مقدمة
ضمانا لاستقلال أعضاء البرلمان وحماية لهم ضد
أنواع التهديد والانتقام سواء من جانب السلطات الأخرى في المجتمع أم من جانب
الأفراد تتضمن دساتير معظم دول العالم نصوصها تكن لهم الطمأنينة التامة والثقة
الكاملة عند مباشرة أعمالهم .
وهذه النصوص تعرف باسم الحصانة البرلمانية
وهي نوعان : حصانة موضوعية وحصانة إجرائية .
والحصانة الموضوعية تعني عدم مسئولية أعضاء
البرلمان عن الأقوال أو الأفكار والآراء التي تصدر منهم أثناء ممارستهم لوظائفهم
النيابية ولهذا يقال لها الحصانة ضد المسئولية البرلمانية .
أما الحصانة الإجرائية فتعني عدم جواز اتخاذ
أي إجراءات جنائية ضد أي من أعضاء البرلمان في غير حالة التلبس بالجريمة إلا بعد
إذن المجلس التابع له ولهذا يطلق عليها الحصانة ضد الإجراءات الجنائية .
والحصانة البرلمانية سواء أكانت موضوعية تمثل
استثناء من القانون العام اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية بمنأى عن اعتداءات
السلطات الأخرى وهي إن كانت في الظاهر تخل بمبدأ المساواة بين الأفراد إلا أن عدم
المساواة هنا لم يقرر لمصلحة النائب بل لمصلحة سلطة الأمة ولحفظ كيان التمثيل
النيابي وصيانة ضد أي اعتداء .
ولكن ليس معنى ذلك أن يصبح أعضاء البرلمان
بهذه الحصانة فوق القانون لا حسيب عليهم ولا رقيب فالحصانة ليست طليقة من كل قيد
أو حد فهي عندما تقررت إنما كان ذلك لهدف محدد وواضح لا يجوز تجاوزه أو الخروج
عليه وإلا تعرض عضو البرلمان للمسئولية كاملة.
وبذلك تم تقسيم البحث كما يلي :
1- مفهوم الحصانة البرلمانية .
2- التطور التاريخي للحصانة البرلمانية .
3- الطبيعة القانونية للحصانة .
المبحث الأول
مفهوم ومسوغات الحصانة البرلمانية
لقد كان لمصطلح ( حصانة ) في القانون
الروماني مفهوما أو معنى ضيق ومحدد إذ كان يقصد به آنذاك الإعفاء الضريبي والذي
كان يمنح لبعض المواطنين الذين كانوا يؤدون للدولة خدمات مميزة .
ثم اتخذ هذا المصطلح في القانون القديم -
القانون الذي كان سائدا قبل الثورة الفرنسية - معنى أكثر اتساعاً حيث قصد به إعفاء
بعض الأفراد من التزامات معينة مفروضة عليهم أي من التزامات كان من الواجب عليهم
أداؤها فيما لو لم تقرر لهم حصانة في شأنها.
ثم بدأ مصطلح حصانة يظهر بعد ذلك في بعض
المواثيق الدستورية كضمانة هامة وأساسية لحماية استقلال أعضاء البرلمان أثناء
مباشرة عملهم النيابي وإن كانت هذه المواثيق لم تشر صراحة إلى مصطلح حصانة برلمانية
وإنما تضمنت فقط مضمون أو جوهر هذا المصطلح وذلك بالنص على إعفاء أعضاء البرلمان
من المسئولية السياسية عما يصدر منهم من أقوال وأفكار أثناء أداء أعمالهم
البرلمانية ، وإعفائهم من مواجهة بعض الإجراءات الجنائية التي تؤثر على استمرارية
العمل ، وقد تضمنت الدساتير الحديثة نصوصا تكفل منح أعضاء البرلمان بعض الضمانات
حتى يتمكنوا من مباشرة عملهم النيابي ، ومن هذه الضمانات عدم مسئولية العضو عما
يبدي من أفكار وآراء أثناء مباشرة الوظيفة النيابية وهي ما تعرف بالحصانة ضد
المسئولية البرلمانية ، ومن ذلك ما تضمنته الفقرة التاسعة من المادة الأولى من
الوثيقة الدستورية المعروفة باسم قانون الحقوق الصادرة في إنجلترا (1688) وكذلك في
كافة الوثائق الدستورية الفرنسية حتى الدستور الحالي الصادر عام (1958) وأيضا في
مختلف الدساتير المصرية المتعاقبة حتى الدستور الحالي لعام 1971م وذلك باستثناء
دستور عام 1958م .
والحصانة ضد المسئولية البرلمانية لا تشمل
أقوال العضو داخل البرلمان فقط بل تشمل أقواله داخل اللجان وتقاريره التي يكتسبها
، وكذلك أقواله التي يبديها خارج المجلس بمناسبة قيامه بعمل برلماني .
لذلك تمثل الحصانة ضد المسئولية البرلمانية
ضمانة حقيقية تهدف إلى منح عضو البرلمان الثقة التي تمكنه من أن يقول كل ما من
شأنه إثراء العمل البرلماني وإعلاء الفكر الديمقراطي ومن ثم أعلى قدر من الطمأنينة
على وضعه ومستقبله ، فلو حوسب عضو البرلمان كما يحاسب الشخص العادي على تصرفاته
وأحاديثه وأفكاره لكان ذلك إرهاقاً كبيراً ولآثر السكوت والصمت .
ولو أننا حاسبناه على جرائم السب والقذف
وجعلناه يوما يمثل أمام محكمة الجنح وفي اليوم التالي أمام محكمة الجنايات فإنه لن
يستطيع القيام بواجبات وظيفته على الوجه الأكمل .
وهكذا نستطيع القول بأن الحصانة ضد المسئولية
البرلمانية " امتياز دستوري مقرر لأعضاء البرلمان بصفاتهم لا بأشخاصهم سواء
كانوا منتخبين أم معينين يتيح لهم أثناء قيامهم بواجباتهم البرلمانية حرية الرأي
والتعبير دون أي مسئولية جنائية أو مدنية تترتب على ذلك " فالحصانة على هذا
النحو تعد بحق مبدأ من أقدس المبادئ الدستورية .
كما تقدم من أهم الضمانات التي كفلتها
الدساتير لأعضاء البرلمان أيضا عدم جواز اتخاذ أي إجراء جنائي ضد أي منهم في غير
حالة التلبس بالجريمة إلا بإذن مسبق من المجلس النيابي الذي يتبعه .
وكما هو واضح ليس الهدف من هذه الحصانة حماية
الأعضاء من نتائج الجرائم التي يرتكبونها ، وإنما فقط أخذ موافقة المجلس على اتخاذ
الإجراءات القانونية قبل الشروع فيها ، فهذه الحصانة تستهدف إفساح المجال أمام
العضو حتى يؤدي وظيفته النيابية دون خوف أو وجل ، فالقبض على العضو قد يحول بينه
وبين المشاركة في إحدى جلسات المجلس الهامة .
والحصانة البرلمانية على هذا النحو يقصد بها
أنها ضمانة دستورية بعدم اتخاذ أي من الإجراءات الجنائية في غير حالة التلبس
بالجرائم ضد أعضاء البرلمان أثناء انعقاده بغير إذن من المجلس التابع له ذلك العضو
، ولذلك فقد استثنيت من نطاق أعمال تلك الضمانة حالة التلبس بالجريمة حيث تتوافر
مع هذه الحالة جدية الإجراءات بما لا يكون معه ثمة حاجة إلى اشتراط أخذ إذن المجلس
أو رئيسه .
المبحث الثاني
التطور التاريخي للحصانة البرلمانية
التطور التاريخي للحصانة البرلمانية في
إنجلترا وفرنسا ومصر .
أولاً : الحصانة البرلمانية في
إنجلترا :
لقد ظهرت الحصانة البرلمانية في إنجلترا عام
1688م على أثر قيام الثورة الإنجليزية وإقرار الوثيقة الدستورية المعروفة باسم
قانون الحقوق حيث نصت هذه الوثيقة على أن حرية القول - المناقشات - الإجراءات داخل
البرلمان لا يمكن أن تكون سببا للملاحقة القضائية أو محلا للمساءلة أمام أي من
المحاكم وإقرار هذه الحصانة في انجلترا كان أساسا لحماية النواب من سلطات الملوك
وليس حمايتهم من مواطنيهم والحصانة البرلمانية في إنجلترا كانت قاصرة على الدعاوى
المدنية إضافة إلى الإجراءات الخاصة بالدعاوى الجنائية البسيطة فقد استثنت من نطاق
هذه الحصانة قضايا الخيانة العظمى وقضايا الجنايات وقضايا الإخلال بالأمن .
ولهذا فقد كان من الممكن دائما القبض على عضو
البرلمان في أي من هذه الجرائم دون رفع الحصانة عنه ، كما استثنت من الحصانة
البرلمانية الجرائم التي ترتكب من أعضاء البرلمان في مواجهة إحدى المحاكم وقد أطلق
على هذه الجرائم " جرائم إهانة المحكمة " إلا أنه حدث تطور هام خلال
القرن الثامن عشر في مجال الحصانة البرلمانية ، فقد صدر قانون ينظم أحكامها ويضع
بعض القيود والضوابط لكيفية مباشرتها .
وقد نقلت أحكام ونطاق الحصانة البرلمانية إلى
الدول التي أخذت عن النظام القانوني الإنجليزي كالولايات المتحدة الأمريكية ،
أستراليا ، كندا والهند .
ثانياً : الحصانة البرلمانية في
فرنسا :
نجد أن الحصانة قد وجدت في معظم المواثيق
الدستورية الفرنسية بذات المضمون الذي كانت عليه في المواثيق الإنجليزية ، فقد نص
عليها بداية في قرار الجمعية التأسيسية الفرنسية الصادرة في 23 يونيو 1789م ثم نص
عليها في دستور عام 1791م . ثم في دستور 1795 وكذلك الدساتير المتتالية في عام
1799 ودستور عام 1848 ودستور 1875 ودستور 1946م وأخيراً الدستور الحالي الصادر عام
1958م فقد تضمنت كل هذه الدساتير مبدأ الحصانة ضد المسئولية البرلمانية أما عن
الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية فقد وجدت في فرنسا منذ وقت بعيد نسبيا
حيث نص عليها بداءة في قرار الجمعية التأسيسية الصادر في 26 يونيو سنة 1790 م .
هذا ولازالت تلك القواعد والأحكام سارية
المفعول حتى الآن .
ثالثاً : في مصر :
لم تتضمن أول وثيقة دستورية عرفتها مصر وهي
لائحة تأسيس مجلس شورى النواب وانتخاب أعضائه الصادرة في 22 أكتوبر 1868 نصا يشير
إلى الحصانة ضد المسئولية البرلمانية . وقد يكون ذلك راجعا إلى حداثة العهد بالنظم
الديمقراطية فقد كان هذا المجلس أول تجربة للحياة النيابية في مصر ، فكان أمرا
طبيعيا ألا يتقرر للأعضاء كافة الضمانات التي تحقق لهم حرية التعبير أو القول عند
مباشرة وظائفهم النيابية ، ولكن وبمجرد أن استقرت الحياة النيابية وعلى أثر إعادة
تشكيل مجلس النواب عام 1882 نجد أن اللائحة الأساسية لهذا المجلس والتي صدرت في 7
فبراير 1882 قد تضمنت نصا يقرر الحصانة لأعضائه ضد المسئولية البرلمانية وهو نص
المادة الثالثة الذي جاء به ( النواب مطلقوا الحرية في إجراء وظائفهم وليسوا
مرتبطين بأوامر أو تعليمات تصدر لهم تخل باستقلال آرائهم ولا بوعد أو وعيد يحصل
اليهم ) .
كما تضمن دستور 1930م نصا مماثلا للنص السابق
. إلا أن هذا الدستور الغي بأمر الملكي رقم 118 الصادر في 12 ديسمبر عام 1935م
وعاد العمل بدستور عام 1923 م
بما كان يتضمنه من نصوص خاصة بالحصانة البرلمانية . ثم نص بعد ذلك على الحصانة ضد
المسئولية البرلمانية في أول دستور دائم لمصر بعد قيام الثورة وهو دستور 1956م ،
أما الدستور المؤقت الصادر 1958م فقد أتى خاليا من النص على الحصانة البرلمانية
وقد يرجع ذلك إلى ظروف الوحدة مع القطر السوري آنذاك وبعد أن تم الانفصال عن القطر
السوري عاد المشرع الدستوري المصري ونص على الحصانة ضد المسئولية البرلمانية في
دستور 1964م . وأخيرا صدر دستور 1971م الساري المفعول حتى الآن متضمنا على الحصانة
ضد المسئولية فقد جاء نص المادة (98) كما يلي " لا يؤاخذ أعضاء مجلس الشعب
عما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء أعمالهم في المجلس أو في لجانه " .
المبحث الثالث
الطبيعة القانونية للحصانة البرلمانية
الحصانة البرلمانية سواء في ذلك الحصانة ضد
المسئولية البرلمانية أم الحصانة ضد الإجراءات الجنائية ليست في حقيقة الأمر
امتيازاً شخصياً لعضو البرلمان وإنما هي مقررة في جميع الأحوال لصالح البرلمان
الممثل الحقيقي للأمة ضمانا لاستقلاله في عمله وحماية لأعضائه .
ويثور التساؤل عما إذا كان إقرار مثل هذه
الحصانة دستوريا يعني أن الأعمال أو الأفعال التي يقترفها عضو البرلمان والتي
يحظرها قانون العقوبات تصبح أعمالا أو أفعالا مشروعه ؟
الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية
مستبعدة من هذا التساؤل ، لأن الهدف منهما إرجاء اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد
العضو حتى يتم الإذن بها من قبل المجلس التابع له . إذ يصبح هذا العضو بعد صدور
ذلك الإذن شخصاً عادياً يخضع لكافة أحكام التشريع الجنائي فيما اقترفه من فعل أو
عمل .
فالحصانة ليس لها علاقة بالفعل أو العمل
المقترف وإنما فقط بالإجراءات الجنائية الواجب اتخاذها في مثل هذه الحالة ، أو
بمعنى أدق بوقت اتخاذ هذه الإجراءات ، فالحصانة التي نحن بصددها لا تخرج نائباً عن
سلطة القانون ولا تؤدي إلى حفظ الدعوى بالنسبة إليه ولا ترمي إلى براءته فكل ما في
الأمر أنها تعمل على تأجيل النظر في الدعوى ضده أثناء الانعقاد .
وعليه فإن التساؤل السابق ينصب فقط على
الحصانة ضد المسئولية البرلمانية بحيث يتعين تحديد طبيعة هذه الحصانة ؟ وبيان
التكييف القانوني لها ؟
وتعددت آراء الفقهاء في هذا المجال إلا أن
الرأي السائد هو أن هذه الحصانة لم تقرر لمصلحة العضو الشخصية وإنما لصفته
الوظيفية وعلى ذلك يمكن القول أن هذه الحصانة ما هي إلا امتياز دستوري يمنح لعضو
البرلمان كي يباشر وظيفته النيابية على أكمل وجه أو أنها سبب قانوني خاص قرره
المشرع الدستوري لمنع عقاب هذا العضو عما يبديه من قول أو رأي طالما أن ذلك يتم في
إطار وحدود وظيفته البرلمانية ، والمشرع حين قرر الإعفاء من العقاب وازن بين
مصلحتين مصلحة العمل النيابي وتمثيل الأمة تمثيلاً صادقا ومصلحة من أضر من جراء ما
صدر عن عضو البرلمان من قول أو رأي ثم رجح وهو أمر طبيعي المصلحة الأولى على
الثانية باعتبار أنها الأكثر أهمية .
فإذا ارتكب العضو داخل المجلس أو داخل إحدى
لجانه جريمة من الجرائم التي تقع بالقول كجرائم السب والقذف بصفة خاصة فهذه
الجرائم تنحسر عنها صفة عدم المشروعية ليصبح الفعل مشروعاً بينما هو في قانون
العقوبات يظل فعلاً غير مشروع .
وحصانة أعضاء البرلمان سواء كانت حصانة ضد
المسئولية البرلمانية أو حصانة ضد الإجراءات الجنائية قاعدة أساسية في كل نظام
سياسي ، مرتبطة في حقيقتها بالصالح العام أو بالنظام العام ويترتب على أن الحصانة
البرلمانية من النظام العام مجموعة من النتائج أهمها ما يلي :
1- لا يملك عضو البرلمان التنازل عن حصانته
بأي حال من الأحوال .
2- إذا رفعت الدعوى إلى القضاء قبل رفع
الحصانة وجب على المحكمة الحكم بعدم قبولها لبطلان إجراءاتها وتقضي المحكمة بذلك
من تلقاء نفسها إن لم يدفع العضو بها .
3- الإجراءات الجنائية التي تتخذ ضد العضو
دون إذن المجلس أو رئيسه باستثناء حالة التلبس بالجريمة تكون باطلة .
4- يمكن الدفع بالبطلان في أي حالة تكون
عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف أو النقض .
قد يتساءل البعض هل الحصانة البرلمانية تمثل
إخلالا بمبدأ المساواة بين الأفراد، وفي هذا الصدد ذهب جانب من الفقه إلى القول
بأن الامتياز الذي يتمتع به أعضاء الهيئة التشريعية والمتمثل في الإعفاء من العقاب
عن بعض الأفعال التي تصدر منهم أثناء تأديتهم لوظائفهم يمثل اعتداءً صارخاً على
مبدأ المساواة لأن هناك مجالس نيابية أخرى كمجالس المديريات ليس لأعضائها أن
يتمتعوا بمثل الحصانة التي يتمتع بها أعضاء البرلمان ، وجانب آخر من الفقهاء قالوا
بأن الحصانة البرلمانية ليست حصناً لحرية القول وإنما هي حصن للإجرام على أساس أن
الحصانة البرلمانية في النظم الوضعية قد تؤدي إلى منع العقاب وغالبا ما تكون
لحماية النائب رغم كونه مجرماً آثماً استطال على الناس بفضل وظيفته النيابية .
لكن
الرأي الراجح أن الحصانة البرلمانية لا تمثل إخلالاً بمبدأ المساواة لأن تطبيق
المساواة تكون بين كل طائفة من الأفراد المتساوون في ظروفهم وأحوالهم الوظيفية
كالمساواة بين أعضاء البرلمان ذاتهم وفيما بينهم لأنهم جميعاً يؤدون ذات الوظيفة
النيابية وتسودهم بالتالي أوضاع وظروف متشابهة و متساوية ، أما إذا قيل بضرورة
المساواة بين أعضاء البرلمان الممثلين للأمة من ناحية وبين عامة الشعب من ناحية
أخرى .فالحصانة لم تقرر لأعضاء البرلمان إلا لما يحيط بالدور الذي يباشرونه
والمتمثل في الدفاع عن مصالح الأمة ورقابة الحكومة رقابة جادة وفعالة من أخطار أن
تعوقهم عن مباشرة هذا الدور بالكيفية التي يجب أن يتم بها ولهذه تعتبر الحصانة
البرلمانية تعتبر إجراء استثنائي اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية بمنأى عن
اعتداءات السلطات الأخرى .
ضمانا لاستقلال أعضاء البرلمان وحماية لهم ضد
أنواع التهديد والانتقام سواء من جانب السلطات الأخرى في المجتمع أم من جانب
الأفراد تتضمن دساتير معظم دول العالم نصوصها تكن لهم الطمأنينة التامة والثقة
الكاملة عند مباشرة أعمالهم .
وهذه النصوص تعرف باسم الحصانة البرلمانية
وهي نوعان : حصانة موضوعية وحصانة إجرائية .
والحصانة الموضوعية تعني عدم مسئولية أعضاء
البرلمان عن الأقوال أو الأفكار والآراء التي تصدر منهم أثناء ممارستهم لوظائفهم
النيابية ولهذا يقال لها الحصانة ضد المسئولية البرلمانية .
أما الحصانة الإجرائية فتعني عدم جواز اتخاذ
أي إجراءات جنائية ضد أي من أعضاء البرلمان في غير حالة التلبس بالجريمة إلا بعد
إذن المجلس التابع له ولهذا يطلق عليها الحصانة ضد الإجراءات الجنائية .
والحصانة البرلمانية سواء أكانت موضوعية تمثل
استثناء من القانون العام اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية بمنأى عن اعتداءات
السلطات الأخرى وهي إن كانت في الظاهر تخل بمبدأ المساواة بين الأفراد إلا أن عدم
المساواة هنا لم يقرر لمصلحة النائب بل لمصلحة سلطة الأمة ولحفظ كيان التمثيل
النيابي وصيانة ضد أي اعتداء .
ولكن ليس معنى ذلك أن يصبح أعضاء البرلمان
بهذه الحصانة فوق القانون لا حسيب عليهم ولا رقيب فالحصانة ليست طليقة من كل قيد
أو حد فهي عندما تقررت إنما كان ذلك لهدف محدد وواضح لا يجوز تجاوزه أو الخروج
عليه وإلا تعرض عضو البرلمان للمسئولية كاملة.
وبذلك تم تقسيم البحث كما يلي :
1- مفهوم الحصانة البرلمانية .
2- التطور التاريخي للحصانة البرلمانية .
3- الطبيعة القانونية للحصانة .
المبحث الأول
مفهوم ومسوغات الحصانة البرلمانية
لقد كان لمصطلح ( حصانة ) في القانون
الروماني مفهوما أو معنى ضيق ومحدد إذ كان يقصد به آنذاك الإعفاء الضريبي والذي
كان يمنح لبعض المواطنين الذين كانوا يؤدون للدولة خدمات مميزة .
ثم اتخذ هذا المصطلح في القانون القديم -
القانون الذي كان سائدا قبل الثورة الفرنسية - معنى أكثر اتساعاً حيث قصد به إعفاء
بعض الأفراد من التزامات معينة مفروضة عليهم أي من التزامات كان من الواجب عليهم
أداؤها فيما لو لم تقرر لهم حصانة في شأنها.
ثم بدأ مصطلح حصانة يظهر بعد ذلك في بعض
المواثيق الدستورية كضمانة هامة وأساسية لحماية استقلال أعضاء البرلمان أثناء
مباشرة عملهم النيابي وإن كانت هذه المواثيق لم تشر صراحة إلى مصطلح حصانة برلمانية
وإنما تضمنت فقط مضمون أو جوهر هذا المصطلح وذلك بالنص على إعفاء أعضاء البرلمان
من المسئولية السياسية عما يصدر منهم من أقوال وأفكار أثناء أداء أعمالهم
البرلمانية ، وإعفائهم من مواجهة بعض الإجراءات الجنائية التي تؤثر على استمرارية
العمل ، وقد تضمنت الدساتير الحديثة نصوصا تكفل منح أعضاء البرلمان بعض الضمانات
حتى يتمكنوا من مباشرة عملهم النيابي ، ومن هذه الضمانات عدم مسئولية العضو عما
يبدي من أفكار وآراء أثناء مباشرة الوظيفة النيابية وهي ما تعرف بالحصانة ضد
المسئولية البرلمانية ، ومن ذلك ما تضمنته الفقرة التاسعة من المادة الأولى من
الوثيقة الدستورية المعروفة باسم قانون الحقوق الصادرة في إنجلترا (1688) وكذلك في
كافة الوثائق الدستورية الفرنسية حتى الدستور الحالي الصادر عام (1958) وأيضا في
مختلف الدساتير المصرية المتعاقبة حتى الدستور الحالي لعام 1971م وذلك باستثناء
دستور عام 1958م .
والحصانة ضد المسئولية البرلمانية لا تشمل
أقوال العضو داخل البرلمان فقط بل تشمل أقواله داخل اللجان وتقاريره التي يكتسبها
، وكذلك أقواله التي يبديها خارج المجلس بمناسبة قيامه بعمل برلماني .
لذلك تمثل الحصانة ضد المسئولية البرلمانية
ضمانة حقيقية تهدف إلى منح عضو البرلمان الثقة التي تمكنه من أن يقول كل ما من
شأنه إثراء العمل البرلماني وإعلاء الفكر الديمقراطي ومن ثم أعلى قدر من الطمأنينة
على وضعه ومستقبله ، فلو حوسب عضو البرلمان كما يحاسب الشخص العادي على تصرفاته
وأحاديثه وأفكاره لكان ذلك إرهاقاً كبيراً ولآثر السكوت والصمت .
ولو أننا حاسبناه على جرائم السب والقذف
وجعلناه يوما يمثل أمام محكمة الجنح وفي اليوم التالي أمام محكمة الجنايات فإنه لن
يستطيع القيام بواجبات وظيفته على الوجه الأكمل .
وهكذا نستطيع القول بأن الحصانة ضد المسئولية
البرلمانية " امتياز دستوري مقرر لأعضاء البرلمان بصفاتهم لا بأشخاصهم سواء
كانوا منتخبين أم معينين يتيح لهم أثناء قيامهم بواجباتهم البرلمانية حرية الرأي
والتعبير دون أي مسئولية جنائية أو مدنية تترتب على ذلك " فالحصانة على هذا
النحو تعد بحق مبدأ من أقدس المبادئ الدستورية .
كما تقدم من أهم الضمانات التي كفلتها
الدساتير لأعضاء البرلمان أيضا عدم جواز اتخاذ أي إجراء جنائي ضد أي منهم في غير
حالة التلبس بالجريمة إلا بإذن مسبق من المجلس النيابي الذي يتبعه .
وكما هو واضح ليس الهدف من هذه الحصانة حماية
الأعضاء من نتائج الجرائم التي يرتكبونها ، وإنما فقط أخذ موافقة المجلس على اتخاذ
الإجراءات القانونية قبل الشروع فيها ، فهذه الحصانة تستهدف إفساح المجال أمام
العضو حتى يؤدي وظيفته النيابية دون خوف أو وجل ، فالقبض على العضو قد يحول بينه
وبين المشاركة في إحدى جلسات المجلس الهامة .
والحصانة البرلمانية على هذا النحو يقصد بها
أنها ضمانة دستورية بعدم اتخاذ أي من الإجراءات الجنائية في غير حالة التلبس
بالجرائم ضد أعضاء البرلمان أثناء انعقاده بغير إذن من المجلس التابع له ذلك العضو
، ولذلك فقد استثنيت من نطاق أعمال تلك الضمانة حالة التلبس بالجريمة حيث تتوافر
مع هذه الحالة جدية الإجراءات بما لا يكون معه ثمة حاجة إلى اشتراط أخذ إذن المجلس
أو رئيسه .
المبحث الثاني
التطور التاريخي للحصانة البرلمانية
التطور التاريخي للحصانة البرلمانية في
إنجلترا وفرنسا ومصر .
أولاً : الحصانة البرلمانية في
إنجلترا :
لقد ظهرت الحصانة البرلمانية في إنجلترا عام
1688م على أثر قيام الثورة الإنجليزية وإقرار الوثيقة الدستورية المعروفة باسم
قانون الحقوق حيث نصت هذه الوثيقة على أن حرية القول - المناقشات - الإجراءات داخل
البرلمان لا يمكن أن تكون سببا للملاحقة القضائية أو محلا للمساءلة أمام أي من
المحاكم وإقرار هذه الحصانة في انجلترا كان أساسا لحماية النواب من سلطات الملوك
وليس حمايتهم من مواطنيهم والحصانة البرلمانية في إنجلترا كانت قاصرة على الدعاوى
المدنية إضافة إلى الإجراءات الخاصة بالدعاوى الجنائية البسيطة فقد استثنت من نطاق
هذه الحصانة قضايا الخيانة العظمى وقضايا الجنايات وقضايا الإخلال بالأمن .
ولهذا فقد كان من الممكن دائما القبض على عضو
البرلمان في أي من هذه الجرائم دون رفع الحصانة عنه ، كما استثنت من الحصانة
البرلمانية الجرائم التي ترتكب من أعضاء البرلمان في مواجهة إحدى المحاكم وقد أطلق
على هذه الجرائم " جرائم إهانة المحكمة " إلا أنه حدث تطور هام خلال
القرن الثامن عشر في مجال الحصانة البرلمانية ، فقد صدر قانون ينظم أحكامها ويضع
بعض القيود والضوابط لكيفية مباشرتها .
وقد نقلت أحكام ونطاق الحصانة البرلمانية إلى
الدول التي أخذت عن النظام القانوني الإنجليزي كالولايات المتحدة الأمريكية ،
أستراليا ، كندا والهند .
ثانياً : الحصانة البرلمانية في
فرنسا :
نجد أن الحصانة قد وجدت في معظم المواثيق
الدستورية الفرنسية بذات المضمون الذي كانت عليه في المواثيق الإنجليزية ، فقد نص
عليها بداية في قرار الجمعية التأسيسية الفرنسية الصادرة في 23 يونيو 1789م ثم نص
عليها في دستور عام 1791م . ثم في دستور 1795 وكذلك الدساتير المتتالية في عام
1799 ودستور عام 1848 ودستور 1875 ودستور 1946م وأخيراً الدستور الحالي الصادر عام
1958م فقد تضمنت كل هذه الدساتير مبدأ الحصانة ضد المسئولية البرلمانية أما عن
الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية فقد وجدت في فرنسا منذ وقت بعيد نسبيا
حيث نص عليها بداءة في قرار الجمعية التأسيسية الصادر في 26 يونيو سنة 1790 م .
هذا ولازالت تلك القواعد والأحكام سارية
المفعول حتى الآن .
ثالثاً : في مصر :
لم تتضمن أول وثيقة دستورية عرفتها مصر وهي
لائحة تأسيس مجلس شورى النواب وانتخاب أعضائه الصادرة في 22 أكتوبر 1868 نصا يشير
إلى الحصانة ضد المسئولية البرلمانية . وقد يكون ذلك راجعا إلى حداثة العهد بالنظم
الديمقراطية فقد كان هذا المجلس أول تجربة للحياة النيابية في مصر ، فكان أمرا
طبيعيا ألا يتقرر للأعضاء كافة الضمانات التي تحقق لهم حرية التعبير أو القول عند
مباشرة وظائفهم النيابية ، ولكن وبمجرد أن استقرت الحياة النيابية وعلى أثر إعادة
تشكيل مجلس النواب عام 1882 نجد أن اللائحة الأساسية لهذا المجلس والتي صدرت في 7
فبراير 1882 قد تضمنت نصا يقرر الحصانة لأعضائه ضد المسئولية البرلمانية وهو نص
المادة الثالثة الذي جاء به ( النواب مطلقوا الحرية في إجراء وظائفهم وليسوا
مرتبطين بأوامر أو تعليمات تصدر لهم تخل باستقلال آرائهم ولا بوعد أو وعيد يحصل
اليهم ) .
كما تضمن دستور 1930م نصا مماثلا للنص السابق
. إلا أن هذا الدستور الغي بأمر الملكي رقم 118 الصادر في 12 ديسمبر عام 1935م
وعاد العمل بدستور عام 1923 م
بما كان يتضمنه من نصوص خاصة بالحصانة البرلمانية . ثم نص بعد ذلك على الحصانة ضد
المسئولية البرلمانية في أول دستور دائم لمصر بعد قيام الثورة وهو دستور 1956م ،
أما الدستور المؤقت الصادر 1958م فقد أتى خاليا من النص على الحصانة البرلمانية
وقد يرجع ذلك إلى ظروف الوحدة مع القطر السوري آنذاك وبعد أن تم الانفصال عن القطر
السوري عاد المشرع الدستوري المصري ونص على الحصانة ضد المسئولية البرلمانية في
دستور 1964م . وأخيرا صدر دستور 1971م الساري المفعول حتى الآن متضمنا على الحصانة
ضد المسئولية فقد جاء نص المادة (98) كما يلي " لا يؤاخذ أعضاء مجلس الشعب
عما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء أعمالهم في المجلس أو في لجانه " .
المبحث الثالث
الطبيعة القانونية للحصانة البرلمانية
الحصانة البرلمانية سواء في ذلك الحصانة ضد
المسئولية البرلمانية أم الحصانة ضد الإجراءات الجنائية ليست في حقيقة الأمر
امتيازاً شخصياً لعضو البرلمان وإنما هي مقررة في جميع الأحوال لصالح البرلمان
الممثل الحقيقي للأمة ضمانا لاستقلاله في عمله وحماية لأعضائه .
ويثور التساؤل عما إذا كان إقرار مثل هذه
الحصانة دستوريا يعني أن الأعمال أو الأفعال التي يقترفها عضو البرلمان والتي
يحظرها قانون العقوبات تصبح أعمالا أو أفعالا مشروعه ؟
الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية
مستبعدة من هذا التساؤل ، لأن الهدف منهما إرجاء اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد
العضو حتى يتم الإذن بها من قبل المجلس التابع له . إذ يصبح هذا العضو بعد صدور
ذلك الإذن شخصاً عادياً يخضع لكافة أحكام التشريع الجنائي فيما اقترفه من فعل أو
عمل .
فالحصانة ليس لها علاقة بالفعل أو العمل
المقترف وإنما فقط بالإجراءات الجنائية الواجب اتخاذها في مثل هذه الحالة ، أو
بمعنى أدق بوقت اتخاذ هذه الإجراءات ، فالحصانة التي نحن بصددها لا تخرج نائباً عن
سلطة القانون ولا تؤدي إلى حفظ الدعوى بالنسبة إليه ولا ترمي إلى براءته فكل ما في
الأمر أنها تعمل على تأجيل النظر في الدعوى ضده أثناء الانعقاد .
وعليه فإن التساؤل السابق ينصب فقط على
الحصانة ضد المسئولية البرلمانية بحيث يتعين تحديد طبيعة هذه الحصانة ؟ وبيان
التكييف القانوني لها ؟
وتعددت آراء الفقهاء في هذا المجال إلا أن
الرأي السائد هو أن هذه الحصانة لم تقرر لمصلحة العضو الشخصية وإنما لصفته
الوظيفية وعلى ذلك يمكن القول أن هذه الحصانة ما هي إلا امتياز دستوري يمنح لعضو
البرلمان كي يباشر وظيفته النيابية على أكمل وجه أو أنها سبب قانوني خاص قرره
المشرع الدستوري لمنع عقاب هذا العضو عما يبديه من قول أو رأي طالما أن ذلك يتم في
إطار وحدود وظيفته البرلمانية ، والمشرع حين قرر الإعفاء من العقاب وازن بين
مصلحتين مصلحة العمل النيابي وتمثيل الأمة تمثيلاً صادقا ومصلحة من أضر من جراء ما
صدر عن عضو البرلمان من قول أو رأي ثم رجح وهو أمر طبيعي المصلحة الأولى على
الثانية باعتبار أنها الأكثر أهمية .
فإذا ارتكب العضو داخل المجلس أو داخل إحدى
لجانه جريمة من الجرائم التي تقع بالقول كجرائم السب والقذف بصفة خاصة فهذه
الجرائم تنحسر عنها صفة عدم المشروعية ليصبح الفعل مشروعاً بينما هو في قانون
العقوبات يظل فعلاً غير مشروع .
وحصانة أعضاء البرلمان سواء كانت حصانة ضد
المسئولية البرلمانية أو حصانة ضد الإجراءات الجنائية قاعدة أساسية في كل نظام
سياسي ، مرتبطة في حقيقتها بالصالح العام أو بالنظام العام ويترتب على أن الحصانة
البرلمانية من النظام العام مجموعة من النتائج أهمها ما يلي :
1- لا يملك عضو البرلمان التنازل عن حصانته
بأي حال من الأحوال .
2- إذا رفعت الدعوى إلى القضاء قبل رفع
الحصانة وجب على المحكمة الحكم بعدم قبولها لبطلان إجراءاتها وتقضي المحكمة بذلك
من تلقاء نفسها إن لم يدفع العضو بها .
3- الإجراءات الجنائية التي تتخذ ضد العضو
دون إذن المجلس أو رئيسه باستثناء حالة التلبس بالجريمة تكون باطلة .
4- يمكن الدفع بالبطلان في أي حالة تكون
عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف أو النقض .
قد يتساءل البعض هل الحصانة البرلمانية تمثل
إخلالا بمبدأ المساواة بين الأفراد، وفي هذا الصدد ذهب جانب من الفقه إلى القول
بأن الامتياز الذي يتمتع به أعضاء الهيئة التشريعية والمتمثل في الإعفاء من العقاب
عن بعض الأفعال التي تصدر منهم أثناء تأديتهم لوظائفهم يمثل اعتداءً صارخاً على
مبدأ المساواة لأن هناك مجالس نيابية أخرى كمجالس المديريات ليس لأعضائها أن
يتمتعوا بمثل الحصانة التي يتمتع بها أعضاء البرلمان ، وجانب آخر من الفقهاء قالوا
بأن الحصانة البرلمانية ليست حصناً لحرية القول وإنما هي حصن للإجرام على أساس أن
الحصانة البرلمانية في النظم الوضعية قد تؤدي إلى منع العقاب وغالبا ما تكون
لحماية النائب رغم كونه مجرماً آثماً استطال على الناس بفضل وظيفته النيابية .
لكن
الرأي الراجح أن الحصانة البرلمانية لا تمثل إخلالاً بمبدأ المساواة لأن تطبيق
المساواة تكون بين كل طائفة من الأفراد المتساوون في ظروفهم وأحوالهم الوظيفية
كالمساواة بين أعضاء البرلمان ذاتهم وفيما بينهم لأنهم جميعاً يؤدون ذات الوظيفة
النيابية وتسودهم بالتالي أوضاع وظروف متشابهة و متساوية ، أما إذا قيل بضرورة
المساواة بين أعضاء البرلمان الممثلين للأمة من ناحية وبين عامة الشعب من ناحية
أخرى .فالحصانة لم تقرر لأعضاء البرلمان إلا لما يحيط بالدور الذي يباشرونه
والمتمثل في الدفاع عن مصالح الأمة ورقابة الحكومة رقابة جادة وفعالة من أخطار أن
تعوقهم عن مباشرة هذا الدور بالكيفية التي يجب أن يتم بها ولهذه تعتبر الحصانة
البرلمانية تعتبر إجراء استثنائي اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية بمنأى عن
اعتداءات السلطات الأخرى .