أحكام الخلع عند المسحيين
 
المطلب الأول : النظام القانونى
لقد تم توحيد قضاء الأحوال الشخصية مع إبقاء تعدد قوانينها ، فلقد نصت المادة الأولى من قانون رقم 462 لسنة 1955 " الخاص بإلغاء المحاكم الشرعية " على أن " تلغي المحاكم الشرعية والمحاكم الملية ابتداء من أول يناير سنه 1956 وتحال الدعاوى المنظورة أمامها لغاية 31 ديسمبر 1955 إلى المحاكم الوطنية لاستمرار النظر فيها وفقاً لأحكام قانون المرافعات وبناء على ذلك قررت المادة 3 من القانون المذكور أن " ترفع الدعاوى التى كانت من اختصاص المحاكم الشرعية أو التى كانت من اختصاص المجالس الملية إلى المحاكم الوطنية ابتداء من يناير سنه 1956 " .                                                 
فمع توحيد قضاء الأحوال الشخصية إلا أنه أبقى تعدد قوانين الأحوال الشخصية ، بالنسبة للمصرين غير المسلمين فقد أضافت المادة 6 من القانون 462 لسنه 1955 فى الفقرة الثانية على أنه : أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدى الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية مليه منظمة وقت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام فى نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم  .
الأمر الذى يعنى إن المصريين يخضعون للشريعة الإسلامية والمسحيين للشريعة المسيحية واليهود للشريعة اليهودية ، كل ذلك بما يسمى الأحوال الشخصية ، ولقد حددت محكمة النقض المقصود بالأحوال الشخصية بأن : الأحوال الشخصية هى مجموعة ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية والعائلية التى رتب القانون عليها أثراً قانونياً فى حياته الاجتماعية ككونه ذكراً أو أنثى وكونه زوجاً أو أرملاً أو مطلقاً أو أباً أو أبناً وكونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر سن أو عته أو جنون وكونه مطلق الأهلية أو مقيدها بسبب من الأسباب القانونية 0
غير إن هذا الحكم قد تعرض لانتقادات فقهية ، بينما جاء المشرع ليحدد المسائل الخاصة بالأحوال الشخصية بأنها تشمل المنازعات والمسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليهم أو المتعلقة بنظام الأسرة وعلى الأخص الخطبة والزواج وحقوق الزوجين وواجبتهما المتبادلة والمهر ونظام الأحوال بين الزوجين والطلاق والتطليق والتفريق والبنوة والإقرار وإنكارها والعلاقات بين الأصول والفروع والالتزام بالنفقة للأقارب والأصهار وتصحيح النسب والتبني والوصاية والقيامة والحجر والإذن بالإدارة وبالغيبة والمنازعات المتعلقة بالهبات والمواريث والوصايا وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت .
والأمر الذى يتعلق بالمواريث فنجد إن المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنه 1924 توضح بأنه لا يمنع تطبيق شرائع غير المسلمين على مسائل الميراث فى حالة استثنائية وذلك بالقول " قوانين المواريث والوصية وأحكام الشريعة الإسلامية فيها هى قانون البلد فيما يتعلق بالمواريث والوصايا ، على إنه إذا كان المورث غير مسلم جاز لورثته فى حكم الشريعة الإسلامية وقوانين الميراث والوصية أن يتفقوا على أن يكون التوريث طبقاً لشريعة المتوفى أى أن لابد أن تتوافر شروط لذلك:
1. أن تثبت للورثة صفتهم هذه طبقاً للشريعة الإسلامية أى تعتبرهم الشريعة الإسلامية ورثة .
2. أن يتفق الورثة على أن يكون توزيع التركة طبقاً لشريعة المتوفى غير المسلم
3. أن يكونوا متحدين فى الملة والطائفة .
الأمر الذى يوضح لنا كى تطبق الشرائع الغير الإسلامية لابد من توافر شروط معينة وهذا ما نبحثه فى المبحث التالى .
 
المطلب الثانى : شروط انطباق الشرائع غير الإسلامية على شريعة المسيحيين
 
استلزم المشرع توافر عدة شروط لتطبيق الشرائع غير الإسلامية فالمادة 6 من قانون سنه 1955 تنص على أن : أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدى الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية منظمه وقت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام فى نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم ، ويتبين من ذلك إنه كى تطبق شريعة الديانة المسيحية فى مسائل الأحوال الشخصية لابد من توافر ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكون المتنازعون متحدى الملة والطائفة وقبل أن نوضح هذا الشرط لابد من بيان الملل والطوائف عند المسيحيين .
ينقسم المسيحيون إلى ثلاث ملل أو مذاهب :
1. المذهب الأرثوذكس وهو السائد لدى المسيحيين المصريين .
2. المذهب الكاثوليكى .            
3. المذهب البروتستانتى .
المذهب الأرثوذكسى ينقسم إلى أربع طوائف هم :
(أ) الأقباط الأرثوذكسى أتباع الكنيسة المصرية .
(ب) الروم الأرثوذكسى أتباع الكنيسة اليونانية .
(ج) الروم الأرثوذكسى أتباع الكنيسة الأرمينية .
(د) السريان الأرثوذكسى أتباع الكنيسة السورية .
أما الكاثوليك فلهم سبع طوائف هى : الأقباط - الروم - الأرمن - السريان - الموارنة - الكلدان - اللاتين - وهما يتبعون الكنيسة الكاثوليكية فى روما .
أما البروتستانت قد أعتبرهم المشرع المصرى طائفة واحدة ، طائفة الإنجليين ومنهم طائفة الكنيسة المتحدة والبعثة الهولندية والكويكرز والأدفنت .
ونعود إلى توافر شرط الإتحاد فى الملة والطائفة .
مما سبق يتبين إن المادة 6 من القانون 1955 تشترط الإتحاد فى الملة والطائفة كى تطبق شريعة غير المسلمين على أحوالهم الشخصية ، فإذا أتحد الخصوم فى الملة واختلفوا فى الطائفة فإن شريعتهم تستبعد وتطبق الشريعة الإسلامية .
مثال : إذا كان الخصمان مسيحيين أرثوكسيين من طائفة الأقباط فالشريعة المسيحية تحكمهم ، أما إذا اختلفا فى المذهب كان أحدهم أرثوذكسى والأخر كاثوليكى أو مذهب واحد ولكن الطائفة مختلفة مثل أرثوذكسى قبطى والخصم الأخر أرثوذكسى أرمنى فهنا الشريعة المسيحية تستبعد وتطبق الشريعة الإسلامية وكذلك الأمر عندما يختلف الخصمان فى الديانة فلو أحدهما مسيحى والأخر يهودى فتطبق الشريعة الإسلامية .
ولكن متى يتوافر الإتحاد فى الملة والطائفة ؟
تنص المادة 7 من قانون سنه 1955 على أنه : يؤثر فى تطبيق الفقرة الثانية من المادة المتقدمة تغيير الطائفة أو الملة بما يخرج أحد الخصوم من وحدة طائفة إلى اخرى أثناء سير الدعوى  .
الأمر الذى يؤكد إن المشرع أشترط الإتحاد فى الملة والطائفة وقت رفع الدعوى ، فلو توافر شرط الإتحاد فى هذا الوقت طبقت شريعتهم حتى لو حدث اختلاف فى الملة أو الطائفة أثناء سير الدعوى ، أما إذا كانا الخصمان وقت رفع الدعوى مختلفين فى الملة أو الطائفة استبعدت شريعتهم وطبقت الشريعة الإسلامية حتى لو اتحدا فى الملة أو الطائفة أثناء سير الدعوى .
الشرط الثانى : أن ينتمون لطائفة كان لها جهة قضائية منظمة وقت صدور القانون رقم 462 لسنه 1955 فكل طوائف غير المسلمين من المصريين كانت لهم جهات قضائية منظمة وقت صدور هذا القانون أما قانون خاص مثل المجلس الملى للأقباط الأرثوذكسى ومجلس الإنجليين الوطنيين ومجلس الأرمن الكاثوليك .
فإذا كان المتنازعون لا ينتمون لطائفة كان لها جهة قضائية منظمة وقت صدور هذا القانون فإن الشريعة الإسلامية هى المطبقة لأحوالهم الشخصية لو حتى كان خصم يخضع والأخر لا يخضع فكذلك الشريعة الإسلامية هى التى تطبق .
الشرط الثالث : عدم مخالفة حكم الشريعة المسيحية للنظام العام أى يجب عدم مخالفة القاعدة التى تحكم النزاع للنظام العام .
مثال : تنص المادة 64 من مجموعة سنة 1955 فى أحكام الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكسى على أنه : يجوز لكل من الزوجين بعد الحكم بالطلاق أن يتزوج من شخص أخر إلا إذا نص الحكم على حرمان أحدهما أو كليهما من الزواج .
النص هنا يقضى بجواز حرمان أحد الزوجين المطلقين أو كلاهما من الزواج ، وهذا يتعارض مع حرية الزواج وتكوين أسرة وعفة الإنسان ومن ثم فهو يعتبر مخالف للنظام العام أى يجب استبعاده ، كذلك فإن الشريعة الكاثوليكية لا تعرف العدة .
ولما كان اشتراط العدة أمر اقتضته الناحية الاجتماعية من خلو الرحم من أى حمل وعدم اختلاط الأنساب فإن عدم اشتراط ذلك يعتبر مخالفاً للنظام العام فيجب تطبيق العدة حتى لو كانت الشريعة الكاثوليكية هى الواجبة التطبيق .
 
المطلب الثالث : الأثر المترتب لتخلف شروط تطبيق الشريعة المسيحية
1. إذا تخلف شرط الإتحاد فى الملة أو الطائفة ووجود جهة قضائية مليه منظمة للطائفة وقت صدور القانون لسنة 1955 وعدم مخالفة الشريعة المسيحية للنظام العام فى مصر لأضحت الشريعة الإسلامية هى الواجبة التطبيق .
2. إن المادة 95 من لائحة ترتيب المحاكم تقضى فى الفقرة الأخيرة بعدم سماع دعوى الطلاق من أحد الزوجين غير المسلمين إلا إذا كانا يدينان بوقوع الطلاق فهذه المادة نصت على إنه ( ولا تسمع دعوى الطلاق من أحد الزوجين غير المسلمين على الأخر إلا إذا كانا يدينان بوقوع الطلاق ) .
فإذا كانت الشريعة المشتركة للزوجين أو شريعة أحدهما لا تقر الطلاق من حيث المبدأ فإن دعوى الطلاق لا تكون مقبولة .
3. موقف المذاهب من الطلاق : مذهب الكاثوليك لا يقر الطلاق ويعترف بالانفصال الجثمانى ، أما مذهب الأرثوذكس والبروتستانت يقرون مبدأ الطلاق وإن كانا يقرونه فى حالات معين ولكن ، هل للزوج المسيحي حق الطلاق بإرادته دون اللجوء للقضاء ؟
فلو تخلف أحد شروط تطبيق الشريعة المسيحية وطبقت الشريعة الإسلامية بخصوص علاقة زوجية لغير مسلمين فهل يحق للزوج المسيحي استعمال حقه فى طلاق زوجته بإرادته استناداً إلى أن الشريعة الإسلامية هى الواجبة التطبيق ؟
فالإجابة هنا تخلص فى أنه يجب عليه اللجوء للقضاء ليقرر إن الشريعة الإسلامية هى الواجبة التطبيق وعندئذ يكون له الحق فى أن يطلق زوجته بمحض إرادته منذ هذا الوقت دون توقف على صدور حكم بالطلاق من المحكمة بشرط أن يكون الطلاق معترفاً به فى شريعة الزوجين ، مثل الكاثوليك كما تقدم .
4. المهر عند المسيحيين : المهر يقدم من الخاطب إلى المخطوبة بقصد مساعدتها على إعداد منزل الزوجية أى إنه يقدم على افتراض إن الزواج سيتم ، ولكن لو حدث العدول فيجب على المخطوبة ردة وذهبت الآراء إلى أن المهر يرد من المخطوبة إذا كان العدول منها دون مبرر ولا يرد إذا كان الخاطب هو الذى عدل بدون مبرر ، وإذا كان المهر يرد من المخطوبة عند عدولها عن الخطبة بداية الأمر الذى يحق للزوج المسيحي بعد الزواج أن يرد المهر من زوجته المسيحية وذلك عند تطبيق الشريعة الإسلامية لأى اختلاف بينهما فى الملة أو الطائفة أى عند طلب الزوجة التفريق للخلع .