الناشر: مركز هشام مبارك للقانون
اسم الكتاب: المحجوبون عن العدالة
تقديم: أحمد راغب
الغلاف : الفنان ياسر الصباح
صف وتجميع: فاطمة السكوت
رقم الإيداع: 5383/2007
مقدمة السلسلة
فى
إطار اهتمام مركز هشام مبارك للقانون بتوفير وتحديث الأدوات القانونية للمحامين
التى تمكنهم من القيام بواجبهم كما يجب باعتبارهم أحد أضلاع منظومة العدالة، يصدر
المركز سلسلة ملفات قضائية.
وهى مجموعة من
المطبوعات تستهدف إتاحة أعمال كبار رجال القانون للمحامين والدارسين والقراء لتكون
لهم عونا فى أداء رسالتهم وتنمية لثقافتهم القانونية ويأتى اختيارنا لأستاذنا
الجليل أحمد نبيل الهلالى لتكون مرافعته فى قضية اغتيال رفعت المحجوب كبداية لهذه
السلسلة اعترافا منا بقدر هذا المحامى الجليل .
على أن هذا الاختيار
لا يعتبر تكريما له بقدر ما هو تكريما لهذه السلسلة.
ويأمل مركز هشام
مبارك للقانون أن تكون تلك المبادرة بنشر أعمال كبار رجال القانون من خلال تلك
السلسلة بداية لمبادرات أخرى تهتم بإثراء المكتبة القانونية وتعين رجال القانون
على أداء رسالتهم النبيلة فى سبيل تحقيق دولة القانون .
مركز
هشام مبارك للقانون
قبل أن تبدأ
لقد
أعدت تلك المطبوعة ضمن خطه طموحه لمركز هشام مبارك للقانون لنشر أعمال كبار رجال
القانون، وقد
اخترنا مرافعة الاستاذ الجليل أحمد نبيل الهلالى فى قضية أغتيال رفعت المحجوب
كبداية لنشر أعمال الاستاذ الجليل بإعتباره من إبرز رجال القانون المعاصريين،وقد
كان من المفترض أن تنشر تلك المطبوعة" المحجوبين عن العدالة... مرافعة لأستاذ
الأجيال" فى إبريل 2005 الماضى،ولكن لظروف خارجة عن إرادتنا تم تأجيل
إصدراها.
وفى
شهر يونيو 2006 فجعنا كما فجع جميع الوطنيين ونشطاء المجتمع المدنى المصري برحيل
نبيل الهلالي،فاستاذ الأجيال لم يكن بالنسبة لنا مجرد محامى نابغ أو فقيه نابه،بل
كان بالنسبة لنا سنداً وعوناً لن يتكرر ولن يعوض،ولكن عزاءنا الوحيد أن نبيل
الهلالى باقى معنا كمعلم وملهم من خلال أعماله ومرافعاته.
وإذا
كنا قد عزمنا على نشر أعمال أستاذ الأجيال ايماناً منا بقيمتها وبقيمه مبدعها وهو
بيننا،فأننا بعد رحيل الهلالي إزدادنا إيمانناً بهذا العمل وبضرورته بالتعاون مع
جميع تلاميذ نبيل الهلالي.
وقد
رأينا أن نرفق بهذا العمل أسطوانة مدمجة (CD) تحتوى على المرافعة التى بين أيدينا وكذلك الحكم فى قضية رفعت
المحجوب وبعض الوثائق المتعلقة بأستاذ الأجيال.
مركز هشام مبارك للقانون
يناير 2007
إهداء
إلى كل المواطنين
المصريين الذين عانوا ولايزالوا من قمع واضطهاد السطلة التنفيذية
إلى حمدان
أحد ضحايا التعذيب
والاعتقالات الجماعية بمدينة العريش عقب أحداث طابا.
إلى عم أبوزيد
رمزا للمواطن المصرى
المقهور الذى يتعرض للأحتجاز بسبب أو بدون سبب وسواء فى أماكن أحتجاز قانونية أو
غير قانونية، فرغم تسليم النيابة العامة – فى بيان لها حول أحداث قرية سراندوا
بالبحيرة – بإحتجازه لأكثر من عشرة أيام فى نقطة شرطة زاوية غزال بمحافظة البحيرة
وأن معاينة النيابة أسفرت عن مطابقة وصف عم أبو زيد للأماكن التى أحتجز بها، إلا
أنه لم يتم محاسبة محتجزى عم أبو زيد حتى الأن، بل أنه أجبر على تغيير أقواله.
إلى كل هؤلاء وغيرهم ممن
ذاقوا قسوة جلادى التعذيب ومراره الاحتجاز والاعتقال يهدى مركز هشام مبارك للقانون
هذا الجهد.
مركز هشام مبارك للقانون
إهـداء
إلى المحاماة
رسالة........
تعلمنا منها أن نكون جنودا فى
معركة الحرية والعدالة
وملاذ..............
يلجأ إليها كل مظلوم ومقهور
لتنصفه
إلى المحامى
فارسا ومناضلا فى وجه
الاستبداد والظلم.ومبشراً
بالحرية والعدالة
أحـمـد راغــب
المـحـامـى
المحجوبون عن العدالة
مرافعة
أستاذ الأجيال
تقديم
كثيرا
منا عرف الأستاذ/ أحمد نبيل الهلالى كمناضل فى صفوف الفقراء والمعوزين والكادحين
وكخطيب مفوه ننصت إليه فى المؤتمرات والندوات والفاعليات السياسية، فضرب المثل
والقدوة فى الإخلاص والتفانى وإنكار الذات لخدمة قضايا وطنه، مثلما ضرب المثل فى
قبول الأخر بل والدفاع عن حقه فى الوجود مما جعل البعض يلقبه بقديس الحركة
الوطنية، على أن تقدير أستاذ الأجيال لم يقتصر على أهل وطنه بل تجاوز ذلك ليصبح
وبحق مناضلا عالميا ضد الاستبداد والإفقار أينما كان مع الضعفاء والعدالة
الاجتماعية أينما وجدوا.
ولعل
المرافعة التى بين أيدينا هى أحد الشواهد التى تؤكد على قبول أستاذ الأجيال للأخر،
فعلى الرغم من أن مساحة الاتفاق الفكرى والسياسى بين المتهمين - وهم من شباب
الإسلام السياسى- وبين الأستاذ/ نبيل الهلالى تكاد تكون منعدمة إلا أن ذلك لم يكن
عائقا أمام دفاعه عنهم فى ساحة المحكمة كمحامى متطوع، ونجده فى بداية مرافعته - مثلما
باقى مرافعاته - يوضح هذا الاختلاف الفكرى والسياسى بينه وبين المتهمين بل أن هذا
الاختلاف – كما يقول فى مرافعته التى بين يدينا - قد ضاعف من مسئوليتة كمدافع عنهم.
وقد يتعجب البعض من هذا السلوك فكيف يتطوع
الأستاذ/ الهلالى - وهو يسارى ويقول ذلك دائما - للدفاع عن خصومة السياسيين وخاصة أن
هذه القوى السياسية كانت تتعرض للتصفية الجسدية فى ذلك الوقت على يد الأجهزة
الأمنية فكان أولى به ان يبارك هذه الهجمات أو على الأقل أن يتجاهلها.
ولكن ذلك لم يكن ولن يكون موقف الهلالى وذلك
لأنه يؤمن بحق الأخر فى الوجود، ويعرف جيدا حملات التشويه والتصفية التى تقوم بها
السلطة واكتوى بنارها، وتعلم منها أنه لا يمكن أن تكون هناك خصومة سياسية فى دولة
بوليسية وأنه يجب علينا جميعا أن نسعى لتثبيت أركان دولة الحريات والعدالة
الاجتماعية.
فقاعات المحاكم شاهدة على فارس الحريات ومحامى
الفقراء والمدافع عن خصومة السياسيين،هذا هو جانب من نبيل الهلالى، فكما قال فى أحدى
مرافعاته "أن قاعات المحاكم تؤرخ لتاريخ مصر"فإن
نفس القاعات قد أرخت لهذا الأستاذ الجليل كمحامى يصول ويجول فى ساحات المحكمة
مرتديا ثوب المحامى تارة وثوب الاتهام تارة أخرى معلنا دائما عدائه الصريح للدولة
البوليسية وللاستبداد والإفقار ومؤكدا على انتمائه للجموع المحرومة من العدالة
الاجتماعية والحرية.
ولا تقتصر قيمة الهلالى على مواقفة المبدئية وإنما
كان ولا يزال يعرف معنى أن يكون محاميا محافظا على هيبة المحاماة ومنتصر لها دائما
فهو عضو مجلس نقابة المحامين من سنة 1968 وحتى عام 1992 شهد له الجميع بما فيهم
خصومه بكفأه نقابية،وكان دائما عند حسن ظن المحامين،فالهلالى قاد مجلس نقابة
المحامين فى مواجهه الرئيس الراحل أنور السادات وخططه فى التطبيع مع العدو
الصهيونى مما أضطر السادات الى حل مجلس نقابة المحامين،ولايزال الهلالى الى الأن
مشاركا فى العمل النقابى مناديا بقومية النقابة واستقلالها من خلاله ترأسه
للمحامين الديمقراطيين التى أشرف بعضويتها،وعندما تشهد النقابة أزمة تجد جميع
الفرقاء النقابيين والسياسيين فى مكتب الهلالى مجتمعون لمناقشة هموم النقابة حدث
ذلك أثناء فرض الحراسة القضائية على نقابة المحامين وكذلك فى معركة القانون 125
وغيره من المعارك النقابية.
على أن الهلالى لم يكن نقابياً ديمقراطيا فقط
وأنما محاميا مترافعا يشار إليه ومن المحامين المبدعين فيعتبر الهلالى مدرسة قانونية فمرافعاته
ومذاكراته يجب أن تدرس فهى غنية بالإسهامات الفقهية، فإننى اذكر على سبيل المثال
التأصيل القانونى للتفرقة بين الوضع القانونى لكل من المرشد والمصدر وكان ذلك فى
مرافعته الشهيرة فى قضية الحزب الشيوعى المصرى وغيرها من المساهمات الفقهية التى
لا مجال هنا لذكرها.
وتتلمذ على يديه العديد من رجال القانون ويشرفنى
أن أكون أصغر تلميذ فى مدرسة الهلالى فبين رقم عضويتى بنقابة المحامين ورقم عضوية
الأستاذ الألف بل عشرات الألف ويأتى اليوم الذى أقدم لمرافعة أستاذى فهو شرف لى
وكرم من هذا الزمان.
واتذكر لأستاذى أنى عملت معه وشاهدته وهو يترافع
ليومين متتاليين فى قضية حريق قطار الصعيد وكان فيها كما عودنا نموذجا لكل محامى
يسعى للنجاح فبداية من قراءه ملف القضية مرورا بالمواظبة على حضور الجلسات وتدوين
الملاحظات وسؤال الشهود انتهاء بالمرافعة التى حضرها كثير من المحامين المتواجدين
بدار القضاء العالى كما أتذكر لأستاذى انه عندما تشاورت هيئة الدفاع فى تقديم طلب
للترافع فى قضية "الاشتراكيين الثوريين" اعتذر الهلالى عن الترافع لأنه غير مستعد وكان
بامكانه أن يترافع -وهى قضية سياسية- وهو أدرى الناس بالتصدى لها،وأنا كنت على ثقة
انه أكثر محامى فى هيئة الدفاع إلماما بالقضية إلا أنه لم يفعل والذى يتساءل عن
السبب فكان لابد أن يكون موجودا بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية ليسمع ويشاهد
الأستاذ/ نبيل الهلالى وهو يترافع ثم يشاهد ويسمع تصفيق كل من بالمحكمة باستثناء
هيئة المحكمة ورجال الأمن فحتى المتهمون فى قضايا أخرى صفقوا بحرارة ليس من أجل
حصولهم على البراءة أو حصولهم على مكافأة أو على تى شيرت علية صورة نعرفها جميعا،وإنما صفقوا
من أجل أن هذا الرجل قد عبر عنهم عن أمالهم وعن احباطاتهم.
وفى مرافعة الأستاذ/ نبيل الهلالى فى قضية
اغتيال المحجوب يغوص الهلالى فى أعماق الأوراق متفاديا الرصاص والقنابل وقذائف
الأر بى جى ليصل إلى الحقيقة كاشفا بها ألاعيب المباحث ومفندا ادعاءات النيابة
مبيننا للمحكمة الأدوار الخفية للمحجوبين عن العدالة صارخا بأهوال التعذيب التى
تعرض لها المتهمين ليقدم لنا تأصيلا قانونيا وتحليلا سياسيا لوضع النظام السياسى
فى قفص الاتهام.
فوقائع تلك القضية ترجع إلى أوائل عقد التسعينات
من القرن المنصرم وكانت الأجواء فى مصر تختلط بها رائحة البارود برائحة الدماء
والسجون حافلة بالمعارضين من الإسلام السياسى، وفى ظل هذه الأجواء يتم اغتيال
الدكتور/ رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب ويختلط الحابل بالنابل حتى تقدم النيابة
مجموعة من شباب الإسلام السياسى للمحاكمة بتهمة اغتيال رفعت المحجوب، بعد أن تم
تعذيبهم على يد الأجهزة الأمنية.
ويحاول الهلالى بمرافعته أن يشير إلى المحجوبون
عن العدالة فيلقى فى أول مرافعته قنبلة وتساؤل فى نفس الوقت وهو.... من قتل
المحجوب ؟
ويجيب هو عن السؤال ويصيغ امر الإحالة الحقيقى
فى هذه القضية والمتهم الأول والوحيد به هم المحجوبون عن العدالة.
فمرافعه أستاذ الأجيال وجبه قانونية دسمة حافلة
بالأسقاطات السياسية والاجتماعية، ظل فيها أستاذ الأجيال مترافعا لأكثر من سته عشر
ساعة على مدار أيام لم يكرر حرفا أو يتحدث عن أمرا تحدث عنه زملائة المترافعين.
وسوف اترك القارئ ليستمتع بمرافعة أستاذ الأجيال
ويعرف من هم المحجوبون عن العدالة وكيف دبروا لقاء المحجوب مع الوفد السورى كما
دبروا الكمين الذى سقط فيه عدد من شباب الإسلام السياسى.
وقد رأينا أن نرفق بالكتاب الحكم الصادر فى قضية
اغتيال المحجوب لأهميتة ولمزيد من الاستفادة وذلك على الاسطوانة المرفقة بالكتاب،
فلقد جاء الحكم صارخا فى وجه السلطة وجلادى التعذيب مطالبا المشرع بتعديل قانون
العقوبات بحيث تكون مسئولية رؤساء الأجهرة الأمنية عن التعذيب هى مسئولية مفترضة،
معلنا شكوشة فى روايات مباحث أمن الدولة وتحرياتها وقد أنتهى الحكم ببراءه المتهمين بجريمة أغتيال
الدكتور رفعت المحجوب وأن كان قد أدانهم بحيازة الاسلحة والمفرقعات والتزوير.
على أننى مدين بشكر للصديق العزيز الأستاذ / سيد
فتحى الذى قدم لنا الكثير من العون لخروج هذه المطبوعه كما أننى أشكر الزميلات
والزملاء فاطمة السكوت، حسن البربرى،حسام حداد،مصطفى فاروق، أحمد حسان، رجب عبد
الحميد لما بذلوه من جهد وعون لخروج هذا العمل.
وأخيرا
فإنني
سوف استعير الكلمات التى ختم بها أستاذ الأجيال مرافعته فى قضية الحزب الشيوعى
المصرى وهى أبيات شعر لشاعر تركيا الخالد ناظم حكمت:
إذا لم احترق أنا
وتحترق أنت
ونحترق
نحن
فكيف يمكن أن يتدفق النور
من هذه الظلمات
أحـمـد راغــب عبد الستار
المـحـامـى
القاهرة - أبريل 2005
" بسم الله
الرحمن الرحيم "
محكمة أمن الدولة العليا
( طوارئ )
مرافعة
الدفاع عن
السادة :
1-
محمد احمد على احمد وشهرته محمد النجار (متهم ثالث)
2-
حامد احمد عبد العال احمد (متهم رابع)
3-
محمد سيد عبد الجواد (متهم
ثالث عشر)
4-
عثمان جابر محمود الظهرى (متهم سادس عشر)
5-
عادل سيد قاسم شعبان (متهم تاسع عشر)
في
الجناية 546 لسنه 1990 حصر أمن الدولة العليا
95 لسنه 91 ج
أمن الدولة العليا
مدخل
حقا.. ما أدق مسئولية القضاء الجالس.. وما أشق مهمة القضاء
الواقف في هذه القضية، ذلك أن دعوانا، تشق طريقها.. وسط حقول من الألغام... وفى
مواجهة عواصف هوجاء رعناء.
فخارج جدران هذه القاعة... دماء تسفك... وأرواح
تزهق.. واشلأء تتناثر.. وعلى طول البلاد وعرضها.. تمارس سياسة أمنية ثابتة تستهدف
تصفية الخصوم جسديا.. وعلى طول البلاد وعرضها.. تتوالى في المقابل ردود الأفعال
الثأرية.
وعندما تكون السياسة الأمنية.. المعلنة
والممارسة فعلا.. هي الضرب.. فى القلب.. خلال عمليات الضبط.. سواء كان
المطلوبين خصوما سياسيين أو مواطنين
عاديين مثل لواء الشرطة الذي اغتالوه هو وابنه بعد ان دكوا مسكنه بقذائف الأربى
جى.
فمن البديهي.. ومن الطبيعي.. ومن غير المستغرب..
ان يقاوم المطلوب مطاردته.. وان يتعامل معهم بمنطق قاتل يا مقتول.
ويتصاعد الهوس والهستيريا من حولنا إلى الحد..
الذي تنشر الصحافة فية بالمانشتات العريضة.. تصريح غير مسئول.. للوزير المسئول عن
الأمن في البلاد.
يعلن
فية :
(
أن الإسلام اقر القصاص.. وهذا ما سننفذه)
وكأن
البلاد.. لم يعد فيها قانون.. يطبق.. ولم يعد لها محاكم. يحتكم أليها ؟
وهكذا تدفع بلادنا دفعا.. إلى قلب دوامة دموية
جهنمية من العنف.. والعنف المضاد..تهدد وحدة الوطن كيانا.. وشعبا.. دوامة.. لن
يخرج منها أحدا سالما.. أو غانما.. وهكذا تساق بلادنا عبر سرداب مظلم.. نحو هاوية
بلا قرار.
وكل ذلك يثلج
صدور الاعادى.. من حولنا.. لأنه يمكنهم من ممارسة لعبتهم التقليدية (فرق تسد).
وخارج هذه القاعة يخيم جو مسموم.. ويعربد مناخ
محموم.. وتطالب الحملات الهستيرية بقطع الرقاب.. وقطف رؤوس شباب.. متهم بالارهاب..
وتتمادى الهجمة الشرسة.. فتتطاول على قضاء مصر الشامخ.. وتشن أبواق مسعورة
مأجورة.. حملة ساقطة على قضاء مصر.. تتهمهم بالعجز وعدم الحزم. وتتهمهم بالتراخي
وعدم الجزم. وتعتبر تمسك المحامين بتوفير حق الدفاع على الوجه الأكمل.. تسويفا
ومماطلة.. وتعويقا لسير العدالة.
وخارج هذه القاعة.. ينتزعون القضايا انتزاعا من
أمام قاضيها الطبيعي.. ويحيلونها إلى القضاء العسكري بحجة انه القضاء الأسرع
والأنجح .. والاردع متجاهلين ان القضاء جهاز لإرساء العدل.. وليس أداة للقمع أو
الردع. متناسين ان رمز العدالة امرأة معصوبة العينين تمسك بميزان حساس.. وليس
امرأة تركب بساط الريح.. ممسكة بشومة أو كرباج.لكن مأساتهم.. ان القضاء الطبيعي..
لا يشفى لهم غليل.. لذلك يبحثون عن البديل.. عن محاكم تفصيل.. محاكم.. على مقاس..
مزاج وإرادة الحاكم.
ولقد صدمني ان تحاول النيابة فى مرافعتها..
استجلاب المناخ الهستيري المعربد خارج هذه القاعة.. الى داخل ساحتكم الموقرة.
فراحت تصور لكم القضية.( كحلقة من حلقات بداية عهد الإرهاب )
في محاولة مرفوضة.. لتحميل الماثلين أمامكم في
القفص وزر كل ما حدث من قبل.. ووزر كل ما قد يحدث من بعد.. وناشدتكم النيابة.. بأن
يكون حكمكم.. كلمة حق.. فيمن القوا المفجرات.. والكور الحارقة.. على رواد المسارح
والموالد والمساكن والمتاجر وقتلوا السائحين.. متناسية أن المتهمين بارتكاب هذه
الجرائم.. لا يمثلون أمام حضراتكم في هذه القضية.
وأنا أقول للنيابة.. عفوا..عفوا..أن أحكام
القضاء.. لم تكن يوما.. ولن تكون أبدا.. ردود أفعال.. أو أصداء لما يجرى خارج
قاعات المحاكم.. أو خارج نطاق الدعوى المطروحة.. أن المتهمين في دعوانا.. يحاكمون
عن وقائع محددة.. لا شأن لها.. بأية أحداث سابقة.. أو لاحقه عليها.. ويقيني أن هيئتكم الموقرة لن تلتفت إلى مطلب
النيابة ذاتها.. فنحن جميعا في هذه القاعة
ملتزمون بالإطار الزمني المحدد بمعرفه النيابة ذاتها.. والذي ارتضته لنا
ولها وحددته فى أمر الأحاله على النحو التالي :-
(
في غضون عام 1990 وحتى 14 مارس 1991 )
وأخيرا..
أسمحوا لي سيدي الرئيس.. أن أسجل ثقتي الكاملة.. أن في مصر قضاء طبيعي شامخ.. لا
يهتز.. ولا يبتز..ولو كره الكارهون.
اسم الكتاب: المحجوبون عن العدالة
تقديم: أحمد راغب
الغلاف : الفنان ياسر الصباح
صف وتجميع: فاطمة السكوت
رقم الإيداع: 5383/2007
مقدمة السلسلة
فى
إطار اهتمام مركز هشام مبارك للقانون بتوفير وتحديث الأدوات القانونية للمحامين
التى تمكنهم من القيام بواجبهم كما يجب باعتبارهم أحد أضلاع منظومة العدالة، يصدر
المركز سلسلة ملفات قضائية.
وهى مجموعة من
المطبوعات تستهدف إتاحة أعمال كبار رجال القانون للمحامين والدارسين والقراء لتكون
لهم عونا فى أداء رسالتهم وتنمية لثقافتهم القانونية ويأتى اختيارنا لأستاذنا
الجليل أحمد نبيل الهلالى لتكون مرافعته فى قضية اغتيال رفعت المحجوب كبداية لهذه
السلسلة اعترافا منا بقدر هذا المحامى الجليل .
على أن هذا الاختيار
لا يعتبر تكريما له بقدر ما هو تكريما لهذه السلسلة.
ويأمل مركز هشام
مبارك للقانون أن تكون تلك المبادرة بنشر أعمال كبار رجال القانون من خلال تلك
السلسلة بداية لمبادرات أخرى تهتم بإثراء المكتبة القانونية وتعين رجال القانون
على أداء رسالتهم النبيلة فى سبيل تحقيق دولة القانون .
مركز
هشام مبارك للقانون
قبل أن تبدأ
لقد
أعدت تلك المطبوعة ضمن خطه طموحه لمركز هشام مبارك للقانون لنشر أعمال كبار رجال
القانون، وقد
اخترنا مرافعة الاستاذ الجليل أحمد نبيل الهلالى فى قضية أغتيال رفعت المحجوب
كبداية لنشر أعمال الاستاذ الجليل بإعتباره من إبرز رجال القانون المعاصريين،وقد
كان من المفترض أن تنشر تلك المطبوعة" المحجوبين عن العدالة... مرافعة لأستاذ
الأجيال" فى إبريل 2005 الماضى،ولكن لظروف خارجة عن إرادتنا تم تأجيل
إصدراها.
وفى
شهر يونيو 2006 فجعنا كما فجع جميع الوطنيين ونشطاء المجتمع المدنى المصري برحيل
نبيل الهلالي،فاستاذ الأجيال لم يكن بالنسبة لنا مجرد محامى نابغ أو فقيه نابه،بل
كان بالنسبة لنا سنداً وعوناً لن يتكرر ولن يعوض،ولكن عزاءنا الوحيد أن نبيل
الهلالى باقى معنا كمعلم وملهم من خلال أعماله ومرافعاته.
وإذا
كنا قد عزمنا على نشر أعمال أستاذ الأجيال ايماناً منا بقيمتها وبقيمه مبدعها وهو
بيننا،فأننا بعد رحيل الهلالي إزدادنا إيمانناً بهذا العمل وبضرورته بالتعاون مع
جميع تلاميذ نبيل الهلالي.
وقد
رأينا أن نرفق بهذا العمل أسطوانة مدمجة (CD) تحتوى على المرافعة التى بين أيدينا وكذلك الحكم فى قضية رفعت
المحجوب وبعض الوثائق المتعلقة بأستاذ الأجيال.
مركز هشام مبارك للقانون
يناير 2007
إهداء
إلى كل المواطنين
المصريين الذين عانوا ولايزالوا من قمع واضطهاد السطلة التنفيذية
إلى حمدان
أحد ضحايا التعذيب
والاعتقالات الجماعية بمدينة العريش عقب أحداث طابا.
إلى عم أبوزيد
رمزا للمواطن المصرى
المقهور الذى يتعرض للأحتجاز بسبب أو بدون سبب وسواء فى أماكن أحتجاز قانونية أو
غير قانونية، فرغم تسليم النيابة العامة – فى بيان لها حول أحداث قرية سراندوا
بالبحيرة – بإحتجازه لأكثر من عشرة أيام فى نقطة شرطة زاوية غزال بمحافظة البحيرة
وأن معاينة النيابة أسفرت عن مطابقة وصف عم أبو زيد للأماكن التى أحتجز بها، إلا
أنه لم يتم محاسبة محتجزى عم أبو زيد حتى الأن، بل أنه أجبر على تغيير أقواله.
إلى كل هؤلاء وغيرهم ممن
ذاقوا قسوة جلادى التعذيب ومراره الاحتجاز والاعتقال يهدى مركز هشام مبارك للقانون
هذا الجهد.
مركز هشام مبارك للقانون
إهـداء
إلى المحاماة
رسالة........
تعلمنا منها أن نكون جنودا فى
معركة الحرية والعدالة
وملاذ..............
يلجأ إليها كل مظلوم ومقهور
لتنصفه
إلى المحامى
فارسا ومناضلا فى وجه
الاستبداد والظلم.ومبشراً
بالحرية والعدالة
أحـمـد راغــب
المـحـامـى
المحجوبون عن العدالة
مرافعة
أستاذ الأجيال
تقديم
كثيرا
منا عرف الأستاذ/ أحمد نبيل الهلالى كمناضل فى صفوف الفقراء والمعوزين والكادحين
وكخطيب مفوه ننصت إليه فى المؤتمرات والندوات والفاعليات السياسية، فضرب المثل
والقدوة فى الإخلاص والتفانى وإنكار الذات لخدمة قضايا وطنه، مثلما ضرب المثل فى
قبول الأخر بل والدفاع عن حقه فى الوجود مما جعل البعض يلقبه بقديس الحركة
الوطنية، على أن تقدير أستاذ الأجيال لم يقتصر على أهل وطنه بل تجاوز ذلك ليصبح
وبحق مناضلا عالميا ضد الاستبداد والإفقار أينما كان مع الضعفاء والعدالة
الاجتماعية أينما وجدوا.
ولعل
المرافعة التى بين أيدينا هى أحد الشواهد التى تؤكد على قبول أستاذ الأجيال للأخر،
فعلى الرغم من أن مساحة الاتفاق الفكرى والسياسى بين المتهمين - وهم من شباب
الإسلام السياسى- وبين الأستاذ/ نبيل الهلالى تكاد تكون منعدمة إلا أن ذلك لم يكن
عائقا أمام دفاعه عنهم فى ساحة المحكمة كمحامى متطوع، ونجده فى بداية مرافعته - مثلما
باقى مرافعاته - يوضح هذا الاختلاف الفكرى والسياسى بينه وبين المتهمين بل أن هذا
الاختلاف – كما يقول فى مرافعته التى بين يدينا - قد ضاعف من مسئوليتة كمدافع عنهم.
وقد يتعجب البعض من هذا السلوك فكيف يتطوع
الأستاذ/ الهلالى - وهو يسارى ويقول ذلك دائما - للدفاع عن خصومة السياسيين وخاصة أن
هذه القوى السياسية كانت تتعرض للتصفية الجسدية فى ذلك الوقت على يد الأجهزة
الأمنية فكان أولى به ان يبارك هذه الهجمات أو على الأقل أن يتجاهلها.
ولكن ذلك لم يكن ولن يكون موقف الهلالى وذلك
لأنه يؤمن بحق الأخر فى الوجود، ويعرف جيدا حملات التشويه والتصفية التى تقوم بها
السلطة واكتوى بنارها، وتعلم منها أنه لا يمكن أن تكون هناك خصومة سياسية فى دولة
بوليسية وأنه يجب علينا جميعا أن نسعى لتثبيت أركان دولة الحريات والعدالة
الاجتماعية.
فقاعات المحاكم شاهدة على فارس الحريات ومحامى
الفقراء والمدافع عن خصومة السياسيين،هذا هو جانب من نبيل الهلالى، فكما قال فى أحدى
مرافعاته "أن قاعات المحاكم تؤرخ لتاريخ مصر"فإن
نفس القاعات قد أرخت لهذا الأستاذ الجليل كمحامى يصول ويجول فى ساحات المحكمة
مرتديا ثوب المحامى تارة وثوب الاتهام تارة أخرى معلنا دائما عدائه الصريح للدولة
البوليسية وللاستبداد والإفقار ومؤكدا على انتمائه للجموع المحرومة من العدالة
الاجتماعية والحرية.
ولا تقتصر قيمة الهلالى على مواقفة المبدئية وإنما
كان ولا يزال يعرف معنى أن يكون محاميا محافظا على هيبة المحاماة ومنتصر لها دائما
فهو عضو مجلس نقابة المحامين من سنة 1968 وحتى عام 1992 شهد له الجميع بما فيهم
خصومه بكفأه نقابية،وكان دائما عند حسن ظن المحامين،فالهلالى قاد مجلس نقابة
المحامين فى مواجهه الرئيس الراحل أنور السادات وخططه فى التطبيع مع العدو
الصهيونى مما أضطر السادات الى حل مجلس نقابة المحامين،ولايزال الهلالى الى الأن
مشاركا فى العمل النقابى مناديا بقومية النقابة واستقلالها من خلاله ترأسه
للمحامين الديمقراطيين التى أشرف بعضويتها،وعندما تشهد النقابة أزمة تجد جميع
الفرقاء النقابيين والسياسيين فى مكتب الهلالى مجتمعون لمناقشة هموم النقابة حدث
ذلك أثناء فرض الحراسة القضائية على نقابة المحامين وكذلك فى معركة القانون 125
وغيره من المعارك النقابية.
على أن الهلالى لم يكن نقابياً ديمقراطيا فقط
وأنما محاميا مترافعا يشار إليه ومن المحامين المبدعين فيعتبر الهلالى مدرسة قانونية فمرافعاته
ومذاكراته يجب أن تدرس فهى غنية بالإسهامات الفقهية، فإننى اذكر على سبيل المثال
التأصيل القانونى للتفرقة بين الوضع القانونى لكل من المرشد والمصدر وكان ذلك فى
مرافعته الشهيرة فى قضية الحزب الشيوعى المصرى وغيرها من المساهمات الفقهية التى
لا مجال هنا لذكرها.
وتتلمذ على يديه العديد من رجال القانون ويشرفنى
أن أكون أصغر تلميذ فى مدرسة الهلالى فبين رقم عضويتى بنقابة المحامين ورقم عضوية
الأستاذ الألف بل عشرات الألف ويأتى اليوم الذى أقدم لمرافعة أستاذى فهو شرف لى
وكرم من هذا الزمان.
واتذكر لأستاذى أنى عملت معه وشاهدته وهو يترافع
ليومين متتاليين فى قضية حريق قطار الصعيد وكان فيها كما عودنا نموذجا لكل محامى
يسعى للنجاح فبداية من قراءه ملف القضية مرورا بالمواظبة على حضور الجلسات وتدوين
الملاحظات وسؤال الشهود انتهاء بالمرافعة التى حضرها كثير من المحامين المتواجدين
بدار القضاء العالى كما أتذكر لأستاذى انه عندما تشاورت هيئة الدفاع فى تقديم طلب
للترافع فى قضية "الاشتراكيين الثوريين" اعتذر الهلالى عن الترافع لأنه غير مستعد وكان
بامكانه أن يترافع -وهى قضية سياسية- وهو أدرى الناس بالتصدى لها،وأنا كنت على ثقة
انه أكثر محامى فى هيئة الدفاع إلماما بالقضية إلا أنه لم يفعل والذى يتساءل عن
السبب فكان لابد أن يكون موجودا بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية ليسمع ويشاهد
الأستاذ/ نبيل الهلالى وهو يترافع ثم يشاهد ويسمع تصفيق كل من بالمحكمة باستثناء
هيئة المحكمة ورجال الأمن فحتى المتهمون فى قضايا أخرى صفقوا بحرارة ليس من أجل
حصولهم على البراءة أو حصولهم على مكافأة أو على تى شيرت علية صورة نعرفها جميعا،وإنما صفقوا
من أجل أن هذا الرجل قد عبر عنهم عن أمالهم وعن احباطاتهم.
وفى مرافعة الأستاذ/ نبيل الهلالى فى قضية
اغتيال المحجوب يغوص الهلالى فى أعماق الأوراق متفاديا الرصاص والقنابل وقذائف
الأر بى جى ليصل إلى الحقيقة كاشفا بها ألاعيب المباحث ومفندا ادعاءات النيابة
مبيننا للمحكمة الأدوار الخفية للمحجوبين عن العدالة صارخا بأهوال التعذيب التى
تعرض لها المتهمين ليقدم لنا تأصيلا قانونيا وتحليلا سياسيا لوضع النظام السياسى
فى قفص الاتهام.
فوقائع تلك القضية ترجع إلى أوائل عقد التسعينات
من القرن المنصرم وكانت الأجواء فى مصر تختلط بها رائحة البارود برائحة الدماء
والسجون حافلة بالمعارضين من الإسلام السياسى، وفى ظل هذه الأجواء يتم اغتيال
الدكتور/ رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب ويختلط الحابل بالنابل حتى تقدم النيابة
مجموعة من شباب الإسلام السياسى للمحاكمة بتهمة اغتيال رفعت المحجوب، بعد أن تم
تعذيبهم على يد الأجهزة الأمنية.
ويحاول الهلالى بمرافعته أن يشير إلى المحجوبون
عن العدالة فيلقى فى أول مرافعته قنبلة وتساؤل فى نفس الوقت وهو.... من قتل
المحجوب ؟
ويجيب هو عن السؤال ويصيغ امر الإحالة الحقيقى
فى هذه القضية والمتهم الأول والوحيد به هم المحجوبون عن العدالة.
فمرافعه أستاذ الأجيال وجبه قانونية دسمة حافلة
بالأسقاطات السياسية والاجتماعية، ظل فيها أستاذ الأجيال مترافعا لأكثر من سته عشر
ساعة على مدار أيام لم يكرر حرفا أو يتحدث عن أمرا تحدث عنه زملائة المترافعين.
وسوف اترك القارئ ليستمتع بمرافعة أستاذ الأجيال
ويعرف من هم المحجوبون عن العدالة وكيف دبروا لقاء المحجوب مع الوفد السورى كما
دبروا الكمين الذى سقط فيه عدد من شباب الإسلام السياسى.
وقد رأينا أن نرفق بالكتاب الحكم الصادر فى قضية
اغتيال المحجوب لأهميتة ولمزيد من الاستفادة وذلك على الاسطوانة المرفقة بالكتاب،
فلقد جاء الحكم صارخا فى وجه السلطة وجلادى التعذيب مطالبا المشرع بتعديل قانون
العقوبات بحيث تكون مسئولية رؤساء الأجهرة الأمنية عن التعذيب هى مسئولية مفترضة،
معلنا شكوشة فى روايات مباحث أمن الدولة وتحرياتها وقد أنتهى الحكم ببراءه المتهمين بجريمة أغتيال
الدكتور رفعت المحجوب وأن كان قد أدانهم بحيازة الاسلحة والمفرقعات والتزوير.
على أننى مدين بشكر للصديق العزيز الأستاذ / سيد
فتحى الذى قدم لنا الكثير من العون لخروج هذه المطبوعه كما أننى أشكر الزميلات
والزملاء فاطمة السكوت، حسن البربرى،حسام حداد،مصطفى فاروق، أحمد حسان، رجب عبد
الحميد لما بذلوه من جهد وعون لخروج هذا العمل.
وأخيرا
فإنني
سوف استعير الكلمات التى ختم بها أستاذ الأجيال مرافعته فى قضية الحزب الشيوعى
المصرى وهى أبيات شعر لشاعر تركيا الخالد ناظم حكمت:
إذا لم احترق أنا
وتحترق أنت
ونحترق
نحن
فكيف يمكن أن يتدفق النور
من هذه الظلمات
أحـمـد راغــب عبد الستار
المـحـامـى
القاهرة - أبريل 2005
" بسم الله
الرحمن الرحيم "
محكمة أمن الدولة العليا
( طوارئ )
مرافعة
الدفاع عن
السادة :
1-
محمد احمد على احمد وشهرته محمد النجار (متهم ثالث)
2-
حامد احمد عبد العال احمد (متهم رابع)
3-
محمد سيد عبد الجواد (متهم
ثالث عشر)
4-
عثمان جابر محمود الظهرى (متهم سادس عشر)
5-
عادل سيد قاسم شعبان (متهم تاسع عشر)
في
الجناية 546 لسنه 1990 حصر أمن الدولة العليا
95 لسنه 91 ج
أمن الدولة العليا
مدخل
حقا.. ما أدق مسئولية القضاء الجالس.. وما أشق مهمة القضاء
الواقف في هذه القضية، ذلك أن دعوانا، تشق طريقها.. وسط حقول من الألغام... وفى
مواجهة عواصف هوجاء رعناء.
فخارج جدران هذه القاعة... دماء تسفك... وأرواح
تزهق.. واشلأء تتناثر.. وعلى طول البلاد وعرضها.. تمارس سياسة أمنية ثابتة تستهدف
تصفية الخصوم جسديا.. وعلى طول البلاد وعرضها.. تتوالى في المقابل ردود الأفعال
الثأرية.
وعندما تكون السياسة الأمنية.. المعلنة
والممارسة فعلا.. هي الضرب.. فى القلب.. خلال عمليات الضبط.. سواء كان
المطلوبين خصوما سياسيين أو مواطنين
عاديين مثل لواء الشرطة الذي اغتالوه هو وابنه بعد ان دكوا مسكنه بقذائف الأربى
جى.
فمن البديهي.. ومن الطبيعي.. ومن غير المستغرب..
ان يقاوم المطلوب مطاردته.. وان يتعامل معهم بمنطق قاتل يا مقتول.
ويتصاعد الهوس والهستيريا من حولنا إلى الحد..
الذي تنشر الصحافة فية بالمانشتات العريضة.. تصريح غير مسئول.. للوزير المسئول عن
الأمن في البلاد.
يعلن
فية :
(
أن الإسلام اقر القصاص.. وهذا ما سننفذه)
وكأن
البلاد.. لم يعد فيها قانون.. يطبق.. ولم يعد لها محاكم. يحتكم أليها ؟
وهكذا تدفع بلادنا دفعا.. إلى قلب دوامة دموية
جهنمية من العنف.. والعنف المضاد..تهدد وحدة الوطن كيانا.. وشعبا.. دوامة.. لن
يخرج منها أحدا سالما.. أو غانما.. وهكذا تساق بلادنا عبر سرداب مظلم.. نحو هاوية
بلا قرار.
وكل ذلك يثلج
صدور الاعادى.. من حولنا.. لأنه يمكنهم من ممارسة لعبتهم التقليدية (فرق تسد).
وخارج هذه القاعة يخيم جو مسموم.. ويعربد مناخ
محموم.. وتطالب الحملات الهستيرية بقطع الرقاب.. وقطف رؤوس شباب.. متهم بالارهاب..
وتتمادى الهجمة الشرسة.. فتتطاول على قضاء مصر الشامخ.. وتشن أبواق مسعورة
مأجورة.. حملة ساقطة على قضاء مصر.. تتهمهم بالعجز وعدم الحزم. وتتهمهم بالتراخي
وعدم الجزم. وتعتبر تمسك المحامين بتوفير حق الدفاع على الوجه الأكمل.. تسويفا
ومماطلة.. وتعويقا لسير العدالة.
وخارج هذه القاعة.. ينتزعون القضايا انتزاعا من
أمام قاضيها الطبيعي.. ويحيلونها إلى القضاء العسكري بحجة انه القضاء الأسرع
والأنجح .. والاردع متجاهلين ان القضاء جهاز لإرساء العدل.. وليس أداة للقمع أو
الردع. متناسين ان رمز العدالة امرأة معصوبة العينين تمسك بميزان حساس.. وليس
امرأة تركب بساط الريح.. ممسكة بشومة أو كرباج.لكن مأساتهم.. ان القضاء الطبيعي..
لا يشفى لهم غليل.. لذلك يبحثون عن البديل.. عن محاكم تفصيل.. محاكم.. على مقاس..
مزاج وإرادة الحاكم.
ولقد صدمني ان تحاول النيابة فى مرافعتها..
استجلاب المناخ الهستيري المعربد خارج هذه القاعة.. الى داخل ساحتكم الموقرة.
فراحت تصور لكم القضية.( كحلقة من حلقات بداية عهد الإرهاب )
في محاولة مرفوضة.. لتحميل الماثلين أمامكم في
القفص وزر كل ما حدث من قبل.. ووزر كل ما قد يحدث من بعد.. وناشدتكم النيابة.. بأن
يكون حكمكم.. كلمة حق.. فيمن القوا المفجرات.. والكور الحارقة.. على رواد المسارح
والموالد والمساكن والمتاجر وقتلوا السائحين.. متناسية أن المتهمين بارتكاب هذه
الجرائم.. لا يمثلون أمام حضراتكم في هذه القضية.
وأنا أقول للنيابة.. عفوا..عفوا..أن أحكام
القضاء.. لم تكن يوما.. ولن تكون أبدا.. ردود أفعال.. أو أصداء لما يجرى خارج
قاعات المحاكم.. أو خارج نطاق الدعوى المطروحة.. أن المتهمين في دعوانا.. يحاكمون
عن وقائع محددة.. لا شأن لها.. بأية أحداث سابقة.. أو لاحقه عليها.. ويقيني أن هيئتكم الموقرة لن تلتفت إلى مطلب
النيابة ذاتها.. فنحن جميعا في هذه القاعة
ملتزمون بالإطار الزمني المحدد بمعرفه النيابة ذاتها.. والذي ارتضته لنا
ولها وحددته فى أمر الأحاله على النحو التالي :-
(
في غضون عام 1990 وحتى 14 مارس 1991 )
وأخيرا..
أسمحوا لي سيدي الرئيس.. أن أسجل ثقتي الكاملة.. أن في مصر قضاء طبيعي شامخ.. لا
يهتز.. ولا يبتز..ولو كره الكارهون.