صحة العقود بين المقاصد والشروط
يحكم
الفقهاء على العقود بالصحة إذا توافرت فيها الشروط الشرعية -ولبُّها
"الإيجاب والقبول"- مع بقية الشروط الأخرى، ويحكمون بالفساد على ما لم
تتوفر فيه الشروط الشرعية كالعقود المحرمة، بسبب أن النشاط التعاملي محرم،
أو لقيام العقد على الربا، أو بنائه على الغش والتدليس أو الغرر وغيرها من
مفسدات العقود، وإن توافر فيها "الإيجاب والقبول".
وطبيعة
العقود -في الإسلام- مبنية على تحقيق المصالح، أو ما يعبر عنها بالمقاصد،
ومع كون الفقهاء يرون أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ
والمباني -كما هو مقرر في قواعد الفقه- فإن كثيرا من العقود يُحكم عليها
بالصحة من خلال الألفاظ، ولو كانت تخالف المقاصد المشروعة الموضوعة لها،
وقد تكون في العقود تحقق بعض المقاصد ولكنها تخلو من الشروط الشرعية،
فيُحكم على الأولى بالصحة وعلى الثانية بالفساد، وهذا يجعلنا نعيد النظر
في الضوابط التي -من خلالها- يُحكم على العقود بالصحة أو البطلان، وهل
المقاصد -وحدها- مناط الصحة أم الألفاظ الدالة على الإيجاب والقبول
لظهورها؟ أم يمكن اعتمادهما معا، أو اعتماد كل منهما في بعض العقود دون
الآخر؟ تلك إشكالية فقهية مطروحة.
طبيعة العقود وأركانها
إن
الناظر لطبيعة العقود في الإسلام يرى أن أهم ركائزها التي تنبي عليها، بل
لا يمكن تصور العقد من دونها: مبدأ "الرضا"، أو ما يُعرب عنه الفقهاء بـ
"الإيجاب والقبول"، مع بعض الشروط الأخرى لصحة العقد، وأخرى لنفاذه، حسب
طبيعة العقود، من عقود اجتماعية كعقد الزواج، أو عقود معاملات كعقد البيع
والإجارة والمرابحة والاستصناع وغيرها من عقود المعاملات. ولهذا قال
الإمام الزركشي في تعريف العقد: "إنه ارتباط الإيجاب بالقبول الالتزامي كعقد البيع والنكاح وغيرهما"(1)، وقال الجرجاني: "العقد ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول"(2).
وجاءت
أركان العقد عند جمهور الفقهاء ثلاثة؛ عاقدان وصيغة "إيجاب وقبول" ومحل،
بخلاف الحنفية الذين يرون أن للعقد ركنًا واحدًا، وهو الصيغة من الإيجاب
والقبول، أما العاقدان والمحل، فتوابع للصيغة لا من أركانه(3).
ويختلف
مفهوم "الإيجاب والقبول" عند الحنفية عن الجمهور، فالحنفية يعتبرون
الإيجاب ممن صدر منه الكلام أولا في الطلب، والقبول ممن صدر منه الكلام
ثانيا بالموافقة، أما غير الحنفية فيرون الإيجاب يصدر ممن يملك التمليك،
والقبول ممن يصير له الملك، بعيدا عن أسبقية صدور الكلام (4).
ويركز
الفقهاء في بيان الحكم على تلك العقود بالحكم الشرعي المناسب من الصحة أو
الفساد، ويكون مرجعهم في ذلك توافر تلك الشروط التي يظهر فيها مبدأ
"الرضا"، فما دام هناك إيجاب وقبول ظاهران، وليس في العقود ما يمنع
انعقاده يفتون بحل العقد.
غير
أنه -حسب الظن- ليس كل عقد تم بإيجاب وقبول: فيه رضا؛ فقد يجري الشخص
العقد احتياجا واضطرارا، لكنه ليس براضٍ، إذ الرضا حالة نفسية تجعل المرء
مطمئنا على ما يقدم عليه من فعل، وهو ما عرفه الأحناف بأنه: "امتلاء
الاختيار، أي بلوغه نهايته، بحيث يفضي أثره إلى الظاهر من ظهور البشاشة في
الوجه، ونحوها، أو كما قال التفتازاني، وابن عابدين، والرهاوي من الحنيفة
أيضا: إن الرضا إيثار الشيء واستحسانه(5). بخلاف ما عرفه الجمهور بأنه "قصد الفعل دون أن يشوبه إكراه"(6)،
وهذا ما يمكن أن نطلق عليه اختيارا، والشارع اشترط "الرضا" في العقود
المالية، استنادا لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (7)في
حين لم يشترط الرضا في بعض التصرفات غير المالية، مثل الطلاق والنكاح
والرجعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد:
الطلاق، والنكاح، والرجعة"(،
فجعلوا الاختيار أساسا لجميع العقود، ولكن الذي يركز عليه الفقهاء هو
الإيجاب والقبول باعتباره دليلا على الرضا، وهذا أمر يحتاج إلى نوع من
المراجعة، وذلك أن الجمهور جعلوا "الإيجاب والقبول" دليل الرضا، لأن
"الرضا" حالة نفسية باطنة لا يمكن معرفتها، ولكن إذا كانت هناك دلائل على
أن الناس تختار ولا ترضى، فهل يمكن مراجعة الحكم وإفساد العقود كما يذهب
إليه الحنفية؟، وأن العقد ينعقد بالإيجاب والقبول، ولكنه لا يكون نافذا،
لخلوه من الرضا؟.
إن
صحة العقد بالإيجاب والقبول الظاهران نظرة فقهية مردها إلى إنزال النصوص
الشرعية على واقع الناس، لتكون النصوص هي الحاكمة، وهذه النظرة – في ظني –
قد تكون صالحة للأحكام الشرعية في غالبها، ولكن قد لا تصلح للإفتاء في
كثير من الأحيان، كما أن محلها هو العقائد والعبادات، وليس المعاملات،
وذلك أن مرد الفتوى هو قراءة الواقع بشيء من التفصيل تستبين معه المسألة
المفتى فيها، وما دامت المسألة ليس فيها ما يفسد العقد، فيحكم عليه بحله،
إذ الأصل في العقود الإباحة؛ لأنها جزء من المعاملات، بخلاف العبادات التي
يكون الأصل فيها هو التحريم، والفارق بين العبادات والمعاملات في منهج
الإفتاء واضح، فالعبادات حق لله تعالى، ولله أن يتعبدنا بما يشاء، فهي
تطبيق عملي للإيمان والعقيدة الصحيحة، أما المعاملات فبناؤها على مصالح
العباد، وتلك المصالح متنوعة ومتغيرة عبر الأزمنة والبيئات المتباينة،
ولهذا، فإنه من الزعم الخاطئ أن نقول: إن الإسلام نظم للناس معاملاتهم،
بما تعني كلمة التنظيم من الوصول إلى "أنموذج التعامل" ووضعه في إطار
وهيكل محبوس، بل ما نفهمه من الشريعة أن للناس أن تتعايش فيما بينها، وأن
تتعامل بأشكال متعددة ومتنوعة، غير أن هناك خطوطا حُمرًا لا يجوز تعديها،
أو ما يمكن أن يطلق عليه بـ"الحرية المنضبطة"، فالأرض باتساعها وطولها
وعرضها لها نهاية، ولها حدود، غير أن مساحة الوسع في مربع الأرض يكاد يجعل
الحدود بـ"لا حدود".
ضرورة النظر لمقاصد العقود
وإن
كان عدم توافر الشروط في العقد يجعله فاسدًا لا يحل التعامل به، أو باطلا،
أو يجعل الشرط فاسدًا مع صحة العقد في بعض الأحايين، فإن من أخوف ما يفتي
به النظر إلى صحة الشروط وحدها، دون النظر إلى مقاصد العقود، وهي شيء
معتبر في صحة العقد، كما قال الشاطبي: "فالعمل إذا تعلق به القصد تعلقت به
الأحكام التكليفية، وإذا عري عن القصد لم يتعلق به شيء منها. فلو فرضنا
العمل مع عدم الاختيار كالملجأ، والنائم والمجنون. فلا يتعلق بأفعالهم
مقتضى الأدلة، فليس هذا النمط بمقصود للشارع، فبقي ما كان مفعولا
بالاختيار لا بد فيه من قصد"(9)...
إن
غياب المقاصد المرجوة من العقود مع توافر شروط الصحة تولد أزمة فقهية
حقيقية، بين أن تكون العقود مجرد شيء صوري يمرر لأجل إخماد الضمير من
التأثم، أو أن نجعل التطبيق الشرعي في مأزق أمام الناس، مما يدفعهم إلى
إماتة الضمير؛ لأن العقد الشرعي توافرت شروطه غير أنه لم يحقق المصلحة
المرجوة منه، ولا المقصد الشرعي فيه، فيتخطى الناس – ساعتها- الشرع باحثين
عن تحقيق المقاصد الدنيوية من العقد، ولو مع مخالفات شرعية تتمثل في غياب
بعض الشروط التي استنبطها العلماء من آلة الاجتهاد الفقهي.
ففي
مجال الحياة الزوجية مثلا، نرى في زواج الأصدقاء، أو ما يعرف بـ "زواج
فريند" توافر الشروط الشرعية من الإيجاب والقبول والولي والمهر والشهود،
بل مع توافر الواجبات التي تلحق بالشروط من الإشهار والتوثيق، فإذا نظر
الفقهاء إلى شروط العقد وجدوها متوافرة، ولم يمكنهم - حسب فقه العقود - أن
يحكموا عليه بالبطلان أو الفساد، فالعقد صحيح، غير أن القول بإباحة مثل
هذا النوع من الزواج يجعلنا – عند التمحيص والتدقيق- نوجد مخرجا لـ
"شرعنة" العلاقات الجنسية بين الجنسين ليس إلا، فإن كانت العلاقة الجنسية
بينهم محرمة لأجل أنه ليس هناك عقد زواج بينهما، ففي مثل هذا العقد "زواج
فريند" مخرج لإباحة العلاقة التي منشؤها تحويل العلاقة الجنسية من علاقة
محرمة إلى علاقة مباحة، وهو يصب – بناء على فقه المقاصد والمآلات- في أن
يكون مقصد الزواج منحصرا في تلك العلاقة الجنسية بين الجنسين، متناسيا في
ذات الوقت المقاصد الأخرى من الزواج، فالسكن غير متوافر بشكل كلي، وهو أحد
مقاصد الزواج كما عبر عنه القرآن (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ
مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(10)،
ففرق بين من يبيت مع امرأة حين تجيئه شهوته، وبين قيام أسرة تحت سقف واحد،
يتقاسم فيها الزوجان تخطيط حياتهما ويشتركان معا في توجيه دفة الحياة.
كما
أن تحقق مقصد "النسل" من إنجاب الذرية سيحوطه كثير من الصعوبات، إذ كيف
يتربى الأولاد بعد إنجابهم، و"النسل" مقصد شرعي للزواج كما قال تعالى:
(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ
مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)(11)، وكما قال: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ)(12)،
وغيرها من الآيات التي تجعل النسل أحد مقاصد الزواج، وليس إنجاب الأبناء
هو المقصد في ذاته، فهناك مقصد أعلى منه، وهو تربية هذا النشء تربية
صالحة، وتوفير مسكن لهم، حتى يعيشوا حياة طبيعة، لتأثير ذلك على حياتهم
وسلوكهم وتفكيرهم، وغير ذلك من المقاصد الغائبة في مثل هذا النوع من
الزواج.
وإن
كان كثير من الفقهاء لا يجد حرجا من الإفتاء بصحة الزواج في هذه الحالة،
فإنه يجب علينا أن ننظر إلى مآل الفتوى، لنخرج بالحكم الشرعي للمسألة،
ويبقى الاختلاف في الفتوى مرتبطا بالزمان والمكان والأحوال والأشخاص.
وقد
تكون هذه المسألة بخلاف نوع آخر من الزواج المعاصر، وهو ما يعرف بـ"زواج
المسيار"، فتتنازل المرأة عن بعض حقوقها، ولا يتنافى هذا مع تحقيق مقاصد
الزواج، فإن القول بإباحته كحكم، هو ما يغلب على الظن القول به، وتبقى
أيضا خصوصية الفتوى، فتنازل المرأة عن بعض مهرها، أو بعض أيام لها، لا
يؤثر على تحقيق المقاصد مع توافر الشروط، وهنا يكون القول بالإباحة محققا
للمقصد وحلا لكثير من مشكلات العنوسة التي كادت تخنق العالم الإسلامي بتلك
الملايين التي يعجز الناس عن إيجاد حل عملي لها.
ولهذا
حرم فقهاء السنة زواج المتعة، مع توافر شروطه من الإيجاب والقبول والولي
والمهر والشهود، ولكنه حرم لغياب مقصد الزواج من الاستقرار في الحياة
الزوجية، بل اشتراط عدم استمرارها، والبحث عن علة حرمة هذا النكاح مبناها
على فقه مقاصد العقد.
وفي
مجال المعاملات تتضح مشكلة "شرعنة" العقود، والبعد عن المقاصد بشكل أكبر،
ففي الوقت الذي تتعامل فيه البنوك الربوية بشكل أكثر تيسيرا للعملاء، ويجد
الناس أنهم أميل لتلك المعاملات القائمة على التيسير في الشروط، وانخفاض
نسبة الأرباح، مع خلو العقود من بعض شروط الصحة، يلاحظ – في الوقت ذاته -
صعوبة الشروط التي تضعها البنوك الإسلامية، وتكون نسبة الأرباح فيها أعلى
من البنوك التجارية، وهنا يحدث الخلل، إما أن نوقع الناس في الحرج،
ونجبرهم باسم الشريعة على قبول معاملات البنوك الإسلامية في "المرابحة
للآمر بالشراء" وغيرها من المعاملات، ونوقعهم في حرج جاءت الشريعة في
أصلها برفعه، فنكون قد خالفنا الشريعة في مقاصدها، وإن صححنا العقود في
صورها دون جوهرها، أو أن ندفع الناس إلى ترك العقود ذات الصبغة الشرعية
شرطا، إلى العقود التي يغلب على الظن – كما هو مفتى به عند جمهور الفقهاء
مع المخالفة لهم من آخرين – أنها محرمة شرعا، وتلك المعاملات البنكية
التجارية قد تحقق مصلحة أعلى من معاملات البنوك الإسلامية، وإن لم يكن
هناك جزم بأنها تحقق مصالح الشارع في المعاملات، مع إصرارها على أن تكون
صيغة العقد فاسدة شرعا، وهو تساؤل يدعو للعجب، فخذ مثلا: بنوك الإسكان
والتعمير في عدد من الدول، تمتلك وحدات سكنية كان من الممكن لها أن تبيعها
للناس عبر عقد "البيع بالتقسيط"، ولكنها تصر على أن يدفع المشتري جزءا من
ثمن الشقة، ويقرضه البنك المبلغ المتبقي بفائدة مركبة أو بسيطة حسب ما ترى
الدولة، على عدد من السنين، وما يتبع ذلك من تراكم الفائدة عند التأخر عن
السداد، وقد كان من الممكن أن يكون بيعا بالتقسيط حيث يكون ثمن الشقة
واحدا، يدفع جزء مقدما والباقي على عدد من الشهور أو السنين، بمبلغ معين
دون أن ينص على أنه قرض.
وفي
المقابل لو أراد شخص أن يشتري سيارة من بنك إسلامي عن طريق معاملة
"المرابحة للآمر بالشراء"، فإنه يجد أن ثمن السيارة أغلى سعرا بكثير من
ثمنها عن طريق المعاملة البنكية في البنوك التجارية، وكأننا نضاعف على
الناس ثمن السلعة مقابل "شرعنة" المعاملة، وهذا يدعو إلى إعادة النظر في
طبيعة المعاملات والعقود في البنوك الإسلامية والتجارية بما يرفع الحرج عن
الناس، ويحقق المقاصد الشرعية المرجوة مع استيفاء الشروط الشرعية.
ولست
هنا بصدد تقييم لأعمال البنوك التجارية والإسلامية، ولا أن نقول بحل هذا
أو حرمة ذاك، ولكن المقصود هو طرح تلك المشكلات التي تتعلق بمصالح العباد
في معاملاتهم، عسى أن ينبري لها من الفقهاء وشيوخ الاقتصاد والاجتماع من
يطرح حلا لها، سواء أكان من خلال المجامع والمؤسسات الفقهية، أو من خلال
الأطروحات البحثية الجادة.
محدِّدات يجب مراعاتها في أحكام العقود
والمقصود
هنا أن نشهد على القضية ونثيرها، ليستكمل شيوخنا الفقهاء، أو زملاؤنا
الباحثون دراسة تلك القضية خاصة المستجدات الفقهية في مجالي الاجتماع
والاقتصاد وغيرهما.
ولكن يمكن طرح بعض المحددات في هذا المجال، ومن أهمها:
1-
إيضاح مقاصد العقود قبل الحكم عليها، وهل إذا خلا العقد من المقصد يفسد أم
يبطل؟ والعلاقة بين الانعقاد وبين الصحة والنفاذ، وعلاقة المقاصد
بالاجتهاد الفقهي أو مجرد بيان حكمة التشريع، والفرق بين مقاصد العلة
ومقاصد الحكمة.
2- التفريق بين الحكم الشرعي للعقد وما يتبعه من الحكم بالإثم والحرمة مع التصحيح، أو الحكم بانعقاده مع فساده.
3-
التفريق بين الاختيار والرضا في العقود، وما يترتب عليه من حكم شرعي، كما
ذهب الحنفية إلى أن العقود المالية - مثل البيع والإجارة - فالمشترط فيها
الاختيار عندهم للانعقاد، واشترط لصحتها الرضا، فإذا تحققا في التصرف كان
صحيحا ومنعقدا -مع توفر الشروط الأخرى- وإذا انعدم الاختيار انعدم العقد
وأصبح باطلا، وأما إذا وجد الاختيار وانعدم الرضا فإن العقد يكون فاسدا.
4-
تفعيل القواعد الخاصة بالمعاملات، ومن أهمها قاعدة لها علاقة بالموضوع،
وهي: "العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني". ويقصد
بها "أنه عند حصول لعقد لا ينظر للألفاظ التي يستعملها العاقدان حين
العقد، بل ينظر إلى مقاصدهم الحقيقية من الكلام الذي يلفظ به حين العقد؛
لأن المقصود الحقيقي هو المعنى وليس اللفظ، ولا الصيغة المستعملة، وما
الألفاظ إلا قوالب للمعاني"(13).
وغيرها من القواعد المتعلقة بالمعاملات، مثل: "يغتفر في الوسائل ما لا
يغتفر في المقاصد"، و"الرضا بالشيء رضا بما يتولد منه"، و"إذا اجتمع
الحلال والحرام غلب الحرام"، والإفادة من القواعد الكلية الخمسة الشهيرة:
"الأمور بمقاصدها"، و"اليقين لا يزول بالشك"، و"المشقة تجلب التيسير"،
و"الضرر يزال"، و"العادة محكمة"، وغير ذلك من القواعد، وأن تكون أساسًا
للاجتهاد الفقهي في المستجدات.