الطعن رقم 6176 لسنة 58 بتاريخ 10/01/1989
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما خلال الفترة من ..... حتى .... المتهم الأول:- أولاً: قتل كل من (1) ............ (2) ............... (3) ............. (4) ............. (5) ............ (6) .................... (7) .................... (Cool .................. (9) ................. (10) .................. (11) .................. (12) ................ (13) .............. (14) ................. عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلهم واستوقف كلا منهم وأوهمهم بأنه شرطي سري وتظاهر باصطحابهم إلى أقسام ومراكز الشرطة لتحرير محاضر ضدهم ثم استدرجهم إلى مناطق زراعية نائية وقام بوثاق أيديهم من الخلف وإحاطة رقبة كلاً منهم برباط (شال من القماش- كوفية) ثم جذبه بشدة إلى الخلف لخنقهم قاصداً من ذلك قتلهم فأحدث الإصابات الموصوفة بتقارير الصفة التشريحية والتي أودت حياتهم وقد تقدمت هذه الجناية جنايات أخرى هي أنه في الأزمنة والأمكنة سالفة الذكر سرق المبالغ والأشياء الأخرى المبينة بالتحقيقات وصفا وقيمة المملوكة للمجني عليهم بطريق الإكراه الواقع عليهم بأن أوثق أيديهم من الخلف فشل بذلك مقاومتهم وتمكن بهذه الوسيلة من الإكراه من ارتكاب جنايات السرقة. ثانياً: تداخل في وظيفة من الوظائف العمومية من غير أن تكون له صفة رسمية من الحكومة أو بإذن منها وأجرى عملاً من مقتضيات إحدى هذه الوظائف بأن ادعى بأنه من رجال الشرطة السريين بإدارة البحث الجنائي واستوقف المجني عليهم سالفي الذكر طالبا منهم إبراز بطاقة تحقيق الشخصية الخاصة، بكل منهم وقام بضبطهم وتظاهر باصطحابهم إلى أقسام ومراكز الشرطة على النحو المبين بالتحقيقات. ثالثاً: المتهم الأول والثاني: قتلا ...... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتا النية على قتله بأن استوقفه المتهم الأول وأوهمه بأنه شرطي سري وتظاهر باصطحابه إلى قسم الشرطة لتحرير محضر ضده حيت التقى بالمتهم الثاني ثم استدرجاه إلى منطقة زراعية نائية وقاما بوثاق يديه من الخلف ووضعا رباطا حول عنقه (قطعة من القماش) ثم جذبا طرفيه بشدة إلى الخلف لخنقه قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد تقدمت هذه الجناية جناية أخرى هي أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر سرقا المبلغ النقدي المبين وصفاً وقيمة بالتحقيقات المملوكة للمجني عليه وكان ذلك بطريق الإكراه الواقع عليه بأن أوثقا يديه من الخلف فشلت بذلك مقاومته وتمكنا بهذه الوسيلة من الإكراه من ارتكاب جناية السرقة. رابعاً: المتهم الثاني أيضا (1) علم بوقوع الجنايات سالفة الذكر والتي ارتكبها المتهم الأول وأعانه على الفرار من وجه القضاء بإيوائه في مسكنه على النحو الثابت بالتحقيقات. (2) أخفى المبالغ النقدية والأشياء المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والمتحصلة من الجنايات سالفة الذكر. وأحالتهما إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قررت بإجماع الآراء إرسال القضية إلى مفتي الجمهورية لأخذ رأيه بالنسبة للمتهم الأول وحددت للنطق بالحكم جلسة ..... وبالجلسة المحددة قضت حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بالمواد 230، 231، 145/1، 2، 44 مكرراً من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 13، 32 من ذات القانون أولاً: بمعاقبة المتهم الأول بالإعدام شنقاً. ثانياً: بمعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر سنة عما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض وعرضت النيابة العامة القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها
 
 المحكمة
حيث إن الطاعنين وإن قررا بالطعن في الميعاد القانوني إلا أنهما لم يقدما أسبابا لطعنهما، ومن ثم فإن الطعن المقدم من كل منهما يكون غير مقبول شكلاً لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله، وأن التقرير بالطعن وتقديم الأسباب يكونان معا وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
وحيث إن النيابة العامة - عملاً بالمادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 - عرضت القضية على هذه المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه الأول، وذلك دون بيان تاريخ تقديم هذه المذكرة ليستدل منه على أن العرض قد روعي فيه ميعاد الأربعين يوما المنصوص عليها في المادة 34 من القانون سالف الذكر، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين - من تلقاء نفسها غير مقيدة بالرأي الذي تبديه النيابة العامة في مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، فإنه يتعين قبول عرض النيابة للقضية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أورد واقعة الدعوى في قوله: "أن المتهم الأول ......... من مواليد العقالين مركز ديروط محافظة أسيوط، ويبلغ من الطول مائة وسبعين سنتيمتر، قمحي اللون، ذو شارب كثيف وشعر أسود، واعتاد ارتداء الملابس البلدية، يلف حول رقبته شال من الصوف وعلى رأسه عمامة بيضاء، ونقش على ذراعه الأيمن وكتفه أسماء ورسومات مختلفة منها اسم المتهم الثاني ......... الذي نقشه له لما زامله بسجن .........، وقد نشأ المتهم الأول وسط أسرة معدمة مع أمه بعد وفاة أبيه، وفي أوائل السبعينات أتهم في قضايا سرقة أدخل بسببها السجن ولما خرج منه ترك أسرته وتوجه إلى المتهم الثاني الذي أصبح صديق سوء له بعد تعرفه عليه بسجون ......... ثم ادخل سجن ......... في قضية نصب وبعد أن خرج منه استضافه المتهم الثاني عند أخته لأمه ......... ببلدتها، وراقت له المذكورة فطلب من أخيها المتهم الثاني أن يطلقها من زوجها ليتزوجها هو. ولأنه غوي عاطل فقد تملكه الشيطان وزين له الجريمة طريقا سهلا للحصول على المال فاختار قتل الأبرياء السذج من الناس والاستيلاء على ما يعثر عليه معهم من نقود وأشياء، لينفق على نفسه وعلى المتهم الثاني، وكان يعطي الأخير ما يستولي عليه من المجني عليهم من ساعات وملابس وغيرها، واشترى لزوجته - أي لزوجة المتهم الثاني - قرط ذهبي ولأولادها ملابس جديدة وأنه قتل المجني عليه ......... أمام ......... واستولى منه على مبلغ ......... أعطاها منه مبلغ ......... لتعطيه لزوجها ......... مقابل طلاقها ليتزوجها، وتوجه معها بعد ذلك إلى والدها الذي استدعى زوجها وأعطاه المبلغ المذكور، إلا أن الزوج رفض أن يطلق زوجته وظل المتهم الأول على صلة بها، وأن المتهم الأول عقد العزم وبيت النية وأصر على قتل المجني عليهم ليستولي منهم على نقودهم وقد اتبع أسلوبا واحدا في قتلهم جميعاً، كان يقابل ضحيته مدعيا له أنه من رجال الشرطة السريين ويطلب الإطلاع على بطاقة تحقيق الشخصية فإن وجدها معه طلب الإطلاع على بطاقة أداء الخدمة العسكرية، ثم يفتشه ليتبين ما معه من نقود فإن وجده معه منها شيئا أصر على القتل ويستدرج المجني عليه بعيداً عن الأعين مقيدا إياه بملفحته أو فانلة المجني عليه - في أحدى المرات - ويوهمه أنه إنما فعل ذلك ليقدمه لضابطه، ويصدق المجني عليه الساذج هذا القول الكاذب من المتهم ويستسلم له مختارا حتى يجهز عليه خنقا، وقد بلغ عدد ضحايا المتهم الأول والثاني خمسة عشر قتيلا، اعترف المتهم الأول ......... بقتل أربعة عشر رجلا بمفرده وباشتراك المتهم الثاني ......... معه في قتل المجني عليه الخامس عشر ......... عمدا مع سبق الإصرار، وحصل المتهم الثاني على جلبابه وحذائه، وأن المتهم الثاني كان يعلم بجميع جرائم المتهم الأول من قتل وسرقة، وقام بإخفاء الأشياء المتحصلة من تلك الجرائم وكان أحد ضحايا المتهم الأول قد تمكن من الإفلات منه وأبلغ رجال الشرطة بأوصافه ورسمه وشكله، وإذ أمسك رجال الشرطة بهذا الطرف من الخيط فقد أعدوا أكمنة بدوائر أقسام السلامة والمطرية وشبرا الخيمة في محاولة منهم لضبط الجاني حتى تمكن أحد هذه الأكمنة من ضبط المتهم الأول بنوع الاشتباه بوسط أرض زراعية واقتياده إلى قسم شرطة المطرية ثم إلى قسم شرطة عين شمس وهناك تقابل مع العقيد ......... ثم هرع إليه اللواء ......... وقرر لهما المتهم الأول أن ضميره قد استيقظ وبدأ يخش الله ويخاف عذابه وراح يدلي باعترافاته لهما عن كافة الجرائم التي ارتكابها وأنه أصر على تلك الاعترافات وأكدها أمام النيابة العامة عندما تولت التحقيق، واعترف من تلقاء نفسه بقتل أربعة أشخاص لم تعرف أسماؤهم ولم يعثر على جثثهم، وقامت النيابة بإجراء معاينة بإرشاد المتهم وتصويره لكيفية ارتكاب جرائمه سالفة الذكر في أماكنها، واعترف المتهم الثاني بتحقيقات النيابة العامة بتواجده مع المتهم الأول على مسرح جريمة قتل المجني عليه ......... وبلغ مقدار ما استولى عليه المتهم الأول من المجني عليهم بعد قتلهم حوالي ......... واعترف المتهم الأول بتحقيقات النيابة العامة أنه خلال شهر نوفمبر سنة 1985 قتل ......... عمدا مع سبق الإصرار بأن خنقه حتى لفظ أنفاسه وألقى بجثته في الماء عند كوبري الهاويس بدائرة مركز ديروط محافظة أسيوط، وقيدت هذه الواقعة برقم ......... لسنة 1986 جنايات ديروط، وبأنه قتل شخص مجهول بدائرة مركز القوصية محافظة أسيوط، وبأنه تقابل مع المجني عليه ......... بمنطقة نائية وأوثق يديه من الخلف بحجة عرضه على ضابطه ثم غافله وخنقه بملفحته حتى لفظ أنفاسه وسرق مبلغ ......... جنيه وأشياء وأخرى وعثر على جثته موثوقة اليدين من الخلف وحرر عن الواقعة الجنائية رقم ......... لسنة 1987 المطرية وبأنه تقابل مع المجني عليه ......... بزيه العسكري بمولد المطراوي وطلب منه تصريح خروجه من وحدته العسكرية ولما فتشه وعثر معه على مبلغ ......... دولار اقتاده إلى منطقة زراعية ثم أوثق يديه من الخلف ولف حول عنقه قطعة من القماش وأطبق على عنقه حتى مات وسرق نقوده، وحرر عن هذه الواقعة الجناية رقم ......... لسنة 1987 المطرية، واعترف المتهم الأول بأنه قتل ......... عمدا مع سبق الإصرار بذات الطريقة سالفة الذكر وسرق نقوده وساعته وقيدت هذه الواقعة برقم ......... سنة 1985 السلام، وقد ضبطت ساعة المجني عليه لدى المتهم الثاني وتعرف عليها شقيق المجني عليه كما اعترف بأنه والمتهم الثاني قتلا ......... بمنطقة البركة عمدا مع سبق الإصرار بأن لف رباط حول عنقه وأمسك ومعه المتهم الثاني بطرفي الرباط وجذباه حتى لفظ المجني عليه أنفاسه وسرقا نقوده وجلبابه وحذائه واعترف المتهم الثاني بأن كان يعلم كل ما كان يرتكبه المتهم الأول من جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والسرقة، وبأنه كان مع الأول بمنطقة البركة عند قتل المجني عليه ......... وشد معه الرباط على عنقه حتى لفظ أنفاسه وأخذ جلبابه وحذائه، وقد ضبطت هذه الأشياء بمسكنه وتعرف عليها ابن المجني عليه، وقيدت هذه الواقعة برقم ......... لسنة 1985 جنايات السلام، واعترف المتهم الأول بقتل ......... بجوار سينما الزيتون عمدا مع سبق الإصرار وبذات الطريقة وسرق منه مبلغ ......... جنيه، وبقتل ......... عمدا مع سبق الإصرار بذات الأسلوب وسرقة نقوده وحاجياته وحرر عن هذه الواقعة الجناية رقم ......... لسنة 1985 المطرية، وبقتل ......... عمدا مع سبق الإصرار بذات الأسلوب الإجرامي سالف الذكر وسرقة حافظة نقوده وبها ......... جنيه، ثم ضبط الحافظة مع المتهم الثاني وتعرفت عليها ......... أرملة المجني عليه، وبقتل ......... عمدا مع سبق الإصرار بذات الطريقة وسرقته نقوده وجلبابه الذي ضبط بمسكن المتهم الثاني وحرر عن هذه الواقعة الجناية رقم ......... لسنة 1986 السلام. واعترف بقتل ......... عمدا مع سبق الإصرار بذات الأسلوب المذكور وسرق منه مبلغ ......... دولار ودفع جثته إلى مياه ترعة الإسماعيلية وقيدت هذه الواقعة برقم ......... لسنة 1985 جنايات شبرا الخيمة، وبأنه قتل ......... عمدا مع سبق الإصرار وسرق منه مبلغ ......... جنيه وذلك على مشهد من ......... التي أخذت منه مبلغ ......... كي تعطيه لزوجها ......... ليطلقها ويتزوجها هو، وقد تعرف المتهم الأول على صورة المجني عليه، وكانت ......... قد حررت المحضر رقم ......... لسنة 1985 إداري عن غياب زوجها المجني عليه الذي سافر إلى مسطرد لشراء مازوت ولم يعد. كما اعترف المتهم الأول أيضا بقتل أربعة أشخاص عمدا مع سبق الإصرار ولم يستدل بالتحقيقات عن الكشف عن أسمائهم وتحديد شخصياتهم. واعترف أن أحد هؤلاء الأربعة من الفيوم وسرق منه مبلغ ......... جنيه والآخر تقابل معه في قطار شبين القناطر وسرق منه مبلغ ......... جنيه والثالث بدائرة مركز القوصية خلال شهر فبراير سنة 1985 وسرق منه مبلغ ......... جنيه والرابع بذات الدائرة وسرق منه عباءته التي ضبطت لدى ......... ولم يعثر على جثث هؤلاء الأربعة، وقد ثبت من تقارير الطب الشرعي الخاصة بالمجني عليهم الذين عثر على جثثهم بأن كل منهم قتل بالطريقة التي اعترف بها المتهم الأول والمتهم الثاني بالنسبة للمجني عليه ......... وأن سبب وفاتهم اسفكسيا الخنق بالضغط على العنق، وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذا النحو في حق المتهمين أدلة مستمدة من اعتراف المتهم الأول تفصيلا بتحقيقات النيابة العامة، وأقوال كل من اللواء .........، واللواء .........، والعميد .........، والعقيد ......... و......... و......... و.........، ومن تقارير الصفة التشريحية للجثث التي تم العثور عليها، ومعاينة النيابة العامة بإرشاد المتهم الأول وتصويره لكيفية ارتكاب جرائمه من قتل وسرقة، ومن ضبط بعض المسروقات بإرشاد المتهم الأول بمسكن المتهم الثاني ولدى آخرين بإرشاد ......... زوجة المتهم الثاني، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، وقد حصل الحكم مؤداها تحصيلا وافيا له أصله الثابت في الأوراق، لما كان ذلك، وكانت المادة 213 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى نصها على أن الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى وفقا للمادة 209 - أي بعد التحقيق الذي تجريه بمعرفتها أو يقوم به أحد رجال الضبط القضائي بناء على انتداب منها - لا يمنع من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة طبقا للمادة 197، وذلك قبل انتهاء المدة المقرر لسقوط الدعوى الجنائية، وقوام الدليل الجديد هو أن يلتقي به المحقق لأول مرة بعد التقرير في الدعوى بألا وجه لإقامتها. ولما كان الثابت من الأوراق أنه لما ضبط المتهم الأول في القضية رقم ......... جنايات المطرية وأسفر تحقيقها عن اعترافه بارتكاب الجنايات الأخرى المضمومة مما يعد أدلة جديدة فيها لم تكن قد عرضت على النيابة العامة عند إصدار أمرها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم معرفة الفاعل في القضايا المضمومة، فإن ذلك مما يجيز لها العودة إلى التحقيق في تلك القضايا ويطلق حقها في رفع الدعوى الجنائية على الجاني بناء على ما ظهر من تلك الأدلة التي جرت أمامها، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ما دامت الدعاوى الجنائية في تلك القضايا لم تسقط بعد. لما كان ذلك، وكانت المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية قد نص فيها على أنه: "إذا شمل التحقيق أكثر من جريمة واحدة من اختصاص محاكم من درجة واحدة وكانت مرتبطة تحال جميعها بأمر إحالة واحد إلى المحكمة المختصة مكانا بإحداها"، وكانت جنايات القتل العمد مع سبق الإصرار المقترنة بسرقة إكراه التي ارتكبها المحكوم عليه الأول في أماكن متعددة - وهي جرائم مرتبطة - قد أحيلت بأمر إحالة واحد إلى محكمة جنايات القاهرة المختصة مكانا بنفس تلك الجرائم، وطبقت في شأنها المادة 32 من قانون العقوبات، فإن الحكم يكون قد صدر من محكمة مختصة. لما كان الأول، وكان الحكم قد عرض ما أثاره الدفاع من أن اعتراف المحكوم عليه الأول كان وليد إكراه وقع عليه ورد عليه في قوله: "أما ما ساقه المتهم ونادى به المدافع عنه من أن حصول اعترافاته المتصلة بتحقيقات النيابة العامة كان نتيجة الإكراه المادي والأدبي الذي وقع عليه من ضباط المباحث فهو قول مصدره محض وجدانه فضلا عن أن النيابة العامة قد ناظرت المتهم وشاهدت جسده ووصفت ما به من رسومات وكلمات مختلفة وأثبتت أنه ليس بجسده أية إصابات أو أعراض تفيد التحقيق، كما أن المتهم الأول قد نفى أمام النيابة العامة في أكثر من موضع من التحقيق نفياً صريحاً لا لبس فيه أو غموض أن ثمة إكراه مادي أو أدبي قد وقع عليه، كما أنه قد اعترف بجلسة السبت ......... أمام محكمة جنايات القاهرة عند تجديد حبسه بأنه قتل سبعة عشر من المجني عليهم خنقا لأن هوايته القتل والسرقة، هذا فضلا عن إرشاده النيابة العامة عند إجرائها المعاينة في كل واقعة ارتكبها، كما تعرف على شخصية أحد المجني عليهم عندما عرضت عليه النيابة العامة صورته، وقد جاءت هذه التفاصيل التي اعترف بها المتهم الأول مطابقة تمام التطابق مع التحقيق الذي أجرته النيابة العامة بشأن العثور على جثة المجني عليه قبل اعترافه، كما ثبت من اعترافه أنه خنق المجني عليهم جميعا بطريقة واحدة بأن أوثق يديهم من الخلف وقام بخنق المجني عليهم بوضع منديل أو ملفحة أو حبل من الليف حول الرقبة حتى يموت خنقاً وهو أسلوب إجرامي واحد اعترف به تفصيلا وجاءت تقارير الصفة التشريحية التي أجريت للمجني عليهم متفقة أيضا مع اعترافات المتهم الأول، وفضلا عن ذلك فقد شهد اللواء ......... بالجلسة والتي تطمئن المحكمة إلى شهادته كل الاطمئنان ويرتاح وجدانها إليها بأنه انتقل إلى المتهم فور ضبطه بتاريخ ......... بقسم شرطة ......... واعترف اعترافا شفويا بارتكاب جرائم القتل وأنه كان هادئا ونفى حصول إكراه قد وقع عليه، ومن ثم تلتفت المحكمة عن هذا الوجه من أوجه الدفاع الذي قصد به مجرد درء التهمة الثابتة في حقه من أدلة الثبوت سالفة الذكر والأخذة بخناقه". ولما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وأن لمحكمة الموضوع دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها، وكان الحكم المطروح - على ما سلف بيانه - قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى إطراح الدفع ببطلان اعتراف المحكوم عليه الأول لصدوره تحت تأثير الإكراه وأفصح عن اطمئنانه إلى صحة هذا الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع، فإنه يكون قد برئ من أي شائبة في هذا الخصوص، ولا ينال من سلامة الحكم أنه أشار إلى اعتراف المحكوم عليه الأول بجلسة ......... أمام محكمة جنايات القاهرة عند تجديد حبسه في حين أن صحة تاريخ تلك الجلسة التي تضمنت اعترافه هو .........، إذ أن ذلك لا يعدو أن يكون خطأ ماديا بحتاً في كتابة الحكم لا يؤثر في سلامته. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لنية القتل ودلل على توافرها في حق المحكوم عليه الأول في قوله: "أن المحكمة تستخلص قيام نية القتل لدى المتهم الأول وتوافرها في حقه من عناصر الدعوى بعد أن أحاطت بها عن بصر وبصيرة، ذلك لأن الدليل يقوم في هذه الدعوى من اعتراف المتهم الأول المفصل في جميع مراحل الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة وبجلسة تجديد حبسه أمام محكمة الجنايات ومن تكتيفه المجني عليهم من الخلف وخنقهم بقطعة من القماش أيا كان نوعه أو حبل ليف رغبة في التخلص منهم، ولأن الخنق بطبيعته قتل عمد، الأمر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على أن نية المتهم الأول قد اتجهت فعلا إلى قتل المجني عليهم وإزهاق أرواحهم خنقا بأن وضع قطع من القماش على النحو الموضح باعترافاته وبالتحقيقات وتقارير الصفة التشريحية أيا كان نوع القماش كمنديل أو ملفحة أو حبل ليف أو فانلة ثم يضغط على رقبة المجني عليهم فيؤدي ذلك إلى الوفاة، وفعلا تم له ما هدف إليه". وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه وأن استخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، فإن الحكم المطروح -  على ما سلف بيانه - يكون قد أثبت بأسباب سائغة توافر نية القتل في حق المحكوم عليه الأول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصا ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلا مع هذا الاستنتاج. وكان الحكم قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق المحكوم عليه الأول في قوله: "وحيث أنه عن ظرف سبق الإصرار فهو ثابت في حق المتهم الأول هو والمتهم الثاني بالنسبة لـ ......... من اعتراف المتهم الأول بجميع مراحل الاستدلالات وبتحقيقات النيابة، وبجلسة تجديد الحبس من استيقافه للمجني عليهم واصطحابهم إلى أماكن نائية وتكتيفهم من الخلف ثم وضع الرباط حول عنق الضحية المجني عليها حتى الموت بعد أن يوهم الضحية بأنه من رجال الشرطة السريين، وأنه سيحرر له محضرا بالشرطة لعدم حمله البطاقة الشخصية أو أداء الخدمة العسكرية أو التحري ثم الهرب" فإن الحكم يكون قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار بما ينتجه، لما كان ذلك، وكان الحكم المطروح قد بين ثبوت وقائع القتل العمد مع سبق الإصرار في حق المحكوم عليه الأول ثبوتا كافيا، كما بين الظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المحكوم عليه الأول، فإنه لا يعيبه - من بعد - عدم العثور على جثث المجني عليهم، لما هو مقرر من أنه لا يقدح في ثبوت جريمة القتل العمد عدم العثور على جثة المجني عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطروح قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دان بها المحكوم عليه الأول وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مردودة إلى أصولها الثابتة في الأوراق من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، واستظهر الحكم نية القتل كما استظهر ظرف سبق الإصرار على النحو المعرف به قانونا وتناول الدفع ببطلان الاعتراف ورفضه في منطق سائغ، وقد صدر الحكم بإعدام المحكوم عليه الأول بإجماع آراء أعضاء المحكمة بعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية، وجاء خلوا من مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، كما أنه صدر من محكمة مشكلة وفقا للقانون، ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهى إليه هذا الحكم، ومن ثم فإنه يتعين إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه الأول