إذا كانت مسألة تحديد طبيعة
النزاع في النظام القضاء الموحد لا تشكل أية أهمية تذكر باعتبار أن القاضي المختص
في جميع أوجه النزاع هو قاضي واحد.
فإن تحديد طبيعة النزاع في نظام
الازدواج القضائي يكتسي أهمية بالغة باعتبار أن القاضي المختص وكذا القانون الواجب
التطبيق سوف يكون مختلفا حسب نوع النزاع إداري أم عادي.
لكن التساؤل الذي يثور بمناسبة دراسة
هذه المسألة العويصة هو:
- ما هو
المعيار الذي ينبغي اعتماده للقول أن هذا النزاع أهو نزاع إداري أو نزاع عادي
؟
و للإجابة عن عن هذا التساؤل إرتئينا تقسيم خطة بحثنا إلى ثلاثة مباحث,و كل
مبحث الى مجموعة من المطالب,حيث خصصنا المبحث الأول بمفهوم النزاع الإداري,بينما
خصصنا المبحث الثاني بمعايير التمييز بين النزاع الإداري و النزاع العادي,في حين
خصصنا المبحث الثالث بالمواقف المختلفة حول هذه المعايير.
المطلب الأول: تعريف النزاع الإداري
قبل البدء في تعريف النزاع الإداري
يجب البدء أولا في تعريف القرار الإداري كونه المنشأ للنزاع الإداري.
فالقرار الإداري هو عمل قانوني
يصدر من سلطة مختصة إداريا يهدف الى إحداث أثر قانوني.فإذا ما كان عيب يشوب هذا
القرار فنكون أمام قرار غير مشروع مما يؤدي الى نزاع الإداري.بين السلطة التي
أصدرت القرار و بين الفرد الذي تضرر من جراء هذا القرار.
فالنزاع
الإداري هو كل من يكون طرفاه جهتين إداريتين أو يكون أحد طرفيه جهة إدارية و
طرف آخر فرد من الأفراد.
فإذا توافرت هذه الصفة في أطراف
النزاع كانت هذه الأخيرة نزاع إداري و من ثمة تخضع لاختصاص الجهات القضائية الإدارية.
فالنزاع
الإداري هو النزاع القائم بفعل النشاط الإداري أو أثر من الآثار المترتبة عن علاقة
إدارية. أو هو تصادم السلطة عند تمتعها.بامتيازات السلطة العامة مع مبدأ المشروعية
هذا فيما يخص النزاع الإداري
أما المنازعة الإدارية هي مجموع من النزاعات التي يختص فيها القاضي الإداري
مع إتباع إجراءات إدارية قضائية خاصة و
عليه فالمنازعة الإدارية هي أشمل من النزاع الإداري(1).
1 – أستاذة
طيبي سعاد-محاضرات غير منشورة في المنازعات الإدارية-المركز الجامعي يحي
فارس-المدية-السنة الجامعية 2005-.2006
المطلب الثاني: خصائص النزاع الإداري.
يتميز النزاع الإداري بمجموعة من
الخصائص. حيث أنه هنالك لا مساواة بين الأطراف الخصوم من حيث الصفة القانونية
والمركز القانوني والهدف ، حيث تتمتع السلطات العامة الإدارية أمام القضاء الإداري
بامتيازات قانونية كثيرة بصورة تجعلها في مركز وموقف أفضل وأسمى من مركز وموقف
خصومها من الأشخاص العاديين .
فنجد أنه عبئ الإثبات يقع بمشقته على الأشخاص العاديين الخصوم في النزاع
الإداري ، فعلى من يدعي ويدفع بعدم شرعية وصحة الأعمال الإدارية أن يثبت ذلك بكافة
وسائل الإثبات فنجد أن إثبات مسؤولية الإدارة العامة صعب على الأفراد العاديين
نظرا لخفايا وأسرار حقائق الأعمال الإدارية.
و
تظهر امتيازات السلطة العامة حتى في الصيغة التنفيذية للحكم الصادر الموجه للسلطات
الإدارية الطرف في النزاع عن الصيغة الموجهة للأشخاص العاديين (1).
و تتميز الإجراءات الإدارية بمجموعة من الخصائص تجعلها ذات طبيعة خاصة تختلف
عن الإجراءات العامة المميزة للمرافعات
بصفة عامة ولعل أهم هذه الخصائص هي أنها :
1- .هي إجراءات مكتوبة أو كتابية بالدرجة الأولى
.
2- .هي إجراءات فاحصة تحقيقيه .
3- .هي إجراءات شبه شرعية .
4- .هي إجراءات يبرز فيها دور كبير للمستشار
المقرر في تسيير الدعوى .
1
– المرجع
ذاته.
الفرع
الأول : الإجراءات
الإدارية هي إجراءات مكتوبة :
إن هذه
الخاصية هي في الحقيقة امتداد لطبيعة
الإجراءات أمام الإدارة نفسها قبل أن يصل النزاع إلى القاضي. ولاسيما القرارات
الإدارية فقرارات الإدارة تكون مكتوبة وكذلك الإجراءات المتخذة من أجل تنفيذ هذه
القرارات .
وتبدأ مظاهر الكتابة على المستوى القضائي
ابتداء من عريضة رفع الدعوى التي تكون مكتوبة بصيغة وبشكليات معينة وينبغي أن تكون
مصحوبة بقرار،كشرط من شروط قبول عريضة الدعوى ,وإذا كانت المرافعات المتعلقة
بالقضاء العادي تعتمد في جانب أساسي منها على المرافعات الشفهية فإن هذه الخاصية
لا تتواجد في الإجراءات الإدارية وبالتالي فان كل إجراءات سير الدعوى تكون كتابية
سواء تعلق الأمر بتبادل المذكرات والمقالات أو تحديد مواعيد الرد ومواعيد تقديم
الوثائق والإثباتات أو غيرها.
وعلى
العموم فان الإجراءات الإدارية من بدايتها إلى نهايتها حتى ولو اتبعت نظام الصلح
تعتمد على الكتابة إذ أن الصلح ينبغي أن يثبت في المحضر مكتوب ,وإن لم ينتهج
الطرفان مبدأ الصلح فتنتهي القضية بقرار
قضائي
.(1)
.الفرع
الثاني: الإجراءات الإدارية هي إجراءات فاحصة تحقيقيه :
هي إجراءات فاحصة وذلك بالمقارنة بالإجراءات
المدنية التي توصف على أنها اتهامية وهذا المصطلح غير دقيق باعتبار أن هذا المصطلح
يخص أكثر الإجراءات الجزائية.
1
– عبد الكريم
سويرة – محاضرات في المنازعات الإدارية-جامعة الجزائر-2000-2001.ص33-34
غير
أنه لشرح وتحديد معالم هذه الخاصية ينبغي أن نأخذ كمعيار للتمييز دور القاضي الفاصل
في النزاع في مجرى وصيرورة القضية , فإذا كان دور القاضي في المرافعات (العادية )
لا سيما المدنية منها هو دور سلبي أي أنه يعتمد على ما يقدمه له أطراف الخصومة من
أدلة ووثائق وإثباتات ,أي أن الدور الأساسي والإيجابي يلعبه الأطراف .
في
حين أن الوضع ليس كذلك بالنسبة للإجراءات الإدارية ففيها يلعب القاضي دورا ايجابيا
وأساسيا , فهو الذي يوجه الدعوى بل أكثر
من ذلك يستطيع أن يطلب من طرفي الخصومة ولاسيما من الإدارة تقديم الأدلة والوثائق
والبراهين التي يراها مناسبة للفصل في الدعوى ولا يكتفي بما يقدم له من الخصوم ,
كما أنه يستطيع أن يحقق ويدقق في هذه الوثائق وأن يطلب كل المعلومات والإثباتات
الإضافية ,وهو دور يقوم به القاضي في المرافعات العامة لا سيما المدنية منها .
ويستطيع القاضي في الإجراءات الإدارية استدعاء أعوان الإدارة للجلسة لسماع
شهادتهم ,ولعل السبب في تقرير هذه الإجراءات هو لإعادة التوازن بين
طرفي العلاقة التي هي غير متوازنة أصلا في هذا النزاع وعلى الخصوص عندما
تمتنع الإدارة عن تقديم بعض الوثائق للمتنازع معها متذرعة في ذلك بمستلزمات السر
المهني , فيصعب عليه إثبات وتبرير موقفه , ولعل هذه الخاصية تشكل أهم السمات التي
تميزها عن المرافعات العامة .(1)
الفرع
الثالث: الإجراءات الإدارية هي إجراءات شبه سرية :
إذا
كانت المرافعات العامة تتميز بالعلنية والمرافعة من البداية إلى النهاية فإن
الإجراءات الإدارية لها من الخصوصية ما يجعلنا نصنفها أنها إجراءات شبه سرية , إن
هذا التكييف له ما يبرره , فهو في الحقيقة نقطة التقاء أو مقابلة بين مبدأين
أساسيين , -مبدأ علانية الجلسات وهو مبدأ دستوري وقانوني.
1 - المرجع
ذاته.ص34.
والمبدأ ثاني يحكم تنظيم الإدارة والمرافق
العمومية التابعة للدولة ألا و هو مبدأ
السر المهني باعتبار أن الإدارة تعمل في إطار المصلحة العامة وهنالك بعض الأسرار
المتعلقة بأساليب عمل الإدارة وقد تمس الطابع الحيوي و الإستراتيجي لبعض منها
والتي لا ينبغي الإفصاح والبوح عنها لأي كان.
وللمزج
بين هذين المبدأين كانت الإجراءات الإدارية شبه سرية بمعنى أن الإجراءات منذ
انطلاق الدعوى (تقديم العريضة) إلى غاية انتهاء المداولة في القضية تكون سرية ، أي
بين أطراف الخصومة أو محاميهم و تحت نظر القاضي الفاصل والمستشار المقرر دون غيرهم
.
أما
في القضاء العادي هناك مبررات لجعل الجلسة سرية وهي: قضايا الأحداث، القضايا التي تمس الشرف، قضايا حساسة جدا فيها السرية. عدا
ذلك فإن الجلسات العلنية ويستطيع أن يحضرها من شاء من المواطنين مثلما هو الشأن في
باقي المنازعات .
غير
أن النطق بالأحكام ينبغي أن يكون في جلسة علنية في المنازعات الإدارية.(1)
الفرع
الرابع: الإجراءات الإدارية, إجراءات يبرز فيها المستشار
المقرر:
رغم
أن وظيفة المستشار المقرر موجودة على مستوى جميع المجالس القضائية وكذا المحكمة
العليا ومجلس الدولة ،إلا أن دوره يزداد أهمية
في الدعاوى الإدارية ، بحسب مظاهر التدخل الموكلة للقاضي الإداري وغير
المتوفرة لدى القاضي العادي وبسبب أن الإجراءات الإدارية هي إجراءات فاحصة
واستقصائية .
ولعل أن هذه الخاصية تكتسب بالنظر إلى دور
المستشار المقرر لأنه من الناحية الإجرائية بمجرد قيد القضية على مستوى كتابة
الضبط يقوم رئيس الجهة القضائية المختصة (غرفة إدارية )بتعيين مستشار مقرر في القضية
ويحيل
1 - المرجع ذاته
.ص35.
إليه ملف الدعوى وهو الذي يتولى تسييرها
وتوجيهها إلى النهاية وهذا الدور لا يلعبه زميله في القضاء العادي.
المستشار
المقرر في الإجراءات الإدارية هو الذي يتولى تسييرها و توجيهها أي استدعاء الأطراف
ومنح الآجال لتقديم الملفات ...الخ .
أما
القضاء العادي فإن رئيس المحكمة أو الغرفة هو الذي يتولى تسييرها وتوجيهها
وهو
الذي يتتبعها إلى غاية أن تصبح جاهزة للفصل فيها ، فهو الذي يطلب من أطراف
الخصومة تقديم البيانات والأدلة التي تدعم
مطالبها وهو الذي يحدد لهم المواعيد و الآجال لتقديم المقالات وردودهم بشأن القضية
وهو الذي يقرر إن أصبحت القضية جاهزة للفصل فيها أم لا وهو الذي يعد تقرير
بشأن القضية و يتولى في التقرير سرد ما
وقع من إشكالات وإجراءات ويحلل الواقع و أوجه دفاع الطرف كما يلخص طلباتهم
الختامية كما يبين جوانب النزاع المختلفة ولكن بدون أن يبدي رأيه فيها.
غير
أن إحاطته بالقضية من بدايتها إلى نهايتها ولاسيما التحقيق الذي يكون قد أجراه
فيما يتعلق بها سيكون هو محدد لطبيعة
الحكم الذي سوف تؤول إليه القضية بدرجة كبيرة .(1)
المطلب الثالث: هدف النزاع الإداري.
نجد أن الدعوى الإدارية تهدف الى حماية المصلحة
الخاصة للأشخاص العاديين عن طريق حماية النظام القانوني للحقوق والحريات الفردية
من كافة أنواع الاعتداءات من طرف السلطات الإدارية ، كما تهدف الى حماية المصلحة
العامة للمجتمع والدولة والإدارة العامة و حماية سلامة وشرعية النظام القانوني
للدولة بصفة عامة ، وشرعية وعدالة النمط الإداري بصفة خاصة بما يضمن فاعلية وشرعية
الأعمال الإدارية باستمرار.(2)
1 - المرجع ذاته.ص35.36.
2- طيبي (مرجع سابق الذكر).
المبحث الثاني
معايير التمييز بين النزاع الإداري و النزاع العادي
قبل البدء
في ذكر المعايير التي تميز بين النزاع الإداري و النزاع العادي.يجب ذكر الجهات
القضائية المختصة في النظر في النزاع الإداري.
بحيث توجد غرفة إدارية على مستوى المجلس القضائي.و يوجد
كذلك مجلس الدولة الذي ينظر في القضايا التي تكون السلطة المركزية طرف في النزاع.و
هذا حسب المادة 7 و المادة 274 من قانون الإجراءات المدنية
.
..المطلب الأول: المعيار العضوي.
إن فحوى هذا المعيار أنه ينظر
إلى النزاع من حيث الجهة أو الهيئة التي قامت بالتصرف, فإذا كانت هذه الجهة
المصدرة للقرار إدارة فإن الاختصاص ينعقد بالقضاء الإداري الذي سوف يطبق قواعد
القانون الإداري العام.أما إذا قام بالتصرف جهة أخرى غير الإدارة فإن الاختصاص
يؤول للقاضي أو القضاء العادي الذي سوف يطبق قواعد القانون الخاص .(1)
فهذا المعيار يركز على صفة الجهة القائمة بالنشاط الإداري.بحيث يكون النزاع
إداري كل من كان احد طرفيه سلطة إدارية أو جهة إدارية مختصة سواء كانت مؤسسة عامة
ذات صبغة إدارية أو شخص معنوي عام.
إن هذا المعيار يمتاز بالبساطة و الوضوح, إلا انه سطحي لم يحدد مجالات
النزاع الإداري بدقة باعتماده فقط على الجهة المصدرة للقرار حيث انه هناك أعمال
إدارية رغم أنها تصدر عن جهة إدارية إلا أنها يختص بها القضاء العادي.(2)
1 - سويرة – (مرجع سابق الذكر) –ص28
2- طيبي (مرجع سابق الذكر)
النزاع في النظام القضاء الموحد لا تشكل أية أهمية تذكر باعتبار أن القاضي المختص
في جميع أوجه النزاع هو قاضي واحد.
فإن تحديد طبيعة النزاع في نظام
الازدواج القضائي يكتسي أهمية بالغة باعتبار أن القاضي المختص وكذا القانون الواجب
التطبيق سوف يكون مختلفا حسب نوع النزاع إداري أم عادي.
لكن التساؤل الذي يثور بمناسبة دراسة
هذه المسألة العويصة هو:
- ما هو
المعيار الذي ينبغي اعتماده للقول أن هذا النزاع أهو نزاع إداري أو نزاع عادي
؟
و للإجابة عن عن هذا التساؤل إرتئينا تقسيم خطة بحثنا إلى ثلاثة مباحث,و كل
مبحث الى مجموعة من المطالب,حيث خصصنا المبحث الأول بمفهوم النزاع الإداري,بينما
خصصنا المبحث الثاني بمعايير التمييز بين النزاع الإداري و النزاع العادي,في حين
خصصنا المبحث الثالث بالمواقف المختلفة حول هذه المعايير.
المطلب الأول: تعريف النزاع الإداري
قبل البدء في تعريف النزاع الإداري
يجب البدء أولا في تعريف القرار الإداري كونه المنشأ للنزاع الإداري.
فالقرار الإداري هو عمل قانوني
يصدر من سلطة مختصة إداريا يهدف الى إحداث أثر قانوني.فإذا ما كان عيب يشوب هذا
القرار فنكون أمام قرار غير مشروع مما يؤدي الى نزاع الإداري.بين السلطة التي
أصدرت القرار و بين الفرد الذي تضرر من جراء هذا القرار.
فالنزاع
الإداري هو كل من يكون طرفاه جهتين إداريتين أو يكون أحد طرفيه جهة إدارية و
طرف آخر فرد من الأفراد.
فإذا توافرت هذه الصفة في أطراف
النزاع كانت هذه الأخيرة نزاع إداري و من ثمة تخضع لاختصاص الجهات القضائية الإدارية.
فالنزاع
الإداري هو النزاع القائم بفعل النشاط الإداري أو أثر من الآثار المترتبة عن علاقة
إدارية. أو هو تصادم السلطة عند تمتعها.بامتيازات السلطة العامة مع مبدأ المشروعية
هذا فيما يخص النزاع الإداري
أما المنازعة الإدارية هي مجموع من النزاعات التي يختص فيها القاضي الإداري
مع إتباع إجراءات إدارية قضائية خاصة و
عليه فالمنازعة الإدارية هي أشمل من النزاع الإداري(1).
1 – أستاذة
طيبي سعاد-محاضرات غير منشورة في المنازعات الإدارية-المركز الجامعي يحي
فارس-المدية-السنة الجامعية 2005-.2006
المطلب الثاني: خصائص النزاع الإداري.
يتميز النزاع الإداري بمجموعة من
الخصائص. حيث أنه هنالك لا مساواة بين الأطراف الخصوم من حيث الصفة القانونية
والمركز القانوني والهدف ، حيث تتمتع السلطات العامة الإدارية أمام القضاء الإداري
بامتيازات قانونية كثيرة بصورة تجعلها في مركز وموقف أفضل وأسمى من مركز وموقف
خصومها من الأشخاص العاديين .
فنجد أنه عبئ الإثبات يقع بمشقته على الأشخاص العاديين الخصوم في النزاع
الإداري ، فعلى من يدعي ويدفع بعدم شرعية وصحة الأعمال الإدارية أن يثبت ذلك بكافة
وسائل الإثبات فنجد أن إثبات مسؤولية الإدارة العامة صعب على الأفراد العاديين
نظرا لخفايا وأسرار حقائق الأعمال الإدارية.
و
تظهر امتيازات السلطة العامة حتى في الصيغة التنفيذية للحكم الصادر الموجه للسلطات
الإدارية الطرف في النزاع عن الصيغة الموجهة للأشخاص العاديين (1).
و تتميز الإجراءات الإدارية بمجموعة من الخصائص تجعلها ذات طبيعة خاصة تختلف
عن الإجراءات العامة المميزة للمرافعات
بصفة عامة ولعل أهم هذه الخصائص هي أنها :
1- .هي إجراءات مكتوبة أو كتابية بالدرجة الأولى
.
2- .هي إجراءات فاحصة تحقيقيه .
3- .هي إجراءات شبه شرعية .
4- .هي إجراءات يبرز فيها دور كبير للمستشار
المقرر في تسيير الدعوى .
1
– المرجع
ذاته.
الفرع
الأول : الإجراءات
الإدارية هي إجراءات مكتوبة :
إن هذه
الخاصية هي في الحقيقة امتداد لطبيعة
الإجراءات أمام الإدارة نفسها قبل أن يصل النزاع إلى القاضي. ولاسيما القرارات
الإدارية فقرارات الإدارة تكون مكتوبة وكذلك الإجراءات المتخذة من أجل تنفيذ هذه
القرارات .
وتبدأ مظاهر الكتابة على المستوى القضائي
ابتداء من عريضة رفع الدعوى التي تكون مكتوبة بصيغة وبشكليات معينة وينبغي أن تكون
مصحوبة بقرار،كشرط من شروط قبول عريضة الدعوى ,وإذا كانت المرافعات المتعلقة
بالقضاء العادي تعتمد في جانب أساسي منها على المرافعات الشفهية فإن هذه الخاصية
لا تتواجد في الإجراءات الإدارية وبالتالي فان كل إجراءات سير الدعوى تكون كتابية
سواء تعلق الأمر بتبادل المذكرات والمقالات أو تحديد مواعيد الرد ومواعيد تقديم
الوثائق والإثباتات أو غيرها.
وعلى
العموم فان الإجراءات الإدارية من بدايتها إلى نهايتها حتى ولو اتبعت نظام الصلح
تعتمد على الكتابة إذ أن الصلح ينبغي أن يثبت في المحضر مكتوب ,وإن لم ينتهج
الطرفان مبدأ الصلح فتنتهي القضية بقرار
قضائي
.(1)
.الفرع
الثاني: الإجراءات الإدارية هي إجراءات فاحصة تحقيقيه :
هي إجراءات فاحصة وذلك بالمقارنة بالإجراءات
المدنية التي توصف على أنها اتهامية وهذا المصطلح غير دقيق باعتبار أن هذا المصطلح
يخص أكثر الإجراءات الجزائية.
1
– عبد الكريم
سويرة – محاضرات في المنازعات الإدارية-جامعة الجزائر-2000-2001.ص33-34
غير
أنه لشرح وتحديد معالم هذه الخاصية ينبغي أن نأخذ كمعيار للتمييز دور القاضي الفاصل
في النزاع في مجرى وصيرورة القضية , فإذا كان دور القاضي في المرافعات (العادية )
لا سيما المدنية منها هو دور سلبي أي أنه يعتمد على ما يقدمه له أطراف الخصومة من
أدلة ووثائق وإثباتات ,أي أن الدور الأساسي والإيجابي يلعبه الأطراف .
في
حين أن الوضع ليس كذلك بالنسبة للإجراءات الإدارية ففيها يلعب القاضي دورا ايجابيا
وأساسيا , فهو الذي يوجه الدعوى بل أكثر
من ذلك يستطيع أن يطلب من طرفي الخصومة ولاسيما من الإدارة تقديم الأدلة والوثائق
والبراهين التي يراها مناسبة للفصل في الدعوى ولا يكتفي بما يقدم له من الخصوم ,
كما أنه يستطيع أن يحقق ويدقق في هذه الوثائق وأن يطلب كل المعلومات والإثباتات
الإضافية ,وهو دور يقوم به القاضي في المرافعات العامة لا سيما المدنية منها .
ويستطيع القاضي في الإجراءات الإدارية استدعاء أعوان الإدارة للجلسة لسماع
شهادتهم ,ولعل السبب في تقرير هذه الإجراءات هو لإعادة التوازن بين
طرفي العلاقة التي هي غير متوازنة أصلا في هذا النزاع وعلى الخصوص عندما
تمتنع الإدارة عن تقديم بعض الوثائق للمتنازع معها متذرعة في ذلك بمستلزمات السر
المهني , فيصعب عليه إثبات وتبرير موقفه , ولعل هذه الخاصية تشكل أهم السمات التي
تميزها عن المرافعات العامة .(1)
الفرع
الثالث: الإجراءات الإدارية هي إجراءات شبه سرية :
إذا
كانت المرافعات العامة تتميز بالعلنية والمرافعة من البداية إلى النهاية فإن
الإجراءات الإدارية لها من الخصوصية ما يجعلنا نصنفها أنها إجراءات شبه سرية , إن
هذا التكييف له ما يبرره , فهو في الحقيقة نقطة التقاء أو مقابلة بين مبدأين
أساسيين , -مبدأ علانية الجلسات وهو مبدأ دستوري وقانوني.
1 - المرجع
ذاته.ص34.
والمبدأ ثاني يحكم تنظيم الإدارة والمرافق
العمومية التابعة للدولة ألا و هو مبدأ
السر المهني باعتبار أن الإدارة تعمل في إطار المصلحة العامة وهنالك بعض الأسرار
المتعلقة بأساليب عمل الإدارة وقد تمس الطابع الحيوي و الإستراتيجي لبعض منها
والتي لا ينبغي الإفصاح والبوح عنها لأي كان.
وللمزج
بين هذين المبدأين كانت الإجراءات الإدارية شبه سرية بمعنى أن الإجراءات منذ
انطلاق الدعوى (تقديم العريضة) إلى غاية انتهاء المداولة في القضية تكون سرية ، أي
بين أطراف الخصومة أو محاميهم و تحت نظر القاضي الفاصل والمستشار المقرر دون غيرهم
.
أما
في القضاء العادي هناك مبررات لجعل الجلسة سرية وهي: قضايا الأحداث، القضايا التي تمس الشرف، قضايا حساسة جدا فيها السرية. عدا
ذلك فإن الجلسات العلنية ويستطيع أن يحضرها من شاء من المواطنين مثلما هو الشأن في
باقي المنازعات .
غير
أن النطق بالأحكام ينبغي أن يكون في جلسة علنية في المنازعات الإدارية.(1)
الفرع
الرابع: الإجراءات الإدارية, إجراءات يبرز فيها المستشار
المقرر:
رغم
أن وظيفة المستشار المقرر موجودة على مستوى جميع المجالس القضائية وكذا المحكمة
العليا ومجلس الدولة ،إلا أن دوره يزداد أهمية
في الدعاوى الإدارية ، بحسب مظاهر التدخل الموكلة للقاضي الإداري وغير
المتوفرة لدى القاضي العادي وبسبب أن الإجراءات الإدارية هي إجراءات فاحصة
واستقصائية .
ولعل أن هذه الخاصية تكتسب بالنظر إلى دور
المستشار المقرر لأنه من الناحية الإجرائية بمجرد قيد القضية على مستوى كتابة
الضبط يقوم رئيس الجهة القضائية المختصة (غرفة إدارية )بتعيين مستشار مقرر في القضية
ويحيل
1 - المرجع ذاته
.ص35.
إليه ملف الدعوى وهو الذي يتولى تسييرها
وتوجيهها إلى النهاية وهذا الدور لا يلعبه زميله في القضاء العادي.
المستشار
المقرر في الإجراءات الإدارية هو الذي يتولى تسييرها و توجيهها أي استدعاء الأطراف
ومنح الآجال لتقديم الملفات ...الخ .
أما
القضاء العادي فإن رئيس المحكمة أو الغرفة هو الذي يتولى تسييرها وتوجيهها
وهو
الذي يتتبعها إلى غاية أن تصبح جاهزة للفصل فيها ، فهو الذي يطلب من أطراف
الخصومة تقديم البيانات والأدلة التي تدعم
مطالبها وهو الذي يحدد لهم المواعيد و الآجال لتقديم المقالات وردودهم بشأن القضية
وهو الذي يقرر إن أصبحت القضية جاهزة للفصل فيها أم لا وهو الذي يعد تقرير
بشأن القضية و يتولى في التقرير سرد ما
وقع من إشكالات وإجراءات ويحلل الواقع و أوجه دفاع الطرف كما يلخص طلباتهم
الختامية كما يبين جوانب النزاع المختلفة ولكن بدون أن يبدي رأيه فيها.
غير
أن إحاطته بالقضية من بدايتها إلى نهايتها ولاسيما التحقيق الذي يكون قد أجراه
فيما يتعلق بها سيكون هو محدد لطبيعة
الحكم الذي سوف تؤول إليه القضية بدرجة كبيرة .(1)
المطلب الثالث: هدف النزاع الإداري.
نجد أن الدعوى الإدارية تهدف الى حماية المصلحة
الخاصة للأشخاص العاديين عن طريق حماية النظام القانوني للحقوق والحريات الفردية
من كافة أنواع الاعتداءات من طرف السلطات الإدارية ، كما تهدف الى حماية المصلحة
العامة للمجتمع والدولة والإدارة العامة و حماية سلامة وشرعية النظام القانوني
للدولة بصفة عامة ، وشرعية وعدالة النمط الإداري بصفة خاصة بما يضمن فاعلية وشرعية
الأعمال الإدارية باستمرار.(2)
1 - المرجع ذاته.ص35.36.
2- طيبي (مرجع سابق الذكر).
المبحث الثاني
معايير التمييز بين النزاع الإداري و النزاع العادي
قبل البدء
في ذكر المعايير التي تميز بين النزاع الإداري و النزاع العادي.يجب ذكر الجهات
القضائية المختصة في النظر في النزاع الإداري.
بحيث توجد غرفة إدارية على مستوى المجلس القضائي.و يوجد
كذلك مجلس الدولة الذي ينظر في القضايا التي تكون السلطة المركزية طرف في النزاع.و
هذا حسب المادة 7 و المادة 274 من قانون الإجراءات المدنية
.
..المطلب الأول: المعيار العضوي.
إن فحوى هذا المعيار أنه ينظر
إلى النزاع من حيث الجهة أو الهيئة التي قامت بالتصرف, فإذا كانت هذه الجهة
المصدرة للقرار إدارة فإن الاختصاص ينعقد بالقضاء الإداري الذي سوف يطبق قواعد
القانون الإداري العام.أما إذا قام بالتصرف جهة أخرى غير الإدارة فإن الاختصاص
يؤول للقاضي أو القضاء العادي الذي سوف يطبق قواعد القانون الخاص .(1)
فهذا المعيار يركز على صفة الجهة القائمة بالنشاط الإداري.بحيث يكون النزاع
إداري كل من كان احد طرفيه سلطة إدارية أو جهة إدارية مختصة سواء كانت مؤسسة عامة
ذات صبغة إدارية أو شخص معنوي عام.
إن هذا المعيار يمتاز بالبساطة و الوضوح, إلا انه سطحي لم يحدد مجالات
النزاع الإداري بدقة باعتماده فقط على الجهة المصدرة للقرار حيث انه هناك أعمال
إدارية رغم أنها تصدر عن جهة إدارية إلا أنها يختص بها القضاء العادي.(2)
1 - سويرة – (مرجع سابق الذكر) –ص28
2- طيبي (مرجع سابق الذكر)