السرقة من مكان مسور بالكسر أو التسور
 
أو استعمال مفاتيح مصطنعة
المستفاد من نص الفقرة الثانية من المادة 318 أنه يلزم لانطباقها اجتماع شرطين ، أولهما وقوع السرقة من مكان مسور ، وثانيهما وقوعها بالتسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة .
أولا : المكان المسور .
يتطلب النص صراحة أن يكون " المكان مسورا بحائط أو بسياج من شجر أخضر أو حطب يابس أو بخنادق " فلا أهمية لنوع السور ولا لدرجة احتماله إنما ينبغى على أية حال أن يكون المكان مسورا ، بما يقتضى من الجانى مجهودا ولو ضئيلا لاقتحامه ، فلا محل للتشديد إذا لم يكن السور تاما ، أو تركت فيه فتحة كبيرة ولم يرتكب عليها باب يمكن إغلاقه ، ومن باب أولى إذا كان السور قد تهدم وأصبح أطلالا ، وقد حكم بأن النهر الذى يحيط بجزيرة فى وسطه لا يعد سورا لها
وحكمة التشديد هى أن المجنى عليه قد اتخذ حيطته بإقامة السور ، فضلا عن أن الجانى قد كشف عن درجة من الخطورة الملحوظة بأقدامه على اقتحامه ، سواء عن طريق الكسر أم التسور أم استعمال مفاتيح مصطنعة ، ولا تظهر فائدة الفقرة الثانية من المادة 317 ، إذا كان المكان المسور مسكونا أو معدا للسكنى أو ملحقاته ، إذ تغنى عنها حينئذ الفقرة الأولى منها ، وإنما تظهر مزية النص إذا كان هذا المكان عبارة عن حديقة أو مخزن أو شونة أو مصنع أو متجر أو مسرح ولا يسكن فى هذه الأماكن أحد
 
ثانيا : الكسر أو التسور أو استعمال مفاتيح مصطنعة .
المقصور بالكسر استخدام الجانى أية وسيلة من وسائل العنف لفتح مدخل معد للإغلاق (1) ويفرق الشراح عادة بين نوعين من الكسر : الكسر من الخارج والمقصود به أى تحطيم أو هدم أو نزع فى النطاق الخارجى للمكان المسور كالسياج أو الجدار أو السقف ، والكسر من الداخل والمقصود به أى تحطيم أو هدم أو نزع يقع على الأبواب والحواجز الداخلية ، والخزائن والمكاتب والدواليب وما إليها .
وواضح من عبارة قانوننا أنه لا تشديد إلا إذا كان الكسر من الخارج دون الداخل ، أما القانون الفرنسى فقد سوى بين النوعين ( م 393 - 396) وقد عرفت المادة 393 منه الكسر تعريفا عاما مقتضاه أنه " كل اقتحام أو تحطيم ، أو تخريب أو هدم أو نزع فى الجدران والأسقف والأرضيات والأبواب والنوافذ والأقفال والمزالج وكل أداة أو آلة تستعمل فى الأقفال أو منع المرور ، وفى الجملة أى نوع من أنواع الإغلاق " .
ولا يعد كسرا فتح الشئ المراد فتحه ، دون أن يقتضى الأمر تحطيما ولا استعمالا للعنف مثل إزاحة المزلاج ، ولو استعان السارق فى ذلك بمسمار أو بحبل أو بآلة دون تحطيمه ، وكذلك دفع الباب أو جذبه إذا فتح دون تحطيم ، ودون مجهود من الجانى بسبب سوء إغلاقه أو فساد الإقفال
أما التسور ، فهو تسلق السور أو الجدار ، وقد عرفته محكمة النقض تعريفا واسعا قائلة أنه "دخول اللص فى المحل الذى أراد ارتكاب السرقة فيه من غير بابه أيا كانت الطريقة التى استعملها ، ويستوى فى ذلك أن يكون قد استعمل لهذا الغرض سلما أو صعد على جدار المنزل أو وثب إليه من نافذة أو هبط إليه من أية ناحية "
والمقصود باستعمال مفاتيح مصطنعة استعمال مفتاح مقلد ، أو مفتاح يصلح لفتح عدة أبواب ، أو مسمار أو أى جهاز أو آلة يذعن لها القفل دون أن يتحطم ، أما إذا تحطم بالفعل فتعد الواقعة سرقة بالكسر ، وإذا كان الكسر من الخارج فينبغى فى استعمال مفاتيح مصطنعة أن يقع ذلك أيضا على الباب الخارجى للمكان المسور ، أما وقوعه على قفل باب داخلى أو خزانة فلا يدخل فى نطاق نصنا .
والراجح أيضا أن استعمال المفتاح الحقيقى للقفل لا يتحقق به الظرف المشدد حتى ولو حصل عليه السارق بطريقة غير مشروعة ، ولكن الحصول عليه بطريق السرقة أو النصب قد يعد جريمة قائمة بذاتها إذا توافرت نية التملك
ويلزم فى جميع الأحوال أن يكون الكسر أو التسور أو استعمال مفاتيح مصطنعة قد وقع بقصد السرقة ، أما إذا ارتكبت هذه الأمور لدخول المكان لارتكاب جريمة أخرى ، ثم وقعت السرقة بعدئذ كفكرة طارئة فلا ينطبق النص
هل ينطبق النص إذا كان وقوع الكسر أو التسور أو استعمال مفاتيح مصطنعة للهروب بالمسروقات لا للدخول إلى مكان السرقة ؟
انقسم الرأى بين الشراح بصدد الإجابة على هذا التساؤل ، فذهب جانب منهم إلى أن حكمة التشديد تتحقق إذا كان قصد الجانى هو الدخول إلى المكان المسور لارتكاب الجريمة ، بينما لا محل للقول بذلك إذ كان قصده هو مجرد الهرب من المكان ، ولو حاملا المسروقات .
إلا أن جانبا آخر يرى أن حكمة التشديد تتوافر فى الحالين معا ، فسيان أن يكون الجانى قد باشر الكسر وما إليه لكى يدلف إلى مكان السرقة ، أم لكى يهرب بالمسروقات ، ونحن نفضل هذا الرأى الأخير لأن الجانى يكون فى الحالين قد استعان بالوسيلة المشددة للعقوبة فى إتمام جريمته ، وفى الحالين يكون قد أهدر الحيطة التى اتخذها المجنى عليه ، وتكشف فعله عن نفس الدرجة من الخطورة .
أما ارتكاب الجانى هذه الأمور فرارا بنفسه فحسب قبل الوصول إلى المسروقات أو بعد التخلى عنها فلا يتحقق به التشديد ، لانتفاء القصد الجنائى المطلوب فى هذه الأمور وهو قصد السرقة ، ولا يغنى عن ذلك قصد الهروب بنفسه