الطعن رقم 1660 لسنة 28 بتاريخ 02/12/1958
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة: 1-.............. 2-.............. (الطاعنين) و3-.............. بأنهم: قتلوا عمدا مع سبق الإصرار.............. بأن بيتوا النية وعقدوا عزمهم على إزهاق روحها وامسكوا بها ثم كتموا أنفاسها قاصدين قتلها فحدثت بها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها, وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات, فقررت بذلك ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنايات بورسعيد عدلت النيابة وصف التهمة بأن جعلتها بأنهم جميعا: الأول قتل عمدا مع سبق الإصرار.............. بأن بيت النية وعقد عزمه على إزهاق روحها حتى إذا ما ظفر بها كتم أنفاسها حتى فارقت الحياة. والمتهم الثاني علم بوقوع جناية قتل من المتهم الأول وقام بإخفاء معالم الجريمة سالفة الذكر لتمكين المتهم الأول من الفرار من وجه القضاء. والمتهمون الثاني والثالث والرابع اخفوا جثة المجني عليها بان نقلها المتهم الثاني من مكان وقوع الجريمة إلى المنزل الذي يقيم به.............. "المتهم الثالث" و.............. "المتهم الرابع" دون أن يخبروا الجهات المختصة بذلك, وطلبت معاقبتهم بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات بالنسبة للأول وبالمادتين 145/1 و2 و239 من ذات القانون بالنسبة للباقين. ومحكمة جنايات بورسعيد قضت حضوريا أولا - بمعاقبة.............. بالإعدام شنقا. وثانيا - بمعاقبة.............. بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وذلك تطبيقا لمواد الاتهام المطلوب محاكمتها بها. وثالثا - ببراءة كل من.............. و.............. مما أسند إليهما تطبيقا للمادتين 304/1 و381/1 من قانون الإجراءات الجنائية. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.. الخ
 
 المحكمة
من حيث إن الطاعن الثاني قرر بالطعن ولم يقدم أسباباً لطعنه فيكون طعنه غير مقبولاً شكلاً.
وحيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون بالنسبة للطاعن الأول. وحيث إنه مما ينعاه الطاعن الأول على الحكم المطعون فيه أنه مشوب بالقصور وفساد الاستدلال ذلك بأنه وهو في مقام التدليل على شخصية المجني عليها وإثبات أنها لزوجة الطاعن الغائبة لم يورد عن الجثة غير أوصاف عامة لا تميز امرأة بذاتها ولا تنفي احتمال الوقوع في خطأ جديد كالذي أشار إليه حين ذكر أن هذه الجثة نسبت بادئ الأمر لامرأة ظهر - رغم الاستعراف - أنها على قيد الحياة. فضلاً عن أن الجثة لم تعرض على أولاد صاحبة الشخصية المدعاة، وقد كان الأمر يتطلب من المحكمة في مثل هذه الظروف وبالنظر إلى العقوبة الكبرى التي قدرتها مزيداً من الحيطة والحذر حتى يستقيم التدليل، ويضيف الطاعن أن الحكم لم يدلل على توفر سبق الإصرار بما ينتجه استقلالاً، بل أيده بما ساقه في حديثه عن نية القتل من وقائع لم يمحصها، وفي بيان ذلك يقول إن المحكمة افترضت وجود الزوجة حية في يوم أول يوليه سنة 1956 استناداً إلى ما جاء بالتقرير الطبي التشريحي المؤرخ في 5 من يوليه سنة 1956 من أن الوفاة حصلت على الراجح من ثلاثة أيام سابقة على تحريره في حين أن هذا التقدير لا يعدو - مع تقدم التعفن الرمي الموصوف - أن يكون تقديراً تقريبياً لا ينفي إمكان حصول الوفاة في تاريخ سابق على يوم 2 يوليه سنة 1956 الذي أرجعت إليه، لكن المحكمة في سبيل أن تصور أن الطاعن إنما كان يعد لقتل زوجته عندما اشترى الصندوق في أول يوليه - وهذه واقعة معينة التاريخ أيضاً - قطعت تحكماً بأن الزوجة كانت لا تزال حية في ذلك اليوم، فأخذته بالظن مخالفة بذلك أصول المحاكمات الجنائية. وذهب الحكم أيضاً إلى أن الطاعن إذ طلب قبل شراء الصندوق من أحد الشهود أن يحدث حفرة بمنزله، قد أراد أن يحفر قبراً لزوجته، في حين أن هذا الشاهد أبدى أن الطاعن بدأ بأن طلب تجديد بلاط المنزل مما لا يمكن أن يكون من تدابير التمهيد للقتل، بل يرجح أن الفكرة قد انصرفت إلى إخفاء المخدرات التي شاع عن الطاعن أنه يتجر فيها. فضلاً عن أن مواراة الجثة بالمنزل ليس بالأمر المأمون لأن الرائحة لا تلبث أن تنم عنها هذا عدا ما أضافه الحكم أخذاً من تدليله على توفر نية القتل من دعوى إكراه الزوجة على الزواج من الطاعن بالتهديد ليلاً بمسدس، مما لا يتصل واقعة الدعوى وطمعه في مالها مما لم تمحصه المحكمة ولم تقم دليلاً عليه وما قيل من حصول نزاع بينهما على المسكن مما لا يستغرب بين الأزواج.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بالإدانة على أن الطاعن قتل زوجته ............... عمداً مع سبق الإصرار، وهو في تدليله على أن الجثة التي سبق أن نسبت خطأ لامرأة حية هي لزوجته قال: "دلت التحريات الأخيرة على أنها لـ................... زوجة المتهم الأول (الطاعن) وأنه قد تزوج منها في غضون رمضان سنة 1375، 30 من أبريل سنة 1956 كما قرر في بلاغه للنيابة، وأنه تزوجها على غير رغبة أولادها وقتلها طمعاً في مالها وقد أدلى أولادها و.................. بأوصافها والملابس التي اعتادت ارتداءها وقد وجدت مطابقة لتلك التي أثبتها الطبيب الشرعي في تقريره الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في أن الجثة التي عثر عليها في الصندوق والذي ثبت أنه هو الذي اشتراه، هي لزوجته، يؤكد ذلك أيضاً أنه اضطرب في تحديد تاريخ اختفائها إذ قرر ببلاغه المؤرخ 3 من يوليه سنة 1956 أنه عاد أمس أي في يوم 2 من يوليه سنة 1956، وهذا التاريخ أي يوم 2 من يوليه سنة 1956 أو ليلة 2 من يوليه سنة 1956 هو الذي يرجح الطبيب الشرعي أن القتل حدث فيه، ثم نسى ذلك وقرر أنها اختفت في 27 من يونيه سنة 1956، وهذا التناقض يدل على أنه يعلم حقيقة ما حدث لها، كما قرر ابنها ................... أنه سمع من الناس أن القتيل هي أمه، وليس من المعقول أن تكون المصادفة وحدها هي التي جعلتها تختفي، كما ادعى المتهم الأول في الوقت الذي اتهم فيه بقتلها، يضاف إلى ذلك أنه مضى على اختفائها المزعوم ما يقرب من العامين دون أن يثبت أنها على قيد الحياة في أي مكان اعتادت التردد عليه، ورغم تقديم المتهم الأول بلاغاً عن اختفائها، فإنه لم يدل بأوصافها للبوليس للبحث عنها، ولم يزعم أن لها أوصافاً غير التي أثبتها الطبيب الشرعي في تقريره أو أولادها و................ في أقوالهم والتي لم يناقشها أو يفندها أو يثبت أنها ليست أوصاف زوجته الحقيقية مكتفياً بمجرد الإنكار وبموقفه من الحادث". هذا وقد وصفت الجثة بالتقرير الطبي الشرعي (بأنها (لأنثى) بدينة طولها حوالي 160 سم، وشعر الفروة أسود حالك، وبطول حوالي 20 سم في المتوسط، والحاجبين غير مقرونين، والعينين لا يمكن معرفة لونهما أو القطع بسلامتهما لما اعتراهما من تغيرات ناشئة من جراء التعفن الذي اعترى الجثة، والأنف مدبب، والشفتين متوسطتا الحجم، والأذنين بحجم عادي وشحميتهما غير لاصقتين، ولا يوجد بأي واحدة منهما ثقب، والثديين كبيري الحجم، والحلمتين غير بارزتين والهالة حول كل منهما قاتمة اللون وجدار البطن خال من التشققات، ولا يوجد الخط الأسمر بمنتصف جدار البطن، وشعر العانة مزال وكذلك شعر تحت الإبطين، والأسنان جميعها موجودة وكذلك الأضراس بما فيها ضرس العقل - ثم أورد بعد التشريح أن الرحم يبدو بحجم عادي وخال من الحمل، وفتحة عنقه (مستديرة وملساء) - لما كان ذلك، وكان فيما أورده الحكم - فيما سبق من أدلة لإثبات أن الجثة هي لزوجة الطاعن ما لا يصلح له، وكان يتعين عند استبعاده - أن يعاد النظر في مبلغ كفاية الباقي لحمل هذه النتيجة ولما كان الحكم فوق ذلك لم يتعرض فيما تعرض له من الأوصاف التي أوردها التقرير الطبي الشرعي إلى ما أثبته الطبيب من أن (حلمتي) الثديين غير بارزتين، وأن الهالة حولهما فاتحة اللون، وأن جدار البطن خال من التشققات ومن عدم وجود خط أسمر بمنتصفه, ولم يشر كذلك إلى ما أظهره التشريح من أن "فتحة عنق الرحم مستديرة وملساء" فأغفل بذلك الإشارة إلى هذه المشاهدات، ولم يستظهر ما يمكن أن يكون لها من أثر في تمييز شخصية القتيل، ولم يتجه إلى الكشف عن دلالتها وهل يصح أن تكون لامرأة متكررة الولادة كزوجة الطاعن، أم لا تكون بحيث يجدي النظر بعدئذ إلى باقي ما ذكر من أوصاف، وتقدير ما يمكن أن يكون له من قيمة في التعرف على شخصية صاحبة الجثة التي نازع الدفاع بالجلسة في أنها الزوجة المدعى بقتلها. لما كان ما تقدم، وكان مما استند إليه الحكم في التدليل على توفر ظرف سبق الإصرار ما أبداه من أن الطاعن اشترى الصندوق في يوم أول يوليه سنة 1956، بينما كانت المجني عليها لا تزال حية، دون أن يبين كيف أمكنه تحديد يوم الشراء على وجه اليقين، كما استند إلى دعوى حصول الزواج تحت تأثير التهديد بالقتل، مما لا يتصل بواقعة الدعوى، ولا يلزم عنه اتجاه النية إلى قتل الزوجة بعد إتمام الزواج، ثم إلى القول بحصول نزاع بين الزوجين لم يستطع القطع بسببه أو تحديد مداه - لما كان كل ذلك، فإن الحكم يكون في تدليله قاصراً ومعيباً ويتعين لذلك نقضه بالنسبة للطاعنين معاً تحقيقاً لحسن سير العدالة