مسألة: يحرم القذف، وفيه الحد، وتفصيل
الكلام في الفقه

والقذف هنا: يعم السب والفحش واللعن وما أشبه ذلك
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (واعلموا ان القذف والغيبة
يهدمان عمل ألف سنة) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (القذف من الكفر والكفر في
النار) وقال (عليه السلام): (ان الكبائر احد عشر.. الشرك بالله عزوجل وقذف المحصنة..)

وهل يراد بالقذف ما ارتبط بالعرض أو مطلقاً؟ فإن أصل القذف الرمي ثم استعمـل فيمـا يرتبـط بالعـرض، لكـن هل غلب على ما
يرتبط بالعرض بالمعنى
الأخص بحيث أصبح حقيقة
تعينية فيه أم لا؟
.
احتمالان، وإن كان المنصرف الأول والإطلاق يقتضي الثاني، قال الشاعر:
ولست بقائل قذفاً ولكن لأمر ما تعبدك العبيد
وفي بعض النسخ (قذعاً) مكان (قذفاً)، والقذع هو القذف والرمي بالفحش وسوء القول، فإن الخليفة كان يجمع من الغلمان
الخناثى ثم يبيت معهم من
أول الليل إلى الصباح
يتعاطون الفاحشة، وإلى ذلك أشار الشاعر في هذا البيت
.
وقال شاعر آخر:
ولا يبيت لهم خنثى تنادمهم ولا يرى لهم قرد له حشم
وذكرنا بعض التفصيل في كتاب (ممارسة التغيير)
ثم إن هناك آثاراً وضعية للقذف خصوصاً الرمي بالفاحشة، وذلك لأن من
قذف
قذف، فترجع اللعنة اليه كأثر وضعي تكويني لذلك،
فمن الحكمة في فرض اجتناب
القذف هي الحيلولة عن
رجوع ضرره ولعنه إلى نفس القاذف، قال سبحانه: (ولا
تسبوا الذين
يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم)

وقال علي (عليه السلام): (اني أكره لكم أن تكونوا سبابين)
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر واكل
لحمه من معصية الله وحرمة ماله كحرمة دمه)

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد
سب الله عزوجل)

ولعل قولها (عليها السلام): (حجاباً عن اللعنة) إشارة إلى قوله سبحانه: (إن الذين
يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا
والآخرة)
لا يقال: فلماذا نرى كلمات اللعن والسب أو ما أشبه في القرآن الحكيم،
مثل
قوله سبحانه: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب
جهنم) وكذلك سب
الأشخاص مثل: (عتل بعد
ذلك زنيم)

قال تعالى: (اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون(
وقال سبحانه: (اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)
وقال عزوجل: (وان عليك اللعنة الى يوم الدين)
وقال جل ثناؤه: (ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) لأنه يقال: إذا كان
النقص واقعياً ورجع الأمر إلى إرشاد الطرف أو إرشاد
أهله وعشيرته
أو الآخرين لزم، وهذا ليس من السباب في شيء بل داخل في إرشاد
الجاهل وتنبيه الغافل وإراءة الطريق للضال، فالمنع
والجواز لهما موردان
وهذان عقليان قبل أن
يكونا شرعيين
.
هذا بالإضافة إلى أن كلمات اللعن وشبهه الموجودة في القرآن الكريـم
كثيراً

منها لا توجه إلى أسماء معينة مذكورة، بل الى من يحمل تلك الصفات الرذيلةأو الامم السابقة، فالتركيز يكون على
الصفات والأفكار
والعقائد وأنواع السلوك
والعمل، لا الأفراد بأنفسهم، أما ما توجه الى
أسماء معينة
كقوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب) فإنه يدخل في باب
التزاحم
والأهم وما أشبه كما لا يخفى
.

الاجتناب عن اللعنة
مسألة: يجب أن يبتعد الإنسان عن المواطن التي توجب له (اللعنة) في الجملة، قال تعالى: (ان الله لعن الكافرين وأعد
لهم سعيراً)

واستظهار ذلك من كلامها (عليها السلام) نظراً للتلازم المتقدم الذي
ذكرناه
بين العلة والمعلول، والسبب والمسبب ونحوهما، لكن
لا يخفى أن اللعن ينصرف
إلى معنى: الإبعاد والطرد
من الرحمة أو الخير، والبعد كما يكون في أصول
الدين والفروع
الواجبة، كذلك يكون في الأحكام والفروع المستحبة تركاً،
والمكروهة
فعلاً، ولذا ورد اللعن بمختلف معانيه في جملة من الروايات
:
كقوله (عليه السلام): (ملعون ملعون من نكح بهيمة)
وقال (عليه السلام): (المنجم ملعون، والكاهن ملعون، والساحر ملعون،
والمغنية ملعونة) وقال (عليه السلام): (ملعون من ظلم أجيراً أجرته) وقال (عليه
السلام): (ملعون من سب والديه)وقال (عليه السلام): (من آذى الله فهو ملعون)

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ناكح الكف ملعون(وقال (صلى
الله عليه وآله وسلم): (من لعب بالشطرنج ملعون)

وقال (عليه السلام): (المحتكر ملعون)
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ملعون ملعون من ضيع من يعول)
وقال (عليه السلام): (معلون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر)
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ملعون ملعون مبغض علي بن أبي طالب(عليه
السلام) )

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ملعون ملعون من يظلم ابنتي فاطمة (عليها
السلام)

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أبغض عترتي فهو ملعون)
وقال (عليه السلام): (ملعون ملعون من آذى جاره)
وقال (عليه السلام): (ملعون ملعون قاطع رحمه)
وقال (عليه السلام): (شارب الخمر ملعون)
كما وردعنه (عليه السلام): (من كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون)
وقال (عليه السلام): (ملعون من القى كله على الناس)
وقال (عليه السلام): (الجالس في وسط القوم ملعون(
وقال (عليه السلام): (معلون من أخر العشاء الى ان تشتبك النجوم)
وقال (عليه السلام): (المنان على الفقراء ملعون في الدنيا والآخرة)
وقال (عليه السلام): (ملعون من لم ينصح أخاه)
ومثل ما ورد من اللعن لمن أكل زاده وحده أو نام في بيت وحده أو ركب
الفلاة وحده، أو ما أشبه ذلك
.
والمراد من (اللعنة) في قولها (عليها السلام): اللعنة التي تسببها المحرمات، وأما اللعن في أصول الدين أو في
المكروهات فقولها (عليها الصلاة
والسلام) قد تكون منصرفة
عنهما