الطعن رقم 861 لسنة 61 بتاريخ 21/10/1992
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من (1) ...... (2) ..... طاعن (3) ..... طاعن (4) ..... طاعن في قضية الجناية رقم .... بأنهم أولاً: المتهمون من الأول إلي الثالث:- (1) جلبوا إلي داخل أراضى جمهورية مصر العربية جوهراً مخدراً "حشيش" قبل الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة المختصة (2) اشتركوا في اتفاق جنائى حرض المتهمان الأول والثاني عليه وتداخلا في إدارة حركته الغرض منه ارتكاب جناية جلب جوهراً مخدراً "حشيش" إلي داخل أراضي جمهورية مصر العربية قبل الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة بأن اتحدت إرادتهم على القيام بها ودبروا خطة وزمان ومكان اقترافها واتفقوا على الأعمال المجهزة والمسهلة على ارتكابها فوقعت الجريمة المبينة في التهمة الأولى بناء على هذا الاتفاق ومع علمهم به (3) هربوا البضائع الواردة والمبينة الوصف بالتحقيقات موضوع التهمة الأولى إلي اراضى جمهورية مصر العربية بطريق غير مشروع والمخالفة للشروط المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة ثانياً: المتهمان الثالث والرابع: اشتركا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جناية اتجار بالجوهر المخدر المضبوط في غير الأحوال المصرح بها قانوناً بأن اتحدت إرادتهما على القيام بها ودبروا خطة وزمان ومكان اقترافها واتفقا على الأعمال المجهزة والمسبقة على ارتكابها- ثالثاً: المتهم الرابع علم بوقوع جناية جلب المتهمون من الأول إلى الثالث للجوهر المخدر المضبوط وأعان الجناة بإخفاء أمر التوريد وفاتورة شراء الجهاز المضبوط به المخدر وسند شحنه من بيروت لميناء الإسكندرية الدالة على ارتكابهم الجريمة. وأحالتهم إلي محكمة جنايات الإسكندرية لمعاقتبهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت غيابياً للأول وحضورياً للباقين عملاً بالمواد 40، 41، 48/1-2-3، 145 من قانون العقوبات والمواد 1، 2، 3، 33/أ، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمى 40 لسنة 1966، 61 لسنة 1977 والبند 57 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول والمعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 والمواد 1، 2، 3، 4، 12، 15، 121/1، 2، 122/1، 2، 124 من القانون رقم 66 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 75 لسنة 1980 مع إعمال المادتين 17، 32 من قانون العقوبات أولاً: بمعاقبة المتهمين الأول والثاني والثالث بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهم ثلاثة آلاف جنيه عما أسند إليهم. ثانياً: بمعاقبة المتهم الرابع بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة عما أسند إليه. ثالثاً: بمصادرة المخدر والجهاز المضبوط.
فطعن كل من المحكوم عليهم عدا الأول في هذا الحكم بطريق النقض.....إلخ
 
 المحكمة
المحكمة
 
أولاً: الطعن المقدم من المحكوم عليه الثاني
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم جلب جوهر مخدر إلى داخل أراضي جمهورية مصر العربية قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهة الإدارية المختصة والاشتراك في اتفاق جنائي وتهريب بضائع إلى داخل أراضي جمهورية مصر العربية بطريق غير مشروع وبالمخالفة للشروط المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة, قد شابه قصور في التسبيب وخطأ في الإسناد, ذلك بأن ما حصله الحكم من أقوال الشاهد السابع ....... من أن الشاهد الأول ......... أبلغه بواقعة شحن المخدر بجهاز الكمبراسور من بيروت إلى الإسكندرية تحت تأثير ضغط وقع عليه من جانب المتهمين الأول والثاني, يخالف الثابت بأقوال الشاهد الأول, من أن التهديد كان من جانب المتهم الأول ......... شقيق المتهم الثاني - وليس من الطاعن, ورد الحكم على الدفع بصدور اعتراف المتهم الثالث نتيجة إكراه وتهديد بما لا يصح رداً - مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها, وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات واعتراف المتهم الثالث وما ثبت بتقرير المعمل الكيماوي بمصلحة الطب الشرعي, والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, لما كان ذلك, وكان من المقرر أن الخطأ في الإسناد هو الذي يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها, وكان ما يثيره الطاعن من خطأ الحكم في تحصيل أقوال الشاهد السابع - العقيد ...... بشأن ما أبلغه به الشاهد الأول .......... عن الشخصين اللذين هدداه لحمله على شحن جهاز الكمبراسور باسمه من بيروت إلى الإسكندرية, فإنه وبفرض صحته قد ورد بشأن أقوال لم تكن قوام جوهر الواقعة التي اعتنقها الحكم, ولم يكن له أثر في منطق الحكم وسلامة استدلاله على مقارفة الطاعن للجرائم التي دانه بها ومن ثم فإن النعي على الحكم  بدعوى الخطأ في الإسناد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك, وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان اعتراف المتهم الثالث فإن ما ينعاه على الحكم من قصور في التسبيب - في هذا الخصوص - يكون غير سديد. لما كان ما تقدم, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: الطعن المقدم من المحكوم عليه الثالث
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم جلب جوهر مخدر إلى داخل أراضي جمهورية مصر العربية قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهة الإدارية المختصة والاشتراك في اتفاق جنائي وتهريب بضائع على داخل أراضي جمهورية مصر العربية بطريق غير مشروع وبالمخالفة للشروط المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة, قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب وخطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال - ذلك بأن الحكم أطرح الدفع  بعدم دستورية القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 لعدم عرضه على مجلس الأمة فور انعقاده, تأسيساً على أن الدستور الصادر عام 1958 لم يرتب جزاء على عدم عرض  قرارات رئيس الجمهورية بقوانين على ذلك المجلس, ويعد هذا الرد من المحكمة مراقبة منها على دستورية القوانين وهو ما يخرج عن اختصاصها, وكان عليها أن تصرح للطاعن بالطعن على ذلك القانون أمام المحكمة المختصة, ورد الحكم على الدفع بتمتع الطاعن بالإعفاء طبقاً للفقرة الثانية من المادة 48 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 وأطرحه بما لا يسوغ إطراحه, برغم أن ما أدلى به الطاعن من أقوال ومعلومات بشأن المتهمين الأول والرابع, اتسم بالجدية والكفاية والصدق وأدى إلى الكشف عن  شخصية المتهم الأول والقبض على المتهم الرابع وتقديمهما للمحاكمة, وأن ما ساقه الحكم في معرض الرد على هذا الدفع من أن السلطات كانت على علم مسبق باسمي هذين المتهمين على نحو ما جاء بالتحريات وإذن النيابة العامة لا يتفق والثابت بالأوراق, إذ خلت التحريات وخلا الإذن من تحديد شخصية كل منهما, كما استند في إطراحه لذلك الدفع إلى عدم توافر شروط الإعفاء الواردة بالفقرة الأولى من المادة 48 من القرار بقانون - المار ذكره - في حين أن الدفع بالإعفاء قام على سند من أحكام الفقرة الثانية من تلك المادة وأغفلت المحكمة الرد على طلب الدفاع الاحتياطي الذي ضمنه مذكرته المقدمة بجلسة المحاكمة  بشأن سؤال شهود الإثبات, وعرضت لطلب إجراء تحقيق بخصوص الصندوق المضبوط والذي أجري تفتيشه استناداً إلى أنه ليس هو الصندوق الوارد برسالة الشحن وردت عليه رداً قاصراً, وأورد الحكم في معرض تحصيله لاعتراف الطاعن أنه قرر بأن الصندوق المضبوط الذي عثر به على المخدر, هو ذاته الذي تم شحنه من بيروت بعد إخفاء المخدر في قاعدته الخشبية - وهو ما لا أصل له في الأوراق - إذ أن أقوال الطاعن في هذا الصدد لا تنصرف إلى الصندوق وإنما إلى جهاز الضغط المشحون بداخله والذي لم يعثر فيه على شيء من الممنوعات, واستند الحكم في التدليل على توافر قصد الجلب على مجرد مجموع وزن العينات التي أخذت من الطرب الخمس المضبوطة وأجري عليها التحليل, دون بيان وزن كل طربة على حدة وإجراء التحليل عليها لبيان كنهها, بما لا يصلح معه التعويل على وزن طرب المخدر برمتها في إثبات قصد الجلب في حق الطاعن - مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
من حيث إن القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا المعمول به وقت نظر الدعوى - نص في المادة 29 منه على أن تتولى هذه المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي ........... (ب) "إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئات أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يتجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا, فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن" وكان مؤدى هذا النص أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية, وأن الأمر بوقف الدعوى المنظورة أمامها وتحديد ميعاد لرفع الدعوى بعدم الدستورية جوازي لها ومتروك لمطلق تقديرها وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة في حدود سلطتها التقديرية رأت - بحق - أن دفع الطاعن بعدم الدستورية غير جدي ولا محل لوقف الدعوى المنظورة أمامها لرفع الدعوى بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا, فإنه لا يعيب حكمها - من بعد - ما أورده في معرض الرد على الدفع بعدم الدستورية من تقرير قانوني خاطئ ما دام لا تأثير له في سلامة النتيجة التي انتهى إليها, ويضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد - لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بتمتع الطاعن بالإعفاء طبقاً للمادة 48 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 ورد عليه في قوله "وإذ كان الثابت بالتحقيقات في هذه الدعوى أن ما صدر من المتهم لا يعد مبادرة منه بإبلاغ السلطات بالجريمة قبل علمها بها, وإنما محض اعتراف بارتكابها بعد ضبط مخدر الحشيش بقاعدة الصندوق الخشبية, ولم يكن لإخباره بأسماء المتهمين الأول والرابع أية فائدة إذ كانت السلطات على علم بأسمائهما على نحو ما هو ثابت بالتحريات والإذن الصادر من النيابة العامة, إذ تضمن محضر التحريات المؤرخ ....... اسم المتهم الرابع وأوصافه ودوره في ارتكاب الجريمة ونوع السيارة قيادته, وصدر إذن النيابة العامة بتاريخ ......... بضبطه وتفتيشه قبل استجواب المتهم الثالث "الطاعن" وقبل أن يدلي باسمه. وبالنسبة للمتهم الأول فقد  تضمن المحضر المؤرخ ......... أن الشاهد ......... قد ذكر اسم الأول وجنسيته قبل أن يدلي المتهم الثالث "الطاعن" بالاسم الثاني ولم يضف جديداً يكشف عن شخصيته, ومن ثم فلا محل لإدعائه باستحقاقه الإعفاء من العقاب". لما كان ذلك وكان القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 قد فرق بين حالتين للإعفاء في المادة 48 منه تتميز كل منهما بعناصر مستقلة وأفرد لكل حالة فقرة خاصة واشترط في الحالة الأولى فضلاً عن المبادرة بالإخبار أن يصدر الإخبار قبل علم السلطات العامة بالجريمة أما الحالة الثانية من حالتي الإعفاء فهي لم تستلزم المبادرة بالإخبار بل اشترط القانون في مقابل الفسحة التي منحها للجاني في الإخبار أن يكون إخباره هو الذي مكن السلطات من ضبط باقي الجناة مرتكبي الجريمة, وكان مؤدي ما أورده الحكم المطعون فيه في معرض سرده لواقعة الدعوة والرد على دفع الطاعن بالتمتع بالإعفاء, أن شخصية كل من المتهمين الأول والرابع كانت معلومة للسلطات على نحو ما جاء بمحضر التحريات وما سطر بإذن النيابة العامة قبل أن يدلي الطاعن بأية معلومات عنهما بعد ضبطه وهو ما له أصله الصحيح بالأوراق على ما يبين من المفردات, وكان الفصل في كل ذلك من خصائص قاضي الموضوع ما دام يقيمه على ما ينتجه من عناصر الدعوى - كما هو الحال في الدعوى - فإن الحكم المطعون فيه إذ أطرح الدفع بالإعفاء طبقاً للفقرة الثانية من المادة 48 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 يكون قد أصاب صحيح القانون, ولا يقدح في سلامته ما استهل به في الرد على الدفع من أن ما صدر من الطاعن لم يكن مبادرة منه بإبلاغ السلطات بالجريمة قبل علمها بها ما دام قد واجه الدفع ورد عليه وفق ما أثاره الطاعن بمحضر جلسة المحاكمة. ويكون النعي عليه في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك, وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن أول من ترافع عن الطاعن اختتم مرافعته طالباً البراءة وقدم مذكرة بدفاعه يبين من الاطلاع عليها أنها تضمنت طلباً احتياطياً بسماع أقوال شهود الإثبات ثم تلاه محام ثان ترافع في الدعوى وانتهى إلى طلب البراءة ولم يتمسك بذلك الطلب الاحتياطي ودون اعتراض من الطاعن ولا تعقيب ممن طلب سماع الشهود وكان كل ما يقرره الوكيل بحضور موكله - وعلى ما يقضي به نص المادة 79 من قانون المرافعات - يكون بمثابة ما يقرره الموكل نفسه، إلا إذا نفاه أثناء نظر القضية في الجلسة, وكان الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه، هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، وكان الدفاع - وإن تعدد المدافعون - وحدة لا تتجزأ, لأن كل مدافع إنما ينطق بلسان موكله, ما لم يكن الدفاع مقسماً بينهم. لما كان ذلك وكان الطاعن لم يشير في أسباب طعنه إلى أن الدفاع انقسم على وكيليه اللذين لم يشيرا بدورهما إلى  شيء من ذلك في مرافعتهما التي لا تفصح بدورها عنه فإن النعي على الحكم  بقالة إغفال المحكمة الرد على ذلك الطلب الاحتياطي لا يكون له محل. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن من أن الصندوق الذي عثر فيه على المخدر المضبوط ليس هو الصندوق الذي تم شحنه من بيروت وأطرحه تأسيساً على ما قرره الطاعن بتحقيقات النيابة من أن الصندوق الذي تم ضبط المخدر مخبأ فيه هو الصندوق ذاته الذي أخفى المخدر بقاعدته وتم شحنه من لبنان إلى الأراضي المصرية, وأن الطاعن قد عاون وكيل النيابة المحقق على فصل المخدر المضبوط عن قاعدة الصندوق الخشبية, وأفضى إليه بأن المتهم الثاني قد أرشده عن كيفية استخراج المخدر من الصندوق وقت وضع المخدر بداخله بجمهورية لبنان, فإن ما أورده الحكم على هذا السياق, وهو ما له معينه بالأوراق على ما يبين من المفردات المضمومة, يعد كافياً وسائغاً في إطراح دفاع الطاعن في هذا الخصوص, وبالتالي يكون النعي على الحكم بقالتي القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد على غير أساس, لما كان ذلك, وكان القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 إذ عاقب في المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر  استيراده بالذات أو بالوساطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي, قصداً من الشارع القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي, وهذا المعنى يلابس الفعل المادي المكون للجريمة ولا يحتاج في تقريره إلى بيان، ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال. إلا إذا كان الجوهر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصي أو دفع المتهم بقيام قصد التعاطي لديه أو لدى من نقل المخدر لحسابه. وكان ظاهر الحال من  ظروف الدعوى وملابساتها يشهد له, يدل على ذلك فوق دلالة المعني اللغوي والاصطلاحي للفظ الجلب أن الشارع نفسه لم يغفل في نصه عن الجلب بالإشارة إلى القصد منه, بعكس ما استنه في الحيازة أو الإحراز, ولما كان ما أثبته الحكم المطعون فيه من ضخامة كمية الجوهر الذي أدخل البلاد والتي بلغت 13.7.29 كيلو جرام حشيش كافياً في حد ذاته لأن ينطبق على الفعل الذي قارفه الطاعن لفظ "الجلب" كما هو معرف به في القانون بما يتضمنه من طرح الجوهر المخدر في التعامل بغير حاجة إلى استظهار القصد الخاص لهذا الفعل صراحة ولو دفع بانتفائه, خاصة وأن ما يثيره الطاعن من أنه لم يتم وزن كل طربه من طرب المخدر المضبوط على حدة ولم يجر تحليلها لبيان كنهها وأثر ذلك على قصد الجلب لا يعدو أن يكون منازعة موضوعية في كنه بقية المواد المضبوطة التي لم ترسل للتحليل ولا يجوز التحدي به أمام محكمة النقض, ما دام الطاعن لا ينازع في أن العينات التي تم تحليلها هي جزء من مجموع ما ضبط, ولم يطلب من محكمة الموضوع اتخاذ إجراء في هذا الشأن, ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ما تقدم, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثالثاً - الطعن المقدم من المحكوم عليه الرابع
من حيث إنه يبين من مذكرة أسباب الطعن التي تحمل في صدرها ما يشير إلى صدورها من مكتب المحامي ......... أنها موقع عليها بنموذج لتوقيع لا يقرأ البتة، وقد استحال معرفة موقعها لعدم حضور أحد من المحامين المقبولين أمام هذه المحكمة ليقرر أن التوقيع له, فإنها تكون باطلة وغير ذات أثر في الخصومة الجنائية ويتعين استبعادها.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه الاتجار في جوهر مخدر وإعانة الجناة على إخفاء أدلة الجريمة, قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال, ذلك بأنه عول في إدانته على ما جاء بالتحريات وأقوال المتهم الثالث, وما أسفر عنه تفتيشه وسيارته من ضبط صور فوتوغرافية للمتهم الثالث وأوراق شراء الجهاز المضبوط وسند شحنه, وأغفل دفاع الطاعن من أن العميد ........... لم يذكر في أقواله مصدر التحريات وأسماء التجار الذين عرض الطاعن عليهم بيع المخدر, وأن ما أدلى به المتهم الثالث من أقوال في حق الطاعن, كان في معرض الدفاع عن نفسه وبغرض التمتع بالإعفاء من العقاب, وقد عدل عنها بتحقيقات النيابة, وأن وجود صورة المتهم الثالث مع الطاعن كان بقصد التعرف عليه , واسمه لتقاضي أجرة استخدامه السيارة في تنقلاته, وأن الأوراق الخاصة بشحن الجهاز كان المتهم الثالث قد تركها سهواً بسيارته - مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه ساق للتدليل على ثبوت الجريمتين المسندتين إلى الطاعن أدلة مستمدة من أقوال المتهم الثالث وما جاء بتحريات الشرطة وما أسفر عنه تفتيش شخصه وسيارته من ضبط صورة فوتوغرافية للمتهم الثالث والأوراق المتعلقة بشراء الجهاز المضبوط وسند شحنه من بيروت. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع, وكان للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أدلة الثبوت وتوافرها في حق الطاعن وكانت الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها منتجة في إقناع المحكمة واطمئنانها فإن ما يثيره بشأن اعتراف المتهم الثالث وعدوله عنه وعدم جدية التحريات, والمنازعة في سبب حيازته للأوراق المضبوطة يتمخض دفاعاً موضوعياً قصد به التشكيك في تلك الأدلة, ولا يستوجب من المحكمة رداً صريحاً, ما دام الرد مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً