الدكتور
رياض عبد عيسى الزهيري



أستاذ
في القانون العام










أن
جميع هيئات الدولة تحكمها قواعد الاختصاص ، ويتولى الدستور أو القانون والنظام
تحديد هذا الأختصاص ،وبناء على هذه القواعد يجب على كل هيئة من تلك الهيئات
الألتزام بنطاق الاختصاصات المحددة لها قانونا.وتبعا لذلك فأن القرارات الادارية
لكي تكون صحيحة ومشروعة يجب أن تصدر عن الهيئات الادارية التي تختص بها ، فأذا صدر
قرار اداري من هيئة أو عضو اداري لايملك سلطة أصداره فأن ذلك يؤدي الى عدم مشروعية
هذا القرار ويصبح مشوبا بعيب عدم الأختصاص الذي يجعله قابلا للطعن فيه بالألغاء أمام
الجهة القضائية المختصة .






أن
الفقه الاداري يميّز بين نوعين من عدم الأختصاص ، وهما عدم الأختصاص ألجسيم وعدم
ألأختصاص البسيط . لهذا نتطرق الى أحكام هذين النوعين بعد بيان الأحكام العامة
لعيب عدم الأختصاص.



البند الاول


الاحكام العامة لعيب
عدم الأختصاص









يوجد شبه أجماع فقهي وقضائي على تحديد مفهوم
عيب عدم الأختصاص، وأستنادا الى هذا
الأجماع يمكن تعريف هذا العيب بأنه (( عدم قدرة سلطة أدارية معيّنة على ممارسة عمل
قانوني أو مادي محدد جعله المشرع من أختصاص سلطة أخرى ))"2".



أن عيب عدم الأختصاص يمكن أن يكون في صورتين
أو شكلين:



شكل عدم الأختصاص
الأيجابي



وشكل عدم الأختصاص
السلبي



حيث يتمثل عدم
الاختصاص الايجابي عندما تصدر سلطة ادارية عملا اداريا يدخل في اختصاص سلطة اخرى،
أما عدم الأختصاص السلبي فهو يقع في حالة رفض سلطة ادارية ما أصدار قرار اداري
معيّن أعتقادا منها أنه لايدخل في أختصاصها في حين أنها مختصة به قانونا . أن
الواقع العملي يثبت ان عدم الاختصاص الايجابي هو أكثر وقوعا في الحياة العملية الادارية وأكثر شيوعا من عدم
الأختصاص السلبي. أما من حيث أثرهما في مجال موضوع هذه الدراسة فأنه يتمثل في أن
كليهما ينتجان الأثر نفسه المترتب على عدم الأختصاص الذي يشكل عيبا يمكن الاستناد
اليه في الطعن بألغاء القرار الاداري كما سنرى.




أن الأحكام العامة لهذا العيب تقرر
أرتباط قواعد الاختصاص بالنظام العام ، لذلك فأن القرار الذي يصاب بهذا العيب يعد
بمثابة إخلال بقواعد النظام العام الأمر الذي يترتب عليه عدة نتائج قانونية من
أهمها ، وبالقدر الذي يتعلق بموضوعنا، أن قاضي الالغاءيستطيع من تلقاء نفسه أن
يتدخل لأثارة هذا العيب في أّية مرحلة تكون عليها الدعوى حتى لو لم تؤسس عليه هذه
الدعوى ومن ثم له السلطة في الحكم بألغاء القرار الذي لحقه هذا العيب "3". ومن النتائج الاخرى هي ان قواعد الاستعجال لاتسمح
للأدارة أن تخالف قواعد الأختصاص ماعدا حالات الظروف الاستثنائية "4" ،
فلايجوز للأدارة التي أصدرت القرار الذي
يلحقه عيب عدم الاختصاص أن تحتج بقواعد الأستعجال لتبرير أصدار قرار اداري لاتملك
سلطة أصداره .



وعلى الرغم من أن القواعد العامة تشير الى
ارتباط قواعد الاختصاص بالنظام العام الا ان بعض الفقهاء تسائل بصدد مدى جواز تصحيح
عيب عدم الاختصاص بأجراء لاحق على صدور القرار الاداري ، فأذا صدر هذا القرار من
جهة غير مختصة به قانونا غير انه تم تصحيحه عن طريق أعتماد هذا القرار أو أجازة
أصداره من صاحب الاختصاص ، فهل ينقلب القرار غير المشروع الى قرار مشروع ؟.



أن الأجابة على هذا التساؤل أختلفت لدى
الفقهاء الاداري ، كما ان التطبيقات القضائية في هذا المجال مرتبكة ومتناقضة ، حيث
يذهب بعض الفقهاء وهذه التطبيقات الى ان القرار الذي لحقه عيب عدم الاختصاص يصبح باطلا
بطلانا مطلقا لتعلق الأمر بالنظام العام ، غير أن أراء أخرى لبعض الفقهاء تسندهم بعض
تطبيقات القضاء الاداري ترى بأن القرار الاداري المعيب بهذا العيب يجوز تصحيحه
واعتماده من صاحب الاختصاص وبالتالي تزول عنه صفة عدم المشروعية ويصبح قرارا صحيحا
"5".



ومن وجهة نظرنا نجد ان الأراء الفقهية والتطبيقات
القضائية الأولى أكثر أنسجاما مع طبيعة قواعد الاختصاص التي تعتبر من قبيل النظام
العام ، لذلك لايجوز تصحيح القرار المصاب بعيب عدم الاختصاص سواء عن طريق أجازته
أو أعتماده من صاحب الاختصاص. أن ماينسجم مع طبيعة قواعد الاختصاص ليس أجازة أو
تصحيح القرار الاداري الباطل بطلانا مطلقا بسبب هذا العيب وانما يجب أصدار قرار
جديد من قبل صاحب الاختصاص لسحب هذا القرار الباطل ، وكذلك الأمر في الحالات التي
يصدر فيها تشريع جديد لاحق يجعل العضو غير المختص بأصدار القرار مختصا به بعد
صدوره فأن مثل هذا التعديل لايصحح بطلان القرار الذي سبق هذا التعديل الا اذا نص
فيه على سريان هذا التعديل بأثر رجعي.






البند الثاني


أنواع عيب عدم
الاختصاص









سبقت الاشارة الى ان عيب عدم الاختصاص
يمكن أن يكون جسيما كما يمكن أن يكون بسيطا ، وقد درج الفقه الاداري على هذا
التقسيم ، لذلك نحاول دراسة هذين النوعين من هذا العيب واثارهما كمايلي:






أولا- عيب عدم الأختصاص الجسيم:



يختلف عيب عدم الاختصاص الجسيم عن عيب عدم الاختصاص البسيط من حيث الأثر
القانوني المترتب على كل منهما بحسب أحكام القضاء الاداري في دول النظام المزدوج،
حيث أن القرار الذي يصاب بعيب عدم الاختصاص الجسيم يحكم بأنعدامه ومن ثم تجريده من
أي أثر قانوني وتحوله الى عمل مادي ، أما القرار الذي يصاب بعيب عدم الاختصاص
البسيط فأنه يبقى تصرفا قانونيا غير
ان هذا
التصرف يحكم بألغائه بسبب هذا العيب . سنحاول التعقيب على هذه المسألة بعد
دراسة حالات كل منهما . أن الفقه الاداري
يرى بأن عدم الاختصاص الجسيم يتمثل في حالتين :



الحالة الاولى:


وتتمثل في صدور القرار الاداري
من شخص عادي لايملك سلطة أدارية، فمتى قام أحد الأشخاص العاديين الذين لايتمتعون
بصفة الموظف العام بممارسة أختصاص مقرر لسلطة ادارية فأن القرار الصادر عنه يعتبر
معيبا بعيب عدم الأختصاص الجسيم، الأمر الذي يجعله معدوما من أيّة قيمة قانونية
ومن ثم لايتوّلد عنه أي أثر قانوني"6" . غير ان القضاء الاداري قد خفف من هذه النتيجة
بأعترافه بنظرية الموظف الفعلي ، هذه النظرية التي تأخذ بمظاهر الفرد الذي أصدر
القرار الاداري، اذ قد يظهر هذا الفرد بمظاهر الموظف العام ويقوم بأعمال يحترمها
المواطنين ،لذلك أعتبر القضاء الاداري أعمال مثل هذا الفرد أعمالا أدارية بالنسبة
للأشخاص الذين تظهر فيهم حسن النيّة"7". واذا كانت هذه النظرية من صنع
القضاء المذكور فأن تطبيقها في الجزائر يقرره المشرع على وجه الأستثناء وذلك في كل
حالة على حدة كما هو الحال في قانون البلدية لسنة
1967 حيث اعتبر كل شخص يتدخل بدون اذن قانوني في ادارة اموال البلدية
محاسبا بلديا طبقا للمادتين 280 و281 من هذا القانون .



ومن جانبنا نعارض الفقه الذي يصنف هذه الحالة
الاولى من حالات عدم الاختصاص الجسيم أذا
ما أستثنينا حالة الموظف الفعلي،لأن القول بأن القرار الذي يصدره شخص عادي
لايملك سلطة أدارية هو قرار لحقه عيب عدم الاختصاص الجسيم الذي يجعل أثره القانوني
معدوما ومن ثم يتحوّل الى عمل مادي هو قول غير صحيح، نظرا الى أن هذا القرار الذي
يصدر عن هذا الشخص لم يكتسب في الاصل مفهوم القرار الاداري الذي يشترط صدوره عن سلطة
أدارية ، لذلك فهو ليس بقرار اداري لحقه مثل هذا العيب فحوّله من عمل قانوني الى
عمل مادي ، وانما هو في الأصل عمل مادي خاطئ يقيم مسئولية القائم به اذا تكاملت
أركانها ، الأمر الذي يجعله خارج نطاق أختصاص قضاء الالغاء لهذا السبب وليس بسبب
عيب عدم الاختصاص الجسيم كما يقول.هذا الفقه"8"






ألحالة الثانية
:




عندما يصدرالقرار من سلطة ادارية يتضمن أعتداء على
أختصاص السلطة التشريعية أو السلطة القضائية ،فأن مثل هذا القرار يعتبره القضاء
الاداري معيبا بعيب عدم الاختصاص الجسيم مما يجعله معدوما في نظر هذا القضاء
وباطلا في نظر التشريع الجزائري، كما لو قامت الولاية بأصدار قرار اداري يتضمن
تعديلا لطريقة وأسلوب اللجان الولائية للمراقبة اللذين نص عليهما قانون الولاية،
فأن مثل هذا القرار يكون قد تجاوز نطاق أختصاصه وتضمن أعتداء على أختصاص السلطة
التشريعية التي تملك وحدها سلطة تعديل القانون . كذلك الحال اذا اعتدت السلطة
الادارية على أختصاص السلطة القضائية ،كما لو أصدرت احدى الوزارات قرارا اداريا
يتضمن توجيه عقوبة تأديبية الى أحد موظفي الوزارة وتضمن القرار نفسه الزام الموظف
برد المبالغ التي أستولى عليها واستقطاعها
من رواتبه، فأن مثل هذا القرار يكون معيبا بعيب عدم الاختصاص الجسيم لأنه تضمن
اعتداءا على أختصاص السلطة القضائية التي لها وحدها أختصاص الفصل في المنازعات.
وبهذا تقرر الغرفة الادارية بالمحكمة العليا في الجزائر في أحد أحكامها حيث جاء
فيه ( ( ...حيث ان المسمى ...أودع لدى كتابة الضبط يوم 7يناير1969 عريضة موقع
عليها من محام مقبول يطلب فيها ألغاء قرار أصدره رئيس بلدية بيطام يتضمن طرد الطاعن من قطعة أرض ...وحجز مزروعاته
..وحيث أن الطاعن يدعي دعما لطعنه بوجه مأخوذ من تجاوز السلطة ويحتج بحكم من محكمة
باتنة بتاريخ 22/12/1965 يفيد بأن عائلة ...تستغل القطعة الارضية المتنازع عليها
منذ زمن لاتعيه الذاكرة... وحيث أن القرار أتخذ بناء على المادة 237 من قانون
البلدية التي تحدد أختصاصات رئيس البلدية فيما يتعلق بالنظام العام ...ولكن حيث
أنه من المستقر عليه بأنه لايجوز لرئيس البلدية ان يقرر بنفسه العقوبات التي تطبق
على من يخالف قراراته ....وحيث أن القرار المطعون فيه يتضمن حجز مزروعات الطاعن ،
وحيث أن الحجز عقوبة ،لذا فأن القرار مشوب بتجاوز السلطة ..فقرر الغاء القرار
المطعون فيه))"9". وتأكد نفس النهج في حكم هذه الغرفة الصادر في
8/10/1983 حيث جاء فيه (( ...أنه يستخلص من عناصر القضية ولاسيما من القرار
المطعون فيه المؤرخ في 13/12/1981 أن لجنة المنازعات التابعة للمجلس الشعبي البلدي
في برج الكيفان قد فصلت في نزاع قائم بخصوص الملكية بين أحد الملاك الخواص ومستأجر
لأملاك الدولة ....وحيث أنه ليس من سلطات الرئيس والمجلس الشعبي البلدي الحلول محل
الجهة القضائية والبت في قضية من قضايا الملكية أو شغل مكان ما يخص المواطنين أذ
أن دورهما يجب أن لايتعدى تحقيق المصالحة بين الطرفين...وحيث أن القرار المتخذ على
النحو السابق عرضه مشوب بعيب تجاوز السلطة الواضح ويستوجب من اجل ذلك
البطلان...لهذا قضي ببطلان القرار ))"10".وبنفس المعنى جاء حكم الغرفة
في القضية رقم 25247 بتاريخ 11/7/1981 حيث ورد فيه ((...بأن ألمعاينة لاتكفي البتة
في نظر القانون للاستحواذ على مال ومنحه للغير بدون أستصدار حكم قضائي مسبق يضع
حدا لحق المالك المنصب على المتجر المذكور...حيث ينجم عن هذا القول بأن قرار منح
المحل المتنازع عليه للسيد ...مشوب فعلا بتجاوز السلطة ويجب من أجل هذا أبطاله...لهذه
الاسباب يقضي ...بأبطال القرار الولائي)).






ثانيا - عيب عدم
الاختصاص البسيط:




أن عدم الاختصاص البسيط يقع دائما في حدود الاختصاصات المنوطة بأجهزة
السلطة التنفيذية، فأذا تعدى القرار هذه الحدود أصبح عدم ألاختصاص جسيما .فالسلطة
التنفيذية تقوم بتوزيع أختصاصاتها على الهيئات والمصالح والمؤسسات الادارية التي
تتبعها سواء كان ذلك في أطار التنظيم الاداري المركزي أو اللامركزي، لذلك يستوجب
من هذه الجهات الادارية الالتزام بحدود ألأختصاصات المناطة بها قانونا ، فأن هي
خرجت عن هذه الحدود فأن القرارات الصادرة عنها تكون معيبة بعيب عدم الاختصاص
البسيط ومعرضة للالغاء لهذا السبب.



أن صور وحالات هذا العيب
تتمثل بمايأتي:






الحالة الاولى- عدم
ألاختصاص ألمكاني:



أن
المشرع قد يلزم بعض الهيئات الادارية بأن تمارس وتباشر الأختصاصات المقررة لها في
حدود جغرافية معينة كالولاية والبلدية . وبناء على هذا التحديد الاقليمي لأختصاص
الهيئات المذكورة فأن القرارات الأدارية التي تصدر عن هذه الهيئات تعتبر معيبة أذا
تجاوزت أختصاصها المكاني المحدد لها وتصبح عرضة للآلغاء"11": كما لو
أصدرت أحدى البلديات قرارا أداريا يتضمن أتخاذ تدابير حماية النظام العام داخل
حدود هذه البلدية والبلديات المجاورة لها.






الحالة الثانية - عدم
الاختصاص الزماني :



تتمثل هذه الحالة في
صدور قرار اداري من هيئة ادارية أو أحد أعضائها في وقت لم تكن فيه هذه الهيئة وهذا
العضو مختصين بأصداره قانونا . ويحصل ذلك في حالة أصدار قرار اداري من قبل موظف لم
يستلم مهامه الوظيفية بعد أو بعد أنتهاء
رابطته الوظيفية ، كما قد يحصل ذلك عندما تنقضي المدة القانونية المحدد لأصدار
القرار . وبناء على ذلك فأن القرار الاداري الذي يصدر في مثل هذه الأحوال يعتبر
معيبا بعيب عدم الاختصاص الزماني الذي يجعله قابلا للطعن بالألغاء أمام القضاء
المختص "12".









الحالة الثالثة – عدم
الأختصاص الموضوعي :




ويتمثل في الاحوال التي يصدر فيها
قرار أداري من هيئة أدارية ليس لها سلطة أصداره من حيث الموضوع نظرا
لأختصاص هيئات أخرى فيه. ويشير الفقهاء الى بعض صور عدم الأختصاص الموضوعي على النحو
التالي :



(1)- قيام هيئة
أدارية بالأعتداء على أختصاص هيئة أدارية أخرى مساوية لها في المركز القانوني ،
كما لو صدر قرار اداري من وزير الصناعة يتعلق بأختصاص يعود الى وزير المالية .ففي حكم للغرفة
الادارية بالمحكمة العليا في الجزائر تقرر فيه منع وزير الفلاحة والاصلاح الزراعي
من التدخل في أختصاصات وزير المالية المتعلقة بأشراف هذا الأخير على مؤسسات
التأمين التي أحالها له قانون 8 جوان 1963 ومنحه سلطة حل مجلس الادارة فيها "13".



(2)- أعتداء هيئة
ادارية على أختصاص هيئة أدارية أعلى، حيث أنه من المعروف أنه لايجوز للهيئات
الادارية الأدنى أن تمارس أختصاصا يقع ضمن أختصاصات هيئات أدارية أعلى منها الا
أذا وجد نص بذلك أو تفويض بهذا الأختصاص . لذلك إذا وقع مثل هذا التجاوز فأن القرار يكون معيبا من
حيث موضوع الاختصاص بعيب عدم الاختصاص البسيط ، كما لو مارس رئيس المجلس البلدي
أختصاصا يعود الى الوالي أو مباشرة الوالي
لأختصاص يعود الى وزير الداخلية .



كما يدخل في هذه الصورة أعتداء المرؤوسين
على سلطة رؤوسائهم ، كما لو أصدر مدير عام في إحدى الوزارات قرارا إداريا يختص
بموضوعه الوزير أو وكيل الوزارة أو يصدر أحد الوزراء قرارا إداريا يختص بموضوعه
مجلس الوزراء. وقد وجدت هذه الصورة عدة تطبيقات قضائية لدى القضاء الاداري ، ففي
حكم لمجلس الدولة المصري تقرر فيه ((....لايجوز قانونا لأية وزارة تعطيل قرار صادر
من مجلس الوزراء لأنه صاحب السلطة الأدارية العليا في البلاد ولايجوز لأيّة سلطة
أخرى أدنى وبغير تفويض خاص بذلك أن تقف تنفيذ قراراته أو تعطيلها ))"14".




وفي القضاء التونسي تسلك المحكمة الادارية ذات المسلك ،ففي إحدى القضايا
التي يتلخص محتواها في أن المدير العام للأمن الوطني أصدر قرارا إداريا يتضمن
إيقاف أحد موظفي المديرية من العمل لمدة ستة أشهر وحجز مرتبه ونقله خارج المنطقة
لسوء سلوكه وتطاوله على من هو أعلى منه رتبة ،فتقدم هذا الموظف بدعوى إلغاء هذا
القرار مستندا في ذلك الى حرمانه من حق الدفاع عن التهم الموجهة اليه ، غير أن
ألمحكمة لاحظت أن القانون الأساسي لموظفي الأمن الوطني ينص على (( أن المدير العام
للآمن الوطني يمارس السلطة التأديبية الى جانب وزير الداخلية حسب الجدول المبيّن
في الأمر)) (( وحيث يتبيّن من هذا الجدول أن عقوبة الإيقاف عن العمل ترجع بالنظر
لوزير الداخلية عندما تتجاوز مدتها 20 يوما ... وحيث تأكد أن المدير العام تجاوز
صلاحياته عندما إتخذ القرار المطعون فيه وحيث بات من الثابت على ضوء ماوقع بيانه
أن القرار المطعون فيه مشوب بعيب عدم الاختصاص...لهذه الأسباب قررت المحكمة إلغاء
القرار ..))"15".









3- إعتداء هيئة إدارية أعلى على إختصاص هيئة
إدارية أدنى : أذا كان الأصل أن الهيئة الأعلى تملك جميع الأختصاصات إلا أن هنالك
من الأختصاصات التي يخولها القانون مباشرة الى الهيئة الأدنى أو تفّوض إليها بموجب قواعد قانونية أو تنظيمية ، ففي
مثل هذه الأحوال لايجوز للهيئة الأعلى أن تمارس إختصاصا يعود الى الهيئة الأدنى ،
ومن ثم تكون القرارات الادارية التي تتضمن إعتداء هيئة أعلى على إختصاص أدنى معيبة
من حيث الموضوع بعيب عدم الأختصاص وتصبح قابلة للطعن بالألغاء لهذا السبب. ومثالها
قيام السلطة الوصية بأصدار قرار إداري يدخل أصلا في أختصاص الهيئة اللامركزية أو
قيام الرئيس الاداري بأصدار قرار اداري يدخل أصلا في إختصاص المرؤوس."16".



تلك هي حالات وصور عيب عدم الأختصاص البسيط
،فمتى شاب القرار الاداري هذا العيب في إحدى حالاته وصوره المذكورة اعلاه فأن هذا
القرار يصبح محلا للطعن بالألغاء امام الجهة القضائية المختصة.















البند الثالث


أهمية ألتمييز بين عدم الأختصاص الجسيم وعدم الاختصاص
البسيط










يرى الفقه الاداري أن أهمية التمييز بين عدم
الاختصاص الجسيم وعدم الأختصاص البسيط تكمن في الأثر القانوني المترتب على كل
منهما ، حيث يقول هذا الفقه بأن القرار الذي يلحقه عيب عدم الأختصاص الجسيم يكون
قرارا معدوما من أيّة قيمة قانونية ومجردا من أي أثر قانوني ، لذلك فأن مثل هذا
القرار المعدوم يتحوّل الى عمل مادي ولاتسري بشأنه أحكام الألغاء القضائي للقرار
الاداري . ويعزو هذا الفقه فكرة الأنعدام الى جسامة عيب عدم الأختصاص الذي يشكل
إغتصابا للسلطة "17". وقد كانت فكرة الانعدام مقتصرة على تطبيقات القضاء
الاداري الفرنسي والمصري على القرارات الادارية التي تتعدى فيها السلطة التنفيذية على إختصاص
السلطتين التشريعية والقضائية ، إلا أن هذا القضاء أخذ يتوسع في تطبيق فكرة الأنعدام
بحيث أصبحت تشمل كذلك القرارات الادارية التي تتعدى فيها سلطة إدارية على إختصاص
سلطة إدارية أخرى كما لو أصدر وزير المالية قرارا بتعيين موظف في وزارة التربية
والتعليم "18" أو اذا صدر قرار
من سلطة مركزية في أمر من الأمور التي جعلها المشرع من إختصاص الهيئات اللامركزية "19"،
أو صدر القرار من موظف لايملك سلطة إصدار القرارات الادارية أو إذا صدر القرار من
موظف بناء على تفويض باطل أو في مسألة لايجوز فيها التفويض "20".



أما القرار الذي يلحقه عيب عدم
الأختصاص البسيط فأن مثل هذا القرار يبقى تصرفا قانونيا إلا أنه بسبب هذا العيب
يتم إبطاله وإلغائه من قبل قاضي الألغاء ، وقد أصبحت دائرة عدم الإختصاص البسيط
ضيّقة الى حد كبير بسبب توسيع دائرة عدم الإختصاص الجسيم من قبل القضاء الاداري
كما أسلفنا أعلاه.



ومن
جانبنا نرى أن مثل هذا التمييز بين إنعدام القرار الاداري وبطلانه ينطوي على كثير
من التحكم ، فإنعدام القرار أو إبطاله لايترتب عليهما سوى أثر قانوني واحد هو
ألحكم على القرار بالأبطال نتيجة لعدم الإختصاص مهما كانت جسامة هذا العيب، وهو
إبطال لاينتج عنه سوى إعادة الأوضاع الى ماكانت عليه قبل إصدار القرار . أما القول
بأن إنعدام القرار يؤدي الى تحوّل هذا القرار الى عمل مادي ومن ثم سيخرج النزاع
حوله من إختصاص قاضي الإلغاء فأن ذلك سيترك الافراد بغير حماية من تعسف الإدارة
إذا ما حاولت تنفيذ قراراتها الادارية المنعدمة ، كما أن من شأنه إضفاء حماية أكبر
للأفراد أزاء القرارات التي يلحقها عيب يسير ويتركهم بدون حماية أزاء القرارات
التي لحقها عيب جسيم "21". يضاف الى ذلك أن قاضي الإلغاء سيرفض قبول
الدعوى إذا كان موضوعها قرارا إداريا معدوما وذلك على أساس أن مثل هذا القرار هو
عمل مادي لايصلح أن يكون محلا لدعوى الالغاء بينما " من الملائم أن يتقرر
الأنعدام بحكم له حجيّة " ، وهو أمر يقتضي قبول دعوى الإلغاء من قبل هذا
القاضي لا رفضها ، لذلك " جرى العمل في مجلس الدولة الفرنسي على قبول هذه
الدعوى والحكم فيها " "22".



كما أن القضاء الاداري المصري أصبح "
لايحرص في جميع الاحوال على إستخدام مصطلح ألإنعدام " "23" بل أخذ
يحكم بإلغاء القرار الاداري ويرتب نفس النتائج وإن لحقه عيب عدم الإختصاص الجسيم. ومع ذلك يمكن أن نشير
الى ان القضاء الاداري المصري لم يتوقف كليا عن تقرير فكرة الإنعدام في القرارات
الادارية بل أن تطبيقاته العديدة تؤكد على أن إتجاه هذا القضاء يتزايد ويتوسع في
مجال تطبيق فكرة الأنعدام في القرارات الادارية على نقيض التطبيقات الحديثة لمجلس
الدولة الفرنسي التي يلاحظ فيها تقليص إستخدام هذه الفكرة الى حد كبير."24".



وإستنادا الى ماتقدم يمكن القول بأنه إذا
كان القضاء الاداري الفرنسي والمصري لازال يتمسك بفكرة الإنعدام في القرارات
الادارية وتمييزها عن فكرة البطلان في هذه القرارات فأن معرفة النتائج التي يرتبها
هذا القضاء على الانعدام ومقارنتها بالنتائج المترتبة على البطلان سيؤدي الى بيان
أهمية أو عدم أهمية التمييز بين الانعدام والبطلان في هذه القرارات وسيكون ذلك على
الوجه التالي :



1- يرى الفقه الاداري
أن القرار الاداري المنعدم لايلتزم الأفراد
بإحترامه ومن حق أصحاب الشأن أن يتحرروا من واجب الطاعة، المفروض عليهم
تجاه القرارات الادارية، بالنسبة للقرار المنعدم كما لايلتزم الموظفون المنوط بهم
تنفيذه بهذا التنفيذ بل يجب عليهم الإمتناع عن ذلك.



أن هذا الاثر الذي يرتبه الفقه على
القرار المنعدم يشكل خطورة بالغة بالنسبة لمصير القرارات الادارية ، حيث من شأنه
أن يوقف تنفيذ هذه القرارات لمجرد وجود شبهة عدم الأختصاص الجسيم التي يقتضي
المنطق إثباتها بموجب حكم قضائي صادر عن القضاء المختص بدلا من تركها الى تقدير
الفرد الذي له مصلحة في إنعدامها أو تركها الى تقدير الموظف خارج حدود النطاق الذي
ترسمه له السلطة الرئاسية التي يتبعها. وإذا كان المنطق يقتضي صدور حكم قضائي
بإنعدام القرار فأن عدم التزام الأفراد بإحترام هذا القرار وعدم طاعته من جهة وعدم
إلتزام الموظفين بتنفيذه يصبح مؤسسا على هذا الحكم القضائي الذي يقرر الأنعدام،
ومن ثم يصبح الوضع شبيها عندما يقضي القاضي المختص بإبطال القرار الاداري غير
المشروع، فمتى تقرر هذا البطلان فأن الأفراد يصبح لهم كامل الحق في تجاهل القرار
ويمكن ترتيب تصرفاتهم كما لو كان القرار الذي حكم ببطلانه غير موجود، كما ان
الموظف المكلف بتنفيذ القرارات الادارية يستطيع أن يؤسس إمتناعه عن تنفيذ هذا
القرار الباطل على أساس الحكم القضائي الصادر بالأبطال، لذلك لانجد فرقا من حيث
الأثر القانوني المترتب على الحكم القضائي الذي يقضي بإنعدام القرار أو إبطاله.
فالقرار الذي يحكم بإنعدامه او بإبطاله سينقضي أثره من تأريخ صدوره بشكل يعيد
الأوضاع الى ماكانت عليه قبل صدور القرار المنعدم او الباطل.






2- يرى بعض الفقهاء أن القرار المنعدم لايمكن أن
يرتب حقا للفرد ومن ثم يمكن للادارة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب من ذوي الشأن
أن تسحب هذا القرار في أي وقت "25".
وإذا قارنا هذه النتيجة بمايترتب على القرار الذي يحكم بإلغائه أو إبطاله
لعدم مشروعيته ستجد التقارب بينهما واضحا ،حيث أن القرار غير المشروع هو الآخر
لايرتب للفرد حقا وأن الادارة يمكنها سحبه في أي وقت ترتأيه، فالقانون لايمنع بل
يحتم على الادارة أن تسحب قراراتها أذا تأكد لها عدم مشروعيتها سواء من تلقاء
نفسها أو بناء على طلب من ذوي الشأن.






(3)- يرى
الفقه الاداري أن دعوى الألغاء تهدف الى إلغاء القرار الاداري ، و بما أن القرار المنعدم هو عمل مادي فأن المنطق يقول بعدم قبول الدعوى بطلب إلغاء
قرار إداري منعدم ، فالقرار الباطل الذي تقبل بشأنه دعوى الألغاء هو قرار منتج
لأثاره قبل الحكم بإلغائه، ولذا فأن الحكم بهذا الالغاء هو الذي يزيل آثاره منذ
صدوره، أما القرار المنعدم فهو من لحظة صدوره لايرتب أثرا ولذا فأنه لايمكن ان
يكون محلا للطعن بالألغاء . اما الدعوى التي تقبل بشأن القرار المنعدم فهي دعوى
تستهدف إزالة الحالة المادية المترتبة على القرار المنعدم ومن ثم فهي دعوى لاتتمتع
بما تتمتع به دعوى الألغاء من أحكام وإمتيازات "26"




وفي إعتقادنا أن هذا الرأي يخلط بين إنعدام القرار ذاته والحالة المادية
المترتبة على هذا القرار ، فالحالة المادية هي أثر إنعدام القرار وليست هي ذاتها
انعدام القرار، لذلك يقتضي ألمنطق أن يحكم
بأنعدام القرار ذاته إبتداء لنقرر نتيجة الحالة المادية المترتبة على الحكم بهذا
الإنعدام فيمابعد ، وبما أن الحكم بإنعدام القرار يقوم أساسا على البحث عن مدى
وجود المخالفة الجسيمة للقانون في القرار فأن ذلك يقتضي رفع دعوى قضائية لأبطال
هذا القرار إذا توفرت هذه المخالفة فيه إبتداء ومن ثم إستخدام الدعوى المناسبة
لإزالة الحالة المادية التي رتبها هذا القرار المحكوم عليه بالإبطال أو الأنعدام ، وعلى هذا الاساس لانجد
فرقا بين دعوى إلغاء القرار ودعوى إنعدام القرار في هذا المجال.






4- يرى الفقه الاداري أنه أذا دخل القرار المنعدم
في عملية مركبة فأن العملية كلها تعتبر باطلة وذلك على أساس أن البطلان في مثل هذه
الحالات يعتبر من النظام العام الذي يجب على القاضي أن يتصدى له من تلقاء
نفسه"27"






وفي
إعتقادنا أن مثل هذه النتيجة التي يرتبها الفقه على إنعدام القرار لاتختلف عن
الأثر المترتب على القرار الاداري الذي يحكم بإلغائه .فالقرار الذي يحكم بإلغائه
يعتبر قرارا باطلا ومن ثم يصبح كل ما هو مبني على الباطل باطلا ، فأذا كان القرار
الباطل هو أساس العملية المركبة وأن هذه العملية قد تأسست كلها عليه فإن إبطال هذا
القرار سيكون من أثره إبطال كل عمل إنعقد بناء عليه، أما إذا كانت العملية المركبة
لم تؤسس لا على القرار المنعدم او القرار الباطل وأنه ليس من شأن إنعدام القرار أو
إبطاله التأثير على صحة العملية المركبة أو كان له تأثيرا جزئيا فنحن نعتقد بأن
العملية المركبة تبقى صحيحة وتنتج آثارها الا في الجزء الذي يشمله موضوع القرار
المنعدم أو القرار الباطل، لهذا لانجد
إختلافا بين القرار المنعدم والقرار الباطل في هذا الخصوص .






5- يقول الفقه الاداري أن القضاء العادي يستطيع أن
يتصدى لتقدير مشروعية القرارات المنعدمة وليس بحاجة الى إحالة الموضوع الى القضاء
الأداري كما هو الشأن بالنسبة للقرارات الادارية الباطلة"28".



ومن وجهة نظرنا لانرى إختلافا بين إنعدام القرار
وإبطال القرار في هذه النتيجة ، لأن القضاء العادي عندما ينظر في مشروعية القرار
المنعدم فهو ينظر فيها على أساس أنها قضية عرضية في الدعوى الأصلية المتعلقة
بإزالة الحالة المادية المترتبة على هذا القرار المنعدم ، وعندئذ يصبح من حق قاضي
هذه الدعوى الأصلية النظر والفصل في القضايا العرضية الناشئة من هذه الدعوى مالم
يوجد نص صريح بخلاف ذلك أو إذا وجد قاضي الدعوى الأصلية أنه غير مؤهل في الفصل في
القضية العرضية فيوقف الفصل في الدعوى الأصلية لحين البت في القضية العرضية من قبل
القاضي المختص ، وهو ذات الأمر بالنسبة للقرار الباطل، فإذا كان من شأن القرار
الباطل التأثير على نتيجة الحكم في قضية يختص بها القضاء العادي فأن هذا القضاء
قادر بلاشك في التحقق من مشروعية هذا القرار مالم يوجد نص صريح يمنعه من ذلك.
فالتحقق من مشروعية القرار في هذه الحالة قضية عرضية برزت أثناء النظر في دعوى
أصلية يختص بها هذا القضاء ، ومن ثم لايطلب من هذا القضاء وقف الدعوى الأصلية الى
حين البت في هذه القضية العرضية من قبل القضاء الاداري في غياب النص الصريح في هذا
المجال، لأن تقدير مشروعية القرار الاداري الذي يختص به القضاء الاداري هو الذي
يكون محلا للدعوى الأصلية وليس محلا لقضية عرضية داخلة في دعوى أصلية . لهذا لانرى
فرقا في مجال الاختصاص القضائي لتقدير مشروعية القرار المنعدم والقرار الباطل.






بناء على ماتقدم نرى
أن النتائج التي يرتبها الفقه الاداري على إنعدام القرار الاداري لاتختلف كليا عن
النتائج المترتبة على إلغاء القرار الاداري ، لذلك نؤيد توجه التشريع الجزائري
وقضاء الغرفة الادارية بالمحكمة العليا في هذا الخصوص ، فهذا التشريع لم يأخذ بهذا
التمييز وانما نص على جواز إبطال كافة القرارات الادارية التنظيمية والفردية غير
المشروعة طبقا لأحكام المادتين (7، 274 )
من قانون الأجراءات المدنية المعدل بموجب قانون رقم 90-23 المؤرخ في 18/8/1990 .لذلك
فأن كل قرار إداري صادر عن السلطة الادارية
تضمن إعتداء على إختصاص السلطتين التشريعية والقضائية أو تضمن إعتداء على
إختصاص سلطة إدارية أخرى يمكن أن ترفع بشأنه دعوى الألغاء أمام الغرف الادارية
طبقا للمواد الآنفة الذكر. وقد جرى العمل في قضاء الغرفة الادارية بالمحكمة العليا على قبول دعوى الألغاء
في مثل هذه الحالات وأصدرت أحكامها بإبطال القرارات التي يلحقها عيب عدم الاختصاص
سواء كان هذا العيب جسيما أو بسيطا"29".






كما يلاحظ ان القضاء الاداري التونسي هو
الاخر يحكم بإبطال القرار حتى لو تضمن مخالفة جسيمة لقواعد الاختصاص ، ففي حكم
للمحكمة الادارية صدر بتاريخ 28/7/1981 في القضية رقم 594 جاء فيه ((..... حيث انه
بالرجوع الى النص المتقدم يستفاد من سياق عباراته أن الرخصة في الهدم التي يحصل
عليها المالك من وزارة التجهيز هي في الواقع والقصد قرار تمهيدي في الهدم يهدف الى
الحصول على القرار التنفيذي ( النهائي) من السلطة المختصة قانونا وهي التي يمارسها
رئيس البلدية في المناطق الخاضعة لنفوذه بدليل أن المشرع وصفها بالرخصة السابقة
حتى يجنب الخلط بينها وبين الرخصة التنفيذية
التي يصدرها رئيس البلدية بناء على الرخصة السابقة التي يتخذها وزير التجهيز اولا ولايصح القول
كذلك بأن كلا من وزير التجهيز ورئيس البلدية يملكان سوية إصدار تلك الرخص ذلك ان النص لايحتمل مطلقا هذا التأويل ....وحيث ان
قرار الهدم قد صدر إصالة عن وزير التجهيز بوصفه قرارا تنفيذيا وذلك خلافا لمقصد
المشرع المعبر عنه بالفصل الخامس من القانون المؤرخ في 18 فيفري 1976 فيكون القرار
المطعون فيه مشوبا بعيب عدم الاختصاص كما انه يمس جوهر مبدأ إستقلال الهيئات
اللامركزية عن السلطة الادارية المركزية ))."30".















المراجع





1- أن بعض التشريعات التي
تنظم القضاء الأداري في بعض الدول قد حصرت عيوب القرارالتي يترتب عليها الغاءه،
كالمادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972 المتعلق بتنظيم مجلس الدولة المصري
التي تنص على انه (( ويشترط في طلبات الغاء القرارات الادارية النهائية ان يكون
مرجع الطعن عدم الاختصاص او عيبا في الشكل ومخالفة القوانين واللوائح او الخطأ في
تطبيقها أو تأويلها او أساءة أستعمال السلطة ))، ولم يشر هذا النص الى عيب السبب
الذي يمكن ان يكون سببا للطعن بالألغاء كما جرى عليه العمل لدى القضاء الاداري .
انظر محمود حلمي ، القضاء الاداري ،1977،،ص132-133.



2- يقرب من هذا
التعريف ماجاء في حكم محكمة القضاء الاداري المصرية الصادر في 27/1/1957 .اشار
اليه الطماوي، الوجيز في القضاء الاداري ،عين شمس،1982،ص196 هامش (1).



3- احمد محيو
،المنازعات الادارية ،ترجمة فائز انجق ، الجزائر ،1983ص180.
4- نشير في هذا الصدد الى أن القرار الاداري الصادر في ظل الظروف
الاستثنائية يخضع الى ضوابط وأصول ، وبهذا تقرر المحكمة الادارية العليا بمصر في
حكمها الصادر في 14/4/1962 ،س7،ص601، حيث جاء فيه (( أن النصوص التشريعية أنما
وضعت لتحكم الظروف العادية فأذا طرأت ظروف أستثنائية ثم أجبرت الادارة على تطبيق
النصوص العادية فأن ذلك يؤدي الى نتائج غير مستساغة تتعارض حتى ونيّة واضعي تلك النصوص العادية ، فالقوانين
تنص على الاجراءات التي تتخذ في الاحوال العادية ومادام انه لايوجد نص على مايجب
أجراءه في حالة الخطر العاجل تعيّن عندئذ تمكين السلطة الادارية من اتخاذ
الاجراءات العاجلة التي يتطلبها الموقف ولو خالفت في ذلك القانون في مدلوله اللفظي
ومادامت تبغي الصالح العام ، غير أن سلطة الحكومة في هذا المجال ليست ولاشك طليقة
من كل قيّد بل تخضع لأصول وضوابط ....وبذلك تخضع مثل هذه التصرفات لرقابة القضاء ،
غير ان المناط في هذه الحالة لايقوم على أساس التحقق من مدى مشروعية القرار من حيث
مطابقته او عدم مطابقته للقانون وانما على أساس توافر الضوابط التي سلف ذكرها او
عدم توافرها فأذا لم يكن رائد الحكومة في هذا التصرف الصالح العام ...فأن القرار
يقع باطلا)).



5- للتفصيل في هذه
الاراء والتطبيقات راجع د. عبد الغني
بسيوني، ولاية القضاء الاداري على اعمال الادارة ،قضاء الالغاء،الاسكندرية ،1983 ،
ص196 ومابعدها.



6-ا- انظر قرار مجلس
الدولة الفرنسي الصادر في 31 ماي1975 قضية



Girad,RGJA




7- الطماوي،النظرية العامة للقرارات الادارية ، ط5، دار الفكر
العربي ، 1984 ،ص284 ومابعدها.
8-
المرجع السابق،337-340



9- قرار رقم 12 رقم
الملف 4501 في 14/2/1975



10- قرار الغرفة
الادارية في 8/10/1983 في القضية رقم 33647 .



11- قرار مجلس الدولة الفرنسي في 31/1/1955 قضيةDame Veuve Thomas
المجموعة،ص56.



12-فيما يخص العنصر
الزمني في تحديد الاختصاص انظر الطماوي، النظرية العامة ،مرجع سابق ،ص314
ومابعدها.13



13--حكمها في
20/1/1967 المجلة الجزائرية للعلوم القانونية ،1967 ،ص507.



14- عن الطماوي ،مرجع
سابق،ص309.وفي الجزائر أعتبرت الغرفة الادارية القرار الذي أصدره مدير التربية
لولاية الجزائر لتوقيع عقوبة توبيخ جعلها القانون من أختصاص الوزير قرارا باطلا
لصدوره من سلطة غير مختصة بتوقيع هذه العقوبة .أنظر حكمها في 15/6/1985 منشور
بالمجلة القضائية الصادرة عن المحكمة العليا العدد الرابع ،ص243.



15- القضية رقم 458
في 18/5/1981، المجموعة،مشار اليها سابقا،ص158.



16- للتفصيل راجع محيو،مرجع سابق،ص181-182.
الطماوي،مرجع سابق،ص310 ومابعدها.



17- للتفصيل في موضوع
إنعدام القرارات الادارية ،راجع الطماوي،الوجيز، مرجع سابق، ص206 ومابعدها.



18- محمود حلمي،مرجع
سابق،ص138.



19- انظر حكم محكمة
القضاء الاداري المصرية بتاريخ 15 يونية 1953، المجموعة ،س7،ص1536 حيث جاء فيه ((
....ينص القانون 145 لسنة 1949 بأنشاء مجلس بلدية القاهرة على أن يختص المدير
العام بتعيين وترقية موظفي المجلس ومستخدميه حتى الدرجة السادسة ...أما ماعدا
هؤلاء فيكون تعيينهم وترقيتهم من اختصاص المجلس البلدي نفسه وان النقل من اختصاص
المدير العام حتى الدرجة الرابعة ...ومن عداهم يكون الأمر فيه للمجلس البلدي ،
وعلى ذلك لايملك وزير الشئون البلدية إصدار قرار بنقل المدعى نظرا لاستقلال شخصية
مجلس بلدية القاهرة عن شخص الحكومة واذا كان الامر كذلك فأن الجهة التي تختص
بإصدار مثل هذا القرار قانونا هي هيئة المجلس البلدي ذاته ولايملك وزير الشئون البلدية
الا التصديق او الرفض...وعلى مقتضى ذلك يكون القرار المذكور صدر ممن لايملك اصداره
مستقلا فيلحقه عيب عدم الاختصاص ويعتبر معدوم الأثر ولا تلحقه الإجازة اللاحقة حتى
من الجهة التي اغتصب وزير الشئون البلدية سلطتها )).



20- حكم محكمة القضاء
الاداري المصرية الصادر في 5 يناير 1954 ، المجموعة ،س8،ص373 ، حيث جاء فيه (( أن
المرسوم رقم 35 يناير لسنة 1931 اعطى إختصاصات معينة لمدير عام مصلحة السكك
الحديدية بالنسبة لطائفة من موظفيها ، ولايجوز قانونا التفويض في هذا الاختصاص ،
بل يتعيّن أن يباشر الاختصاص من عيّنه القانون بالذات ، ومن ثم يكون القرار الصادر
من سكرتير عام مصلحة السكك الحديدية بفصل المدعى ينطوي على نوع من إغتصاب السلطة ،
فهو قرار معدوم لا أثر له )). انظر نقد د. طعيمة الجرف لهذا الحكم في مقاله- نظرية إنعدام التصرفات القانونية ، مجلة العلوم
الادارية المصرية ، ع1،س3،1961 ،ص73 ومابعدها.



21- الطماوي، نظرية
القرارات الادارية ، مرجع سابق، ص343.



22- الاقواس عن محمود
حلمي ، المرجع السابق، ص143 .



23- عن الطماوي ،
مرجع سابق ،ص372 ومابعدها.



24- نفس المراجع
اعلاه.



25- الطماوي ، مرجع
سابق،ص345. ويقول د.محمود حلمي بأن (( الأصل أنه لايجوز الطعن بالألغاء بقرار غير
مشروع كما لايجوز سحبه من جهة الادارة
الا خلال مدة معينة يستقر بعدها
ويرتب اثاره فأن القرار المنعدم لايستقر أبدا ويمكن الطعن فيه ويجب سحبه في أي وقت
مهما طالت المدة )). مرجع سابق ،ص144. في حين نرى أن فوات ميعاد الطعن بالألغاء
لايضفي صفة المشروعية على القرار غير المشروع وإن أكسبه حصانة ضد الالغاء ،ولهذا يمكن للادارة أن تسحب مثل هذا القرار
وإن إنقضت المدة القانونية للطعن به بالألغاء . للآطلاع حول ميعاد رفع دعوى
الالغاء انظر بحثنا – دعوى الالغاء في الجزائر ، دراسة مقارنة ، مجلة الحقوق ،
جامعة الكويت ، المجلد 13 ،العدد الرابع -1989.



26-الطماوي ،مرجع
سابق، ص342



27 - محمود حلمي ، مرجع سابق،ص144. الطماوي ،
مرجع سابق،ص343.



28- محمود حلمي ،
مرجع سابق،ص144. الطماوي ،مرجع سابق،ص343-344.



29- أنظر حكمها في
القضية رقم 33647 بتاريخ 8/10/1983 الذي تقرر فيه إلغاء قرار إداري صادر عن رئيس
بلدية تضمن إعتداء على إختصاص السلطة القضائية ، مشار اليه سابقا . كما انظر
الاحكام التي أشرنا لها عند تناولنا عيب عدم الاختصاص الجسيم


30- المجموعة ،ص253 .
كما ان الغرفة الادارية بالمجلس القضائي الاعلى بالمغرب قضت بإلغاء القرارات
الادارية التي تتعدى فيها السلطة الادارية على إختصاص القضاء ، فألغت هذه الغرفة
قرارا صادرا عن وزير الفلاحة كان يقضي بحل جمعية الفروسية وسباق الخيل مستندة في
ذلك على الظهير الخاص بالجمعيات المؤرخ في 15 نوفمبر 1958 الذي جعل إختصاص حل
الجمعيات للقضاء. انظر عبد القادر باينة ،
تطبيقات القضاء الاداري بالمغرب ، الدار البيضاء ، 1988،ص70.