تعريف الحضانة فقهاً وشرعاً
أولاً : معنى الحضانة .
هي تربية الصغير - أو الصغيرة ورعايته ، وحفظه ، والإشراف عليه ، والقيام بجميع أموره في سن معينه ، ممن لهم الحق في حضانته ، وهي تقوم علي عجز الصغير - في أول حياته - عن النظر لنفسه والقيام - وحده - بحوائجه ، وعدم إدراكه ما ينفعه وما يضره ، وجعل المشرع الإسلامي أمر حضانة الصغير ، ورعايته لوالديه ، فهما أقرب الناس إليه عادة ، وأوفرهم شفقة ، وحناناً ، وعطفاً عليه ، فالصغير جزء أبويه ، لا يشاركهما فيه أحد ، وهو في أول حياته في حاجة إلى الشفقة والعطف والحنان ، والتعهد ، والصبر علي ما يصدر منه ، وما يحتاج إليه ، والأم أحق بصغيرها وأقدر علي ملازمته في أول مراحل حياته ، لما به من حاجة إليها - في نفسها - وإلي خدمتها .
ثانياً : الحضانة شرعاً
يعرفون الشافعية الحضانة بأنها : حفظ من لا يستقل بأموره ، وتربيته بما يصلحه ، ويدفع عنه الضرر ، بغسل جسده وثيابه ، ودهنه وكحله ، وربطه في المهد وتحريكه لينام . 
ويعرفون المالكية الحضانة بأنها : صيانة العاجز والقيام بمصالحه  ، أي من طعامه ولباسه وتنظيف جسمه ، فالحضانة عند فقهاء الإسلام هي تعهد من لا يستطيع تعهد نفسه والقيام بشئونها وحده .  
ثالثاً : سبب الحضانة
سبب الحضانة ، ما بالصغير - أو الصغيرة - من عجز في أول حياته عن النظر إلى نفسه وقضاء حوائجها ، وعدم إدراكه لما ينفعه وما يضره ، ولذلك كان أمر الحضانة مبني علي حفظ الصغير ورعايته ومدارها علي نفعه .
ومما لا شك فيه أن الصغير من وقت ولادته ، يحتاج إلى خدمة من نوع خاص ، تتناسب مع بداية حياته فهو - أولا وقبل كل شيء - يحتاج إلى من يحن ، ويشفق عليه ، ويفهمه في صغره ، ويحاوره بلغته - لغة العطف والحنان .
كما أن الصغير يحتاج إلى من يأنس به ، وتسكن روحه إليه ، والأم علي هذا النوع من الخدمة أقدر من الأب ، وقد اضطردت القاعدة بأن الأم أحق بحضانة صغيرها ، فان شفقتها وسكون صغيرها إليها من الأمور الطبيعية التي لا ينكرها أحد ، وقد فطرها الله سبحانه وتعالي علي ذلك " فطرة الله التي فطر الناس عليها " والصغير بحاجة إلى أمه حتي يستغني هو بنفسه عنها ، وقال الأحناف إذا فارق الرجل امرأته وله منها ولد ، فالأم أحق بالولد أن يكون عندها حتي يستغني عنها
فحضانة النساء مقدمة بالنسبة للصغير منذ ولادته ، فقد جبلن علي ذلك ، وتنتهي الحضانة إذا استغني الصغير بنفسه عن حضانتهن .  
 
رابعاً : الحق في الحضانة
الحضانة ولاية من جعل الشارع ، واختصاص الأم بها من جعل الشارع أيضاً - قال رسول الله e : أنت أحق به ما لم تتزوجي " ، حق النساء من بعدها من فقه الشريعة الذي جعل المرحلة الأولي من حياة الصغير إلي الأمهات ومن يقوم مقامهن في ذلك ، ولهذا لا يستطيع الأب أن يختار من تحض صغيرة - أو صغيرته - وإنما جعلت الحضانة منوطه بمصلحة الصغير ، في الحدود التي رسمها الفقه الإسلامي ، ولا اعتبار لإرادة الأب فيها ، فإذا اشترط الأب أن تكون حضانة صغيرة لشخص معين كان شرطه باطلاً ولا يعمل به .
والحضانة واجبة علي من تعين لها ، لأن الصغير يهلك بتركه دون حاضن فيجب حفظه عن الهلاك ، كما يجب الإنفاق عليه ، وانجاؤه من المهالك ، ومؤدي ذلك أن الحضانة تدور من نفع المحضون ـ وجوداً وعدماً - فمتي تحقق نفعه في شيء ، وجب المصير إليه ، ولو خالف ذلك مصلحة الحاضنة ، أو مصلحة المحضون له ، لأن حق الصغير إلي الرعاية والحفظ أقوي من حقيهما ، فيقدم حقه دائماً علي حق غيره ، ويجب هذا الحق علي من تعين للقيام به .
ولذلك نجد الفقهاء - في حرصهم علي الصغير ونفعه - يقولون أن الحاضنة وأن كانت أشفق الناس علي المحضون - كأمه مثلاً - إذا أمسكته في بيت المبغضين له سقطت حضانتها ، ووجب نزعه منها . ويقولون أن في الحضانة ثلاثة حقوق :
1- حق الصغير : أي حقه أن يتولاه من يقوم علي تربيته ، بسبب البراءة التي ولد عليها ونموه البطيء ، وتدرجه في معرفة ما يدور حوله وكذلك عجزه عن القيام بشئونه . وتعهده حتي يتدبر هو - وحده - أمر نفسه . دون حاجة الي مساعدة من غيره .
2- حق الحاضنة : القاعدة في الشريعة الإسلامية أن لا تضار والدة بولدها ، فهو جزء منها ، شاركها حياتها مدة حمله ، وتغذي من غذائها فكان حملها له وهنا علي وهن ، وكان وضعها له كرها ، ولذلك فهي أحق أن تحضن هذا الوليد ، وتعهده ، وتتفاهم معه في صغره بغريزة الأمومة ، وتسهر علي مصلحته ، فتؤدي بذلك دور الأمومة ألحقه بالنسبة لصغيرها .
والحضانة حق الأم وان امتنعت عن إرضاعه - فقد قضي بان امتناع الحاضنة عن الإرضاع لا يبطل حقها في الحضانة ، ولا يسقطه وجود غيرها ترضع بأجر أو مجاناً ، وعلي الأب أن يستأجر من ترضع عندها قال تعالي " فان تعاسرتم فسترضع له أخري " فالحضانة إذن حق الأم والنفقة واجبة علي الأب ، وأجر الإرضاع من نفقة الصغير علي أبيه .
3- حق الأب : وهو حقه في تعهد صغيره ، فهو جزؤه لا يشاركه فيه أحد . وهو ينسب إليه ويحمل اسمه ، ولذلك يرعي الأب ابنه وهو في يد حاضنته . والأب أيضاً يقوم بالإنفاق علي صغيره - عند فقره ويلزمه الشرع بالإنفاق ويجبره عليه إذا امتنع .
خامساً : شروط الحاضنة
لم يترك الفقه الإسلامى أمر الحواضن بلا تحديد ، وتقييد ، وإنما وضع شروطاً يتعين توافرها في الحاضنة رعاية للمحضون ، وطمأنة للمحضون له
ولا خلاف بين الفقهاء في أن الأم مقدمة في الحضانة علي غيرها لرفقها وشفقتها علي المحضون ، ورحمتها به ، وحاجته هو إليها في صغره ، ولذلك لا ينزع الصغير من أمه إلا بشروط خاصة ، حفظاً عليه ومحافظة علي حقه ، وقد اشترط الفقهاء في الحاضنة شروطاً هي :
 
1-أن تكون الحاضنة بالغة عاقلة
الحاضنة الصغيرة ليست أهلاً للولاية ، ولذلك لا تصلح للحضانة من لم تكن بالغة ، عاقلة إذ لا يتصور أن تكون الحاضنة قاصرة لا تحسن القيام بشئون نفسها ، ويوكل إليها القيام بشئون غيرها .
كما أن الحضانة لا تثبت لغير العاقل لأنه لا يحسن القيام بحفظ نفسه ، ومن ثم لا يحسن القيام بحفظ غيره ، ولذلك لا تثبت الحضانة للمجنونة والمعتوهة .
2-أن تكون الحاضنة أمينة علي الصغير
يجب فى الحاضنة أن تكون أمينة على الصغير وعلى أخلاقه ، قادرة علي حفظه ، وتربيته وصيانته ، بمعني إلا يضيع الولد عندها بانشغالها عنه سواء بالخروج من منزلها كل وقت دون اعتبار بمصلحة محضونها ، مما يؤدي إلى ضياعه ، أو حتي بانقطاعها عنه للعبادة كل اليوم ، وتترك الصغير دون ملاحظة منها أو رعاية له ، وهو ما ينافي أمر الحضانة وطبيعتها .
ومجرد كون الحاضنة ذات عمل ليس في ذاتها مسقطاً حقها في الحضانة ، مادامت ظروفها الشخصية تسمح لها برعاية محضونها والمحافظة عليه في الأوقات الواجبة - ولذلك إذا تأملنا أقوال الفقهاء في شأن الحاضنات ، وأمعنا النظر فيها ، يبين لنا أن مناط سقوط حق الحضانة ليس هو مجرد احتراف الحاضنة في ذاته ، وإنما المناط هو ضياع المحضون - وإهماله عندها .
والمراد بأمانة الحاضنة ، إلا يضيع المحضون عندها تحت أي ظرف من الظروف التي تشغلها عنه ، وعن تعهد إليه رعايته والمحافظة عليه ، كما أن المراد بأمانة الحاضنة أيضاً ، إلا يتعلم المحضون عندها ما يخالف شرع الله ، ولذلك إذا كانت الحاضنة فاسقة فسقاً يلزم معه ضياع المحضون عندها ، سقط حقها في الحضانة - ولم يبين الفقهاء الأحوال التي يضيع فيها المحضون - عند حاضنته - وتركوا ذلك لفطنه القاضي وتقديره في حدود ما يقضي به .
وقد اشترط الفقهاء قدرة الحاضنة علي رعاية الصغير والإشراف علي تربيته والمحافظة عليه ، ولم يشترطوا أن تكون الحاضنة مبصرة  بل أوجبوا صفات ترجع الي المحافظة علي الصغير ، وتوافر راحته من نحو عقل الحاضنة وأمانتها وقدرتها علي التربية وعدم زواجها بأجنبي والبعد بالصغير عن مبغضه ، والعمي لا يمنع من رعاية المحضون والإشراف علي تربيته والمحافظة عليه .
3- أن تخلو الحاضن من الزوج الأجنبي ، أو إلا تحضن الصغير في بيت المبغضين له .
الحضانة كما هو مقرر عند الفقهاء شرعت لمصلحة المحضون ، ونفعه ، ومن مصلحته أن يعيش بين من يألفه ، ويوده ، ولا يحقد عليه ، أو ينظر إليه عن كراهية - وقد ثبت أن الطفل يتأثر بالمرئيات والمسموعات وهو في الحولين الأولين من عمره وأنه يعلم من الماديات ، ويعلق بذهنه في هذه السن مثل ما يعلق به في غيرها من باقي حياته ومن ظن أن الأطفال لا يفكرون ولا يتأثرون بالحالة المحيطة بهم بعد انقضاء سنتين من عمرهم فقد ظلمهم وحط من قدرهم ، ولذلك قيد الفقهاء الحاضنة بألا تحضن الصغير في بيت من يبغضه أو لا يهمه أمره ، ومستقبله - لأن الصغير يحس ذلك وينطبع في ذهنه ويؤثر في تكوينه - وزواج الأم الحاضنة - وإن كان هذا حقها - بغير قريب محرم من المحضون يفوت مصلحته في الأعم والأغلب ، لأن الزوج يريد أن يختص بزوجته - وهذا حقه - ولا يشاركه فيها أحد غيره ـ ولو كان أبنا لها من غيره - هذا الاختصاص - ولذلك نجد الفقهاء من يري سقوط حق الحاضنة بنكاح الأجنبي أو القريب غير المحرم من الصغير ، وكذا سكناها به عند المبغضين له ، وقد قضي بأن مساكنه الحاضنة للأجنبي تمنعها من حق الحضانة ، ولو لم يثبت عليها الفسق ، لأن هذا الأجنبي - في أرقي درجاته - يكون زوجاً ، وهو مانع من الحضانة ، كما تمنعها نفس السكني معه .
وقد فرق الفقهاء بين الحاضنة إذا كانت وحدها وابنها معها فلها حق الحضانة ، ولا تمنعها السكني مع الأجنبي من حضانة الصغير لأنه لا سبيل لهذا الأجنبي عليها ، ولا علي محضونها - أما إذا كانت الحاضنة زوجة لهذا الأجنبي ، فإن الواجب مراعاة الأنفع للمحضون والقضاة بذلك مطالبون .
وإذا طلقت الأم الحاضنة - من الزوج الأجنبي - طلاقاً بائناً يعود لها حق الحضانة ، لأن المنصوص عليه شرعاً أن حق الحضانة يعود بالطلاق البائن لزوال المانع - وهو إمساك الصغير في بيت المبغضين له ـ وقد ارتفع هذا المانع بالفرقة البائنة - وزالت ولاية الزوج الأجنبي علي الحاضنة ، ومن ثم لا يكون هناك ضرر علي الصغير ، يستوي في ذلك أن تنتهي عدتها أم لم تنته .
4- إلا تكون الحاضنة مرتدة  .
أي لا دين لها - لأن الحضانة - كما سبق  - نوع من الولاية ، والمرتدة لا ولاية لها علي المحضون ، إذا كان مسلماً ، كما أنها لا تحترم يدها عليه ، لأن المرتد ليس غير المسلم فقط بل هو أسوأ حالاً من غير المسلم من أهل الكتاب ، لأنه لا ملة له ، ولا تحترم له يد مع الردة ولا تقدير له ولا ليده شرعاً ، لأنه ميت حكماً فالحاضن من أهل الكتاب أهل لحضانة المحضون المسلم ، إلى أن يعقل الأديان .
5- ألا تمنع الحاضنة عن تربية المحضون مجاناً .
بمعني أن الأب إذا أعسر عن أداء أجر الحاضنة ، وجاءت حاضنة متبرعة لأحضانه ، ورفضت الحاضنة - التي في يدها المحضون - القيام بالحضانة مجاناً ، سقط حقها في الحضانة ، وتخيير الحاضنة في هذه الحالة بين إمساك المحضون مجاناً ، والنزع منها ليسلم للمتبرعة .
واشترط الفقهاء في هذه الحالة ، أن يطلب الأب - المحضون له - من الحاضنة - التي في يدها المحضون - بين أن تحضنه مجاناً - أي بلا مقابل للحضانة - وبين أن تتركه للحاضنة المتبرعة - ولم يعول الفقهاء علي طلب المتبرعة وحده - إذا لم يطلب الأب - وسبب هذا الشرط أن الأب قد يرضي ببقاء الصغير عند الأم رغم إعساره , ولذلك فإن طلب الحاضنة المتبرعة ضم الصغير إليها مشروط بأن يطلب الأب أو لا سقوط أجر الحاضنة عنه لإعساره ووجود متبرعة بالحضانة - وذلك بعد أن يكون قد خيرها بين حضانة الصغير مجاناً أو تركه للحاضنة المتبرعة
ولذلك قضي بأن العمة ـ المتبرعة بالحضانة ـ ليست خصماً في عدم أهلية الخالة للحضانة لعدم ولايتها علي الصغير لا في النفس ولا في المال ، لوجود الأب  ولا في الحضانة لتأخرها في هذا الحق عن الخالة لأن الحضانة شرعاً تربية الصغير ممن له حق الحضانة في تربيته وأولي الناس بحضانته الأم ، ويستفاد هذا الحق من قبلها فيقدم الأقرب فالأقرب من جهتها ، ويقدم المدلي بالأم علي المدلي بالأب عند اتحاد المرتبة قرباً ، بعدم الأهلية للحضانة ولا بعدم الأمانة ، فلا تسمع دعواها بذلك لأن الدعوي لا تسمع إلا من ذي شأن في الخصومة علي ذي شأن .
ولذلك قضي بأن حق الضم لا يصير لأم الأب مع قيام حق أم الأم إلا إذا كان الأب معسراً ، وطلب هو سقوط الأجرة عنه ، وخيرت الجدة لأم فعلاً بين إمساك الصغير مجاناً وبين تركه للمتبرعة ، وامتنعت ، أما إذا كان الأب موسراً فلا محل لتخيير الحاضنة القريبة ، مراعاة لحق الصغير مع يسار أبيه .
سادساً : سن الحضانة وتجاوز المحضون هذه السن .
المقرر عند الفقهاء الشريعة الإسلامية ، إن النساء أحق بحضانة الصغير ـ أو الصغيرة ـ في أول مراحل حياته ، إلي أن يبلغ أقصي سن الحضانة ، لحاجته إلي النساء ورعايتهم له في هذه المرحلة ، التي حددها القانون بخمسة عشر سنة
فقد نصت المادة 20 من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدلة بالقانون 4 لسنة 2005 علي أنه : ينتهى حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشر ....... .
وانتهاء حضانة النساء ـ طبقاً للنص المشار إليه ـ يقع بقوة القانون الذي حدد السن ، وذلك دون حكم ينشئه ـ أي ينشئ انتهاء الحضانة ، فإذا بلغ الصغير أو الصغيرة أقصي سن الحضانة ، انتهي حق الحضانة بالنسبة للنساء ، وآلت الحضانة بعدهن إلي العصبات من الرجال . حيث يضم الصغير إلي والده ـ أو صاحب حق الضم من العصبات ـ لأن من حق الصغير ضمه إلي والده بعد بلوغ أقصي سن الحضانة ، ومن حق الأب أن يضم الصغير إليه بعد انتهاء حضانة النساء ، والأب يجبر علي أخذ صغيره ، وضمه إليه ، بعد استغنائه عن حضانة النساء ، لأن نفقة الصغير وصيانته علي أبيه بإجماع الفقهاء ، وهو أقدر علي التأديب والتعليم والسهر علي مصالح أبنه بعد تجاوزه سن الحضانة .
وبالنسبة للصغيرة ـ بعد انتهاء سن الحضانة ـ فإن ضمها إلي عاصبها حق لها علي هذا العاصب ، وللعاصب حق في ذلك ، فقد قصد بالضم إليه الحفظ والصيانة . غير أن مناط ضم الصغيرة إلي أبيها هو بلوغها حد الشهوة ، وما فيه من وصف الخوف عليها ، فهي حين تبلغ هذا الحد ، تكون مشتهاة من الرجال ، فتحتاج إلي من يحفظها ويصونها ، وهذا حقها ، وحق أبيها . ومن حفظ البنت زواجها ، والولاية في الزواج للعصبة وسائر الأقارب بترتيب الإرث . والبنت تخطب من عصبتها ، فيجب أن تضم إليهم إذا جاوزت سن الحضانة ، وبلغت مبلغ النساء .
وقد قضي بأن الولاية في الزواج للعصبة وسائر الأقارب مرتبة بترتيب الإرث فيقدم من كان من جهة الأبوة ـ الأب وأب الابن وان علا ـ ثم من كان من جهة الأخوة ـ الأخ الشقيق والأخ لأب ، وابن كل منهما ـ ثم من كان من جهة العمومة ـ العم الشقيق والعم لأب ، وابن كل منهما وان نزل ـ ثم سائر الأقارب من أصحاب الفروض ذوي الأرحام .
قد يجد أثناء قيام النساء بالحضانة من الأمور ـ بالنسبة للمحضون ـ يجعله في أشد الحاجة إلي إبقائه في يد الحاضنة من النساء ، تتعهده علي أساس من الشفقة والرحمة ، وعاطفة الأمومة في حدود أحكام الشريعة الإسلامية . فإذا ثبت إن المحضون ، وان تجاوز أقصي سن الحضانة المقررة للنساء ، فإنه يكون غير قادر علي المحافظة علي نفسه ، أو معرفة ما ينفعه وما يضره ، إذا ثبت كل هذا ، فإن من المصلحة إبقاء مثل هذا المحضون في يد حاضنته ، كي ترعاه وتتعهده ، وتحافظ عليه كما لو لم يكن قد بلغ أقصي سن الحضانة ، لأن مصلحة الصغير في هذه الحالة داعية لذلك ، وقد أجازت المادة 20 من القانون 25 لسنة 1929 للقاضي أن يخير الصغير أو الصغيرة إذا تبين له إن المصلحة تقتضي إبقاءه في يد الحاضنة ، قضي بذلك إلي بلوغ سن الرشد بالنسبة للصغير ، وبالنسبة للصغيرة حتي تتزوج ، وذلك بدون أجر حضانة .
وإبقاء الصغير ـ أو الصغيرة ـ في يد الحاضنة بعد تجاوز سن الحاضنة محكوم بضوابط يتعين توافرها وهي :
1 ـ أن تطلب الحاضنة من القاضي ـ في مواجهة من له الحق من العصبات في ضم الصغير إليه بعد تجاوزه أقصي سن الحضانة ـ إبقاء الصغير في يدها . وسبب هذا الطلب :
أ ـ إن المحضون في يدها بعد تجاوزه سن الحضانة ، لم يعد بحاجة إلي حضانة النساء كالمدة السابقة ، وإنما الإبقاء هو حفظ وصيانة ، وليس حضانة .
ب ـ تعلق حق المحضون بضمه إلي أبيه ، وتعلق حق الأب بضم ابنه إليه ، وقد عبر القانون بلفظ " إبقاء " لكي يبين إن هذه المدة في يد الحاضنة ليست مدة حضانة ، وإنما هي مدة حفظ للصغير ، ولذلك يتعين أن تطلب الحاضنة إبقاء الصغير في يدها عن طريق الدعوي ، لكي تبين مصلحة الصغير الداعية للحكم بإبقائه في يدها ، وأن تقيم الدليل علي ذلك ، لأن الأصل انتهاء الحضانة ببلوغ المحضون أقصي سنها المقررة في القانون ، وإن استمرار المحضون في يد الحاضنة بعدها - بدون حكم ـ فيه مخالفة لهذا الأصل .
ولذلك يتعين أن يكون طلب الحاضنة إبقاء الصغير في يدها ، بعد تجاوزه أقصي سن الحضانة المقررة في القانون ، ولا يحكم لها بالبقاء ، قبل بلوغ المحضون هذه السن ، لعدم استغنائه ـ بعد ـ عن خدمة النساء ، وكون الحاضنة صاحبة يد عليه هي يد الحاضنة .
2 ـ أن تثبت الحاضنة أمام القاضي إن مصلحة الصغير تقتضي إبقاءه في يدها ، بعد تجاوزه أقصي سن الحضانة ، هذا الشرط أساسي لإبقاء المحضون في يد الحاضنة ، لأن أساس الإبقاء مصلحته هو لا مصلحة حاضنته .
هذه المصلحة ينظر في تحققها إلي المحضون ذاته علي ضوء الضوابط والظواهر التي فيها نفعه ، ويستقل القاضي بتخير المحضون بالبقاء فى يد الحاضنة.
3 ـ أن يصدر حكم من القاضي ببقاء المحضون في يد حاضنته ـ بعد تجاوزه أقصي سن الحضانة ـ دون اجر حضانة ، لأن المدة التالية لهذه السن ، لم ترد في النص حقاً للحاضنات ، ولا هي تعتبر امتداد للحضانة . وإنما هي مدة " إبقاء " أي مدة حفظ في يد الحاضنة ، بعد أن أصبح في مقدور المحضون القيام بشئون نفسه بنفسه والاستغناء عن خدمات النساء .
وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون 25 لسنة 1929 إن المصلحة داعية إلي أن يكون للقاضي حرية النظر في تقدير مصلحة الصغير أو الصغيرة ، بعد أقصي سن الحضانة ، فإن رأي مصلحتها في بقائهما تحت حضانة النساء قضي بذلك ، وإن رأي مصلحتهما في غير ذلك قضي إلي غير النساء ، أي قضي بأن يكون الصغير في يد العصبات .