي تؤدي الى ضمان افضل تطبيق لهذه القواعد وتصونها من الاعتداء عليها وانتهاكها سواء بخرقها بالسلوك المادي او التشريعي المخالف لها، وبالتالي فان هذا يعني مضاعفة الضمانات لقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان اضافة الى الضمانات الدولية المقررة لها( [78]).
وثاني خصوصية اضافية للقواعد الدولية لحقوق الانسان التي تمت دسترتها هي كون ان المبادئ الدستورية سابقة الذكر والتي تؤمن الضمان لتفعيل قدسية الدستور تعد في ذات الوقت وعند دراستها بالمقارنة مع حقوق الانسان ، مرتكزات اساسية بالنسبة لعملية إعمال هذه الحقوق بشكل عام ( [79]) الامر الذي يعني ان تفاعل هذه المبادئ مع حقيقة دسترة القواعد الدولية لحقوق الانسان سوف يعني الارتفاع بالمستوى النوعي والامتداد الزمني لعملية التطبيق لاحكام هذه القواعد وصولا الى تحقيق مفهوم حسن التطبيق لها واستمراره .
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد