مجلة المحاماة - السنة الرابعة 1923

أبحاث قانونية وشؤون قضائية
بحث في تحويل الديون التجارية


قررت
محكمة مصر الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية قاعدة أنه (لا يجوز التنازل
عن الأحكام وتحويل الديون المقضي بها فيها إلى الغير إلا برضاء المدين ولو
كان أصل الدين دينًا تجاريًا).
استلفت نظري هذا الحكم وأنا أقلب صفحات العدد الأخير من مجلة المحاماة
لمخالفته ما هو مقرر مشهور في حوالة الديون التجارية فطالعت أسبابه وأنا
طامع أن أجد فيها ما يبرر الخروج على المعروف الثابت فلم أجد سوى ما يأتي:

- بما أنه لا نزاع في أن المستأنف ليس بيده ورقة تجارية يستند إليها في دعواه بل كل ما يرتكن إليه هو الحكم الصادر له.
- وبما أن هذا الحكم لا يمكن بأية حالة من الأحوال اعتباره سندًا تجاريًا
حائزًا لشروط الأوراق التجارية التي تنتقل ملكيتها بمجرد تحويل بغير حاجة
إلى رضاء المدين تلك الشروط التي إن فاتت أية ورقة تجارية سٍقط اعتبارها
كورقة تجارية مهما كان موضوعها والمتعاملين بها تجارًا (راجع بودري في
كتاب البيع بند 799 تعليقًا على المادة 1690 فرنسي).
- وبما أنه إذا تبين ذلك أصبح من المتعين اقتضاء رضاء المدين لكي يكون التحويل صحيحًا ورضاء المدين في هذه الدعوى لا أثر له.
أسباب غامضة أكبر ظني أن الإشارة فيها يرجع إلى المادة (349) القائلة لا
تنتقل ملكية الديون والحقوق المبيعة ولا يعتبر بيعها صحيحًا إلا إذا رضي
المدين بذلك بموجب كتابة إلخ.
- وزيادة على ذلك لا يصح الاحتجاج بالبيع على غير المتعاقدين إلا إذا كان
تاريخ الورقة المشتملة على رضاء المدين به ثابتًا بوجه رسمي ولا يسوغ ذلك
الاحتجاج إلا من التاريخ المذكور فقط وكل هذا بدون إخلال بأصول التجارة
فيما يتعلق بالسندات والأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها.
التبس معنى الفقرة الأخيرة من هذه المادة عل محكمة مصر كما يظهر، فظنت إن
القانون المصري قد ساوى بين الديون المدنية والتجارية فيما يختص بشروط
تحويلها فاقتضى رضاء المدين في النوعين لكي يصبح التحويل صحيحًا ولكن
استثنى من ذلك السندات والأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها
كالكمبيالات والسندات التي تحت الإذن فأجاز تحويلها دون حاجة لرضاء المدين.
على أن الظاهر الواضح أن (وكل هذا بدون إخلال بأصول التجارة فيما يتعلق
بالسندات والأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها) إنما ترجع الإشارة
فيها إلى ما تقدمها مباشرةً من الكلام على صحة الاحتجاج بتاريخ التحويل
على الغير لا إلى صحة التحويل فيما بين الدائن والمدين، يدل على ذلك:
أولاً: نص المادة (436) من القانون المدني المختلط وهي التي تقابل المادة (349) أهلي فقد جاء في أولها:


La propriété du droit cédé est transmise vis - a - vis des tiers;
1 - Par La notification du transport au debiteur cédé.
2 - Par l’acceptation du cédé dans un acte ayant date certaine et à
partir de cette date seulement. Elle est val able contre le cédé
quoique l’acte n’ait pas date certaine du moment de son acceptation, et
le tout sans prejudice des régles du commerce pour la cession des
titres et effets de commerce.

وهذا
النص لا يعتوره ما في النص الأهلي من الغموض بل هو صريح في أن استثناء
الأوراق التي تنتقل الملكية فيها بتحويلها إنما هو من وجوب إثبات تاريخ
الرضاء بالنسبة للغير لا من اقتضاء الرضاء نفسه.
ثانيًا: جاء في الفقرة الأخيرة من المادة المختلطة وهي الخاصة بالتحويل بين الوطنيين ما لا يترك مجالاً للشك في قصد الشارع المصري قالت:


Méanmoins
les obligations purement civiles nécent entre indigénes, ne pourront
être cédées qu’ avec le consentement du debiture lequel ne pourra être
établi que pas ecrit ou par delation du serment.

فيخرج من حكم هذا النص بداهة الديون التي ليست تجارية صرفًا.
ثالثًا: قضت محكمة الاستئناف المختلطة تأييدًا لما تقدم بأن:


La
cession ayant pour object une créance commerciale est valable même
quand les deux parties sont des sujets locaux, sans besoin du
consentment du debiteur (Bulletin Au XXI p. 348).

رابعًا:
أما البند الذي استندت عليه محكمة مصر في شرح العلامة بودري فلا علاقة له
بموضوع بحثنا البتة بل هو خاص كما يتبين من مجرد الاطلاع على عنوانه
بالكلام على ما استثناه القانون الفرنسي من حكم المادة (1690)، وهي التي
تنص على وجوب إثبات تاريخ الرضا بالنسبة للغير كما في القانون الأهلي
والمختلط.
على أن العلامة بودري قد عالج علاقة المحتال بالمدين في موضع آخر من كتابه
ورأيه الصريح أن عدم رضاء المدين بالتحويل (أو إعلانه به كما في القانون
المختلط) لا يقف عائقًا في سبيل انتقال ملكية الدين إلى المحتال ولا يمنع
هذا الأخير من مقاضاة المدين بطلب حقه منه (راجع شرح البيع للعلامة متقدم
الذكر بند 851).
ولا يعترض على ما تقدم بأن الفقرة الأخيرة من المادة (349) باقتضائها
إثبات تاريخ قبول المدين حتى في تحويل الديون التجارية قد اقتضت ضمنًا هذا
القبول فإن القانونين الأهلي والمختلط قد افترضا كذلك وجود الرضاء عند
الكلام على صحة الاحتجاج بالتحويل على الغير كالمادة الأهلية سواء بسواء
(مادة 1690 فرنسي، و436 مختلط)، ولم يقل في فرنسا ولا أمام المحاكم
المختلطة أحد بأن هذا الافتراض معناه أن تحويل الديون لا يكون صحيحًا فيما
بين المحتال والمدين إلا إذا رضى هذا الأخير بالتحويل، بل المفهوم هناك أن
قبول المدين الذي اشترط الشارع إثباته بورقة رسمية أو ثابتة التاريخ هو
نوع من الإعلان يراد به كإعلان التحويل إلى المدين حماية الغير من أن
يتعاقد مع الدائن على الدين المحول مرة أخرى (انظر شرح البيع للعلامة
بودري بند 767 وما بعده).