الأسرة هي الخلية الاساسية للمجتمع يصلح بصلاحها ويفسد بفسادها،
وقد أولاها الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ورسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم في
عدة أحاديث أهمية كبرى.
ولهذا فقد خاض فيها الفقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم واضعين
لعقد الزواج الذي تنشأ به الأسرة أركان وشروط خاصة به منها ما اتفقوا عليها وأخرى إختلفوا
فيها، وهذا الذي أثر بدوره على مختلف التشريعات العربية باعتبار أن كل تشريع أخذ بمذهب
ما، ونجد بعض التشريعات لم تنحوا هذا النحو وإنما أدمجت بين المذاهب ومن بينها قانون
الأسرة الجزائري الذي لم يكتف فقط بالدمج بين المذاهب في المسائل المنصوص عليها فيه
وإنما ألزم القاضي في نص المادة 222 منه بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية من دون أن يبين
له ما هو المذهب الذي يعود إليه في حالة عدم وجود نص فيه على مسألة من المسائل التى
ينظمها.
وهذا ما جعل الموقف الذي اتخده المشرع الجزائري يطرح مشاكل
عملية بالنسبة للقضاة اثناء رجوعهم إلى الشريعة الإسلامية خصوص فيما يتعلق بموضوع الأركان
والشروط التى يقوم عليها عقد الزواج وكذا في الآثار المترتبة على مخالفتها أو تخلفها،
ولهذا فقد إرتأيت أن أقوم ببحث يتعلق بهذا الموضوع محاولا بذلك الإجابة على الإشكاليتين
التاليتين: ماهي أركان وشروط عقد الزواج وأثر تخلفها في الشريعة الإسلامية والقانون؟
وإلى أي حد وفق المشرع الجزائري لما ألزم القضاة بالرجوع إلى قواعد الشريعة الإسلامية
في حالة عدم وجود نص في قانون الأسرة من دون أن يحدد لهم المذهب الذي يأخدون به ؟
.
الفصــل التمهيـــدي
إن التطرق إلى أركان وشروط عقد الزواج يستلزم التعرض أولا
إلى تعريف هذا العقد وأهميته ثم حكمه الشرعي وطبيعته.
المبحــث الأول: تعريـف وأهميــة الـزواج
نظرا لما للزواج من أهمية في حياة الأفراد والمجتمعات إهتم
فقهاء الشريعة الإسلامية بتعريفه وكذا بأهميته، ولهذا سنتناول هاتين النقطتين كمايلي:
المطلب الأول: تعريف الزواج
الزواج يمكن أن نعرفه لغة وإصطلاحا.
الفــرع الأول: التعريف اللغوي
يعرف الزواج لغة بأنه إقتران لأحد الشيئين بالآخر وإزدواجهما
بعد أن كان كل منهما منفردا عن الآخر (1) ومنها أخذ إقتران الرجل بالمرأة بعد أن كانا
منفصلين صارا يكونان أسرة واحدة.
الفـرع الثانـي: تعريف الزواج إصطلاحا
تعددت تعاريف الزواج عند الفقهاء المسلمين إلا أننا نجدها
تقريبا متفقة على الغرض المبدئي له و ذلك رغم إختلافهم في التعابير فإنها تدور حول
نفس المعنى، فهناك من عرّفه بأنه عقد يفيد حل إستمتاع كل من العاقدين بالآخر على الوجه
المشروع (2)، ويعرّفه آخرون بأنه عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصدا (3)، وما يلاحظ
على هذه التعاريف أنها ينطبق عليها ما قاله فيها الإمام أبو زهرة بأنها تدور حول إمتلاك
المتعة وأنه من أغراض الزواج جعل المتعة حلال ومن أهدافه أيضا في الشرع الإسلامي التناسل
وحفظ النوع الإنساني وأن يجد كل من العاقدين في صاحبه الإنس الروحي الذي يؤلف الله
تعالى به بينهما ولهذا فقد عرّف الزواج " بأنه عقد يفيد حل العشرة بين الرجل و
المرأة وتعاونهما ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات '' (4)، ومن التعريفات
التى تشتمل على معنى الزواج نجد ما ذهب إليه الأستاد عبد العزيز سعد '' بأنه عقد معاهدة
ذات أبعاد دينية ودنيوية يتعهد فيها الزوج بإسعاد زوجته وإحترام كرامتها، وتتعهد الزوجة
بموجبها بإسعاد زوجها ومساعدته، وأن يتعاهدا معا على التضامن والتعاون من أجل إقامة
شرع الله وإنشاء أسرة منسجمة ومتحابة تكون نواة لإقامة مجتمع المودة والرحمة والإستقرار
(5) وفقا للآية الكريمة رقم 21 من سورة الروم '' ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا
لتسكنوا إليها ''.
المطلـب الثـانـي: أهميــة الـزواج
للزواج أهمية كبرى نظرا لما يحققه من مصلحة للبشرية جمعاء
وتتمثل هذه الأهمية في عدة أمور نجد منها:
الفرع الأول: حفظ النوع الإنساني بطريقة شريفة:
كل كائن حي لكي يحتفظ ببقاء نوعه لا بد أن يتكاثر وهو ما
ينطبق على الإنسان لكن نظرا لما يتميز به الإنسان من تكريم في خلقه إقتضى الأمر أن
يشرع له طريقة شريفة لكي يتكاثر بها ألا وهي الزواج، فلو ترك تكاثر الإنسان عن طريق
الإختلاط دون أي ضابط لإختلطت الأنساب وكثرت النزاعات وأنهارت القيم بذلك، أما إذا
تم التكاثر عن طريق الزواج إختص كل شخص بزوجته أو زوجاته في حدود الشرع وهذه الأهمية
تؤكدها الآية الكريمة رقم 223 من سورة البقرة بحيث يقول تعالى '' نساؤكم حرث لكم فأتوا
حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم ''، والحرث المقصود به في هذه الآية هو للإنبات أي النسل،
ونجد كذلك قول الرسول صلى الله عليه و سلم '' … تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم
الأمم '' (1).
الفـرع الثاني: تحقيق الإنس والراحة والمودّة بين الزوجين
إن من بين الغايات التي يهدف إلى تحقيقها الزواج هي إستقرار
وسكون كل من الزوجين إلى الآخر نظرا للكيان الذي يجمع شملهما بعد الزواج، بحيث يصبح
كل واحد منهما لباسا للآخر و نجد في الآية الكريمة رقم 21 من سورة الروم ما يثبت هذا
بحيث يقول تعالى: '' ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم
مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ''، واذا ينيت الأسرة على الإنس والراحة والأمان
بين الزوجين صلح المجتمع، ولقد ذهب الفيلسوف الإنجليزى '' بنتام '' إلى القول '' أنه
شريف فيه ترابط الهيئة الإجتماعية وعليه يبنى التمدن والعمران، فقد أنقذ النساء من
الإستعباد وأخرجهن من درك الإنخطاط و قسم التاس عائلات مستقلة و كانوا أخلاط ووسع آمال
الناس في المستقبل بما أوجده من الرغبة في البنين والحفدة و أوجد المحاكم المنزلية،
وأوجد زيادة ميل الأفراد لبعضهم البعض ومن تصور حالة الأمم بلا زواج عرق مزاياه ووقف
على منافعة '' (2) .
الفـرع الثالث: تحصين النفس بقضاء الحاجة الجنسية للزوجين:
إن من بين الأهداف والغايات التى يرمي إليها الزواج هي أن
يقضي الإنسان حاجته الجنسية عن طريق شريف سليم أي أنه لولا الزواج لأتجه كل من المرأة
والرجل إلى التعدي على الحرمات وفتحوا باب الفساد والفسق وهذا ما نجد مضمونه في الحديت
الشريف التالي بحيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: '' يامعشر الشباب من استطاع منكم
الباء فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطيع فعليه بالصوم فإنه له وجــاء
'' (1).
المبحـث الثـانـي: حكـم الـزواج وطبيعتـه
و تئتاول في هذا المبحث حكم الزواج شرعا و طبيعته القانونية
والفقهية في مطلبين هما كالتالي:
المطلب الأول: حكم الزواج شرعـا
ويقصد بحكم الزواج شرعا الوصف الشرعي الذي يتصف به وهو في
الإصطلاح لا يخرج عن الحالات التالية: الوجوب، الإباحة أو الندبة، الفرض، الكراهية،
الحرمة ونتعرض لها كمايلي:
الفـرع الأول: الزواج الفرض أو الواجب
يكون الزواج فرضا على من كان متأكد بأنه يقع في الزنى وهو
قادر على الزواج والعدل مع أهله ويكون واجب إذ كان يغلب على ضن الشخص الوقوع في الزنى
إن لم يتزوج مع مقدرته على الزواج والعدل مع أهله (2).
الـفـرع الثانـي: الزواج المباح أو المندوب
يكون الزواج مندوبا إذا كان الشخص معتدلا لا يقع في الزنا
إن لم يتزوج ولا يخشاه ولا يقع في الظلم ولا يخشاه إذا تزوج هذا عند الجمهور، أما عند
الظاهرية فترى بأنه في هذه الحال هو فرض (3).
الفـرع الثالـث: الزواج المكروه أو المحرم
الزواج المكروه هو أن يغلب على ضن الزوج بأنه سيظلم زوجته
إن تزوج أما إذا كان الزوج غير قادر على النفقة ومتأكد بأنه يقع في ظلم أهله قطعا فإن
زواجه هنا محرما (4).
المطلـب الثاني: طبيعة الـزواج
إختلف الفقه حول الطبيعة القانونية للزواج فمنهم من إعتبره
عقد ومنهم من قال بأنه مجرد إتفاق هذا من جهـة ومن جهة أخرى أنفسم الذين إعتبروا الزواج
بأنه عقد بين من يقول بأنه عقد مدني وبين من يقول بأنـه
عقد ديني وكذا إنقسموا أيضا حول طبيعة هذا العقد هل هو رضائي
أم شكلي؟، و هذه النقاط سنتعرض لها كمايلي:
الفـرع الأول: الـزواج عقـد أم مجرد إتفاق
effets
juridique, apparait comme un contrat par ce qu’il comprte
des structures contractuel … , il requiert l’échange de
concentements et impose aux parties des obligations réciproques"
)2.(
قبل التطرق إلى ما ذهب إليه المشرع الجزائري نعرج قليلا على
ما ذهب إليه الفقه، فيذهب البعض منه إلى إعتبار الزواج مجرد إتفاق ولا يرقى لأن يكون
عقدا ومن بين الذين يقولون بهذا الرأي الأستاد السنهوري الذي يقول: '' بأنه يجدر أن
لا تدعى هذه الإتفاقات عقود، وإن وقعت في نطاق القانون الخاص لأنها تخرج عن دائرة المعاملات
المالية (1)، فـي حين يرد أصحاب الإتجاه الذين يعتبرون الزواج بأنه عقد لما له من مواصفات
العقد فهو تصرف إرادي ويرتب إلتزامات فكما يقول الأستاد الغوثي بن ملحة ":
Le mariage considéré au plan
de ses effets juridique, apparait comme un contrat par ce qu’il comprte
des structures contractue , il requiert l’échange de
concentements et impose aux parties des obligations réciproques
ولقد فصل المشرع الجزائري في الطبيعة القانونية للزواج وذهب
إلى إعتباره عقد وهو ما جسّد في المادة الرابعة من قانون الأسرة بحيث تنص '' الزواج
هو عقد يتم بين رجل وإمرأة على الوجه الشرعي … " وهو في رأيي الموقف المرجح لأنه
بالزواج تنشأ الأسر و المجتمعات فكيف لا يرقى إلى عقد.
الفـرع الثاني: الـزواج عقـد مدني أم ديني أم هو ذو طبيعة
أخري
ذهب بعض من الفقه إلى إعتبار عقد الزواج عقد مدني وإستندوا
فيما ذهبوا إليه إلى أن القانون المنظم للأحوال الشخصية هو فرع من القوانين الوضعية
ومن بينهم نجد عمر فروخ يقول" بأن الزواج أو النكاح كما يسمى في الشرع عقد مدني
لفظي أو خطي بين رجل وإمرأة بالغين راشدين يحفظان به عفافهما وصلاحهما ثم تنشأ منه
الأسرة (3) ويذهب البعض إلى إعتبار عقد الزواج عقد ديني يخضع للأحكام الدينية مستدلين
على أن القانون المدني ينظم المعاملات المالية فقط أما عقد الزواج فيخضع للأحكام الدينية
و هناك من ذهب إلى إعتباره عقد مدني ذو طبيعة خاصة لإحتوائه على قدسية معينة في حين
نجد من إعتبره بأنه ذو طابع شرعي لورود النصوص الشرعية الواصفة والمحددة له ولكيفية
إبرامه ولكن لم تشترط طقوس معينة مثلا كحضور رجل الدين وبالرجوع إلى نص المادة الرابعة
من قانون الأسرة التى عرفت عقد الزواج حددت طبيعته بأنه عقد شرعي.
الفـرع الثالث: عقد الزواج بين الرضائية والشكلية
ذهب البعض إلى إعتبار عقد الزواج بأنه عقد رضائي بإعتبار
أن أساسه هو رضا في حين ذهب أغلب الفقهاء إلى إعتباره عقد شكلي لما يشترط فيه من حضور
الشهود واشتراط الولي أثناء إبرام عقد الزواج وهذين الشرطين يعتبر أن شرطين شكليين
وهذا ما ذهب إليه القضاء الجزائري القديم ويعتبر هذا الرأي الذي يقول بـأن
عقد الزواج عقد شكلي صائب لأنه إضافة إلى الشرطين السابقين
أضاف المشرع شروط إدارية وتنظيمية لكي يرتب عقد الزواج آثاره.
وبعد التطرق إلى تعريف عقد الزواج وأهميته وحكمه الشرعي وطبيعته
نتعرض إلى النقاط الأساسية في الموضوع ألا وهي أركان وشروط عقد الزواج وأثر تخلفها.
الفصـل الأول: أركـان عقد الزواج وأثر تخلفها
إختلف الفقهاء المسلمين في تحديد أركان عقد الزواج فمنهم
من جعلها ركنين الإيجاب والقبول كالحنفية وهناك من جعلها ثلاث الصيغة، المحل، الولي
وهناك من جعلها أربعة الصيغة، الولي، الزوج والزوجة، الصداق كالمالكية وهناك من جعلها
خمسة كالشافعية، و الإختلاف حول تحديد أركان عقد الزواج لم يقتصر على الفقهاء المسلمين
وإنما تعد إلى التشريعات العربية وهذا منطقي جدا بإعتبار كل تشريع أخذ بمذهب ما وهناك
تشريعات أدمجت بين المذاهب مثلما هو الحال بالنسبة للتشريع الجزائري الذي حدد أركان
عقد الزواج في المادة التاسعة من قانون الأسرة بأربع أركان وهي الرضا، الولي، الشاهدين،
الصداق (1) ، وتعرضنا لأكان عقد الزواج يكون بناءا على ما نص عليه قانون الأسرة.
المبحـث الأول: ركن الرضا في عقد الزواج وأثر تخلفه
لقد اتفق كل من فقهاء الشريعة الإسلامية وفقهاء القانون ومختلف
التشريعات وكذا الإتفاقيات الدولية على أن الرضا هو الركن الأساسي في عقد الزواج وهو
القائم الذي يقوم عليه ويتوقف وجوده عليه وأختلف في تسميته فهناك من يطلق عليه تسمية
الإيجاب والقبول وهناك من يسميه الصيغة وهناك من يسميه العنصر النفسي في عقد الزواج
L’ELEMENT PSYCHOLOGIUE (2) و هذا الإختلاف هو لفظي فقط أما المعنى فهو واحد، ولقد نصت المادة
16 من ميثاق حقوق الإنسان على أنه '' لايعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما
زواجا كاملا لا إكراه فيه '' ونصت المادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
والمادة 10 من العهد الدولي لحقوق الإنسان الإقتصادية والإجتماعية والتقافية على
'' لا ينعقد زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءا كاملا لا إكراه فيه ''، ونصت
المادة 16 من إتفاقية إلغاء التميز ضد المرأة لسنة 1975 على '' للمرأة الحرية في إختيار
الزوج وفي عدم الزواج إلا برضاها الحر والكامل '' و نجد أن معظم التشريعات العربية
قد سارت في هذا النهج وكمثال عن ذلك المشروع العربي الموحد لقانون الأحوال الشخصية
نص في مادته 23 على أنـه '' ينعقد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر
صادرين عن رضا تام … '' .
المطلـب الأول: المقصود بركن الرضـا في عقد الزواج
لم يعرف قانون الأسرة ركن الرضا وإنما إكتفى فقط في الفقرة
الأولى من المادة العاشرة بتحديد قسمي الرضا واللفظ بصفة عامة الذي يحوز به التعبير
عن الإيجاب والقبول، وعدم تعريف المشرع الجزائري لركن الرضا بتركنا نذهب إلى التعريف
الذي وضعه له الفقه ومن بين تلك التعريفات نجد السيد سابق يعرّفه '' بأنه توافق إرادة
الطرفين في الإرتباط بواسطة التعبير الدال على التصميم على إنشاء الإرتباط وإيجاده،
وأنه ما صدر من الأول يعتبر إيجابا وما صدر من الثاني يعتبر قبولا (1) ويعرّفه الدكتور
يدران أبو العينين بدران بأنه '' الإيجاب والقبول الصادرين من التعاقدين الذين يرتبط
أحدهما بالآخر فيفيدان تحقق المراد من صدورهما (2)، ومن خلال إطلاعنا على هذه التعاريف
ونص المادة 10 من قانون الأسرة نستخلص أن ركن الرضا في عقد الزواج ينقسم إلى قسمين
وهما الإيجاب والقبول.
الفـرع الثانـي: الإيجاب والقبول
إن نص المادة 10 فقرة 01 جاءت متفقة تماما مع ما ذهب إليه
فقهاء الشريعة الإسلامية وهو أن ركن الرضا يتكون من شقين الإيجاب والقبول لكن ما يؤخد
على هذه المادة أنها حددت الإيجاب والقبول من دون أن تعرفهما ولم تحدد شروطهما ولهذا
ووفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة نرجع إلى ماذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية
في هذا الموضوع:
أولا : تعريف كل من الايجاب والقبـول
أ- الإيـجـاب: يتفق الفقهاء على أن الإيجاب هو ما يصدر من
أحد العاقدين يدل على أنه يود الإرتباط بعلاقة زوجية مع طرف العقد الآخر ويسمى بالتالى
موجبا.
ب- القبـول: يعرف الفقهاء القبول بأنه الكلام الذي يصدره
المتعاقد الثاني الذي وجه له الإيجاب يدل على موافقته على ما أوجبه الموجب ويسمى القابل.
ثـانيـا: شروط صحة الايجاب والقبول
لصحة الإيجاب والقبول إشترط الفقهاء المسلمين أن تتوافر فيهما
شروط معينة منها ما اتفقوا عليها ومنها ما اختلفوا فيها وهي كالتالي:
المطلـب الثـانـي: صيغة الإيجـاب والقبول
تنص المادة العاشرة من قانون الأسرة على أن '' يكون الرضا
بإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الآخر يكل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا ''، وما
يستخلص من هذه المادة أن المشرع الجزائري لم يجدد الألفاظ التى يتم بها التعبير عن
الإيجاب والقبول ولم يجدد اللغة التي يتم بها العقد وصيغة الفعل عند التعبير عن الإيجاب
والقبول وهذا ما يؤدي بنا لتحديدها الرجوع إلى ماذهبت إليه الشريعة الإسلامية وفقا
لنص المادة 222 من قانون الأسرة ولقد أفاض الفقهاء المسلمين في الحديث عن هذه المسألة
وهي كالتالي:
الفـرع الأول: الألفـاظ المعبـرة شرعـا عن النكـاح
وتعرض للألفاظ المعبرة شرعا عن النكاح في نقطتين أساسيتين
وفقا لما ذهب إليه الفقهاء المسلمين.
أ- الألفاظ المتفق عليها أنها تؤدي معنى النكاح شرعا أو لا
تؤدي معناه :
لقد إتفق الفقهاء المسلمين سنة منهم أو شيعة بأن الزواج ينعقد
بألفاظ الزواج، النكاح منشدين في ذلك أن معظم الآيات والأحاديث المتعلقة بالزواج جاءت
بهذين اللفظين كما إتفقوا على أن الزواج لا ينعقد بالألفاظ التالية: الإباحة، الإحلال،
الإيداع، الإعارة، الرهن، الوصية، الإجازة وذلك بسبب أنها لا تؤدي مفهوم الزواج حقا
(2) .
ب- الألفـاظ المختلف فـي آدائهـا لمعنى النكـاح
ذهبت المالكية والحنفية بأنه يجوز ويصح أن يكون الإيجاب بالألفاظ
التالية: الهبة، التمليك، البيع، الصدقة والجعل مشترطين فقط أن تدل تلك الألفاظ على
بقاء الحياة الزوجية مدى الحياة، في حين الشافعية والحنايلة قالوا بعدم صحة الزواج
الذي يتم بالألفاظ المذكورة أعلاه، وما يلاحظ في إشتراط الفقهاء الألفاظ التى يتم بها
عقد الزواج أنها تشترط فقط أن يستعملها الموجب في إيجابه أما القابل فلا تشترط فيه
وإنما يكفيه أن يقول قبلت أو رفضت، وأنه وفقا لما جرت عليه العادة والعرف في الجزائر
أنه يعمل بما ذهب إليه المذهب المالكي والحنفي فجرت العادة أن يقول الموجب جئت أطلب
بنتك مثلا فيقول القابل إني أعطيتك.
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة
لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ
يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد
القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على
الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية،
وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية
إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة
العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع
الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء
وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة
معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب
والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة،
ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة
كالاتي:
- أن يكون كل من الألفاظ
المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة
الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة
المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة
المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية
على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل
(2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة
10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص
العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا
ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية
كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض
لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن
الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج
لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين
أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة
لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين
إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا
كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز
أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من
المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان
الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم
تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' …
كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن
الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن
قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول
والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول
أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق
نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا
الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس
العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق
الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل
عن طريق القول أو المكاتبة.
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي
يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء
الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء
المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي،
فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على
الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا
من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من
الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية
فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول
بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة
ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله
أنه رغم
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية،
واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية VOLONTEE CONSIENTE ET SERIEUSE
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه
كالمجنون أو لإنعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي
إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة
الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة
بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري
البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1)
وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون
بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في
نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية
الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين
إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي
تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء
للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي
رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من
إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع
لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي
الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط: ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله
على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج
أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي
( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع
المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على
ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد
فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج
على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد
الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء
عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا
لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين
فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي
تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل
أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة
35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج
وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.
وقد أولاها الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ورسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم في
عدة أحاديث أهمية كبرى.
ولهذا فقد خاض فيها الفقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم واضعين
لعقد الزواج الذي تنشأ به الأسرة أركان وشروط خاصة به منها ما اتفقوا عليها وأخرى إختلفوا
فيها، وهذا الذي أثر بدوره على مختلف التشريعات العربية باعتبار أن كل تشريع أخذ بمذهب
ما، ونجد بعض التشريعات لم تنحوا هذا النحو وإنما أدمجت بين المذاهب ومن بينها قانون
الأسرة الجزائري الذي لم يكتف فقط بالدمج بين المذاهب في المسائل المنصوص عليها فيه
وإنما ألزم القاضي في نص المادة 222 منه بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية من دون أن يبين
له ما هو المذهب الذي يعود إليه في حالة عدم وجود نص فيه على مسألة من المسائل التى
ينظمها.
وهذا ما جعل الموقف الذي اتخده المشرع الجزائري يطرح مشاكل
عملية بالنسبة للقضاة اثناء رجوعهم إلى الشريعة الإسلامية خصوص فيما يتعلق بموضوع الأركان
والشروط التى يقوم عليها عقد الزواج وكذا في الآثار المترتبة على مخالفتها أو تخلفها،
ولهذا فقد إرتأيت أن أقوم ببحث يتعلق بهذا الموضوع محاولا بذلك الإجابة على الإشكاليتين
التاليتين: ماهي أركان وشروط عقد الزواج وأثر تخلفها في الشريعة الإسلامية والقانون؟
وإلى أي حد وفق المشرع الجزائري لما ألزم القضاة بالرجوع إلى قواعد الشريعة الإسلامية
في حالة عدم وجود نص في قانون الأسرة من دون أن يحدد لهم المذهب الذي يأخدون به ؟
.
الفصــل التمهيـــدي
إن التطرق إلى أركان وشروط عقد الزواج يستلزم التعرض أولا
إلى تعريف هذا العقد وأهميته ثم حكمه الشرعي وطبيعته.
المبحــث الأول: تعريـف وأهميــة الـزواج
نظرا لما للزواج من أهمية في حياة الأفراد والمجتمعات إهتم
فقهاء الشريعة الإسلامية بتعريفه وكذا بأهميته، ولهذا سنتناول هاتين النقطتين كمايلي:
المطلب الأول: تعريف الزواج
الزواج يمكن أن نعرفه لغة وإصطلاحا.
الفــرع الأول: التعريف اللغوي
يعرف الزواج لغة بأنه إقتران لأحد الشيئين بالآخر وإزدواجهما
بعد أن كان كل منهما منفردا عن الآخر (1) ومنها أخذ إقتران الرجل بالمرأة بعد أن كانا
منفصلين صارا يكونان أسرة واحدة.
الفـرع الثانـي: تعريف الزواج إصطلاحا
تعددت تعاريف الزواج عند الفقهاء المسلمين إلا أننا نجدها
تقريبا متفقة على الغرض المبدئي له و ذلك رغم إختلافهم في التعابير فإنها تدور حول
نفس المعنى، فهناك من عرّفه بأنه عقد يفيد حل إستمتاع كل من العاقدين بالآخر على الوجه
المشروع (2)، ويعرّفه آخرون بأنه عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصدا (3)، وما يلاحظ
على هذه التعاريف أنها ينطبق عليها ما قاله فيها الإمام أبو زهرة بأنها تدور حول إمتلاك
المتعة وأنه من أغراض الزواج جعل المتعة حلال ومن أهدافه أيضا في الشرع الإسلامي التناسل
وحفظ النوع الإنساني وأن يجد كل من العاقدين في صاحبه الإنس الروحي الذي يؤلف الله
تعالى به بينهما ولهذا فقد عرّف الزواج " بأنه عقد يفيد حل العشرة بين الرجل و
المرأة وتعاونهما ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات '' (4)، ومن التعريفات
التى تشتمل على معنى الزواج نجد ما ذهب إليه الأستاد عبد العزيز سعد '' بأنه عقد معاهدة
ذات أبعاد دينية ودنيوية يتعهد فيها الزوج بإسعاد زوجته وإحترام كرامتها، وتتعهد الزوجة
بموجبها بإسعاد زوجها ومساعدته، وأن يتعاهدا معا على التضامن والتعاون من أجل إقامة
شرع الله وإنشاء أسرة منسجمة ومتحابة تكون نواة لإقامة مجتمع المودة والرحمة والإستقرار
(5) وفقا للآية الكريمة رقم 21 من سورة الروم '' ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا
لتسكنوا إليها ''.
المطلـب الثـانـي: أهميــة الـزواج
للزواج أهمية كبرى نظرا لما يحققه من مصلحة للبشرية جمعاء
وتتمثل هذه الأهمية في عدة أمور نجد منها:
الفرع الأول: حفظ النوع الإنساني بطريقة شريفة:
كل كائن حي لكي يحتفظ ببقاء نوعه لا بد أن يتكاثر وهو ما
ينطبق على الإنسان لكن نظرا لما يتميز به الإنسان من تكريم في خلقه إقتضى الأمر أن
يشرع له طريقة شريفة لكي يتكاثر بها ألا وهي الزواج، فلو ترك تكاثر الإنسان عن طريق
الإختلاط دون أي ضابط لإختلطت الأنساب وكثرت النزاعات وأنهارت القيم بذلك، أما إذا
تم التكاثر عن طريق الزواج إختص كل شخص بزوجته أو زوجاته في حدود الشرع وهذه الأهمية
تؤكدها الآية الكريمة رقم 223 من سورة البقرة بحيث يقول تعالى '' نساؤكم حرث لكم فأتوا
حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم ''، والحرث المقصود به في هذه الآية هو للإنبات أي النسل،
ونجد كذلك قول الرسول صلى الله عليه و سلم '' … تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم
الأمم '' (1).
الفـرع الثاني: تحقيق الإنس والراحة والمودّة بين الزوجين
إن من بين الغايات التي يهدف إلى تحقيقها الزواج هي إستقرار
وسكون كل من الزوجين إلى الآخر نظرا للكيان الذي يجمع شملهما بعد الزواج، بحيث يصبح
كل واحد منهما لباسا للآخر و نجد في الآية الكريمة رقم 21 من سورة الروم ما يثبت هذا
بحيث يقول تعالى: '' ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم
مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ''، واذا ينيت الأسرة على الإنس والراحة والأمان
بين الزوجين صلح المجتمع، ولقد ذهب الفيلسوف الإنجليزى '' بنتام '' إلى القول '' أنه
شريف فيه ترابط الهيئة الإجتماعية وعليه يبنى التمدن والعمران، فقد أنقذ النساء من
الإستعباد وأخرجهن من درك الإنخطاط و قسم التاس عائلات مستقلة و كانوا أخلاط ووسع آمال
الناس في المستقبل بما أوجده من الرغبة في البنين والحفدة و أوجد المحاكم المنزلية،
وأوجد زيادة ميل الأفراد لبعضهم البعض ومن تصور حالة الأمم بلا زواج عرق مزاياه ووقف
على منافعة '' (2) .
الفـرع الثالث: تحصين النفس بقضاء الحاجة الجنسية للزوجين:
إن من بين الأهداف والغايات التى يرمي إليها الزواج هي أن
يقضي الإنسان حاجته الجنسية عن طريق شريف سليم أي أنه لولا الزواج لأتجه كل من المرأة
والرجل إلى التعدي على الحرمات وفتحوا باب الفساد والفسق وهذا ما نجد مضمونه في الحديت
الشريف التالي بحيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: '' يامعشر الشباب من استطاع منكم
الباء فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطيع فعليه بالصوم فإنه له وجــاء
'' (1).
المبحـث الثـانـي: حكـم الـزواج وطبيعتـه
و تئتاول في هذا المبحث حكم الزواج شرعا و طبيعته القانونية
والفقهية في مطلبين هما كالتالي:
المطلب الأول: حكم الزواج شرعـا
ويقصد بحكم الزواج شرعا الوصف الشرعي الذي يتصف به وهو في
الإصطلاح لا يخرج عن الحالات التالية: الوجوب، الإباحة أو الندبة، الفرض، الكراهية،
الحرمة ونتعرض لها كمايلي:
الفـرع الأول: الزواج الفرض أو الواجب
يكون الزواج فرضا على من كان متأكد بأنه يقع في الزنى وهو
قادر على الزواج والعدل مع أهله ويكون واجب إذ كان يغلب على ضن الشخص الوقوع في الزنى
إن لم يتزوج مع مقدرته على الزواج والعدل مع أهله (2).
الـفـرع الثانـي: الزواج المباح أو المندوب
يكون الزواج مندوبا إذا كان الشخص معتدلا لا يقع في الزنا
إن لم يتزوج ولا يخشاه ولا يقع في الظلم ولا يخشاه إذا تزوج هذا عند الجمهور، أما عند
الظاهرية فترى بأنه في هذه الحال هو فرض (3).
الفـرع الثالـث: الزواج المكروه أو المحرم
الزواج المكروه هو أن يغلب على ضن الزوج بأنه سيظلم زوجته
إن تزوج أما إذا كان الزوج غير قادر على النفقة ومتأكد بأنه يقع في ظلم أهله قطعا فإن
زواجه هنا محرما (4).
المطلـب الثاني: طبيعة الـزواج
إختلف الفقه حول الطبيعة القانونية للزواج فمنهم من إعتبره
عقد ومنهم من قال بأنه مجرد إتفاق هذا من جهـة ومن جهة أخرى أنفسم الذين إعتبروا الزواج
بأنه عقد بين من يقول بأنه عقد مدني وبين من يقول بأنـه
عقد ديني وكذا إنقسموا أيضا حول طبيعة هذا العقد هل هو رضائي
أم شكلي؟، و هذه النقاط سنتعرض لها كمايلي:
الفـرع الأول: الـزواج عقـد أم مجرد إتفاق
effets
juridique, apparait comme un contrat par ce qu’il comprte
des structures contractuel … , il requiert l’échange de
concentements et impose aux parties des obligations réciproques"
)2.(
قبل التطرق إلى ما ذهب إليه المشرع الجزائري نعرج قليلا على
ما ذهب إليه الفقه، فيذهب البعض منه إلى إعتبار الزواج مجرد إتفاق ولا يرقى لأن يكون
عقدا ومن بين الذين يقولون بهذا الرأي الأستاد السنهوري الذي يقول: '' بأنه يجدر أن
لا تدعى هذه الإتفاقات عقود، وإن وقعت في نطاق القانون الخاص لأنها تخرج عن دائرة المعاملات
المالية (1)، فـي حين يرد أصحاب الإتجاه الذين يعتبرون الزواج بأنه عقد لما له من مواصفات
العقد فهو تصرف إرادي ويرتب إلتزامات فكما يقول الأستاد الغوثي بن ملحة ":
Le mariage considéré au plan
de ses effets juridique, apparait comme un contrat par ce qu’il comprte
des structures contractue , il requiert l’échange de
concentements et impose aux parties des obligations réciproques
ولقد فصل المشرع الجزائري في الطبيعة القانونية للزواج وذهب
إلى إعتباره عقد وهو ما جسّد في المادة الرابعة من قانون الأسرة بحيث تنص '' الزواج
هو عقد يتم بين رجل وإمرأة على الوجه الشرعي … " وهو في رأيي الموقف المرجح لأنه
بالزواج تنشأ الأسر و المجتمعات فكيف لا يرقى إلى عقد.
الفـرع الثاني: الـزواج عقـد مدني أم ديني أم هو ذو طبيعة
أخري
ذهب بعض من الفقه إلى إعتبار عقد الزواج عقد مدني وإستندوا
فيما ذهبوا إليه إلى أن القانون المنظم للأحوال الشخصية هو فرع من القوانين الوضعية
ومن بينهم نجد عمر فروخ يقول" بأن الزواج أو النكاح كما يسمى في الشرع عقد مدني
لفظي أو خطي بين رجل وإمرأة بالغين راشدين يحفظان به عفافهما وصلاحهما ثم تنشأ منه
الأسرة (3) ويذهب البعض إلى إعتبار عقد الزواج عقد ديني يخضع للأحكام الدينية مستدلين
على أن القانون المدني ينظم المعاملات المالية فقط أما عقد الزواج فيخضع للأحكام الدينية
و هناك من ذهب إلى إعتباره عقد مدني ذو طبيعة خاصة لإحتوائه على قدسية معينة في حين
نجد من إعتبره بأنه ذو طابع شرعي لورود النصوص الشرعية الواصفة والمحددة له ولكيفية
إبرامه ولكن لم تشترط طقوس معينة مثلا كحضور رجل الدين وبالرجوع إلى نص المادة الرابعة
من قانون الأسرة التى عرفت عقد الزواج حددت طبيعته بأنه عقد شرعي.
الفـرع الثالث: عقد الزواج بين الرضائية والشكلية
ذهب البعض إلى إعتبار عقد الزواج بأنه عقد رضائي بإعتبار
أن أساسه هو رضا في حين ذهب أغلب الفقهاء إلى إعتباره عقد شكلي لما يشترط فيه من حضور
الشهود واشتراط الولي أثناء إبرام عقد الزواج وهذين الشرطين يعتبر أن شرطين شكليين
وهذا ما ذهب إليه القضاء الجزائري القديم ويعتبر هذا الرأي الذي يقول بـأن
عقد الزواج عقد شكلي صائب لأنه إضافة إلى الشرطين السابقين
أضاف المشرع شروط إدارية وتنظيمية لكي يرتب عقد الزواج آثاره.
وبعد التطرق إلى تعريف عقد الزواج وأهميته وحكمه الشرعي وطبيعته
نتعرض إلى النقاط الأساسية في الموضوع ألا وهي أركان وشروط عقد الزواج وأثر تخلفها.
الفصـل الأول: أركـان عقد الزواج وأثر تخلفها
إختلف الفقهاء المسلمين في تحديد أركان عقد الزواج فمنهم
من جعلها ركنين الإيجاب والقبول كالحنفية وهناك من جعلها ثلاث الصيغة، المحل، الولي
وهناك من جعلها أربعة الصيغة، الولي، الزوج والزوجة، الصداق كالمالكية وهناك من جعلها
خمسة كالشافعية، و الإختلاف حول تحديد أركان عقد الزواج لم يقتصر على الفقهاء المسلمين
وإنما تعد إلى التشريعات العربية وهذا منطقي جدا بإعتبار كل تشريع أخذ بمذهب ما وهناك
تشريعات أدمجت بين المذاهب مثلما هو الحال بالنسبة للتشريع الجزائري الذي حدد أركان
عقد الزواج في المادة التاسعة من قانون الأسرة بأربع أركان وهي الرضا، الولي، الشاهدين،
الصداق (1) ، وتعرضنا لأكان عقد الزواج يكون بناءا على ما نص عليه قانون الأسرة.
المبحـث الأول: ركن الرضا في عقد الزواج وأثر تخلفه
لقد اتفق كل من فقهاء الشريعة الإسلامية وفقهاء القانون ومختلف
التشريعات وكذا الإتفاقيات الدولية على أن الرضا هو الركن الأساسي في عقد الزواج وهو
القائم الذي يقوم عليه ويتوقف وجوده عليه وأختلف في تسميته فهناك من يطلق عليه تسمية
الإيجاب والقبول وهناك من يسميه الصيغة وهناك من يسميه العنصر النفسي في عقد الزواج
L’ELEMENT PSYCHOLOGIUE (2) و هذا الإختلاف هو لفظي فقط أما المعنى فهو واحد، ولقد نصت المادة
16 من ميثاق حقوق الإنسان على أنه '' لايعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما
زواجا كاملا لا إكراه فيه '' ونصت المادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
والمادة 10 من العهد الدولي لحقوق الإنسان الإقتصادية والإجتماعية والتقافية على
'' لا ينعقد زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءا كاملا لا إكراه فيه ''، ونصت
المادة 16 من إتفاقية إلغاء التميز ضد المرأة لسنة 1975 على '' للمرأة الحرية في إختيار
الزوج وفي عدم الزواج إلا برضاها الحر والكامل '' و نجد أن معظم التشريعات العربية
قد سارت في هذا النهج وكمثال عن ذلك المشروع العربي الموحد لقانون الأحوال الشخصية
نص في مادته 23 على أنـه '' ينعقد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر
صادرين عن رضا تام … '' .
المطلـب الأول: المقصود بركن الرضـا في عقد الزواج
لم يعرف قانون الأسرة ركن الرضا وإنما إكتفى فقط في الفقرة
الأولى من المادة العاشرة بتحديد قسمي الرضا واللفظ بصفة عامة الذي يحوز به التعبير
عن الإيجاب والقبول، وعدم تعريف المشرع الجزائري لركن الرضا بتركنا نذهب إلى التعريف
الذي وضعه له الفقه ومن بين تلك التعريفات نجد السيد سابق يعرّفه '' بأنه توافق إرادة
الطرفين في الإرتباط بواسطة التعبير الدال على التصميم على إنشاء الإرتباط وإيجاده،
وأنه ما صدر من الأول يعتبر إيجابا وما صدر من الثاني يعتبر قبولا (1) ويعرّفه الدكتور
يدران أبو العينين بدران بأنه '' الإيجاب والقبول الصادرين من التعاقدين الذين يرتبط
أحدهما بالآخر فيفيدان تحقق المراد من صدورهما (2)، ومن خلال إطلاعنا على هذه التعاريف
ونص المادة 10 من قانون الأسرة نستخلص أن ركن الرضا في عقد الزواج ينقسم إلى قسمين
وهما الإيجاب والقبول.
الفـرع الثانـي: الإيجاب والقبول
إن نص المادة 10 فقرة 01 جاءت متفقة تماما مع ما ذهب إليه
فقهاء الشريعة الإسلامية وهو أن ركن الرضا يتكون من شقين الإيجاب والقبول لكن ما يؤخد
على هذه المادة أنها حددت الإيجاب والقبول من دون أن تعرفهما ولم تحدد شروطهما ولهذا
ووفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة نرجع إلى ماذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية
في هذا الموضوع:
أولا : تعريف كل من الايجاب والقبـول
أ- الإيـجـاب: يتفق الفقهاء على أن الإيجاب هو ما يصدر من
أحد العاقدين يدل على أنه يود الإرتباط بعلاقة زوجية مع طرف العقد الآخر ويسمى بالتالى
موجبا.
ب- القبـول: يعرف الفقهاء القبول بأنه الكلام الذي يصدره
المتعاقد الثاني الذي وجه له الإيجاب يدل على موافقته على ما أوجبه الموجب ويسمى القابل.
ثـانيـا: شروط صحة الايجاب والقبول
لصحة الإيجاب والقبول إشترط الفقهاء المسلمين أن تتوافر فيهما
شروط معينة منها ما اتفقوا عليها ومنها ما اختلفوا فيها وهي كالتالي:
المطلـب الثـانـي: صيغة الإيجـاب والقبول
تنص المادة العاشرة من قانون الأسرة على أن '' يكون الرضا
بإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الآخر يكل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا ''، وما
يستخلص من هذه المادة أن المشرع الجزائري لم يجدد الألفاظ التى يتم بها التعبير عن
الإيجاب والقبول ولم يجدد اللغة التي يتم بها العقد وصيغة الفعل عند التعبير عن الإيجاب
والقبول وهذا ما يؤدي بنا لتحديدها الرجوع إلى ماذهبت إليه الشريعة الإسلامية وفقا
لنص المادة 222 من قانون الأسرة ولقد أفاض الفقهاء المسلمين في الحديث عن هذه المسألة
وهي كالتالي:
الفـرع الأول: الألفـاظ المعبـرة شرعـا عن النكـاح
وتعرض للألفاظ المعبرة شرعا عن النكاح في نقطتين أساسيتين
وفقا لما ذهب إليه الفقهاء المسلمين.
أ- الألفاظ المتفق عليها أنها تؤدي معنى النكاح شرعا أو لا
تؤدي معناه :
لقد إتفق الفقهاء المسلمين سنة منهم أو شيعة بأن الزواج ينعقد
بألفاظ الزواج، النكاح منشدين في ذلك أن معظم الآيات والأحاديث المتعلقة بالزواج جاءت
بهذين اللفظين كما إتفقوا على أن الزواج لا ينعقد بالألفاظ التالية: الإباحة، الإحلال،
الإيداع، الإعارة، الرهن، الوصية، الإجازة وذلك بسبب أنها لا تؤدي مفهوم الزواج حقا
(2) .
ب- الألفـاظ المختلف فـي آدائهـا لمعنى النكـاح
ذهبت المالكية والحنفية بأنه يجوز ويصح أن يكون الإيجاب بالألفاظ
التالية: الهبة، التمليك، البيع، الصدقة والجعل مشترطين فقط أن تدل تلك الألفاظ على
بقاء الحياة الزوجية مدى الحياة، في حين الشافعية والحنايلة قالوا بعدم صحة الزواج
الذي يتم بالألفاظ المذكورة أعلاه، وما يلاحظ في إشتراط الفقهاء الألفاظ التى يتم بها
عقد الزواج أنها تشترط فقط أن يستعملها الموجب في إيجابه أما القابل فلا تشترط فيه
وإنما يكفيه أن يقول قبلت أو رفضت، وأنه وفقا لما جرت عليه العادة والعرف في الجزائر
أنه يعمل بما ذهب إليه المذهب المالكي والحنفي فجرت العادة أن يقول الموجب جئت أطلب
بنتك مثلا فيقول القابل إني أعطيتك.
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة
لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ
يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد
القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على
الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية،
وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية
إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة
العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع
الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء
وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة
معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب
والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة،
ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة
كالاتي:
- أن يكون كل من الألفاظ
المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة
الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة
المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة
المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية
على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل
(2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة
10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص
العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا
ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية
كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض
لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن
الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج
لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين
أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة
لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين
إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا
كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز
أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من
المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان
الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم
تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' …
كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن
الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن
قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول
والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول
أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق
نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا
الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس
العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق
الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل
عن طريق القول أو المكاتبة.
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي
يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء
الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء
المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي،
فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على
الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا
من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من
الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية
فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول
بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة
ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله
أنه رغم
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية،
واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية VOLONTEE CONSIENTE ET SERIEUSE
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه
كالمجنون أو لإنعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي
إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة
الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة
بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري
البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1)
وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون
بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في
نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية
الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين
إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي
تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء
للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي
رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من
إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع
لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي
الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط: ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله
على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج
أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي
( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع
المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على
ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد
فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج
على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد
الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء
عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا
لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين
فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي
تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل
أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة
35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج
وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.