ترتيب الحاضنات
أولاً : حضانة النساء
الحاضنات حين رتبن ، روعي في ترتيبهن تقديم قرابة الأم استجابة للغريزة الطبيعية المحققة في الأم وقرابتها ، من حيث الشفقة علي الصغير والعناية به ، وبصحته ، ونظافته ، ذكراً كان أم أنثي ، وعلماء التربية أكدوا علي إن الأم تفهم أعمال طفلها ، وتختبر انفعالاته ، ويتعود عليها بما لها من صبر علي وليدها ، والصغير يهتدي بنفسه إلي أمه ، والي ما تلقنه من معلومات منذ شهوره الأولي ، وذلك راجع إلي هدوئها له ، واطمئنانه في حجرها ، وتفهمه لنظراتها إليه .
فالأم لها دخل كبير ـ لا يستهان به ـ في تكوين الصغير وتربيته الأولي ، ولا ينازعها في ذلك حاضنة تالية لها ، فهي بلا شك مؤثرة في تحصيله لما يدور حوله ، ولذلك نجد مدارس الأطفال حالياً تناظر الأم أولاً قبل قبول الطفل بالمراحل الأولي في مدارس الأطفال لأن الأم عنوان طفلها ، وهي تؤثر فيه ، وهو يتأثر بها .
ولا خلاف بين الفقهاء في أن الأم مقدمة في الحضانة عن غيرها من النساء لأن حق الحضانة يستفاد من قبل الأم ، والأصل في ذلك ما روي عن عبد الله ابن عمرو بن العاص أن " امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء وأن أباه يريد أن ينزعه مني " فقال رسول الله e " أنت أحق به ما لم تتزوجي " فجعل الحق لها ـ في الحضانة ـ إلي أن تتزوج ، وقد نصت المادة 380 من الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية  علي إن " الأم النسبية أحق بحضانة الوالد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة إذا اجتمعت فيها شرائط أهلية الحضانة " ، والمادة 381 علي أن " الحاضنة الذمية إما كانت أو غيرها أحق بحضانة الولد كالمسلمة ، حتي يعقل ديناً أو يخشي عليه أن يألف غير دين الإسلام " .
وأم الأم وإن علت بمنزلة الأم بعدها ، لأن الحضانة سببها الأمومة وأم الأم تدلي بالأم ، التي تقدم علي الأب ، ولذلك كانت أم الأم بعدها في استحقاق الحضانة ، لن لها ولادة ، فوجب تقديمها علي أم الأب ، كتقديم الأم علي الأب ، فإذا كان حق الحضانة يستفاد من قبل الأم ، فيعتبر الأقرب فالأقرب من جهتها ، ويقدم المدلي بالأم علي المدلي بالأب عند اتحاد المرتبة قرباً ، فإذا ماتت الأم أو تزوجت بأجنبي ، أو لم تكن أهلاً للحضانة ينتقل حقها إلي أمها .
وبعد أم الأم ـ إذا لم تكن موجودة أو كانت ولكنها ليست أهلاً للحضانة ـ يأتي دور أم الأب وإن علت ، لأنها أم في نفسها ، فهي أم أب المحضون ، فصارت كالأم بالنسبة له ، والأم مقدمة علي غيرها في باب الحضانة ، والحنابلة يقولون إن أم الأب جدة وارثة ، ولها ولادة  ووراثة ، فأشبهت أم الأم والقاعدة عندهم " أنه متي وجدت جدة وراثة فهي أولي ممن هو من غير عمود النسب بكل حال وإن علت درجتها ، لفضيلة الولادة والوراثة " .
وبعد الأمهات تنتقل الحضانة إلي الأخوات الشقيقات للمحضون ، لأن قرابة الأخت الشقيقة من جهتين ـ الأب والأم ـ أي قريبة للمحضون من جهة أبيه وقريبة له من جهة أمه ، والشفقة بالقرابة ، فتكون ذات القرابتين أشفق ، وبالحضانة أحق من غيرها ذات القرابة الواحدة ، أي بالقرابة لأب فقط أو لأم فقط .
وبعد الأخوات الشقيقات ، يأتي دور أخوات المحضون لأم ، لأن استحقاق الحضانة يكون بقرابة الأم ، والأخت لأم تدلي بالأم ، ثم بعدها يأتي دور أخت المحضون لأب ، لأنها تدلي بقرابة الأب ، ولذلك تقدمت عليها الأخت لأم .
الحنابلة يرون أن الأخت من الأب أحق من الأخت من الأم ، فإذا انعدم من يستحق الحضانة من الآباء والأمهات ، وان علوا انتقلت الحضانة الي الأخوات ، وقدمن علي سائر القرابات كالخالات والعمات وغيرهن ، لأنهن شاركن في النسب ، وقدمن في الميراث ، ولأن العمات والخالات إنما يدلين بأخوة الآباء والأمهات ، ولا ميراث لهن مع ذي فرض ، ولا عصبة .
وبعد الأخت لأب تنتقل الحضانة إلي بنت الأخت الشقيقة للمحضون ، ثم بنت الأخت لأم .
وبعد الأخوات يأتي دور الخالات في الحضانة . والمقصود بهن خالات المحضون ، فتقدم خالته شقيقة الأم ، ثم خالته ـ أخت أمه لأم ـ ، ثم خالته ـ أخت أمه لأب .
وبعد خالات المحضون يأتي دور بنت أخته لأبيه ، ثم بنت أخيه الشقيق ، ثم بنت أخيه لأمه ، ثم بنت أخيه لأبيه .
وبعد بنات أخ المحضون ، يأتي دور عماته ، فتقدم العمة الشقيقة له ثم عمته أخت أبيه من الأم ، ثم عمته أخت أبيه من الأب .
ويأتي بعد من تقدمن من الحاضنات دور خالات أم المحضون ، فتقدم خالة الأم الشقيقة ثم خالة الأم من الأم ، ثم خالتها من الأب .
وخالات الأب بعد ذلك تتقدمهن خالته شقيقة أم الأب . ثم خالة الأب ـ أخت أمه لأم ، ثم خالة الأب أخت أمه لأب .
بعد خالات الأب يأتي دور عمات الأم تتقدمهن عمتها شقيقة أبيها ، ثم عمتها أخت أبيها من الأم ، عمتها أخت أبيها من الأب ، ويأتي بعدهن عمات الأب ، فتقدم عمة الأب الشقيقة ثم عمته لأم ، ثم عمته لأبيه .
يبين من الترتيب المتقدم للحاضنات إن أحق النساء بالحضانة ، مقدم فيه القرابة من قبل الأم ، ثم يليها القرابة من قبل الأب لأن الأصل عند الفقهاء إن كل من كان من قبل الأم ـ في باب الحضانة ـ فهو أولي ممن هو من قبل الأب .
وخلاصة القول في هذا الخصوص إن ترتيب القانون للحاضنات ليس ترتيباً عملياً يتفق مع الواقع الذي يفرض نفسه ، ولا ترتيباً قصد به مصلحة الصغير ، ولا مصلحة أبيه ، فقد كان يتعين أن يؤخذ من فقه المسألة ما يناسب الوضع الاجتماعي ، ويكف عنه المشاكل حول الحضانة . (1)
ولقد أتيح لكاتب هذه السطور أن يعمل بقضاء الأحوال الشخصية ما يزيد علي ربع قرن من الزمان منتهياً برئاسة دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة النقض المصرية . فلم يصادفه ـ في النزعة ـ من تبحث عن حق حضانة الصغير أو الصغيرة ، سوي أم المحضون ، ونادراً جدتيه لأمه وأبيه ، وبعد ذلك يكون والد المحضون هو الحاضن مهما كان سن الصغير ، علي الرغم من إن أراق الأقضيات كانت تنطق بوجود كثير من الحاضنات المرتبات بنص المادة 20 سالفة الذكر ، ولم يتقدمن لطلب الحضانة .
ولذلك نري الأخذ برأي المستشار/ أحمد نصر الجندى ـ وهذا فقه من حق المشرع الوضعي أن يأخذ به ويبحث عنه من أجل الصالح العام ، وهذا الرأي يذهب إلي إن الأم إذا تركت الحضانة مع استحقاقها لها ، تنتقل الحضانة إلي الأب ، لن أمهات الأم فرع عليها في الاستحقاق ، فإذا أسقطت الأم حقها في الحضانة سقط حق فرعها في الرأي الواقعي ـ وان لم يكن هو الراجح في مذهب الحنابلة ـ إلا إنه رأي عملي يناسب واقع المجتمع ، وقيمه المتجددة ، كما يناسب علاقات مختلفة سوف تظهر في أجيال لاحقة . وهو رأي مأخوذ من فقه الشريعة ، ولا يخالف أحكامها ، خاصة ، وقد ظهر أن الأمهات يلجأن بأولادهن إلي دور الحضانة ، وان الدولة تسعي إلي نشر هذه الدور في كل مجالات الأعمال ، وتقوم بتشكيل لجان من المتخصصين لتحسين دور الخدمة بدور الحضانة وتدريب الآلف من المشرفات في إطار خطة تقوم الوزارة المختصة بإعدادها للنهوض بدور الحضانة وتحسين الخدمات بها ، ومن ثم لم يعد هناك فرق بين أن يذهب الأب بابنه لإيداعه دار الحضانة أو تذهب الأم به إلي هذه الدور ، والخاسر في ذلك هو الصغير والمجتمع الذي ينتظره ، لأن دور الحضانة ليست دور تعليم وإنما هي دور فتحت لمن ليس لهن أمهات حاضنات بمعني الحاضنة المعروفة في فقه الشريعة .
ثانياً : حضانة العصبات .
ترتيب الحواضن الذي جاء به القانون ، بعد حضانة النساء ، فقد افترض القانون عدم وجود حاضنة من النساء ـ الذين سبق ذكر ترتيبهن ـ أو لم يكن منهن من هي أهل للحضانة ، أو انقضت مدة حضانة النساء ، وهذه الفروض كلها إذا تحققت أو تحقق واحد منها تنتقل الحضانة إلي العصبات من الرجال بحسب ترتيب الاستحقاق في الآرث مع مراعاة تقديم الجد الصحيح علي الإخوة .
ونص المادة 20 من القانون 25 لسنة 1929 أورد قاعدة عـامة مطلقـة هـي " ترتيب العصبات حسب الاستحقاق في الإرث " وبهذا القانون إن العصبات يمكنهم أن يحضنوا الصغير ـ عند عدم الحاضنات .
والأحناف عندهم الأب أحق بالولد ، ثم بعده الجد لأب ثم الأخ من الأب والأم ـ الشقيق ـ ثم الأخ من الأب ، فإذا اجتمع أحد الأخوة لأب وأم ، فأفضلهم صلاحاً وروعاً أحق بالضم إليه ، لأن الضم إلي أقرب العصبات فيه منفعة المحضون ، ولهذا قدم الأقرب ، وضمه إلي أبيهم صلاحاً انفع للولد ، لأنه يتخلق بأخلاقه . (1) 
فإن كان الأخوة سواء في الصلاح والورع قدم أكبرهم لقوله e "الكبر الكبر" ولأن حق الأكبر من الأخوة أسرع ثبوتاً ، فعند التعارض يترجح الكبر ، وهذه القاعدة تسري علي الأعمال بعد الأخوة .
ثالثاً : حضانة المحارم .
افترض القانون عدم وجود عصبات للمحضون ، فنقل الحضانة إلي محارمه من الرجال غير العصبات ، ورتبهم كالآتي : جد المحضون لأمه ثم أخ المحضون لأمه ، ثم أبن أخ المحضون لأمه  ، ثم عم أم المحضون ، ثم الخال الشقيق لأم المحضون ـ أي أخ أمها من الأب والأم ، ثم الخال لأب ثم الخال لأم  ، كما سبق أن أشرنا .
هل تجبر الحاضنة علي الحضانة :
الفقهاء قرروا إن الحاضنة لا تجبر علي حضانة ولدها بمعني إنه ، وإن كان لها حق الحضانة ، ولها أن تطالب به ، إلا إنها لا تجبر علي القيام بالحضانة ـ علي الرغم منها ـ فلا يجوز للأب  ، ولا للقاضي أن يلزمها بحضانة صغيرها ، ولذلك قرر فقهاء الأحناف " ليس علي أمه إرضاعه قضاء بل ديانة إلا إذا تعينت فتجبر  ـ ولذلك يجوز للأم أن تمتنع عن مباشرة الحضانة ، ويكفي في ذلك مجرد امتناعها ، أو أن تتزوج بغير الأب ، واستثناء من هذا الأصل خص الفقهاء الأم بالحضانة في حالات بينوها علي سبيل الحصر ، بمعني انه لا يجوز لها أن تمتنع عن حضانة صغيرها إذا توافرت حالة منها ، فقالوا إذا كانت الأم حاضنة فإنها تجبر علي الحضانة في الحالات الآتية :
1ـ إذا كان الصغير في فترة الرضاع ، ولا يأخذ ثدياً غير ثدي أمه أي لا يرضع من غير الأم .
2 ـ إذا لم يكن للأب أو الصغير مال يستأجر به الأب حاضنة غير الأم ولم توجد حاضنة متبرعة .
3 ـ إذا لم توجد حاضنة ـ أخري ـ تلي الأم في ترتيب الحاضنات .
عدم وجود الحاضنة هنا يشمل ، عدم وجودها حكماً بأن توجد حاضنة تلي الأم في الترتيب ، ولكنها تمتنع عن القيام بالحضانة ، وهذا الامتناع حقها ، إذ لا يجوز إجبار غير الأم علي حضانة الصغير ، مما مؤداه إن غير الأم في باب الحضانة لا تتعين . (1)
وقد نصت المادة  387 من الأحكام الشرعية علي إنه : إذا امتنعت الحاضنة عن الحضانة فلا تجبر عليها إلا تعينت لها ، بأن لم يوجد للطفل حاضنة غيرها من المحارم ، أو وجدت من دونها وامتنعت فحينئذ تجبر إذا لم يكن لها زوج أجنبي .
__________________________
(1) المرجع - موسوعة قضاء الأحوال الشخصية - للمستشار / أحمد نصر الجندى .