مواكبة
للأحداث والكوارث البيئية في العالم ، ونسبة لان قضايا البيئة قد أخذت مساحة كبيرة
في حمى سباق الرئاسة في الانتخابات الأميركية فإننا نعزز موقف القارئ بهذه المادة
القانونية بتصرف من كتاب (حماية البيئة البحرية من التلوث- مشكلة التلوث في الخليج
العربي دراسة قانونية) تأليف د.عباس هاشم الساعدي: إن المسؤولية المدنية عن اضرار التلوث تخضع لاحكام التشريعات الوطنية
كقاعدة عامة، اذ غالبا ما تباشر دعاوي التعويض امام المحاكم الاجنبية عندما يكتسب
ضرر التلوث مظهرا دوليا، وذلك باختلاف جنسية المتضرر عن جنسية السفينة المسببة
للضرر. وهنا يتحمل المتضرر أعباء إضافية علاوة على صعوبة تهيئة أدلة الإثبات.





وقد
كانت التشريعات الوطنية كافية لتلبية دعاوي المتضررين من التلوث الى حد ما. غير أن
وقوع الكوارث البحرية، وخاصة حادثة الـ(تورى كانيون) وما تلتها من حوادث، اثبتت
بأن الكوارث البحرية التي يسببها انفجار او جنوح ناقلات النفط العملاقة يمكن ان
تخلف اضرارا تتجاوز حدود المسؤولية التي تقررها التشريعات الوطنية الى حد كبير.
ومن ناحية اخرى، اثبتت تلك الكوارث استحالة توقع غطاء شامل لمخاطر النقل الحديث
للنفط باللجوء إلى النظام التقليدي للقانون البحري.





لذلك
برزت الحاجة الى توحيد القواعد التي تضمنتها مختلف التشريعات الوطنية في اتفاقيات
دولية، حيث عقدت اتفاقيات دولية عالجت مشكلة المسؤولية عن التلوث بالنفط، وتناولت
طبيعة المسؤولية، وحددها والجهة المسؤولة عن الضرر كما عقدت اتفاقيات دولية اخرى -
ذات طابع عالمي واقليمي- عالجت موضوع المسؤولية بصورة جانبية. اضافة الى ان هذا
الموضوع نوقش في مؤتمر الامم المتحدة الثالث لقانون البحار.





1-
الاتفاقية الدولية حول المسؤولية المدنية عن اضرار التلوث بالنفط لعام 1969: تعد المسؤولية المدنية التي يسببها التلوث
بالنفط من السفن، من اكثر مواضيع المسؤولية تنظيما في القانون الدولي. فقد القت
هذه الاتفاقية عبء المسؤولية وتبعة التعويض عن الاضرار التي يسببها التلوث الناجم
عن (انسياب او تصريف النفط) م13 من الاتفاقية من السفن في (اقليم الدولة المتعاقدة
او بحرها الاقليمي م2 من الاتفاقية) على (مالك السفينة م3«1» من الاتفاقية). وقد استبعدت الاتفاقية عمليا المسؤولية
المباشرة للدولة، حيث لا تطبق احكامها على (السفن الحربية اوالسفن الاخرى المملوكة
للدولة اوتلك التي تستغلها والتي تخصص للخدمات الحكومية غير التجارية) (م11(1) من
الاتفاقية). وتخضع الدولة للمقاضاة اسوة بالمؤسسات الخاصة عن الضرر الذي تسببه
سفنها التجارية (م11«2»). ولا نعتقد ان لهذا النص اهمية، طالما ان السفن التي
تملكها الدولة تستغلها شركات عامة وتعني لاغراض الاتفاقية (مالك السفينة) (المادة1
«3»). أما عن طبيعة المسؤولية التي اقرتها
الاتفاقية فهي ا لمسؤولية المطلقة، حيث أن فقدان الخطأ لا يعفي المالك من
المسؤولية، انما يعفي عند تحقق حالات حددت على سبيل الحصر، وهي اعمال او وقوع
حادثة طبيعية ذات طابع استثنائي لا يمكن مقاومته، والاعمال العمدية التي يقوم بها
طرف ثالث (المادة3«2» من الاتفاقية). كما ادخلت الاتفاقية فكرة (تحديد المسؤولية)،
اذ يحق لمالك السفينة تحديد مسؤوليته بحد اقصى قدره (2000) فرنك لكل طن من حمولة السفينة
وللحادثة الواحدة «اي ما يعادل 60 دولارا اميركيا»، ولا يتجاوز الحد الاقصى
للمسؤولية (210) مليون فرنك «أي ما يعادل 17 مليون دولار اميركي) بأية حال من
الاحوال المادة (5«1» من الاتفاقية). ولمصلة الضحايا، اوجبت الاتفاقية على مالك
السفينة أن يؤمن تأمينا الزاميا او أن يقدم ضمانا ماليا اخر للمسؤولية المحتملة
بالمبلغ المحدد آنفا (المادة 7 «1» من الاتفاقية). ويجب ان تشهد دولة سجل السفينة
على توافر مثل ذلك التأمين بموجب شهادة خاصة (المادة 7«2»). وعلى الدولة الا تسمح
للسفن التي تحمل اعلامها بالاتجار مالم تحمل تلك الشهادة (المادة 7«10»). ويقع على
الدولة الطرف ايضا التزام بعدم السماح لأية سفينة تتجاوز حمولتها الفي طن من
النفط. بصرف النظر عن العلم الذي ترفعه، أن تدخل او تغادر موانئها في حالة عدم
اكتسابها للشهادة المطلوبة (المادة7 «11»).





2- الاتفاقية الدولية لانشاء صندوق دولي
للتعويض عن اضرار التلوث بالنفط لعام 1971: أعدت منظمة (الامكو) هذه الاتفاقية وأقرها مؤتمرها في 18 كانون أول 1971
بهدف رفع الحد الأقصى للتعويض عن أضرار التلوث بالنفط من السفن، وتأمين دفع
التعويض في حالة انتفاء مسؤولية مالك السفينة وفقاً لاتفاقية المسؤولية لعام 1969،
ويكون الصندوق، بموجب المادة الرابعة من الاتفاقية، مسؤولاً عن دفع التعويض إلى
الدول والجهات الخاصة في حالة عدم إمكانية استحصال مبالغ التعويض من مالك السفينة،
كالحالات التي يعفى فيه المالك من المسؤولية وفقاً لاتفاقية المسؤولية عام 1969، وكذا
في الحالة التي يتجاوز مبلغ التعويض الحد الأقصى لمسؤولية مالك السفينة كما ورد في
اتفاقية المسؤولية، وفي الحالة الأخيرة يجب ألا يتجاوز مبلغ التعويض الذي يدفعه
مالك السفينة والصندوق معاً على (30) مليون دولار أمريكي للحادثة الواحدة،
والمقدار نفسه يدفعه الصندوق وحده في حالة انتفاء مسؤولية مالك السفينة. وتأتي المساهمات المالية في الصندوق من
الشركات والاشخاص الذين يزيد المجموع السنوي لما يستلمونه من نفط خام وقود منقول
بحرا على (000،150)طن.





3-
إتفاقية لندن لمنع التلوث البحري عن طريق اغراق النفايات والمواد الاخرى لعام 1972: لم تؤسس في القانون الدولي الحد الان قواعد
المسؤولية عن اضرار التلوث الناجم عن اغراق النفايات في البحر. إنما جاءت الاشارة
لموضع المسؤولية بصورة ثانوية في اتفاقية لندن للاغراق 1972. حيث يقع على عاتق
الدول الاطراف واجب (تطوير اجراءات تقدير المسؤولية) طبقا إلى (مبادئ القانون
الدولي الخاصة بمسؤولية الدولة عن الاضرار الحاصلة لبيئة الدول الاخرى او إلى أية
منطقة من البيئة، نتيجة لاغراق النفايات والمواد الاخرى) (المادة10 من اتفاقية
الاغراق) وبذلك فإن هذه الاتفاقية اجلت تشريع القواعد الخاصة بالمسؤولية الى موعد
لاحق.




وبهذا الصدد يمكن الاشارة الى عاملين لهما تأثيرهما في
قواعد المسؤولية عن اغراق النفايات. اولهما أن الاتفاقية نصت على عدد من الحالات
يكون فيها القاء النفايات مباحا، وبذلك يجب النص على العوامل المعفية للمسؤولية
وثانيهما ان الاتفاقية لا تطبق (على السفن والطائرات التي تتمتع بحصانة طبقا
للقانون الدولي).