مجلة المحاماة - العدد السادس
السنة التاسعة عشرة سنة 1939
مذكرة النيابة العمومية
في قضية الطعن لدى محكمة النقض والإبرام رقم (38) سنة 8 قضائية الوارد حكمها بهذا العدد تحت رقم (325) ص (804) وما بعده
موضوع
البحث: ملكية الراسي عليه المزاد معلقة على شرط فاسخ ولا يتحقق هذا الشرط
إلا بحكم يصدر برسو المزاد بعد إعادة البيع أو بعد زيادة العشر ولا يصح
تنازل الراسي عليه المزاد عن الحكم إضرارًا بحقوق الغير.
(لحضرة صاحب العزة زكي خير الأبوتيجى بك رئيس النيابة لدى محكمة النقض الدائرة المدنية)
الوجه الأول من وجوه الطعن:
يتحصل هذا الوجه في أمرين:
أولهما: أن الطاعنين ينعون على الحكم بأنه سار على قاعدة أن ملكية الراسي
عليه المزاد هي ملكية معلقة على شرط فاسخ وأن هذا الفسخ لا يتحقق إلا بحكم
قضائي يصدر بعد إعادة البيع ورسو المزاد.
ويقولون أن هذا المبدأ خاطئ لأن الراسي عليه المزاد إنما هو مشترٍ عادي
يجوز له التصرف في العقار - الراسي عليه المزاد – للغير أو فسخ البيع
بالاتفاق مع المالك الأصلي وهو المدين.
والثاني: أن الحكم المطعون فيه قد ذكر قاعدة أن الراسي عليه المزاد لا يجوز أن يتخلص من التزاماته بالتخلص من العقار.
ويعيب الطاعنون على هذا المبدأ.
الرأي عن الشرط الأول:
إن محور الخلاف بين الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه يدور حول نقطة
واحدة وهي أن حكم أول درجة يقول بأن ملكية الراسي عليه المزاد هي ملكية
معلقة على شرط فاسخ أي أن ملكيته لا تعتبر نهائية إلا إذا وفى كافة شروط
البيع وإلا فيجوز لكل ذي شأن أن يطلب إعادة البيع ويقول الحكم المذكور أن
هذا الطلب يترتب عليه زوال ملكية الراسي عليه المزاد - وبالتالي ما رتبه
على العقار من الحقوق العينية.
ويختلف الحكم المطعون فيه في هذا المبدأ ويقرر أنه ولو أن ملكية الراسي
عليه المزاد هي ملكية معلقة على شرط فاسخ إلا أن الفسخ لا يتحقق إلا
بالحكم الذي يصدر عند إعادة البيع لمرسى المزاد.
والوقائع في الدعوى تشير إلى أن الراسي عليه المزاد باع 2.5 فدان إلى
المرحوم محمد عبد الحليم الراوي وظل هذا واضعًا اليد من سنة 1915 إلى 1928
– وفي سنة 1928 قدم أحد ورثة المدين الأصلي وهو المرحوم محمد عبد الخالق
طلب إعادة البيع على ذمة المشتري المتخلف الذي لم يدفع الثمن ولم يصدر حكم
بإعادة البيع بل كل ما صدر في الدعوى هو إثبات تنازل الراسي عليه المزاد
عن حكم مرسى المزاد لتخالصه مع ورثة المدين وأن القاضي أثبت هذا التنازل.
فهل يزول حكم مرسى المزاد بهذا التنازل مع أنه لم يصدر حكم بإعادة البيع ورسو المزاد مرة ثانية.
إن المادة (587) مرافعات صريحة في أن حكم مرسى المزاد هو حجة للمشتري
بملكيته للمبيع - وطالما أنه مالك فيجوز له التصرف في ملكه بالبيع أو غيره
وهذا إذا قام بتعهداته ووفى الثمن إلى المدين وأرباب الديون المسجلة - أما
إذا أخل بالتزاماته وأعيد بيع العقار ورسا المزاد على شخص آخر فلا شك في
أن ملكية العقار تزول عن الراسي عليه المزاد الأول وبالتالي تزول كل
الحقوق العينية التي آلت منه إلى الغير وهذا حكم الملكية المعلقة على شرط
فاسخ إذا تحقق الشرط.
هذا ولا نرى محلاً لأن نخوض في البحث الذي اختلفت فيه آراء الفقهاء في
فرنسا في طبيعة هذه الملكية وهل هي معلقة على شرط توقيفي أو شرط فاسخ لأن
محكمتنا العليا قد أغنتنا مؤونة هذا الجدل إذ جاء في حكمها الصادر في 22
يونيو سنة 1932 في قضية الطعن رقم (15) سنة 2 قضائية بصريح العبارة أن حكم
مرسى المزاد ينقل الملكية معلقة على شرط فاسخ ومحور الخلاف في هذا الطعن
هو هل تحقق الشرط الفاسخ بطلب إعادة البيع أو بإثبات التنازل عن حكم مرسى
المزاد أم لم يتحقق؟
أما من الناحية القانونية فقد قالت محكمتنا العليا في حكمها الصادر في
القضية رقم (15) سنة 2 ق بتاريخ 2 يونيو سنة 1932 بشأن التقرير بزيادة
العشر (أن شرط الفسخ لا يتحقق بمجرد التقرير بزيادة العشر وإنما يتحقق
بصدور حكم مرسى المزاد الثاني ومجرد التقرير بزيادة العشر لا يترتب عليه
رجوع العقار إلى ملك المدين).
ويجمع الشراح على أن الأثر الذي يترتب على مرسى المزاد بعد زيادة العشر
ينطبق تمامًا على الحكم الصادر به بعد إعادة البيع لتخلف المشتري من جهة
نقل الملكية (انظر كتاب التنفيذ للدكتور محمد حامد فهمي بند (464) وما
بعده).
لذلك جريًا وراء القاعدة التي وضعتها محكمتنا العليا نقول إنه لا تزول
الملكية المترتبة على حكم مرسى المزاد الأول بمجرد طلب إعادة البيع بل
بالحكم الذي يصدر بمرسى المزاد الثاني.
وهذا الرأي يطابق أقوال علماء القانون في فرنسا (انظر جلاسون جزء (4) ص
(767) وكوش في المرافعات ص (251) وجارسونه جزء (5) بند (502)).
وقد حكمت محكمة الاستئناف المختلطة به في حكمها الصادر في 21 يناير سنة
1938 بهذا المبدأ إذ ورد فيه أن إلغاء الحكم الصادر بمرسى المزاد لا يأتي
إلا بحكم يصدر برسو المزاد بعد إعادة البيع أو بعد زيادة العشر وتعليل هذا
المبدأ ظاهر لأن المنطق يقضي بأن الأثر الذي يترتب على حكم مرسى المزاد
الذي تم تسجيله لا يمكن أن يزيله إلا حكم مثله يسجل وفي ذلك وقاية لكل من
يتعامل مع الراسي عليه المزاد الأول أو الثاني وفيه أيضًا ضمان لمصالح
الدائنين الآخرين لأنه إذا تأخر الراسي عليه المزاد الأول عن دفع ديونهم
فلا بد من حكم يصدر برسو المزاد الثاني على آخر يقوم هو بسداد ديونهم من
الثمن.
ويترتب على هذا أن الحكم الابتدائي قد أخطأ إذ جاء فيه أن الفسخ وزوال
الملكية قد تم بمجرد طلب إعادة البيع ثم التنازل عن حكم مرسى المزاد إذ لم
يصدر حكم ثانٍ برسو المزاد ويكون الحكم المطعون فيه على صواب من هذه
الناحية.
الرأي عن الشرط الثاني:
التنازل عن حكم مرسى المزاد وأثره
هل يملك من رسا عليه المزاد أن يتنازل عنه حتى تعود الملكية للمدين؟
لا شك في أن الراسي عليه المزاد يملك العقار ومن عناصر الملكية حق التصرف
في الشيء المملوك وله كقاعدة عامة أن يتنازل عن حكم مرسى المزاد بمقابل أو
بغير مقابل إلى المدين حتى تعود الملكية إليه أو إلى غيره.
ولكن مناط هذا أن لا يكون شخص آخر له حقوق ترتبت على حكم مرسى المزاد
ويضره هذا التنازل فإنه لا يسري عليه قانونًا ويكون مثل هذا التنازل
بالنسبة إليه res inter alios acta.
هذا المبدأ يستفاد ضمنًا من حكم محكمة النقض والإبرام الصادر في 9 يونيه
سنة 1935 في الطعن رقم (45) سنة 4 قضائية إذ جاء فيه أنه إذا لم يكن هناك
دائن آخر غير الدائن طالب البيع وهو الذي رسا عليه المزاد الأول ولم يكن
لغيره على العين ديون مسجلة يصح أن يقرر أمام القاضي أنه تخالص بحقوقه
وتنازل عن حكم مرسى المزاد.
ويؤخذ من هذا الحكم أنه لا يصح التنازل عن حكم مرسى المزاد إذا كان هناك
دائنون آخرون كما هو الحال في هذه الدعوى إذ أن محمد عبد الحليم الراوي
كان دائنًا مسجلاً كما جاء في الحكم المطعون فيه قبل مرسى المزاد الأول ثم
أن الراسي عليه المزاد وفاه دينه بأن باع إليه 2.5 ف من العقار الذي رسا
مزاده عليه وملك هذا القدر بمقتضى العقد المسجل في سنة 1928 ولا شك في أن
التنازل عن حكم مرسى المزاد وإعادة الأطيان إلى ورثة المدين يضر به أو
يزيل أساس تملكه للفدانين ونصف فيصبح غير مالك للأطيان بعد أن أصبح مالكًا
ويضيع عليه قيمة ما دفعه من المال ويضطر أن يقيم الدعوى مرة أخرى على
المدين لاسترداد ما له ويكون تحت رحمة يسر المدين وعدم إعساره ولا تكون
الحال هكذا لو تمت إجراءات البيع وصدر حكم مرسى المزاد الثاني ورسا المزاد
على أي شخص آخر الذي يلتزم بسداد الديون من ثمن العقار.
وهذا المبدأ قالت به محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 17
ديسمبر سنة 1916 والمنشور في المجموعة سنة 28 ص (159) إذ جاء فيه ما يأتي:
L’adjudicataire,
alors même qu’il est le créancier poursuivant, ne peut renoncer, de son
autorité privée à l’adjudication, qui consititue un contat entre lui et
toutes les parties liées à la procédure.
وجاء أيضًا في حكم تلك المحكمة بتاريخ 21 يناير سنة 1915 والمنشور في مجموعة التشريع والقضاء المختلط سنة 27 ص (134) ما يأتي:
Le
jugement d’adjudication ne peut être annulé par un jugement subséquent,
et encore moins par une déclaration au proces - verbal de l’audience
fixée pour la vente sur surenchére. II ne peut disparaître qu’en vertu
d’une nouvelle adjudication sur surenchère ou sur folle enchere.
لذلك
يكون الحكم المطعون فيه سليمًا من هذه الناحية القانونية على أن الحكم لم
يقف عند هذا الحد بل قد أظهر في أسبابه كيف أن الراسي تحايل وتواطأ مع
ورثة المدين لإعادة ملكية الأطيان المنزوعة إليهم بطريق التنازل عن حكم
مرسى المزاد واستدل في هذا على الورقة المؤرخة 27 أغسطس سنة 1928 أي قبل
الإقرار بالتنازل بيومين والتي جاء فيها أن هؤلاء الورثة تعهدوا له بتحمل
مسؤولية هذا الدين وقد توفر التواطؤ والتدليس بكل معانيه إذ يستفاد من هذا
المستند أنهم اتفقوا على إجراء هذا التنازل وهم موقنون بالضرر الذي سيلحق
بورثة محمد عبد الحليم الراوي في السعي في زوال ملكيته للفدانين ونصف وكان
ذلك منهم بسوء نية ويقول المثل اللاتيني المجمع عليه (Fraus omnia corrumpit) أي أن التدليس والغش يبطل التصرف.
لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب إذ ضرب بهذا التنازل المبني على التواطؤ والغش عرض الحائط واعتبره من التصرفات الباطلة.
والخلاصة أننا لا ننضم إلى الطاعنين في هذا الوجه.
الوجه الثاني:
موضوعه: يقول الطاعنون أن الحكم المطعون فيه اعتبر ورثة محمد عبد الحليم
الراوي من أرباب الحقوق المسجلة، والحال أن مركزهم في الخصومة الحالية
مركز الدائن الشخصي للراسي عليه المزاد إذ قد اشتروا منه القدر المتنازع
عليه بعقد عرفي وقبل تسجيل عقد بيعهم فسخ حكم مرسى المزاد بالتراضي فيما
بين المدين باعتباره بائعًا وبين الراسي عليه المزاد بصفته مشتريًا.
ويقولون أيضًا أنه حتى مع التمشي جدلاً مع الحكم المطعون فيه في اعتبار
المطعون ضدهم المذكورين من أصحاب الحقوق العينية على العقار فإن تحقيق
الشرط الفاسخ يزيل الحق ويعدمه من تاريخ الاتفاق على التنازل.
الرأي: هذا الوجه تفريع على الوجه السابق وعماده الذي يقوم عليه أن
الاتفاق على التنازل عن حكم مرسى المزاد يفسخ ملكية الراسي عليه المزاد
ويزيلها وقد أوضحنا في الوجه السالف فساد هذا المبدأ وأن التنازل لا أثر
له من هذا القبيل.
لذلك لا يكون محل لهذا الطعن.
الوجه الثالث:
موضوعه: ينعى الطاعنون على الحكم بأنه أخطأ في تفسير العقود فأخطأ أولاً
إذ اعتبر توقيع اثنين من الطاعنين على عقد البيع الصادر إلى محمد عبد
الحليم الراوي ببيع 2.5 ف بصفة شاهدين وسكوت الطاعنين عن مطالبة إعادة
البيع من سنة 1915 إلى سنة 1928 أدلة على أن ذلك العقد جاء وليد اتفاق
وتسوية بين الأطراف الثلاثة أي المدين وورثته ونازع الملكية والدائن الذي
اشترى جزءًا من العقار لسداد دينه، والصواب أن هذا الرضا مع افتراض وجوده
لا يمكن أن يؤثر على حقهم في فسخ البيع ما دام الراسي عليه المزاد لم يقم
بالوفاء بتعهداته أي سداد باقي الثمن كما أنه لا يجوز على أسوأ الفروض أن
يعتبر رضاء بعض الطاعنين على عقد البيع المذكور ملزمًا للباقين الذين لم
يوقعوه.
الرأي:
مع التمشي جدلاً وفرضًا مع الطاعنين في هذا الوجه نرى أنه غير مجد وعديم
الأهمية كلية لأننا أوضحنا آنفًا أن التنازل لا يزيل حكم مرسى المزاد
وبالتالي لا يفسخ ملكية الراسي عليه المزاد طالما أنه لم يصدر حكم برسو
المزاد مرة ثانية ويترتب على هذا أن البيع الصادر من الراسي عليه المزاد
وانتقال الملكية بناءً عليه بعد التسجيل لا يزال قائمًا والبيع الصادر من
المالك الحقيقي يقع صحيحًا ناقلاً للملكية بالتسجيل لصدوره من المالك ولا
يتوقف على رضاء بعض ورثة المدين أو كلهم الذين خرجت الملكية من يدهم
بمقتضى حكم مرسى المزاد.
لذلك لا يعتد أيضًا بهذا الوجه.
رأي النيابة إجمالاً:
قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع رفضه ومصادرة الكفالة.
رئيس النيابة
زكي خير الأبوتيجى
السنة التاسعة عشرة سنة 1939
مذكرة النيابة العمومية
في قضية الطعن لدى محكمة النقض والإبرام رقم (38) سنة 8 قضائية الوارد حكمها بهذا العدد تحت رقم (325) ص (804) وما بعده
موضوع
البحث: ملكية الراسي عليه المزاد معلقة على شرط فاسخ ولا يتحقق هذا الشرط
إلا بحكم يصدر برسو المزاد بعد إعادة البيع أو بعد زيادة العشر ولا يصح
تنازل الراسي عليه المزاد عن الحكم إضرارًا بحقوق الغير.
(لحضرة صاحب العزة زكي خير الأبوتيجى بك رئيس النيابة لدى محكمة النقض الدائرة المدنية)
الوجه الأول من وجوه الطعن:
يتحصل هذا الوجه في أمرين:
أولهما: أن الطاعنين ينعون على الحكم بأنه سار على قاعدة أن ملكية الراسي
عليه المزاد هي ملكية معلقة على شرط فاسخ وأن هذا الفسخ لا يتحقق إلا بحكم
قضائي يصدر بعد إعادة البيع ورسو المزاد.
ويقولون أن هذا المبدأ خاطئ لأن الراسي عليه المزاد إنما هو مشترٍ عادي
يجوز له التصرف في العقار - الراسي عليه المزاد – للغير أو فسخ البيع
بالاتفاق مع المالك الأصلي وهو المدين.
والثاني: أن الحكم المطعون فيه قد ذكر قاعدة أن الراسي عليه المزاد لا يجوز أن يتخلص من التزاماته بالتخلص من العقار.
ويعيب الطاعنون على هذا المبدأ.
الرأي عن الشرط الأول:
إن محور الخلاف بين الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه يدور حول نقطة
واحدة وهي أن حكم أول درجة يقول بأن ملكية الراسي عليه المزاد هي ملكية
معلقة على شرط فاسخ أي أن ملكيته لا تعتبر نهائية إلا إذا وفى كافة شروط
البيع وإلا فيجوز لكل ذي شأن أن يطلب إعادة البيع ويقول الحكم المذكور أن
هذا الطلب يترتب عليه زوال ملكية الراسي عليه المزاد - وبالتالي ما رتبه
على العقار من الحقوق العينية.
ويختلف الحكم المطعون فيه في هذا المبدأ ويقرر أنه ولو أن ملكية الراسي
عليه المزاد هي ملكية معلقة على شرط فاسخ إلا أن الفسخ لا يتحقق إلا
بالحكم الذي يصدر عند إعادة البيع لمرسى المزاد.
والوقائع في الدعوى تشير إلى أن الراسي عليه المزاد باع 2.5 فدان إلى
المرحوم محمد عبد الحليم الراوي وظل هذا واضعًا اليد من سنة 1915 إلى 1928
– وفي سنة 1928 قدم أحد ورثة المدين الأصلي وهو المرحوم محمد عبد الخالق
طلب إعادة البيع على ذمة المشتري المتخلف الذي لم يدفع الثمن ولم يصدر حكم
بإعادة البيع بل كل ما صدر في الدعوى هو إثبات تنازل الراسي عليه المزاد
عن حكم مرسى المزاد لتخالصه مع ورثة المدين وأن القاضي أثبت هذا التنازل.
فهل يزول حكم مرسى المزاد بهذا التنازل مع أنه لم يصدر حكم بإعادة البيع ورسو المزاد مرة ثانية.
إن المادة (587) مرافعات صريحة في أن حكم مرسى المزاد هو حجة للمشتري
بملكيته للمبيع - وطالما أنه مالك فيجوز له التصرف في ملكه بالبيع أو غيره
وهذا إذا قام بتعهداته ووفى الثمن إلى المدين وأرباب الديون المسجلة - أما
إذا أخل بالتزاماته وأعيد بيع العقار ورسا المزاد على شخص آخر فلا شك في
أن ملكية العقار تزول عن الراسي عليه المزاد الأول وبالتالي تزول كل
الحقوق العينية التي آلت منه إلى الغير وهذا حكم الملكية المعلقة على شرط
فاسخ إذا تحقق الشرط.
هذا ولا نرى محلاً لأن نخوض في البحث الذي اختلفت فيه آراء الفقهاء في
فرنسا في طبيعة هذه الملكية وهل هي معلقة على شرط توقيفي أو شرط فاسخ لأن
محكمتنا العليا قد أغنتنا مؤونة هذا الجدل إذ جاء في حكمها الصادر في 22
يونيو سنة 1932 في قضية الطعن رقم (15) سنة 2 قضائية بصريح العبارة أن حكم
مرسى المزاد ينقل الملكية معلقة على شرط فاسخ ومحور الخلاف في هذا الطعن
هو هل تحقق الشرط الفاسخ بطلب إعادة البيع أو بإثبات التنازل عن حكم مرسى
المزاد أم لم يتحقق؟
أما من الناحية القانونية فقد قالت محكمتنا العليا في حكمها الصادر في
القضية رقم (15) سنة 2 ق بتاريخ 2 يونيو سنة 1932 بشأن التقرير بزيادة
العشر (أن شرط الفسخ لا يتحقق بمجرد التقرير بزيادة العشر وإنما يتحقق
بصدور حكم مرسى المزاد الثاني ومجرد التقرير بزيادة العشر لا يترتب عليه
رجوع العقار إلى ملك المدين).
ويجمع الشراح على أن الأثر الذي يترتب على مرسى المزاد بعد زيادة العشر
ينطبق تمامًا على الحكم الصادر به بعد إعادة البيع لتخلف المشتري من جهة
نقل الملكية (انظر كتاب التنفيذ للدكتور محمد حامد فهمي بند (464) وما
بعده).
لذلك جريًا وراء القاعدة التي وضعتها محكمتنا العليا نقول إنه لا تزول
الملكية المترتبة على حكم مرسى المزاد الأول بمجرد طلب إعادة البيع بل
بالحكم الذي يصدر بمرسى المزاد الثاني.
وهذا الرأي يطابق أقوال علماء القانون في فرنسا (انظر جلاسون جزء (4) ص
(767) وكوش في المرافعات ص (251) وجارسونه جزء (5) بند (502)).
وقد حكمت محكمة الاستئناف المختلطة به في حكمها الصادر في 21 يناير سنة
1938 بهذا المبدأ إذ ورد فيه أن إلغاء الحكم الصادر بمرسى المزاد لا يأتي
إلا بحكم يصدر برسو المزاد بعد إعادة البيع أو بعد زيادة العشر وتعليل هذا
المبدأ ظاهر لأن المنطق يقضي بأن الأثر الذي يترتب على حكم مرسى المزاد
الذي تم تسجيله لا يمكن أن يزيله إلا حكم مثله يسجل وفي ذلك وقاية لكل من
يتعامل مع الراسي عليه المزاد الأول أو الثاني وفيه أيضًا ضمان لمصالح
الدائنين الآخرين لأنه إذا تأخر الراسي عليه المزاد الأول عن دفع ديونهم
فلا بد من حكم يصدر برسو المزاد الثاني على آخر يقوم هو بسداد ديونهم من
الثمن.
ويترتب على هذا أن الحكم الابتدائي قد أخطأ إذ جاء فيه أن الفسخ وزوال
الملكية قد تم بمجرد طلب إعادة البيع ثم التنازل عن حكم مرسى المزاد إذ لم
يصدر حكم ثانٍ برسو المزاد ويكون الحكم المطعون فيه على صواب من هذه
الناحية.
الرأي عن الشرط الثاني:
التنازل عن حكم مرسى المزاد وأثره
هل يملك من رسا عليه المزاد أن يتنازل عنه حتى تعود الملكية للمدين؟
لا شك في أن الراسي عليه المزاد يملك العقار ومن عناصر الملكية حق التصرف
في الشيء المملوك وله كقاعدة عامة أن يتنازل عن حكم مرسى المزاد بمقابل أو
بغير مقابل إلى المدين حتى تعود الملكية إليه أو إلى غيره.
ولكن مناط هذا أن لا يكون شخص آخر له حقوق ترتبت على حكم مرسى المزاد
ويضره هذا التنازل فإنه لا يسري عليه قانونًا ويكون مثل هذا التنازل
بالنسبة إليه res inter alios acta.
هذا المبدأ يستفاد ضمنًا من حكم محكمة النقض والإبرام الصادر في 9 يونيه
سنة 1935 في الطعن رقم (45) سنة 4 قضائية إذ جاء فيه أنه إذا لم يكن هناك
دائن آخر غير الدائن طالب البيع وهو الذي رسا عليه المزاد الأول ولم يكن
لغيره على العين ديون مسجلة يصح أن يقرر أمام القاضي أنه تخالص بحقوقه
وتنازل عن حكم مرسى المزاد.
ويؤخذ من هذا الحكم أنه لا يصح التنازل عن حكم مرسى المزاد إذا كان هناك
دائنون آخرون كما هو الحال في هذه الدعوى إذ أن محمد عبد الحليم الراوي
كان دائنًا مسجلاً كما جاء في الحكم المطعون فيه قبل مرسى المزاد الأول ثم
أن الراسي عليه المزاد وفاه دينه بأن باع إليه 2.5 ف من العقار الذي رسا
مزاده عليه وملك هذا القدر بمقتضى العقد المسجل في سنة 1928 ولا شك في أن
التنازل عن حكم مرسى المزاد وإعادة الأطيان إلى ورثة المدين يضر به أو
يزيل أساس تملكه للفدانين ونصف فيصبح غير مالك للأطيان بعد أن أصبح مالكًا
ويضيع عليه قيمة ما دفعه من المال ويضطر أن يقيم الدعوى مرة أخرى على
المدين لاسترداد ما له ويكون تحت رحمة يسر المدين وعدم إعساره ولا تكون
الحال هكذا لو تمت إجراءات البيع وصدر حكم مرسى المزاد الثاني ورسا المزاد
على أي شخص آخر الذي يلتزم بسداد الديون من ثمن العقار.
وهذا المبدأ قالت به محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 17
ديسمبر سنة 1916 والمنشور في المجموعة سنة 28 ص (159) إذ جاء فيه ما يأتي:
L’adjudicataire,
alors même qu’il est le créancier poursuivant, ne peut renoncer, de son
autorité privée à l’adjudication, qui consititue un contat entre lui et
toutes les parties liées à la procédure.
وجاء أيضًا في حكم تلك المحكمة بتاريخ 21 يناير سنة 1915 والمنشور في مجموعة التشريع والقضاء المختلط سنة 27 ص (134) ما يأتي:
Le
jugement d’adjudication ne peut être annulé par un jugement subséquent,
et encore moins par une déclaration au proces - verbal de l’audience
fixée pour la vente sur surenchére. II ne peut disparaître qu’en vertu
d’une nouvelle adjudication sur surenchère ou sur folle enchere.
لذلك
يكون الحكم المطعون فيه سليمًا من هذه الناحية القانونية على أن الحكم لم
يقف عند هذا الحد بل قد أظهر في أسبابه كيف أن الراسي تحايل وتواطأ مع
ورثة المدين لإعادة ملكية الأطيان المنزوعة إليهم بطريق التنازل عن حكم
مرسى المزاد واستدل في هذا على الورقة المؤرخة 27 أغسطس سنة 1928 أي قبل
الإقرار بالتنازل بيومين والتي جاء فيها أن هؤلاء الورثة تعهدوا له بتحمل
مسؤولية هذا الدين وقد توفر التواطؤ والتدليس بكل معانيه إذ يستفاد من هذا
المستند أنهم اتفقوا على إجراء هذا التنازل وهم موقنون بالضرر الذي سيلحق
بورثة محمد عبد الحليم الراوي في السعي في زوال ملكيته للفدانين ونصف وكان
ذلك منهم بسوء نية ويقول المثل اللاتيني المجمع عليه (Fraus omnia corrumpit) أي أن التدليس والغش يبطل التصرف.
لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب إذ ضرب بهذا التنازل المبني على التواطؤ والغش عرض الحائط واعتبره من التصرفات الباطلة.
والخلاصة أننا لا ننضم إلى الطاعنين في هذا الوجه.
الوجه الثاني:
موضوعه: يقول الطاعنون أن الحكم المطعون فيه اعتبر ورثة محمد عبد الحليم
الراوي من أرباب الحقوق المسجلة، والحال أن مركزهم في الخصومة الحالية
مركز الدائن الشخصي للراسي عليه المزاد إذ قد اشتروا منه القدر المتنازع
عليه بعقد عرفي وقبل تسجيل عقد بيعهم فسخ حكم مرسى المزاد بالتراضي فيما
بين المدين باعتباره بائعًا وبين الراسي عليه المزاد بصفته مشتريًا.
ويقولون أيضًا أنه حتى مع التمشي جدلاً مع الحكم المطعون فيه في اعتبار
المطعون ضدهم المذكورين من أصحاب الحقوق العينية على العقار فإن تحقيق
الشرط الفاسخ يزيل الحق ويعدمه من تاريخ الاتفاق على التنازل.
الرأي: هذا الوجه تفريع على الوجه السابق وعماده الذي يقوم عليه أن
الاتفاق على التنازل عن حكم مرسى المزاد يفسخ ملكية الراسي عليه المزاد
ويزيلها وقد أوضحنا في الوجه السالف فساد هذا المبدأ وأن التنازل لا أثر
له من هذا القبيل.
لذلك لا يكون محل لهذا الطعن.
الوجه الثالث:
موضوعه: ينعى الطاعنون على الحكم بأنه أخطأ في تفسير العقود فأخطأ أولاً
إذ اعتبر توقيع اثنين من الطاعنين على عقد البيع الصادر إلى محمد عبد
الحليم الراوي ببيع 2.5 ف بصفة شاهدين وسكوت الطاعنين عن مطالبة إعادة
البيع من سنة 1915 إلى سنة 1928 أدلة على أن ذلك العقد جاء وليد اتفاق
وتسوية بين الأطراف الثلاثة أي المدين وورثته ونازع الملكية والدائن الذي
اشترى جزءًا من العقار لسداد دينه، والصواب أن هذا الرضا مع افتراض وجوده
لا يمكن أن يؤثر على حقهم في فسخ البيع ما دام الراسي عليه المزاد لم يقم
بالوفاء بتعهداته أي سداد باقي الثمن كما أنه لا يجوز على أسوأ الفروض أن
يعتبر رضاء بعض الطاعنين على عقد البيع المذكور ملزمًا للباقين الذين لم
يوقعوه.
الرأي:
مع التمشي جدلاً وفرضًا مع الطاعنين في هذا الوجه نرى أنه غير مجد وعديم
الأهمية كلية لأننا أوضحنا آنفًا أن التنازل لا يزيل حكم مرسى المزاد
وبالتالي لا يفسخ ملكية الراسي عليه المزاد طالما أنه لم يصدر حكم برسو
المزاد مرة ثانية ويترتب على هذا أن البيع الصادر من الراسي عليه المزاد
وانتقال الملكية بناءً عليه بعد التسجيل لا يزال قائمًا والبيع الصادر من
المالك الحقيقي يقع صحيحًا ناقلاً للملكية بالتسجيل لصدوره من المالك ولا
يتوقف على رضاء بعض ورثة المدين أو كلهم الذين خرجت الملكية من يدهم
بمقتضى حكم مرسى المزاد.
لذلك لا يعتد أيضًا بهذا الوجه.
رأي النيابة إجمالاً:
قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع رفضه ومصادرة الكفالة.
رئيس النيابة
زكي خير الأبوتيجى