ترك الخصومة كقاعدة عامة يقبل التجزئة :
-------------------------------------------
فإذا تعدد الخصومة وطالب أحد المدعين مع المدعى عليه وقف الخصومة وقفا جزئيا فمن الواجب إجابة هذا الطلب متى كانت الخصومة تقبل التجزئة بطبيعتها ، كذلك الحال إذا طالب بالوقف المدعى مع أحد المدعى عليهم ، وذلك لأن الخصومة تقبل التجزئة كقاعدة عامة ما لم ينص المشرع على ما يخالف ذلك . (أبو الوفا ، مرجع سابق)
أى أن ترك الخصومة يجوز إبداؤه من بعض المدعين المتعددين كما يجوز أن يوجه الى بعض المدعى عليهم دون الآخرين ولا يستثنى من ذلك سوى حالة أن يكون موضوع الدعوى مما لا يقبل التجزئة بحيث لا يحتمل الفصل فيه سوى حل واحد ففي هذه الحالة يعتبر طلب الترك موجها الى جميع المدعى عليهم ومن خلال هذا النظر قضت محكمة النقض بأن ترك المستأنف الخصومة بالنسبة لبعض المستأنف عليهم في موضوع غير قابل للتجزئة يعتبر تركا لها بالنسبة للباقين في المركز القانوني موضوع النزاع الذي لا يحتمل الفصل فيه غير حل واحد بما يوجب على المحكمة إعمال أثر الترك على هذا النحو من تلقاء نفسها باعتبارها المهيمنة على إجراءات التقاضي المعتبرة من النظام العام (28/11/1983 طعن 761 سنة 48ق) ويلاحظ في هذا الصدد أن ذلك لا يعني بذاته ضرورة إثبات الترك وإنما هو يعني اعتبار الترك في هذه الحالة موجها الى جميع المدعى عليهم ، فإن كان في حالة لا يلزم فيها قبول المدعى عليهم أو المستأنف عليهم تعين القضاء بترك الخصومة بالنسبة الى الجميع ، وإن كان في حالة يلزم فيها قبول المدعى امتنع القضاء بالترك حتى بالنسبة الى من قبله منهم . أما إذا كانت الدعوى مما يوجب القانون اختصام أشخاص معينين فيها كدعوى الشفعة فيجوز أن يقتصر الترك على أحد المدعى عليهم وإن كان يترتب على إثباته بالنسبة إليه القضاء بالنسبة الى الآخرين بعدم قبول الدعوى ، وإما إذا كان الالتزام تضامنيا فليس ثمة ما يمنع من ترك الخصومة بالنسبة الى بعض المدعى عليهم إذ أن المادة 285 من التقنين المدني تجيز للدائن مطالبة المدينين المتضامنين بالدين مجتمعين ومنفردين فإذا قضى له بالدين قبل أحد المدينين المتضامنين جاز له تنفيذه قبله وحده ثم يكون المدين المحكوم ضده وشأنه مع باقي المدينين المتضامنين .
وإذا تعدد المدعى عليهم في موضوع قابل للتجزئة وكان يلزم قبول المدعى عليه لإثبات الترك ووجه طلب الترك بالنسبة الى الجميع فلا يقضي بالترك إلا بالنسبة الى من قبله منهم .
ويجوز الترك في أية حالة كانت عليها الدعوى مادام لم يقفل باب المرافعة فيها ، كما يجوز للتارك أن يعدل عن طلب الترك مادام خصمه لم يقبله أو يحكم بقبوله وذلك على عكس ما إذا كان الترك منصبا على إجراء من الإجراءات لا الدعوى برمتها ، فإنه ينتج أثره بمجرد التصريح به  (راغب ص424) ويجوز الترك في الطعن بالنقض (25/1/1984 طعن 679 سنة 47ق - 22/12/1985 طعن 1183 سنة 54ق) وإذا أبدى في إقرار مصدق على توقيع الطاعن عليه وجب إثبات الترك
(22/1/1985 طعن 915 سنة 51ق)
ولا يجوز التمسك لأول مرة أمام محكمة النقض بسبق ترك الخصم لأنه دفاع يخالطه واقع (10/12/1975 طعن رقم 95 لسنة 42ق - م نقض م - 26 - 1626) .
(محمد كمال عبد العزيز ، مرجع سابق)
ولم يحدد المشرع ميعادا لترك الخصومة ، وعلى ذلك يجوز للمدعى أن يتركها في أى وقت منذ انعقادها الى حين صدور الحكم الذي تنتهي به ، ويجوز ترك الخصومة ولو بعد قفل باب المرافعة في الموضوع ويجوز ولو صدر فيها أحكام متعلقة بسيرها أو إثباتها بل ولو صدر فيها حكم فصل في شق من الموضوع .
والأصل أنه متى ترك المدعى خصومته ومتى قبل المدعى عليه هذا الترك أو لم يكن في مقدوره الاعتراض عليه - وجب على القاضي أن يحكم به أيا كان موضوع الخصومة ، ومع ذلك واستثناء من الأصل العام جرى القضاء على عدم إجازة الترك في بعض الحالات ولو قبله المدعى عليه وذلك لدواع تتعلق بالمصلحة العامة .
ويشترك إذن لترك الخصومة أن يحصل ممن يملك إيقاعه وأن يقبله المدعى عليه وإلا تتعلق الخصومة المتروكة بالمصلحة العامة .
فطلب الترك لا يكون مقبولا إلا إذا صدر عن المدعى ، ولا يتصور أن يصدر عن المدعى عليه لأنه يلزم بالسير في القضية المرفوعة عليه ، ومصدر هذا الالتزام القانون نفسه حتى لا يضطر الأشخاص الى الذود عن حقوقهم بأنفسهم ، ومن هذا جاء حق الالتجاء الى القضاء من النظام العام ولا يجوز النزول عنه . (أبو الوفا ، مرجع سابق)
وتنص المادة (142) مرافعات على أنه " لا يتم الترك بعد إبداء المدعى عليه طلباته إلا بقبوله ، ومع ذلك لا يلتفت لاعتراضه على الترك إذا كان قد دفع بعدم اختصاص المحكمة ، أو بإحالة القضية الى محكمة أخرى ، أو ببطلان صحيفة الدعوى أو طلب غير ذلك مما يكون القصد منه منع المحكمة من المضى في سماع الدعوى " .
فيتضح من نص هذه المادة أنه يشترط للحكم بإثبات الترك قبول المدعى عليه أو المطعون ضده له متى كان طلب الترك قد أبدى بعد إبداء الأخير طلباته ، ولا يلزم في هذا الصدد أن يكون المدعى عليه قد أبدى طلبات عارضة أو مقابلة وإنما يكفي أن يكون قد أبدى دفاعه الموضوعي ولو لم يقدم طلبا ، ليكون الترك متوقفا على قبوله (سيف بند 480)
ولا يلزم قبول المدعى عليه للترك إذا لم يكن عند إبدائه ، قد أبدى أية طلبات أو أى دفاع في الموضوع ولو أبداه بعد ذلك وقبل الحكم بإثبات الترك إذ العبرة في توافر شروط القضاء بالترك بوقت إبدائه .
ولا يلزم قبول المدعى عليه للترك إذا كان قد أبدى رغبته صراحة أو ضمنا في عدم صدور حكم في موضوع الدعوى كأن يكون قد طلب إخراجه من الدعوى أو دفعها بدفع إجرائي يهدف منه الى إنهاء الخصومة دون الحكم في موضوعها كالدفع بعدم الاختصاص أو الإحالة أو بطلان صحيفة الدعوى أو بسقوط الخصومة أو بعدم قبول الدعوى أو بعدم سماعها فإذا لم يبدى الدفع جاز القضاء بالترك ولو لم تكن المحكمة مختصة ، وكذلك يجوز القضاء بالترك إذا قضت المحكمة برفض الدفع .
(11/12/1979 طعن 30 سنة 46ق)
ولا يلزم قبول المطعون ضده لإثبات ترك الطاعن للخصومة في الطعن ولو كان قد أبدى طلباته ، متى كان طلب إثبات الترك قد أبدى بعد انقضاء مواعيد الطعن ، إذ يعتبر طلب الترك منطويا على التنازل عن الحق في الطعن ملزما لصاحبه دون حاجة الى قبول الخصم الآخر . (9/1/19992 طعن 2917 سنة 58ق - 22/3/1992 طعن 3286 سنة 60ق - 24/5/1992 طعن 2537 سنة 55ق -10/12/1991 طعن 2028 سنة 54ق - 5/5/1979 طعن 1052 سنة 49ق - م نقض م - 30 العدد الثاني - 287 - 22/5/1973 - م نقض م - 24 - 807) وبالتالي يكون للطاعن بعد انقضاء مواعيد الطعن ترك الخصومة في الطعن ولو لم يمثل أحد من المطعون ضدهم (1/3/1983 طعن 1824 سنة 49ق) وإذا تضمن عقد الصلح المقدم في الطعن والذي أعلنت المحكمة الطاعن به ترك الخصومة في الطعن بعد أن كان ميعاد الطعن قد انقضى فإنه يتعين قبول الترك وإثباته لأن ترك الطعن بعد فوات مواعيده يتضمن تنازلا عن الحق في الطعن ملزما لصاحبه دون حاجة لقبوله من الخصم الآخر (31/12/1985 طعن 440 سنة 52ق) ولا لزوم لقبول المستأنف ضده ولو كان قد أبدى طلباته أو أقام استئنافا فرعيا إذا كان ترك المستأنف لاستئنافه أبدى بعد انقضاء ميعاد الاستئناف
(29/11/1976 طعن 845 سنة 43ق - م نقض م - 27 - 1707)
ولا يلزم قبول الخصم الترك متى اقترن الترك بإسقاط صاحبه لأصل الحق المرفوعة به الدعوى إذ لا تكون له مصلحة مشروعة في الاعتراض على الترك
(11/5/1978 طعن 854 سنة 45ق - م نقض م - 29 - 1235)
ولا يلزم قبول الخصم للترك إذا انتفت مصلحته المشروعة في استمرار الخصومة (16/12/1984 طعن 2342 لسنة 51ق - م نقض م - 35 - 2114 - 28/4/1988 طعن 2092/2132 سنة 51ق - 7/3/1979 طعن 714 سنة 48ق - م نقض م - 30 العدد الأول - 747) .
(محمد كمال عبد العزيز ، مرجع سابق)
وبالنسبة للأهلية فلا يشترط في التارك ألا أن يكون أهلا للتقاضي ، لأنه لا يترتب عليه إلا إلغاء الإجراءات التي باشرها في سبيل المطالبة بحقه دون التنازل عن الحق ، فترك الخصومة إذن لا يعد عملا من أعمال التصرف إنما هو من أعمال الإدارة الحسنة إذ قصد به التنازل عن خصومة رفعت مخالفة للقانون ، فالصبى المميز  - أو ناقص الأهلية - الذي يؤذن له في إدارة أمواله والذي يجوز له أن يرفع الدعاوى بصددها ، يجوز له أن يتنازل عنها بشرط ألا يترتب على ذلك سقوط أصل الحق الذي يدعيه .
ويجوز للولى أو الوصى أن يترك الخصومة التي رفعها باسم القاصر ، كما يجوز للقيم أن يترك الخصومة التي أقامها باسم المحجور عليه .
ويلاحظ أن القانون رقم 119 لسنة 1952 يشترط إذن المحكمة عند رفع الدعاوى باسم فاقد الأهلية أو ناقصها أو عند التنازل عنها بعد إقامتها أو التنازل عن طرق الطعن المقررة في الأحكام الصادرة فيها . (م 39 ، 88 منه)
ويجوز للسنديك أو للدائن أن يترك الخصومة التي أقامها باسم المدين إذا كانت هناك مصلحة قانونية تبرر هذا الترك وبشرط ألا يتناول أصل الحق المرفوعة به الدعوى .
ولا يصح الترك من الوكيل بالخصومة إلا إذا كان مفوضا تفويضا خاصا به عملا بنص المادة 76 ، وإذا ترتب على الترك سقوط الحق المدعى به ، وجب أن يكون الوكيل بالخصومة مفوضا بالتنازل عنه ، وإلا جاز ، في الحالتين ، التنصل من عمل الوكيل . (أبو الوفا ، مرجع سابق)