Abstract
Some European nations recognized the right of petition in the thirteenth
century A.D., but that right appeared in its modern sense just after the French
revolution in 1789.
The Jordanian constitution of 1952 had adopted, like the previous
Jordanian constitutions, the right of petition as stipulated in article 17 of
the second section of the constitution related to the rights and duties of Jordanians:
“Jordanians are entitled to address the authorities regarding personal or
public matter in the manner and conditions set by the law”.
Since writing down this constitution no particular law has been issued
to regulate this right but instead it has been shaped up [by rules set up by
the Upper House, and the Lower House as well as by the Executive Authorities. Since
the right of petition is very important, my goal is to shed light on the nature
of the right of petition and to show the range of implementing it in Jordan as
it is stipulated by the constitution. Moreover, the right of petition is a
legal way which enables the individual to get in touch directly with the
authorities and present acts of injustice upon the individual. Furthermore, the
right of petition gives the citizen a positive role in the political life and
makes the authorities more agreeable to the needs of citizens. Thus, the right
of petition contributes to lay down the foundations of a country’s legal state
system which can not be achieved properly in Jordan without establishing a law
which regulates the right of petition of accordingly.
ملخص
عرفت بعض شعوب أوروبا
حق تقديم العرائض في القرن الثالث عشر، ولكن هذا الحق ظهر بمفهومه الحديث هناك إثر
قيام الثورة الفرنسية عام 1789.
والدستور الأردني لعام
1952 تبنى، كأسلافه من الدساتير الأردنية، حق تقديم العرائض، حيث نصت المادة 17 من
الفصل الثاني من الدستور المتعلق بحقوق الاردنيين وواجباتهم، على أن
"للأردنيين في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له
صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون".
ومنذ وضع هذا الدستور
لم يصدر قانون خاص ينظم هذا الحق، إنما نظمته أنظمة صادرة عن مجلسي الأعيان
والنواب وعن السلطة التنفيذية.
ولاعتقادنا بأهمية هذا
الحق، هدفنا في هذا البحث إلى إبراز طبيعة حق تقديم العرائض ونطاق تطبيقه في
الأردن حسبما نص عليه الدستور.فهو وسيلة قانونية تمكن صاحبها من الاتصال مباشرة
بالسلطات العامة لاطلاعها على تظلماته، كما أن هذا الحق يعطي المواطن دوراً
إيجابياً في الحياة السياسية، ويجعل السلطات العامة أكثر استجابة للمواطنين، الأمر
الذي يساهم في إرساء دعائم الدولة القانونية. ولكن كل هذا لا يتحقق بشكله المنطقي
والسليم في الاردن إلا بوضع قانون ينظم هذا الحق كما نص عليه الدستور .
المقدمة
من المتفق عليه عند
علماء السياسة وفقهاء القانون العام أن الدولة في مفهومها الحديث هي "ظاهرة
سياسية وقانونية"، فهي تعني جماعة من الناس تقيم على إقليم محدد وتخضع لنظام
سياسي معين(1)؛ على أن المفهوم الحديث لفكرة الدولة لم يكن دائماً كذلك،
بل كان نتيجة تطور تدريجي للمجتمع السياسي، ودلالة ذلك أن المجتمعات لم تنشأ بداية
في صورة واحدة متماثلة ولم تتخذ شكلاً واحداً، بل تعددت صورها وأشكالها تبعاً
لعوامل متعددة ومتباينة كاتساع رقعة الأقاليم أو ضيقها وعدد الأفراد في المجتمع
الواحد وطريقة تنظيمه والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها؛ فجاءت الدولة بشكلها الحالي
نتيجة تفاعل وتطور هذه العوامل(2)، والأمر الذي لا مراء فيه أن السلطة
الحاكمة في كل جماعة سياسية تستهدف تحقيق نظام قانوني واجتماعي مميز لها تحدده
بالدرجة الأولى، القوى الغالبة في الجماعة، وتمليه الفلسفة السائدة فيها بالدرجة
الثانية.
فمنذ العصور الوسطى
وحتى قيام الثورة الفرنسية عام 1789 كان يسود مبدأ شخصية السلطة السياسية الذي
يعني اختلاط أساس السلطة بممارسها، حيث ساد مبدأ الحاكم هو الدولة وليس أدل على
ذلك من قول لويس الرابع عشر : "انا الدولة". على أنه يتعين التمييز بين
فكرتين مختلفتين ألا وهما سيادة الدولة والسيادة في الدولة. فمدلول سيادة الدولة
يعني أن الدولة هي صاحبة السلطة القانونية الأصلية الآمرة العليا. أما مدلول
السيادة في الدولة فإنه يعني من هو الذي يمارس السيادة داخل الدولة ؟ وقد أصبح هذا
التمايز بين الفكرتين واضحاً بعد قيام الثورة الفرنسية حيث انتهى الأمر إلى الفصل
بين أساس السلطة وممارسها؛ فأصبحت الدولة صاحبة السلطة(3). ولكن بقي
السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو إلى من يرجع صفة الأمر في الدولة؟ أي إلى من تعود
السيادة داخل الدولة؟.
على الصعيد الفقهي
برزت بهذا الخصوص نظريتان : الأولى ترجع السيادة في داخل الدولة إلى الأمة
والثانية ترجعها إلى الشعب. وقد أخذت دساتير الدول، وحسب ظروف كل دولة، تتبنى إحدى
النظريتين، فمثلاً الدستور الفرنسي لعام 1791 تبنى مبدأ سيادة الأمة، حيث نصت
المادة الأولى من الباب الثالث على أن السيادة لا تتجزأ ولا تقبل التصرف أو
التقادم وهي ملك للأمة ولا يستطيع جزء من الشعب أو فرد أن يعطى نفسه حق
ممارستها" وكذلك الدستور الأردني لعام 1952 تبنى مبدأ سيادة الأمة في المادة
24 حيث نصت على أن :
"1- الأمة مصدر السلطات
2- تمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبين في الدستور". ومضمون هذا المبدأ أن
السيادة للأمة باعتبارها وحدة مجردة مستقلة عن الأفراد المكونين لها، فلا سيادة
لفرد أو لجماعة من الأفراد، بل إن السيادة لمجموع الأفراد على اعتبار أن هذا الشخص
الجماعي لا يمثل كل فرد من الأفراد المكونين له بل يمثل وحدة واحدة لا تتجزأ مستقلة
عن أفراده ألا وهي الأمة. ومن النتائج التي تترتب على تطبيق هذا المبدأ أنه لا
يتناسب مع النظام الديمقراطي المباشر حيث يقوم الأفراد بأنفسهم دون وساطة أحد
بممارسة شؤون السلطة السياسية. وعلى خلاف ذلك فهذا المبدأ يتناسب مع النظام
الديمقراطي النيابي حيث يقتصر دور الشعب بمدلوله السياسي على مجرد اختيار بعض
النواب الذين يستقلون تماماً عن الشعب في مباشرة السلطة السياسية الآمرة(4).
ولكن هذا المبدأ منتقد
لأنه يشكل خطراً كبيراً على حقوق الأفراد وحرياتهم ويؤدي كذلك إلى الاستبداد. فالهيئات
الحاكمة قد تصدر عنها أعمال تنال من حقوق الأفراد وحرياتهم ومع ذلك تعد من الأعمال
المشروعة لأن تلك الهيئات تعبر عن إرادة الأمة في أعمالها ولا يجوز للأفراد
مساءلتها.من جهة ثانية يؤدي هذا المبدأ إلى إطلاق السلطة للهيئات الحاكمة ما دام
يخلي مسؤوليتها أمام المواطنين(5).
أمام تلك النتائج
المترتبة على مبدأ سيادة الأمة حرص المشرع الدستوري الأردني على تضمين الدستور
الأردني لعام 1952 نصوصاً تخفف من غلواء هذا المبدأ وتحيط حقوق المواطنين بضمانات
تساهم في إرساء دعائم الديمقراطية وتحقيق دولة القانون. من بين تلك الضمانات حق
المواطنين في اللجوء للسلطات العامة والاتصال بها مباشرة لتنقل إليها شكواها حول
واقعه طالبين منها التدخل في الأمر. إذ جاء في المادة 17 من الدستور
"للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما
له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون".
وقد آثرنا أن يكون حق
تقديم العرائض موضوع بحثنا هذا، لأن له طبيعة قانونية خاصة تختلف عن بقية حقوق
الإنسان سواء التقليدية منها أو الحديثة، فهو يرتب علاقة مباشرة بين الفرد
والسلطات العامة، ومن هنا تظهر طبيعته السياسية، وقد دخل في عداد ضمانات حقوق
الأفراد وحرياتهم. وعليه تكون دراستنا لأحكام حق تقديم العرائض في الدستور الأردني
لعام 1952 في مبحثين متتاليين وعلى النحو التالي :
المبحث الأول
الطبيعة القانونية لحق تقديم العرائض
لا يوحي معنى حق تقديم
العرائض أنه يتضمن في حقيقته شيئاً من سلطة الأمر، إنما هو عبارة عن تظلم، ولكنه
وسيلة من وسائل المشاركة في الحياة السياسية في الدولة. ولكي نتمكن من فهم طبيعته
القانونية سندرس في هذا المبحث التطور التاريخي لحق تقديم العرائض في مطلب أول،
ومدى الارتباط بين هذا الحق ومبدأ سيادة الأمة في مطلب ثان، ثم تمييز هذا الحق عن
حق الدعوى في مطلب ثالث، وذلك على النحو التالي :
المطلب الأول : التطور
التاريخي لحق تقديم العرائض
تعد بريطانيا أول
الأمم الأوروبية التي اقرت حق تقديم العرائض إلى الملك، فمنذ إعلان الميثاق الأعظم
(الماغناكارتا) في عام 1215 أكد الإنكليز وجود هذا الحق. ومن أجل تنظيم حق تقديم
العرائض فقد عين الملك ادوارد الأول (1272-1307) مجموعة من الأشخاص يتلقون
العرائض،ومجموعة أخرى لفحص تلك العرائض، وذلك بدراستها وتوزيعها على السلطات
المختصة(6).
في عهد الملك ادوارد
الثالث تم وضع تشريع يقضي بأنه لا يجوز توقيف شخص بسبب عرائض أو ملاحظات أبداها في
مجلس الملك، وفي الوقت نفسه كان الملك عند افتتاح كل برلمان يستمع للعرائض المقدمة
من الأشخاص الذين عندهم مظلمة وكان يحيل تلك العرائض إلى مأمورين مختصين بهذا
الشأن. كذلك كان السائد في تلك الفترة، أنه في جميع الأحوال التي لا يتمكن فيها
مقدم العريضة من الحصول على حل مرض لمشكلته، بسبب قصور في القانون أو أي سبب
مشابه، فإن المجلس الأعلى للبرلمان يضع حلاً سريعاً وفعالاً لحالته(7).
في القرن الرابع عشر
لعب مجلس العموم البريطاني دوراً مهماً في مجال حق تقديم العرائض. فلقد كان من حق
الأفراد أن يقدموا العرائض إلى مجلس العموم، فيقوم المجلس بفحصها ودراستها ومن ثم
إحالتها إلى مجلس اللوردات مرفقاً معها رأيه سواء أكان سلباً أم إيجاباً، ولكن
الأمر في النهاية يعود إلى الملك ليعطي قراره النهائي في موضوع العرائض.
في عام 1669 أكد مجلس
العموم البريطاني أن حق تقديم العرائض مقرر لكل شخص في بريطانيا، فقد كان بإمكان
كل شخص إعداد العرائض وتقديمها إلى مجلس العموم حول أي أمر محل تظلم، ومن حق مجلس
العموم أن يتلقى تلك العرائض ويفحصها ويحدد موضوعها وطبيعتها وأن يصدر حكمه فيما
إذا كانت تستحق القبول أو الرفض( .
في عهد الملك جاك
الثاني تم التأكيد وبشكل فعلي على وجود حق تقديم العرائض، وذلك عندما أصدر الملك
في عام 1687 إعلاناً يسمح بحرية إقامة الشعائر الدينية، وقد رفض البرلمان المصادقة
على ذلك الإعلان، ولكن الملك أمر رئيس الأساقفة أن يعلن ذلك ويقرأه من على المنابر
في يومي أحد متتابعين، وقد رفض رئيس الأساقفة وستة من مساعديه القيام بذلك من خلال
عريضة قدموها للملك تتضمن هذا الرفض، فأحالهم الملك إلى هيئة محلفين، ولكن هيئة
المحلفين برأت ساحتهم بحجة أنهم قد استعملوا حقاً طبيعياً لهم. وقد تم تخليد هذا الحدث
المهم بلوحة معلقة في صالة البرلمان في ويستمنستر(9) .
بقي سلطان الملوك
مسيطراً في بريطانيا في جميع الأمور حتى ثورة 1688 حيث مهدت تلك الثورة إلى مجيء
وليام الثالث وزوجته اللذين وقعا قانون الحقوق في عام 1689 وبموجبه قيدت الملكية
ودعم اختصاص البرلمان، وتم الاعتراف بحق تقديم العرائض ووضع الأساس الدستوري
للحكومة في بريطانيا. في تلك الفترة، كان حق تقديم العرائض يدور حول شكاوى ذات
طبيعة خاصة، وبقي الأمر كذلك حتى عام 1787 حيث أخذت تظهر عرائض ذات طابع عام أي
ذات مواضيع تتعلق بالمصلحة العامة مثل تلك التي كانت تطالب بإلغاء استرقاق السود،
ولقد أدى ظهور ملك تلك العرائض وكثرتها إلى وضع نظام ثابت يحدد إجراءات تقديمها. واليوم
تقدم العرائض في بريطانيا إلى مجلسي العموم واللوردات بموجب إجراءات شكلية محددة
تبين طريقة التقديم ومن ثم تحويلها إلى الوزير المختص (10).
في التاريخ القديم
لفرنسا كان حق تقديم العرائض معترفاً به ولكن على شكل عريضة استرحام أو شكوى
متواضعة تقدم إلى الملك أو السلطات المختصة .
وكانت العريضة تتضمن
تظلمات شخصية ولا تتطرق إلى المصلحة العامة أو السياسية.ففي عريضة استرحام مقدمه
في 6 آب 1667 من الكاتب الشهير موليير إلى لويس الرابع عشر يقول فيها : "أنه
تهور مني أن أزعج الملك العظيم وسط انتصاراته العظيمة، لكن يا سيدي بسبب الحالة
التي أجد نفسي بها من سطوة السلطة التي تقيدني، أتيت أبحث عن الحماية والتي أستطيع
أن أجدها عندكم كمصدر للسلطة ....... العاهل العادل وسيد كل الأشياء" (11).
ما سبق أن يوضح مدى التزلف من قبل موليير من أجل عدم إغضاب الملك، ومن أجل الحصول
على حقوقه المهضومة، والتخلص مما تعرض له من ظلم شخصي .
بعد قيام الثورة
الفرنسية في عام 1789 تم، إرساء نظام الحكومة النيابية على يد رجال الثورة
الفرنسية، وتم إقرار حق تقديم العرائض بشكل مضمون مختلفين عما كان عليه في السابق.
فبموجب المادة 62 من المرسوم الصادر في 14/12/1789 والمتعلق بتشكيل البلديات، أعطي
للمواطنين الفرنسيين الحق بأن يتجمعوا بهدوء، وعزل من السلاح، من أجل تحرير
العرائض، على شرط أن يبلغ بذلك مأموري البلديات، وأن لا ينتدب المواطنون أكثر من
عشرة أشخاص لتقديم تلك العرائض. ثم صدر مرسوم آخر في 18-22/5/1791 ينص على أن حق
تقديم العرائض لا يمكن تفويضه أو استعماله بشكل جماعي. نفس هذا المبدأ تضمنه الباب
الأول من دستور 3/9/1791 الذي نص على أن "للمواطنين الحرية بأن يرسلوا إلى
السلطات المؤسسة عرائض موقعة بشكل فردي ". المادة 32 من إعلان حقوق الإنسان
والمواطن الصادر في فرنسا عام 1793 تضمن حق تقديم العرائض بشكل مطلق وغير محدود
حيث نصت على ما يلي "أن حق تقديم العرائض بشكل مطلق وغير محدود حيث نصت على
ما يلي "أن حق تقديم العرائض إلى القائمين على السلطات العامة لا يمكن منعه
أو تعليقه أو تحديده بأي شكل : "الدستور الفرنسي لعام 1958 لم يعط حق تقديم
العرائض أهميته الحقيقية ولكن نصت على ذلك الحق النظم الداخلية لكل من مجلس الشيوخ
والجمعية الوطنية(12).
على صعيد المنظمات
الدولية العالمية، فقد تم الاعتراف فحق تقديم العرائض إلى الأفراد بموجب المادة
87/ب من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، وبموجب المواد 24، 32 من نظام منظمة العمل
الدولية، وبموجب المواد من1-5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالميثاق الدولي
الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (13).
على صعيد المنظمات
الإقليمية في أوروبا فقد تضمنت المادة 48 من النظام الداخلي للبرلمان الأوروبي
تفصيلا ًلشروط ممارسة حق تقديم العرئاض، حيث أتاحت إلى جميع مواطني السوق الأروبية
المشتركة ممارسة هذا الحق. كذلك المادة 56 من النظام الداخلي للجمعية الاستشارية
لمجلس أوروبا فقد اتبعت النهج نفسه ونصت على ذلك الحق. وأخيراً، كرست ذلك الحق
معاهدة الوحدة الأوروبية الموقعة في ماسترخت عام 1992، حيث نصت على أن كل مواطن في
الاتحاد وكل شخص طبيعي أو معنوي مقيم وله مركز قانوني في دولة عضو، له الحق بشكل
فردي أو جماعي بتقديم عريضة للبرلمان الأوروبي حول موضوع يدخل في مجال نشاط المجموعة
الأوروبية ويتعلق بها بشكل مباشر(14).
على صعيد أوروبا بشكل
عام فقد تضمنت الدساتير الأوروبية الحديثة حق تقديم العرائض مثلاً م21 من الدستور
البلجيكي، م 29 من الدستور الإسباني، م 50 من الدستور الإيطالي، م 27 من دستور
لوكسمبورغ، م 10 من الدستور اليوناني، م 52 من الدستور البرتغالي، م 17 من الدستور
الألماني، وم 5 من الدستور الهولندي(15).
المطلب الثاني : مدى
التلازم بين تبني مبدأ سيادة الأمة وإقرار حق تقديم العرائض
يعود تاريخ النظريات
الديموقراطية حول السيادة في الدولة إلى العصور الوسطى زمن القديس توما الاكويني(st Thomas d’quin). فمنذ تلك الفترة نشأت فكرة مفادها أن السلطة تجد
أساسها بالشعب، وقد دعمت هذه الفكرة في القرن السادس عشر من قبل الكاثوليك تارة
ومن قبل البروتستانت تارة أخرى من أجل مهاجمة سلطة الملك المطلقة في تلك الفترة. وقد
لقيت تلك الفكرة قبولاً لأنها أقرب إلى الديموقراطية من النظريات الثيوقراطية التي
ساهمت في إرساء دعائم الحكم المطلق (16). بقي هذا الأمر إلى عهد الثورة
الفرنسية عندما أعطى لفكرة السيادة مفهومين محددين، كل واحد منهما يتناسب مع فترة
محددة من تاريخ الفكر السياسي، وهما مبدأ سياسة الأمة ومبدأ سياسة الشعب. ويختلف
مفهوم مبدأ سيادة الأمة عن مفهوم مبدأ سيادة الشعب من حيث الأساس الفلسفي لكل
منهما ومن حيث النتائج السياسية التي تترتب على تطبيق كل منهما (17).
ورغم ذلك، فإن المرء لا يعدم أن يجد من حاول تهجين المبدأين في مفهوم مشترك لكل
منهما مثلما هو مطبق الآن في فرنسا في دستور 1958 حيث تنص المادة 3/1 منه على أن
"سيادة الأمة ملك للشعب الفرنسي".
يرجع مبدأ سيادة الأمة
في جذوره إلى فرنسا، فحسب سييز، أن السيادة للشعب الحقيقي، أي للشعب بمجموعه ككائن
مجرد، لأنه لا يمكن أن يعطى لجميع أفراد الشعب ممارسة السيادة، فذلك يصطدم بحقيقة
واقعة وهي عدم إعطاء حق الانتخاب إلى بعض الأشخاص الذين لا يملكون إرادة سليمة مثل
الأطفال والمعاقين عقلياً. وقد وجد سييز حلاً للمشكلة وهو أن الشعب ككائن مجرد هو
الأمة، والأمة هي صاحبة السيادة وهي تشكل شخصاً معنوياً يتميز عن الأشخاص الذين
يشكلونه.
وللأمة إرادة خاصة،
ولا يستطيع فرد أو مجموعة من الأفراد أن يمارسوا السلطات إلا إذا فوضتهم الأمة
بذلك. والأمة بصفتها شخص معنوي لا تستطيع أن تعبر عن نفسها أو تتصرف، مثل بقية
الأشخاص المعنوية، إلا إذا كان لها نظام قانوني، لأن هذا النظام هو الذي يحدد
الأعضاء الذين يمكن أن يعبروا أو يتصرفوا باسم الشخص المعنوي. والنظام القانوني
للأمة هو الدستور، وهو نظام قانوني مشترك لكل من الأمة والدولة، يحدد الأجهزة التي
يمكن أن تعبّر عن إرادة الأمة. وهذه الأجهزة التي يكلفها الدستور بأن تعبّر عن
إرادة الأمة، وتأخذ صفة ممثلي الأمة، فهي تتصرف وتنطق باسمها وتلتزم قانونياً
بالقرارات الصادرة عنها، مثلما يلتزم رئيس الجمعية أو الشركة بالقرارات التي تصدر
عنه (18). وقد عملت الثورة الفرنسية على تقرير هذا المبدأ بشكل واضح لا
إبهام فيه مما أدى إلى انتشاره وذيوعه(19) .
لم يترك مبدأ سيادة
الأمة أي فرصة أمام المبادرة الفردية، لأنه لا يتناسب مع الديمقراطية المباشرة حيث
يقوم الأفراد بأنفسهم ودون وساطة أحد بممارسة شؤون السلطة السياسية، حتى مع النظام
الذي يتيح للشعب حق ممارسة بعض مظاهر هذه السلطة كنظام الديموقراطية شبه المباشرة.
وعلى خلاف ذلك، فإن مبدأ سيادة الأمة يتناسب مع الديموقراطية النيابية، حيث يستحيل
على الشعب ممارسة شؤون السلطة السياسية أو الاشتراك فيها، إذ يقتصر دوره على مجرد
اختيار النواب الذين يستقلون تمامً عن الشعب في مباشرة السلطة السياسية الآمرة،
وهؤلاء النواب ليسوا صورة عن الأمة ولكنهم رأسها. وفي النظام النيابي، طبقاً
لفرضية دستورية لا تقبل النقض، فإن إرادة العضو النيابي هي بمثابة إرادة الأمة،
دون تفكير فيما إذا كانت تلك الإرادة تتطابق مع إرادة الشعب الحقيقي أم لا (20).
وكل عمل تأتيه الهيئات الحاكمة عند ممارسته السلطة يعد في حد ذاته تعبيراً عن
إرادة الأمة، ولما كانت هذه الإرادة بذاتها مشروعة، فإن هذا العمل يعد مشروعاً
تبعاً لذلك ويتعين على الأفراد الخضوع له. إلا أن الهيئات الحاكمة قد يصدر عنها
أعمال من الممكن أن تنال من حقوق الأفراد وحرياتهم ومع ذلك تعد مشروعة، وقد يصل
الأمر إلى إهدار هذه الحقوق والحريات. وهكذا يشكل مبدأ سيادة الأمة خطراً على حقوق
الأفراد وحرياتهم، دون أن يتضمن وسيلة قانونية تتيح المجال أمام الأفراد لمواجهة
الاعمال التي تهدد حقوقهم وحرياتهم(21).
لقد أوردنا في المطلب
الأول من هذا المبحث بعض صيغ الاسترحام التي كانت تقدم للملوك قبل قيام الثورة
الفرنسية، وكيف كانت تلك الاسترحامات مسبوقة بعبارات استذلالية واستجدائية من أجل
التخلص من ظلم الهيئات الحاكمة. وقد بقيت تلك الصيغ سائدة إلى أن جاءة الثورة
الفرنسية، فتبنت الثورة في أول دستور لها مبدأ سيادة الأمة والنظام النيابي، وتبنت
في الباب الأول من ذلك الدستور حق تقديم العرائض بالشكل الذي نعرفه اليوم، حيث تم
تقريره إلى كل فرد للذود عن حقوقه بعد أن حرمه مبدأ سيادة الأمة مباشرة السلطة
بنفسه .
بعد قيام الثورة، في
أيار 1791، تقدمت اللجنة الدستورية في الجمعية الوطنية الفرنسية بمشروع قانون لا
يمنح حق تقديم العرائض إلا للمواطن الذي دفع بعض الضرائب المباشرة، ولكن هذا
المشروع رفض. وفي 11 أيار من العام نفسه، وفي خطاب له أمام الجمعية الوطنية قال
روبسبير "أن حق تقديم العرائض حق لكل مواطن في المجتمع لا يسقط بالتقادم....
وكلما كان الإنسان ضعيفاً وبائساً كان بحاجة إلى حق تقديم العرائض
............."(22).
من هنا يتضح لنا
الرابط القوي بين حق تقديم العرائض ومبدأ سيادة الأمة والحكومة النيابية. وهذا ما
أكده لنا جاك مورو عندما أوضح أن مبدأ سيادة الأمة هو الأساس الضروري لحق تقديم
العرائض رمز الحرية الفردية، كما أن حق تقديم العرائض يستلزم دائماً جمعية نيابية
مستقلة عن السلطة التنفيذية (23). ولقد جاءت نصوص الدستور الأردني لعام
1952 منسجمة مع هذا الاتجاه عندما نصت على مبدأ سيادة الأمة (م24) وحق تقديم
العرائض (م17).
Some European nations recognized the right of petition in the thirteenth
century A.D., but that right appeared in its modern sense just after the French
revolution in 1789.
The Jordanian constitution of 1952 had adopted, like the previous
Jordanian constitutions, the right of petition as stipulated in article 17 of
the second section of the constitution related to the rights and duties of Jordanians:
“Jordanians are entitled to address the authorities regarding personal or
public matter in the manner and conditions set by the law”.
Since writing down this constitution no particular law has been issued
to regulate this right but instead it has been shaped up [by rules set up by
the Upper House, and the Lower House as well as by the Executive Authorities. Since
the right of petition is very important, my goal is to shed light on the nature
of the right of petition and to show the range of implementing it in Jordan as
it is stipulated by the constitution. Moreover, the right of petition is a
legal way which enables the individual to get in touch directly with the
authorities and present acts of injustice upon the individual. Furthermore, the
right of petition gives the citizen a positive role in the political life and
makes the authorities more agreeable to the needs of citizens. Thus, the right
of petition contributes to lay down the foundations of a country’s legal state
system which can not be achieved properly in Jordan without establishing a law
which regulates the right of petition of accordingly.
ملخص
عرفت بعض شعوب أوروبا
حق تقديم العرائض في القرن الثالث عشر، ولكن هذا الحق ظهر بمفهومه الحديث هناك إثر
قيام الثورة الفرنسية عام 1789.
والدستور الأردني لعام
1952 تبنى، كأسلافه من الدساتير الأردنية، حق تقديم العرائض، حيث نصت المادة 17 من
الفصل الثاني من الدستور المتعلق بحقوق الاردنيين وواجباتهم، على أن
"للأردنيين في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له
صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون".
ومنذ وضع هذا الدستور
لم يصدر قانون خاص ينظم هذا الحق، إنما نظمته أنظمة صادرة عن مجلسي الأعيان
والنواب وعن السلطة التنفيذية.
ولاعتقادنا بأهمية هذا
الحق، هدفنا في هذا البحث إلى إبراز طبيعة حق تقديم العرائض ونطاق تطبيقه في
الأردن حسبما نص عليه الدستور.فهو وسيلة قانونية تمكن صاحبها من الاتصال مباشرة
بالسلطات العامة لاطلاعها على تظلماته، كما أن هذا الحق يعطي المواطن دوراً
إيجابياً في الحياة السياسية، ويجعل السلطات العامة أكثر استجابة للمواطنين، الأمر
الذي يساهم في إرساء دعائم الدولة القانونية. ولكن كل هذا لا يتحقق بشكله المنطقي
والسليم في الاردن إلا بوضع قانون ينظم هذا الحق كما نص عليه الدستور .
المقدمة
من المتفق عليه عند
علماء السياسة وفقهاء القانون العام أن الدولة في مفهومها الحديث هي "ظاهرة
سياسية وقانونية"، فهي تعني جماعة من الناس تقيم على إقليم محدد وتخضع لنظام
سياسي معين(1)؛ على أن المفهوم الحديث لفكرة الدولة لم يكن دائماً كذلك،
بل كان نتيجة تطور تدريجي للمجتمع السياسي، ودلالة ذلك أن المجتمعات لم تنشأ بداية
في صورة واحدة متماثلة ولم تتخذ شكلاً واحداً، بل تعددت صورها وأشكالها تبعاً
لعوامل متعددة ومتباينة كاتساع رقعة الأقاليم أو ضيقها وعدد الأفراد في المجتمع
الواحد وطريقة تنظيمه والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها؛ فجاءت الدولة بشكلها الحالي
نتيجة تفاعل وتطور هذه العوامل(2)، والأمر الذي لا مراء فيه أن السلطة
الحاكمة في كل جماعة سياسية تستهدف تحقيق نظام قانوني واجتماعي مميز لها تحدده
بالدرجة الأولى، القوى الغالبة في الجماعة، وتمليه الفلسفة السائدة فيها بالدرجة
الثانية.
فمنذ العصور الوسطى
وحتى قيام الثورة الفرنسية عام 1789 كان يسود مبدأ شخصية السلطة السياسية الذي
يعني اختلاط أساس السلطة بممارسها، حيث ساد مبدأ الحاكم هو الدولة وليس أدل على
ذلك من قول لويس الرابع عشر : "انا الدولة". على أنه يتعين التمييز بين
فكرتين مختلفتين ألا وهما سيادة الدولة والسيادة في الدولة. فمدلول سيادة الدولة
يعني أن الدولة هي صاحبة السلطة القانونية الأصلية الآمرة العليا. أما مدلول
السيادة في الدولة فإنه يعني من هو الذي يمارس السيادة داخل الدولة ؟ وقد أصبح هذا
التمايز بين الفكرتين واضحاً بعد قيام الثورة الفرنسية حيث انتهى الأمر إلى الفصل
بين أساس السلطة وممارسها؛ فأصبحت الدولة صاحبة السلطة(3). ولكن بقي
السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو إلى من يرجع صفة الأمر في الدولة؟ أي إلى من تعود
السيادة داخل الدولة؟.
على الصعيد الفقهي
برزت بهذا الخصوص نظريتان : الأولى ترجع السيادة في داخل الدولة إلى الأمة
والثانية ترجعها إلى الشعب. وقد أخذت دساتير الدول، وحسب ظروف كل دولة، تتبنى إحدى
النظريتين، فمثلاً الدستور الفرنسي لعام 1791 تبنى مبدأ سيادة الأمة، حيث نصت
المادة الأولى من الباب الثالث على أن السيادة لا تتجزأ ولا تقبل التصرف أو
التقادم وهي ملك للأمة ولا يستطيع جزء من الشعب أو فرد أن يعطى نفسه حق
ممارستها" وكذلك الدستور الأردني لعام 1952 تبنى مبدأ سيادة الأمة في المادة
24 حيث نصت على أن :
"1- الأمة مصدر السلطات
2- تمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبين في الدستور". ومضمون هذا المبدأ أن
السيادة للأمة باعتبارها وحدة مجردة مستقلة عن الأفراد المكونين لها، فلا سيادة
لفرد أو لجماعة من الأفراد، بل إن السيادة لمجموع الأفراد على اعتبار أن هذا الشخص
الجماعي لا يمثل كل فرد من الأفراد المكونين له بل يمثل وحدة واحدة لا تتجزأ مستقلة
عن أفراده ألا وهي الأمة. ومن النتائج التي تترتب على تطبيق هذا المبدأ أنه لا
يتناسب مع النظام الديمقراطي المباشر حيث يقوم الأفراد بأنفسهم دون وساطة أحد
بممارسة شؤون السلطة السياسية. وعلى خلاف ذلك فهذا المبدأ يتناسب مع النظام
الديمقراطي النيابي حيث يقتصر دور الشعب بمدلوله السياسي على مجرد اختيار بعض
النواب الذين يستقلون تماماً عن الشعب في مباشرة السلطة السياسية الآمرة(4).
ولكن هذا المبدأ منتقد
لأنه يشكل خطراً كبيراً على حقوق الأفراد وحرياتهم ويؤدي كذلك إلى الاستبداد. فالهيئات
الحاكمة قد تصدر عنها أعمال تنال من حقوق الأفراد وحرياتهم ومع ذلك تعد من الأعمال
المشروعة لأن تلك الهيئات تعبر عن إرادة الأمة في أعمالها ولا يجوز للأفراد
مساءلتها.من جهة ثانية يؤدي هذا المبدأ إلى إطلاق السلطة للهيئات الحاكمة ما دام
يخلي مسؤوليتها أمام المواطنين(5).
أمام تلك النتائج
المترتبة على مبدأ سيادة الأمة حرص المشرع الدستوري الأردني على تضمين الدستور
الأردني لعام 1952 نصوصاً تخفف من غلواء هذا المبدأ وتحيط حقوق المواطنين بضمانات
تساهم في إرساء دعائم الديمقراطية وتحقيق دولة القانون. من بين تلك الضمانات حق
المواطنين في اللجوء للسلطات العامة والاتصال بها مباشرة لتنقل إليها شكواها حول
واقعه طالبين منها التدخل في الأمر. إذ جاء في المادة 17 من الدستور
"للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما
له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون".
وقد آثرنا أن يكون حق
تقديم العرائض موضوع بحثنا هذا، لأن له طبيعة قانونية خاصة تختلف عن بقية حقوق
الإنسان سواء التقليدية منها أو الحديثة، فهو يرتب علاقة مباشرة بين الفرد
والسلطات العامة، ومن هنا تظهر طبيعته السياسية، وقد دخل في عداد ضمانات حقوق
الأفراد وحرياتهم. وعليه تكون دراستنا لأحكام حق تقديم العرائض في الدستور الأردني
لعام 1952 في مبحثين متتاليين وعلى النحو التالي :
المبحث الأول
الطبيعة القانونية لحق تقديم العرائض
لا يوحي معنى حق تقديم
العرائض أنه يتضمن في حقيقته شيئاً من سلطة الأمر، إنما هو عبارة عن تظلم، ولكنه
وسيلة من وسائل المشاركة في الحياة السياسية في الدولة. ولكي نتمكن من فهم طبيعته
القانونية سندرس في هذا المبحث التطور التاريخي لحق تقديم العرائض في مطلب أول،
ومدى الارتباط بين هذا الحق ومبدأ سيادة الأمة في مطلب ثان، ثم تمييز هذا الحق عن
حق الدعوى في مطلب ثالث، وذلك على النحو التالي :
المطلب الأول : التطور
التاريخي لحق تقديم العرائض
تعد بريطانيا أول
الأمم الأوروبية التي اقرت حق تقديم العرائض إلى الملك، فمنذ إعلان الميثاق الأعظم
(الماغناكارتا) في عام 1215 أكد الإنكليز وجود هذا الحق. ومن أجل تنظيم حق تقديم
العرائض فقد عين الملك ادوارد الأول (1272-1307) مجموعة من الأشخاص يتلقون
العرائض،ومجموعة أخرى لفحص تلك العرائض، وذلك بدراستها وتوزيعها على السلطات
المختصة(6).
في عهد الملك ادوارد
الثالث تم وضع تشريع يقضي بأنه لا يجوز توقيف شخص بسبب عرائض أو ملاحظات أبداها في
مجلس الملك، وفي الوقت نفسه كان الملك عند افتتاح كل برلمان يستمع للعرائض المقدمة
من الأشخاص الذين عندهم مظلمة وكان يحيل تلك العرائض إلى مأمورين مختصين بهذا
الشأن. كذلك كان السائد في تلك الفترة، أنه في جميع الأحوال التي لا يتمكن فيها
مقدم العريضة من الحصول على حل مرض لمشكلته، بسبب قصور في القانون أو أي سبب
مشابه، فإن المجلس الأعلى للبرلمان يضع حلاً سريعاً وفعالاً لحالته(7).
في القرن الرابع عشر
لعب مجلس العموم البريطاني دوراً مهماً في مجال حق تقديم العرائض. فلقد كان من حق
الأفراد أن يقدموا العرائض إلى مجلس العموم، فيقوم المجلس بفحصها ودراستها ومن ثم
إحالتها إلى مجلس اللوردات مرفقاً معها رأيه سواء أكان سلباً أم إيجاباً، ولكن
الأمر في النهاية يعود إلى الملك ليعطي قراره النهائي في موضوع العرائض.
في عام 1669 أكد مجلس
العموم البريطاني أن حق تقديم العرائض مقرر لكل شخص في بريطانيا، فقد كان بإمكان
كل شخص إعداد العرائض وتقديمها إلى مجلس العموم حول أي أمر محل تظلم، ومن حق مجلس
العموم أن يتلقى تلك العرائض ويفحصها ويحدد موضوعها وطبيعتها وأن يصدر حكمه فيما
إذا كانت تستحق القبول أو الرفض( .
في عهد الملك جاك
الثاني تم التأكيد وبشكل فعلي على وجود حق تقديم العرائض، وذلك عندما أصدر الملك
في عام 1687 إعلاناً يسمح بحرية إقامة الشعائر الدينية، وقد رفض البرلمان المصادقة
على ذلك الإعلان، ولكن الملك أمر رئيس الأساقفة أن يعلن ذلك ويقرأه من على المنابر
في يومي أحد متتابعين، وقد رفض رئيس الأساقفة وستة من مساعديه القيام بذلك من خلال
عريضة قدموها للملك تتضمن هذا الرفض، فأحالهم الملك إلى هيئة محلفين، ولكن هيئة
المحلفين برأت ساحتهم بحجة أنهم قد استعملوا حقاً طبيعياً لهم. وقد تم تخليد هذا الحدث
المهم بلوحة معلقة في صالة البرلمان في ويستمنستر(9) .
بقي سلطان الملوك
مسيطراً في بريطانيا في جميع الأمور حتى ثورة 1688 حيث مهدت تلك الثورة إلى مجيء
وليام الثالث وزوجته اللذين وقعا قانون الحقوق في عام 1689 وبموجبه قيدت الملكية
ودعم اختصاص البرلمان، وتم الاعتراف بحق تقديم العرائض ووضع الأساس الدستوري
للحكومة في بريطانيا. في تلك الفترة، كان حق تقديم العرائض يدور حول شكاوى ذات
طبيعة خاصة، وبقي الأمر كذلك حتى عام 1787 حيث أخذت تظهر عرائض ذات طابع عام أي
ذات مواضيع تتعلق بالمصلحة العامة مثل تلك التي كانت تطالب بإلغاء استرقاق السود،
ولقد أدى ظهور ملك تلك العرائض وكثرتها إلى وضع نظام ثابت يحدد إجراءات تقديمها. واليوم
تقدم العرائض في بريطانيا إلى مجلسي العموم واللوردات بموجب إجراءات شكلية محددة
تبين طريقة التقديم ومن ثم تحويلها إلى الوزير المختص (10).
في التاريخ القديم
لفرنسا كان حق تقديم العرائض معترفاً به ولكن على شكل عريضة استرحام أو شكوى
متواضعة تقدم إلى الملك أو السلطات المختصة .
وكانت العريضة تتضمن
تظلمات شخصية ولا تتطرق إلى المصلحة العامة أو السياسية.ففي عريضة استرحام مقدمه
في 6 آب 1667 من الكاتب الشهير موليير إلى لويس الرابع عشر يقول فيها : "أنه
تهور مني أن أزعج الملك العظيم وسط انتصاراته العظيمة، لكن يا سيدي بسبب الحالة
التي أجد نفسي بها من سطوة السلطة التي تقيدني، أتيت أبحث عن الحماية والتي أستطيع
أن أجدها عندكم كمصدر للسلطة ....... العاهل العادل وسيد كل الأشياء" (11).
ما سبق أن يوضح مدى التزلف من قبل موليير من أجل عدم إغضاب الملك، ومن أجل الحصول
على حقوقه المهضومة، والتخلص مما تعرض له من ظلم شخصي .
بعد قيام الثورة
الفرنسية في عام 1789 تم، إرساء نظام الحكومة النيابية على يد رجال الثورة
الفرنسية، وتم إقرار حق تقديم العرائض بشكل مضمون مختلفين عما كان عليه في السابق.
فبموجب المادة 62 من المرسوم الصادر في 14/12/1789 والمتعلق بتشكيل البلديات، أعطي
للمواطنين الفرنسيين الحق بأن يتجمعوا بهدوء، وعزل من السلاح، من أجل تحرير
العرائض، على شرط أن يبلغ بذلك مأموري البلديات، وأن لا ينتدب المواطنون أكثر من
عشرة أشخاص لتقديم تلك العرائض. ثم صدر مرسوم آخر في 18-22/5/1791 ينص على أن حق
تقديم العرائض لا يمكن تفويضه أو استعماله بشكل جماعي. نفس هذا المبدأ تضمنه الباب
الأول من دستور 3/9/1791 الذي نص على أن "للمواطنين الحرية بأن يرسلوا إلى
السلطات المؤسسة عرائض موقعة بشكل فردي ". المادة 32 من إعلان حقوق الإنسان
والمواطن الصادر في فرنسا عام 1793 تضمن حق تقديم العرائض بشكل مطلق وغير محدود
حيث نصت على ما يلي "أن حق تقديم العرائض بشكل مطلق وغير محدود حيث نصت على
ما يلي "أن حق تقديم العرائض إلى القائمين على السلطات العامة لا يمكن منعه
أو تعليقه أو تحديده بأي شكل : "الدستور الفرنسي لعام 1958 لم يعط حق تقديم
العرائض أهميته الحقيقية ولكن نصت على ذلك الحق النظم الداخلية لكل من مجلس الشيوخ
والجمعية الوطنية(12).
على صعيد المنظمات
الدولية العالمية، فقد تم الاعتراف فحق تقديم العرائض إلى الأفراد بموجب المادة
87/ب من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، وبموجب المواد 24، 32 من نظام منظمة العمل
الدولية، وبموجب المواد من1-5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالميثاق الدولي
الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (13).
على صعيد المنظمات
الإقليمية في أوروبا فقد تضمنت المادة 48 من النظام الداخلي للبرلمان الأوروبي
تفصيلا ًلشروط ممارسة حق تقديم العرئاض، حيث أتاحت إلى جميع مواطني السوق الأروبية
المشتركة ممارسة هذا الحق. كذلك المادة 56 من النظام الداخلي للجمعية الاستشارية
لمجلس أوروبا فقد اتبعت النهج نفسه ونصت على ذلك الحق. وأخيراً، كرست ذلك الحق
معاهدة الوحدة الأوروبية الموقعة في ماسترخت عام 1992، حيث نصت على أن كل مواطن في
الاتحاد وكل شخص طبيعي أو معنوي مقيم وله مركز قانوني في دولة عضو، له الحق بشكل
فردي أو جماعي بتقديم عريضة للبرلمان الأوروبي حول موضوع يدخل في مجال نشاط المجموعة
الأوروبية ويتعلق بها بشكل مباشر(14).
على صعيد أوروبا بشكل
عام فقد تضمنت الدساتير الأوروبية الحديثة حق تقديم العرائض مثلاً م21 من الدستور
البلجيكي، م 29 من الدستور الإسباني، م 50 من الدستور الإيطالي، م 27 من دستور
لوكسمبورغ، م 10 من الدستور اليوناني، م 52 من الدستور البرتغالي، م 17 من الدستور
الألماني، وم 5 من الدستور الهولندي(15).
المطلب الثاني : مدى
التلازم بين تبني مبدأ سيادة الأمة وإقرار حق تقديم العرائض
يعود تاريخ النظريات
الديموقراطية حول السيادة في الدولة إلى العصور الوسطى زمن القديس توما الاكويني(st Thomas d’quin). فمنذ تلك الفترة نشأت فكرة مفادها أن السلطة تجد
أساسها بالشعب، وقد دعمت هذه الفكرة في القرن السادس عشر من قبل الكاثوليك تارة
ومن قبل البروتستانت تارة أخرى من أجل مهاجمة سلطة الملك المطلقة في تلك الفترة. وقد
لقيت تلك الفكرة قبولاً لأنها أقرب إلى الديموقراطية من النظريات الثيوقراطية التي
ساهمت في إرساء دعائم الحكم المطلق (16). بقي هذا الأمر إلى عهد الثورة
الفرنسية عندما أعطى لفكرة السيادة مفهومين محددين، كل واحد منهما يتناسب مع فترة
محددة من تاريخ الفكر السياسي، وهما مبدأ سياسة الأمة ومبدأ سياسة الشعب. ويختلف
مفهوم مبدأ سيادة الأمة عن مفهوم مبدأ سيادة الشعب من حيث الأساس الفلسفي لكل
منهما ومن حيث النتائج السياسية التي تترتب على تطبيق كل منهما (17).
ورغم ذلك، فإن المرء لا يعدم أن يجد من حاول تهجين المبدأين في مفهوم مشترك لكل
منهما مثلما هو مطبق الآن في فرنسا في دستور 1958 حيث تنص المادة 3/1 منه على أن
"سيادة الأمة ملك للشعب الفرنسي".
يرجع مبدأ سيادة الأمة
في جذوره إلى فرنسا، فحسب سييز، أن السيادة للشعب الحقيقي، أي للشعب بمجموعه ككائن
مجرد، لأنه لا يمكن أن يعطى لجميع أفراد الشعب ممارسة السيادة، فذلك يصطدم بحقيقة
واقعة وهي عدم إعطاء حق الانتخاب إلى بعض الأشخاص الذين لا يملكون إرادة سليمة مثل
الأطفال والمعاقين عقلياً. وقد وجد سييز حلاً للمشكلة وهو أن الشعب ككائن مجرد هو
الأمة، والأمة هي صاحبة السيادة وهي تشكل شخصاً معنوياً يتميز عن الأشخاص الذين
يشكلونه.
وللأمة إرادة خاصة،
ولا يستطيع فرد أو مجموعة من الأفراد أن يمارسوا السلطات إلا إذا فوضتهم الأمة
بذلك. والأمة بصفتها شخص معنوي لا تستطيع أن تعبر عن نفسها أو تتصرف، مثل بقية
الأشخاص المعنوية، إلا إذا كان لها نظام قانوني، لأن هذا النظام هو الذي يحدد
الأعضاء الذين يمكن أن يعبروا أو يتصرفوا باسم الشخص المعنوي. والنظام القانوني
للأمة هو الدستور، وهو نظام قانوني مشترك لكل من الأمة والدولة، يحدد الأجهزة التي
يمكن أن تعبّر عن إرادة الأمة. وهذه الأجهزة التي يكلفها الدستور بأن تعبّر عن
إرادة الأمة، وتأخذ صفة ممثلي الأمة، فهي تتصرف وتنطق باسمها وتلتزم قانونياً
بالقرارات الصادرة عنها، مثلما يلتزم رئيس الجمعية أو الشركة بالقرارات التي تصدر
عنه (18). وقد عملت الثورة الفرنسية على تقرير هذا المبدأ بشكل واضح لا
إبهام فيه مما أدى إلى انتشاره وذيوعه(19) .
لم يترك مبدأ سيادة
الأمة أي فرصة أمام المبادرة الفردية، لأنه لا يتناسب مع الديمقراطية المباشرة حيث
يقوم الأفراد بأنفسهم ودون وساطة أحد بممارسة شؤون السلطة السياسية، حتى مع النظام
الذي يتيح للشعب حق ممارسة بعض مظاهر هذه السلطة كنظام الديموقراطية شبه المباشرة.
وعلى خلاف ذلك، فإن مبدأ سيادة الأمة يتناسب مع الديموقراطية النيابية، حيث يستحيل
على الشعب ممارسة شؤون السلطة السياسية أو الاشتراك فيها، إذ يقتصر دوره على مجرد
اختيار النواب الذين يستقلون تمامً عن الشعب في مباشرة السلطة السياسية الآمرة،
وهؤلاء النواب ليسوا صورة عن الأمة ولكنهم رأسها. وفي النظام النيابي، طبقاً
لفرضية دستورية لا تقبل النقض، فإن إرادة العضو النيابي هي بمثابة إرادة الأمة،
دون تفكير فيما إذا كانت تلك الإرادة تتطابق مع إرادة الشعب الحقيقي أم لا (20).
وكل عمل تأتيه الهيئات الحاكمة عند ممارسته السلطة يعد في حد ذاته تعبيراً عن
إرادة الأمة، ولما كانت هذه الإرادة بذاتها مشروعة، فإن هذا العمل يعد مشروعاً
تبعاً لذلك ويتعين على الأفراد الخضوع له. إلا أن الهيئات الحاكمة قد يصدر عنها
أعمال من الممكن أن تنال من حقوق الأفراد وحرياتهم ومع ذلك تعد مشروعة، وقد يصل
الأمر إلى إهدار هذه الحقوق والحريات. وهكذا يشكل مبدأ سيادة الأمة خطراً على حقوق
الأفراد وحرياتهم، دون أن يتضمن وسيلة قانونية تتيح المجال أمام الأفراد لمواجهة
الاعمال التي تهدد حقوقهم وحرياتهم(21).
لقد أوردنا في المطلب
الأول من هذا المبحث بعض صيغ الاسترحام التي كانت تقدم للملوك قبل قيام الثورة
الفرنسية، وكيف كانت تلك الاسترحامات مسبوقة بعبارات استذلالية واستجدائية من أجل
التخلص من ظلم الهيئات الحاكمة. وقد بقيت تلك الصيغ سائدة إلى أن جاءة الثورة
الفرنسية، فتبنت الثورة في أول دستور لها مبدأ سيادة الأمة والنظام النيابي، وتبنت
في الباب الأول من ذلك الدستور حق تقديم العرائض بالشكل الذي نعرفه اليوم، حيث تم
تقريره إلى كل فرد للذود عن حقوقه بعد أن حرمه مبدأ سيادة الأمة مباشرة السلطة
بنفسه .
بعد قيام الثورة، في
أيار 1791، تقدمت اللجنة الدستورية في الجمعية الوطنية الفرنسية بمشروع قانون لا
يمنح حق تقديم العرائض إلا للمواطن الذي دفع بعض الضرائب المباشرة، ولكن هذا
المشروع رفض. وفي 11 أيار من العام نفسه، وفي خطاب له أمام الجمعية الوطنية قال
روبسبير "أن حق تقديم العرائض حق لكل مواطن في المجتمع لا يسقط بالتقادم....
وكلما كان الإنسان ضعيفاً وبائساً كان بحاجة إلى حق تقديم العرائض
............."(22).
من هنا يتضح لنا
الرابط القوي بين حق تقديم العرائض ومبدأ سيادة الأمة والحكومة النيابية. وهذا ما
أكده لنا جاك مورو عندما أوضح أن مبدأ سيادة الأمة هو الأساس الضروري لحق تقديم
العرائض رمز الحرية الفردية، كما أن حق تقديم العرائض يستلزم دائماً جمعية نيابية
مستقلة عن السلطة التنفيذية (23). ولقد جاءت نصوص الدستور الأردني لعام
1952 منسجمة مع هذا الاتجاه عندما نصت على مبدأ سيادة الأمة (م24) وحق تقديم
العرائض (م17).