الطعن رقم 506 لسنة 59 بتاريخ 03/04/1989
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من .... (طاعن) (2) ......... (3) ......... (طاعن) (4)......... بأنهم المتهمان الأول والثاني: بصفتهما موظفين عموميين (الأول سائق والثاني تباع بشركة ......... إحدى شركات القطاع العام) اختلسا البضائع المبينة بالأوراق والمملوكة لـ .... والموضوعة تحت يد الشركة سالفة الذكر والبالغ قيمتها أربعة آلاف جنيه والمسلمة إليهما بسبب وظيفتهما. المتهمان الثالث والرابع: بصفتهما موظفين عموميين الأول سائق والثاني تباع بشركة .... إحدى وحدات القطاع العام اشتركا بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهمين الأول والثاني على ارتكاب جريمة الاختلاس سالفة الذكرر بأن اتفقا معهما على ذلك وساعدهما بأن قاما بنقل البضائع موضوع التهمة الأولى بسيارة الشركة إلى حيث قام المتم الثالث ببيعها إلى ....... فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة.
المتهمون جميعاً: هربوا البضائع سالفة الذكر بأن أخفوها عن رجال الجمارك وأخرجوها من الدائرة الجمركية بدون الرسوم المستحقة عليها. وأحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
ومحكمة أمن الدولة العليا بالإسكندرية قضت عملاً بالمواد 40/2، 3، 41، 112/1، 118، 119/ب، 119 مكررا/هـ من قانون العقوبات والمواد 5/1-3، 121، 122، 124 مكرر من القانون رقم 66 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 75 لسنة 1980 مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمهما متضامنين والآخرين بمبلغ أربعة آلاف جنيه وإلزامهما متضامنين والآخرين سالفي الذكر برد مبلغ مساو للغرامة المحكوم بها وعزلهما من وظيفتهما وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لمصلحة الجمارك على سبيل التعويض مبلغا وقدره ستة آلاف وتسعمائة وسبعة وأربعين جنيها ومائتين وخمسة عشرة مليماً.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ
المحكمة
أولا: الطعن المقدم من الطاعن الأول:
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجناية الاختلاس قد انطوى على الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والتناقض والقصور في التسبيب والبطلان ذلك أنه عول في إدانته على أقوال العقيد..... بعد إذ أسند إليه قولا بأن الجناة تعاملوا القفل بطريقة فنية وهو ما لم يشهد به, وقولا آخر بأن أمين المخزن تشكك في سلامة الأختام حال أن هذا الأخير قرر بأن الشك لم يثر لديه بالنسبة لتلك الأختام, هذا إلى أن الحاوية التي كانت البضاعة المختلسة بداخلها سلمت إلى أمين المخزن وقفلها وأختامها سليمة ولا يتصور عبثا بها, كما أن محضري الجرد وفق الأختام لم يرد بأيهما أية إشارة إلى كسر القفل أو نزع الأختام أو التعامل معها بطريقة فنية أو غير فنية, كما أن الحكم المطعون فيه ألزمه وباقي المحكوم عليهم رد قيمة البضائع المختلسة رغم ضبط جزء كبير منها وردها وأن ما جرى به منطوقه يخالف ما جاء بأسبابه خاصا بما انتهى في قضائه إلى رده, هذا فضلا عن إنه لم يبين أركان جريمة التهريب الجمركي والأدلة على ثبوتها في حق الطاعن وصفة من طلب تحريك الدعوى الجنائية, كما أن إجراءات الضبط والاستدلال والتحقيق اتخذت قبل صدور هذا الطلب من مصلحة الجمارك, كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها استمدها من أقوال شهود الإثبات والمحكوم عليهما الثاني والرابع بمحضر الضبط والطاعن الثاني بالتحقيقات وكتاب المستودعات وصور الحركة اليومية للنقل بالملاحق الخارجية وأوراق الإفراج الجمركي وتعرف المستورد على المضبوطات - لما كان ذلك, وكان من المقرر أن الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم هو الذي فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها, وكان ما يثيره الطاعن من خطأ في الإسناد فيما قرر الضابط....... بشأن طريقة فتح قفل الحاوية, فإنه بفرض وقوع الحكم في هذا الخطأ فإنه ورد بشأن أقوال لم تكن قوام جوهر الواقعة التي اعتنقها ولا أثر له في منطق الحكم واستدلاله على أن المتهمين كسروا قفل الحاوية الجاري نقلها للنوبارية والخاتم الجمركي الرصاص لتلك الحاوية واختلسوا جزءا من مشمولها وباشروا نقله إلى سيارة الطاعن الثاني ثم قام الطاعن والمحكوم عليه الثاني بتسليم الحاوية إلى الموظف المختص بحالة ظاهرية سليمة دون أن يفطن لما أصاب قفلها وخاتمها الرصاص من عبث, ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد. وإذ كان الحكم يسند إلى الضابط المذكور قولا بأن أمين المخزن تشكك في سلامة الأختام فإن ما يثيره الطاعن بأسباب طعنه من نعي بهذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصولها في الأوراق كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فلمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي ثبتت لديها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى, ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بأن الحاوية سلمت لأمين المخزن وقفلها وأختامها سليمة وأنه لا يتصور تمكن الجناة من فتحها ثم إعادتها إلى الحالة التي كانت عليها من قبل وأن الثابت من محضري الجرد وفض الأختام سلامة قفل وأختام الحاوية كل ذلك, لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
ولا تثريب على المحكمة إذ هي لم تأبه لقالة الطاعن في هذا الصدد, بعد اطمئنانها لأدلة الثبوت في الدعوى وهي غير ملزمة - من - بعد - بالرد صراحة على دفاع المتهم الموضوعي ما دام الرد عليه مستفادا ضمنا من قضائها بإدانته استنادا إلى أدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها. لما كان ذلك وكان من المقرر أن جزاء الرد يدور مع موجبه من بقاء المال في ذمة المتهم باختلاسه حتى الحكم عليه, وأن الرد في جميع صوره لم يشرع للعقاب أو الزجر إنما قصد به إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل الجريمة, فإنه ولما كان الثابت من مدونات الحكم, فيما لا يماري الطاعن في صحته وأن له أصله في الأوراق. أن الطاعنين والمحكوم عليهما الآخرين باعوا البضاعة المختلسة واقتسموا ثمنها فيما بينهم وقد تم ضبط جزء من هذه البضاعة لدى المشترين, وكان البين أنه لم يسند إلى هؤلاء المشترين ثمة اتهام ولم يقدموا للمحاكمة الجنائية في هذا الخصوص- وهو ما قد يثير تطبيق المادتين 976, 977 من القانون المدني في شأن حماية حقوق الغير حسن النية وما قد يترتب على ذلك من استردادهم تلك البضاعة المضبوطة بما يؤدي إلى إفلات الجناة من إنزال عقوبة الرد عليهم وإعفائهم منها على خلاف المقرر من أنه لا إعفاء من العقوبة بغير نص, وإذ كان الطاعن وباقي المحكوم عليهم لم يدع أحدهم أنه سدد قيمة البضاعة المختلسة أو تلك التي تم ضبطها من ماله أورد ما اقتضاه ثمنا لبيعها, فقد ظلت قيمة البضاعة المختلسة جميعها - بما فيها قيمة ما تم ضبطه منها - في ذمة المتهمين حتى تاريخ الحكم عليهم, وهو لا يعيد الحالة إلى ما كانت عليه الجريمة, فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون إذ ألزمهم في منطوقه برد مبلغ مساو للغرامة المحكوم بها مساوية لقيمة ما اختلسوه عملا بالمادة 118 من قانون العقوبات, وفي القول بغير ذلك ما يجعل عقوبة الرد قد وقعت ونفذت ضد آخرين غير المتهمين لم يسند إليهم ثمة اتهام في الدعوى ولم يقدموا للمحاكمة الجنائية فيها وهي نتيجة يأباها العقل والمنطق والقانون لما هو مقرر من إنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص, ويضحى ما يثيره الطاعن بشأن رد جزء كبير من البضاعة المختلسة على غير سند ولا يغير من ذلك أن ما جرى به منطوق الحكم يغاير ما جاء بالأسباب بشأن الرد لما هو مقرر في القانون من أن حجية الشيء فيه لا ترد إلا على منطوق الحكم ولا يمتد أثرها إليه لأسبابه إلا ما كان منها مكملا للمنطوق, فإن ما تحدث به الحكم عن استنزال قيمة الفوانيس المضبوطة من مبلغ الأربعة آلاف جنيه التي ألزمت المتهمين بردها في منطوق الحكم لا يكون له من أثر لمخالفته للمنطوق الذي التزم صحيح القانون في هذه المسألة مع ما سلف البيان في هذا الصدد غير مقبول. لما كان ذلك, كانت المادة 32 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه "إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها, فقد دلت بصريح عبارتها على إنه في الحالة التي يكون فيها للفعل الواحد عدة أوصاف, يجب اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف أو التكييف القانوني الأشد للفعل والحكم بعقوبتها وحدها دون غيرها من الجرائم التي قد تتمخض عنها الأوصاف الأخف والتي لا قيام لها البتة مع قيام الجريمة ذات الوصف الأشد إذ يعتبر الجاني كأن لم يرتكب غير هذه الجريمة الأخيرة.
وذلك على خلاف حالة التعدد الحقيقي للجرائم المرتبطة بعضها ببعض بحيث لا تقبل التجزئة التي اختصت بها الفقرة التالية من المادة 32 سالفة الذكر, إذ لا أثر لاستبعاد العقوبات الأصلية للجرائم الأخف في وجوب الحكم بالعقوبات التكميلية المتعلقة بهذه الجرائم ضرورة أن العقوبة التكميلية إنما تتعلق بطبيعة الجريمة ذاتها لا بعقوبتها. لما كان ذلك, وكان الفعل الذي قارفه الطاعن وباقي المحكوم عليهم بتداوله وصفان قانونيان, اختلاس بضائع مملوكة لإحدى وحدات القطاع العام.
وتهريب هذه البضائع بإدخالها إلى البلاد وتعمد إخفائها بقصد التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة عليها, إذ ان فعل اختلاس المتهمين لهذه البضائع يتحقق به الركن المادي لكل من جريمتي الاختلاس المؤثمة بالمادة 112 من قانون العقوبات وتهريبها المؤثمة بالمادة 121 من قانون الجمارك, وهو ما يقتضي إعمال نص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات والاعتداد فحسب بالجريمة ذات العقوبة الأشد - وهي جريمة الاختلاس والحكم بالعقوبة المقررة لها بموجب المادتين 112, 118 من قانون العقوبات, دون العقوبات المقررة لجريمة التهريب الجمركي بموجب المادة 122 من قانون الجمارك المار ذكره - أصلية كانت أم تكميلية, فإن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر وأوقع على المحكوم عليهم بالإضافة إلى العقوبة الأصلية المقررة لجريمتي الاختلاس والاشتراك فيه, العقوبة التكميلية المقررة لجريمة التهريب الجمركي فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب تصحيحه بإلغاء ما قضى به من عقوبة تكميلية وذلك عملا بالفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض التي تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذ تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله - كما في الدعوى الراهنة - ومن ثم تنتفي الحاجة من بعد إلى أوجه الطعن المتصلة بجريمة التهريب الجمركي لانتفاء الجدوى منه بعد استبعاد عقوبتها.
ثانيا: الطعن المقدم من الطاعن الثاني:
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجناية الاشتراك في اختلاس أموال مملوكة لإحدى وحدات القطاع العام قد شابه البطلان والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون, ذلك أن إجراءات الاستدلالات والتحقيق تمت قبل صدور الطلب الكتابي من مصلحة الجمارك, وأن الحكم عول في إدانة الطاعن على محضر ضبط الواقعة رغم بطلان القبض والتفتيش والاستجواب لأن الجريمة لم تكن متلبسا بها ولم يستصدر مأمور الضبط القضائي إذنا بذلك من النيابة العامة بالضبط, لما استندت المحكمة في الإدانة إلى ما أقر به المتهمان الثاني والرابع بمحضر الضبط في الوقت الذي أثبت فيه بطلان إجراءات الاستدلالات واستبعادها إقرار الطاعن والمتهم الأول من أدلة الإدانة وقد رد الحكم المطعون فيه على دفاع الطاعن في هذا الصدد بما لا يسوغ إذ أن مصلحته قائمة في الدفع ببطلان إقرارات المتهمين الآخرين بمحضر الضبط, هذا إلى أن الوقائع كما أثبتها الحكم تفيد التقاء الطاعن بالمتهم الأول مصادفة فينتفي عنه قصد الاشتراك, كما أخطأ الحكم إذ قضى بعزله عزلا غير محدد المدة في مقام كان يقتضي توقيت العزل عملا بالمادة 26 من قانون العقوبات كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأدلة الثبوت فيها ومؤداها عرض لما دفع به الطاعن من بطلان محضر ضبط الواقعة وما تضمنه من اعترافات منسوبة إليه ولم عداه من المتهمين بقوله "إن الدفع ببطلان الإجراء ليس إلا دفعا نسبيا يقتصر على الإجراء الذي جاء معيبا بمخالفة القانون وبوشر في حق من يتمسك ببطلانه دون من عداه, وإذ صح وأن....... قبض عليه بغير إذن من سلطة التحقيق المختصة وفي غير حالة من حالات التلبس بما يبطل ما وقع عليه من قبض أجراه مأمور الضبط القضائي والذي لا يملكه قانونا فإن هذا القبض وحده يقع باطلا قانونا ويبطل معه كل دليل من هذا القبض الباطل أو ترتب عليه مباشرة ولا يشرع له النعي على قبض وقع على غيره أو دليل استمد من إجراء وقع على غيره أو ترتب عليه مباشرة بالبطلان على نحو ما ذهب إليه الدفاع, وإذ كانت المحكمة قد أقرت الدفاع في بطلان ما وقع على المتهمين ....... و........ من قبض واستبعدت بالتالي ما نسب لأي منهما من اعترافات بمحاضر الاستدلال فإنها تقضي برفض الدفع ببطلان ما عداها من اعترافات صدرت من متهمين آخرين ساهموا في ارتكاب الجريمة المعناه أو ما عداها, وغنى عن الذكر إنها بحكم كونها اعترافات متهمين على آخرين فمن الجائز الأخذ بها والتعويل عليها في تكوين المحكمة لعقيدتها "لما كان ذلك. وكان ما رد به الحكم على الدفع سالف الذكر سائغا وكافيا لإطراحه ذلك بأنه من المقرر طبقا لنص المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن لمأمور الضبط القضائي أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه تفصيلا وأن يثبت في محضره ما يجيب به المتهم بما في ذلك اعترافه بالتهمة ويكون هذا المحضر عنصرا من عناصر الدعوى للمحكمة أن تستند إلى ما ورد به ما دام قد عرض مع باقي أوراق الدعوى, على بساط البحث في الجلسة ولها أن تعول على ما تضمنه محضر جمع الاستدلالات من اعتراف ما دامت قد اطمأنت إليه. لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات بغير معقب ما دامت تقيمه على أسباب سائغة ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق بما في ذلك محضر الضبط متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع هذا فضلا عما هو مقرر من أنه لا صفة لغير من وقع في حقه إجراء ما في أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه لأن تحقق المصلحة في الدفع لاحق لوجود الصفة فيه, ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن من تناقض في شأن بطلان محضر جمع الاستدلالات وما تضمنه من اعترافات, وأخذ الحكم بأقوال المتهمين الثاني والرابع في حقه رغم إطراحه أقواله وأقوال الطاعن الأول بهذا المحضر يكون غير سديد وتنحل المجادلة في هذا الشأن إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما مجمله أنه قد انعقدت كلمة المتهمين الأربعة - الطاعنان وهما سائقا بشركة..... وتباعا سيارتيهما المحكوم عليهما الثاني والرابع - على اختلاس بضاعة من الحاوية الموجودة تحت يد الطاعن الأول والمحكوم عليه الثاني لنقلها من الدائرة الجمركية إلى مخازن الشركة بالنوبارية وأنه في يوم الحادث نفذوا ما اتفقوا عليه في أثر خروج الطاعن الأول ومعه تباعه المذكور بإحدى الحاويات بها قطع غيار سيارات واردة لـ........ لنقلها إلى مخازن الشركة بالنوبارية وفي الطريق توقف بسيارته والتقى بالطاعن الثاني وبصحبته تباعه آنف الذكر ونفذوا ما اتفقوا عليه وأجروا كسر قفل الحاوية والخاتم الجمركي الرصاص واختلسوا جزء من مشمولها قاموا بنقله إلى سيارة الطاعن الثاني الفارغة ثم التقوا بعد ذلك وباشروا تفريغ سيارة الأخير من البضاعة المختلسة إلى سيارة نصف نقل أعدوها لهذا الغرض وتصرفوا بالبيع في هذه البضاعة, وأورد الحكم على ثبوت الوقائع على هذا النحو في حق الطاعنين والمحكوم عليهما الآخرين أدلة من شانها أن تؤدي إلى ما رتب عليها على النحو سالف البيان وكان من المقرر أن الاشتراك بالاتفاق إنما يتحقق من اتخاذ نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه, وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية, وإذ كان القاضي الجنائي حرا في أن يستمد عقيدته من أي مصدر شاء فإن له - إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر من اعتراف أو شهادة شهود أو غيره - أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التي تقدم لديه ما دام هذا الاستدلال سائغا وله من ظروف الدعوى ما يبرره كما له أن يستنتج حصوله من فعل لاحق للجريمة يشهد به, وكان الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي في الواقع أكثر من تقابل إرادة كل من المشتركين فيه, ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين فمن الجائز عقلا وقانونا ان تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة, وكانت المحكمة قد دللت على قيام اشتراك الطاعن الثاني في ارتكاب جريمة الاختلاس من ظروف الدعوى وملابساتها, وكان تدليلها سائغا لما أوردته من أدلة وقرائن وأعمال أثبتها في حكمها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك, كانت المادة 118 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "فضلا عن العقوبات المقررة للجرائم المذكورة في المواد 112 إلى 116 يحكم على الجاني بالعزل....... وكان الطاعن قد دين بالاشتراك في الجريمة المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات وعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات دون أن تعامله بالرأفة وتقضي عليه بعقوبة الحبس ومن ثم فقد تخلف شرط تطبيق المادة 27 من قانون العقوبات لتوقيت مدة العزل, ويكون الحكم المطعون فيه إذ أوقع على الطاعن عقوبة العزل - دون توقيت مدته - قط طبق القانون تطبيقا سليما. لما كان ذلك, وكان ما يثيره الطاعن في خصوص ما حكم به عليه من غرامة في جريمة التهرب صحيحا في القانون على ما سلف بيانه لدى معالجة أسباب طعن الطاعن الأول فتجيبه إليه. لما كان ما تقدم, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعا
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من .... (طاعن) (2) ......... (3) ......... (طاعن) (4)......... بأنهم المتهمان الأول والثاني: بصفتهما موظفين عموميين (الأول سائق والثاني تباع بشركة ......... إحدى شركات القطاع العام) اختلسا البضائع المبينة بالأوراق والمملوكة لـ .... والموضوعة تحت يد الشركة سالفة الذكر والبالغ قيمتها أربعة آلاف جنيه والمسلمة إليهما بسبب وظيفتهما. المتهمان الثالث والرابع: بصفتهما موظفين عموميين الأول سائق والثاني تباع بشركة .... إحدى وحدات القطاع العام اشتركا بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهمين الأول والثاني على ارتكاب جريمة الاختلاس سالفة الذكرر بأن اتفقا معهما على ذلك وساعدهما بأن قاما بنقل البضائع موضوع التهمة الأولى بسيارة الشركة إلى حيث قام المتم الثالث ببيعها إلى ....... فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة.
المتهمون جميعاً: هربوا البضائع سالفة الذكر بأن أخفوها عن رجال الجمارك وأخرجوها من الدائرة الجمركية بدون الرسوم المستحقة عليها. وأحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
ومحكمة أمن الدولة العليا بالإسكندرية قضت عملاً بالمواد 40/2، 3، 41، 112/1، 118، 119/ب، 119 مكررا/هـ من قانون العقوبات والمواد 5/1-3، 121، 122، 124 مكرر من القانون رقم 66 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 75 لسنة 1980 مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمهما متضامنين والآخرين بمبلغ أربعة آلاف جنيه وإلزامهما متضامنين والآخرين سالفي الذكر برد مبلغ مساو للغرامة المحكوم بها وعزلهما من وظيفتهما وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لمصلحة الجمارك على سبيل التعويض مبلغا وقدره ستة آلاف وتسعمائة وسبعة وأربعين جنيها ومائتين وخمسة عشرة مليماً.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ
المحكمة
أولا: الطعن المقدم من الطاعن الأول:
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجناية الاختلاس قد انطوى على الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والتناقض والقصور في التسبيب والبطلان ذلك أنه عول في إدانته على أقوال العقيد..... بعد إذ أسند إليه قولا بأن الجناة تعاملوا القفل بطريقة فنية وهو ما لم يشهد به, وقولا آخر بأن أمين المخزن تشكك في سلامة الأختام حال أن هذا الأخير قرر بأن الشك لم يثر لديه بالنسبة لتلك الأختام, هذا إلى أن الحاوية التي كانت البضاعة المختلسة بداخلها سلمت إلى أمين المخزن وقفلها وأختامها سليمة ولا يتصور عبثا بها, كما أن محضري الجرد وفق الأختام لم يرد بأيهما أية إشارة إلى كسر القفل أو نزع الأختام أو التعامل معها بطريقة فنية أو غير فنية, كما أن الحكم المطعون فيه ألزمه وباقي المحكوم عليهم رد قيمة البضائع المختلسة رغم ضبط جزء كبير منها وردها وأن ما جرى به منطوقه يخالف ما جاء بأسبابه خاصا بما انتهى في قضائه إلى رده, هذا فضلا عن إنه لم يبين أركان جريمة التهريب الجمركي والأدلة على ثبوتها في حق الطاعن وصفة من طلب تحريك الدعوى الجنائية, كما أن إجراءات الضبط والاستدلال والتحقيق اتخذت قبل صدور هذا الطلب من مصلحة الجمارك, كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها استمدها من أقوال شهود الإثبات والمحكوم عليهما الثاني والرابع بمحضر الضبط والطاعن الثاني بالتحقيقات وكتاب المستودعات وصور الحركة اليومية للنقل بالملاحق الخارجية وأوراق الإفراج الجمركي وتعرف المستورد على المضبوطات - لما كان ذلك, وكان من المقرر أن الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم هو الذي فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها, وكان ما يثيره الطاعن من خطأ في الإسناد فيما قرر الضابط....... بشأن طريقة فتح قفل الحاوية, فإنه بفرض وقوع الحكم في هذا الخطأ فإنه ورد بشأن أقوال لم تكن قوام جوهر الواقعة التي اعتنقها ولا أثر له في منطق الحكم واستدلاله على أن المتهمين كسروا قفل الحاوية الجاري نقلها للنوبارية والخاتم الجمركي الرصاص لتلك الحاوية واختلسوا جزءا من مشمولها وباشروا نقله إلى سيارة الطاعن الثاني ثم قام الطاعن والمحكوم عليه الثاني بتسليم الحاوية إلى الموظف المختص بحالة ظاهرية سليمة دون أن يفطن لما أصاب قفلها وخاتمها الرصاص من عبث, ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد. وإذ كان الحكم يسند إلى الضابط المذكور قولا بأن أمين المخزن تشكك في سلامة الأختام فإن ما يثيره الطاعن بأسباب طعنه من نعي بهذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصولها في الأوراق كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فلمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي ثبتت لديها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى, ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بأن الحاوية سلمت لأمين المخزن وقفلها وأختامها سليمة وأنه لا يتصور تمكن الجناة من فتحها ثم إعادتها إلى الحالة التي كانت عليها من قبل وأن الثابت من محضري الجرد وفض الأختام سلامة قفل وأختام الحاوية كل ذلك, لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
ولا تثريب على المحكمة إذ هي لم تأبه لقالة الطاعن في هذا الصدد, بعد اطمئنانها لأدلة الثبوت في الدعوى وهي غير ملزمة - من - بعد - بالرد صراحة على دفاع المتهم الموضوعي ما دام الرد عليه مستفادا ضمنا من قضائها بإدانته استنادا إلى أدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها. لما كان ذلك وكان من المقرر أن جزاء الرد يدور مع موجبه من بقاء المال في ذمة المتهم باختلاسه حتى الحكم عليه, وأن الرد في جميع صوره لم يشرع للعقاب أو الزجر إنما قصد به إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل الجريمة, فإنه ولما كان الثابت من مدونات الحكم, فيما لا يماري الطاعن في صحته وأن له أصله في الأوراق. أن الطاعنين والمحكوم عليهما الآخرين باعوا البضاعة المختلسة واقتسموا ثمنها فيما بينهم وقد تم ضبط جزء من هذه البضاعة لدى المشترين, وكان البين أنه لم يسند إلى هؤلاء المشترين ثمة اتهام ولم يقدموا للمحاكمة الجنائية في هذا الخصوص- وهو ما قد يثير تطبيق المادتين 976, 977 من القانون المدني في شأن حماية حقوق الغير حسن النية وما قد يترتب على ذلك من استردادهم تلك البضاعة المضبوطة بما يؤدي إلى إفلات الجناة من إنزال عقوبة الرد عليهم وإعفائهم منها على خلاف المقرر من أنه لا إعفاء من العقوبة بغير نص, وإذ كان الطاعن وباقي المحكوم عليهم لم يدع أحدهم أنه سدد قيمة البضاعة المختلسة أو تلك التي تم ضبطها من ماله أورد ما اقتضاه ثمنا لبيعها, فقد ظلت قيمة البضاعة المختلسة جميعها - بما فيها قيمة ما تم ضبطه منها - في ذمة المتهمين حتى تاريخ الحكم عليهم, وهو لا يعيد الحالة إلى ما كانت عليه الجريمة, فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون إذ ألزمهم في منطوقه برد مبلغ مساو للغرامة المحكوم بها مساوية لقيمة ما اختلسوه عملا بالمادة 118 من قانون العقوبات, وفي القول بغير ذلك ما يجعل عقوبة الرد قد وقعت ونفذت ضد آخرين غير المتهمين لم يسند إليهم ثمة اتهام في الدعوى ولم يقدموا للمحاكمة الجنائية فيها وهي نتيجة يأباها العقل والمنطق والقانون لما هو مقرر من إنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص, ويضحى ما يثيره الطاعن بشأن رد جزء كبير من البضاعة المختلسة على غير سند ولا يغير من ذلك أن ما جرى به منطوق الحكم يغاير ما جاء بالأسباب بشأن الرد لما هو مقرر في القانون من أن حجية الشيء فيه لا ترد إلا على منطوق الحكم ولا يمتد أثرها إليه لأسبابه إلا ما كان منها مكملا للمنطوق, فإن ما تحدث به الحكم عن استنزال قيمة الفوانيس المضبوطة من مبلغ الأربعة آلاف جنيه التي ألزمت المتهمين بردها في منطوق الحكم لا يكون له من أثر لمخالفته للمنطوق الذي التزم صحيح القانون في هذه المسألة مع ما سلف البيان في هذا الصدد غير مقبول. لما كان ذلك, كانت المادة 32 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه "إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها, فقد دلت بصريح عبارتها على إنه في الحالة التي يكون فيها للفعل الواحد عدة أوصاف, يجب اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف أو التكييف القانوني الأشد للفعل والحكم بعقوبتها وحدها دون غيرها من الجرائم التي قد تتمخض عنها الأوصاف الأخف والتي لا قيام لها البتة مع قيام الجريمة ذات الوصف الأشد إذ يعتبر الجاني كأن لم يرتكب غير هذه الجريمة الأخيرة.
وذلك على خلاف حالة التعدد الحقيقي للجرائم المرتبطة بعضها ببعض بحيث لا تقبل التجزئة التي اختصت بها الفقرة التالية من المادة 32 سالفة الذكر, إذ لا أثر لاستبعاد العقوبات الأصلية للجرائم الأخف في وجوب الحكم بالعقوبات التكميلية المتعلقة بهذه الجرائم ضرورة أن العقوبة التكميلية إنما تتعلق بطبيعة الجريمة ذاتها لا بعقوبتها. لما كان ذلك, وكان الفعل الذي قارفه الطاعن وباقي المحكوم عليهم بتداوله وصفان قانونيان, اختلاس بضائع مملوكة لإحدى وحدات القطاع العام.
وتهريب هذه البضائع بإدخالها إلى البلاد وتعمد إخفائها بقصد التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة عليها, إذ ان فعل اختلاس المتهمين لهذه البضائع يتحقق به الركن المادي لكل من جريمتي الاختلاس المؤثمة بالمادة 112 من قانون العقوبات وتهريبها المؤثمة بالمادة 121 من قانون الجمارك, وهو ما يقتضي إعمال نص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات والاعتداد فحسب بالجريمة ذات العقوبة الأشد - وهي جريمة الاختلاس والحكم بالعقوبة المقررة لها بموجب المادتين 112, 118 من قانون العقوبات, دون العقوبات المقررة لجريمة التهريب الجمركي بموجب المادة 122 من قانون الجمارك المار ذكره - أصلية كانت أم تكميلية, فإن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر وأوقع على المحكوم عليهم بالإضافة إلى العقوبة الأصلية المقررة لجريمتي الاختلاس والاشتراك فيه, العقوبة التكميلية المقررة لجريمة التهريب الجمركي فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب تصحيحه بإلغاء ما قضى به من عقوبة تكميلية وذلك عملا بالفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض التي تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذ تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله - كما في الدعوى الراهنة - ومن ثم تنتفي الحاجة من بعد إلى أوجه الطعن المتصلة بجريمة التهريب الجمركي لانتفاء الجدوى منه بعد استبعاد عقوبتها.
ثانيا: الطعن المقدم من الطاعن الثاني:
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثاني هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجناية الاشتراك في اختلاس أموال مملوكة لإحدى وحدات القطاع العام قد شابه البطلان والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون, ذلك أن إجراءات الاستدلالات والتحقيق تمت قبل صدور الطلب الكتابي من مصلحة الجمارك, وأن الحكم عول في إدانة الطاعن على محضر ضبط الواقعة رغم بطلان القبض والتفتيش والاستجواب لأن الجريمة لم تكن متلبسا بها ولم يستصدر مأمور الضبط القضائي إذنا بذلك من النيابة العامة بالضبط, لما استندت المحكمة في الإدانة إلى ما أقر به المتهمان الثاني والرابع بمحضر الضبط في الوقت الذي أثبت فيه بطلان إجراءات الاستدلالات واستبعادها إقرار الطاعن والمتهم الأول من أدلة الإدانة وقد رد الحكم المطعون فيه على دفاع الطاعن في هذا الصدد بما لا يسوغ إذ أن مصلحته قائمة في الدفع ببطلان إقرارات المتهمين الآخرين بمحضر الضبط, هذا إلى أن الوقائع كما أثبتها الحكم تفيد التقاء الطاعن بالمتهم الأول مصادفة فينتفي عنه قصد الاشتراك, كما أخطأ الحكم إذ قضى بعزله عزلا غير محدد المدة في مقام كان يقتضي توقيت العزل عملا بالمادة 26 من قانون العقوبات كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأدلة الثبوت فيها ومؤداها عرض لما دفع به الطاعن من بطلان محضر ضبط الواقعة وما تضمنه من اعترافات منسوبة إليه ولم عداه من المتهمين بقوله "إن الدفع ببطلان الإجراء ليس إلا دفعا نسبيا يقتصر على الإجراء الذي جاء معيبا بمخالفة القانون وبوشر في حق من يتمسك ببطلانه دون من عداه, وإذ صح وأن....... قبض عليه بغير إذن من سلطة التحقيق المختصة وفي غير حالة من حالات التلبس بما يبطل ما وقع عليه من قبض أجراه مأمور الضبط القضائي والذي لا يملكه قانونا فإن هذا القبض وحده يقع باطلا قانونا ويبطل معه كل دليل من هذا القبض الباطل أو ترتب عليه مباشرة ولا يشرع له النعي على قبض وقع على غيره أو دليل استمد من إجراء وقع على غيره أو ترتب عليه مباشرة بالبطلان على نحو ما ذهب إليه الدفاع, وإذ كانت المحكمة قد أقرت الدفاع في بطلان ما وقع على المتهمين ....... و........ من قبض واستبعدت بالتالي ما نسب لأي منهما من اعترافات بمحاضر الاستدلال فإنها تقضي برفض الدفع ببطلان ما عداها من اعترافات صدرت من متهمين آخرين ساهموا في ارتكاب الجريمة المعناه أو ما عداها, وغنى عن الذكر إنها بحكم كونها اعترافات متهمين على آخرين فمن الجائز الأخذ بها والتعويل عليها في تكوين المحكمة لعقيدتها "لما كان ذلك. وكان ما رد به الحكم على الدفع سالف الذكر سائغا وكافيا لإطراحه ذلك بأنه من المقرر طبقا لنص المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن لمأمور الضبط القضائي أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه تفصيلا وأن يثبت في محضره ما يجيب به المتهم بما في ذلك اعترافه بالتهمة ويكون هذا المحضر عنصرا من عناصر الدعوى للمحكمة أن تستند إلى ما ورد به ما دام قد عرض مع باقي أوراق الدعوى, على بساط البحث في الجلسة ولها أن تعول على ما تضمنه محضر جمع الاستدلالات من اعتراف ما دامت قد اطمأنت إليه. لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات بغير معقب ما دامت تقيمه على أسباب سائغة ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق بما في ذلك محضر الضبط متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع هذا فضلا عما هو مقرر من أنه لا صفة لغير من وقع في حقه إجراء ما في أن يدفع ببطلانه ولو كان يستفيد منه لأن تحقق المصلحة في الدفع لاحق لوجود الصفة فيه, ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن من تناقض في شأن بطلان محضر جمع الاستدلالات وما تضمنه من اعترافات, وأخذ الحكم بأقوال المتهمين الثاني والرابع في حقه رغم إطراحه أقواله وأقوال الطاعن الأول بهذا المحضر يكون غير سديد وتنحل المجادلة في هذا الشأن إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما مجمله أنه قد انعقدت كلمة المتهمين الأربعة - الطاعنان وهما سائقا بشركة..... وتباعا سيارتيهما المحكوم عليهما الثاني والرابع - على اختلاس بضاعة من الحاوية الموجودة تحت يد الطاعن الأول والمحكوم عليه الثاني لنقلها من الدائرة الجمركية إلى مخازن الشركة بالنوبارية وأنه في يوم الحادث نفذوا ما اتفقوا عليه في أثر خروج الطاعن الأول ومعه تباعه المذكور بإحدى الحاويات بها قطع غيار سيارات واردة لـ........ لنقلها إلى مخازن الشركة بالنوبارية وفي الطريق توقف بسيارته والتقى بالطاعن الثاني وبصحبته تباعه آنف الذكر ونفذوا ما اتفقوا عليه وأجروا كسر قفل الحاوية والخاتم الجمركي الرصاص واختلسوا جزء من مشمولها قاموا بنقله إلى سيارة الطاعن الثاني الفارغة ثم التقوا بعد ذلك وباشروا تفريغ سيارة الأخير من البضاعة المختلسة إلى سيارة نصف نقل أعدوها لهذا الغرض وتصرفوا بالبيع في هذه البضاعة, وأورد الحكم على ثبوت الوقائع على هذا النحو في حق الطاعنين والمحكوم عليهما الآخرين أدلة من شانها أن تؤدي إلى ما رتب عليها على النحو سالف البيان وكان من المقرر أن الاشتراك بالاتفاق إنما يتحقق من اتخاذ نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه, وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية, وإذ كان القاضي الجنائي حرا في أن يستمد عقيدته من أي مصدر شاء فإن له - إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر من اعتراف أو شهادة شهود أو غيره - أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التي تقدم لديه ما دام هذا الاستدلال سائغا وله من ظروف الدعوى ما يبرره كما له أن يستنتج حصوله من فعل لاحق للجريمة يشهد به, وكان الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي في الواقع أكثر من تقابل إرادة كل من المشتركين فيه, ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين فمن الجائز عقلا وقانونا ان تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة, وكانت المحكمة قد دللت على قيام اشتراك الطاعن الثاني في ارتكاب جريمة الاختلاس من ظروف الدعوى وملابساتها, وكان تدليلها سائغا لما أوردته من أدلة وقرائن وأعمال أثبتها في حكمها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك, كانت المادة 118 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "فضلا عن العقوبات المقررة للجرائم المذكورة في المواد 112 إلى 116 يحكم على الجاني بالعزل....... وكان الطاعن قد دين بالاشتراك في الجريمة المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات وعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات دون أن تعامله بالرأفة وتقضي عليه بعقوبة الحبس ومن ثم فقد تخلف شرط تطبيق المادة 27 من قانون العقوبات لتوقيت مدة العزل, ويكون الحكم المطعون فيه إذ أوقع على الطاعن عقوبة العزل - دون توقيت مدته - قط طبق القانون تطبيقا سليما. لما كان ذلك, وكان ما يثيره الطاعن في خصوص ما حكم به عليه من غرامة في جريمة التهرب صحيحا في القانون على ما سلف بيانه لدى معالجة أسباب طعن الطاعن الأول فتجيبه إليه. لما كان ما تقدم, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعا