نصت
المادة (402) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يجوز للنيابة أن تستأنف
الأحكام الصادرة في الجنح والمخالفات إذا طلبت الحكم بغير الغرامة
والمصاريف أو بغرامة تزيد على خمسة جنيهات وحكم ببراءة المتهم أو لم يحكم
بما طلبته النيابة.
ولقد ثار الخلاف حول ما إذا كان مجرد طلب النيابة تطبيق مادة على جريمة
معينة يشمل طلب ما قضت به تلك المادة ولو كان ذلك على سبيل الخيار للمحكمة
أم أنه يتعين على النيابة أن تطلب صراحةً من المحكمة الحكم بغرامة تزيد
على خمسة جنيهات أو الحكم بالحبس أو بالعقوبات التكميلية أو غير ذلك
كالهدم وإعادة الشيء لأصله بحيث إذا لم تطلب ذلك وكان الحكم بأيهم على
سبيل الخيار للمحكمة كان استئنافها غير جائز؟
تنص الفقرة الأولى من البند الثاني من المادة (179) من تعليمات النيابة
العامة الصادرة بشأن تنفيذ قانون الإجراءات (ص 46) على ما يأتي:
(تعتبر العقوبة مطلوبًا الحكم بها من النيابة في الأحوال الآتية:
( أ ) إذا كان نص القانون المطلوب تطبيقه على الواقعة يقرر حدًا أقصى للغرامة يزيد على خمسة جنيهات).
ويبدو من الاطلاع على هذا النص أن النيابة العامة قد أخذت بالرأي القائل
بأن مجرد طلب النيابة تطبيق مادة على الجريمة يشمل طلب كل ما قضت به تلك
المادة مع أن الرأي الراجح في الفقه والقضاء يرى عكس هذا الرأي إذ جاء في
المذكرة الإيضاحية تعليقًا على المادة (402) إجراءات أن هذا النص يشبه في
مجمله نظام الاستئناف الحالي الخاص بالمخالفات (المادة (153) من قانون
تحقيق الجنايات المُلغى) إذ تنص تلك المادة على أن للنيابة أن تستأنف
الأحكام الصادرة في مواد المخالفات إذا طلبت الحكم بعقوبة غير الغرامة
والمصاريف وحكم ببراءة المتهم أو إذا لم يحكم بما طلبته النيابة.
والرأي الذي ساد في الفقه والقضاء أنه إذا كانت العقوبة المنصوص عليها هي
الغرامة أو الحبس بطريق الخيار وطلبت النيابة تطبيق المادة المشتملة على
هذه العقوبة فتعتبر أنها تركت الخيار للقاضي في توقيع أيهما فلا يجوز لها
استئناف حكم البراءة بناءً على أن المادة التي طلبت العقاب بمقتضاها تشتمل
على عقوبة الحبس أيضًا، إذ أنه ليس من المعول عليه في جواز استئنافها
النظر في العقوبة المشتملة عليها المادة بل إن القانون صريح في أن المعول
عليه هو طلبات النيابة وهي لم تصرح بطلب الحكم بعقوبة الحبس (مصر
الابتدائية 6 يناير 1909 مج (10) وقنا الابتدائية في 29 يوليو سنة 1921).
وهذا الرأي يرجحه الفقه أيضًا فيرى زكي باشا العرابي في كتابه المبادئ
الأساسية للتحقيقات والإجراءات الجنائية ج (2) ط, (940) ص (320) بند (529)
أن استئناف النيابة أساسه الطلبات التي أبدتها فعلاً بالجلسة ولم تجبها
إليها المحكمة.
كما يراه أيضًا القللي بك في كتابه أصول قانون تحقيق الجنايات طبعة ثانية
مكررة (942) ص (470) وجندي بك عبد الملك في الموسوعة الجنائية ج (1) ص
(552) بند (16) وما بعده).
وإذن ففي قضايا القتل الخطأ والشروع في السرقة والنصب والضرب والشروع في
الرشوة وغيرها من الجرائم المماثلة إذا اكتفت النيابة بطلب تطبيق المادة
المنطبقة على الجريمة ولم تصرح بطلب آخر وقضت المحكمة بالبراءة أو
بالغرامة أو لم تقضِ بالعقوبات التكميلية أو بغير ذلك فإن استئنافها لا
يجوز لأن الحكم بأيها على سبيل الخيار للمحكمة ولم تصرح النيابة بطلب
عقوبة معينة.
أما إذا كان النص الذي طلبته النيابة يوجب الحكم بالحبس أو بغرامة تزيد
على خمسة جنيهات أو بعقوبة تكميلية أخرى أو غير ذلك كالرد وإعادة الشيء
إلى أصله ولا يترك الخيار للمحكمة فإنا نرى أن مجرد طلب النيابة تطبيق
المادة المنطبقة يعتبر طلبًا منها بتطبيق العقوبات الأصلية والتكميلية
وغيرها التي يوجب القانون الحكم بها فإذا لم تقضِ المحكمة بما أوجبه
القانون والذي يعتبر طلبًا من النيابة فإن استئنافها يجوز على التفصيل
الآتي:
إذا طلبت النيابة الحكم بغير الغرامة والمصاريف أي بالحبس أو بالعقوبات
التكميلية الأخرى أو غير ذلك كالرد وإعادة الشيء إلى أصله فإن استئناف
النيابة يكون جائزًا إطلاقًا حتى لو أجابت المحكمة النيابة إلى طلبها وقضت
بالحبس أو بالعقوبات التكميلية أو غيرها لأن إجابتها إلى ما طلبت لا
تمنعها من استئناف الحكم لمصلحة المجتمع والعدالة (تراجع المادة 402/ 2)
بخلاف ما إذا طلبت الحكم بغرامة تزيد على خمسة جنيهات وأجابتها المحكمة
إلى ما طلبت فإن استئنافها لا يجوز.
وهذا الرأي الراجح لا يتفق وتعليمات النيابة العامة إلا إذا استبدلت كلمة
أدنى بكلمة أقصى في الفقرة الأولى من البند الثاني من المادة (179) من
التعليمات والمشار إليها بصدر هذا البحث لأن الفقرة بوضعها الحالي تفيد أن
النيابة العامة أخذت بالرأي المرجوح مع أن الفقرة الثانية من المادة نفسها
اعتبرت العقوبة مطلوبًا الحكم بها إذا كان القانون يوجب الحكم بالحبس أو
المراقبة أو المصادرة أو الإغلاق أي أن الفقرة الثانية تفيد الأخذ بالرأي
الراجح بعكس الأولى مع قيام التلازم بين الفقرتين لوحدة علة الحكم فيهما.




[(1)]
أخذت محكمة دمنهور الابتدائية بهيئة استئنافية بوجهة نظر البحث والمراجع
المشار إليها فيه وذلك في الحكم الصادر بتاريخ 15 يناير سنة 1952, في
القضية رقم (1478) سنة 1951, ايتاي البارود (19 سنة 52 س).