الطعن رقم 306 لسنة 38 بتاريخ 15/04/1968
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في يوم 24/2/1964 بدائرة قسم الجيزة محافظة الجيزة: المتهم الأول "الطاعن": قتل عمدا ................. بأن طعنه عدة طعنات في وجهه وصدره بآلة حادة (مطواة) قاصدا إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. والمتهم الثاني: وقد علم بوقوع جناية القتل سالفة الذكر أعان المتهم الأول بإخفاء أحد أدلة الجريمة وهو السلاح (المطواة) المستعمل في ارتكاب الحادث. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقا للوصف والقيد الواردين بقرار الإحالة فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضوريا عملا بالمادة 234/1 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الأول والمادة 145/1، 3 منه بالنسبة إلى المتهم الثاني (أولا) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة (وثانيا) بمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة شهور. فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ
 
 المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد, قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وخطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال, ذلك بأنه قال بتوفر نية القتل على الرغم من تسليمه بأنها لم تظهر لدى الطاعن إلا بعد سكره مما لازمه اعتبار الواقعة ضرباً أفضى إلى موت لأن السكران لا ينعقد لديه القصد الخاص على إزهاق الروح, وما استدل به الحكم على توافر هذه النية من استعمال الطاعن آلة قاتلة بطبيعتها وقيام ضغينة بينه وبين المجني عليه يناقضه أن الآلة المستعملة هي مطواة وهي ليست قاتلة بطبيعتها, كما دلت ظروف الحادث وأقوال الشهود على انتفاء الضغينة بينهما وما ساقه الحكم من أن الطاعن تناول البيرة فقط بدرجة لا تفقده الوعي والإدراك, ينفيه ما شهد به ......... مساعد شرطة النجدة من أن الطاعن كان في حالة سكر, وما شهد به ........ وما ثبت بمحضر الشرطة من أنه عثر مع الأخير على زجاجة خمر وما شهد به .......... من أن الطاعن والمجني عليه شربا خمراً قبل تعاطي البيرة وهو أمر تأيد بما ثبت من تقرير الطبيب الشرعي من ارتفاع نسبة الكحول بدم المجني عليه كما أن ما أثبته الحكم من أن الطاعن سحب المجني عليه لتناول الخمر وأنه أخرج سكيناً اعتدى بها على المجني عليه لضغينة بينهما وأنه شديد الخطورة ينافي الثابت بالأوراق من أن المجني عليه هو الذي صحب الطاعن لتناول الشراب, وأن أحداً لم يشهد برؤيته وهو يخرج السكين للاعتداء على المجني عليه أو بوجود نزاع سابق بينهما, وقد جاءت صحيفة الطاعن خالية من السوابق, كما أثبت الحكم - خلافاً للواقع - أن أقوال الشاهد ......... تليت بالجلسة في حين أنه سئل بها. هذا إلى أن الحكم اجتزأ دفاعه ولم يرد على باقية من احتمال إصابة المجني عليه بمناسبة إقدامه على السرقة مع الطاعن وعدم التعويل على أقواله لأنه كان في حالة سكر وأنه أحدث الإصابات بنفسه ولم ينف الطبيب الشرعي هذا الاحتمال وأن الاتهام لفق للطاعن من رجال المباحث, الأمر الذي يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة لها معينها الصحيح من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, وخلص إلى أن المسكر الذي تناوله الطاعن لم يعدم لديه الإدراك والشعور استناداً إلى ما شهد به شاهد الإثبات الأول بالجلسة من أن الطاعن كان واقفاً بالطريق وقت الحادث بحالة طبيعية. كما أن مسلكه وإجاباته في مراحل التحقيق تقطع بذلك إذ حاول إلصاق التهمة بغيره ثم عاد وزعم أن المجني عليه طعن نفسه, ثم عرض الحكم إلى نية القتل وأثبت توافرها لدى الطاعن من نوع الآلة التي استخدمها وموضع إصابة المجني عليه بأنها في مقتل ومن شدتها بحيث أنها أحدثت قطعاً بالضلع والرئة اليمنى والحجاب الحاجز والكبد ونفذت إلى التجويف البلوري, ومن تكرار الطعنات والضغينة القائمة بينهما. لما كان ما تقدم, وكان الحكم قد محص دفاع الطاعن في خصوص امتناع مسئوليته تأسيساً على وجوده في حالة سكر وقت الحادث وانتهى للأسباب السائغة التي أوردها إلى أنه كان أهلاً لحمل المسئولية الجنائية لتوفر الإدراك والاختبار لديه وقت مقارفة الفعل الذي ثبت في حقه, وكان الأصل أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بحيث تفقده الشعور والاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل, وكان تقدير حالة المتهم وقت ارتكاب الجريمة فيما يتعلق بفقدان الشعور أو التمتع به, والفصل في امتناع مسئوليته تأسيساً على وجوده في حالة سكر وقت الحادث أمر يتعلق بوقائع الدعوى يقدره قاضي الموضوع دون معقب عليه. لما كان ذلك, وكانت نية القتل أمراً داخلياً يرجع في تقدير توافره أو عدم توافره إلى سلطة محكمة الموضوع وحريتها في تقدير الأدلة وهي ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الواقعة كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق, وكان ما قاله الحكم في شأن استظهار نية القتل وقيامها في حق الطاعن سائغاً وصحيحاً في القانون ويتضمن الرد على ما أثاره في شأن تكييفه للواقعة بوصف أنها ضرب أفضى إلى الموت, فإن ما يثيره الطاعن في شأن ذلك كله لا يكون له محل. لما كان ما تقدم, وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من إغفاله إيراد دفاعه الموضوعي وتمحيصه مردوداً بأن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي في كل جزئية يثيرها واطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ذلك, وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه إلى أقوال شهود الإثبات بالتحقيق, وكان وزن أقوالهم مرجعه إلى محكمة الموضوع, وكان الطاعن لا ينازع في أن ما حصله الحكم من أقوالهم له أصله في التحقيق, ومتى كان ما أثبته الحكم عن أقوال الشاهد ........... التي اعتمد عليها له أصله في التحقيقات وقد صدرت منه بالفعل فلا يضير الحكم أن يكون قد أخطأ في قوله أن هذه الأقوال قيلت أمام المحكمة في حين أنها في الواقع إنما تليت عليها. لما كان ما تقدم, وكان ما ينعاه الطاعن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً