الطعن رقم 1519 لسنة 27 بتاريخ 13/05/1958
الوقائع
اتهمت نيابة أمن الدولة كلا من: 1-..............و2-..............و3.............. و4-..............و5-.............و6-.............و7-..............و8-..............و9-.............. و10-..............و11- .............. و12- .............. 13-.............. و14-..............و15-..............و16- ..............و17- ..............و18- ..............و19-..............و20-............. بأنهم في خلال عام 1951 وما يلي ذلك حتى يوم 27 أغسطس سنة 1956 بدائرة محافظتي القاهرة والإسكندرية أولا - المتهمون الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر و الحادي عشر- حصلوا في زمن حرب علي بيانات ومعلومات ووثائق تتعلق بالقوات المسلحة وتحركاتها وعتادها وعملياتها الحربية وتعتبر من أسرار الدفاع عن البلاد التي يجب لمصلحة هذا الدفاع ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها, وكان ذلك بقصد تسليمها لدولة أجنبية (بريطانيا) وقد سلموها فعلا لمأموري تلك الدولة وآخرين يعملون لمصلحتها. ثانيا- المتهمون الأول والثاني والثالث والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر تخابروا في زمن حرب مع مأموري دولة أجنبية (بريطانيا) بقصد الإضرار بمركز مصر الحربي والسياسي وذلك بأن اتصلوا بهؤلاء المأمورين وقدموا إليهم تحقيقا للغرض المذكور معلومات وبيانات تتعلق بأسرار الدفاع عن البلاد وبسياستها الداخلية والخارجية. ثالثا- المتهمون الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والسادس عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين اشتركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهمين الأول والثاني والثالث والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر في ارتكاب الجريمة المبينة بالتهمة السابقة وذلك بأن اتفقوا معهم على الإضرار بمركز مصر الحربي والسياسي وأمدوهم تحقيقا لهذا الغرض بمعلومات وبيانات تتعلق بأسرار الدفاع عن البلاد وبسياستها الداخلية و الخارجية. رابعا- المتهمون جميعا اشتركوا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب الجنايات المبينة بالتهم السابقة وهى الحصول في زمن الحرب على أسرار خاصة بالدفاع عن البلاد بقصد تسليمها للدولة الأجنبية المشار إليها وتسليمها إليها فعلا, والتخابر في زمن حرب مع مأموري دولة أجنبية وكان المتهمون الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسابع عشر المحرضين على هذا الاتفاق وقد تدخلوا هم والمتهمون الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر في إدارة حركته بقصد تنفيذ الأغراض المقصود منه. خامسا - المتهمون السادس والسابع والثامن والسادس عشر بصفتهم موظفين ومستخدمين عموميين (الأول ضابط بالقوات البحرية والثاني كاتب سجلات سلاح الصيانة والثالث مستخدم فني بإدارة الصيانة بالقوات الجوية والرابع كاتب بإدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية) قبلوا وأخذوا عطايا للإخلال بواجبات ووظائفهم ومكافأتهم على ما وقع منهم من ذلك بأن حصلوا من مأموري الدولة الأجنبية المشار إليها على مبالغ من النقود في صورة مرتبات شهرية مقابل إمدادهم ببيانات ومعلومات تتعلق بأعمال وظيفتهم ويقتضيهم واجبهم حفظها وعدم إفشاء شيء منها. سادسا - المتهمون الأول والثاني والثالث والرابع و الخامس توسطوا في ارتكاب جناية الرشوة المبينة بالتهمة السابقة بأن تحصلوا من مأموري الدولة الأجنبية المشار إليها على المبالغ التي رتبت للمتهمين السادس والسابع والثامن والسادس عشر, وقد سلموهم هذه المبالغ فعلا مقابل إخلالهم بواجبات وظائفهم ولمكافأتهم على ما وقع منهم من ذلك على الوجه السالف بيانه. وطلبت النيابة من غرفة الاتهام- بتقرير اتهام آن تحيل المتهمين المذكورين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 80 و85 ( ثانيا ) من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين من الأول إلى الحادي عشر والمادة 78/1 مكررة من نفس القانون بالنسبة للمتهمين الأول والثاني والثالث والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر والمواد 40/2-3 و 41 و 78/1 من القانون المذكور بالنسبة للمتهمين الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والسادس عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين والمادة 48/1-2-2 منه بالنسبة لجميع المتهمين والمواد 103 و104 و110 و111 منه أيضا بالنسبة للمتهمين السادس والسابع والثامن والسادس عشر والمواد 103 و104 و107 مكررا منه بالنسبة للمتهمين الأول والثاني والثالث والرابع والخامس فقررت غرفة الاتهام بتاريخ 4 مارس سنة 1957 غيابيا للمتهمين الثاني والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر وحضوريا للباقين بإحالتها إلى محكمة الجنايات لمحاكمة المتهمين طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا للمتهمين الأول والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر و الحادي عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر و العشرين وغيابيا للباقين - عملا بالمواد 80 و85/2 و78/1مكررا و48/1-2-3 و 103 و104 و 107مكررا و 32/2 و17 من قانون العقوبات للمتهمين (.............. و ..............) وبالمواد 80 و85/2 و78/1 مكررا و 40/2-3 و41 و48/1-2-3 و103 و104 و107 و107 مكررا و32/2 و13 عقوبات للمتهم (..............) وبالمواد 80 و85 و78/1مكررا و40/2-3 و41 و48/1 -2 و 103 و 104 و 110 و 111 و32/2 و17 عقوبات بالنسبة للمتهم (..............) وبالمواد 80 و85/2 و78/1مكررا و40/2-3 و41 و48/1-2 و103 و104 و110 و111 و32/2و 17 عقوبات بالنسبة للمتهم (..............) وبالمواد 80 و85/2 و 78/1مكررا و48/1-2-3 و103 و104 و107 و107مكررا و 17 و 32 عقوبات للمتهم (..............) وبالمواد 80 و85/2 و78/1 مكررا و40/2-3 و41 و 48/1-2-3 و103 و 104 و 107 و 107مكررا و32 و17 عقوبات للمتهم (.............. الشهير بـ.........) وبالمواد 80 و 85/2 و 78/1مكررا و 40/2-3 و41 و 48/1-2 و103 و104 و 110 و 111 و 32/2 و 17 عقوبات للمتهم (............) وبالمواد 78/1مكررا و 40/2-3 و 41 و 48/1-2 و 103 و 104 و 110 و 111 و 32/2 و 17 عقوبات للمتهم ( ..............) وبالمواد 78/1مكررا و 40/2-3 و 41 و 48/1-2 و 32 عقوبات للمتهمين (..............و..............و..............) وبالمادة 78/4 عقوبات للمتهم (..............) أولا - ببراءة المتهم الأول (..............) عن تهمة التوسط في الرشوة وبمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين عن باقي التهم. وثانيا - بمعاقبة المتهم الثاني (..............) بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين. وثالثا - ببراءة المتهم الثالث (..............) عن جناية التوسط في الرشوة المسندة إليه وبمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين عن باقي التهم. ورابعا - بمعاقبة المتهم الرابع ( .............. ) بالإعدام شنقا عن الجرائم الثلاث الأولى المسندة إليه وببراءته من تهمة التوسط في الرشوة - وخامسا - ببراءة المتهم الخامس (..............الشهير بـ..........) عن تهمة التوسط في الرشوة المسندة إليه وبمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين عن باقي التهم . وسادسا - بمعاقبة كل من المتهمين السادس والسابع والثامن ( ..............و..............و..............) بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهم ألفين من الجنيهات . وسابعا - ببراءة كل من المتهمين التاسع ( ..............) والعاشر ( .............. ) والحادي عشر (..............) عن التهمة الأولى المسندة إلى كل منهم, وبمعاقبة كل بالسجن لمدة خمس سنين عن التهمتين الأخريين. وثامنا - بمعاقبة المتهم السادس عشر (..............) بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشر سنة وبتغريمه ألفين من الجنيهات . وتاسعا - باعتبار ما أسند إلى المتهم التاسع عشر ( ..............) منطبقا علي المادة 78 فقرة رابعة من قانون العقوبات وبمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنين وبتغريمه مائتين من الجنيهات . عاشرا - ببراءة كل من المتهمين الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر والعشرين( ............و ............و ............. و ............و ............. و ............و ...............) مما أسند إليهم. حادي عشر- أمرت المحكمة بمصادرة جميع المبالغ المضبوطة. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض...إلخ
المحكمة
عن طعن الطاعنين "الثالث والسادس"
وحيث إن الطاعنين الثالث والسادس أقاما طعنهما على ثلاثة أوجه حاصل الأول منها أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وشاب أسبابه قصور إذ دانهما في تهمة تسليم أسرار الدفاع دون أن يفرق بين ما عبر عنه القانون بأنه سر من أسرار الدفاع وما عبر عنه بأنه في حكم أسرار الدفاع مع ما للتفرقة من أهمية بالغة إذ عقوبة تسليم سر من أسرار الدفاع هي الإعدام وفقا لنص المادة 80 من قانون العقوبات بينما عقوبة تسليم ما هو في حكم السر السجن إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب، أو الحبس إذا وقعت في زمن السلم، وقد دانهما الحكم المطعون فيه على اعتبار أن ما حصلا عليه من بيانات ومعلومات تتصل بالقوات المسلحة وسلماه إلى الأول والثاني من الطاعنين.................... ـ هو من أسرار الدفاع عن البلاد في حين أن الصحيح هو أن ما سلماه هو الذي قصد المشرع إدخاله في حكم أسرار الدفاع ـ ويقول الطاعنون شرحا لذلك، إن التفرقة بين الأسرار الحقيقة والأسرار الحكمية وردت في المادة 85 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 40 لسنة 1940 فنصت الفقرة الثانية من هذه المادة على الأسرار الحقيقية، ونصت الفقرة الثالثة على الأسرار الحكمية، وقد استبعد الحكم المطعون فيه الفقرة الثالثة المذكورة من نطاق بحثه واتجه اتجاها خاطئا في التفرقة بين نوعي الأسرار إذ قال إنه يعتبر من أسرار الدفاع كل المعلومات المتعلقة بالمجهود الحربي، وقد عددها الحكم، وقال إن المحكمة ترى من صالح الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها إلا من نيط بهم حفظها، ووجه الخطأ في ذلك أن المعلومات التي عدددها الحكم ليست مخصصة للحفظ بل هي مخصصة للاستعمال، ولم ير المشرع في القانون رقم 40 لسنة 1940 أن ما خصص للاستعمال يعتبر سرا بل رأى أنه مما يعتبر في حكم السر كما يبين من مقارنة نصوص المواد 80 و80 مكررا و80 ثالثة و85 من هذا القانون. ويقول الطاعنان إن الحكم تردى في هذا الخطأ بسبب أنه لم يكن لدى المحكمة فكرة واضحة عن أسرار الدفاع فراحت تتعرف عليها وتتصيدها من أقوال شهود غير مفوضين من وزارة الحربية للإدلاء بمعلومات ومن أقوال لرجال المخابرات مرجعهم فيها مستندات غير مقطوع بصحة ما تضمنته، وكان يتعين على المحكمة إزاء ذلك ألا تعول على شهادتهم وأقوالهم لأن مصدرها غير معول عليه. وخلص الطاعنان من ذلك إلى أن الأخبار والمعلومات التي نسب إليهما إبلاغها إلى مخدومهما، ليست في ذاتها من الأمور المخصصة للحفظ على ألا يعلم بها إلا المنوطين بحفظها، ولكنها حين تجمع وتبوب ويضاف إليها غيرها قد تؤدي إلى كشف أسرار محفوظة، فهي تدخل على هذا الاعتبار تحت نص المادة 85/3 من القانون دون أن يتأثر هذا النظر بالتشريع الذي صدر في شهر مايو سنة 1957 والذي أصبحت بمقتضاه المعلومات التي سلمها الطاعنان إلى مخدومهما من أسرار الدفاع إذ لا أثر للتشريع اللاحق على الوقائع التي سبقت صدوره.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن وقائع الدعوى التي حصلها بالنسبة لهذين الطاعنين هي أن أولهما................ (الطاعن الثالث) عميل قديم من عملاء قلم المخابرات البريطاني سبق أن استخدمه خارج الأراضي المصرية.
وفي سنة 1951 كلف قلم المخابرات المذكور.............. (الطاعن الأول) بتكوين شبكة للجاسوسية في مصر للتجسس وجمع الأخبار والأسرار العسكرية المتصلة بالقوات المسلحة وأسرار السياسة المصرية على أن يرجع في تلقي التعليمات والتوجيهات إلى موظفين معينين بالسفارة البريطانية وأن يبلغهم ما يصل إليه من معلومات فاتصل............... بـ................. عميل المخابرات البريطانية القديم لتكوين تلك الشبكة ثم اتصل هذا الأخير بولده الضابط البحري............. (الطاعن الخامس) واتصل كذلك بابن أخته................ (الطاعن السادس) وهو موظف بسلاح الصيانة وتم الاتفاق بينه وبينهما على أن يعملا معه في التجسس، كل منهما في دائرة عمله، فيقدمان له المعلومات التي يحصلان عليها لينقلها هو إلى الجانب البريطاني في مقابل أجر شهري يتقاضاه............ لحسابهما من قلم المخابرات البريطاني ثم ظهر في الميدان................ (الطاعن الثاني) بسبب ظروف اقتضت تغيب................ كما ظهر................ (المحكوم عليه غيابيا) من الجانب البريطاني وانضم إلى حلقة التجسس باقي الطاعنين وغيرهم فكان........... (الطاعن السابع) وهو كهربائي بسلاح الطيران يمد صهره................. الشهير بـ........... (الطاعن الرابع) بالمعلومات وهذا الأخير ينقلها إلى............. فينقلها بدوره إلى من استخدموه من الجانب البريطاني. وفي مساء يوم 27 من أغسطس سنة 1956 ضبط............... و........... و............... و.............. المحكوم ببراءته مجتمعين بمنزل أولهم كما ضبطت نقود وأوراق تحوي بيانات عن المرتبات التي يتقاضاها بعض أعضاء الشبكة على ما يقومون به من أعمال التجسس، وقد تحدث الحكم عن الجريمة المنصوص عليها في المادة 80 من القانون رقم 40 لسنة 1940 فقال إن عبارة أسرار الدفاع الواردة بهذه المادة فسرتها المادة 85/2 من القانون فقالت إنه يقصد بها الأشياء والوثائق والبيانات والمعلومات التي يجب في مصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها وأن السر ـ على ما جاء بالمذكرة التفسيرية للقانون ـ قد يكون واضحا وضوحا لا شك فيه بينما قد تقع حالات لا يبين فيها معنى السرية بطريقة جلية وإذ ذاك يرجع الأمر إلى تقدير المحكمة ويحسن في مثل هذه الأحوال أن تستعين المحكمة برأي السلطات ذات الشأن إذ هي اقدر من غيرها على الحكم على أهمية الوثيقة أو المعلومات التي تجرى بشأنها المحاكمة وعلى سريتها. ثم انتهى الحكم من ذلك إلى قوله إن المحكمة ترى تطبيقا لذلك "أن المقصود بأسرار الدفاع عن البلاد كل المعلومات المتصلة بالمجهود الحربي كطريقة صناعة السلاح ومواقع المصانع الحربية ومقدرتها على الإنتاج وبيان أنواع الأسلحة المزودة بها وحدات الجيش المختلفة بما في ذلك الذخائر والآلات الميكانيكية وأدواتها وقطع غيارها والبيانات المتصلة بتنقلات الجنود ومواقع المطارات والطائرات والسفن الحربية ومبلغ إعداد الطائرات الحربية والمطارات والسفن الحربية بالأدوات والآلات المختلفة كالمدافع والرادار وغيرها... كل هذا وأشباهه ترى المحكمة أن من مصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها...".
وحيث إن هذا الذي رأته المحكمة فضلا عن استناده إلى القواعد السابق بيانها وإلى أحكام المحاكم في فرنسا فإن له ما يؤيده من واقع الأوراق ففي جلسة 12 مايو سنة 1957 استمعت المحكمة إلى أقوال الشاهد البكباشي................. الضابط بإدارة المخابرات وشهد بما هو سر محظور إذاعته... ثم قدم منشورا برقم 7 أمن الوثائق وهو صادر عن رئاسة هيئة أركان حرب الجيش إدارة المخابرات وفي هذا المنشور تحديد لقيمة الوثائق ومبلغ سريتها وبالإطلاع عليه يبين أنه عدد ما هو (سري للغاية) ومن بينه أي تفاصيل متعلقة ببيان أصناف الذخائر والأسلحة والمعدات الخاصة والتفاصيل المتعلقة بالإنتاج الحربي المحلي كما عدد المنشور ما هو (سري جدا) ومن بينه تفاصيل العمليات الجارية وتحرك العمليات والمعلومات المتعلقة بالدفاع ذات الأهمية البالغة والمعلومات التي توضح حجم وشخصيات وتشكيل القوات في مناطق العمليات والأسرار الفنية كما أشار المنشور إلى ما هو (سري) ومن بينه التقارير الدورية للعمليات والإحصائيات العامة. وحيث إن هذا الذي ورد في المنشور المذكور يؤيد ما ذهبت إليه المحكمة عندما أبدت رأيها فيما يعتبر من أسرار الدفاع. وقد أحصى الحكم البيانات والمعلومات التي قام الطاعنان بنقلها وانتهى إلى أنها من أسرار الدفاع كما عرفتها المادة 85/2 في قوله "لما تدل عليه طبيعتها من أنها تكشف عن إمكانيات الأسطول الحربي المصري من حيث وحداته وأجهزته ومعداته وكفاية رجاله كما تكشف عن إمكانيات الدفاع الساحلي عن مدينة الإسكندرية وتفصح عن الاستعدادات والخطط التي أعدت لمواجهة العدوان البحري الذي كان منتظرا وقوعه والذي وقع بعد ذلك فعلا مستهدفا غزو الأراضي المصرية بحرا. كذلك بينت المستندات معلومات عن تشكيلات الجيش المصري وتوزيع قواته في المناطق والجهات وأفصحت عن عتاد الجيش ومهماته وإمكانيات الأجهزة المعدة لصيانتها وتوزيعها ثم عينت مواقع المصانع الحربية وبعض المطارات والمنشآت العسكرية المستحدثة بناحيتي "بير الحما" و"جبل لبنى" موضحة ما تضطلع به تلك المصانع في إنتاج الأسلحة والمهمات المتصلة بالمجهود الحربي". وقال الحكم إن الطاعن الثالث................ قد اعترف بأنه كان يتجسس لحساب بريطانيا منذ زمان بعيد وأنه كان يستعين بابنه............... وابن أخته................ ـ الطاعن السادس وكان هو حلقة الاتصال بينهما وبين.............. فكان أولهما يمده بأنباء القوات البحرية ويزوده الثاني بالمعلومات المتصلة بالجيش وكان ينقل ما يتلقاه منهما إلى............. فيذهب إلى منزل هذا الأخير أسبوعيا حاملا سلالا بها بيض أو طير ليسدل على زياراته المتكررة مظهرا بريئا يباعد بينها وبين الشكوك في شأنها وأنه كان يتقاضى لحساب ابنه مرتبا شهريا مقداره عشرة جنيهات رفع إلى خمسة عشر جنيها ولحساب ابن أخته مبلغا تدرج حتى وصل إلى أربعين جنيها شهريا. وعندما عرض الحكم إلى ما هو منسوب إلى المتهم السابع (الطاعن السادس) أشار إلى ما سبق أن أورده من اعترافه بأن ما حصل عليه من الأسرار كان بقصد تسليمه لدولة بريطانيا وأشار إلى المستندات التي تضمن الحكم فحواها وهي أرقام 8 و19 و36 و42 و49 و63 و109 و137 و150 و209 و249 و250 و 278 و291 و293 و313 التي أبلغ فيها عن تشكيلات فرق الجيش وتحركات قواته وتوزيعها بين المناطق والجبهات المختلفة وعن عتاد ومهمات هذه القوات وعن إمكانيات الأجهزة القائمة على صيانة ذلك العتاد وتلك المهمات وعن المصانع الحربية ونوعية إنتاج كل منها ومواقعها ومواقع المطارات والمنشآت العسكرية وانتهى الحكم في منطق سليم إلى القول بأن تلك المعلومات مما تدخل في دائرة أسرار الدفاع عن البلاد التي يجب مراعاة لمصلحته ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها، ثم رد الحكم على دفاع المتهمين السادس والسابع (الطاعنين) بشأن ما ذهبا إليه في دفاعهما من أن ما نقلاه كان كاذبا ومضللا بأن ذلك مدفوع بما تضمنته مستندات الدعوى من تكرار الثناء عليهما والإشادة بقيمتها من مأموري دولة بريطانيا المحتلين لجهاز مخابراتها واستبقاء هذين المتهمين في خدمته سنوات عديدة ورفع أجرهما مما يتنافى مع مظنة كذبهما في نشاطهما الإجرامي. وعرض الحكم لما شهد به الضابطان.............. و............... وأثره على تحديد ما هو سر من أسرار الدفاع فقال "إن المحكمة سبق أن استظهرت عند بيان حكم القانون أنه يكفي في شأن طبيعة المعلومات وسريتها أن يشهد بعض ذوي الشأن في ذلك ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى شهادتهم فضلا عما استظهرته المحكمة من أن المنشور رقم 7 أمن الوثائق قد وردت فيه أمثلة عديدة على ما يعتبر سرا ومالا يعتبر وأن المنشور وحده كاف لتحديد السر وطبيعته في شأن ما تحدث عنه من معلومات وبيانات، وأن المحكمة اتخذت من هذا المنشور ومن شهادة ذوي الشأن أساسا لما انتهت إليه فيما سبق من بيان ما تراه سرا من أسرار الدفاع وما يخرج عن دائرة هذه الأسرار".
الوقائع
اتهمت نيابة أمن الدولة كلا من: 1-..............و2-..............و3.............. و4-..............و5-.............و6-.............و7-..............و8-..............و9-.............. و10-..............و11- .............. و12- .............. 13-.............. و14-..............و15-..............و16- ..............و17- ..............و18- ..............و19-..............و20-............. بأنهم في خلال عام 1951 وما يلي ذلك حتى يوم 27 أغسطس سنة 1956 بدائرة محافظتي القاهرة والإسكندرية أولا - المتهمون الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر و الحادي عشر- حصلوا في زمن حرب علي بيانات ومعلومات ووثائق تتعلق بالقوات المسلحة وتحركاتها وعتادها وعملياتها الحربية وتعتبر من أسرار الدفاع عن البلاد التي يجب لمصلحة هذا الدفاع ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها, وكان ذلك بقصد تسليمها لدولة أجنبية (بريطانيا) وقد سلموها فعلا لمأموري تلك الدولة وآخرين يعملون لمصلحتها. ثانيا- المتهمون الأول والثاني والثالث والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر تخابروا في زمن حرب مع مأموري دولة أجنبية (بريطانيا) بقصد الإضرار بمركز مصر الحربي والسياسي وذلك بأن اتصلوا بهؤلاء المأمورين وقدموا إليهم تحقيقا للغرض المذكور معلومات وبيانات تتعلق بأسرار الدفاع عن البلاد وبسياستها الداخلية والخارجية. ثالثا- المتهمون الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والسادس عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين اشتركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهمين الأول والثاني والثالث والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر في ارتكاب الجريمة المبينة بالتهمة السابقة وذلك بأن اتفقوا معهم على الإضرار بمركز مصر الحربي والسياسي وأمدوهم تحقيقا لهذا الغرض بمعلومات وبيانات تتعلق بأسرار الدفاع عن البلاد وبسياستها الداخلية و الخارجية. رابعا- المتهمون جميعا اشتركوا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب الجنايات المبينة بالتهم السابقة وهى الحصول في زمن الحرب على أسرار خاصة بالدفاع عن البلاد بقصد تسليمها للدولة الأجنبية المشار إليها وتسليمها إليها فعلا, والتخابر في زمن حرب مع مأموري دولة أجنبية وكان المتهمون الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسابع عشر المحرضين على هذا الاتفاق وقد تدخلوا هم والمتهمون الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر في إدارة حركته بقصد تنفيذ الأغراض المقصود منه. خامسا - المتهمون السادس والسابع والثامن والسادس عشر بصفتهم موظفين ومستخدمين عموميين (الأول ضابط بالقوات البحرية والثاني كاتب سجلات سلاح الصيانة والثالث مستخدم فني بإدارة الصيانة بالقوات الجوية والرابع كاتب بإدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية) قبلوا وأخذوا عطايا للإخلال بواجبات ووظائفهم ومكافأتهم على ما وقع منهم من ذلك بأن حصلوا من مأموري الدولة الأجنبية المشار إليها على مبالغ من النقود في صورة مرتبات شهرية مقابل إمدادهم ببيانات ومعلومات تتعلق بأعمال وظيفتهم ويقتضيهم واجبهم حفظها وعدم إفشاء شيء منها. سادسا - المتهمون الأول والثاني والثالث والرابع و الخامس توسطوا في ارتكاب جناية الرشوة المبينة بالتهمة السابقة بأن تحصلوا من مأموري الدولة الأجنبية المشار إليها على المبالغ التي رتبت للمتهمين السادس والسابع والثامن والسادس عشر, وقد سلموهم هذه المبالغ فعلا مقابل إخلالهم بواجبات وظائفهم ولمكافأتهم على ما وقع منهم من ذلك على الوجه السالف بيانه. وطلبت النيابة من غرفة الاتهام- بتقرير اتهام آن تحيل المتهمين المذكورين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 80 و85 ( ثانيا ) من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين من الأول إلى الحادي عشر والمادة 78/1 مكررة من نفس القانون بالنسبة للمتهمين الأول والثاني والثالث والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر والمواد 40/2-3 و 41 و 78/1 من القانون المذكور بالنسبة للمتهمين الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والسادس عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين والمادة 48/1-2-2 منه بالنسبة لجميع المتهمين والمواد 103 و104 و110 و111 منه أيضا بالنسبة للمتهمين السادس والسابع والثامن والسادس عشر والمواد 103 و104 و107 مكررا منه بالنسبة للمتهمين الأول والثاني والثالث والرابع والخامس فقررت غرفة الاتهام بتاريخ 4 مارس سنة 1957 غيابيا للمتهمين الثاني والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر وحضوريا للباقين بإحالتها إلى محكمة الجنايات لمحاكمة المتهمين طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا للمتهمين الأول والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر و الحادي عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر و العشرين وغيابيا للباقين - عملا بالمواد 80 و85/2 و78/1مكررا و48/1-2-3 و 103 و104 و 107مكررا و 32/2 و17 من قانون العقوبات للمتهمين (.............. و ..............) وبالمواد 80 و85/2 و78/1 مكررا و 40/2-3 و41 و48/1-2-3 و103 و104 و107 و107 مكررا و32/2 و13 عقوبات للمتهم (..............) وبالمواد 80 و85 و78/1مكررا و40/2-3 و41 و48/1 -2 و 103 و 104 و 110 و 111 و32/2 و17 عقوبات بالنسبة للمتهم (..............) وبالمواد 80 و85/2 و78/1مكررا و40/2-3 و41 و48/1-2 و103 و104 و110 و111 و32/2و 17 عقوبات بالنسبة للمتهم (..............) وبالمواد 80 و85/2 و 78/1مكررا و48/1-2-3 و103 و104 و107 و107مكررا و 17 و 32 عقوبات للمتهم (..............) وبالمواد 80 و85/2 و78/1 مكررا و40/2-3 و41 و 48/1-2-3 و103 و 104 و 107 و 107مكررا و32 و17 عقوبات للمتهم (.............. الشهير بـ.........) وبالمواد 80 و 85/2 و 78/1مكررا و 40/2-3 و41 و 48/1-2 و103 و104 و 110 و 111 و 32/2 و 17 عقوبات للمتهم (............) وبالمواد 78/1مكررا و 40/2-3 و 41 و 48/1-2 و 103 و 104 و 110 و 111 و 32/2 و 17 عقوبات للمتهم ( ..............) وبالمواد 78/1مكررا و 40/2-3 و 41 و 48/1-2 و 32 عقوبات للمتهمين (..............و..............و..............) وبالمادة 78/4 عقوبات للمتهم (..............) أولا - ببراءة المتهم الأول (..............) عن تهمة التوسط في الرشوة وبمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين عن باقي التهم. وثانيا - بمعاقبة المتهم الثاني (..............) بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين. وثالثا - ببراءة المتهم الثالث (..............) عن جناية التوسط في الرشوة المسندة إليه وبمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين عن باقي التهم. ورابعا - بمعاقبة المتهم الرابع ( .............. ) بالإعدام شنقا عن الجرائم الثلاث الأولى المسندة إليه وببراءته من تهمة التوسط في الرشوة - وخامسا - ببراءة المتهم الخامس (..............الشهير بـ..........) عن تهمة التوسط في الرشوة المسندة إليه وبمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين عن باقي التهم . وسادسا - بمعاقبة كل من المتهمين السادس والسابع والثامن ( ..............و..............و..............) بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهم ألفين من الجنيهات . وسابعا - ببراءة كل من المتهمين التاسع ( ..............) والعاشر ( .............. ) والحادي عشر (..............) عن التهمة الأولى المسندة إلى كل منهم, وبمعاقبة كل بالسجن لمدة خمس سنين عن التهمتين الأخريين. وثامنا - بمعاقبة المتهم السادس عشر (..............) بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشر سنة وبتغريمه ألفين من الجنيهات . وتاسعا - باعتبار ما أسند إلى المتهم التاسع عشر ( ..............) منطبقا علي المادة 78 فقرة رابعة من قانون العقوبات وبمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنين وبتغريمه مائتين من الجنيهات . عاشرا - ببراءة كل من المتهمين الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر والعشرين( ............و ............و ............. و ............و ............. و ............و ...............) مما أسند إليهم. حادي عشر- أمرت المحكمة بمصادرة جميع المبالغ المضبوطة. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض...إلخ
المحكمة
عن طعن الطاعنين "الثالث والسادس"
وحيث إن الطاعنين الثالث والسادس أقاما طعنهما على ثلاثة أوجه حاصل الأول منها أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وشاب أسبابه قصور إذ دانهما في تهمة تسليم أسرار الدفاع دون أن يفرق بين ما عبر عنه القانون بأنه سر من أسرار الدفاع وما عبر عنه بأنه في حكم أسرار الدفاع مع ما للتفرقة من أهمية بالغة إذ عقوبة تسليم سر من أسرار الدفاع هي الإعدام وفقا لنص المادة 80 من قانون العقوبات بينما عقوبة تسليم ما هو في حكم السر السجن إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب، أو الحبس إذا وقعت في زمن السلم، وقد دانهما الحكم المطعون فيه على اعتبار أن ما حصلا عليه من بيانات ومعلومات تتصل بالقوات المسلحة وسلماه إلى الأول والثاني من الطاعنين.................... ـ هو من أسرار الدفاع عن البلاد في حين أن الصحيح هو أن ما سلماه هو الذي قصد المشرع إدخاله في حكم أسرار الدفاع ـ ويقول الطاعنون شرحا لذلك، إن التفرقة بين الأسرار الحقيقة والأسرار الحكمية وردت في المادة 85 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 40 لسنة 1940 فنصت الفقرة الثانية من هذه المادة على الأسرار الحقيقية، ونصت الفقرة الثالثة على الأسرار الحكمية، وقد استبعد الحكم المطعون فيه الفقرة الثالثة المذكورة من نطاق بحثه واتجه اتجاها خاطئا في التفرقة بين نوعي الأسرار إذ قال إنه يعتبر من أسرار الدفاع كل المعلومات المتعلقة بالمجهود الحربي، وقد عددها الحكم، وقال إن المحكمة ترى من صالح الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها إلا من نيط بهم حفظها، ووجه الخطأ في ذلك أن المعلومات التي عدددها الحكم ليست مخصصة للحفظ بل هي مخصصة للاستعمال، ولم ير المشرع في القانون رقم 40 لسنة 1940 أن ما خصص للاستعمال يعتبر سرا بل رأى أنه مما يعتبر في حكم السر كما يبين من مقارنة نصوص المواد 80 و80 مكررا و80 ثالثة و85 من هذا القانون. ويقول الطاعنان إن الحكم تردى في هذا الخطأ بسبب أنه لم يكن لدى المحكمة فكرة واضحة عن أسرار الدفاع فراحت تتعرف عليها وتتصيدها من أقوال شهود غير مفوضين من وزارة الحربية للإدلاء بمعلومات ومن أقوال لرجال المخابرات مرجعهم فيها مستندات غير مقطوع بصحة ما تضمنته، وكان يتعين على المحكمة إزاء ذلك ألا تعول على شهادتهم وأقوالهم لأن مصدرها غير معول عليه. وخلص الطاعنان من ذلك إلى أن الأخبار والمعلومات التي نسب إليهما إبلاغها إلى مخدومهما، ليست في ذاتها من الأمور المخصصة للحفظ على ألا يعلم بها إلا المنوطين بحفظها، ولكنها حين تجمع وتبوب ويضاف إليها غيرها قد تؤدي إلى كشف أسرار محفوظة، فهي تدخل على هذا الاعتبار تحت نص المادة 85/3 من القانون دون أن يتأثر هذا النظر بالتشريع الذي صدر في شهر مايو سنة 1957 والذي أصبحت بمقتضاه المعلومات التي سلمها الطاعنان إلى مخدومهما من أسرار الدفاع إذ لا أثر للتشريع اللاحق على الوقائع التي سبقت صدوره.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن وقائع الدعوى التي حصلها بالنسبة لهذين الطاعنين هي أن أولهما................ (الطاعن الثالث) عميل قديم من عملاء قلم المخابرات البريطاني سبق أن استخدمه خارج الأراضي المصرية.
وفي سنة 1951 كلف قلم المخابرات المذكور.............. (الطاعن الأول) بتكوين شبكة للجاسوسية في مصر للتجسس وجمع الأخبار والأسرار العسكرية المتصلة بالقوات المسلحة وأسرار السياسة المصرية على أن يرجع في تلقي التعليمات والتوجيهات إلى موظفين معينين بالسفارة البريطانية وأن يبلغهم ما يصل إليه من معلومات فاتصل............... بـ................. عميل المخابرات البريطانية القديم لتكوين تلك الشبكة ثم اتصل هذا الأخير بولده الضابط البحري............. (الطاعن الخامس) واتصل كذلك بابن أخته................ (الطاعن السادس) وهو موظف بسلاح الصيانة وتم الاتفاق بينه وبينهما على أن يعملا معه في التجسس، كل منهما في دائرة عمله، فيقدمان له المعلومات التي يحصلان عليها لينقلها هو إلى الجانب البريطاني في مقابل أجر شهري يتقاضاه............ لحسابهما من قلم المخابرات البريطاني ثم ظهر في الميدان................ (الطاعن الثاني) بسبب ظروف اقتضت تغيب................ كما ظهر................ (المحكوم عليه غيابيا) من الجانب البريطاني وانضم إلى حلقة التجسس باقي الطاعنين وغيرهم فكان........... (الطاعن السابع) وهو كهربائي بسلاح الطيران يمد صهره................. الشهير بـ........... (الطاعن الرابع) بالمعلومات وهذا الأخير ينقلها إلى............. فينقلها بدوره إلى من استخدموه من الجانب البريطاني. وفي مساء يوم 27 من أغسطس سنة 1956 ضبط............... و........... و............... و.............. المحكوم ببراءته مجتمعين بمنزل أولهم كما ضبطت نقود وأوراق تحوي بيانات عن المرتبات التي يتقاضاها بعض أعضاء الشبكة على ما يقومون به من أعمال التجسس، وقد تحدث الحكم عن الجريمة المنصوص عليها في المادة 80 من القانون رقم 40 لسنة 1940 فقال إن عبارة أسرار الدفاع الواردة بهذه المادة فسرتها المادة 85/2 من القانون فقالت إنه يقصد بها الأشياء والوثائق والبيانات والمعلومات التي يجب في مصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها وأن السر ـ على ما جاء بالمذكرة التفسيرية للقانون ـ قد يكون واضحا وضوحا لا شك فيه بينما قد تقع حالات لا يبين فيها معنى السرية بطريقة جلية وإذ ذاك يرجع الأمر إلى تقدير المحكمة ويحسن في مثل هذه الأحوال أن تستعين المحكمة برأي السلطات ذات الشأن إذ هي اقدر من غيرها على الحكم على أهمية الوثيقة أو المعلومات التي تجرى بشأنها المحاكمة وعلى سريتها. ثم انتهى الحكم من ذلك إلى قوله إن المحكمة ترى تطبيقا لذلك "أن المقصود بأسرار الدفاع عن البلاد كل المعلومات المتصلة بالمجهود الحربي كطريقة صناعة السلاح ومواقع المصانع الحربية ومقدرتها على الإنتاج وبيان أنواع الأسلحة المزودة بها وحدات الجيش المختلفة بما في ذلك الذخائر والآلات الميكانيكية وأدواتها وقطع غيارها والبيانات المتصلة بتنقلات الجنود ومواقع المطارات والطائرات والسفن الحربية ومبلغ إعداد الطائرات الحربية والمطارات والسفن الحربية بالأدوات والآلات المختلفة كالمدافع والرادار وغيرها... كل هذا وأشباهه ترى المحكمة أن من مصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها...".
وحيث إن هذا الذي رأته المحكمة فضلا عن استناده إلى القواعد السابق بيانها وإلى أحكام المحاكم في فرنسا فإن له ما يؤيده من واقع الأوراق ففي جلسة 12 مايو سنة 1957 استمعت المحكمة إلى أقوال الشاهد البكباشي................. الضابط بإدارة المخابرات وشهد بما هو سر محظور إذاعته... ثم قدم منشورا برقم 7 أمن الوثائق وهو صادر عن رئاسة هيئة أركان حرب الجيش إدارة المخابرات وفي هذا المنشور تحديد لقيمة الوثائق ومبلغ سريتها وبالإطلاع عليه يبين أنه عدد ما هو (سري للغاية) ومن بينه أي تفاصيل متعلقة ببيان أصناف الذخائر والأسلحة والمعدات الخاصة والتفاصيل المتعلقة بالإنتاج الحربي المحلي كما عدد المنشور ما هو (سري جدا) ومن بينه تفاصيل العمليات الجارية وتحرك العمليات والمعلومات المتعلقة بالدفاع ذات الأهمية البالغة والمعلومات التي توضح حجم وشخصيات وتشكيل القوات في مناطق العمليات والأسرار الفنية كما أشار المنشور إلى ما هو (سري) ومن بينه التقارير الدورية للعمليات والإحصائيات العامة. وحيث إن هذا الذي ورد في المنشور المذكور يؤيد ما ذهبت إليه المحكمة عندما أبدت رأيها فيما يعتبر من أسرار الدفاع. وقد أحصى الحكم البيانات والمعلومات التي قام الطاعنان بنقلها وانتهى إلى أنها من أسرار الدفاع كما عرفتها المادة 85/2 في قوله "لما تدل عليه طبيعتها من أنها تكشف عن إمكانيات الأسطول الحربي المصري من حيث وحداته وأجهزته ومعداته وكفاية رجاله كما تكشف عن إمكانيات الدفاع الساحلي عن مدينة الإسكندرية وتفصح عن الاستعدادات والخطط التي أعدت لمواجهة العدوان البحري الذي كان منتظرا وقوعه والذي وقع بعد ذلك فعلا مستهدفا غزو الأراضي المصرية بحرا. كذلك بينت المستندات معلومات عن تشكيلات الجيش المصري وتوزيع قواته في المناطق والجهات وأفصحت عن عتاد الجيش ومهماته وإمكانيات الأجهزة المعدة لصيانتها وتوزيعها ثم عينت مواقع المصانع الحربية وبعض المطارات والمنشآت العسكرية المستحدثة بناحيتي "بير الحما" و"جبل لبنى" موضحة ما تضطلع به تلك المصانع في إنتاج الأسلحة والمهمات المتصلة بالمجهود الحربي". وقال الحكم إن الطاعن الثالث................ قد اعترف بأنه كان يتجسس لحساب بريطانيا منذ زمان بعيد وأنه كان يستعين بابنه............... وابن أخته................ ـ الطاعن السادس وكان هو حلقة الاتصال بينهما وبين.............. فكان أولهما يمده بأنباء القوات البحرية ويزوده الثاني بالمعلومات المتصلة بالجيش وكان ينقل ما يتلقاه منهما إلى............. فيذهب إلى منزل هذا الأخير أسبوعيا حاملا سلالا بها بيض أو طير ليسدل على زياراته المتكررة مظهرا بريئا يباعد بينها وبين الشكوك في شأنها وأنه كان يتقاضى لحساب ابنه مرتبا شهريا مقداره عشرة جنيهات رفع إلى خمسة عشر جنيها ولحساب ابن أخته مبلغا تدرج حتى وصل إلى أربعين جنيها شهريا. وعندما عرض الحكم إلى ما هو منسوب إلى المتهم السابع (الطاعن السادس) أشار إلى ما سبق أن أورده من اعترافه بأن ما حصل عليه من الأسرار كان بقصد تسليمه لدولة بريطانيا وأشار إلى المستندات التي تضمن الحكم فحواها وهي أرقام 8 و19 و36 و42 و49 و63 و109 و137 و150 و209 و249 و250 و 278 و291 و293 و313 التي أبلغ فيها عن تشكيلات فرق الجيش وتحركات قواته وتوزيعها بين المناطق والجبهات المختلفة وعن عتاد ومهمات هذه القوات وعن إمكانيات الأجهزة القائمة على صيانة ذلك العتاد وتلك المهمات وعن المصانع الحربية ونوعية إنتاج كل منها ومواقعها ومواقع المطارات والمنشآت العسكرية وانتهى الحكم في منطق سليم إلى القول بأن تلك المعلومات مما تدخل في دائرة أسرار الدفاع عن البلاد التي يجب مراعاة لمصلحته ألا يعلم بها غير من نيط بهم حفظها، ثم رد الحكم على دفاع المتهمين السادس والسابع (الطاعنين) بشأن ما ذهبا إليه في دفاعهما من أن ما نقلاه كان كاذبا ومضللا بأن ذلك مدفوع بما تضمنته مستندات الدعوى من تكرار الثناء عليهما والإشادة بقيمتها من مأموري دولة بريطانيا المحتلين لجهاز مخابراتها واستبقاء هذين المتهمين في خدمته سنوات عديدة ورفع أجرهما مما يتنافى مع مظنة كذبهما في نشاطهما الإجرامي. وعرض الحكم لما شهد به الضابطان.............. و............... وأثره على تحديد ما هو سر من أسرار الدفاع فقال "إن المحكمة سبق أن استظهرت عند بيان حكم القانون أنه يكفي في شأن طبيعة المعلومات وسريتها أن يشهد بعض ذوي الشأن في ذلك ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى شهادتهم فضلا عما استظهرته المحكمة من أن المنشور رقم 7 أمن الوثائق قد وردت فيه أمثلة عديدة على ما يعتبر سرا ومالا يعتبر وأن المنشور وحده كاف لتحديد السر وطبيعته في شأن ما تحدث عنه من معلومات وبيانات، وأن المحكمة اتخذت من هذا المنشور ومن شهادة ذوي الشأن أساسا لما انتهت إليه فيما سبق من بيان ما تراه سرا من أسرار الدفاع وما يخرج عن دائرة هذه الأسرار".