البحث الثالث ،
الفصل الثاني
الرقابة على
دستورية القوانين
في دولة القانون
هناك تدرج للقوانين يطلق عليه التدرج التشريعي حيث تأتي القواعد الدستورية في
المقدمة بسبب مبدأ علوية( سمو ) الدستور ثم تأتي بعدها القوانين الصادرة من السلطة
التشريعية المختصة والتي لابد أن تكون منسجمة مع القواعد الواردة في الدستور، و
تليها بعد ذلك الأوامر الصادرة من السلطات التنفيذية والتي تصدر من الجهة المختصة
قانونا ويلزم عدم مخالفتها للدستور والقانون وإلا تم الطعن بها بعدم شرعيتها أو
عدم دستوريتها وتكون آثارها باطلة . إن الغاية الحقيقية من تقرير مبدأ الرقابة على
دستورية القوانين هو تأكيد مبدأ سمو الدستور، لان ما يتضمنه الدستور من مبادئ
تتعلق بالحقوق والحريات العامة، فإنها قد تقررت لمصلحة الأفراد في مواجهة السلطتين
التشريعية و التنفيذية ، لذلك يصبح هؤلاء الأفراد من أكثر المستفيدين من تقرير
مبدأ الرقابة على دستورية القوانين.
و يمكن القول بأن حماية الدستور من خلال الرقابة على دستورية القوانين هي أهم من
إعداد الدستور و إقراره ، حيث تهدف هذه الرقابة إلى ضمان أن تكون كافة القوانين
الصادرة من السلطة التشريعية والأوامر الصادرة من السلطة التنفيذية غير مخالفة
للدستور، فهي حارس على الشرعية القانونية وتحافظ على الحدود الدستورية للسلطات، ،
كما تهدف إلى ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، وضمان سيادة القانون وكفالة
العدالة والمساواة في المجتمع الديمقراطي، وهي من الضمانات الهامة للحرية
والديمقراطية ،و إذا أصاب الفساد جسم الهيئة التشريعية نتيجة الصراعات السياسية و
الحزبية فإن الرقابة تعتبر هي الوسيلة الأخيرة للأفراد في الدفاع عن حقوقهم ، على
عكس الحكم الدكتاتوري القائم على حكم الفرد حيث تنعدم هذه الضمانات فتتعرض حقوق
الإنسان إلى ابشع الانتهاكات ويتم خرق أحكام الدستور وخرق التدرج القانوني ، فتكون
الدولة بلا قانون ويسود الظلم وعدم المساواة وعدم احترام القانون ، و يؤكد معظم
فقهاء القانون الدستوري على أهمية مبدأ الرقابة على دستورية القوانين ، لذلك يلاحظ
أن دساتير بعض الدول تنص صراحة على بطلان القوانين التي تخالفها ، وهذا يعني أيضاً
بطلان القانون المخالف للدستور حتى في حالة عدم النص في الدستور على ذلك ،و هذا
البطلان يعتبر نتيجة حتمية لفكرة الدستور الجامد الذي لا يمكن للقوانين العادية أن
تعدله ، فإذا أصدرت السلطة التشريعية قانونا يخالف مبدأً أو نصاً دستورياً في
دستور جامد، فإن السلطة التشريعية تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصاتها و يصبح ما أقدمت
عليه باطلاً لمخالفته الدستور دون الحاجة إلى النص على ذلك البطلان في صلب الدستور
.
تختلف الدول في
تنظيم الرقابة على دستورية القوانين ، فبعض الدول تمنع الرقابة على دستورية القوانين
بشكل صريح،مثال على ذلك الدستور البلجيكي لسنة 1831 و الدستور البولوني لسنة 1921
، إضافة إلى بريطانيا حيث إن نظامها يقوم على مبدأ سيادة البرلمان ومن ثم يتعذر
تقييد سلطته أو إقرار أية رقابة على ما يصدره من تشريعات . أما الدول التي تأخذ
بالرقابة على دستورية القوانين فإنها تختلف من حيث الجهة التي تتولى الرقابة ومدى
ما يمنحها القانون من صلاحيات في هذا الشأن ،
حيث أن أشكال هذه
الرقابة تتعدد وتختلف من نظام إلى آخر تبعاً لاختلاف التنظيم الدستوري لشكل هذه
الرقابة وآلياتها ، فمنها من اعتمد أسلوب الرقابة السياسية ، ومنها من اعتمد أسلوب
الرقابة القضائية ، كما يمكن أن تكون الرقابة شعبية والتي تتمثل في الرأي العام
والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى و رقابة منظمات المجتمع المدني .
أولا
: الرقابة السياسية على دستورية القوانين
تتمثل هذه الرقابة
في قيام هيئة مشكلة تشكيلا سياسيا بممارسة تلك الرقابة بناءً على نص دستوري يمنح
تلك الهيئة السياسية ممارسة حق الرقابة على دستورية القوانين من خلال فحص القوانين
قبل صدورها لتقرر ما إذا كانت تلك القوانين متوافقة مع الدستور أو مخالفة له ، إذن
فهي رقابة سابقة على إصدار القانون ، و تعتبر الرقابة التي يمارسها (المجلس
الدستوري ) في فرنسا أبرز مثال على الرقابة السياسية .
من الناحية
التاريخية فإن المحاولات الأولى لتقرير الرقابة السياسية ظهرت في فرنسا سنة 1795 ،
حيث اقترح الفقيه ( سييز ) إنشاء هيئة سياسية تكون مهمتها إلغاء القوانين المخالفة
للدستور ، بيد أن الجمعية التاسيسية آنذاك لم توافق على هذا الاقتراح ، و عند
إعداد دستور السنة الثامنة في عهد نابليون عاد ( سييز ) وطرح اقتراحه مرة أخرى و
استطاع إقناع واضعي الدستور بسلامة مقترحه ، وبذلك انشأ مجلس أطلق عليه (المجلس
المحافظ ) وفقا لدستور السنة الثامنة ، تكون مهمته فحص مشروعات القوانين للتحقق من
عدم مخالفتها للدستور، كما أخذت فرنسا بهذه الرقابة في دستور سنة 1852 و عهد بمهمة
الرقابة إلى مجلس الشيوخ ، بيد إن كلا المجلسين ( المجلس المحافظ و مجلس الشيوخ )
لم يوفقا في هذه المهمة بسبب سيطرة الإمبراطور عليهما حيث كان المجلسين أداة بيد
الإمبراطور . أما دستور سنة 1946 فقد انشأ اللجنة الدستورية التي تقوم بمهمة
الرقابة على دستورية القوانين وكانت تتألف هذه اللجنة من ( رئيس مجلس الجمهورية ،
رئيس الجمعية الوطنية ، 7 أعضاء ينتخبون من قبل الجمعية الوطنية على أساس التمثيل
النسبي للهيئات السياسية ، 3 أعضاء ينتخبون من قبل مجلس الجمهورية بنفس الطريقة)
ولا يجوز أن يكون هؤلاء الأعضاء من ضمن أعضاء البرلمان . أما دستور سنة 1958 فقد
نص على تشكيل (المجلس الدستوري ) للقيام بمهمة الرقابة والذي يتألف من 3 أعضاء
يعينون من قبل رئيس الجمهورية ، 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس الجمعية الوطنية ، 3
أعضاء يعينون من قبل رئيس مجلس الشيوخ ، رؤساء الجمهورية السابقون مدى الحياة
،ويتم تعيين رئيس المجلس من قبل رئيس الجمهورية)، وتكون مدة العضوية 9 سنوات غير
قابلة للتجديد و يتم تجديد ثلث المجلس كل 3 سنوات .
من مميزات الرقابة
السياسية إنها وقائية فهي تسبق صدور القانون ومعنى ذلك أن القانون المراد تشريعه
لن يتم إصداره إذا كان مخالفا للدستور لذلك فهي تمنع حدوث الآثار التي تحدث لو
كانت الرقابة بعد نفاذ القانون ، لكن الواقع أثبت عدم نجاح الرقابة السياسية في
تحقيق الرقابة الفعالة على دستورية القوانين ويكاد يجمع فقهاء القانون الدستوري
على عدم ملائمة الرقابة السياسية وفشلها في تحقيق الغايات المرجوة منها بسبب إناطة
مهمة الرقابة بهيئة سياسية ، حيث إن أعضاء الهيئة قد لا يكونون مكونين تكوينا
قانونيا يتناسب مع خطورة وأهمية هذه الرقابة ، كما أن الطابع السياسي لتشكيل هذه
الهيئة قد لا يمنعها من التأثر بالاتجاهات و الميول السياسية وهو ما لا يتفق مع
الهدف من هذه الرقابة ، حيث أن بعض الأعضاء يعينون من قبل رئيس الجمهورية و آخرون
من قبل المجالس النيابية ، إضافة إلى أن الدول التي تأخذ بهذا النوع من الرقابة قد
حصرت حق الطعن في القوانين غير الدستورية بهيئات حكومية دون إعطاء هذا الحق
للأفراد .
إن الكثير من الدول
التي أخذت بهذا النوع من الرقابة هي في الواقع تلك الدول التي حكمتها الأنظمة
الشمولية كدول المعسكر الاشتراكي السابق ( الاتحاد السوفيتي و يوغسلافيا وبلغاريا
) والتي جعلت مهمة الرقابة من اختصاص البرلمان ، أو من اختصاص مكتب مرتبط
بالبرلمان ، الأمر الذي يثير التساؤل حول الحكمة من جمع مهمة التشريع والرقابة على
التشريع في جهة واحدة . و يعتبر النظام الدستوري الفرنسي هو أحد الإستثناءات
القليلة في الأنظمة التي تبنت الرقابة السياسية ،خصوصا إن فرنسا تمثل أحد النماذج
المثالية للأنظمة الديمقراطية، ويعود السبب في ذلك إلى خصوصية تاريخية وسياسية
تميزت بها التجربة الفرنسية، فمفهوم مبدأ الفصل بين السلطات الذي طالما ساد لدى
المشرعين الفرنسيين يتمثل في أن البرلمان هو المعبر عن إرادة الشعب وأن القانون هو
التعبير عن هذه الإرادة وتبعاً لذلك لا يجوز أن تمارس أي سلطة أخرى الرقابة على
إرادة الشعب ، كما أن رفض فكرة الرقابة القضائية في فرنسا يعود إلى أسباب تاريخية
تمثلت في الموقف السلبي للمحاكم الفرنسية من الإصلاحات وتدخلها في أعمال السلطات
الأخرى، حيث كانت المحاكم تعمل على عرقلة القوانين ووصل الأمر بهذه المحاكم إلى
درجة الحكم بإلغاء القوانين، وقد تركت تصرفات هذه المحاكم آثاراً سيئة في نفوس
الناس وعند رجال الثورة الفرنسية ، لذلك وضعت الثورة نصوصاً صارمة تحرم على
المحاكم التدخل بطريق مباشر أو غير مباشر في أعمال البرلمان .
ثانيا
: الرقابة القضائية على دستورية القوانين
هي الرقابة التي
تمارسها هيئة قضائية تختص بالفصل في مدى دستورية أي قانون تصدره السلطة التشريعية،
و ينطلق مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين من فكرة حق الأفراد في حماية
حقوقهم وحرياتهم المقررة بموجب الدستور، فوظيفة القضاء تتمثل في الفصل في الخصومات
التي تحصل بين الأفراد والدولة أو بين الأفراد أنفسهم وهي وظيفة على قدر كبير من
الأهمية ، كما تشكل الرقابة القضائية ضمانة فاعلة لدستورية القوانين حيث يتسم
القضاء بالحياد والنزاهة والاستقلالية بالإضافة إلى الخبرة القانونية .
وهناك صورتان
للرقابة القضائية على دستورية القوانين هما:
1 – الرقابة عن
طريق الامتناع : كانت الولايات المتحدة الأمريكية سباقة في الأخذ
بالرقابة القضائية على دستورية القوانين ، بالرغم من أن الدستور الأمريكي لم ينص
صراحة على مبدأ الرقابة القضائية إلا أن هذا الأمر كان مفهوماً ومتوقعاً ومقبولاً
لدى واضعي هذا الدستور و كانت بداية تطبيق المبدأ أمام محاكم بعض الولايات
الأمريكية كولاية فرجينيا ، ومع أن المبدأ عرفته في البداية و أخذت به بعض
الولايات الأمريكية قبل أن تأخذ به المحكمة العليا الفدرالية إلا أن المؤرخون
يربطون بينه وبين أول حكم للمحكمة العليا قررت فيه تطبيق هذا المبدأ وكان ذلك في
حكمها الشهير في القضية الرائدة ماربري ضد ماديسون في عام 1803م ، وقد ارتبط
المبدأ باسم رئيس القضاء (جون مارشال) الذي يرجع إليه الفضل في إظهاره في حكمه في
هذه القضية واعتبره البعض منشئا للمبدأ . حيث قال مارشال في حكمه في هذه القضية
أنه (من واجب الهيئة القضائية أن تفسر القانون وتطبقه، وعندما يتعارض نص تشريعي أو
قانون مع الدستور فإن السمو والبقاء يكون للدستور). و ليس للمحاكم الأمريكية أن
تلغي القانون عند نظرها في قضية أمامها بعدم دستورية قانون ما ، بل تمتنع عن
تطبيقه وإن حكمها في ذلك ليس ملزما للمحاكم الأخرى ، حيث يحق لها تطبيق القانون
على اعتبار انه دستوري ، إلا إذا كان الحكم بعدم دستوريته صادراً من المحكمة
العليا ، و ليس للمحاكم الاتحادية حق إصدار آراء استشارية و قد استقرت المحكمة
العليا على هذا المبدأ منذ تأسيسها وحتى الآن ، فحينما قدم الرئيس (واشنطن) إلى
المحكمة الاتحادية سلسلة من الأسئلة المتعلقة بتفسير المعاهدات المعقودة مع فرنسا
لإبداء رأيها فيها ، أجابت المحكمة بأنها ( لا ترى من المناسب إعطاء رأي في أمور
لم تنشأ عن قضية مطروحة أمامها ) . وهو ما يعرف بقاعدة "أن القاضي لا
يستفتى" بمعنى أنه لا يجوز أن يطلب من القاضي إصدار فتوى، ذلك أن قيام القاضي
بإصدار الفتوى هو تعبير عن رأيه في شأن ما قبل أن يعرض عليه النزاع وقبل أن يسمع
دفاع الخصوم وحججهم وهو ما يعد إهداراً لحق الدفاع الذي يعتبر من أهم الضمانات
المقررة للأفراد لدى ممارستهم حق التقاضي، و من المعروف أن قيام القاضي بالإفتاء
أو تقرير رأي لمصلحة أحد الخصوم في الدعوى يعتبر من الأسباب المؤدية إلى عدم
صلاحية القاضي لنظر الدعوى ويكون بالتالي ممنوعاً من سماعها .
وهناك عدة صور لرقابة الامتناع ، منها :
الدفع بعدم
الدستورية : إن المحاكم تمارس هذا الحق عندما يطرح أمامها نزاع و يطالب أحد طرفي
النزاع تطبيق قانون ما ، فيطعن الطرف الآخر بعدم دستورية هذا القانون و يطلق على
هذه الطريقة طريقة الدفع الفرعي ولا يحق لأي شخص الطعن بعدم دستورية القوانين
بصورة أصلية ،أي إنه إذا رأى شخص أن قانونا ما يخالف الدستور فلا يحق له أن يتقدم
للمحكمة للطعن بهذا القانون، بل يجب أن يكون القانون يطبق على الشخص في دعوى
قضائية ، فيبادر هذا الشخص إلى الطعن بعدم دستورية هذا القانون . وفي هذه الحالة
يكون اختصاص المحكمة بالتأكد من دستورية القانون قد جاء متفرعاً عن الدعوى
المنظورة أمامها ،وعلى المحكمة النظر في صحة هذا الطعن، فإذا تبين لها إن القانون
غير دستوري امتنعت المحكمة عن تطبيقه و تفصل في الدعوى بما فيه صالح المتهم أو
المدعى عليه . إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة هي
قضاء امتناع تقوم على نظام السوابق القضائية حيث تتقيد كل محكمة بالحكم الذي تصدره
و تقيد به المحكمة التي في درجتها و المحاكم الأدنى منها درجة .
الأمر القضائي: وهي صورة من صور رقابة الامتناع و بحسب هذه الطريقة
يحق لأي شخص أن يلجا إلى المحكمة و يطلب منها أن توقف تنفيذ قانون ما على اعتبار
إنه غير دستوري ، و للمحكمة أن تصدر أمراً قضائيا إلى الموظف المختص بعدم تنفيذ
القانون ، و يلاحظ إن مهمة إصدار الأمر القضائي في الولايات المتحدة هو من اختصاص
محكمة اتحادية مكونة من 3 قضاة ، ويجوز الطعن في قرارات هذه المحكمة أمام المحكمة
الاتحادية العليا .
ومن الصور الأخرى لرقابة الامتناع هو الحكم التقريري و بمقتضاه يحق للشخص أن يطلب
من المحكمة أن تصدر حكم تقرر فيه ما إذا كان القانون الذي سيطبق عليه دستورياً أم
لا و في هذه الحالة لا يتم الفصل في الموضوع إلى أن يصدر حكم من المحكمة حول هذا
الطلب . و تلاقي هذه الطريقة تأييداُ من الفقه الأمريكي ، لأن المحكمة تستطيع أن
تعلن عن رأيها في دستورية أو عدم دستورية قانون ما حيث أن هذه الطريقة تنسجم مع
الغاية من تخويل المحاكم سلطة الرقابة على دستورية القوانين .
2 - الرقابة عن
طريق الإلغاء
وتتمثل هذه الرقابة
في تشكيل محكمة خاصة أو أعلى محكمة في البلاد و يحق للمحكمة أن تحكم ببطلان
القانون غير الدستوري بالنسبة للجميع ، أي إن قرارها يلغي القانون المخالف للدستور
و تجعله في حكم العدم ولا يجوز الاستناد عليه في المستقبل، وان لهذا الحكم حجية
مطلقة أي انه ملزم لسائر المحاكم والجهات التي تطبق القانون ، و يحق لأي فرد أن
يتقدم لهذه المحكمة طالبا إلغاء قانون ما إذا رأى في هذا القانون مخالفة للدستور .
و يمكن أن تكون هذه الرقابة على نوعين ، رقابة إلغاء سابقة و رقابة إلغاء لاحقة .
و طبقاً للنوع الأول يتم إحالة مشروعات القوانين إلى جهة قضائية مختصة ( محكمة
خاصة ) لفحصها من الناحية الدستورية قبل إصدار القانون من قبل رئيس الدولة ، فإذا
قررت هذه المحكمة عدم دستوريته تعين على السلطة التشريعية تعديله في حدود الدستور
، و قد أخذ الدستور الايرلندي لسنة 1937 بهذا النوع من الرقابة .
أما رقابة الإلغاء
اللاحقة فإنها تباشر على القوانين بعد صدورها ، فإذا رأى الشخص بأن قانون ما غير
دستوري فإنه يستطيع الطعن في هذا القانون أمام المحكمة المختصة التي خولها الدستور
سلطة إلغاء القانون غير الدستوري دون أن ينتظر الشخص تطبيق القانون غير الدستوري
عليه . و تختلف الدول التي أخذت بهذا النوع من الرقابة في مسألة إعطاء الحق
للأفراد في الطعن بدستورية القانون ، فدساتير بعض الدول مثل الدستور
التشيكوسلوفاكي لسنة 1920 قد حصر هذه الحق بهيئات عامة ( المجالس التشريعية
والمحكمة القضائية العليا و المحكمة الإدارية العليا و المحكمة المختصة
بالانتخابات ). كما تختلف الدول في تحديد المحكمة المختصة بالرقابة ، فدستور
بوليفيا لسنة 1880 مثلاً قد جعل هذا الأمر من اختصاص المحاكم العادية ،و بعض الدول
جعلت الرقابة من اختصاص محكمة خاصة ومن هذه الدول ،دستور العراق لسنة 1925 ودستور
النمسا لسنة 1945 ودستور إيطاليا لسنة 1947 .
تمارس ( المحكمة الدستورية العليا )عادة وظيفة
الرقابة القضائية حيث تمارس هذه المحكمة دورها في بيان مدى مطابقة القوانين
الصادرة أو مخالفتها للدستور، كما إن تشكيل المحكمة الدستورية العليا هو أمر مهم
جداً و تظهر أهمية هذه المحكمة بصورة واضحة في المجتمعات الديمقراطية حين يؤدي
رئيس الدولة القسم أو اليمين عند انتخابه أمامها ويتعهد بأنه سيقوم بواجباته
ويحترم الدستور والقوانين فأن حنث في اليمين تعرض للمسؤولية و أحالته للقضاء ومن
هنا تظهر أهمية الدور المناط بهذه المحكمة في دولة القانون فهي صمام الأمان
لاحترام القواعد الدستورية والقانونية من الحكام والمحكومين.
ثالثا : الرقابة
الشعبية
لا يمكن إنكار
الدور الهام الذي تلعبه جهات شعبية مختلفة مثل الرأي العام والصحافة ووسائل
الإعلام الأخرى في الدول الديمقراطية ،حيث يطلق على الإعلام عادة(السلطة الرابعة
)، لذلك يمكن أن تقوم هذه الجهات بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ، إذ يمنح
الدستور لهذه الجهات في بعض الدول الحق في الاحتجاج على خرق قانون ما لقواعد
الدستور و الطلب إلى الأجهزة المختصة ( المحاكم الدستورية) لمعالجة هذا الخرق ،
ويتم ذلك وفق آليات ينظمها القانون ، وتبنت هذا الأسلوب دساتير كل من (ألمانيا و
غانا و سلوفاكيا).
رابعا : رقابة
منظمات المجتمع المدني
في ظل المجتمع
المدني لابد من خضوع الحاكم والمحكوم للدستور والالتزام بالقواعد القانونية ،و
تعتبر منظمات المجتمع المدني و خاصة المنظمات غير الحكومية هي العين الساهرة على
المجتمع وعلى الدستور ، وتسمى هذه المنظمات بـ( السلطة الخامسة) حيث يقوم أفراد
المجتمع من خلال هذه المنظمات المستقلة عن سيطرة ونفوذ السلطة بممارسة دورهم و
حقوقهم في اختيار ومراقبة السلطات العامة في الدولة وما تصدره هذه السلطات من
قوانين و لوائح وتشريعات و مدى مطابقة هذه القوانين لمبادئ الدستور ، إذ تقوم
منظمات حقوق الإنسان و منظمات المجتمع المدني المختلفة بمهمة الرقابة على دستورية
القوانين ،و يجب أن لا ننسى دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق التنمية
الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، حيث تعتبر هذه الممارسات
جزءا من العملية الديمقراطية ذاتها .
الرقابة في الدستور الجزائري
تضمن دستور الجمهورية
الجزائرية الديمقراطية الشعبية الصادر في 28 نوفمبر سنة 1996 تنظيم الرقابة على
دستورية القوانين في المواد 163 إلى 169. فنصت المادة 163 على أن يؤسس مجلس دستوري
يكلف بالسهر على احترام الدستور. كما يسهر المجلس الدستوري على صحة عمليات
الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية، والانتخابات التشريعية، ويعلن نتائج هذه
العمليات.
ونصت المادة 164 على
كيفية تشكيل المجلس بقولها يتكون المجلس الدستوري من تسعة أعضاء: ثلاثة أعضاء من
بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية، واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني،
واثنان ينتخبهما مجلس الأمة، وعضو واحد ينتخبه مجلس الدولة. بمجرد انتخاب أعضاء
المجلس الدستوري أو تعيينهم، يتوقفون عن ممارسة أي عضوية أو أي وظيفة أو تكليف أو
مهمة أخرى. يعين رئيس المجلس الدستوري لفترة واحدة مدتها ست سنوات. يضطلع أعضاء
المجلس الدستوري بمهامهم مرة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد نصف عد أعضاء المجلس
الدستوري كل ثلاث سنوات.
وحددت المادة 165
اختصاصات المجلس الدستوري بالإضافة إلى الاختصاصات التي خولتها إياه صراحة أحكام
أخرى في الدستور، في دستورية المعاهدات والقوانين، والتنظيمات، إما برأي قبل أن
تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية. يبدي المجلس الدستوري بعد أن
يخطره رئيس الجمهورية، رأيه وجوباً في دستورية القوانين العضوية بعد أن يصادق
عليها البرلمان. كما يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي
البرلمان للدستور، حسب الإجراءات المذكورة في الفقرة السابقة.
ونصت المادتان 166
و167 على إجراءات الطعن أمام المجلس الدستوري وإجراءات اتخاذ المجلس لقراره. فقررت
المادة 166 أن يخطر رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس
الأمة، المجلس الدستوري. كما نصت المادة 167 على أن يتداول المجلس الدستوري في
جلسة مغلقة، ويعطي رأيه أو يصدر قراره في ظرف العشرين يوماً الموالية لتاريخ
الإخطار. يحدد المجلس الدستوري قواعد عمله.
وتضمنت المادتان 168
و 169 النص على أثر الرأي أو القرار الصادر من المجلس الدستوري في شأن دستورية
المعاهدات والنصوص التشريعية والتنظيمية. فنصت المادة 168 على أنه إذا ارتأى
المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق، أو اتفاقية، فلا يتم التصديق عليها.
كما نصت المادة 169
على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصاً تشريعياً أو تنظيمياً غير دستوري، يفقد
هذا النص أثره ابتداء من يوم قرار المجلس.
كما نصت المادة 126
على أن يصدر رئيس الجمهورية القانون من أجل ثلاثين يوماً، ابتداء من تاريخ تسليمه
إياه. غير أنه إذا أخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة 166 التالية
المجلس الدستوري، قبل صدور القانون، يوقف هذا الأجل حتى يفصل في ذلك المجلس الدستوري
وفق الشروط التي تحددها المادة 167 التالية.
ونصت المادة 176 على
أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ
العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس
بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية، وعلل رأيه، أمكن رئيس
الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على
الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان.
ويتضح من هذه النصوص
أن المجلس الدستوري الجزائري هو مجلس سياسي يشترك في اختيار أعضائه جميع السلطات ف
بالدولة، سواء في ذلك السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو السلطة القضائية.
وتقتصر الاختصاصات
الإلزامية للمجلس الدستوري على القوانين العضوية أي الأساسية ( المادتان 123 و 165
) والنظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان ( المادة 165)، وتعديل الدستور إذا رغب
رئيس الجمهورية في إصداره دون عرض على الاستفتاء الشعبي ( المادة 176). كما يقتصر
الحق في إثارة مسألة الدستورية أمام المجلس على رئيس الجمهورية ورئيس المجلس
الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة.
ويجب أن يصدر المجلس
الدستوري رأيه أو قراره خلال عشرين يوماً من تاريخ اخطاره، ويترتب على الرأي أو
القرار الصادر من المجلس بعدم دستورية المعاهدة أو الاتفاق أو الاتفاقية عدم
التصديق عليها، كما يفقد النص التشريعي أو التنظيمي أثره من يوم صدور قرار المجلس
بعدم دستوريته.
ويلاحظ أن مضي مدة
العشرين يوماً التي نص الدستور الجزائري على ضرورة إصدار المجلس الدستوري قراره
خلال لا يعني سقوط حق المجلس في الاستمرار في نظر الطعن المعروض عليه، إذ لا تعتبر
مدة سقوط تؤدي إلى إنهاء حق المجلس في الاستمرار في أداء مهمته. ويؤكد ذلك نص
المادة 126 من الدستور التي ترتب على إخطار المجلس الدستوري وقف المدة التي يجب
فيها إصدار القانون حتى يفصل المجلس في الطعن المقدم له.
كما يلاحظ أيضاً أن
رقابة المجلس الدستوري الجزائري على دستورية القوانين والمعاهدات والتنظيمات قد
تكون رقابة سابقة على صدور القانون وفي هذه الحالة يبدي المجلس رأيه بشأنها، وقد
تكون هذه الرقابة لاحقة لصدور القانون وفي هذه الحالة يصدر المجلس قرارا يؤدي إلى
أن يفقد النص المقضي بعدم دستوريته أثره من يوم قرار المجلس. ويؤكد هذا القول نص
المادة 165 من الدستور على أن يفصل المجلس الدستوري... في دستورية المعاهدات
والقوانين والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة
العكسية، ونص المادة 169 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا ً تشريعيا أو
تنظيميا غير دستوري، يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس.
وإذا كان الدستور
المغربي – شأنه شأن الدستور الفرنسي - قد أخذ بكل من التدخل العلاجي والوقائي
لحماية المجال اللائحي وعدم خروج السلطة التشريعية ، وأعطى للمجلس الدستوري الحق
في إصدار قرار يوضح فيه ما إذا كانت النصوص المعروضة عليه لها صيغة تشريعية أو
أنها ذات صيغة تنظيمية لائحية تختص بها السلطة التنفيذية، فإن الدستور الجزائري لم
يعط للمجلس الدستوري مثل هذا الاختصاص ، وإن كان قد أخذ بالاتجاه الفرنسي وحدد
مجالا للقانون لا يجوز للمشرع تجاوزه.
وإذا كان البعض في
فرنسا قد طالب بإخضاع التعديلات الدستورية التي لا تعرض على الشعب في الاستفتاء
لرقابة المجلس الدستوري، رغم معارضة الغالبية لذلك لعدم وجود نص في الدستور يعطي
للمجلس هذا الحق، فإن الدستور الجزائري قد نص صراحة على إعطاء هذا الحق للمجلس
الدستوري، فنص في المادة 176 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل
دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري ... أمكن رئيس
الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على
الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان. فرئيس
الجمهورية يستطيع أن يصدر التعديلات الدستورية بمجرد موافقة البرلمان عليها، دون
عرضها على الشعب في الاستفتاء، على أن يعرض الأمر أولا على المجلس الدستوري ويحصل
على موافقته.
الفصل الثاني
الرقابة على
دستورية القوانين
في دولة القانون
هناك تدرج للقوانين يطلق عليه التدرج التشريعي حيث تأتي القواعد الدستورية في
المقدمة بسبب مبدأ علوية( سمو ) الدستور ثم تأتي بعدها القوانين الصادرة من السلطة
التشريعية المختصة والتي لابد أن تكون منسجمة مع القواعد الواردة في الدستور، و
تليها بعد ذلك الأوامر الصادرة من السلطات التنفيذية والتي تصدر من الجهة المختصة
قانونا ويلزم عدم مخالفتها للدستور والقانون وإلا تم الطعن بها بعدم شرعيتها أو
عدم دستوريتها وتكون آثارها باطلة . إن الغاية الحقيقية من تقرير مبدأ الرقابة على
دستورية القوانين هو تأكيد مبدأ سمو الدستور، لان ما يتضمنه الدستور من مبادئ
تتعلق بالحقوق والحريات العامة، فإنها قد تقررت لمصلحة الأفراد في مواجهة السلطتين
التشريعية و التنفيذية ، لذلك يصبح هؤلاء الأفراد من أكثر المستفيدين من تقرير
مبدأ الرقابة على دستورية القوانين.
و يمكن القول بأن حماية الدستور من خلال الرقابة على دستورية القوانين هي أهم من
إعداد الدستور و إقراره ، حيث تهدف هذه الرقابة إلى ضمان أن تكون كافة القوانين
الصادرة من السلطة التشريعية والأوامر الصادرة من السلطة التنفيذية غير مخالفة
للدستور، فهي حارس على الشرعية القانونية وتحافظ على الحدود الدستورية للسلطات، ،
كما تهدف إلى ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، وضمان سيادة القانون وكفالة
العدالة والمساواة في المجتمع الديمقراطي، وهي من الضمانات الهامة للحرية
والديمقراطية ،و إذا أصاب الفساد جسم الهيئة التشريعية نتيجة الصراعات السياسية و
الحزبية فإن الرقابة تعتبر هي الوسيلة الأخيرة للأفراد في الدفاع عن حقوقهم ، على
عكس الحكم الدكتاتوري القائم على حكم الفرد حيث تنعدم هذه الضمانات فتتعرض حقوق
الإنسان إلى ابشع الانتهاكات ويتم خرق أحكام الدستور وخرق التدرج القانوني ، فتكون
الدولة بلا قانون ويسود الظلم وعدم المساواة وعدم احترام القانون ، و يؤكد معظم
فقهاء القانون الدستوري على أهمية مبدأ الرقابة على دستورية القوانين ، لذلك يلاحظ
أن دساتير بعض الدول تنص صراحة على بطلان القوانين التي تخالفها ، وهذا يعني أيضاً
بطلان القانون المخالف للدستور حتى في حالة عدم النص في الدستور على ذلك ،و هذا
البطلان يعتبر نتيجة حتمية لفكرة الدستور الجامد الذي لا يمكن للقوانين العادية أن
تعدله ، فإذا أصدرت السلطة التشريعية قانونا يخالف مبدأً أو نصاً دستورياً في
دستور جامد، فإن السلطة التشريعية تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصاتها و يصبح ما أقدمت
عليه باطلاً لمخالفته الدستور دون الحاجة إلى النص على ذلك البطلان في صلب الدستور
.
تختلف الدول في
تنظيم الرقابة على دستورية القوانين ، فبعض الدول تمنع الرقابة على دستورية القوانين
بشكل صريح،مثال على ذلك الدستور البلجيكي لسنة 1831 و الدستور البولوني لسنة 1921
، إضافة إلى بريطانيا حيث إن نظامها يقوم على مبدأ سيادة البرلمان ومن ثم يتعذر
تقييد سلطته أو إقرار أية رقابة على ما يصدره من تشريعات . أما الدول التي تأخذ
بالرقابة على دستورية القوانين فإنها تختلف من حيث الجهة التي تتولى الرقابة ومدى
ما يمنحها القانون من صلاحيات في هذا الشأن ،
حيث أن أشكال هذه
الرقابة تتعدد وتختلف من نظام إلى آخر تبعاً لاختلاف التنظيم الدستوري لشكل هذه
الرقابة وآلياتها ، فمنها من اعتمد أسلوب الرقابة السياسية ، ومنها من اعتمد أسلوب
الرقابة القضائية ، كما يمكن أن تكون الرقابة شعبية والتي تتمثل في الرأي العام
والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى و رقابة منظمات المجتمع المدني .
أولا
: الرقابة السياسية على دستورية القوانين
تتمثل هذه الرقابة
في قيام هيئة مشكلة تشكيلا سياسيا بممارسة تلك الرقابة بناءً على نص دستوري يمنح
تلك الهيئة السياسية ممارسة حق الرقابة على دستورية القوانين من خلال فحص القوانين
قبل صدورها لتقرر ما إذا كانت تلك القوانين متوافقة مع الدستور أو مخالفة له ، إذن
فهي رقابة سابقة على إصدار القانون ، و تعتبر الرقابة التي يمارسها (المجلس
الدستوري ) في فرنسا أبرز مثال على الرقابة السياسية .
من الناحية
التاريخية فإن المحاولات الأولى لتقرير الرقابة السياسية ظهرت في فرنسا سنة 1795 ،
حيث اقترح الفقيه ( سييز ) إنشاء هيئة سياسية تكون مهمتها إلغاء القوانين المخالفة
للدستور ، بيد أن الجمعية التاسيسية آنذاك لم توافق على هذا الاقتراح ، و عند
إعداد دستور السنة الثامنة في عهد نابليون عاد ( سييز ) وطرح اقتراحه مرة أخرى و
استطاع إقناع واضعي الدستور بسلامة مقترحه ، وبذلك انشأ مجلس أطلق عليه (المجلس
المحافظ ) وفقا لدستور السنة الثامنة ، تكون مهمته فحص مشروعات القوانين للتحقق من
عدم مخالفتها للدستور، كما أخذت فرنسا بهذه الرقابة في دستور سنة 1852 و عهد بمهمة
الرقابة إلى مجلس الشيوخ ، بيد إن كلا المجلسين ( المجلس المحافظ و مجلس الشيوخ )
لم يوفقا في هذه المهمة بسبب سيطرة الإمبراطور عليهما حيث كان المجلسين أداة بيد
الإمبراطور . أما دستور سنة 1946 فقد انشأ اللجنة الدستورية التي تقوم بمهمة
الرقابة على دستورية القوانين وكانت تتألف هذه اللجنة من ( رئيس مجلس الجمهورية ،
رئيس الجمعية الوطنية ، 7 أعضاء ينتخبون من قبل الجمعية الوطنية على أساس التمثيل
النسبي للهيئات السياسية ، 3 أعضاء ينتخبون من قبل مجلس الجمهورية بنفس الطريقة)
ولا يجوز أن يكون هؤلاء الأعضاء من ضمن أعضاء البرلمان . أما دستور سنة 1958 فقد
نص على تشكيل (المجلس الدستوري ) للقيام بمهمة الرقابة والذي يتألف من 3 أعضاء
يعينون من قبل رئيس الجمهورية ، 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس الجمعية الوطنية ، 3
أعضاء يعينون من قبل رئيس مجلس الشيوخ ، رؤساء الجمهورية السابقون مدى الحياة
،ويتم تعيين رئيس المجلس من قبل رئيس الجمهورية)، وتكون مدة العضوية 9 سنوات غير
قابلة للتجديد و يتم تجديد ثلث المجلس كل 3 سنوات .
من مميزات الرقابة
السياسية إنها وقائية فهي تسبق صدور القانون ومعنى ذلك أن القانون المراد تشريعه
لن يتم إصداره إذا كان مخالفا للدستور لذلك فهي تمنع حدوث الآثار التي تحدث لو
كانت الرقابة بعد نفاذ القانون ، لكن الواقع أثبت عدم نجاح الرقابة السياسية في
تحقيق الرقابة الفعالة على دستورية القوانين ويكاد يجمع فقهاء القانون الدستوري
على عدم ملائمة الرقابة السياسية وفشلها في تحقيق الغايات المرجوة منها بسبب إناطة
مهمة الرقابة بهيئة سياسية ، حيث إن أعضاء الهيئة قد لا يكونون مكونين تكوينا
قانونيا يتناسب مع خطورة وأهمية هذه الرقابة ، كما أن الطابع السياسي لتشكيل هذه
الهيئة قد لا يمنعها من التأثر بالاتجاهات و الميول السياسية وهو ما لا يتفق مع
الهدف من هذه الرقابة ، حيث أن بعض الأعضاء يعينون من قبل رئيس الجمهورية و آخرون
من قبل المجالس النيابية ، إضافة إلى أن الدول التي تأخذ بهذا النوع من الرقابة قد
حصرت حق الطعن في القوانين غير الدستورية بهيئات حكومية دون إعطاء هذا الحق
للأفراد .
إن الكثير من الدول
التي أخذت بهذا النوع من الرقابة هي في الواقع تلك الدول التي حكمتها الأنظمة
الشمولية كدول المعسكر الاشتراكي السابق ( الاتحاد السوفيتي و يوغسلافيا وبلغاريا
) والتي جعلت مهمة الرقابة من اختصاص البرلمان ، أو من اختصاص مكتب مرتبط
بالبرلمان ، الأمر الذي يثير التساؤل حول الحكمة من جمع مهمة التشريع والرقابة على
التشريع في جهة واحدة . و يعتبر النظام الدستوري الفرنسي هو أحد الإستثناءات
القليلة في الأنظمة التي تبنت الرقابة السياسية ،خصوصا إن فرنسا تمثل أحد النماذج
المثالية للأنظمة الديمقراطية، ويعود السبب في ذلك إلى خصوصية تاريخية وسياسية
تميزت بها التجربة الفرنسية، فمفهوم مبدأ الفصل بين السلطات الذي طالما ساد لدى
المشرعين الفرنسيين يتمثل في أن البرلمان هو المعبر عن إرادة الشعب وأن القانون هو
التعبير عن هذه الإرادة وتبعاً لذلك لا يجوز أن تمارس أي سلطة أخرى الرقابة على
إرادة الشعب ، كما أن رفض فكرة الرقابة القضائية في فرنسا يعود إلى أسباب تاريخية
تمثلت في الموقف السلبي للمحاكم الفرنسية من الإصلاحات وتدخلها في أعمال السلطات
الأخرى، حيث كانت المحاكم تعمل على عرقلة القوانين ووصل الأمر بهذه المحاكم إلى
درجة الحكم بإلغاء القوانين، وقد تركت تصرفات هذه المحاكم آثاراً سيئة في نفوس
الناس وعند رجال الثورة الفرنسية ، لذلك وضعت الثورة نصوصاً صارمة تحرم على
المحاكم التدخل بطريق مباشر أو غير مباشر في أعمال البرلمان .
ثانيا
: الرقابة القضائية على دستورية القوانين
هي الرقابة التي
تمارسها هيئة قضائية تختص بالفصل في مدى دستورية أي قانون تصدره السلطة التشريعية،
و ينطلق مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين من فكرة حق الأفراد في حماية
حقوقهم وحرياتهم المقررة بموجب الدستور، فوظيفة القضاء تتمثل في الفصل في الخصومات
التي تحصل بين الأفراد والدولة أو بين الأفراد أنفسهم وهي وظيفة على قدر كبير من
الأهمية ، كما تشكل الرقابة القضائية ضمانة فاعلة لدستورية القوانين حيث يتسم
القضاء بالحياد والنزاهة والاستقلالية بالإضافة إلى الخبرة القانونية .
وهناك صورتان
للرقابة القضائية على دستورية القوانين هما:
1 – الرقابة عن
طريق الامتناع : كانت الولايات المتحدة الأمريكية سباقة في الأخذ
بالرقابة القضائية على دستورية القوانين ، بالرغم من أن الدستور الأمريكي لم ينص
صراحة على مبدأ الرقابة القضائية إلا أن هذا الأمر كان مفهوماً ومتوقعاً ومقبولاً
لدى واضعي هذا الدستور و كانت بداية تطبيق المبدأ أمام محاكم بعض الولايات
الأمريكية كولاية فرجينيا ، ومع أن المبدأ عرفته في البداية و أخذت به بعض
الولايات الأمريكية قبل أن تأخذ به المحكمة العليا الفدرالية إلا أن المؤرخون
يربطون بينه وبين أول حكم للمحكمة العليا قررت فيه تطبيق هذا المبدأ وكان ذلك في
حكمها الشهير في القضية الرائدة ماربري ضد ماديسون في عام 1803م ، وقد ارتبط
المبدأ باسم رئيس القضاء (جون مارشال) الذي يرجع إليه الفضل في إظهاره في حكمه في
هذه القضية واعتبره البعض منشئا للمبدأ . حيث قال مارشال في حكمه في هذه القضية
أنه (من واجب الهيئة القضائية أن تفسر القانون وتطبقه، وعندما يتعارض نص تشريعي أو
قانون مع الدستور فإن السمو والبقاء يكون للدستور). و ليس للمحاكم الأمريكية أن
تلغي القانون عند نظرها في قضية أمامها بعدم دستورية قانون ما ، بل تمتنع عن
تطبيقه وإن حكمها في ذلك ليس ملزما للمحاكم الأخرى ، حيث يحق لها تطبيق القانون
على اعتبار انه دستوري ، إلا إذا كان الحكم بعدم دستوريته صادراً من المحكمة
العليا ، و ليس للمحاكم الاتحادية حق إصدار آراء استشارية و قد استقرت المحكمة
العليا على هذا المبدأ منذ تأسيسها وحتى الآن ، فحينما قدم الرئيس (واشنطن) إلى
المحكمة الاتحادية سلسلة من الأسئلة المتعلقة بتفسير المعاهدات المعقودة مع فرنسا
لإبداء رأيها فيها ، أجابت المحكمة بأنها ( لا ترى من المناسب إعطاء رأي في أمور
لم تنشأ عن قضية مطروحة أمامها ) . وهو ما يعرف بقاعدة "أن القاضي لا
يستفتى" بمعنى أنه لا يجوز أن يطلب من القاضي إصدار فتوى، ذلك أن قيام القاضي
بإصدار الفتوى هو تعبير عن رأيه في شأن ما قبل أن يعرض عليه النزاع وقبل أن يسمع
دفاع الخصوم وحججهم وهو ما يعد إهداراً لحق الدفاع الذي يعتبر من أهم الضمانات
المقررة للأفراد لدى ممارستهم حق التقاضي، و من المعروف أن قيام القاضي بالإفتاء
أو تقرير رأي لمصلحة أحد الخصوم في الدعوى يعتبر من الأسباب المؤدية إلى عدم
صلاحية القاضي لنظر الدعوى ويكون بالتالي ممنوعاً من سماعها .
وهناك عدة صور لرقابة الامتناع ، منها :
الدفع بعدم
الدستورية : إن المحاكم تمارس هذا الحق عندما يطرح أمامها نزاع و يطالب أحد طرفي
النزاع تطبيق قانون ما ، فيطعن الطرف الآخر بعدم دستورية هذا القانون و يطلق على
هذه الطريقة طريقة الدفع الفرعي ولا يحق لأي شخص الطعن بعدم دستورية القوانين
بصورة أصلية ،أي إنه إذا رأى شخص أن قانونا ما يخالف الدستور فلا يحق له أن يتقدم
للمحكمة للطعن بهذا القانون، بل يجب أن يكون القانون يطبق على الشخص في دعوى
قضائية ، فيبادر هذا الشخص إلى الطعن بعدم دستورية هذا القانون . وفي هذه الحالة
يكون اختصاص المحكمة بالتأكد من دستورية القانون قد جاء متفرعاً عن الدعوى
المنظورة أمامها ،وعلى المحكمة النظر في صحة هذا الطعن، فإذا تبين لها إن القانون
غير دستوري امتنعت المحكمة عن تطبيقه و تفصل في الدعوى بما فيه صالح المتهم أو
المدعى عليه . إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة هي
قضاء امتناع تقوم على نظام السوابق القضائية حيث تتقيد كل محكمة بالحكم الذي تصدره
و تقيد به المحكمة التي في درجتها و المحاكم الأدنى منها درجة .
الأمر القضائي: وهي صورة من صور رقابة الامتناع و بحسب هذه الطريقة
يحق لأي شخص أن يلجا إلى المحكمة و يطلب منها أن توقف تنفيذ قانون ما على اعتبار
إنه غير دستوري ، و للمحكمة أن تصدر أمراً قضائيا إلى الموظف المختص بعدم تنفيذ
القانون ، و يلاحظ إن مهمة إصدار الأمر القضائي في الولايات المتحدة هو من اختصاص
محكمة اتحادية مكونة من 3 قضاة ، ويجوز الطعن في قرارات هذه المحكمة أمام المحكمة
الاتحادية العليا .
ومن الصور الأخرى لرقابة الامتناع هو الحكم التقريري و بمقتضاه يحق للشخص أن يطلب
من المحكمة أن تصدر حكم تقرر فيه ما إذا كان القانون الذي سيطبق عليه دستورياً أم
لا و في هذه الحالة لا يتم الفصل في الموضوع إلى أن يصدر حكم من المحكمة حول هذا
الطلب . و تلاقي هذه الطريقة تأييداُ من الفقه الأمريكي ، لأن المحكمة تستطيع أن
تعلن عن رأيها في دستورية أو عدم دستورية قانون ما حيث أن هذه الطريقة تنسجم مع
الغاية من تخويل المحاكم سلطة الرقابة على دستورية القوانين .
2 - الرقابة عن
طريق الإلغاء
وتتمثل هذه الرقابة
في تشكيل محكمة خاصة أو أعلى محكمة في البلاد و يحق للمحكمة أن تحكم ببطلان
القانون غير الدستوري بالنسبة للجميع ، أي إن قرارها يلغي القانون المخالف للدستور
و تجعله في حكم العدم ولا يجوز الاستناد عليه في المستقبل، وان لهذا الحكم حجية
مطلقة أي انه ملزم لسائر المحاكم والجهات التي تطبق القانون ، و يحق لأي فرد أن
يتقدم لهذه المحكمة طالبا إلغاء قانون ما إذا رأى في هذا القانون مخالفة للدستور .
و يمكن أن تكون هذه الرقابة على نوعين ، رقابة إلغاء سابقة و رقابة إلغاء لاحقة .
و طبقاً للنوع الأول يتم إحالة مشروعات القوانين إلى جهة قضائية مختصة ( محكمة
خاصة ) لفحصها من الناحية الدستورية قبل إصدار القانون من قبل رئيس الدولة ، فإذا
قررت هذه المحكمة عدم دستوريته تعين على السلطة التشريعية تعديله في حدود الدستور
، و قد أخذ الدستور الايرلندي لسنة 1937 بهذا النوع من الرقابة .
أما رقابة الإلغاء
اللاحقة فإنها تباشر على القوانين بعد صدورها ، فإذا رأى الشخص بأن قانون ما غير
دستوري فإنه يستطيع الطعن في هذا القانون أمام المحكمة المختصة التي خولها الدستور
سلطة إلغاء القانون غير الدستوري دون أن ينتظر الشخص تطبيق القانون غير الدستوري
عليه . و تختلف الدول التي أخذت بهذا النوع من الرقابة في مسألة إعطاء الحق
للأفراد في الطعن بدستورية القانون ، فدساتير بعض الدول مثل الدستور
التشيكوسلوفاكي لسنة 1920 قد حصر هذه الحق بهيئات عامة ( المجالس التشريعية
والمحكمة القضائية العليا و المحكمة الإدارية العليا و المحكمة المختصة
بالانتخابات ). كما تختلف الدول في تحديد المحكمة المختصة بالرقابة ، فدستور
بوليفيا لسنة 1880 مثلاً قد جعل هذا الأمر من اختصاص المحاكم العادية ،و بعض الدول
جعلت الرقابة من اختصاص محكمة خاصة ومن هذه الدول ،دستور العراق لسنة 1925 ودستور
النمسا لسنة 1945 ودستور إيطاليا لسنة 1947 .
تمارس ( المحكمة الدستورية العليا )عادة وظيفة
الرقابة القضائية حيث تمارس هذه المحكمة دورها في بيان مدى مطابقة القوانين
الصادرة أو مخالفتها للدستور، كما إن تشكيل المحكمة الدستورية العليا هو أمر مهم
جداً و تظهر أهمية هذه المحكمة بصورة واضحة في المجتمعات الديمقراطية حين يؤدي
رئيس الدولة القسم أو اليمين عند انتخابه أمامها ويتعهد بأنه سيقوم بواجباته
ويحترم الدستور والقوانين فأن حنث في اليمين تعرض للمسؤولية و أحالته للقضاء ومن
هنا تظهر أهمية الدور المناط بهذه المحكمة في دولة القانون فهي صمام الأمان
لاحترام القواعد الدستورية والقانونية من الحكام والمحكومين.
ثالثا : الرقابة
الشعبية
لا يمكن إنكار
الدور الهام الذي تلعبه جهات شعبية مختلفة مثل الرأي العام والصحافة ووسائل
الإعلام الأخرى في الدول الديمقراطية ،حيث يطلق على الإعلام عادة(السلطة الرابعة
)، لذلك يمكن أن تقوم هذه الجهات بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ، إذ يمنح
الدستور لهذه الجهات في بعض الدول الحق في الاحتجاج على خرق قانون ما لقواعد
الدستور و الطلب إلى الأجهزة المختصة ( المحاكم الدستورية) لمعالجة هذا الخرق ،
ويتم ذلك وفق آليات ينظمها القانون ، وتبنت هذا الأسلوب دساتير كل من (ألمانيا و
غانا و سلوفاكيا).
رابعا : رقابة
منظمات المجتمع المدني
في ظل المجتمع
المدني لابد من خضوع الحاكم والمحكوم للدستور والالتزام بالقواعد القانونية ،و
تعتبر منظمات المجتمع المدني و خاصة المنظمات غير الحكومية هي العين الساهرة على
المجتمع وعلى الدستور ، وتسمى هذه المنظمات بـ( السلطة الخامسة) حيث يقوم أفراد
المجتمع من خلال هذه المنظمات المستقلة عن سيطرة ونفوذ السلطة بممارسة دورهم و
حقوقهم في اختيار ومراقبة السلطات العامة في الدولة وما تصدره هذه السلطات من
قوانين و لوائح وتشريعات و مدى مطابقة هذه القوانين لمبادئ الدستور ، إذ تقوم
منظمات حقوق الإنسان و منظمات المجتمع المدني المختلفة بمهمة الرقابة على دستورية
القوانين ،و يجب أن لا ننسى دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق التنمية
الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، حيث تعتبر هذه الممارسات
جزءا من العملية الديمقراطية ذاتها .
الرقابة في الدستور الجزائري
تضمن دستور الجمهورية
الجزائرية الديمقراطية الشعبية الصادر في 28 نوفمبر سنة 1996 تنظيم الرقابة على
دستورية القوانين في المواد 163 إلى 169. فنصت المادة 163 على أن يؤسس مجلس دستوري
يكلف بالسهر على احترام الدستور. كما يسهر المجلس الدستوري على صحة عمليات
الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية، والانتخابات التشريعية، ويعلن نتائج هذه
العمليات.
ونصت المادة 164 على
كيفية تشكيل المجلس بقولها يتكون المجلس الدستوري من تسعة أعضاء: ثلاثة أعضاء من
بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية، واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني،
واثنان ينتخبهما مجلس الأمة، وعضو واحد ينتخبه مجلس الدولة. بمجرد انتخاب أعضاء
المجلس الدستوري أو تعيينهم، يتوقفون عن ممارسة أي عضوية أو أي وظيفة أو تكليف أو
مهمة أخرى. يعين رئيس المجلس الدستوري لفترة واحدة مدتها ست سنوات. يضطلع أعضاء
المجلس الدستوري بمهامهم مرة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد نصف عد أعضاء المجلس
الدستوري كل ثلاث سنوات.
وحددت المادة 165
اختصاصات المجلس الدستوري بالإضافة إلى الاختصاصات التي خولتها إياه صراحة أحكام
أخرى في الدستور، في دستورية المعاهدات والقوانين، والتنظيمات، إما برأي قبل أن
تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية. يبدي المجلس الدستوري بعد أن
يخطره رئيس الجمهورية، رأيه وجوباً في دستورية القوانين العضوية بعد أن يصادق
عليها البرلمان. كما يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي
البرلمان للدستور، حسب الإجراءات المذكورة في الفقرة السابقة.
ونصت المادتان 166
و167 على إجراءات الطعن أمام المجلس الدستوري وإجراءات اتخاذ المجلس لقراره. فقررت
المادة 166 أن يخطر رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس
الأمة، المجلس الدستوري. كما نصت المادة 167 على أن يتداول المجلس الدستوري في
جلسة مغلقة، ويعطي رأيه أو يصدر قراره في ظرف العشرين يوماً الموالية لتاريخ
الإخطار. يحدد المجلس الدستوري قواعد عمله.
وتضمنت المادتان 168
و 169 النص على أثر الرأي أو القرار الصادر من المجلس الدستوري في شأن دستورية
المعاهدات والنصوص التشريعية والتنظيمية. فنصت المادة 168 على أنه إذا ارتأى
المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق، أو اتفاقية، فلا يتم التصديق عليها.
كما نصت المادة 169
على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصاً تشريعياً أو تنظيمياً غير دستوري، يفقد
هذا النص أثره ابتداء من يوم قرار المجلس.
كما نصت المادة 126
على أن يصدر رئيس الجمهورية القانون من أجل ثلاثين يوماً، ابتداء من تاريخ تسليمه
إياه. غير أنه إذا أخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة 166 التالية
المجلس الدستوري، قبل صدور القانون، يوقف هذا الأجل حتى يفصل في ذلك المجلس الدستوري
وفق الشروط التي تحددها المادة 167 التالية.
ونصت المادة 176 على
أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ
العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس
بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية، وعلل رأيه، أمكن رئيس
الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على
الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان.
ويتضح من هذه النصوص
أن المجلس الدستوري الجزائري هو مجلس سياسي يشترك في اختيار أعضائه جميع السلطات ف
بالدولة، سواء في ذلك السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو السلطة القضائية.
وتقتصر الاختصاصات
الإلزامية للمجلس الدستوري على القوانين العضوية أي الأساسية ( المادتان 123 و 165
) والنظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان ( المادة 165)، وتعديل الدستور إذا رغب
رئيس الجمهورية في إصداره دون عرض على الاستفتاء الشعبي ( المادة 176). كما يقتصر
الحق في إثارة مسألة الدستورية أمام المجلس على رئيس الجمهورية ورئيس المجلس
الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة.
ويجب أن يصدر المجلس
الدستوري رأيه أو قراره خلال عشرين يوماً من تاريخ اخطاره، ويترتب على الرأي أو
القرار الصادر من المجلس بعدم دستورية المعاهدة أو الاتفاق أو الاتفاقية عدم
التصديق عليها، كما يفقد النص التشريعي أو التنظيمي أثره من يوم صدور قرار المجلس
بعدم دستوريته.
ويلاحظ أن مضي مدة
العشرين يوماً التي نص الدستور الجزائري على ضرورة إصدار المجلس الدستوري قراره
خلال لا يعني سقوط حق المجلس في الاستمرار في نظر الطعن المعروض عليه، إذ لا تعتبر
مدة سقوط تؤدي إلى إنهاء حق المجلس في الاستمرار في أداء مهمته. ويؤكد ذلك نص
المادة 126 من الدستور التي ترتب على إخطار المجلس الدستوري وقف المدة التي يجب
فيها إصدار القانون حتى يفصل المجلس في الطعن المقدم له.
كما يلاحظ أيضاً أن
رقابة المجلس الدستوري الجزائري على دستورية القوانين والمعاهدات والتنظيمات قد
تكون رقابة سابقة على صدور القانون وفي هذه الحالة يبدي المجلس رأيه بشأنها، وقد
تكون هذه الرقابة لاحقة لصدور القانون وفي هذه الحالة يصدر المجلس قرارا يؤدي إلى
أن يفقد النص المقضي بعدم دستوريته أثره من يوم قرار المجلس. ويؤكد هذا القول نص
المادة 165 من الدستور على أن يفصل المجلس الدستوري... في دستورية المعاهدات
والقوانين والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة
العكسية، ونص المادة 169 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا ً تشريعيا أو
تنظيميا غير دستوري، يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس.
وإذا كان الدستور
المغربي – شأنه شأن الدستور الفرنسي - قد أخذ بكل من التدخل العلاجي والوقائي
لحماية المجال اللائحي وعدم خروج السلطة التشريعية ، وأعطى للمجلس الدستوري الحق
في إصدار قرار يوضح فيه ما إذا كانت النصوص المعروضة عليه لها صيغة تشريعية أو
أنها ذات صيغة تنظيمية لائحية تختص بها السلطة التنفيذية، فإن الدستور الجزائري لم
يعط للمجلس الدستوري مثل هذا الاختصاص ، وإن كان قد أخذ بالاتجاه الفرنسي وحدد
مجالا للقانون لا يجوز للمشرع تجاوزه.
وإذا كان البعض في
فرنسا قد طالب بإخضاع التعديلات الدستورية التي لا تعرض على الشعب في الاستفتاء
لرقابة المجلس الدستوري، رغم معارضة الغالبية لذلك لعدم وجود نص في الدستور يعطي
للمجلس هذا الحق، فإن الدستور الجزائري قد نص صراحة على إعطاء هذا الحق للمجلس
الدستوري، فنص في المادة 176 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل
دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري ... أمكن رئيس
الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على
الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان. فرئيس
الجمهورية يستطيع أن يصدر التعديلات الدستورية بمجرد موافقة البرلمان عليها، دون
عرضها على الشعب في الاستفتاء، على أن يعرض الأمر أولا على المجلس الدستوري ويحصل
على موافقته.