- تمهيد:
نصت المادة الأولى من القانون رقم (58) لسنة 1949 بشأن الأسلحة وذخائرها
على حظر إحراز الأسلحة النارية بجميع أنواعها أو حيازتها بدون ترخيص من
وزير الداخلية أو من ينوب عنه وحددت المادة الثانية مفعول الترخيص لمدة
سنة واحدة قابلة للتجديد، ووضحت المادة الثالثة كيفية مباشرة وزير
الداخلية أو من ينوب عنه حق منح الترخيص أو رفضه أو تقصير مدته أو قصره
على أنواع معينة من الأسلحة أو تقيده بأي شرط أو قيد يرى من المصلحة تقيده
به - وحق سحبه له إلى أن جاءت المادة التاسعة التي نصت على عقاب كل من
أحرز أو حاز أسلحة نارية مششخنة بالأشغال الشاقة المؤقتة.
وسنبحث في هذا الصدد حالة الشخص المرخص له بإحراز سلاح تطبيقًا للمواد السابقة ثم وجد محرزًا لسلاح آخر لم يشمله الترخيص.
2 - أهمية البحث:
هل إذا كان هذا السلاح الناري الثاني مششخنًا يعتبر مثل هذا الشخص قد
ارتكب الجناية المنصوص عليها في المادة التاسعة من هذا القانون، ولعل
صعوبة البحث راجعة إلى أنه ظاهر هذا القانون لم يتعرض صراحةً لمعالجة هذه
الحالة بين ثنايا نصوصه، مما حدا ببعض رجال الفقه إلى اعتبار هذا الشخص قد
ارتكب الجناية المذكورة مستندين في ذلك إلى أن الرخصة قاصرة على السلاح
المعين فيها فحسب.
وبرجوعنا إلى القضاء المصري لم نعثر على حكم تعرض لهذه المشكلة القانونية،
كما لا يجدينا البحث في تطبيقات أحكام قانون السلاح الفرنسي وهو المرسوم
بقانون الصادر في 18 إبريل 1939 للاختلاف البين بين قانوننا والقانون
الفرنسي في هذا المجال.
3 - مناط البحث:
ولعل الذي يسعفنا في هذا المقام هو معرفة ماهية هذا الترخيص وتكييفه من
الوجهة القانونية بمعنى أنه يجدر بنا أن نتساءل هل رخصة حمل السلاح ذات
صفة شخصية أي أنها صدرت للشخص ذاته أم أنها ذات صفة عينية أي عالقة بالشيء
وحده.
4 - الترخيص شخصي:
ولا شك أن الذين يذهبون إلى اعتبار مثل هذا الشخص مرتكبًا للجناية
المذكورة يؤكدون أن الترخيص عيني خاص بالسلاح الوارد فيه دون غيره من
الأسلحة، إلا أننا نخالفهم في زعمهم هذا منادين باعتبار الترخيص شخصي وإلى
القارئ الأدلة التي تؤيد ذلك.
أولاً: الثابت من الاطلاع على القرار الوزاري الصادر في 19 إبريل سنة 1952
بتنفيذ أحكام هذا القانون أن إجراءات الحصول على الترخيص تنحصر في تقديم
طلب الترخيص إلى الجهة المختصة يرفق به شهادة من إدارة تحقيق الشخصية عن
سوابق الطالب وشهادة إدارية بأنه محمود السيرة حسن السمعة لم يسبق إدخاله
مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية - ثم تجرى التحريات الكافية عن الطالب،
ويعطى له الترخيص بعد ذلك مشتملاً البيانات الآتية: اسم الطالب، وصف
السلاح المرخص له به، الأغراض التي من أجلها رُخص له في إحرازه أو حيازته،
تاريخ منح الترخيص وانتهاء مدته، الشروط التي يرى تقييد الترخيص بها،
والمعروف أن القصد من البيانات تقييد الترخيص من أجل المصلحة العامة حماية
للأمن والنظام الاجتماعي.
فهل قصد المشرع أن يسري بين حالة مثل هذا الشخص الذي قام بتنفيذ هذه
الإجراءات وبين آخر لم يتخذ إجراءات الترخيص أو اتخذها ولم يصرح له بحمل
السلاح ؟
لا ريب أن الجواب بالسلب من الوجهة القانونية ومن اعتبار العدالة في آنٍ واحد إذ القول بعكس ذلك يجرد هذا الترخيص من كل حجية.
ثانيًا: من المُسلم به حتى من أنصار المذهب المعارض أن السلاح المرخص
بحمله إذا انتقل إحرازه أو حيازته إلى شخص آخر لم يرخص له بحمل السلاح
اعتبر هذا الشخص محرزًا أو حائزًا السلاح بدون ترخيص ويقع تحت طائلة
العقاب المقرر في المادة التاسعة سالفة الذكر، وهذه النتيجة دفعت أنصار
المذهب المعارض إلى القول بأن الترخيص عيني وشخصي معًا وهو ما لا يمكن
الأخذ به، وإنما يتعين القول باعتبار الترخيص شخصي فإذا حاز أو أحرز
المرخص له سلاحًا آخر فيكون قد خالف شروط الترخيص وهو ما يقع تحت أحكام
المادة (11) من هذا القانون والتي تنص على أن (كل مخالفة أخرى لأحكام هذا
القانون يعاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد
على عشرة جنيهات أو بإحدى هاتين العقوبتين).
ومما يثبت ذلك أن هذه المادة وردت بعد المادتين (9)، (10) اللتين تعاقبان
على إحراز أو حيازة الأسلحة النارية والذخائر بغير ترخيص ويستفاد من ذلك
أن المادة (11) خاصة بمخالفة شروط الترخيص وغير ذلك من المخالفات الأخرى
لأحكام القانون ولو كان عكس ذلك لكان جديرًا بالمشرع أن ينص في المادتين
(9)، (10) بالعقاب على الإحراز والحيازة بغير ترخيص أو عند مخالفة الترخيص
معًا وهذا ما لم يفعله مما يخلص منه أنه ترك الواقعة الثانية إلى المادة
ذات التطبيق العام وهي رقم (11)، ومما يؤكد ذلك أيضًا أن المادة (12)
أوجبت الحكم بمصادرة السلاح موضوع الجريمة في كل الحالات ومن بينها المادة
(11) سالفة الذكر ولا يمكن أن تفهم هذه المادة باحتوائها على المادة (11)
إلا إذا كان إحراز السلاح مما لا ينطبق عليه المادتين (9)، (10) من هذا
القانون.
ثالثًا: بالاطلاع على المادة (102 أ) من قانون العقوبات التي أضيفت بمقتضى
القانون رقم (50) لسنة 1949 والتي تنص على أنه (يعاقب بالأشغال الشاقة
المؤبدة أو المؤقتة كل من أحرز مفرقعات أو حازها أو صنعها أو استوردها قبل
الحصول على ترخيص بذلك…) ولم يرد في هذا القانون مادة مماثلة للمادة (11)
من القانون رقم (58) لسنة 1949 بشأن الأسلحة وذخائرها والسابق شرحها
باعتبارها تتضمن مخالفة شروط الترخيص، مما دفع المشرع المصري إلى معالجة
هذا النقص الظاهر في التشريع فصدر القانون رقم (7) لسنة 1952 في 24 يناير
سنة 1952 بإضافة مادة جديدة إلى هذا القانون رقم (102) وهي تنص على أنه
(يعاقب بالحبس على مخالفة شروط الترخيص المشار إليها في المادة (102 أ)).
ومفهوم ذلك أن المشرع اعتبر مخالفة شروط الترخيص أقل جرمًا من إحراز المفرقعات بغير ترخيص فكيف الأولى جنحة والثانية جناية.
ولقد ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم (7) سنة 1952 ما يلي:
أصدر وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير العدل قرارًا في 20/ 9/ 1950 لبيان
الشروط الخاصة بالتراخيص المنصوص عليها في المادة (102 أ) من قانون
العقوبات والإجراءات المتعلقة بها [(1)].
ولما كانت أحكام القانون بوضعها الحالي خالية من نص خاص يعاقب على مخالفة
شروط نقل هذه المفرقعات وتخزينها وما قد يترتب على ذلك من نتائج خطيرة مما
تصبح معه العقوبة الواجبة التطبيق هي مجرد عقوبة المخالفة عملاً بالمادة
(395) فقرة ثانية من قانون العقوبات وسحب الترخيص وهي عقوبة لا تتلاءم مع
خطورة الفعل في ذاته، لذلك رُئي وضع نص ينسحب على كافة وجوه المخالفات.
ويمكن أن نستخلص من ذلك أن المشرع المصري جاء في قانون السلاح أكثر حرصًا
منه في قانون المفرقعات فأورد مادة ذات تطبيق عام هي المادة (11) التي
استهلها بعبارة (كل مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون…
وإذا لم يكن هذا القانون قد تضمن هذه المادة لكنت قد ذهبت إلى اعتبار
المسألة محل بحثنا مخالفة بالتطبيق إلى الفقرة الثانية من المادة (395) من
قانون العقوبات جريًا على ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم (7)
سنة 1952 المذكور.
رابعًا: ومما يؤكد هذا الرأي عبارة (كل مخالفة أخرى) الواردة في المادة
(11) إذ لو كان المشرع يقصد بها حالات وجوب الأخطار عن الأسلحة بالنسبة
لبعض الأشخاص المذكورين في المادتين (4) و(7) من هذا القانون لكان أجدر به
أن ينص صراحةً على ذلك في هذه المادة دون استعمال عبارة (كل مخالفة أخرى).

وهذا الرأي ينطبق حتى ولو كان الشخص قد رخص له بحمل سلاح غير مششخن فطالما
أنه قد صدر له الترخيص من الجهة المختصة بحمل السلاح فمعنى هذا أنه جدير
بحمله ولا خطر على الأمن والنظام بإحرازه أو حيازته له فإذا حددته هذه
الجهة بنوع معين من الأسلحة ولو غير مششخن فإننا لا يمكن أن نعتبره لم
يرخص له أصلاً بحمل السلاح ثم نوجه إليه تهمة الجناية إذا وجد محرزًا
لسلاح آخر مششخن إذ أن هذا يجافي نصوص القانون ويؤدي إلى انعدام حجية
الترخيص الصادر له بحمل السلاح وهذا ما لا يستساغ عقلاً.
ولا يقدح في ذلك القول بأن هذا الشخص وقد رخص له بسلاح غير مششخن فلا يعتد
بهذا الترخيص إذا أحرز سلاحًا مششخنًا بدعوى أن من يملك الأقل لا يملك
الأعلى، هذا غير صحيح إذ طالما أنه قد رخص له بحمل السلاح فإذا أحرز
سلاحًا ثانيًا ولو مششخنًا فيكون قد خالف شروط الترخيص الصادر له وتنطبق
على فعله الجنحة الواردة في المادة (11) من هذا القانون.
ولا يحتج علينا بأن هذا الرأي قد يؤدي إلى نتيجة غريبة هي أن من رخص له
بحمل سلاح أبيض إذا أحرز سلاحًا مششحنًا فإنه يكون قد خالف المادة (11) من
هذا القانون وتوجه إليه تهمة الجنحة فقط، فيرد على ذلك بأن القانون رقم
(58) لسنة 1949 قسم الأسلحة إلى نوعين أسلحة نارية وأسلحة بيضاء ونظم
لكلاهما أحكامًا خاصة للاختلاف بينهما من حيث طبيعتها ففي المادة الأولى
منه نص على أنه (يحظر بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه إحراز
الأسلحة النارية بجميع أنواعها أو حيازتها أو الاتجار بها أو صنعها أو
استيرادها) ثم جاء بعد ذلك وقال وكذلك الأسلحة البيضاء المبينة في الجدول
(رقم أ) الملحق بهذا القانون.
وعند ما نص على عقاب الإحراز أو الحيازة لها انفردت المادة (Cool بالأسلحة
البيضاء بينما جاءت المادة (9) خاصة بالأسلحة النارية وكل ذلك يؤكد إيمان
المشرع المصري باختلاف طبيعة كل نوع من الأسلحة فإذا رخص لشخص بحمل سلاح
من أي نوع ثم أحرز سلاحًا من النوع الثاني فيعتبر الترخيص بالنسبة لهذا
النوع الثاني كأن لم يكن ويعتبر حائزًا للسلاح بغير ترخيص فإن كان مششخنًا
توجه إليه الجناية الموضحة بالمادة التاسعة ومما يؤكد ذلك أيضًا أن
القانون القديم رقم (Cool سنة 1917 كان يفرق أيضًا بين هذين النوعين من جهة
طبيعتها والعقوبة المقررة لها إلا أنه فيما يختص بالأسلحة النارية فلم يكن
يقسمها إلى قسمين مششخن وغير مششخن إذ أن هذه القسمة أوردها القانون
الجديد بقصد تشديد العقوبة على النوع الأول وإن كان في النهاية قد سوى
تقريبًا بينهما إذا كان الحائز للسلاح غير المششخن من الأشخاص المنصوص
عليهم في الفقرات الخمس الأولى من المادة السادسة ففي الحالتين اعتبر
الواقعة جناية.
5 - خاتمة:
هذه هي خلاصة اجتهادي في هذا القانون والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب، وأملي أن
يكون الله عز وجل قد وفقني إلى الصواب فجنبني الزلل فوصلت إلى الحقيقة في
هذا البحث.
والله ولي التوفيق،




[(1)]
راجع قرار وزير الداخلية الصادر في 28 سبتمبر سنة 1950 بالشروط والإجراءات
الخاصة بالحصول على التراخيص المنصوص عليها في م (102 أ ع) (المادة
الرابعة منه) الوقائع عدد 92.