إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية
1 - تثير إشكالات التنفيذ في المواد الجنائية كثيرًا من الصعوبات والجدل لدى
القضاء، فقد يحدث أن يرفع المستشكل في الحكم الجنائي إشكاله لدى القضاء الجنائي
وقد يقيمه أمام قاضي الأمور المستعجلة ويثور النزاع حول أيهما المختص هل هو القضاء
الجنائي الذي أصدر الحكم المستشكل فيه أم هو القضاء المدني بما فيه قاضي الأمور
المستعجلة.
وقد تثير أقلام المحضرين عند تنفيذ الحكم الجنائي بعد رفع الإشكال أو قبله
اعتراضات في التنفيذ قد يدق عليها تذليلها إذا لم ترجع إلى نصوص القانون التي شرعت
لإيضاح إجراءات الإشكال في تنفيذ الأحكام الجنائية.
2 - ونرى في معالجة هذا الموضوع أن نوضح ما ثار من جدال حوله في ظل نصوص قانوني
المرافعات وتحقيق الجنايات القديمين ومقارنتها بالنصوص الجديدة الواردة في قانون
المرافعات الجديد وقانون الإجراءات الجنائية لنخلص من ذلك إلى الجهة المختصة
قانونًا بنظر إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية سواء من المحكوم عليه أو من
الغير ولنرى أثر رفع الإشكال ومدى أحقية المحضر في إثارة اعتراض على التنفيذ بعد
رفع الإشكال أو عند التنفيذ.
في فرنسا:
3 - والنيابة العامة في فرنسا هي التي كانت تتلقى إشكالات التنفيذ في الأحكام
الجنائية وهي التي تفصل فيها مع أن النيابة العامة حين تنفيذها الأحكام الجنائية
تعد خصمًا يباشر تنفيذ الحكم الصادر لصالحه ولا يجوز أن يكون الخصم حكمًا وقد عدل
عن هذا الرأي لمخالفته للعدالة وأصبحت المحاكم هي المختصة دون النيابة العامة بنظر
هذه الإشكالات واستقر الفقه والقضاء على ذلك ولكن دار البحث حول تحديد المحكمة
التي تختص بنظر الإشكالات في الأحكام الجنائية هل هي المحكمة التي أصدرت الحكم أم
هي المحكمة الجنائية التي يقع في دائرتها التنفيذ أم هي المحكمة المدنية
المستعجلة.
وقد استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على أن الاختصاص يكون للمحكمة التي أصدرت
الحكم.
ويرى جارو أن الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم قد يكون فيه حرج لأن مسائل
الإشكال في التنفيذ تتطلب بطبيعة الحال الفصل فيها بطريق الاستعجال وقد يقبض على
المتهم خارج دائرة المحكمة التي أصدرت الحكم ولا يكون من المتيسر الفصل في إشكاله
بالسرعة اللازمة فرأى جارو أن يكون الاختصاص في الفصل في الإشكال دائمًا لمحكمة
الجنح التي يوجد بدائرتها المحكوم عليه وذلك بالنسبة للعقوبات البدنية. أما
الإشكال في تنفيذ أحكام الغرامات والمصادرة فيرى جارو أن يرفع دائمًا إلى المحكمة
المدنية لأن هذه الأحكام تقضي بملكية أو بدين وتفقد صفتها الجنائية بمجرد النطق
بها.
في مصر:
في قانون المرافعات القديم وقانون تحقيق الجنايات الملغى:
4 - أما في مصر فكان قانون المرافعات القديم الصادر في 14 يونيه سنة 1882 المعدل
بالديكريتو 31 أغسطس سنة 1892 ينص في المادة (28) منه على أنه (يحكم قاضي المواد
الجزئية بمواجهة الأخصام في المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات
الواجبة التنفيذ بشرط ألا يتعرض في حكمه لتفسير تلك الأحكام، ويحكم أيضًا في
الأمور المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت بحيث لا يكون لحكمه تأثير في أصل
الدعوى).
وكانت المادة (386) من قانون المرافعات القديم تنص على أنه (إذا حصل إشكال في
التنفيذ فيما يكون متعلقًا بالإجراءات الوقتية يرفع أمره إلى محكمة المواد الجزئية
الكائن بدائرتها محل التنفيذ وما يكون متعلقًا بأصل الدعوى يرفع أمره إلى المحكمة
التي أصدرت الحكم).
أما قانون تحقيق الجنايات الملغى فلم يرد فيه أي نص بشأن الإشكالات في تنفيذ
الأحكام الجنائية وإنما ورد في قانون تحقيق الجنايات المختلط نص المادة (330) منه
وهي تقضي بأن (كل إشكال في التنفيذ وكل نزاع بين النيابة والمتهم يُرفع إلى
المحكمة التي أصدرت الحكم).
في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية:
5 - وقضت المادة (347) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بأن الإشكالات في التنفيذ
التي تُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو التي بدائرتها محل التنفيذ هي التي
يثار فيها نزاع في مسائل تتعلق بالأحوال الشخصية ونصت المادة (351) على أنه (إذا
حصل إشكال في التنفيذ فبعد اتخاذ الإجراءات التحفظية إذا اقتضى الحال ذلك يرفع ما
كان منه متعلقًا بالإجراءات الوقتية إلى المحكمة الجزئية الكائن بدائرتها محل
التنفيذ وما يكون متعلقًا بأصل الدعوى يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم).
وتطبيقًا لذلك حكم بأن (تختص جهات الأحوال الشخصية بكل ما يمس شخص الإنسان ولا
يتعدى ماله، إلا أنه من الأحوال الشخصية ما يستلزم الالتزام المالي كالنفقة والمهر
وما إليهما فيختص بالفصل فيها جهات الأحوال الشخصية اختصاصًا محدودًا في أمور
معينة تحدوه فكرة واحدة لا تخرج عنه لذلك يكون للمحاكم المدنية سلطة الإشراف على
أحكام جهات الأحوال الشخصية لترقب صدورها في حدود اختصاصها وقد نصت لائحة ترتيب
المحاكم الشرعية على أن الإشكال لا يُرفع إلى المحكمة الشرعية إلا إذا تعلق بمسألة
شرعية ومحصل ذلك أنه إذا أثار تنفيذ الحكم نزاعًا مدنيًا فتختص به المحكمة المدنية
(حكم مستعجل مصر 16 مارس سنة 1933 مجلة المحاماة س 14 ع 1 صـ 41) [(1)].
وقضت محكمة النقض بأنه (لما كانت المادتان (15) و(16) من لائحة ترتيب المحاكم
الأهلية (الملغاة) الأولى منهما تمنع هذه المحاكم من نظر أية دعوى لا تكون بذاتها
من اختصاصها والثانية تحظر عليها الفصل في مسائل الأحوال الشخصية وتأويل الأحكام
الصادرة فيها من الجهات المعهود إليها بنظرها وكان حكم الطاعة الذي قضى الحكم
المطعون فيه بإيقاف تنفيذه صادرًا من المحكمة الشرعية في مسألة هي بلا جدال من
صميم الأحوال الشخصية وكان الحكم المذكور لا يمس حقًا ماليًا ولا يحتمل تنفيذًا
على المال مما ينتفي معه اختصاص المحاكم بنظر أي نزاع يقدم بشأنه، لما كان ذلك
كذلك كان الحكم المطعون فيه باطلاً لتجاوز المحكمة التي أصدرته حدود ولايتها
فيتعين نقضه والحكم بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى (راجع نقض 2 مارس سنة 1949
مجموعة رسمية ع 3 و4 س 51 صـ 9 وكان الحكم المطعون فيه بإيقاف تنفيذ حكم الطاعة).
رأي الفقه والقضاء:
6 - وفي ظل هذه النصوص السالفة رأى جمهور الفقهاء أن المسائل الجنائية كالمسائل
الشرعية تخضع لقاعدة عامة تحكم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة وهي أنه لا يختص إلا
إذا كان موضوع الحق بين الطرفين من اختصاص المحكمة المدنية التي هو فرع منها
ويتحدد اختصاصه باختصاصها، أما إذا كان مثار النزاع في الإشكال مسألة تمس الموضوع
الذي فصل فيه الحكم وتخرج عن تطبيق القانون المدني فلا يختص القاضي المستعجل بنظر
الإشكال، أما إذا كان التنفيذ قد لحق المال وأثار نزاعًا في نفاذ الالتزام ولزومه
لسبب من أسباب انقضاء الالتزامات أو ادعى الغير حقًا على المال موضوع التنفيذ أو
غير ذلك من المنازعات التي تحكمها قواعد القانون المدني ففي هذه الأحوال جميعًا
يختص القاضي المستعجل بنظر الإشكال في التنفيذ كما تختص المحكمة المدنية بنظر
النزاع موضوعًا
(مؤلف قاضي الأمور المستعجلة للأستاذ محمد علي رشدي
صـ 603).
7 - وإذا كان المشرع قد أوضح فكرته في الاختصاص في إشكالات التنفيذ في لائحة ترتيب
المحاكم الشرعية فإذا لم يورد نصًا يرتب قاعدة الاختصاص في قانون تحقيق الجنايات
القديم إلا أن ذلك لا يعني أن المشرع أراد أن يخرج عن القاعدة التي أوضحها بل يعني
أنه أغفل تطبيقًا لها لا تدعو إلى تكراره حاجة ولعل السبب في ذلك أنه لا يتصور
حالات كثيرة يحتمل فيها الإشكال في العقوبة بوجهي الإشكال السريع والموضوعي كما في
القانون المدني فإذا استشكل في تنفيذ حكم جنائي فإنما يقصد عدم تنفيذه على
المستشكل فإذا أوقف التنفيذ فلا يكون ثمة موضوع بين المستشكل والنيابة وإذا أرادت
النيابة التنفيذ فإنما بدعوى عمومية يصدر فيها حكم جديد يختلف عن الحكم الأول
المستشكل فيه.
ومؤدى رأى الجمهور [(2)] أن المحكمة الجنائية التي أصدرت الحكم هي التي تختص بنظر
الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية ولا يختص بها قاضي الأمور المستعجلة لأن
موضوع الإشكال لا تختص به المحكمة المدنية أما إذا كانت المحكمة المدنية تختص
بموضوع الإشكال لسريان قواعد القانون المدني عليه فيختص قاضي الأمور المستعجلة
بنظر الإشكال بوجهه السريع وقد حكم بهذا المبدأ قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر
في 26 يوليه سنة 1933 (محاماة س 14 صـ 46 ع 1).
8 - وقد قضت محكمة مصر الكلية في حكمها الصادر في 4 أكتوبر سنة 1943 المنشور بمجلة
المجموعة الرسمية س 44 صـ 215 بعدم اختصاص القضاء المستعجل بنظر الإشكالات في
تنفيذ الأحكام الجنائية وقررت قاعدة هامة هي أن (القضاء المستعجل نظام مدني أقامه
قانون المرافعات المدنية والتجارية بمقتضى المادتين (28) و(386) منه فبديهي أن
يكون بالنسبة للأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية والتجارية فقط لا في الدعاوى
الجنائية التي نظمت إجراءاتها بقوانين أخرى، وليس من المعقول أن الشارع وهو يضع
نصوص قانون المرافعات كان يفكر في المسائل الجنائية حتى يقال إنه شرع لها أيضًا في
المادتين (28) و(386) ما دام لم يصف الأحكام التي تكلم عنها بأنها الأحكام المدنية
والتجارية وإلا على هذا القياس يمكن القول بأن جميع النصوص التي ذكرت الأحكام دون
وصف لها تتناول الأحكام كلها من مدنية وجنائية وغيرها وهذا القول لا يمكن الأخذ به
على إطلاقه لأن من المقرر أن العمل بأحكام المرافعات لا يكون إلا في المبادئ
العامة التي تقتضيها العدالة ولم يرتب لها القانون الجنائي حكمًا خاصًا وليس
اختصاص القضاء المستعجل من المبادئ العامة بل هو على النقيض من هذا استثناءً من
القاعدة العامة القائلة بأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع فلو لم ينص قانون المرافعات
صراحةً على اختصاص القاضي الجزئي بنظر إشكالات التنفيذ الوقتية لكان نظرها من
اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم تطبيقًا للقاعدة العامة المذكورة ولقاعدة أخرى هي
أن تنفيذ الحكم يعتبر من ملحقات الدعوى الأصلية التي صدر فيها.
وقد قُضي بأن البحث في جواز تنفيذ حكم الغلق على غير المحكوم عليه إذا كان شاغلاً
للمحل المحكوم بغلقه هو بحث في شخصية العقوبة التي قضى بها الحكم وهي قاعدة من
قواعد العقوبات لا تخضع لأحكام القانون المدني فلا يختص قاضي الأمور المستعجلة
بنظر هذا الإشكال (حكم قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر في 30 إبريل سنة 1933
محاماة س 14 ع 9 صـ 643).
رأي عكسي:
9 - على أنه وجد في الفقه والقضاء رأي آخر يذهب إلى أن قاضي الأمور المستعجلة يختص
بالنظر في الإشكالات في الأحكام الجنائية لأمرين:
أولهما: عموم نص المادتين (28) و(386) مرافعات (قديم) فيختص قاضي الأمور المستعجلة
بإيقاف تنفيذ العقوبة المالية كالرد والمصادرة والإزالة والغلق لأن تنفيذها قد يمس
حقوق الغير المالية. والقول باختصاص القاضي الجنائي وحده بنظر إشكالات تنفيذ
الأحكام الجنائية يتعارض مع عموم نص هاتين المادتين.
ثانيهما: سرعة القضاء المستعجل لوجود خطر في إشكال تنفيذ حكم الغلق أو ما شاكله
وهو ما يستدعي سرعة الفصل في الإشكالات الأمر الذي لا يتوافر في القضاء العادي.
ويذهب هذا الرأي على ذلك إلى أنه لا يجوز للقاضي المستعجل بحث صحة أو بطلان الحكم
الجنائي أو تفسير ما ورد فيه غامضًا من عبارات وإنما يكون له بحث مدى تأثير الحكم
الجنائي على حقوق المستشكل المالية إذا كان من الغير (قضاء الأمور المستعجلة
للأستاذ محمد علي راتب صـ 644).
أحكام القضاء:
10 - وقد وجد بين أحكام المحاكم بعض الأحكام التي اتجهت إلى الأخذ بهذا الرأي فقضت
محكمة إسكندرية الكلية برئاسة القاضي مصطفى مرعي في حكمها الصادر في 13 إبريل سنة
1933 المنشور بمجلة المحاماة س 13 صـ 1034 تحت رقم 511 بأن (الإشكالات التي تعترض
تنفيذ الأحكام الجنائية القاضية بعقوبة مالية مثل الرد والمصادرة والإزالة والغلق
والهدم تدخل في اختصاص قاضي المواد المستعجلة الذي يقع التنفيذ في دائرته لأن
المحاكم الجنائية لا تقضي في الأموال إلا إذا اتصل قضاؤها بالدعوى العمومية ولأن
الأحكام الصادرة بعقوبة مالية تفقد صفتها الجنائية بمجرد صدور الحكم بها).
وقضى قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر (القاضي محمد علي راتب) في 24 فبراير سنة
1935 المنشور بمجلة المحاماة السنة 15 صـ 411 باختصاص قاضي الأمور المستعجلة طبقًا
لنص المادتين (28) و(386) مرافعات بالإشكالات الحاصلة في التنفيذ حتى ولو صدرت من
محكمة جنائية متى كان التنفيذ حاصلاً عن عقوبات مالية تمس حقوق الغير كالغلق
والمصادرة والإزالة والقول بغير ذلك واختصاص القاضي الجنائي بنظر مثل هذه
الإشكالات يتعارض مع نصوص المادتين المذكورتين اللتين قررتا مبدأ عامًا وأصولاً
وضوابط لم يرد في قانون تحقيق الجنايات ما يخالفها.
وحكمت محكمة الاستئناف المختلطة باختصاص القضاء المستعجل في الفصل في إشكال
التنفيذ الحاصل من أحد الملاك على الشيوع في منزل في تنفيذ حكم صادر من محكمة
المخالفات في مواجهة أحد الشركاء بإزالة جزء من مباني المنزل (الغازيت المختلطة
عدد 34 رقم 285).
الرد على هذا الرأي:
11 - ويرد على هذا الرأي بالأمور الآتية:
أولاً: إن نص المادتين (28) و(386) من قانون المرافعات المدنية (القديم) خاص
بالأحكام المدنية والتجارية ولا يسري على الأحكام الجنائية التي نظمت إجراءاتها
لقوانين أخرى.
ثانيًا: أما حجة سرعة فصل القضاء المستعجل فهي حجة ضعيفة لأن الإجراءات الجنائية
بطبيعتها أسرع من الإجراءات المدنية وليس هناك خطر على الأفراد بل الخطر من عدم
الفصل سريعًا في الإشكال في الأحكام الجنائية إنما هو على النيابة. ويمكن للنيابة
العامة وهي التي تقوم بالتنفيذ أن تحدد أقرب جلسة لنظر الإشكال في التنفيذ.
ثالثًا: إن عقوبة الإغلاق أو المصادرة عقوبة تكميلية عندما يُقضى بها مع الغرامة
فالحكم بها لا يمكن اعتباره من قبيل الفصل في حقوق مدنية ولا تفقد العقوبة
التكميلية بعد الحكم صفتها كعقوبة.
رابعًا: أصحاب هذا الرأي يتناقضون فإنهم يسلمون بقاعدة أن قاضي الأمور المستعجلة
فرع من المحكمة التابع لها يتقيد في اختصاصه بالحكم في الإجراءات الوقتية بنفس
القيود والأوضاع التي تحد من اختصاصها سواء ما بُني على الفصل بين السلطات
الإدارية والقضائية أو ما أسس على اختلاف درجات القضاء أو أنواعه [(3)] (راجع حكم
مصر الكلية 4/ 10/ 1943 مجموعة رسمية س 44).
خامسًا: ولا يمكن القول بأن اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالإشكال في العقوبة
المالية كالرد أو المصادرة أو الإزالة أو الإغلاق لمساسها بحقوق الغير المالية
ولأن المحاكم المدنية هي صاحبة الولاية العامة على المال وليس للمحاكم الجنائية أن
تمس الأموال بأحكامها فإن هذا القول ظاهر البطلان ولا سند له في القانون.
في نصوص قانون الإجراءات الجنائية:
12 - هذا ما كان عليه الفقه والقضاء قبل صدور قانون الإجراءات الجنائية الجديد
وكان الرأي الراجح هو عدم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة (كقاعدة عامة) في نظر
الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية، وكان مثار هذا الخلاف هو خلو قانون تحقيق
الجنايات من نصوص تبين الجهة المختصة في نظر هذه الإشكالات.
ولكن قانون الإجراءات الجنائية الجديد قد تضمن نصوص المواد (524) و(525) و(526)
و(527) بينة الإجراءات في حالة الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية.
فقضت المادة (524) منه بأن (كل إشكال من المحكوم عليه في التنفيذ يُرفع إلى
المحكمة التي أصدرت الحكم ومع ذلك إذا كان النزاع خاصًا بتنفيذ حكم صادر من محكمة
الجنايات يُرفع إلى غرفة الاتهام بالمحكمة الابتدائية).
ونصت المادة (525) على أنه (يقدم النزاع إلى المحكمة بواسطة النيابة العامة على
وجه السرعة ويعلن ذوو الشأن بالجلسة التي تحدد لنظره وتفصل المحكمة فيه في غرفة
المشورة بعد سماع النيابة العامة وذوي الشأن، وللمحكمة أن تجري التحقيقات التي ترى
لزومها ولها في كل الأحوال أن تأمر بوقف التنفيذ حتى يفصل في النزاع وللنيابة العامة
عند الاقتضاء وقبل تقديم النزاع إلى المحكمة أن توقف تنفيذ الحكم مؤقتًا).
وجاء بالمادة (526) منه أنه (إذا حصل نزاع في شخصية المحكوم عليه يفصل في ذلك
النزاع بالكيفية والأوضاع المقررة في المادتين السابقتين).
ثم نصت المادة (527) على أنه (في حالة تنفيذ الأحكام المالية على أموال المحكوم
عليه إذا قام نزاع من غير المتهم بشأن الأموال المطلوب التنفيذ عليها يرفع الأمر
إلى المحكمة المدنية طبقًا لما هو مقرر في قانون المرافعات.
13 - وقد حسم المشرع بهذه النصوص ذلك الخلاف الذي كان قائمًا في عهد قانون تحقيق
الجنايات بشأن الجهة المختصة بالفصل في النزاع الذي يقع بين النيابة والمحكوم
عليهم وغيرهم بشأن تنفيذ الأحكام الجنائية.
وجاء في المذكرة الإيضاحية وتقرير مجلس الشيوخ عن هذه النصوص أن كل إشكال في
التنفيذ يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المتعلق به هذا الإشكال، أما إذا كان
التنفيذ يجري على أموال المحكوم عليه على مقتضى قانون المرافعات في المواد المدنية
والتجارية فيتبع بشأن ما يحصل فيه من إشكال أو نزاع ما هو مقرر في القانون
المذكور، وظاهر أن تنفيذ الأحكام المالية بطريق الحجز على أموال المحكوم عليه يكون
أما بالطرق المقررة في قانون المرافعات أو بالطرق الإدارية المقررة لتحصيل الأموال
الأميرية وفي الحالتين إذا قام نزاع من غير المتهم بشأن الأموال المطلوب الحجز
عليها كأن ادعى ملكيتها فيرفع هذا الإشكال إلى المحكمة المدنية طبقًا لما هو مقرر
في قانون المرافعات، أما إذا كان الإشكال يتعلق بالحكم نفسه من حيث مضمونه أو من
حيث قابليته للتنفيذ فإنه يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو المحكمة
الابتدائية حسب الأحوال.
14 - ومؤدى هذه النصوص والمذكرة الإيضاحية أن إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية
تختص بها كقاعدة عامة المحكمة التي أصدرت الحكم وهي المحكمة الجنائية ما لم يكن
الحكم المستشكل فيه حكمًا ماليًا أي بالغرامة أو بالتعويض ويكون التنفيذ به على
مقتضى قانون المرافعات أي بطريق الحجز أو بالطرق الإدارية لتحصيل الأموال الأميرية
فيرفع الإشكال في هذه الحالة إلى المحكمة المدنية.
15 - ولا يدخل في عبارة الأحكام المالية الواردة في المادة (527) إجراءات
التعويضات التكميلية كالهدم والغلق والمصادرة والإزالة إذ هذه العقوبات شخصية
وليست لها صفة (المالية) كالغرامة ولأنها لا يمكن أن تكون محلاً للتنفيذ بالطريق
المدني أو الإداري.
وعلى ذلك فلا تشمل المادة (527) حالة التنفيذ بالعقوبة التكميلية بغير طريق
التنفيذ المدني بل بطريق التنفيذ الجنائي للعقوبة.
16 - وإذا كان تنفيذ حكم الغرامة بالطريق الجنائي كالإكراه البدني فلا يجوز
الاستشكال فيه أمام القضاء المدني المستعجل بل يكون الإشكال فيه أمام المحكمة التي
أصدرت الحكم.
وقد نص في المادة (526) من قانون الإجراءات على أنه (إذا حصل نزاع في شخصية
المحكوم عليه يفصل في ذلك النزاع بالكيفية والأوضاع المقررة في المادتين السابقتين
وهي (م (524) و(525)) أي تنظره المحكمة التي أصدرت الحكم) مع أن هذا الإشكال يكون
مرفوعًا من غير المحكوم عليه الأمر الذي يؤكد ما وضح في المذكرة الإيضاحية من أن
المادة (527) خاصة بحالة الإشكال المرفوع من غير المحكوم عليه عن حكم جنائي مالي -
بالغرامة أو بالتعويض - ويكون التنفيذ به بالطريق المدني أو الإداري وليس بالطرق
الجنائية.
17 - ويرى الدكتور علي زكي العرابي أنه لا فرق بين عقوبة الغرامة والمصادرة وبين
باقي العقوبات المقيدة للحرية لأنها كلها وإن اختلفت أشكالها عقوبات جنائية وضعت
لغرض واحد وهو تأديب الجاني ولا تصدر إلا من محكمة واحدة وهي المحكمة الجنائية
وعقوبة الغرامة لا تسقط إلا بالمادة المسقطة للعقوبات لا بالمادة المقررة للديون
وتنفذ بالإكراه فالصفة الجنائية ملازمة لها في كل أدوارها ولا يفهم القول بأن
الحكم يكون بمثابة حكم مدني ولذلك يرى أن الإشكال في تنفيذها يجب أن يُرفع للمحكمة
الجنائية شأن الإشكال في تنفيذ أية عقوبة أخرى خصوصًا وأن نص المادة (524) لم يجز
بين نوع وآخر من العقوبات.
18 - أما صاحب الرأي العكسي الأستاذ محمد علي راتب فقد رأى أن مؤدى نصوص قانون
الإجراءات الجنائية أنه إذا كان الإشكال من المحكوم عليه تختص المحكمة التي أصدرت
الحكم الجنائي وحدها فتنظر الإشكال في العقوبات المالية والبدنية، أما إذا كان
الإشكال من الغير في تنفيذ الأحكام المالية على أموال المحكوم عليه فيختص قاضي
الأمور المستعجلة وإن كانت المادة (527) قد ذكرت عبارة المحكمة المدنية فإن قاضي
الأمور المستعجلة فرع منها وفق المادة (49) من قانون المرافعات (كتاب قاضي الأمور
المستعجلة لراتب صـ 647 طبعة 1952) ولم يفسر الأستاذ راتب عبارة الأحكام المالية
الواردة بالمادة (527) إجراءات ولم يوضع هذا النص وفق المذكرة الإيضاحية والأعمال
التحضيرية.
19 - وقد قضت محكمة النقض أخيرًا في دائرتها الجنائية بتاريخ 9 مارس سنة 1953 في
القضية رقم (1341) سنة 22 قضائية في طعن رفع عن حكم صادر من المحكمة الجنائية برفض
الإشكال المرفوع في تنفيذ حكم غلق من الغير فقالت (إذا كان الحكم المطعون فيه
الصادر برفض الإشكال في تنفيذ حكم بإغلاق محل قد أثبت أن رخصة المحل التي يستشكل
الطاعن في الحكم الصادر بإغلاقه ليست باسم المستشكل وإنما هي باسم الذي حرر ضده
محضر المخالفة وصدر عليه الحكم بالغرامة والإغلاق فإن إجراءات المخالفة تكون صحيحة
ولا يكون للطاعن صفة في رفع هذا الإشكال ويكون قضاء الحكم المطعون فيه برفضه قضاءً
سليمًا) (راجع مجموعة الأحكام الجزء الرابع الدائرة الجنائية صـ 597).
ويُستفاد من هذا الحكم بجلاء:
أولاً: إن المحكمة الجنائية التي أصدرت الحكم الجنائي بالغلق هي المختصة بنظر
الإشكال مع رفعه من الغير، ولو كانت المحكمة غير مختصة لنقضت محكمة النقض الحكم
لأن هذا الاختصاص من النظام العام.
ثانيًا: إن نظر الإشكال في تنفيذ حكم الغلق يمس إجراءات المخالفة والمحاكمة
الجنائية فتختص به المحكمة التي أصدرت الحكم.
20 - وقضت محكمة أسيوط الابتدائية (الدائرة المستعجلة) بأن (قاضي الأمور المستعجلة
غير مختص بنظر الإشكالات عن إيقاف أحكام الإزالة وبديهي أن المادة (479/ 1)
مرافعات تسري في المواد المدنية والتجارية فقط لا في الدعاوى الجنائية التي نظمتها
إجراءات بقوانين أخرى).
(صدر هذا الحكم في القضية رقم 894 سنة 1950).
21 - ولا يمكن القول بأن العقوبات التكميلية شخصية بمعنى أنه لا يمكن التنفيذ بها
في مواجهة الغير إذ قضت محكمة النقض في 20/ 11/ 1950 في القضية رقم (192) سنة 20
قضائية بأن (المبدأ المقرر في القانون الجنائي المعروف بشخصية العقوبة بمعنى عدم
تجاوزها شخص المحكوم عليه وممتلكاته، هذا المبدأ لا يطوي العقوبات التكميلية فإنه
يجرى تنفيذها في مواجهة الغير متى كان موضوع الدعوى ماسًا بالأمن أو النظام العام
أو مصلحة المجتمع أو يكون للعقوبة التكميلية هنا صفة عينية لا شخصية فهي تدبير وقائي
ضد شخص معين).
22 - على أن البحث في إشكال تنفيذ حكم الغلق مثلاً ولو كان من الغير يتصل بأصل
الحق أي بموضوع المحاكمة وهو ما يمنع قاضي الأمور المستعجلة عن الفصل فيه، فإذا ما
أصر قاضي الأمور المستعجلة على اختصاصه بنظر الإشكال في تنفيذ حكم جنائي بالغلق
فإنه لا يلبث أن يقضي برفض الإشكال موضوعًا لأنه يجره البحث إلى التعرض لأصل الحق
وكان الأولى به أن يقضي بعدم اختصاصه.
مثال ذلك: قُضي بأن (تنفيذ حكم الغلق الصادر وفق القانون (13) سنة 1904 يكون على
نفقة المخالف المحكوم عليه ولكن تنفيذه يكون في الوقت نفسه على المحل موضوع
المخالفة ولو كان مستعمله وقت التنفيذ شخصًا آخر خلاف المحكوم عليه يكون قد
استأجره من المالك أو انتفع به بإذنه وعلى المالك أن يسوي شؤونه مع هذا المستأجر
أو مستعمل المحل طبقًا لما هو منصوص عليه في المادة ( من اللائحة المرفقة بالقانون المذكور وعلى ذلك لا يقبل من هذا
المستأجر أو المنتفع الاستشكال في تنفيذ الغلق على المحل بحجة أنه شخص آخر غير
المحكوم عليه) (قاضي مستعجل مصر 11 نوفمبر سنة 1935 محاماة س 16 ع 5 صـ 530) أليس
هذا تعرض لأصل الحق وإجراءات المحاكمة.
مثال آخر: وهذا ما قضت به محكمة بني سويف الجزئية في قضية الإشكال رقم (596) سنة
1954 مدني بني سويف في 13 مارس سنة 1954 في إشكال مرفوع من الغير عن حكم غلق فبعد
أن حكمت باختصاصها بنظره على أساس أن أحكام الغلق في رأيها تدخل ضمن عبارة
(الأحكام المالية) الواردة بالمادة (527) من قانون الإجراءات قضت برفض الإشكال
موضوعًا على أساس عدم جدية استئجار المستشكل للمحل المراد غلقه وعدم ثبوت تاريخ
عقد الإيجار. ومع أن هذا الحكم معيب فما ذهب إليه من أن عبارة الأحكام المالية
الواردة في المادة (527) إجراءات تشمل أحكام الغلق والمصادرة والإزالة مع أن
المقصود بها أحكام الغرامة أو أحكام التعويض المدني الصادرة من المحاكم الجنائية
ويكون تنفيذها بالطريق المدني أو الإداري دون الطرق الجنائية للتنفيذ - مع ذلك ألا
يعد تعرض المحكمة لبحث حق المستشكل في إلغاء الغلق من عدمه مساس بموضوع المحاكمة
التي صدر فيها حكم الغلق الأمر الذي كان يستوجب من المحكمة أن تقضي بعدم اختصاصها
لمساس الإشكال بموضوع الحق.
1 - تثير إشكالات التنفيذ في المواد الجنائية كثيرًا من الصعوبات والجدل لدى
القضاء، فقد يحدث أن يرفع المستشكل في الحكم الجنائي إشكاله لدى القضاء الجنائي
وقد يقيمه أمام قاضي الأمور المستعجلة ويثور النزاع حول أيهما المختص هل هو القضاء
الجنائي الذي أصدر الحكم المستشكل فيه أم هو القضاء المدني بما فيه قاضي الأمور
المستعجلة.
وقد تثير أقلام المحضرين عند تنفيذ الحكم الجنائي بعد رفع الإشكال أو قبله
اعتراضات في التنفيذ قد يدق عليها تذليلها إذا لم ترجع إلى نصوص القانون التي شرعت
لإيضاح إجراءات الإشكال في تنفيذ الأحكام الجنائية.
2 - ونرى في معالجة هذا الموضوع أن نوضح ما ثار من جدال حوله في ظل نصوص قانوني
المرافعات وتحقيق الجنايات القديمين ومقارنتها بالنصوص الجديدة الواردة في قانون
المرافعات الجديد وقانون الإجراءات الجنائية لنخلص من ذلك إلى الجهة المختصة
قانونًا بنظر إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية سواء من المحكوم عليه أو من
الغير ولنرى أثر رفع الإشكال ومدى أحقية المحضر في إثارة اعتراض على التنفيذ بعد
رفع الإشكال أو عند التنفيذ.
في فرنسا:
3 - والنيابة العامة في فرنسا هي التي كانت تتلقى إشكالات التنفيذ في الأحكام
الجنائية وهي التي تفصل فيها مع أن النيابة العامة حين تنفيذها الأحكام الجنائية
تعد خصمًا يباشر تنفيذ الحكم الصادر لصالحه ولا يجوز أن يكون الخصم حكمًا وقد عدل
عن هذا الرأي لمخالفته للعدالة وأصبحت المحاكم هي المختصة دون النيابة العامة بنظر
هذه الإشكالات واستقر الفقه والقضاء على ذلك ولكن دار البحث حول تحديد المحكمة
التي تختص بنظر الإشكالات في الأحكام الجنائية هل هي المحكمة التي أصدرت الحكم أم
هي المحكمة الجنائية التي يقع في دائرتها التنفيذ أم هي المحكمة المدنية
المستعجلة.
وقد استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على أن الاختصاص يكون للمحكمة التي أصدرت
الحكم.
ويرى جارو أن الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم قد يكون فيه حرج لأن مسائل
الإشكال في التنفيذ تتطلب بطبيعة الحال الفصل فيها بطريق الاستعجال وقد يقبض على
المتهم خارج دائرة المحكمة التي أصدرت الحكم ولا يكون من المتيسر الفصل في إشكاله
بالسرعة اللازمة فرأى جارو أن يكون الاختصاص في الفصل في الإشكال دائمًا لمحكمة
الجنح التي يوجد بدائرتها المحكوم عليه وذلك بالنسبة للعقوبات البدنية. أما
الإشكال في تنفيذ أحكام الغرامات والمصادرة فيرى جارو أن يرفع دائمًا إلى المحكمة
المدنية لأن هذه الأحكام تقضي بملكية أو بدين وتفقد صفتها الجنائية بمجرد النطق
بها.
في مصر:
في قانون المرافعات القديم وقانون تحقيق الجنايات الملغى:
4 - أما في مصر فكان قانون المرافعات القديم الصادر في 14 يونيه سنة 1882 المعدل
بالديكريتو 31 أغسطس سنة 1892 ينص في المادة (28) منه على أنه (يحكم قاضي المواد
الجزئية بمواجهة الأخصام في المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات
الواجبة التنفيذ بشرط ألا يتعرض في حكمه لتفسير تلك الأحكام، ويحكم أيضًا في
الأمور المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت بحيث لا يكون لحكمه تأثير في أصل
الدعوى).
وكانت المادة (386) من قانون المرافعات القديم تنص على أنه (إذا حصل إشكال في
التنفيذ فيما يكون متعلقًا بالإجراءات الوقتية يرفع أمره إلى محكمة المواد الجزئية
الكائن بدائرتها محل التنفيذ وما يكون متعلقًا بأصل الدعوى يرفع أمره إلى المحكمة
التي أصدرت الحكم).
أما قانون تحقيق الجنايات الملغى فلم يرد فيه أي نص بشأن الإشكالات في تنفيذ
الأحكام الجنائية وإنما ورد في قانون تحقيق الجنايات المختلط نص المادة (330) منه
وهي تقضي بأن (كل إشكال في التنفيذ وكل نزاع بين النيابة والمتهم يُرفع إلى
المحكمة التي أصدرت الحكم).
في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية:
5 - وقضت المادة (347) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بأن الإشكالات في التنفيذ
التي تُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو التي بدائرتها محل التنفيذ هي التي
يثار فيها نزاع في مسائل تتعلق بالأحوال الشخصية ونصت المادة (351) على أنه (إذا
حصل إشكال في التنفيذ فبعد اتخاذ الإجراءات التحفظية إذا اقتضى الحال ذلك يرفع ما
كان منه متعلقًا بالإجراءات الوقتية إلى المحكمة الجزئية الكائن بدائرتها محل
التنفيذ وما يكون متعلقًا بأصل الدعوى يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم).
وتطبيقًا لذلك حكم بأن (تختص جهات الأحوال الشخصية بكل ما يمس شخص الإنسان ولا
يتعدى ماله، إلا أنه من الأحوال الشخصية ما يستلزم الالتزام المالي كالنفقة والمهر
وما إليهما فيختص بالفصل فيها جهات الأحوال الشخصية اختصاصًا محدودًا في أمور
معينة تحدوه فكرة واحدة لا تخرج عنه لذلك يكون للمحاكم المدنية سلطة الإشراف على
أحكام جهات الأحوال الشخصية لترقب صدورها في حدود اختصاصها وقد نصت لائحة ترتيب
المحاكم الشرعية على أن الإشكال لا يُرفع إلى المحكمة الشرعية إلا إذا تعلق بمسألة
شرعية ومحصل ذلك أنه إذا أثار تنفيذ الحكم نزاعًا مدنيًا فتختص به المحكمة المدنية
(حكم مستعجل مصر 16 مارس سنة 1933 مجلة المحاماة س 14 ع 1 صـ 41) [(1)].
وقضت محكمة النقض بأنه (لما كانت المادتان (15) و(16) من لائحة ترتيب المحاكم
الأهلية (الملغاة) الأولى منهما تمنع هذه المحاكم من نظر أية دعوى لا تكون بذاتها
من اختصاصها والثانية تحظر عليها الفصل في مسائل الأحوال الشخصية وتأويل الأحكام
الصادرة فيها من الجهات المعهود إليها بنظرها وكان حكم الطاعة الذي قضى الحكم
المطعون فيه بإيقاف تنفيذه صادرًا من المحكمة الشرعية في مسألة هي بلا جدال من
صميم الأحوال الشخصية وكان الحكم المذكور لا يمس حقًا ماليًا ولا يحتمل تنفيذًا
على المال مما ينتفي معه اختصاص المحاكم بنظر أي نزاع يقدم بشأنه، لما كان ذلك
كذلك كان الحكم المطعون فيه باطلاً لتجاوز المحكمة التي أصدرته حدود ولايتها
فيتعين نقضه والحكم بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى (راجع نقض 2 مارس سنة 1949
مجموعة رسمية ع 3 و4 س 51 صـ 9 وكان الحكم المطعون فيه بإيقاف تنفيذ حكم الطاعة).
رأي الفقه والقضاء:
6 - وفي ظل هذه النصوص السالفة رأى جمهور الفقهاء أن المسائل الجنائية كالمسائل
الشرعية تخضع لقاعدة عامة تحكم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة وهي أنه لا يختص إلا
إذا كان موضوع الحق بين الطرفين من اختصاص المحكمة المدنية التي هو فرع منها
ويتحدد اختصاصه باختصاصها، أما إذا كان مثار النزاع في الإشكال مسألة تمس الموضوع
الذي فصل فيه الحكم وتخرج عن تطبيق القانون المدني فلا يختص القاضي المستعجل بنظر
الإشكال، أما إذا كان التنفيذ قد لحق المال وأثار نزاعًا في نفاذ الالتزام ولزومه
لسبب من أسباب انقضاء الالتزامات أو ادعى الغير حقًا على المال موضوع التنفيذ أو
غير ذلك من المنازعات التي تحكمها قواعد القانون المدني ففي هذه الأحوال جميعًا
يختص القاضي المستعجل بنظر الإشكال في التنفيذ كما تختص المحكمة المدنية بنظر
النزاع موضوعًا
(مؤلف قاضي الأمور المستعجلة للأستاذ محمد علي رشدي
صـ 603).
7 - وإذا كان المشرع قد أوضح فكرته في الاختصاص في إشكالات التنفيذ في لائحة ترتيب
المحاكم الشرعية فإذا لم يورد نصًا يرتب قاعدة الاختصاص في قانون تحقيق الجنايات
القديم إلا أن ذلك لا يعني أن المشرع أراد أن يخرج عن القاعدة التي أوضحها بل يعني
أنه أغفل تطبيقًا لها لا تدعو إلى تكراره حاجة ولعل السبب في ذلك أنه لا يتصور
حالات كثيرة يحتمل فيها الإشكال في العقوبة بوجهي الإشكال السريع والموضوعي كما في
القانون المدني فإذا استشكل في تنفيذ حكم جنائي فإنما يقصد عدم تنفيذه على
المستشكل فإذا أوقف التنفيذ فلا يكون ثمة موضوع بين المستشكل والنيابة وإذا أرادت
النيابة التنفيذ فإنما بدعوى عمومية يصدر فيها حكم جديد يختلف عن الحكم الأول
المستشكل فيه.
ومؤدى رأى الجمهور [(2)] أن المحكمة الجنائية التي أصدرت الحكم هي التي تختص بنظر
الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية ولا يختص بها قاضي الأمور المستعجلة لأن
موضوع الإشكال لا تختص به المحكمة المدنية أما إذا كانت المحكمة المدنية تختص
بموضوع الإشكال لسريان قواعد القانون المدني عليه فيختص قاضي الأمور المستعجلة
بنظر الإشكال بوجهه السريع وقد حكم بهذا المبدأ قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر
في 26 يوليه سنة 1933 (محاماة س 14 صـ 46 ع 1).
8 - وقد قضت محكمة مصر الكلية في حكمها الصادر في 4 أكتوبر سنة 1943 المنشور بمجلة
المجموعة الرسمية س 44 صـ 215 بعدم اختصاص القضاء المستعجل بنظر الإشكالات في
تنفيذ الأحكام الجنائية وقررت قاعدة هامة هي أن (القضاء المستعجل نظام مدني أقامه
قانون المرافعات المدنية والتجارية بمقتضى المادتين (28) و(386) منه فبديهي أن
يكون بالنسبة للأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية والتجارية فقط لا في الدعاوى
الجنائية التي نظمت إجراءاتها بقوانين أخرى، وليس من المعقول أن الشارع وهو يضع
نصوص قانون المرافعات كان يفكر في المسائل الجنائية حتى يقال إنه شرع لها أيضًا في
المادتين (28) و(386) ما دام لم يصف الأحكام التي تكلم عنها بأنها الأحكام المدنية
والتجارية وإلا على هذا القياس يمكن القول بأن جميع النصوص التي ذكرت الأحكام دون
وصف لها تتناول الأحكام كلها من مدنية وجنائية وغيرها وهذا القول لا يمكن الأخذ به
على إطلاقه لأن من المقرر أن العمل بأحكام المرافعات لا يكون إلا في المبادئ
العامة التي تقتضيها العدالة ولم يرتب لها القانون الجنائي حكمًا خاصًا وليس
اختصاص القضاء المستعجل من المبادئ العامة بل هو على النقيض من هذا استثناءً من
القاعدة العامة القائلة بأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع فلو لم ينص قانون المرافعات
صراحةً على اختصاص القاضي الجزئي بنظر إشكالات التنفيذ الوقتية لكان نظرها من
اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم تطبيقًا للقاعدة العامة المذكورة ولقاعدة أخرى هي
أن تنفيذ الحكم يعتبر من ملحقات الدعوى الأصلية التي صدر فيها.
وقد قُضي بأن البحث في جواز تنفيذ حكم الغلق على غير المحكوم عليه إذا كان شاغلاً
للمحل المحكوم بغلقه هو بحث في شخصية العقوبة التي قضى بها الحكم وهي قاعدة من
قواعد العقوبات لا تخضع لأحكام القانون المدني فلا يختص قاضي الأمور المستعجلة
بنظر هذا الإشكال (حكم قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر في 30 إبريل سنة 1933
محاماة س 14 ع 9 صـ 643).
رأي عكسي:
9 - على أنه وجد في الفقه والقضاء رأي آخر يذهب إلى أن قاضي الأمور المستعجلة يختص
بالنظر في الإشكالات في الأحكام الجنائية لأمرين:
أولهما: عموم نص المادتين (28) و(386) مرافعات (قديم) فيختص قاضي الأمور المستعجلة
بإيقاف تنفيذ العقوبة المالية كالرد والمصادرة والإزالة والغلق لأن تنفيذها قد يمس
حقوق الغير المالية. والقول باختصاص القاضي الجنائي وحده بنظر إشكالات تنفيذ
الأحكام الجنائية يتعارض مع عموم نص هاتين المادتين.
ثانيهما: سرعة القضاء المستعجل لوجود خطر في إشكال تنفيذ حكم الغلق أو ما شاكله
وهو ما يستدعي سرعة الفصل في الإشكالات الأمر الذي لا يتوافر في القضاء العادي.
ويذهب هذا الرأي على ذلك إلى أنه لا يجوز للقاضي المستعجل بحث صحة أو بطلان الحكم
الجنائي أو تفسير ما ورد فيه غامضًا من عبارات وإنما يكون له بحث مدى تأثير الحكم
الجنائي على حقوق المستشكل المالية إذا كان من الغير (قضاء الأمور المستعجلة
للأستاذ محمد علي راتب صـ 644).
أحكام القضاء:
10 - وقد وجد بين أحكام المحاكم بعض الأحكام التي اتجهت إلى الأخذ بهذا الرأي فقضت
محكمة إسكندرية الكلية برئاسة القاضي مصطفى مرعي في حكمها الصادر في 13 إبريل سنة
1933 المنشور بمجلة المحاماة س 13 صـ 1034 تحت رقم 511 بأن (الإشكالات التي تعترض
تنفيذ الأحكام الجنائية القاضية بعقوبة مالية مثل الرد والمصادرة والإزالة والغلق
والهدم تدخل في اختصاص قاضي المواد المستعجلة الذي يقع التنفيذ في دائرته لأن
المحاكم الجنائية لا تقضي في الأموال إلا إذا اتصل قضاؤها بالدعوى العمومية ولأن
الأحكام الصادرة بعقوبة مالية تفقد صفتها الجنائية بمجرد صدور الحكم بها).
وقضى قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر (القاضي محمد علي راتب) في 24 فبراير سنة
1935 المنشور بمجلة المحاماة السنة 15 صـ 411 باختصاص قاضي الأمور المستعجلة طبقًا
لنص المادتين (28) و(386) مرافعات بالإشكالات الحاصلة في التنفيذ حتى ولو صدرت من
محكمة جنائية متى كان التنفيذ حاصلاً عن عقوبات مالية تمس حقوق الغير كالغلق
والمصادرة والإزالة والقول بغير ذلك واختصاص القاضي الجنائي بنظر مثل هذه
الإشكالات يتعارض مع نصوص المادتين المذكورتين اللتين قررتا مبدأ عامًا وأصولاً
وضوابط لم يرد في قانون تحقيق الجنايات ما يخالفها.
وحكمت محكمة الاستئناف المختلطة باختصاص القضاء المستعجل في الفصل في إشكال
التنفيذ الحاصل من أحد الملاك على الشيوع في منزل في تنفيذ حكم صادر من محكمة
المخالفات في مواجهة أحد الشركاء بإزالة جزء من مباني المنزل (الغازيت المختلطة
عدد 34 رقم 285).
الرد على هذا الرأي:
11 - ويرد على هذا الرأي بالأمور الآتية:
أولاً: إن نص المادتين (28) و(386) من قانون المرافعات المدنية (القديم) خاص
بالأحكام المدنية والتجارية ولا يسري على الأحكام الجنائية التي نظمت إجراءاتها
لقوانين أخرى.
ثانيًا: أما حجة سرعة فصل القضاء المستعجل فهي حجة ضعيفة لأن الإجراءات الجنائية
بطبيعتها أسرع من الإجراءات المدنية وليس هناك خطر على الأفراد بل الخطر من عدم
الفصل سريعًا في الإشكال في الأحكام الجنائية إنما هو على النيابة. ويمكن للنيابة
العامة وهي التي تقوم بالتنفيذ أن تحدد أقرب جلسة لنظر الإشكال في التنفيذ.
ثالثًا: إن عقوبة الإغلاق أو المصادرة عقوبة تكميلية عندما يُقضى بها مع الغرامة
فالحكم بها لا يمكن اعتباره من قبيل الفصل في حقوق مدنية ولا تفقد العقوبة
التكميلية بعد الحكم صفتها كعقوبة.
رابعًا: أصحاب هذا الرأي يتناقضون فإنهم يسلمون بقاعدة أن قاضي الأمور المستعجلة
فرع من المحكمة التابع لها يتقيد في اختصاصه بالحكم في الإجراءات الوقتية بنفس
القيود والأوضاع التي تحد من اختصاصها سواء ما بُني على الفصل بين السلطات
الإدارية والقضائية أو ما أسس على اختلاف درجات القضاء أو أنواعه [(3)] (راجع حكم
مصر الكلية 4/ 10/ 1943 مجموعة رسمية س 44).
خامسًا: ولا يمكن القول بأن اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالإشكال في العقوبة
المالية كالرد أو المصادرة أو الإزالة أو الإغلاق لمساسها بحقوق الغير المالية
ولأن المحاكم المدنية هي صاحبة الولاية العامة على المال وليس للمحاكم الجنائية أن
تمس الأموال بأحكامها فإن هذا القول ظاهر البطلان ولا سند له في القانون.
في نصوص قانون الإجراءات الجنائية:
12 - هذا ما كان عليه الفقه والقضاء قبل صدور قانون الإجراءات الجنائية الجديد
وكان الرأي الراجح هو عدم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة (كقاعدة عامة) في نظر
الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية، وكان مثار هذا الخلاف هو خلو قانون تحقيق
الجنايات من نصوص تبين الجهة المختصة في نظر هذه الإشكالات.
ولكن قانون الإجراءات الجنائية الجديد قد تضمن نصوص المواد (524) و(525) و(526)
و(527) بينة الإجراءات في حالة الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية.
فقضت المادة (524) منه بأن (كل إشكال من المحكوم عليه في التنفيذ يُرفع إلى
المحكمة التي أصدرت الحكم ومع ذلك إذا كان النزاع خاصًا بتنفيذ حكم صادر من محكمة
الجنايات يُرفع إلى غرفة الاتهام بالمحكمة الابتدائية).
ونصت المادة (525) على أنه (يقدم النزاع إلى المحكمة بواسطة النيابة العامة على
وجه السرعة ويعلن ذوو الشأن بالجلسة التي تحدد لنظره وتفصل المحكمة فيه في غرفة
المشورة بعد سماع النيابة العامة وذوي الشأن، وللمحكمة أن تجري التحقيقات التي ترى
لزومها ولها في كل الأحوال أن تأمر بوقف التنفيذ حتى يفصل في النزاع وللنيابة العامة
عند الاقتضاء وقبل تقديم النزاع إلى المحكمة أن توقف تنفيذ الحكم مؤقتًا).
وجاء بالمادة (526) منه أنه (إذا حصل نزاع في شخصية المحكوم عليه يفصل في ذلك
النزاع بالكيفية والأوضاع المقررة في المادتين السابقتين).
ثم نصت المادة (527) على أنه (في حالة تنفيذ الأحكام المالية على أموال المحكوم
عليه إذا قام نزاع من غير المتهم بشأن الأموال المطلوب التنفيذ عليها يرفع الأمر
إلى المحكمة المدنية طبقًا لما هو مقرر في قانون المرافعات.
13 - وقد حسم المشرع بهذه النصوص ذلك الخلاف الذي كان قائمًا في عهد قانون تحقيق
الجنايات بشأن الجهة المختصة بالفصل في النزاع الذي يقع بين النيابة والمحكوم
عليهم وغيرهم بشأن تنفيذ الأحكام الجنائية.
وجاء في المذكرة الإيضاحية وتقرير مجلس الشيوخ عن هذه النصوص أن كل إشكال في
التنفيذ يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المتعلق به هذا الإشكال، أما إذا كان
التنفيذ يجري على أموال المحكوم عليه على مقتضى قانون المرافعات في المواد المدنية
والتجارية فيتبع بشأن ما يحصل فيه من إشكال أو نزاع ما هو مقرر في القانون
المذكور، وظاهر أن تنفيذ الأحكام المالية بطريق الحجز على أموال المحكوم عليه يكون
أما بالطرق المقررة في قانون المرافعات أو بالطرق الإدارية المقررة لتحصيل الأموال
الأميرية وفي الحالتين إذا قام نزاع من غير المتهم بشأن الأموال المطلوب الحجز
عليها كأن ادعى ملكيتها فيرفع هذا الإشكال إلى المحكمة المدنية طبقًا لما هو مقرر
في قانون المرافعات، أما إذا كان الإشكال يتعلق بالحكم نفسه من حيث مضمونه أو من
حيث قابليته للتنفيذ فإنه يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو المحكمة
الابتدائية حسب الأحوال.
14 - ومؤدى هذه النصوص والمذكرة الإيضاحية أن إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية
تختص بها كقاعدة عامة المحكمة التي أصدرت الحكم وهي المحكمة الجنائية ما لم يكن
الحكم المستشكل فيه حكمًا ماليًا أي بالغرامة أو بالتعويض ويكون التنفيذ به على
مقتضى قانون المرافعات أي بطريق الحجز أو بالطرق الإدارية لتحصيل الأموال الأميرية
فيرفع الإشكال في هذه الحالة إلى المحكمة المدنية.
15 - ولا يدخل في عبارة الأحكام المالية الواردة في المادة (527) إجراءات
التعويضات التكميلية كالهدم والغلق والمصادرة والإزالة إذ هذه العقوبات شخصية
وليست لها صفة (المالية) كالغرامة ولأنها لا يمكن أن تكون محلاً للتنفيذ بالطريق
المدني أو الإداري.
وعلى ذلك فلا تشمل المادة (527) حالة التنفيذ بالعقوبة التكميلية بغير طريق
التنفيذ المدني بل بطريق التنفيذ الجنائي للعقوبة.
16 - وإذا كان تنفيذ حكم الغرامة بالطريق الجنائي كالإكراه البدني فلا يجوز
الاستشكال فيه أمام القضاء المدني المستعجل بل يكون الإشكال فيه أمام المحكمة التي
أصدرت الحكم.
وقد نص في المادة (526) من قانون الإجراءات على أنه (إذا حصل نزاع في شخصية
المحكوم عليه يفصل في ذلك النزاع بالكيفية والأوضاع المقررة في المادتين السابقتين
وهي (م (524) و(525)) أي تنظره المحكمة التي أصدرت الحكم) مع أن هذا الإشكال يكون
مرفوعًا من غير المحكوم عليه الأمر الذي يؤكد ما وضح في المذكرة الإيضاحية من أن
المادة (527) خاصة بحالة الإشكال المرفوع من غير المحكوم عليه عن حكم جنائي مالي -
بالغرامة أو بالتعويض - ويكون التنفيذ به بالطريق المدني أو الإداري وليس بالطرق
الجنائية.
17 - ويرى الدكتور علي زكي العرابي أنه لا فرق بين عقوبة الغرامة والمصادرة وبين
باقي العقوبات المقيدة للحرية لأنها كلها وإن اختلفت أشكالها عقوبات جنائية وضعت
لغرض واحد وهو تأديب الجاني ولا تصدر إلا من محكمة واحدة وهي المحكمة الجنائية
وعقوبة الغرامة لا تسقط إلا بالمادة المسقطة للعقوبات لا بالمادة المقررة للديون
وتنفذ بالإكراه فالصفة الجنائية ملازمة لها في كل أدوارها ولا يفهم القول بأن
الحكم يكون بمثابة حكم مدني ولذلك يرى أن الإشكال في تنفيذها يجب أن يُرفع للمحكمة
الجنائية شأن الإشكال في تنفيذ أية عقوبة أخرى خصوصًا وأن نص المادة (524) لم يجز
بين نوع وآخر من العقوبات.
18 - أما صاحب الرأي العكسي الأستاذ محمد علي راتب فقد رأى أن مؤدى نصوص قانون
الإجراءات الجنائية أنه إذا كان الإشكال من المحكوم عليه تختص المحكمة التي أصدرت
الحكم الجنائي وحدها فتنظر الإشكال في العقوبات المالية والبدنية، أما إذا كان
الإشكال من الغير في تنفيذ الأحكام المالية على أموال المحكوم عليه فيختص قاضي
الأمور المستعجلة وإن كانت المادة (527) قد ذكرت عبارة المحكمة المدنية فإن قاضي
الأمور المستعجلة فرع منها وفق المادة (49) من قانون المرافعات (كتاب قاضي الأمور
المستعجلة لراتب صـ 647 طبعة 1952) ولم يفسر الأستاذ راتب عبارة الأحكام المالية
الواردة بالمادة (527) إجراءات ولم يوضع هذا النص وفق المذكرة الإيضاحية والأعمال
التحضيرية.
19 - وقد قضت محكمة النقض أخيرًا في دائرتها الجنائية بتاريخ 9 مارس سنة 1953 في
القضية رقم (1341) سنة 22 قضائية في طعن رفع عن حكم صادر من المحكمة الجنائية برفض
الإشكال المرفوع في تنفيذ حكم غلق من الغير فقالت (إذا كان الحكم المطعون فيه
الصادر برفض الإشكال في تنفيذ حكم بإغلاق محل قد أثبت أن رخصة المحل التي يستشكل
الطاعن في الحكم الصادر بإغلاقه ليست باسم المستشكل وإنما هي باسم الذي حرر ضده
محضر المخالفة وصدر عليه الحكم بالغرامة والإغلاق فإن إجراءات المخالفة تكون صحيحة
ولا يكون للطاعن صفة في رفع هذا الإشكال ويكون قضاء الحكم المطعون فيه برفضه قضاءً
سليمًا) (راجع مجموعة الأحكام الجزء الرابع الدائرة الجنائية صـ 597).
ويُستفاد من هذا الحكم بجلاء:
أولاً: إن المحكمة الجنائية التي أصدرت الحكم الجنائي بالغلق هي المختصة بنظر
الإشكال مع رفعه من الغير، ولو كانت المحكمة غير مختصة لنقضت محكمة النقض الحكم
لأن هذا الاختصاص من النظام العام.
ثانيًا: إن نظر الإشكال في تنفيذ حكم الغلق يمس إجراءات المخالفة والمحاكمة
الجنائية فتختص به المحكمة التي أصدرت الحكم.
20 - وقضت محكمة أسيوط الابتدائية (الدائرة المستعجلة) بأن (قاضي الأمور المستعجلة
غير مختص بنظر الإشكالات عن إيقاف أحكام الإزالة وبديهي أن المادة (479/ 1)
مرافعات تسري في المواد المدنية والتجارية فقط لا في الدعاوى الجنائية التي نظمتها
إجراءات بقوانين أخرى).
(صدر هذا الحكم في القضية رقم 894 سنة 1950).
21 - ولا يمكن القول بأن العقوبات التكميلية شخصية بمعنى أنه لا يمكن التنفيذ بها
في مواجهة الغير إذ قضت محكمة النقض في 20/ 11/ 1950 في القضية رقم (192) سنة 20
قضائية بأن (المبدأ المقرر في القانون الجنائي المعروف بشخصية العقوبة بمعنى عدم
تجاوزها شخص المحكوم عليه وممتلكاته، هذا المبدأ لا يطوي العقوبات التكميلية فإنه
يجرى تنفيذها في مواجهة الغير متى كان موضوع الدعوى ماسًا بالأمن أو النظام العام
أو مصلحة المجتمع أو يكون للعقوبة التكميلية هنا صفة عينية لا شخصية فهي تدبير وقائي
ضد شخص معين).
22 - على أن البحث في إشكال تنفيذ حكم الغلق مثلاً ولو كان من الغير يتصل بأصل
الحق أي بموضوع المحاكمة وهو ما يمنع قاضي الأمور المستعجلة عن الفصل فيه، فإذا ما
أصر قاضي الأمور المستعجلة على اختصاصه بنظر الإشكال في تنفيذ حكم جنائي بالغلق
فإنه لا يلبث أن يقضي برفض الإشكال موضوعًا لأنه يجره البحث إلى التعرض لأصل الحق
وكان الأولى به أن يقضي بعدم اختصاصه.
مثال ذلك: قُضي بأن (تنفيذ حكم الغلق الصادر وفق القانون (13) سنة 1904 يكون على
نفقة المخالف المحكوم عليه ولكن تنفيذه يكون في الوقت نفسه على المحل موضوع
المخالفة ولو كان مستعمله وقت التنفيذ شخصًا آخر خلاف المحكوم عليه يكون قد
استأجره من المالك أو انتفع به بإذنه وعلى المالك أن يسوي شؤونه مع هذا المستأجر
أو مستعمل المحل طبقًا لما هو منصوص عليه في المادة ( من اللائحة المرفقة بالقانون المذكور وعلى ذلك لا يقبل من هذا
المستأجر أو المنتفع الاستشكال في تنفيذ الغلق على المحل بحجة أنه شخص آخر غير
المحكوم عليه) (قاضي مستعجل مصر 11 نوفمبر سنة 1935 محاماة س 16 ع 5 صـ 530) أليس
هذا تعرض لأصل الحق وإجراءات المحاكمة.
مثال آخر: وهذا ما قضت به محكمة بني سويف الجزئية في قضية الإشكال رقم (596) سنة
1954 مدني بني سويف في 13 مارس سنة 1954 في إشكال مرفوع من الغير عن حكم غلق فبعد
أن حكمت باختصاصها بنظره على أساس أن أحكام الغلق في رأيها تدخل ضمن عبارة
(الأحكام المالية) الواردة بالمادة (527) من قانون الإجراءات قضت برفض الإشكال
موضوعًا على أساس عدم جدية استئجار المستشكل للمحل المراد غلقه وعدم ثبوت تاريخ
عقد الإيجار. ومع أن هذا الحكم معيب فما ذهب إليه من أن عبارة الأحكام المالية
الواردة في المادة (527) إجراءات تشمل أحكام الغلق والمصادرة والإزالة مع أن
المقصود بها أحكام الغرامة أو أحكام التعويض المدني الصادرة من المحاكم الجنائية
ويكون تنفيذها بالطريق المدني أو الإداري دون الطرق الجنائية للتنفيذ - مع ذلك ألا
يعد تعرض المحكمة لبحث حق المستشكل في إلغاء الغلق من عدمه مساس بموضوع المحاكمة
التي صدر فيها حكم الغلق الأمر الذي كان يستوجب من المحكمة أن تقضي بعدم اختصاصها
لمساس الإشكال بموضوع الحق.