انتداب المحامى
إن استعداد المدافع عن المتهم وعدم استعداده موكول إلى تقديره هو على حسب ما يمليه عليه ضميره واجتهاده فإذا ما أبدى المحامى استعداده للقيام بما ندب له وأدلى بأوجه الدفاع التى رأى الإدلاء بها فلا يكون ثمة إخلال من جانب المحكمة بحق المتهم فى الدفاع، فلا وجه لما يتحدى به الطاعن من أن المحامى المنتدب لم يكن عالماً بوقائع الدعوى.
ولم يوجب قانون الإجراءات الجنائية أو قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 أية شروط أو إجراءات لندب المحامى للحضور مع متهم فى جناية.
ولا يوجب القانون ندب مدافع عن المتهم أمام محاكم الجنايات الذى لم يعين لنفسه مدافعاً عنه إلا إذا كان متهماً بجناية أما إذا كان متهماً أمامها بجنحة فلا وجوب لذلك، ونجد الماده 98 من قانون تحقيق الجنايات والمادتان 25، 26 من قانون تشكيل محاكم الجنايات قد أكدت على ضرورة وجود من يساعد المتهم بجناية فى المدافعة عنه هو حق أصيل جوهرى يترتب على إغفاله بطلان جميع الإجراءات والمدافع الذى يندب لهذا الغرض يجب أن يكون دفاعه حقيقياً لا شكلياً، ولا يصح أن يطلب من المدافع اتخاذ خطة معينة فى الدفاع بل أن له أن يرتب دفاعه طبقاً لما يراه هو فى مصلحة المتهم فإذا وجد أن المتهم معترف اعترافاً صحيحاً بجريمته كان له أن يبنى دفاعه على طلب الرأفة فقط دون أن ينسب إليه أى تقصر فى ذلك.
والغرض من إيجاب حضور مدافع عن كل متهم بجنايه لا يمكن أن يتحقق على الوجه الأكمل إلا إذا كان المدافع متتبعاً إجراءات المحاكمة بالجلسة من أولها إلى آخرها مما يجب معه أن يكون قد سمع الشهود قبل المرافعة إما بنفسه وإما بواسطة زميل له يختاره هو من هيئة الدفاع.
فإذا كان المحامى المنتدب عن المتهم لم يحضر سماع الشهود بالجلسة بل كان عمله مقصوراً على أداء أوجه المدافعة بعد أن كان الشهود قد سمعوا فى حضرة محام آخر هو المحامى الأصيل ولم يعد سماعهم فى حضرته فإن الحكم الصادر على المتهم يكون مقاماً على إجراءات منطوية على الإخلال بحق الدفاع.
أما قانون تشكيل محاكم الجنايات يوجب أن يحضر مع المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات محام يتولى الدفاع عنه وإذا كان هذا المحامى الذى ندبته المحكمة غير مقبول للمرافعة أمام هذه المحاكم فإن ذلك يكون فيه إخلال بحق المتهم فى الدفاع يستوجب بطلان الإجراءات وبطلان الحكم المترتب عليها تبعاً.
وقد نصت المادة 33 من القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث على وجوب أن يكون للحدث فى مواد الجنايات محام يدافع عنه فإذا لم يكن قد اختار محامياً تولت النيابة العامة أو المحكمة ندبه طبقاً للقواعد المقرة فى قانون الإجراءات الجنائية، وذلك يعتبر تطبيقاً للقاعدة الأساسية التى أوجبها الدستور فى الفقرة الثانية من المادة 67 منه والتى تنص على أن الاستعانة بالمحامى تكون إلزامية لكل منهم بجناية ولكى يكفل له دفاعاً حقيقياً لا مجرد دفاع شكلى فالاتهام بجناية أمر خطير يحتم ضرورة وجود محام أثناء المحاكمة يشهد إجراءاتها وليعاون المتهم معاونة إيجابية وحرصاً من الشارع على فاعلية هذا الضمان فرض عقوبة الغرامة فى المادة 375 من قانون الإجراءات الجنائية على كل محام منتدباً كان أو موكلاً من قبل متهم يحاكم فى جناية إذا هو لم يدافع عنه أو يعين من يقوم مقامه للدفاع عنه فضلاً عن المحاكمة التأديبية إذا اختصها الحال.
وللمتهم مطلق الحرية فى اختيار من يتولى الدفاع عنه وحقه فى ذلك مقدم على حق المحكمة فى تعيين المدافع إلا أنه متى ثبت أن المتهم لم يذكر للمحكمة حين ندبت محامياً عنه أنه وكل محامياً آخر ولم يطلب تأجيل نظر الدعوى لحين حضوره فإن المحامى الذى ندبته المحكمة يكون حراً فى أداء مهمته.
وتطبيقاً لذلك فإذا ما عهد المتهم إلى محام بمهمة الدفاع عنه فإنه يتعين على المحكمة أن تستمع إلى مرافعته أو أن تتيح له الفرصة للقيام بمهمته وهذا المبدأ مشروط بعدم التعارض مع ما للمحكمة من المحافظة على عدم تعطيل سير الدعاوى فإذا ما تبينت المحكمة أن المقصود من طلب التأجيل عرقلة سير القضية دون أية مصلحة حقيقية للدفاع فلها الحرية التامة فى التصرف بشرط ألا يترك المتهم بلا مدافع.
فإذا اختار المتهم مدافعاً فليس للقاضى أن يفتئت عليه فى ذلك وأن يعين له مدافعاً آخر وإذا امتنع محامى المتهم عن المرافعة وانسحب من الجلسة ندبت المحكمة عنه وقام المحامى المندوب بالدفاع عن المتهم سيما وأن المحكمة أجلت نظر الدعوى بعد انسحاب المحامى الموكل لكن يتمكن المحامى المندوب من الاطلاع على ملف الدعوى والاستعداد للمرافعة وعلم بذلك المحامى الموكل والذى أعاد طلب التأجيل على لسان من حضر عنه بالجلسة الأخيرة وكان بوسعه أن يحضر للدفاع عن المتهم - أما وقد نكل عن ذلك ولم يعارض فى مرافعة المحامى المندوب عنه فإن ما اتخذته المحكمة من جانبها لا يعد افتئاتاً على حق الدفاع ولا يثير شبهة الإخلال به مادام الثابت أن المتهم لم يترك بلا دفاع.
وإذا تم ندب محام للمرافعة عن المتهم لمصادقة وجوده بالجلسة وقبل المرافعة، ومادام المفروض فى المحامى أنه يبدى أوجه دفاعه عن المتهم بحسب ما يرتضيه ضميره وما يتليه عليه التقاليد النبيلة للمهنة التى ينتمى إليها مما لا تصح معه مناقشته فيما قاله وما لم يقله فى مصلحة الدفاع فلا يصح أن ينعى على المحكمة أنها ندبت هذا المحامى لمصادفة وجوده بالجلسة ولم تمنحه أجلاً يحضر فيه دفاعه فى الدعوى على الوجه الأكمل.
وإذا لم يحضر المحامى فى الموكل عن المتهم وندبت المحكمة محامياً آخر تدافع فى الدعوى فإن ذلك لا ينطوى على بطلان فى الإجراءات ولا يعد إخلالاً بحق المتهم فى الدفاع طالما أنه لم يعد اعتراضاً على هذا الإجراء أو يتمسك أمام المحكمة بطلب تأجيل نظر الدعوى متى يحضر محاميه الموكل. وإذا لم يوكل المتهم محامياً للدفاع عنه ولم يطلب تأجيل نظر الدعوى لتوكيل محام فندبت المحكمة له محامياً ترافع فى الدعوى وأبدى ما عن له من دفاع فيها فإن المحكمة تكون قد وفرت للمتهم حقه فى الدفاع، ولا وجه للقول بخلو محضر الجلسة مما يفيد أن المحكمة قد أعطت المحامى المنتدب الوقت الكافى للاطلاع على أوراق الدعوى وتحضير دفاعه خاصة وقد ثبت بمحضر جلسة المحاكمة أن المحامى شرح وقائع الدعوى ودوافع الجريمة وطلب استعمال الرأفة لصغر سن المتهم وعدم وجود سوابق له، وطالما أن المحامى المنتدب تدافع ولم يعترض المحكوم عليه فإن إجراءات المحاكمة تكون قد تمت صحيحة.
وإذا كان الثابت أن المتهم بالجناية قد حضر عنه محام وشهد إجراءات محاكمته وتولى الدفاع عنه من غير أن يبدو من المتهم أى اعتراض فإنه يستوى أن يكون المحامى قد حضر بناء على توكيل من المتهم أو نيابة عن المحامى الموكل أو منتدباً من المحكمة أو من تلقاء نفسه فالذى هو أن يكون قد تحقق للمتهم الدفاع على الوجه الذى يتطلبه القانون.
وما دام أن المحامى الذى ندبته المحكمة قد أدلى بأوجه المدافعة التى عنت له دون أن يبدى فى الجلسة أنه لم يكن مستعداً للمرافعة أو أنه لم يكمل استعداده ومادام الاستعداد موكولاً لذمة المحامى ويبلغ تقديره لواجبه حسب ما تقضى به أصول مهنته وتقاليدها فلا محل للنعى على المحكمة بأنها أخلت بحق المتهم فى الدفاع.
أما بخصوص تأجيل الدعوى فمن المقرر أن المحامى الموكل عن المتهم إذا لم يحضر وحضر عنه محام آخر أبدى سبب تغيبه وطلب تأجيل الدعوى حتى يحضر فلم تستجب له المحكمة ومضت فى نظر الدعوى وشمعت مرافعة محام آخر كانت قد ندبته فى اليوم السابق للمرافعة فى الدعوى فإن ذلك منها لا يعد إخلالاً بحق الدفاع مادام المتهم لم يبد أى اعتراض على هذا الإجراء ولم يتمسك أمام المحكمة بطلب تأجيل نظر الدعوى حتى يحضر محاميه الموكل.
فإذا أبدى المتهم بالجلسة أنه يعترض على السير فى الدعوى فى غيبة محاميه الموكل وأنه يطلب تأجيل نظرها حتى يتسنى لمحاميه المذكور أن يحضر للدفاع عنه فإن التفات المحكمة عن طلب التأجيل ومضيها فى نظر الدعوى وحكمها عليه بالعقوبة مكتفية بحضور المحامى المنتدب دون أن تفصح فى حكمها عن العلة التى تبرر عدم إجابته أو أن تشير إلى اقتناعها بأن الغرض من طلب التأجيل هو عرقلة السير الدعوى يعتبر إخلالاً بحق الدفاع مبطلاً من طلب التأجيل المحاكمة وموجباً لنقض الحكم.
وأخيراً فإن مجلس النقابة يقوم بدور المعاون للمحاكم فى تعيين من يلزم ندبه من المحامين دون أن يسلبها الخيار بين أن تندب للمتهم من يقبل الدفاع عنه من المحامين أو أن تندب له المحامى صاحب الدور عن طريق النقابة.