مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
مرحبا بك معنا و نتمنى أن تكون من أعضاء منتدانا
و تساهم معنا ليستفيد الجميع ، و شكرا لك


مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
مرحبا بك معنا و نتمنى أن تكون من أعضاء منتدانا
و تساهم معنا ليستفيد الجميع ، و شكرا لك

مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماهدخول

القانون المصرى

محمد جمعه موسى للمحاماه *جمهوريه مصر العربيه - محافظه البحيره - رشيد *01005599621- 002-01227080958-002

descriptionفعـل الاحتيـال Emptyفعـل الاحتيـال

more_horiz
فعـل الاحتيـال
يختلف النصب عن التدليس المدنى اختلافا بينا ، فالقانون المدنى يرتب بطلان العقد على الحيل التى قد يلجأ إليها أحد المتعاقدين أيا كان نوعها ، ولو كانت أكاذيب عارية عن كل فعل خارجى يعززها ، وكل ما يتطلبه فيها أن تكون على درجة من الجسامة " بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثانى للعقد " على حد تعبير المادة 125 منه ، كما يعتبر تدليسا مجرد السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة " إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة " على حد تعبير الفقرة الثانية مـن المادة المذكورة .
أما النصب - ويطلق عليه أحيانا التدليس الجنائى - فلا يمكن أن يكون مجرد أكاذيب شفوية أو مكتوبة ، ومن باب أولى مجرد كتمان أمر من الأمور ، بالغا ما بلغ قدر هذه أو تلك من الجسامة وإنما يستلزم نص المادة - لكى تدخل أكاذيب الجانى فى دائرة الاحتيال المعاقب عليه وتستوجب من ثم العقوبة الجنائية ( 1 ) ، أن تكون على درجة من الخطورة تتمثل فى أن تتخذ هذه الأكاذيب أحد مظاهر ثلاثة ذكرها علـى سبيل الحصر لا التمثيل وهى :
أولا : أن تكون معززة بمظاهر خارجية أو أفعال مادية ، وهو ما يسمى بالطرق الاحتيالية .
ثانيا : تتخذ هذه الأكاذيب نطاقا معينا هو التصرف فى مال ثابت أو منقول ليس ملكا للجانى ، ولا له حق التصرف فيه .
ثالثا : أن تكون عبارة عن اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة .
وهذه هى الطرق الثلاث التى ينبغى أن يقع بإحداها فعل الاحتيال وإلا فلا جريمة وستكون كل طريقة منها موضوعا لمطلب خاص على التوالى :
 
المطلب الأول : الطرق الإحتيالية
 
يقتضى بحث الطرق الاحتيالية تعرف صورها المختلفة ، ثم أغراضها ، وأخيرا بعض قواعد عامة عليها .
الفرع الأول :  الصور المختلفة للطرق الاحتيالية
لم يضع القانون تعريفا للطرق الاحتيالية ، واستنادا إلى ما هو شائع فى شأنها يمكننا تعريفها بوجه عام بأنها " كل كذب مصحوب بوقائع خارجية أو أفعال مادية يكون من شأنها توليد الاعتقاد لدى المجنى عليه بصدق هذا الكذب بما يدفعه إلى تسليم ما يراد منه تسليمه طواعية واختيارا " ( 1 ) .
والمستفاد من هذا التعريف أنه يلزم ضرورة صدور كذب من الجانى أيا كان ميدانه وصورته ، والكذب هو تغيير الحقيقة أى جعل واقعة كاذبة فى صورة واقعة صحيحة ، ويكون بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة .
ومن المتفق عليه أنه لا يكفى لقيام الطرق الاحتيالية مجرد السكوت أو كتمان أمر من الأمور فلا نصب بالترك أو بالامتناع ، فمن يخفى عن الدائن إعساره وعجزه عن رد مبلغ يطلب اقتراضه منه ، أو حتى عدم رغبته فى رده كلية لا يعد محتالا ، كذلك السكوت عن غلط واقع فيه المجنى عليه من تلقاء نفسه ، أو نتيجة نشاط شخص آخر لا تربطه بالجانى صلة ، والاستفادة من هذا الغلط باتخاذ موقف سلبى بحت لا يعد نصبا ، بل ينبغى فى جميع الأحوال أن يتخذ كذب الجانى مظهرا إيجابيا ، ولو صغير الشأن .
على أن الكذب وحده - ولو بفعل أو قول إيجابى - لا يكفى لتكوين ركن الاحتيال حتى ولو كان بالكتابة ( 2 ) ، وحتى لو كرره صاحبه وأصر عليه وبالغ فى تأكيده ( 3 ) ، أو أذاعه بين الناس بطرق مختلفة من الإعلان والدعاية ، بل يستفاد من التعريف الذى أعطيناه للنصب ضرورة أن يصطحب هذا الكذب بوقائع خارجية أو أفعال مادية أخرى ، فالنصب يتطلب نوعا من الإخراج المسرحى ، طبق للتعبير المألوف ، أى طريقة للعرض يستهدف بها الجانى الخداع والتمويه واستدراج فريسته إلى الفخ .
والأصل هو أن تكون هذه الأشياء الخارجية عبارة عن وقائع مادية أعدها الجانى مقدما ورتبها لتعزيز ادعاءاته ، وهى من الكثرة بحيث لا يمكن أن تقع تحت حصر ، وقد تساهل القضاء والفقه فى تحديدها ، وفضلا عن ذلك فقد اعتبرا من قبيل أعداد هذا الوقائع أو ترتبيها مجرد الاستعانة بشخص ثالث لتعزيز الادعاءات الكاذبة ، ثم سارا فى شوط التساهل مدى أوسع فاعتبرا مجرد حيازة الجانى صفة خاصة تميزه وتبرر تصديق ادعاءاته الكاذبة أمرا كافيا لتكوين ركن الاحتيال ( 1 ) .
وعلى ذلك ينبغى أن تتخذ الطرق الاحتيالية - طبقا لهذا التوسع الحالى - إحدى صور ثلاث وهى :
أولا : أعداد وقائع مادية أو مظاهر خارجية .
ثانيا : الاستعانة بشخص ثالث .
ثالثا : حيازة الجانى صفة خاصة تحمل على الثقة فيه .
وسنعالجها تباعا فيما يلى :
أولا : أعداد وقائع مادية أو مظاهر خارجية
هذه الوقائع أو الأعمال المادية يلزم فيها أن تكون مستقلة عن الكذب أما إذا كانت مجرد ترديد له بصورة أو بأخرى فلا قيمة لها فإذا ادعى دجال أنه قادر على شفاء ضحيته مقابل مبلغ من المال بلمسة من يده وأعاد على مسامعه هذه الأكذوبة بطرق مختلفة ، وأخذ منه المال مقدما ، فلا يتكون ركن الاحتيال مع ذلك  إنما إذا اقترن هذا القول بأعداد مكان مخصوص ، وبحركات معينة فيكفى ذلك لأن يعد احتيالا ( 1 ) .
ويميل جانب من الرأى إلى القول بأن الأفعال الخارجية التى قد يستعين بها المحتال ينبغى أن تكون مستقلة عن حركات أعضائه المختلفة التى قد تعينه على تمثيل دوره ، مثل حركات اليد أو إيماءة الرأس باعتبار أنها حركات طبيعية شائعة تلازم المحادثة ، فمثلا إذا طلب المدين ورقة المخالصة من الدائن بزعم أن مبلغ الدين فى جيبه وأنه أحضره لسداده ، وأشار إلى جيبه الخالى للإيهام أن بداخله النقود ، فإن هذه الإشارة منه لا تعد احتيالا ، أما إذا وضع فى جيبه حافظة محشوة ورقا أبيض لتأييد إشارته وتعزيز رغبته فى إدخال الغفلة على الدائن ، فإن ذلك يتكون به الاحتيال .
والغالب أن تتخذ هذه الأفعال مظهرا قويا متقن الإخراج قادرا على خداع الأفراد ، فمن ينشئ مشروعا وهميا يعمد عادة إلى اختيار أسماء معينة ومقرا معروفا يزوده بالموظفين الكافين للخداع وبتليفون ، ومنقولات ، فضلا عن النشر والإعلان ، ومن يدعى أنه من أرباب الأعمال الواسعة أو أصحاب النفوذ يحسن عادة اختيار مسكنه وسيارته وملابسه وطريقة حديثة ، وكل ما قد يحمل على الثقة فى أقواله .
هل يلزم فى الطرق الاحتيالية أن تكون متقنة ؟
ذهب رأى إلى أن الاحتيال يجب أن يكون على درجة معينة من الإتقان بحيث يجوز على الرجل العادى المتوسط الذكاء ، فإذا نجحت هذه الوسائل لا بسبب إتقانها ولكن بسبب أن المجنى عليه يتمتع بقسط وافر من الغباء أو السذاجة ، فلا يتكون بها الاحتيال ، لأنه ينبغى على الإنسان أن يكون حذرا فى معاملاته الحذر المألوف ، ومتخذا الحيطة الواجبة دون إفراط فى الثقة أو فى سهولة الانقياد ، أما إذا كان غبيا أو مغفلا فالقانون الجنائى لا يحميه .
إلا أن الرأى السائد حاليا هو أنه ينبغى أن تقدر أفعال الاحتيال من وجهة نسبية تقتضى النظر إلى مقدار تأثيرها على المجنى عليه ، لا من وجهة مجردة ، فإن أفلحت فى خديعته وإيقاعه فى الغفلة فهى تعد احتيالا معاقبا عليه ، حتى لو كان من غير المتصور أن تفلح مع غيره من الناس ممن يكونون على القدر المطلوب من الحيطة والحذر ( 1 ) ، وسند هذا الرأى أنه لو قيل بغير ذلك لما جاز عقاب الشروع فى النصب ، إذ المفروض حينئذ أن تكون الطرق الاحتيالية غير متقنة وعاجزة عن خداع المجنى عليه ، بدلالة كشفه عن حقيقتها وإحباطه إياها ، مع أنه لا نزاع فى أن هذه الأفعال كافية لتكوين الشروع المعاقب عليه .
ومن جانب آخر فإن السذج والبسطاء أجدر بحماية القانون من الماكرين الأذكياء وأحق برعايته ، أما إذا كانت الطرق الاحتيالية من السذاجة بحيث لا يمكن أن تنطلى على أحد ، فيمكن القول حينئذ بتحقق حالة استحالة مطلقة مما يرجع إلى الوسيلة المستعملة ، وهى حائل يحول دون القول بالعقاب طبقا للرأى الذى يبدو أنه لا يزل سائدا فى قضائنا بقى أن نعطى بعض أمثلة متنوعة من قضاء المحاكم فى مصر لما اعتبرته من أكاذيب مصحوبة بطرق احتيالية ثم لما اعتبرته أكاذيب مجردة لا يقوم بها الاحتيال .
بعض ما اعتبرته المحاكم طرقا احتيالية :
أ) فى نطاق العلاج والشعوذة
* أن يعلن المتهم فى نشرة أنه يعالج الأمراض العصبية ويسهل الحمل ويوهم الناس بأساليب مختلفة أن صناعته معالجة المرضى ومثلها أن يضع على بابه لوحة ويرتدى ملابس بيضاء ، فإن هذه المظاهر تؤثر فى عقلية الجماهير.
* أن يوهم المتهم المجنى عليه وزوجته بقدرته على الاتصال بالجن وإمكان شفاء الزوجة من العقم ، ويحدث أصواتا مختلفة يسميها بأسماء الجن فى غرفة مظلمة يطلق فيها البخور ويقرأ التعاويذ ( 2 ) ومثلها أن يزعم القدرة على استحضار الجن لقضاء الحاجيات واستخراج كنز ويستعين على إقناع المجنى عليهم بإحداث أصوات وتحريك أدوات وما إليها ، ويتوصل بذلك إلى سلب مبالغ منهم ( 1 ) .
ب ) فى نطاق التجارة والصناعة
* أن يتخذ المتهم محلا فخما ويقابل فيه المجنى عليه ويفهمه أنه من أصحاب الأملاك الواسعة ، وأنه متعهد للجيش البريطانى ويتوصل بذلك إلى الاستيلاء منه على 1144 كيسا من البصل موهما إياه بحصول ربح له أن ورد هذا القدر ( 2 ) .
* أن يصنع أقراصا من مادة أخرى خلاف المادة التى تصنع منها أقراص أسبيرين " باير " وأقل منها بكثير فى الأثر ويضعها فى غلافات من الصفيح عليها علامة باير ويوزعها على الجمهور ( 3 ) .
* أن يقدم إلى المجنى عليه زجاجة موهما إياه أن بداخلها خمرا فى حين أنها كانت تحوى ماء ملونا ، مع دعم هذه الأساليب بتقديم زجاجة أخرى حاملة البيانات الدالة على نوع تلك الخمر ، وتكون الواقعة فى نفس الوقت شروعا فى خداع المتعاقد معه فى حقيقة البضاعة وذاتها ( 4 ) .
* أن يدعى المتهم كذبا أنه يملك عمارة بها بعض مواد البناء للبيع ويستصحب المجنى عليه لمعاينة هذه الأدوات غير المملوكة لتأييد مزاعمه 
* أن يزعم المتهم كذبا وجود صفقة من النحاس والرصاص الخردة معروضة للبيع بالورشة التى يعمل بها ، ويستصحب المجنى عليه إلى تلك الورشة ويحضر عينة منها ، ويتوصل بذلك إلى الاستيلاء على مبلغ 46 جنيها منه كجزء من ثمن الصفقة ، ثم يدخل الورشة أمامه ، إلا أنه يهرب بالمبلغ ولا يعود ( 5 ) .
* أن يوهم المتهم المجنى عليه بمشروع تجارى كاذب ويؤيد ادعاءه بأوراق تشهد باطلا باتجاره مع آخرين فينخدع المجنى عليه ويسلمه النقود التى يطلبها .
* أن يقدم المتهم أوراقا مزورة إلى موظفى مؤسسة مديرية التحرير تأييدا لزعمه الكاذب بتوريد أجهزة استقبال إذاعة لاسلكية للاستيلاء على قيمتها وذلك مع أن الجريمة لم تتحقق لسبب لا دخل لإرادته فيه هو فطنة هؤلاء الموظفين ، مما يعتبر شروعا فى جريمة نصب وليس جريمة مستحيلة ( 1 ) .
* أن يستعين المتهم بحقيبة أورى أنها ملأى بأوراق نقدية تعادل كامل ثمن السيارة التى كان يريد شراءها ، وقد تمكن بما استعمله من طرق احتيالية من الحصول على توقيع المجنى عليه على عقد بيع السيارة أمام موثق الشهر العقارى بما تضمنه هذا العقد من أن المجنى عليه أقر بقبضه الثمن كاملا ، وبعد أن حصل المتهم على هذا العقد بهذه الصورة استمسك به قبل المجنى عليه وطالبه بتسليم السيارة  ( 2 )
ج ) فى نطاق المصـادفة
* أن يقدم المتهم ورقة نقد من فئة عشرة قروش إلى رجل متقدم فى السن ضعيف البصر ، فى مكان لا يصل إليه النور ، وفى وقت قل فيه التعامل بهذا النوع من الورق ، وأن يوهمه كذبا أن قيمتها خمسون قرشا ، لأن هذه الظروف بانضمامها إلى الأقوال الكاذبة الصادرة من المتهم تكون الطرق الاحتيالية .
* وإذا كانت الواقعة هى أن المتهم تظاهر بالشراء جديا من المجنى عليها وساومها على البيع ووصل إلى تحديد ثمن معين ، ثم استعان على تأييد هذه المزاعم المكذوبة بإعطائها ورقة ذات عشرة جنيهات وكلفها بصرفها ، ثم عاد إليها وطلب منها الورقة بحجة صرفها بنفسه فانخدعت المجنى عليها وسلمته الورقة - وهى تملك فيها جنيهين - فأخذها وهرب بها ، فإن هذه الوقائع إذا ثبتت فى حق المتهم وصحت نسبتها إليه تكون قانونا جريمة النصب المنصوص عليها فى المادة 336ع . ( 1 )
د ) فى نطاق التأمين
* أن يضع الجانى النار عمدا فى محل تجارة مؤمن عليه ويتوصل بذلك إلى الاستيلاء على قيمة التأمين وعلى العموم أن يصطنع أية كارثة للحصول على مبلغ التأمين . ( 2 )
* أن يبالغ المؤمن فى تقدير قيمة أشياء احترقت بتقديم أوراق وهمية وإخفاء أشياء أنقذت من الحريق للحصول على ثمنها من شركة التأمين ، أو أن يقدم فواتير وهمية فحسب .
* بل واعتبر شروعا فى احتيال أن يتقدم أحد المؤمنين ببلاغ كاذب إلى البوليس يشكو عن سرقة سيارته المؤمن عليها .
هـ) فى نطاق التقاضى وإجراءات التحقيق
* أن يقيم أحد الأشخاص دعوى على آخر مستعملا وسائل احتيالية فى الإثبات للحصول على حكم بمبلغ من المال ، وبوجه خاص تقديم كمبيالة محض صورية ومعدومة السبب لتعزيز طلب حجز ما للمدين لدى الغير . ( 3 )
* أن ينتحل شخصان صفة ضابط مباحث وشرطى سرى ويطلبان من المجنى عليه إبراز بطاقته الشخصية للإطلاع عليها ثم يتظاهران أن بضبط المجنى عليه ومن معه ويطلبان منهم اصطحابهم إلى قسم الشرطة ويستوليان بهذه الطريقة على نقود المجنى عليه ، فإن ذلك تتوافر به عناصر جريمة النصب ، بالإضافة إلى أن هذه الأفعال والمظاهر تتحقق بها أيضا جريمة التداخل فى الوظيفة العامة المنصوص عليها فى المادة 155ع ، وذلك مع مراعاة ما سيرد فيما بعد من أن مجرد الاستعانة بشخص ثالث يتوافر به عنصر الاحتيال ، وكذلك مجرد انتحال صفة كاذبة
و ) فى نطاق السداد والتخالص
* أن يقوم المتهم بإيهام المجنى عليه بوجود سند دين غير صحيح بأن يقدم له سندا مزورا بدلا من سند صحيح كان يداينه به وبنفس قيمة السند فينخدع المجنى عليه ويسلمه مبلغ الدين بناء على ذلك ، فإن ذلك مما يتحقق به ركن الاحتيال فى جريمة النصب  ( 1 ) .
* أن يوهم المدين دائنه برغبته فى سداد الدين ويدفع تأييدا لمزاعمه جزءا منه ويوقع على سندات بما يوازى قيمة باقى الدين ، وذلك بقصد الحصول على مخالصة بكل الدين وبالتنازل عن الحجز الذى كان الدائن قد أوقعه عليه ، حتى إذا تم له ما أراد تحت تأثير الحيلة أخذ صورة فوتوغرافية لهذه المخالصة ليتمسك بها عندما تحين الفرصة التى يعد لها ما اتخذه ليحصل على المخالصة ، فإن هذا يكفى بذاته لأن يعتبر من الأعمال المادية المؤيدة لمزاعمه مما تتوافر به الطرق الاحتيالية . ( 2 )
ما لم تعتبره المحاكم طرقا احتيالية
أما فى الأمثلة الآتية فقد رأى القضاء أن أكاذيب المتهمين كانت عارية لم تتأيد بوقائع مادية أو بمظاهر خارجية من صنعهم ، أى لم يتوافر لها عنصر الإخراج ، فهى لا تعد احتيالا :
* أن يزعم شخص بأنه سيبيع آخر سلعة ما ويتسلم الثمن مقدما ، ولا تكون عنده هذه السلعة ثم ينكر تسلمه الثمن . ( 3 )
* أن يبيع بائع متجول تذاكر ملاهى قديمة على أنها صالحة للاستعمال ولا تكون كذلك .
* أن يستولى المتهم على مبلغ أوهم المجنى عليه كذبا أنه سيدفعه رشوة إلى موظف عمومى لتأدية عمل ما . ( 1 )
* أن يوهم المتهمان المجنى عليها باحتمال مهاجمة اللصوص إياها وسلب أموالها ، حتى لو استعانا فى ذلك بذكر حادث معين من حوادث السرقة التى وقعت فى تلك الجهة . ( 2 )
* أن يقوم المتهم بتحسين الدخول فى مضاربات القطن للمجنى عليه وإرشاده فيها بما عرف عنه من معرفة بعلم اليازرجة وبشرط مقاسمته فى الأرباح بقدر الثلث ( 3 )
* أن ينوى المتهم الزواج من ابنة المجنى عليه ويوهم والد الزوجة بأنه فى حاجة إلى مبلغ مائة جنيه لأعداد منزل الزوجية ، ولما يستولى عليه يطلق زوجته بعد الزواج . ( 4)
وفى هذا الموضوع يعتبر الرأى السائد أن التوصل إلى الزواج من امرأة لا يعد نصبا ولو كان بقصد الاستيلاء على مالها ، مادام الزواج مقصودا لذاته ، أما إذا كان الزواج أمرا غير مقصود لذاته ، بل كان مجرد وسيلة لسلب ثروة الزوجة فإنه يكون نصبا وسيلته الإيهام بمشروع كاذب  .
ثانيا : الاستعانة بشخص ثالث
استعانة الجانى بشخص ثالث لتأييد ادعاءاته الكاذبة أمر كثيرا ما يعمد إليه المحتالون لأن من شأنه أن يضفى على هذه الادعاءات مظهرا جديا ، ومن ثم يسهل وقوع الفريسة فى الشرك المنصوب ، لذا أصبح من المتفق عليه أن هذه الاستعانة تعد كافية للقول بتوافر الطرق الاحتيالية ، ولو لم تصطحب بأى نشاط آخر من المحتال .
وينبغى فى جميع الأحوال أن يكون المحتال هو الذى رتب تداخل هذا الشخص الثالث لتأييد مزاعمه الباطلة ، أما إذا تدخل هذا الأخير من تلقاء نفسه بدافع من الفضول أو بمحص الصدفة ، وأيد المحتال فى كل مزاعمه أو بعضها ، فلا يكون ركن الطرق الاحتيالية قد استقام بعد ، ويستوى أن يكون هذا الشخص الثالث متواطئا مع المحتال أى سئ النية يعلم الأمر على حقيقته ، أم أن يكون هو الآخر مخدوعا لا يعلم من حقيقة الأمر شيئا ، كأن يكون المحتال قد استشهد به على صحة واقعة صحيحة استغلها فى الإيهام بأخرى كاذبة ، فأيده المتدخل عن حسن نية غير عالم بالهدف الذى يرمى إليه المحتال  . 
وينبغى ألا يكون الشخص الثالث مجرد وكيل أو نائب عن المحتال يردد أقواله على لسانه دون أن يعززها بأقوال جديدة من عنده أو بأفعال أخرى كما ينبغى كذلك ألا يكون وكيلا أو نائبا عن المجنى عليه غير عالم بحقيقة الأمر لأنه لا يعدو أن يكون حينئذ مجرد آلة أو وسيط فى نقل أكاذيب الجانى إلى المجنى عليه .
وقد حكم بأن الطرق الاحتيالية تعد متوافرة ، نتيجة استعانة الجانى بشخص ثالث يؤيد مزاعمه عند المجنى عليه ، فى الأحوال الآتية :
أن يدعى شخص كذبا بأن ورقة بنكنوت وجدت فى الطريق مملوكة له ، ويستعين بآخر يصادفه على هذا القول  ( 1 ) .
أن يتقدم شخص للكشف على ورقة يانصيب ربحت 200 جنيه ، فيفهمه البائع أنها ربحت ثمانين قرشا فقط ، وكان بجوار البائع شخص آخر استعان به فتظاهر بالنظر إلى كشف النمر الرابحة ثم أيد البائع فى مدعاه فدفع هذا الأخير مبلغ 75 قرشا لصاحب الورقة وأخذها منه  ( 2 ) .
أن يؤيد المتهمان فى النصب كل منهما الآخر فى قدرته على رد أشياء مسروقة من المجنى عليه فى مقابل مبلغ من المال ، وبداهة تكون الواقعة حينئذ نصبا بالنسبة لهما معا ( 3 ) .
أما إذا ادعى شخص القدرة على رد أشياء مسروقة كذبا وحصل بذلك على مبلغ من المال دون أن يتجاوز هذا الحد فى أكاذيبه فالواقعة لا تعد احتيالا بل مجرد كذب عادى  ( 1) .
أن يقدم شخصان حلية زائفة لرهنها لدى المجنى عليه على اعتبار أنها ذهبية ويؤيد كل منهما الآخر فى إيهام المجنى عليه بذلك ( 2) ، ومثلها أن يرهن المتهم تمثالا من النحاس على أنه من الذهب ويحصل على مبلغ أعلى من قيمته بكثير ، ويكون ذلك بتأييد شخص آخر أيده فى هذه الخدعة ( 3 ) ، أما إذا كان الأمر لم يتجاوز عرضا من المتهم الراهن وقبولا من الدائن المرتهن ، دون تدخل شخص آخر ، فالواقعة لا تعد احتيالا بل تدليسا مدنيا .
أن تقوم زوجة بتأييد مزاعم زوجها المحتال لإدخال الغفلة على المجنى عليه وإيهامه بأن فى قدرة زوجها معالجته بواسطة الجان ، بما دفعه إلى أن يدفع المبلغ المطلوب لزوجها ، وفى هذه الحالة تعتبر الزوجة فاعلة أصلية فى النصب مثل زوجها تماما ( 4 ).
أن يقوم شخص بتأييد مزاعم صديق له لإدخال الغفلة على المجنى عليه وإيهامه كذبا بوجود جهاز تسجيل يراد بيعه له واستلام خمسين جنيها ثمنا لهذا الجهاز ( 5 ) .
أن يسئ موظف استعمال وظيفته ، خصوصا إذا استعان بشخص آخر على تأييد أقواله وادعاءاته المكذوبة ، وتدخل هذا الأخير لتدعيم مزاعمه يعتبر من قبيل الأعمال الخارجية التى تساعد على حمل المجنى عليه على تصديق تلك الادعاءات ، وبهذه الأعمال الخارجية يرقى الكذب إلى مرتبه الطرق الاحتيالية الواجب تحققها فى جريمة النصب ( 1 ) .
الاستعانة بأوراق منسوبة إلى شخص ثالث
يعتبر فى حكم الاستعانة بشخص ثالث استناد المحتال إلى محرر مزور مسند إلى الغير كخطاب أو برقية ، مثل محتال أوهم المجنى عليه بأن من سلطته تعيينه بوظيفة فى أحد البنوك وأيد ادعاءه بأوراق مصطنعة نسبها إلى مدير البنك تخوله أن يعين الموظفين فيه ( 2 ) ، ومثل تقديم سند مزور إلى الحارس المعين على أشياء محجوز عليها لأخذها منه ( 3 ) ، ومثل تقديم إيصال مزور على شخص معين إلى موظف بشركة والاستيلاء بذلك على الجبن المودع  بالشركة  لحسـاب المجنى عليه ( 4 ) ، وقضى بذلك فى فرنسا فى قضية متهم تقديم بأوراق تقرر كذبا أن أولادا يعيشون فى كنفه ليتمكن من قبض علاوات على ماهيته  .
ويستوى أن يكون هذا الغير المسند إليه المحرر شخصا حقيقيا أم وهميا من نسج الخيال ، وقد قضى بذلك فى قضية متهم اصطنع سند دين على مدين موهوم وقدمه إلى المجنى عليه لاقتناعه بإقراضه مبلغا من المال ( 5 ) كما قضى به فى قضية آخر محتال حرر عريضة فى حق المجنى عليه ، عليها ختم شخص لا وجود له ، وأوهمه أن ذلك الشخص كلفه بكتابتها لإرسالها إلى نائب ملك بريطانيا العظمى ، ولكنه امتنع عن إعطائها إلى صاحبها حتى لا يرسلها إلى الجهة المختصة فتوصل لذلك إلى الاستيلاء على مبلغ مائتى قرش من المجنى عليه ( 6 ) ، أما استناد المحتال إلى محرر صادر منه هو إلى شخص ثالث فلا يعد كافيا ، لأنه لا يكون له من قيمة فى الإقناع أكثر مما لأكاذيبه الشفوية .
ثالثاً : حيازة الجانى صفة خاصة تحمل على الثقة فيه
تتساهل المحاكم فى تقدير الطرق الاحتيالية تساهلا كبيرا إذا كان الجانى يتمتع بصفة خاصة تحمل المجنى عليه على الثقة به وتصديق أكاذيبه ، ولو كانت شفوية مجردة عن أى نشاط آخر ، لأن هذه الصفة الخاصة تعد فى حد ذاتها بمثابة المظهر الخارجى الذى من شأنه أن يعزز مزاعم الجانى ويخرجها عن دائرة الكذب البسيط .
والمفروض فى هذه الصفة الخاصة أن تكون حقيقته ليست منتحلة ، وفى ذلك تختلف هذه الطريقة عن النصب باتخاذ صفة غير صحيحة ، وهى ترجع فى غالب الأحوال إلى نوع العمل الذى يباشره الجانى واتصاله بطبيعته بالميدان الذى اختاره لأكاذيبه ، بما يبرر سهولة تصديقها ويجعل اكتشاف حقيقتها أمرا صعب المنال .
ومن ذلك ما قضى به من أنه يعد نصبا بهذه الطريقة :
أن يرهن المتهم مصاغا زائفا لدى المجنى عليه بعد إيهامه أنه مصاغ حقيقى فإن هذه الواقعة وحدها لا تعد نصبا كما قلنا ، إلا أن المحكمة اعتبرتها كذلك عندما لاحظت أن المتهم من أقارب زوجة المجنى عليه ، وسبق أن ارتهن عنده مصاغا آخر واسترده بعد دفع الدين ، فهذه القرابة يمكن أن تعد هنا من قبيل الصفة الخاصة التى حملت المجنى عليه على الثقة فى الجانى ، فدعت بذلك إلى القول بتوافر النصب
أن يستولى رجل دين على مبلغ من المال من سيدة بعد إيهامها بأن فى مقدوره أن يصلحها مع زوجها بطريق السحر ، وكانت صفة المتهم الدينية هى التى حملتها على تصديقه ( 1 ) .
أن يستولى رجل بوليس على مبلغ بعد تنفيذ حكم شرعى ، وبطريق الادعاء بأنه رسم تنفيذ ذلك الحكم ، وأن يستولى ممرض مستشفى على مبلغ من شقيقة أحد المرضى على زعم أنه ثمن دواء اشتراه لشقيقها المريض ( 1 ) .
أن يستولى مأمور ضرائب عقارية على مبلغ من المال من المجنى عليهما بحجة أنه رسم زعم كذبا أنه لدفع غرامة فرضت عليهما لتأخرهما فى الأخطار عن مبان مستجدة قاما بإنشائها وبعد تحصيله وقع منهما على الدفتر الذى يحمله ثم استولى على المبلغ لنفسه . ( 2 )
الفرع الثانى : أغراض الطرق الاحتيالية
حددت المادة 336 أغراض الطرق الاحتيالية بقولها : إن النصب يكون باستعمال طرق احتيالية " من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة ، أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمى ، أو تسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال ، أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور " ويقصد بالإيهام بأمر : إيقاع الشخص فى غلط وحمله على تكوين اعتقاد مخالف للواقع بوجود هذا الأمر وبمعنى أخر نشوء عقيدة وهمية لدى المجنى عليه بصحة ادعاءات الجانى المخالف للحقيقة ( 3 ) ، وهذه الأغراض واردة على سبيل الحصر لا المثال ولو أن العبارات التى استعملتها مرنة تتسع لكل الأهداف التى يهدف إليها المحتالون من أكاذيبهم وهى تحتاج إلى بعض الإيضاح ( 4 ) .
أولا : الإيهام بوجود مشروع كاذب
وهو ينصرف إلى الإيهام بوجود عمل يتطلب اشتراك جملة أشخاص لإنجازه ، أو هو " كل تصميم يوضع موضع التنفيذ " ( 5 ) ومن ذلك الإيهام بوجود شركة صناعية أو تجارية أو زراعية أو جمعية أو نقابة ، أو جهة بر كاذبة ، أو بإقامة حفلة أو استغلال اختراع موهوم ، أو بإنشاء مكان للعبادة أو ملجأ أو باعتزام تنظيم رحلة ، أو جمع اكتتاب لجريدة وهمية أو توقفت عن الصدور .
ثانيا : الإيهام بوجود واقعة مزورة
وعبارة القانون المصرى واسعة المدى ، بل هى بالغة المرونة وتتسع لكل صور الكذب ، أى تغيير الحقيقة ، فالواقعة المزورة هى كل حادثة تذكر على غير حقيقتها ، وهى بهذا المعنى تتسع حتما لكل أغراض الطرق الاحتيالية الأخرى التى أشارت إليها المادة 336 وتغنى عنها ، كما يتسع التزوير المعنوى بجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة لكل طرقه الأخرى .
ثالثا : إحداث الأمل بحصول ربح وهمى
وهو ينصرف إلى إيهام المجنى عليه بأنه سيحقق ربحا ماديا وقد جرى الرأى على أنه ينصرف أيضا إلى قضاء أية مصلحة ولو لم يكن لها عنده سوى قيمة أدبية فحسب كتعيينه فى وظيفة لا يتقاضى عنها راتبا ، أو استخراج رخصة حمل سلاح ، أو إلحاقه بمدرسة .. الخ .
وبطبيعة الحال أنه وإن كانت الطرق الاحتيالية تعد من وسائل النصب إلا أنه يجب لتحقق جريمة النصب بهذه الوسيلة أن يكون من شأنها الإيهام بوجود مشروع كاذب ، أو واقعة مزورة ، أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمى أمر غير ذلك من الأمور المبينة على سبيل الحصر فى المادة 336 عقوبات ، فإذا استخلصت محكمة الموضوع من الوقائع - فى حدود سلطتها وبأسباب سائغة - أن المشروع الذى عرضه المتهم على المجنى عليه مشروع حقيقى جدى فإن أركان جريمة النصب تكون غير متوافرة  (1)
?
رابعا : إحداث الأمل بتسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال
الشائع فى الفقه هو أن المادة قد استعملت عبارة تسديد المبلغ بمدلول شامل يشير إلى الإيهام بإرجاع الشئ المستولى عليه بوجه عام سواء أكان مبلغا من النقود أم أية سلعة من السلع ، إلا أنه كان من الواجب التعبير عن هذا الغرض بعبارة إحداث الأمل بإعادة الشئ الذى أخذ بطريق الاحتيال ، إذ يستوى أن يقترض الجانى - نتيجة طرق احتيالية - نقودا وهو لا ينوى ردها ، أو أن يرهن مقابل الدين سلعة تافهة الثمن بعد أن يقنع الدائن بطرق احتيالية أنها ذات قيمة كبيرة ، أو أن يقنع المجنى عليه بطرق احتيالية بتأجير دراجة أو سيارة له ليستولى عليها لنفسه بعد أن يتسلمها منه ، أو فى الجملة أن يباشر طرقه الاحتيالية بحجة تسلم أى منقول بمقتضى أحد عقود الأمانة ، وإذا كان هذا العقد من تلك الواردة فى المادة 341ع فاستولى الجانى على المنقول كانت الواقعة نصبا ، وفى نفس الوقت خيانة أمانة .
والفرق بين النصب وخيانة الأمانة فى هذا النطاق هو أن تسلم المال فى خيانة الأمانة يكون دائما بناء على عقد من عقود الأمانة ناقل الحيازة المؤقتة ، ويستوى بعدئذ أن يكون هذا العقد سليما غير مشوب بأكاذيب أم أن يجئ نتيجة تدليس أم احتيال ، أما النصب فهو يتطلب دائما الاستيلاء على مال ، وأن يجئ تسليم المال بناء على احتيال ، ويستوى بعدئذاً أن يكون التسليم بعقد ناقل الحيازة المؤقتة كالوديعة ، أم الحيازة التامة كالقرض ، أم حتى بدون عقد ولمجرد تمكين اليد العارضة .
خامسا : الإيهام بوجود سند غير صحيح أو سند مخالصة مزور
يتضمن ذلك كل ما يكون من شأنه حمل المجنى عليه على الاعتقاد بوجود التزام أو تخالص غير صحيحين ، ويستوى أن يكونا ثابتين بالكتابة أم لا ، وأيا كان نوعهما ، وسواء أكانت تنطبق عليهما نصوص التزوير أم لا تنطبق ، ومن ذلك أن يقدم الجانى إلى المجنى عليه سند مديونية مزورا ، أو لا يتضمن كل قيمة الدين ، أو أن يقدم فاتورة مزورة ، أو أن يقدم الدائن سند تخالص عن دين آخر أو غير موقع عليه منه ، ولذا حكم بأنه متى قام المتهم بإيهام المجنى عليه بوجود سند دين غير صحيح ، بأن قدم له سندا مزورا بدلا من سند صحيح كان يداينه به وبنفس قيمة السند فانخدع المجنى عليه وسلمه مبلغ الدين بناء على ذلك ، فإن هذا مما يتحقق به ركن الاحتيال فى جريمة النصب  ( 1 ) .
الفرع الثالث : قواعد عامة على الطرق الاحتيالية
تداخل الطرق الإحتيالية فيما بينها وبين أغراضها
قد تتداخل طرق الاحتيال فيما بينها ، كما قد تتداخل أيضا فيما بينها وبين أغراضها ، تداخلا يحول غالبا دون إمكان وضع حدود فاصلة بين ما يعد وسيلة الاحتيال وما ينبغى أن يعد الغرض منه ، فوسيلة الاحتيال تتطلب الكذب أى الإيهام بصحة واقعة مزورة ، وهذه الأخيرة قد تكون وسيلة للإيهام بوجود مشروع كاذب والمشروع الكاذب قد يكون وسيلة لإحداث الأمل بحصول ربح وهمى وهذا بدوره يتضمن إحداث الأمل بتسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال وهكذا .
كما تتداخل أغراض الطرق الاحتيالية تداخلا يحول دون الفصل فيما ببينها ، فمثلا الإيهام بواقعة مزورة يتضمن بداهة الإيهام بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور ، بل يتضمن فى الواقع جميع غايات الاحتيال الأخرى كما قلنا ، وإحداث الأمل بحصول ربح وهمى يتضمن بالضرورة إحداث الأمل بتسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال وهلم جرا .
ولا يترتب على هذا التداخل فى جانبيه معا صعوبة ما ، إذ أن كل ما يتطلبه القانون هو وقوع طرق احتيالية بأية صورة من الصور ، ولو لتحقيق غرض واحد من الأغراض الآنفة الذكر ، وهى من الشمول والاتساع بحيث تشمل كل الغايات التى يصور المحتالون لضحاياهم إمكان تحقيقها ومن ثم كان فعل الاحتيال نفسه - دون الغرض منه - هو الذى يمثل حجر الزاوية فى بنيان الركن المادى للجريمة ، والعنصر المميز لها عن غيرها من الجرائم ، وعن التدليس المدنى .
ولذا نرى أن ورود غايات الطرق الاحتيالية على هذا النحو لا يحقق فائدة تذكر ، وبوجه خاص بعد إذ نص شارعنا على الإيهام بواقعة مزورة بين غايات الطرق الاحتيالية الأخرى ، فهو لا يتضمن تحديدا معينا لنطاق الاحتيال غير ما تنطوى عليه الطرق الاحتيالية بطبيعتها من ضرورة الكذب أى الإيهام بوجود واقعة مزورة إلى جانب عملية الإخراج والعرض . ( 1 )
لا يشترط فى الطرق الاحتيالية أن تكون بأمور محض وهمية :
القاعدة فى شأن الطرق الاحتيالية بوجه عام أنه لا يشترط فيها أن تكون كلها بأمور محض وهمية ، بل يتحقق بها الاحتيال ولو كان فيها قدر من الصحة ، طالما كان الكذب والإيهام عنصر واضح فيها ، أما مجرد المبالغة العادية فى وصف أهمية مشروع حقيقى ، أو فى تقدير إمكانيات نجاحه تشجيعا للأفراد على الإقبال عليه والمساهمة فيه فأمور تعد من قبيل الدعاية المشروعة ، طالما كان ذلك فى الحدود المألوفة التى لا تصل إلى حد اختلاق وقائع ، أو افتراض أرقام خيالية ، أو الاستعانة بأسماء معينة على خلاف الواقع ، وتقدير ذلك من الأمور الموضوعية التى قد تساعد قرائن الأحوال المختلفة والظروف الحقيقية المحيطة بالمشروع على تبين حقيقة الأمر فيها ، ويتحقق النصب على الأرجح ولو كانت المعلومات التى ذكرها الجانى حقيقية ، أو لو كان يملك تنفيذ ما ذهب إليه مادامت إرادته قد انصرفت إلى الاستيلاء على ما يطلبه لنفسه دون تنفيذ وعده فى حصول الربح أو قضاء المصلحة التى يبغيها المجنى عليه ، فالمادة صريحة فى أن مجرد إحداث الأمل بحصول ربح وهمى يعد غاية كافية بذاتها فى تحقيق معنى الاحتيال ، أما موطن الكذب فهو فى إيهام المجنى عليه برغبة تحقيق هذه المصلحة كذبا .
_____________________
( 1 ) جرائم الاعتداء الأشخاص والأموال د / رؤوف عبيد ص446 .
( 2 )  نقض 1/3/1921 س 2 صـ467 و 29/3/1921 مج س 23 ص18.
( 3 )  نقض 24/4/1944 القواعد القانونية ج 6 رقم 339 ص463.
( 1 ) النظرية العامة للطرق الاحتيالية د / فادية يحيى أبو شهبة
( 1 )  جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال د / رؤوف عبيد
( 1 ) قانون العقوبات د/ أحمد أمين ، جرائم الأموال  د / مصطفى القللى ، الوسيط فى شرح قانون العقوبات د / أحمد فتحى سرور ، قانون العقوبات د / عبد الفتاح   مصطفى الصيفى
( 2 ) نقض 1/12/1952 أحكام النقض س 4 رقم 69 ص174 .
( 1 )  13/4/1942 القواعد القانونية ج 5 رقم 318 ص643 .
( 2 ) نقض 17/3/1917 الشرائع س 4 ص414 .
( 3 ) نقض 29/3/1937 القواعد القانونية ج 3 رقم 256 ص340 .
( 4 ) راجع نقض 8/1/1952 رقم 1167 س 21 ق .
( 5 ) راجع نقض 27/10/1952 رقم 514 س 22 ق
( 1 )  نقض 29/3/1965 أحكام النقض س 16 رقم 66 صـ308
( 2 )  نقض 29/5/1972 أحكام النقض س 23 رقم 192 صـ848
( 1 )  نقض 19/1/1960 أحكام النقض س 11 رقم 17 صـ95 .
( 2 )  نقض فى 6/4/1937 رقم 907 س 7 ق .
( 3 )  نقض 14/2/1974 أحكام النقض س 25 رقم 41 صـ187.
( 1 )  نقض 21/5/1956 أحكام النقض س 7 رقم 211 صـ752 .
( 2 )  نقض 10/6/1958 أحكام النقض س 9 رقم 165 صـ651 .
( 3 )  نقض 28/3/1921 المحاماة س 2 صـ1 .
( 1 )  نقض 12/3/1931 القواعد القانونية ج 2 رقم 200 صـ259 .
( 2 )  نقض 17/6/1946 القواعد القانونية ج 7 رقم 194 صـ179 .
( 3 )  نقض 25/2/1907 مج س 8 صـ109 .
( 4 ) نقض 13/12/1937 ملحق القانون والاقتصاد س 1938 عدد 5 رقم 24 صـ48 .
( 1 ) نقض 6/2/1923 المحاماة س 3 عدد 196 صـ363 .
( 2 )  نقض 26/4/1937 القواعد القانونية ج 4 رقم 76 صـ69 .
( 3 )   نقض 14/3/1938 القواعد القانونية ج 4 رقم 174 صـ159
( 1 )  نقض 6/6/1914 مج س 16 ص 5 و 14/11/1929 رقم 2427 س 46 ق
( 2 )  نقض 30/4/1948 القواعد القانونية ج 7 رقم 581 صـ547
( 3 )  نقض 27/11/1950 أحكام النقض س 2 رقم 82 صـ211
( 4 )  نقض 7/5/1962 أحكام النقض س 13 رقم 112 صـ443
( 5 )  نقض 18/12/1967 أحكام النقض س 18 رقم 271 صـ1273
( 1 )  نقض 20/6/1971 أحكام النقض س 22 رقم 118 صـ481
( 2 )  نقض 4/12/1939 القواعد القانونية ج 5 رقم 23 صـ29
( 3 )  نقض 25/1/1937 القواعد القانونية ج 4 رقم 37 صـ34
( 4 )  نقض 30/12/1968 أحكام النقض س 19 رقم 233 صـ1137
( 5 )  نقض 22/5/1932 مج س 33 رقم 182 صـ352
( 6 ) نقض 8/1/1917 الشرائع س 4 صـ266
( 1 ) نقض 7/12/1925 المحاماة س 6 رقم 77 صـ108
( 1 ) نقض 15/10/1945 القواعد القانونية ج 6 رقم 615 صـ765
( 2 ) نقض 12/1/1970 أحكام النقض س 21 رقم 22 صـ88
( 3 ) جرائم الاعتداء على الأموال  د/ عيد الغريب ـ صـ 213
( 4 ) جرائم الاعتداء على الأشخاص د / رؤوف عبيد
( 5 ) جارسون فقرة 49 ، 50
(1) نقض 26/6/1972 أحكام النقض س 23 رقم 213 صـ953
( 1 ) نقض 21/5/1956 أحكام النقض س 7 رقم 211 صـ752
( 1 ) جرائم الاعتداء على الأشخاص د / رؤوف عبيد

descriptionفعـل الاحتيـال Emptyرد: فعـل الاحتيـال

more_horiz
المطلب الثانى : التصرف فى عقار أو منقول ليس ملكا للجانى ولا له حق التصرف فيه
 
هذه الطريقة من طرق النصب وقد عبرت المادة 336 عن هذه الطريقة بأنها تصرف الجانى " فى مال ثابت أو منقول ليس ملكا له ولا له حق التصرف فيه " فهى تتطالب اجتماع عنصرين معا :
أولهما : التصرف فى عقار أو منقول .
وثانيهما : ألا يكون ملكا للجانى ولا له حق التصرف فيه . وسنعالجهما تباعا :
أولا : التصرف فى عقار أو منقول
التصرف المقصود من النص يخضع فى تحديده لقواعد القانون المدنى التى تعتبر تصرفا فى الشئ بيعه أو تقرير حقوق عينية أصلية عليه كالانتفاع والارتفاق أو حقوق عينية تبعية كالرهن التأمينى والحيازى أما ترتيب حقوق شخصية مثل تأجير الشئ أو أعارته أو إيداعه لمدى الغير ( إذا كان منقولا ) فلا يعد تصرفا فيه ، وإن جاز أن يعد نصبا إذا توافرت فيه الطرق الاحتيالية ، أو انتحال الصفة أو الاسم الكاذب
ثانيا : ألا يكون المتصرف مالكا المال ولا له حق التصرف فيه
يستلزم ذلك أن يتحقق فى المتصرف شرطان معا بحيث إذا تخلف أحدهما فلا محل للعقاب ، هما ألا يكون مالكا المال ، وألا يكون له حق التصرف فيه ولا مكان توضيح ذلك ينبغى افتراض أربعة فروض على النحو الآتى :
الفرض الأول : أن يكون المتصرف فى المال مالكا إياه ، وله حق التصرف فيه ، وحينئذ لا تقوم الجريمة وهو حكم بديهى لا صعوبة فيه .
الفرض الثانى : أن يكون المتصرف فى المال ليس مالكا إياه  ولكن له حق التصرف فيه ، وحينئذ لا تقوم الجريمة كذلك ، لأن التصرف سليم لا غبار عليه من الوجهة المدنية ، ومن ذلك أن يكون المتصرف وكيلا عن المالك بموجب عقد أو بحكم القانون كالولى الشرعى ، أو بحكم القضاء مثل الوصى بعد استئذان المحكمة الحسبية ، أو ناظر الوقف بعد استئذان الجهة المختصة عند الاستبدال وهكذا ، أما إذا انعدم الأذن فيكون التصرف مما يخضع للفرض الأخير الذى سيرد فيما بعد .
الفرض الثالث : أن يكون المتصرف فى المال مالكا إياه ولكن ليس له حق التصرف فيه ، وحينئذ ينبغى أيضا القول بعدم العقاب تطبيقا لما قلناه من أنه ينبغى للعقاب اجتماع الشرطين معا : ألا يكون المتصرف مالكا المال ، وألا يكون له حق التصرف فيه ، على أن ذلك قد أثار بعض البحث فيما يتعلق بالتصرف فى الأموال المحجوز عليها ، ثم فيما يتعلق بإعادة بيع العقار المبيع بعقد عرفى قبل تسجيل العقد السابق .
التصرف فى الأموال المحجوز عليها
ففيما يتعلق بالمنقول المحجوز عليه ، من المسلم به أن الحجز يسلب المالك سلطة التصرف فى المنقول من يوم توقيع الحجز ، وإلا كان تصرفه باطلا ، حتى ولو كان هو الحارس عليه ، ويعد التصرف حينئذ تبديدا مما تعاقب عليه المادتان 341 ، 342ع ، ويكون من الوجهة المدنية تدليسا إذا كان المشترى لا يعلم بالحجز ، ولكنه على أية حال لا يعد نصبا لأن البائع لا يزال مالكا ، وفيما يتعلق بالعقار المحجوز عليه فقد قررت المادة 405 من تقنين المرافعات الحالى رقم 13 لسنة 1968 صراحة عدم نفاذ التصرفات الحاصلة بعد تسجيل تنبيه نزع الملكية سواء أكانت من المدين أم من حائز العقار ، حتى ولو كانت ثابتة التاريخ قبل ذلك .
ولكن يلاحظ مع ذلك من الوجهة الجنائية أن تسجيل التنبيه ، وإن كان يحول دون نفاذ تصرفات المدين ، إلا أنه لا يزيل عنه صفة المالك ، ومن ثم ينبغى القول بعدم إمكان اعتبار تصرفه نصبا حتى صدور الحكم بمرسى المزاد ، بل تكون الواقعة مجرد تدليس مدنى ، وذلك إزاء وضوح نص المادة 336ع وما تستلزمه من صدور التصرف من غير مالك ، حين رأينا أن المدين يظل مالكا حتى تاريخ صدور ذلك الحكم  .  ( 1 )
إعادة بيع العقار قبل تسجيل العقد السابق
فيما يتعلق بإعادة بيع العقار المبيع قبل تسجيل عقد البيع السابق أثار الأمر وجه خلاف هام فعند وضع مادة النصب الجديدة فى قانون سنة 1904 التى اعتبرت نصبا بيع الإنسان ما لا يملك وما ليس له حق التصرف فيه ، كانت الملكية فى العقار تنتقل بالنسبة للمتعاقدين بمجرد توقيع العقد العرفى ، وتتراخى بالنسبة إلى الغير إلى ما بعد التسجيل ، فكان تصرف بائع العقار بعد البيع بعقد عرفى سابق يعد نصبا لا شبهة فيه ، لأنه يكون تصرفا من غير مالك العقار المبيع وممن ليس له حق التصرف فيه ، سواء أكان ذلك قبل تسجيل العقد السابق أم من باب أولى بعد تسجيله ومناقشات المادة فى مجلس شورى القوانين قاطعة فى ذلك .
ولكن بعد صدور قانون التسجيل فى سنة 1923 أصبحت الملكية لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول ، لا بالنسبة للمتعاقدين ولا بالنسبة لغيرهم ، إلا بالتسجيل ، ويترتب على ذلك أن البائع يظل مالك العين حتى وقت تسجيل العقد العرفى السابق وتسجيله فيكون البيع صحيحا صادرا من مالك ، وتنتقل الملكية إلى الأسبق تسجيلا من المشترين طبقا للقاعدة المعروفة ، ومثله كذلك إذا باع فى الفترة بين تحرير العقد العرفى السابق وتسجيل صحيفة الدعوى بصحة هذا البيع ونفاذه ، ويستوى فى ذلك أن يكون المشترى الثانى حسن النية غير عالم بالتصرف السابق أم سئ النية متواطئا مع البائـع للإضرار بالمشترى السابق لصدور البيع فى الحالين من مالك .
أما البيع بعد تسجيل العقد السابق ، أو بعد تسجيل صحيفة الدعوى بصحة العقد ونفاذه ، إذا قضى فيها بالصحة والنفاذ ، فيكون بيعا باطلا لصدوره من غير مالك ، ويترتب عليه - حينئذ فقط - وجوب اعتبار البائع محتالا ببيعه ما لا يملك وما ليس له حق التصرف فيه ، ولكن يشترط أن يكون المشترى حسن النية لا يعلم بالتصرف السابق ، أما إذا كان يعلم به ومع ذلك قبل الشراء على علاتة فينتفى الاحتيال بانتفاء الخداع ، الذى هو شرط لا غنى عنه لإمكان القول بالاحتيال .
هذا هو الرأى الراجح فى العمل الذى تميل إليه أحكام محكمة النقض والذى نراه ملتئما مع صريح نص المادة 336 وما تستلزمه لاعتبار الواقعة نصبا من ضرورة صدور التصرف من غير مالك أما البائع بعقد عرفى فيظل مالكا بصريح نص القانون حتى تاريخ التسجيل . ( 1 )
إلا أن هناك رأيا ثانيا - يقول به بعض الشراح - مقتضاه أنه إذا كان القانون المدنى لا ينقل ملكية العقار إلا بالتسجيل فإن القانون الجنائى يبنى أحكامه على حقيقة الواقع فحسب ، وحقيقة الواقع هى أن المالك إذا باع ثانية بعد البيع بعقد عرفى فإن بيعه هذا غير جائز ولا قانونى لمخالفته الالتزامات المترتبة على العقد السابق ، والتى تبيح للمشترى السابق الرجوع عليه بالتعويضات المدنية " وعلى ذلك فإن هذا البائع يعاقب متى سلمنا بمعاقبة المالك الذى ليس له حق التصرف : ويسأل عن جريمة نصب تامة إذا سجل المشترى الأول قبل المشترى الثانى ، ويسأل عن مجرد شروع فى نصب إذا سارع المشترى الثانى وسجل عقده أولا " ( 2 )
ومع وجاهة الاعتبارات العملية التى يقوم عليها هذا الرأى ، إلا أن سنده التشريعى يبدو محل نظر ، فالمادة 336 تتطلب من الجانى التصرف فى مال ثابت أو منقول " ليس ملكا له ولا له حق التصرف فيه " أما بائع العقار بعقد عرفى فيظل مالكا إياه حتى تمام التسجيل ، ولا شبهة فى ذلك ، سواء من وجهة واقع الحال ، كما لا شبهة فى أن المالك إذا باع ثانية بعد البيع بعقد عرفى سابق ، فإن بيعه الثانى هذا جائز قانونا ومنتج آثاره ولو سجل قبل البيع الأول لكان هو الناقل للملكية دونه .
لذا نرى صاحبه لا يتردد فى دعوة الشارع إلى التدخل " حتى يرفع كل لبس ويبين وجهة نظره ظاهرة ملموسة " وهو ما يعد تسليما منه بأن الوضع الحالى للنصوص قد لا يتمشى تماما مع رأيه ، ومن جانبنا نقول حبذا لو تم هذا التعديل بما يسمح بعقاب البائع مرتين ، حتى قبل تسجيل العقد السابق ، ولكن إلى أن يتم التعديل المقترح بالفعل لا محل للقول بأن ذلك هو حكم القانون فى وضعه الحالى .
وعى أية حال ينبغى أن يراعى أن جريمة النصب لا تقوم إلا على الغش والاحتيال بطرق يجب أن تكون موجهة إلى المجنى عليه لخداعه وغشه ، وإلا فلا جريمة ، فإذا كان مشترى العقار من غير مالكه يعلم أن البائع لا يملك هذا العقار ، وإنما مثلا اشتراه بعقد لم يسجله بعد ، فلم تنتقل ملكيته إليه ، أو أنه يملكه بتقادم مكسب لكن محل نزاع فلا نصب ، ومن ثم إذا دفع أمام المحكمة فى مثل هذه الحالات بأن المشترى يعلم بظروف العقار المبيع كان عليها أن تحقق هذا الدفاع ( 1 ) ولا يشترط بداهة أن يثبت العلم هنا بالكتابة ، أو أن يشار إليه فى نفس عقد البيع بل تستخلصه المحكمة من كافة ظروف الصفقة والقرائن المحيطة بها
ولا يكفى لتأثيم مسلك الوسيط فى عملية بيع الإنسان عقارا لا يملكه أن يكون قد أيد البائع فيما زعمه من ادعاء الملك إذا كان هو فى الحقيقة يجهـل الواقع من أمره ، أو كان يعتقد بحسن نية أنه مالك للقدر الذى تصرف فيه ( 2 ) .
الفرض الرابع : يتبقى بعد ذلك هذا الفرض الأخير وهو يتطلب أن يكون المتصرف فى المال " ليس مالكا ولا له حق التصرف فيه " فحينئذ فقط ينبغى القول بالعقاب كصريح نص المادة 336 لاجتماع الشرطين المطلوبين معا ، وذلك سواء أكان المال عقارا أم منقولا .
فبالنسبة للعقارات فإن ملكيتها تنتقل بتسجيل عقد البيع ، لذا ينبغى القول بقيام الجريمة عند التصرف فى عقار إلى مشتر ثان بعد بيعه إلى مشتر سابق وتسجيل العقد السابق ، وبشرط أن يكون  المشترى  الجديد جاهلا العقد السابق ( 1 ) ، أما إذا كان يعلم به كما فى حالة التواطؤ مع البائع للإضرار بالمشترى السابق فلا عقاب لانتفاء الخداع الذى هو أساس جريمة النصب ( 2 ) ، ويعد كالبيع فى هذا الشأن الرهن ( 3 ) وعلى العموم كل تصرف فى عقار بتقرير حق عينى أصلى أو تبعى عليه إلى آخر بعد خروجه من ملكية مالكه ومن باب أولى إذا صدر التصرف ممن لم يكن مالكا بالمرة .
وكذلك ينطبق النص فى حالة بيع الواقف عقاره بعد تمام الوقف ، ويلاحظ أن قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 جعل رسمية الأشهاد شرطا فى صحة انعقاده ، ومن ثم صار الوقف لا ينعقد بغير ذلك ، ولا يحول دون تصرف المالك فى العقار ، وذلك شأن العقار الموهوب بعقد غير رسمى .
وهذا الحكم لا يزال قائما لغاية الآن بالنسبة للعقار الموقوف وقفا خيريا ، أما الوقف الأهلى فقد ألغى منذ سنة 1952 .
أما بالنسبة للمنقولات فإن النصب بهذه الطريقة متصور أيضا ، على أن الأمر بحاجة إلى تفصيل :
أ ) فعندما يكون المنقول فى غير حيازة صاحبه فإن النصب بهذه الطريقة يتحقق عندما يتصرف الحائز غير المالك إلى الغير إذا كان الأخير حسن النية لا يعلم من حقيقة الأمر شيئا ، ويستوى فى ذلك أن تكون حيازة الحائز مؤقتة ( أى ناقصة ) كحيازة المستأجر أو المستعير أو المودع لديه أو الدائن المرتهن ، أو مجرد عارضة (أى حيازة مادية ) كحيازة الخادم ، أو ملتقط الشئ المفقود ، فإذا باع أحد من هؤلاء المنقول الذى فى حيازته لمشتر حسن النية كانت الواقعة نصبا لوقوع البيع على مالا يملكه البائع ولا يملك التصرف فيه ، بل قضى بأنه إذا قام الحائز للمنقول برهنه للغـير اعتبـار أنه مملـوك له كان مرتكـبا لجريمة النصب ( 1 ) لأن الرهن من أعمال التصرف لا الإدارة .
وفى حالة التصرف فى المنقول ممن له الحيازة المؤقتة بمقتضى عقد من عقود الأمانة تنشأ جريمة خيانة أمانة إضرار بمالك المنقول  فضلا عن جريمة النصب التى وقعت على المشترى أو المتصرف إليه حسن النية بوجه عام ومن ذلك ما قضى به من أنه إذا باع أمين شونة بنك التسليف الزراعى وخفيرها أرزا مودعا بالشونة لحساب وزارة الزراعة فإنهما يكونان مرتكبين جريمة النصب بالتصرف فى مال غير مملوك لهما ولا لهما حق التصرف فيه فضلا عن جريمة خيانة الأمانة  ( 2 )
وكذلك قد يكون المنقول فى غير حيازة صاحبه نتيجة سرقة  فإذا باع السارق المال الذى سرقه فهو مرتكب جريمة نصب بالنسبة للمشترى ، فضلا عن السرقة بالنسبة لمالك المال ، وكذلك إذا صدر نفس الفعل ممن يخفى هذا المال فهو مرتكب جريمة نصب بالنسبة للمشترى فضلا عن الإخفاء بالنسبة لمالك المال بشرط أن يكون المشترى حسن النية لا يعلم شيئا عن مصدر هذا المال ، لأن الخداع أساس جريمة النصب ، ومن الواضح أنه يتحقق بالبيع حالة تعدد مادى مع الارتباط الذى لا يقبل التجزئة بين الجريمتين - السرقة والنصب أو الإخفاء والنصب بحسب الأحوال - وبالتالى ينبغى اعتبار الجريمة التى عقوبتها أشد دون غيرها .
ب ) أما عندما يكون المنقول فى حيازة صاحبه فينبغى التمييز بين المثليات والقيميات :
فإذا كان من المثليات كالغلال والأقمشة وباعه صاحبه إلى الغير ، ثم عاد وباعه ثانية إلى مشتر آخر فلا يتحقق النصب لأن الملكية فى المثليات تنتقل بالتسليم لا بمجرد التعاقد ، فيكون البيع الجديد قد وقع على ما يملكه البائع ، سواء أوجدت عنده كمية مماثلة لما باع أم لم توجد ، فإذا لم توجد كان العقد مرتبا الالتزامات المدنية فحسب ، وبالأخص التزامه بأن يسلم المشترى قدرا مماثلا للقدر المبيع .
أما إذا كان من القيميات فإن ملكيته تنتقل بمجرد التعاقد ، ولذا فإنه إذا باع المالك شيئا معينا بذاته ثم عاد وباعه ثانية إلى مشتر آخر حسن النية لا يعلم بالبيع السابق كان البيع الجديد نصبا إذ أن البائع لم يعد مالكا بمجرد التعاقد السابق .
ويتحقق ذلك أيضا إذا كان المنقول المعين بذاته ليس فى حيازة صاحبه ، وكان البائع هو صاحبه متى تم البيع مرتين على النحو الذى بيناه ، ويتحقق من باب أولى إذا كان البائع ليس مالكا - وبغير تفويض من المالك - لتحقق الشرطين المطلوبين للعقاب  وهو صدور التصرف ممن لا يملك المال وليس له حق التصرف فيه , وينبغى ملاحظة أن النصب بهذه الطريقة يكفى وحده لتوافر فعل الاحتيال فلا يلزم فيه وقوع أية طرق احتيالية مما أشرنا إليها فى المطلب السابق لأن كل طريقة من طرق النصب الثلاث قائمة بذاتها تغنى عن غيرها .
_________________________
(1) جرائم الاعتداء على الأشخاص  د / رؤوف عبيد ص470
( 1 )  نقض 11/12/1944 ج 6 رقم 420 صـ560
( 2 ) راجع د / أحمد فتحى سرور - المرجع السابق صـ731 , د / فوزية عبد الستار - المرجع السابق صـ854
( 1 )  نقض 16/5/1966 أحكام النقض س 17 رقم 114 صـ636
( 2 )  نقض 27/1/1969 أحكام النقض س 20 رقم 40 صـ183
( 1 )  نقض 5/2/1931 القواعد القانونية ج 3 رقم 174 صـ225
( 2 )  نقض 11/12/1944 القواعد القانونية ج 6 رقم 420 صـ560
( 3 )  نقض 22/11/1966 أحكام النقض س 17 رقم 214 صـ1136
( 1 )  نقض 8/6/1936 القواعد القانونية ج 3 رقم 481 صـ608
( 2 )  نقض 19/2/1945 القواعد القانونية ج 6 رقم
 
المطلب الثالث : اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحـة
 
يقع النصب كذلك بطريقة ثالثة مستقلة عما عداها ، هى اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة ، وهو ما يقضى بيان ماهية الأمرين تباعا .
اتخاذ اسم كاذب :
ويقصد به كل أسم ينتحله الجانى ويكون غير أسمه الحقيقى بقصد حمل الغير على الاعتقاد خطأ فى كونه صاحب الأسم غير حقيقى اعتقاد يدفعه الى تسليم ماله إليه  .
واتخاذ اسم كاذب هو بعينه انتحال الاسم الذى يعاقب عليه القانون بوصفه تزويرا معنويا إذا وقع بالكتابة ، ومثله أن ينتحل المحتال شخصية الغير الذى يشبهه فى الاسم ، وكلا الأمرين - انتحال الاسم أو الشخصية - يكفيان لقيام النصب ولو وقعا شفاهة ، ولم تصاحبهما أية طرق احتيالية ، ولا محل للتفرقة بين انتحال الاسم وانتحال الشخصية ، ففى الحالين يقع المجنى عليه تحت تأثير زائف من وجوب رعاية الشخص المنتحل وتصديق ما يلقى إليه به من مزاعم ، دون أن تسمح الآداب المتعارف عليها بين الناس أن يطلب إليه إثبات حقيقة اسمه أو شخصيته .
ويستوى أن يكون الاسم المنتحل لشخص حقيقى أم خيالى ، كما يستوى أن يكون الاسم كله منتحلا ، أم أن يكون الانتحال وقع على جزء منه فحسب كمن يغير اسمه فقط ويستبقى اسم العائلة ، أو العكس .
ولا يعد اتخاذا لاسم كاذب تسمى المتهم باسم عرف به ، أو اتخاذه لاسمه المقيد به فى شهادة الميلاد دون اسمه الذى عرف به ، وتغيير اللقب يعد على أرجح الآراء اتخاذا لاسم كاذب بشرط توافر قصد إخفاء الجانى شخصيته الحقيقية ، والأمر رهن بالوقائع ، وبالأخص بمدى اتصال اللقب باسم صاحبه أو انفصاله عنه .
اتخاذ صفة غير صحيحة
يكون ذلك بأن ينسب المحتال إلى نفسه كذبا صفة تجعله محلا لثقة المجنى عليه فيه ، كادعائه أنه طبيب أو محام أو مهندس ، أو انتحاله أية شهادة علمية معترف بها ، أو كانتحال الرتب العسكرية أو المدنية ، ونرى أن النص عام يسمح بالانطباق على اتخاذ الرتب الأجنبية كذبا مثل البارون أو اللورد أو الأمير ولو أن اتخاذها يصطحب فى الغالب بانتحال الاسم ، وكذلك بادعاء الجنسية الكاذبة ، وهذا الأمر الأخير - لو كان وحده - يعد اتخاذا لصفة غير صحيحة .
وهذه الصفة قد ترجع أيضا إلى رابطة البنوة من شخص معين وعلى العموم إلى أى ادعاء لرابطة قرابة أو مصاهرة مزعومة ، ومنها أيضا ادعاء الوكالة عن شخص ما ، ولذا حكم بأنه يعد نصبا مجرد الاستيلاء على محرك سيارة مملوكة لآخر عن طريق ادعاء الوكالة عنه ( 1 ) ، وكذلك أن يتقدم الجانى إلى المجنى عليه زاعما أنه موفد من قبل والده ليتسلم بضاعة ، مع تقديم أوراق مزورة تثبت هذه الصفة ( 2 ) ، وبداهة أن تقديم هذه الأوراق لا أهمية له فى نطاق النصب .
كما حكم بقيام نتيجة مجرد ادعاء الجانى أنه موفد من قبل والد المجنى عليه لأخذ حماره لبيعه فى السوق لحسابه ، فاستولى عليه لنفسه ( 1 ) ، ونتيجة ادعائه للمجنى عليها أنه موفد من قبل زوجها لتسلم سلعة معينة لتوصيلها إليه فأخذها لنفسـه  ( 2 ) ، ومن ذلك أيضا ادعاء المشاركة مع شخص فى مشروع ما ، أو الرئاسة عليه .
ومن الأمور الشائعة فى العمل ادعاء الجانى أنه يشغل وظيفة هامة ، وقد حكم بأنه يعد نصبا ادعاء الموظف الصغير أنه " موظف كبير بأحد فروع الحكومة " وذلك لأن هذه العبارة الأخيرة تحمل فى ثناياها الإيهام بالنفوذ وعلو الكلمة ومضاء الرأى ، إلى غير ذلك من الصفات والمزايا التى لا يتمتع بها الموظف الصغير ( 3 ) ، ويعد من هذا القبيل ادعاء المحتال أنه مدير شركة أو وكيلها أو أنه تاجر ( 4 ) ، أو حتى مجرد وسيط وقومسيونجى ( 5 ) ، أو أنه من رجال مخابرات الحدود ويساوم والد أحد المعتقلين على إطلاق سراح ابنه المعتقل فى مقابل مبلغ من المال . ( 6 )
وفى الجملة يتعذر حصر الصفات الكاذبة التى يحتمل أن يعمد المحتالون إلى اتخاذها ، ويمكن القول أنها جميع الصفات التى تضفى على الجانى مكانة خاصة فى نظر المجنى عليه تحمله على الثقة فيه وتسليمه ما يطلبه منه ، ولذا فقد جرى الرأى على القول بأنه إذا لم يكن من شأن الصفة المنتحلة كذبا أن تسبغ على المنتحل مكانة خاصة أو ثقة معينة ، فلا محل للقول بالعقاب ، وكذلك الشأن إذا كان من اليسير على المجنى عليه أن يتحقق من حقيقة المتهم ، وكان عليه بحكم الحذر العادى المألوف فى المعاملات واجب التحرى عن حقيقتها ، فإذا أهمل فى ذلك أو تسرع فلا يلومن سوى نفسه .
وقد قضى بأن اتخاذ إجراءات قضائية استنادا إلى صفة وكالة كانت قد زالت قبل اتخاذها لا يشكل جريمة نصب ، بل أن أثره هو فحسب عدم قبول تلك الإجراءات لرفعها من غير ذى صفة ( 1 ) ، وكذلك الشأن فيما يتعلق بادعاء صفة تتصل بالحالة المدنية كادعاء القاصر كذبا أنه بالغ ، والزوجة أنها لم تتزوج أو أرملة
اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة يكفى بذاته لقيام الاحتيال
أشرنا إلى أن القاعدة فى اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أنه أمر يغنى بذاته عن ضرورة الاستعانة بطرق احتيالية من أفعال أو مظاهر احتيال أخرى تؤيد الجانى فى ادعائه ، وعبارة المادة 336 صريحة لا تدع مجالا للبس .
وقد اضطرت محكمتنا العليا على هذا الرأى منذ سنين طويلة  إلا أنها ذهبت فى بعض قضائها إلى أنه يلزم أن يصطحب ذلك بظروف أو مظاهر خارجية تحمل المجنى عليه على تصديق الجانى ، تطبيقا للقاعدة العامة التى تقتضى ألا يعد الكذب البسيط احتيالا مهما كان موضعه ، وفى ذلك تقول :
" متى كانت الواقعة كما هى ثابتة بالحكم هى أن المتهم لم يتجاوز فى فعلته اتخاذ اسم كاذب دون أن يعمل على تثبيت اعتقاد المجنى عليه بصحة ما زعمه ، وأن المجنى عليه اقتنع بذلك لأول وهلة ، فإن ذلك لا يكون من المتهم إلا مجرد كذب لا يتوفر معه المعنى المقصود قانونا من اتخاذ الاسم الكاذب فى باب النصب ذلك لأن القانون ، وإن كان لا يقتضى أن يصحب اتخاذ الاسم الكاذب طرق احتيالية بالمعنى الذى جاء به نص مادة النصب ، إلا أنه يستلزم أن تحف به ظروف واعتبارات أخرى يكون من شأنها أن تحمل المجنى عليه على تصديق مدعى المتهم ، وتقدير هذه الظروف والاعتبارات من شأن قاضى الموضوع " ( 2 ) .
وهذا القضاء يعوزه الوضوح ، فما هى الظروف والاعتبارات التى يكون من شأنها أن تحمل المجنى عليه على تصديق مدعى المتهم ، والتى لا ترقى مع ذلك إلى مرتبة الطرق الاحتيالية ؟ لم يشر الحكم إلى شئ منها ، كما أن نص القانون جاء خلوا من استلزام شرط كهذا ، أما إذا كان المقصود من هذا القضاء هو القول بأن ادعاء الجانى ، إذا كان واضح الكذب والبهتان بحيث تستبين حقيقته لكل ذى عينين فلا نصب ، كلابس رداء مهلهل ينتحل اسم وزير أو مدير ، فهو يكون حينئذ مقررا مبدأ مسلما به من الجميع ، إلا أن عبارات الحكم لا تتطلب ذلك فحسب ، بل تتطلب أن تكون ظواهر الحال مؤيدة الجانى فى كذبه ومسوغة سرعة تصديق المجنى عليه إياه ، وإلا فلا يتوافر النصب بهذه الطريقة .
ضرورة صدور نشاط  إيجابي
ينبغى فى جميع الأحوال أن يكون انتحال الاسم الكاذب أو الصفة غير الصحيحة بقول أو بكتابة أو بفعل ، كارتداء ملابس ضابط برتبة معينة ، أى أنه يلزم دائما صدور نشاط إيجابي من الجانى ، أما ترك المجنى عليه يعتقد خطأ بأن المتهم صاحب اسم كاذب أو صفة غير صحيحة ، فلا يعد نصبا ، ومن ذلك أن يكون الإنسان صاحب صفة معينة ثم تزول عنه فهو غير مكلف بتنبيه من يستمع إليه إلى زوالها ، كالوكيل الذى انقضت وكالته ، أو كالموظف الذى ترك وظيفته أما إذا ادعى بقول أو بفعل إيجابي أنه لا يزال محتفظا بالوكالة أو بالوظيفة فركن الاحتيال يعد متحققا ، وذلك تطبيقا لقاعدة أن الكتمان لا يعد نصبا ، وإن جاز أن يعد تدليسا مدنيا.
__________________________
( 1 )  نقض 24/10/1955 أحكام النقض س 6 رقم 366 صـ1251 
( 3 )  نقض 26/5/1952 رقم 472 س 22 ق
( 1 )  نقض 25/4/1915 الشرائع س 2 صـ283
( 2 )  نقض 28/12/1931 القواعد القانونية ج 2 رقم 307 صـ377
( 3 )  نقض 1/4/1935 المحاماة س 15 عدد 190 صـ317
( 4 )  نقض 28/2/1944 القواعد القانونية ج 6 رقم 407صـ409
( 5 )  نقض 6/3/1950 أحكام النقض س 1 رقم 121 صـ383
( 6 )  نقض 9/1/1967 أحكام النقض س 18 رقم 7 صـ46
( 1 )  نقض 19/1/1975 أحكام النقض س 26 رقم 10 صـ41
( 2 )  نقض 9/2/1948 القواعد القانونية ج 7 ر

عدل سابقا من قبل Admin في الخميس أغسطس 04, 2022 9:07 am عدل 1 مرات

descriptionفعـل الاحتيـال Emptyرد: فعـل الاحتيـال

more_horiz
الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات أو أى متاع منقول
 
تتطلب المادة 336 لقيام النصب التوصل إلى " الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أى متاع منقول " .
والاستيلاء فى النصب غيره فى السرقة ، فقد عرفنا أنه يكون فى السرقة بانتزاع حيازة المنقول من المجنى عليه رغم أنفه ، أما هنا فهذا الأخير يقوم طائعا مختاراً بتسليم المنقول إلى الجانى نتيجة لاحتياله . ( 1 )
واستيلاء الجانى على منقول المجنى عليه فى النصب يتطلب ضرورة بحث ماهية فعل التسليم ، ثم طبيعة المال محل التسليم ، وسنعالج كلا من الأمرين فى مطلب على حدة .
 
المطلب الأول : فعـل التسليم
 
قد يكون تسليم المنقول فى النصب بيد مالكه ، أو غير مالكه كحائزة الحيازة المؤقتة كالمودع لديه ، أو ممن له عليه اليد العارضة فحسب ، كالاحتيال على خادم للاستيلاء على مال مخدومه ، إذ لا أهمية لصفة من صدر عنه التسليم
وفعل التسليم قد يقع من نفس الشخص الذى كان ضحية الطرق الاحتيالية ، أو من آخر غيره ائتمر بأمره ، كما قد يحصل إلى الجانى نفسه أو إلى شخص آخر غيره ، ويستوى أن يكون هذا الأخير سئ النية عالما بحقيقة الواقعة أم أن يكون حسن النية لا يعلم عن حقيقة الأمر شيئا ، ويكون حينئذ بمثابة آلة فى يد فاعل غيره .
ولا أهمية فى النصب لما إذا كان التسليم بقصد نقل الحيازة التامة أو المؤقتة أو حتى مجرد اليد العارضة فحسب ، فالجريمة تتم متى صدر تسليم للمال ، بناء على احتيال وقع من المحتال للاستيلاء على هذا المال ، ولا محل لتطبيق قواعد الحيازة المدنية التى مرت بنا عند دراستنا التسليم النافى للسرقة ، لأن الأصل فى السرقة هو عدم حصول تسليم أصلا ، أما هنا فينبغى حصول التسليم دائما .
ولذا فإنه إذا تقدم محتال إلى صائغ ، وتمكن من الاستيلاء على حلية معروضة للبيع ، نتيجة مباشرته طرقا احتيالية ، أو اتخاذه اسما كاذبا أو صفة غير صحيحة ، أو عن طريق المبادلة عليها بمنقول لا يملكه ولا يملك التصرف فيه ، فإن الواقعة تكون نصبا فى جميع الأحوال وأية كانت طبيعة التسليم الذى صدر من الصائغ .
على أنه ينبغى ملاحظة أنه إذا كان تسليم الحلية لنقل حيازتها التامة إلى المحتال ( كصدوره بموجب بيع أو مقايضة مثلا ) فاستيلاؤه عليها يكون نصبا مجردا ، وإذا كان التسليم لنقل حيازتها المؤقتة إليه ( كصدوره بموجب أيجار أو عارية استعمال مثلا) فاستيلاؤه عليها يكون نصبا ، وفى نفس الوقت خيانة أمانة وأما إذا كان التسليم لتمكين اليد العارضة فحسب (كصدوره لتمكين المحتال من فحص الحلية فى حضور البائع فيأخذها ويلوذ بالفرار ) فالواقعة تكون نصبا وفى نفس الوقت سرقة ، وجلى أنه فى هاتين الصورتين الأخيرتين تطبق الأحكام العامة المتبعة فى حالة تعدد الجرائم ( 2 )
إثبات التسليم
يجوز إثبات التسليم فى النصب بكافة الطرق بما فيها البنية والقرائن ، ولو جاوزت قيمة المال محل التسليم ألفى ، ذلك أنه وإن كان القاضى الجنائى مقيد فى الأصل بقيود الإثبات المدنية فى إثبات المسائل غير الجنائية ( م 225 إجراءات ) إلا أنه إذا كان الفعل المعاقب عليه هو نفس الواقعة المراد إثباتها فلا محل للتقيد بهذه القيود ، إذ أن الغش نحو القانون يجوز إثباته بكافة الطرق فضلا عن توافر مانع حينئذ من الحصول على كتابة بسبب خوف المستلم من الوقوع تحت طائلة العقاب وهو فى النصب بوجه خاص يكون عادة على درجة كبيرة من الحذر( 3 ) ، وقد قضى بذلك فى قضية محتال أخذ من سيدة نقودا تتجاوز قيمتها هذا المقدار بزعم إحضار زوجها الغائب عنها غيبة مريبة ( 4) .
___________________________
(1)  د /  رؤوف عبيد - المرجع السابق
( 2 )  د / رؤوف عبيد - المرجع السابق
( 3 )  مبادئ الإجراءات الجنائية د / رؤوف عبيد
( 4 )  نقض 7/3/1929 القواعد القانونية ج 1 رقم 190 صـ234
 


المطلب الثانى : المال محل التسليم

يسرى على المال محل النصب كل ما عرفنا أنه يسرى على المال محل السرقة من شروط وخصائص ، فينبغى أولا أن يكون منقولا ، كما ينبغى ثانيا أن يكون مملوكا للغير .
أولا : كون المال منقولا
نص قانوننا صريح فى أن النصب يكون للاستيلاء على " نقود أو عروض أو سندات ، أو أى متاع منقول " فلا يكون محله عقار ، فيرى البعض وجوب وقوعه على منقول ، حين يرى البعض الآخر جواز وقوعه للاستيلاء على عقار ، وليست لهذا الخلاف قيمة تذكر فى العمل ، لأن وقوع الاحتيال للاستيلاء على سند مثبت لحق على عقار يعد نصبا بإجماع الآراء ، وهى الصورة المألوفة فى النصب للاستيلاء على عقار .
ويراعى فى تحديد المنقول ما ذكرناه عند الكلام فى السرقة من أنه قد يعد منقولا من الوجهة الجنائية ما لا يكون كذلك من الوجهة المدنية كالعقار بالتخصيص أو بالإيصال ، وينبغى أن يكون المنقول هنا أيضا ماديا لا معنويا فالأفكار والابتكارات والحقوق المختلفة والديون والأسرار لا يجوز أن تكون محلا للنصب ، كما لا يجوز أن تكون محلا للسرقة ، وذلك ما لم ينصب التسليم على المحررات المثبتة إياها .
ويرى البعض أنه لا يشترط أن يحصل تسليم مادى للورقة ، فلا فرق بين حمل دائن على تسليم ورقة دين - نتيجة للطرق الاحتيالية - وبين حمله بنفس الطرق على التوقيع على ورقة مخالصة ، أو على إضافة شروط أو التزامات جديدة عليها .
حكم الاحتيال للحصول على منفعة
من المسلم به أنه لا يعد فى حكم الاحتيال حصول الفاعل على تحقيق منفعة ما - لا تسلم منقول - ولو كانت لهذه المنفعة قيمة مالية ، كتعيينه فى وظيفة ، أو السفر مجانا ، فمن يوهم كمسارى القطار أو الترام أن معه اشتراكا أو من يسافر باشتراك غيره ، أو من يدعى أنه من رجال الشرطة المرخص لهم بالانتقال مجانا لا يرتكب نصبا ، أما احتيال الجانى للحصول على تذكرة سفر أو ترام أو اشتراك دون دفع الثمن فيعد نصبا ، إذ فى هذه الحالة الأخيرة بتسلم الجانى منقولا ماديا ولا يحقق مجرد منفعة
ومن تطبيقات هذه القاعدة كذلك أنه لا يعد نصبا احتيال المدين للتهرب من دفع الدين أو جزء منه أو لتأجيل السداد ، واحتيال المشترى لتقسيط الثمن حتى ولو عجز عن دفع الأقساط ، أما احتيال أحدهما للحصول على ورقة المخالصة فيعد نصبا
ولذا أيضا قضى بأن من يغش فى عداد المياه أو النور بإرجاع إبرته إلى الخلف بعد أن يكون قد قيد الرقم الصحيح للاستهلاك يعد مرتكبا لغش مدنى فى الدليل المثبت للدين  ، ومن ثم لا تعتبر الواقعة نصبا كما رأينا فيما مضى أنها لا تعتبر سرقة ، أما إذا تلاعب سائق التاكسى فى العداد حتى يتمكن من الاستيلاء على أكثر من الأجرة المستحقة فتعد الواقعة نصبا بالاستيلاء على مال لا مجرد منفعة ، ومن باب أولى لا يعد نصبا أن يقع الاحتيال لتحقيق منفعة ذات قيمة معنوية صرف كالاحتيال على شاهد للشهادة فى اتجاه خاص ، أو على موظف معين لاتخاذ قرار فى معنى معين ، أو على متهم لانتزاع اعتراف منه .
ثانيا : كون المال مملوكا للغير
ينبغى أن يكون الشئ محل النصب مملوكا للغير - كما هو الشأن فى السرقة تماما - ودون  أى وجه للتفرقة بينهما ، فيعد مملوكا للغير المنقول المفقود والكنوز والآثار ، حين لا يقع النصب على المال المباح ، كمن يحتال على آخر ليسمح له بالصيد فى مكان غير مرخص له بالصيد فيه ، كما لا يقع على المال المتروك ، كمن يحتال للاستيلاء على أوراق أو ملابس متروكة لم يتملكها أحد بعد والمحتال لا يعلم بذلك ، وكذلك لا يقوم النصب إذا احتال شخص للاستيلاء على منقول مملوك له وهو لا يدرى ، أى فى حيازة آخر لمجرد استرداد حيازته ، كالمودع الذى يحتال لاسترداد وديعته ، أو المعير لاستعادة عاريته أو المدين الراهن لاستعادة منقوله المرهون ، وينبغى فى جميع الأحوال أن يكون هذا المنقول المملوك للفاعل معينا بالذات ، أما إذا لم يكن كذلك فجريمة النصب تعد قائمة .
وقد حدث أن دائنا أراد الحصول على دينه من مدينه المماطل بالحيلة ، فأرسل إليه أحجارا على أنها نحاس فى طرد حوله عليه بقيمة الدين تماما ، فحكم القضاء بعدم اعتبار الواقعة نصبا لأن المتهم " إنما أراد الحصول على دينه ، وهى طريقة مقاصة جبرية وإن كانت غير مشروعة وممقوتة ، ولكن لا يكون عمله فيها جنحة نصب" .
وهذا الحكم يبدو محل نظر لأن الجانى هنا لم يحصل على منقول معين بالذات بل استولى على نقود المدين - وهى من المثليات - بطريق الاحتيال ، ففعله كان ينبغى أن يعد نصبا ، ولا محل للقول بانتفاء النصب لانتفاء الضرر الذى لحق المجنى عليه والذى سدد دينا عليه مستحق السداد على أية حال ، إذ أن النصب لا يتطلب الضرر كركن قائم بذاته بل هو مفترض ، ومستفاد هنا من أن السداد قد فرض على المدين فرضا ، فضلا عن احتمال تأجيله أو وجود منازعة فى الدين .
وكل ما يمكن أن يقال أن رغبة الدائن فى استيفاء دينه من مدين مماطل قد تعد من قبيل الباعث المشروع الذى لا يؤثر فى الجريمة وجودا أو عدما وإن جاز أن يعد ظرفا مخففا فحسب ، ولذا يعد فى محله ما قضى به حكم آخر تشابهت ظروف واقعته مع ظروف الواقعة السابقة ، إذ اعتبر نصبا ما عمد إليه دائن أراد اقتضاء دينه بالحيلة من مدينه المماطل فأرسل إليه برميلا به ماء على اعتبار أنه زيت وحوله عليه بقيمة الدين ، وسلمه بوليصة الشحن بعد إذ تسلم منه هذه القيمة .
هل يلزم أن يلحق المجنى عليه فى النصب ضرر مادى ؟
ذهب رأى إلى القول بأنه يلزم أن يلحق المجنى عليه فى النصب ضرر مادى محقق أو محتمل ، فإذا انتفى هذا الضرر فلا تقوم الجريمة ، وهو يجعل بذلك للنصب نطاقا غير نطاق السرقة التى قد تقع على شئ ليس له سوى قيمة أدبية بحت ، كخطاب عادى أو صورة فوتوغرافية لها قيمة تذكارية فحسب ، كما سبق أن بينا .
ويستند هذا الرأى إلى المادة 336 التى تستلزم أن يكون الاحتيال للاستيلاء على " نقود أو عروض أو سندات أو أى متاع منقول " وأظهر من ذلك المادة 405 ع . ف التى تستلزم استيلاء الجانى " على كل أو بعض ثروة الغير " وبالتالى يقرر أنه إذا لم يحصل انتقاص للثروة فلا نصب .
بل يرى جانب آخر من الرأى تطبيق هذه القاعدة على نطاق أوسع من ذلك والقول بأنه فى النصب " لا جريمة ولا عقاب إذا انعدم الضرر كما لو كان المجنى عليه قد أخذ مقابل ما سلب منه عند التعاقد " ( 1 )
وقد وجدت هذه القاعدة بعض تطبيقات لدى قضاء محكمتنا العليا ، فاستلزم بعضها بيان ركن الضرر المترتب على النصب حتى تتمكن من مراقبة توافره ( 2 ) كما رتب أحدها على انتفاء الضرر المادى انتفاء القصد الجنائى لدى الجانى ( 3 )
ولكن ذهب رأى ثان إلى أن النصب - كالسرقة - لا يتطلب أكثر من وقوعه على منقول مملوك للغير ، وأن الضرر هنا - كما هو هناك - عنصر مفترض ومترتب على خصائص الجريمة نفسها ووقوعها على مال الغير ، وذلك أن هذه الطائفة من الجرائم يهدف بها القانون إلى حماية حرمه الملكية فى حد ذاتها بما تخوله المالك من حق التصرف فى ملكه بالكيفية التى يريدها ، وفى الوقت الذى يراه ، وبالمقابل الذى يجده مناسبا .
فالضرر المباشر الذى يحظره القانون فى هذه الجرائم هو المساس بحقوق المجنى عليه على ماله من وجهة مادية بانتقاص ثروته ، أو من وجهة معنوية بانتقاص حريته فى التصرف فى الشئ عندما يريد ، وبالكيفية التى يريدها هو ، لا عندما يريد الجانى وبالكيفية التى يراها ، فالسارق يعد سارقا حتى ولو ترك للمجنى عليه الثمن المناسب للسلعة التى اختلسها ، أو لو كان دائنا للمجنى عليه بالمبلغ الذى سرقه أو بأكثر منه ، وكذلك ينبغى أن تكون الحالة أيضا فى النصب وخيانة الأمانة ، إذ لا فرق بين هذه الجرائم الثلاث فيما يتعلق بمحل الجريمة ، وكل الفرق هو فى الوسيلة التى تقع بها فحسب .
أما فيما يتعلق بنص المادة 336 وما تتطلبه من " الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات أو أى متاع منقول " فهو نص عام ، لا يتطلب تحقق ضرر معين بذاته ، كما لا يتطلب أكثر من أن تكون لإرادة الجانى قد انصرفت إلى ارتكاب جريمة النصب ، فهو متصل ببيان الجانب المعنوى منها دون جانبها الموضوعى .
ولا يلزم أن يكون الجانى قد حقق أية فائدة من الجريمة ، لذا يقوم الاحتيال سواء أسلمت السلعة بالفعل فكانت الجريمة تامة ، أم لم تسلم فكانت الواقعة مجرد شروع ، وسواء أفاد منها الجانى أم لم يجن منها فائدة ما ، وهو حكم عام يسرى على الجرائم كافة .
_______________________
( 1 ) د / أحمد أمين المرجع السابق ص749 ، د / حسن المرصفاوى مرجع سابق ص189
( 2 ) راجع نقض 5/11/1925 المحاماة س 4 صـ641
( 3 ) نقض 12/6/1912 السالف الذكر
 
 
 
 
 
 
 
 


المبحث الثالث : رابطـة السبـبـية
 
يلزم فى النصب أن يكون تسليم المال المنقول قد جاء نتيجة للطرق التى اتبعها الجانى ، والسببية عنصر لازم فى جميع الجرائم ، إلا أنها تكون أحيانا عنصرا مفترضا لفرط اتصال الضرر المباشر الذى يعاقب عليه القانون فى الجريمة بالفعل المادى ، فلا تذكر بوصفها عنصرا مستقلا فيها ، وذلك كما هى الحال فى جرائم التزوير والبلاغ الكاذب ، وأيضا فى السرقة وخيانة الأمانة ، حيث النتيجة التى يحظرها القانون وثيقة صلة بالفعل الإجرامي ، حتى ليقال أحيانا أن الإسناد المطلوب إثباته فى هذا النوع من الجرائم مفرد لا يتطلب أكثر من إسناد الفعل المادى إلى فاعله 
أما فى طائفة أخرى من الجرائم فقد لا تترتب النتيجة التى يحظرها القانون على الفعل المادى حتما ولا بحكم طبيعة الأشياء ، وحينئذ تكون السببية عنصرا موضوعيا قائما بذاته ومستقلا عن الفعل المادى ، لازما للربط بين هذا الفعل والنتيجة المطلوبة ، وقد قابلنا ذلك فى جرائم الاعتداء على سلامة جسم المجنى عليه أو صحته ، وها نحن نقابله هنا من جديد فى جريمة من جرائم المال وهى النصب ، ولذا يصح أن يقال أن الإسناد المطلوب إثباته هنا مزدوج يتطلب إسناد الفعل المادى إلى الفاعل ، ثم إسناد النتيجة التى يعاقب عليها القانون إلى هذا الفعل  .
ذلك أنه فى النصب ممكن تصور وقوع أفعال الاحتيال ، ثم تسليم المجنى عليه المال المطلوب إلى الجانى دون أن يكون بين الأمرين رابطة السببية ، فالمجنى عليه قد يفطن إلى ما فى طرق الجانى من خداع وأكاذيب ومع ذلك يسلمه المال المطلوب بتأثير آخر كالرغبة فى مساعدته ، أو بنية القبض عليه متلبسا ، وحينئذ لا تقوم الجريمة التامة رغم تحقق ركنى الاحتيال والاستيلاء على المنقول المملوك للغير ، وإن جاز أن تعد الواقعة شروعا فحسب .
وفى ذلك يتضح الفارق بين السرقة والنصب ، فالسرقة تتم بفعل انفرادى يصدر من الجانى وحده ، أما النصب فيتطلب فعل تسليم يصدر من المجنى عليه علاوة على فعل الجانى ، ولذا ينبغى أن يكون مترتبا على هذا الأخير متصلا به بصلة السببية ، ومن ثم يلزم أن يكون الاحتيال سابقا على فعل تسليم المال أو بالأقل معاصرا له (1) أما الاحتيال اللاحق للتسليم فلا يؤبه به (2)  كما لو تم الاحتيال بغية تبرير الاستيلاء السابق ، أو للتحرر من الالتزام بالرد ، كما يلزم أن يكون قد وقع على حائز المنقول سواء أكان مالكا إياه أم غير مالك كالمودع لديه أو كالوكيل .
فإذا انتفت رابطة السببية بين فعلى الاحتيال والتسليم ، فلا نرى محلا للقول بقيام الجريمة ومن ذلك ما قضى به من أنه لا يعد نصبا :
إذا فطن المجنى عليه إلى حقيقة أكاذيب الجانى ولكنه سلمه مع ذلك المال المطلوب لتمكين رجال الحفظ من ضبطـه متلبسا بجرمه ( 3 ) .
وكذلك إذا وقع الاحتيال بانتحال الجانى اسما كاذبا هو اسم ابن عم مأمور المركز ، وتحصل بذلك على مبلغ من المال من أحد الأعيان على سبيل الصدقة ، وكان المجنى عليه معتادا على هذه الصدقة راغبا فى إعطائها بصرف النظر عن الاسم الكاذب ، ومثلها الاحتيال بانتحال صفة غير صحيحة هى مخبر فى الشرطة ، إذا لم يثبت أن مجرد اتخاذ ذلك الشخص صفة المخبر فى الشرطة ما يحمل المجنى عليه على إعطائه مالا (4) .
وإذا كان الحكم قد استخلص من أقوال المجنى عليه أنه سلم الطاعن الأول مبلغ النقود على سبيل القرض قبل أن يعمد الطاعنان إلى استعمال الطرق الاحتيالية بتزوير سند الدين ، فإن قضاءه ببراءة الطاعنين من تهمة النصب لا يتعارض مع أدانتهما عن جريمة التزوير.
وإنما يلاحظ أن مباشرة وسيلة الاحتيال بالفعل لتسلم مال المجنى عليه ينبغى أن تعد شروعا معاقبا عليه مادامت تصلح أن تكون سببا من شأنه وحده حمل المجنى عليه على تسليم المال المطلوب تسليمه ، وذلك لو فطن الأخير إلى حقيقة الأكاذيب فامتنع عن تسليم المال ، أو سلمه بالفعل ولكن لمثل ضبط الجانى متلبسا على ما سنوضحه عند الكلام فى النصب التام والشروع فيه فيما بعد .
________________________
(1) نقض 24/6/1936 رقم 868 س 6 ق
(2) نقض 4/11/1925 المحاماة س 6 رقم 179 صـ225
( 3 )  نقض 11/5/1943 رقم 248 صـ460
(4)  نقض 17/4/1930 القواعد القانونية ج 2 رقم 33 صـ27

عدل سابقا من قبل Admin في الخميس أغسطس 04, 2022 9:09 am عدل 1 مرات

descriptionفعـل الاحتيـال Emptyرد: فعـل الاحتيـال

more_horiz
المبحث الرابع : القصـد الجنائـى
 
النصب جريمة عمدية ، فهى تتطلب ابتداء توافر القصد الجنائى العام ، أى انصراف إرادة الجانى إلى تحقيق وقائع الجريمة مع العلم بأركانها كما يستلزمها القانون ، وتوافر هذا القصد يتطلب علم الجانى بأن أقواله وأفعاله المادية كاذبة ، أما إذا كان هو نفسه مخدوعا فى حقيقة الأمر فلا نصب ، كمن يقدم على تأسيس شركة لاستغلال منجم يعتقد بوجوده خطأ ، أو لاستغلال اختراع يعتقد هو عن جهل أو عن تسرع أنه جديد ، أو أنه جدى مفيد ولا يكون كذلك .
أو كمن يبيع مالاً يعتقد لأسباب جدية أنه مملوك له ولا يكون كذلك ، ويستوى حينئذ أن يكون المالك الحقيقى معلوما أم مجهولا (1) ومن هذا القبيل أن يبيع الإنسان منقولا يكون قد وجده بين مخلفات مورثة فاعتقد أنه له حين أنه كاد مودعا عنده من آخر ، أو أن يبيع عقارا يضع يده عليه المدة المكسبة الملكية ثم يتضح بعدئذ وجود سبب قاطع للتقادم يجهله ؛ أو أن وكيله سبق أن باعه إلى آخر ولم يخطره بالبيع لغيابه أو لوفاة الوكيل وكذلك الأمر أيضا إذا ذكر الإنسان أنه يتصف بصفة معينة تكون قد زالت عنه وهو لا يعلم بزوالها ، سواء أكانت هذه الصفة وظيفة أم جنسية  أم رتبة .
ويلزم فى النصب إلى جانب ذلك قصد خاص أى نية محددة ، هى نية تملك المنقول الذى تسلمه الجانى ، وهو يماثل القصد الخاص فى السرقة ، وعلى ذلك لا يقوم النصب إذا كانت نية الجانى هى الإطلاع على السلعة المسلمة ، أو الانتفاع بها ، وردها ثانية فالنصب كالسرقة لا يقع على المنفعة ، إذا يهدف العقاب فيهما إلى حماية ملكية الرقبة وما تستتبعه من حق المالك فى التصرف فى هذه الملكية عندما يريد ، وبالمقابل الذى يريده ، كما لا يقوم النصب أيضا إذا كان الاستيلاء على السلعة بقصد الدعابة أو المزاح مع ثبوت انتفاء نية التملك ، وفى ذلك يختلف النصب والسرقة عن بعض الجرائم كالتهديد التى رأينا أن باعث المزاح لا يحول فى الغالب دون قيامها لأن هذه الجريمة الأخيرة لا يلزم فيها يتحقق ولو كان الباعث المزاح ، إلا إذا حال الجانى دون تحقق هذا الضرر على ما وضحناه فى حينه .
إثبات القصد
سلطة الاتهام هى المكلفة بإثبات القصد الجنائى كما هى القاعدة ، وفى الغالب تكون أكاذيب المتهم وطرقه الاحتيالية كافية بذاتها للدلالة على سوء القصد ، ولذا قضى بأنه إذا زعم المتهم قدرته على تحويل معدن رخيص إلى ذهب بما له من معرفة بعلم الكيمياء ، وهو عمل يستحيل تحققه عملا ، كان ذلك دليلا على سوء نيته لا يسقطه مجرد قوله بأنه كان يعتقد فعلا بأن ذلك فى إمكانه .
أما إذا كانت ظواهر الحال إلى جانب المتهم ، وتشير إلى احتمال انتفاء علمه بكذب أقواله ، فتكون سلطة الاتهام مطالبة بإقامة الدليل على هذا العلم
وفيما يتعلق بالقصد الخاص ، فالأصل أن من يستولى على سلعة يفعل ذلك بنية تملكها ، إلا إذا أقام هو الدليل على غير ذلك .
البـاعـث
متى قام القصد الجنائى بشطريه العام والخاص معا فقد قام من الجريمة جانبها المعنوى بصرف النظر عن الباعث ، فيستوى أن يكون الباعث على النصب هو حب المال ، أم رغبة الانتقام من المجنى عليه ، أم السخرية منه وإثبات غفلته متى قامت نية التملك ، أو حتى لو كان باعثا مشروعا فى نظره ، كاحتيال الدائن على مدينه المماطل لاقتضاء دينه إذ أن الغاية لا تبرر الوسيلة .
العقوبة
عقوبة النصب هى الحبس بحسب حده الأقصى العادى هو ثلاث سنوات ( م 18/1/ع ) وعقوبة الشروع هى الحبس مدة لا تتجاوز سنة ( م 336 المعدلة بالقانون 29 لسنة 1982 )
ويجوز تشديد العقوبة فى حالة العود طبقا للأحكام العامة فيه  بما لا يتجاوز ضعف الحد الأقصى فى حالة العود البسيط ( م 49 ، 50ع ) ربما يبيح تطبيق عقوبة الجناية فى حالة العود المتكرر ( م 51 ) وفى نفس الحدود المتبعة فى السرقة ، وتعتبر السرقة والنصب وخيانة الأمانة جنحا متماثلة فى العود .
وفضلا عن ذلك نصت المادة 336 فى فقرتها الأخيرة على أنه " يجوز جعل الجانى فى حالة العود تحت ملاحظة البوليس مدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر " وهذه الفقرة تشابه نص المادة 320 الخاصة بالسرقة ، ويخضع العود لنفس القواعد الخاصة بهذه المادة الأخيرة ، مع وجه خلاف واحد ، وهو أنه يجوز الحكم بالعقوبة الواردة فيها ولو كانت الواقعة مجرد شروع فى نصب لا جريمة تامة ، إذ أنت صياغتها أكثر عمومية من صياغة هذه المادة الأخيرة ، فقد قالت " يجوز جعل الجانى فى حالة العود " لم تقل مثلها " المحكوم عليهم فى سرقة " وهى تفرقة غير مفهومة مصدرها - فيما يبدو - سوء صياغة المادة 320 .
 ___________________________
(1) نقض 14/11/1938 القواعد القانونية ج 4 رقم 269 صـ328
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد